بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 607
المشاهدات: 105629
تحميل: 3074


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 105629 / تحميل: 3074
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 12

مؤلف:
العربية

عطفت عطف الضّروس و طرحت طرح الشموس و شنّت غارات الهموم و أراقت ما حلبت من النّعيم فالسّعيد من لم يغترّ بنكاحها و استعد لو شك طلاقها١ .

و روى ( أمالي الشيخ ) مسندا عن ابن عباس عنه عليه السّلام في خطبة له :

« أيّها الناس ، إنّكم سيّارة قد حدا بكم الحادي ، و حد الخراب الدّنيا حادي و ناداكم للموت منادي فلا تغرّنكم الحياة الدّنيا و لا يغرّنّكم باللَّه الغرور٢ ألا و انّ الدّنيا دار غرّارة خدّاعة تنكح في كلّ يوم بعلا ، و تقتل في كلّ ليلة أهلا و تفرّق في كلّ ساعة شملا فكم من منافس فيها و راكن إليها من الامم السالفة قد قذفتهم في الهاوية ، و دمّرتهم تدميرا و تبرّتهم تتبيرا ، و أصلتهم سعيرا ، اين من جمع فأوعى ؟ و شدّ فأوكى و منع فأكدى ؟ بل أين من عسكر العساكر و دسكر الدّساكر و ركب المنابر ؟ أين من بنى الدّور و شرّف القصور و جمهر الألوف ؟ قد تداولتهم أيّامها و ابتلعتهم أعوامها فصاروا أمواتا و في القبور رفاتا ، قد نسوا ما ( يئسوا عمّا ) خلّفوا و وقفوا على ما أسلفوا ، ثمّ ردّوا إلى اللَّه مولاهم الحقّ ألا له الحكم و هو أسرع الحاسبين ، و كأنّي بها و قد أشرفت بطلائعها و عسكرت بفظائعها فأصبح المرء بعد صحّته مريضا و بعد سلامته نقيضا يعالج كربا و يقاسي تعبا في حشرجة السّباق و تتابع الفراق و تردّد الأنين و الذّهول عن البنات و البنين و المرء قد اشتمل عليه شغل شاغل و هول هائل قد اعتقل منه اللّسان و تردّد منه البنان فأصاب مكروبا و فارق الدّنيا مسلوبا لا يملكون له نفعا و لا لما حلّ به دفعا يقول اللَّه عزّ و جلّ في كتابه

____________________

( ١ ) الأمالي للطوسي ٢ : ٢٩٧ .

( ٢ ) لقمان : ٣٣ .

٦١

فلو لا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين١ ، ثم من دون ذلك أهوال القيامة و يوم الحسرة و النّدامة يوم تنصب الموازين و تنشر الدّواوين باحصاء كلّ صغيرة و اعلان كلّ كبيرة يقول اللَّه في كتابه و وجدوا ما عملوا حاضرا و لا يظلم ربّك أحدا٢ .

أيّها النّاس الآن الآن من قبل النّدم و من قبل أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرّطت في جنب اللَّه و إن كنت لمن السّاخرين٣ ، أو تقول لو انّ اللَّه هداني لكنتُ من المتّقين أو تقول حين ترى العذاب لو أنّ لي كرّة فأكون من المحسنين٤ ، فيردّ الجليل جلّ ثناؤه بلى قد جاءتك آياتي فكذّبت بها و استكبرت و كنت من الكافرين٥ ، فو اللَّه ما سأل الرجوع إلاّ ليعمل صالحا . و لا يشرك بعبادة ربِّه أحدا٦ ، أيّها الناس ، الآن الآن ما دام الوثاق مطلقا و السّراج منيرا ، و باب التّوبة مفتوحا ، و من قبل أن يجف القلم و تطوى الصحيفة فلا رزق ينزل ، و لا عمل يصعد ، المضمار اليوم و السّباق غدا فانّكم لا تدرون إلى جنّة أو نار ، و استغفر اللَّه لي و لكم٧ .

و مرّ في ( ١١ ) فصل الموت كتابه عليه السّلام لشريح في وصف دور الدّنيا .

هذا ، و ممّا يدخل في هذا الفصل و لو كان الرّضي نقله كان من موضوع كتابه ما رواه ( الكافي ) في باب بعد باب استدراجه ، أنّ رجلا جاء إليه عليه السّلام فقال

____________________

( ١ ) الواقعة : ٨٦ ٨٧ .

( ٢ ) الكهف : ٤٩ .

( ٣ ) الزمر : ٥٦ .

( ٤ ) الزمر : ٥٧ ٥٨ .

( ٥ ) الزمر : ٥٩ .

( ٦ ) الكهف : ١١٠ .

( ٧ ) الأمالي للمفيد ٦ : ٨٦ ح ٢ .

٦٢

أوصني بوجه من وجوه الخير أنج به ، فقال عليه السّلام : أيّها السّائل ، افهم ثمّ استفهم ، استعلم ثم استيقن ، ثمّ استعمل ، إعلم أنّ النّاس ثلاثة : زاهد ، و صابر ،

و راغب ، امّا الزّاهد : فقد خرجت الأحزان و الأفراح من قلبه ، فلا يفرح بشي‏ء من الدّنيا ناله و لا ييأس على شي‏ء منها فاته فهو مستريح ، و أمّا الصابر فانه يتمنّاها بقلبه فاذا نال منها ألجم نفسه عنها لسوء عاقبتها و شنارها ، و لو اطّلعت على قلبه عجبت من عفّته و تواضعه و حزمه ، و امّا الرّاغب فلا يبالي من أين جاءت الدّنيا من حلّها أو حرامها و لا يبالي ما دنس فيها عرضه ، و أهلك نفسه ، و أذهب مروّته فهم في غمرتهم يعمهون و يضطربون١ .

و انّه قيل له عليه السّلام عظنا و أوجز فقال : الدّنيا حلالها حساب ، و حرامها عقاب و إنّي لكم بالرّوح ، و لم تأسّوا بسنّة نبيّكم تطلبون ما يطغيكم و لا ترضون بما يكفيكم٢ .

____________________

( ١ ) الكافي ٤ : ١٩٤ ح ١٣ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٤ : ٩٩ ح ١٣ .

٦٣

الفصل الثامن و الثلاثون في القيامة و النّار و الجنّة

٦٤

١

من الخطبة ( ١٩٠ ) أُوصِيكُمْ عِبَادَ اَللَّهِ بِتَقْوَى اَللَّهِ فَإِنَّهَا اَلزِّمَامُ وَ اَلْقِوَامُ فَتَمَسَّكُوا بِوَثَائِقِهَا وَ اِعْتَصِمُوا بِحَقَائِقِهَا تَؤُولُ بِكُمْ إِلَى أَكْنَانِ اَلدَّعَةِ وَ أَوْطَانِ اَلسَّعَةِ وَ مَعَاقِلِ اَلْحِرْزِ وَ مَنَازِلِ اَلْعِزِّ فِي يَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ اَلْأَبْصَارُ وَ تُظْلِمُ لَهُ اَلْأَقْطَارُ وَ تُعَطَّلُ فِيهِ صُرُومُ اَلْعِشَارِ وَ يُنْفَخُ فِي اَلصُّورِ فَتَزْهَقُ كُلُّ مُهْجَةٍ وَ تَبْكَمُ كُلُّ لَهْجَةٍ وَ تَذِلُّ اَلشُّمُّ اَلشَّوَامِخُ وَ اَلصُّمُّ اَلرَّوَاسِخُ فَيَصِيرُ صَلْدُهَا سَرَاباً رَقْرَقاً وَ مَعْهَدُهَا قَاعاً سَمْلَقاً فَلاَ شَفِيعٌ يَشْفَعُ وَ لاَ حَمِيمٌ يَدْفَعُ وَ لاَ مَعْذِرَةٌ تَدْفَعُ « أوصيكم عباد اللَّه بتقوى اللَّه فإنّها الزّمام » من الاطّراح في الهلكات و أمّا من خاف مقام ربِّه و نهى النفس عن الهوى فإنّ الجنّة هي المأوى١ .

____________________

( ١ ) النازعات : ٤٠ ٤١ .

٦٥

« و القوام » في أموركم . إنّما يتقبّل اللَّه من المتّقين١ .

« فتمسّكوا بوثائقها » فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن باللَّه فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها .٢ .

« و اعتصموا بحقائقها » الاعتصام بحقائقها : هو الاتّصاف بأوصاف أهلها قال تعالى في وصفهم الّذين ينفقون أموالهم في السّرّاء و الضّرّاء و الكاظمين الغيظ و العافين عن النّاس و اللَّه يحبُّ المحسنين و الّذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللَّه فاستغفروا لِذنوبهم و من يغفر الذّنوب إلاّ اللَّه و لم يصرّوا على ما فعلوا و هو يعلمون٣ .

« تؤل بكم » مضارع آل أي : ترجع بكم .

« إلى أكنان الدّعة » أي : مساكن الاستراحة ، قال تعالى فأمّا من أعطى و اتّقى و صدّق بالحُسنى فسنيسّره لليسرى٤ ، و من يتّق اللَّه يجعل له مخرجاً و يرزقه من حيث لا يحتسب٥ .

« و أوطان السّعة » و سيق الّذين اتّقوا ربَّهم إلى الجنّة زُمراً حتّى إذا جاؤها و فتحت أبوابها و قال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين و قالوا الحمد للَّه الّذي صدقنا وعده و أورثنا الأرض نتبوَّأ من الجنّة حيث نشاء فنعم أجر العاملين٦ ، و سارعوا إلى مغفرة من ربِّكم و جنّةٍ

____________________

( ١ ) المائدة : ٢٧ .

( ٢ ) البقرة : ٢٥٦ .

( ٣ ) آل عمران : ١٣٤ ١٣٥ .

( ٤ ) الليل : ٥ ٧ .

( ٥ ) الطلاق : ٢ ٣ .

( ٦ ) الزمر : ٧٣ ٧٤ .

٦٦

عرضها السماوات و الأرض أُعدّت للمُتّقين١ ، سابقوا إلى مغفرة من ربِّكم و جنّةٍ عرضها كعرض السماء و الأرض أُعدّت للّذين آمنوا باللَّه و رسله .٢ .

« و معاقل الحرز » الأخلاءُ يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدوّ إلاّ المتّقين يا عبادِ لا خوفٌ عليكم اليوم و لا أنتم تحزنون٣ ، فوقيهم اللَّه شرّ ذلك اليوم و لقّاهم نضرةً و سروراً و جزاهم بما صبروا جنّة و حريراً متّكئين فيها على الارائك لا يرون فيها شمساً و لا زمهريراً .٤ .

« و منازل العزّ » و إذا رأيت ثمّ رأيت نعيماً و مُلكاً كبيراً عاليهم ثياب سندسٍ خضرٌ و إستبرق و حُلّوا أساور من فضّةٍ و سقاهم ربُّهم شراباً طهوراً إنَّ هذا كان لكم جزاءً و كان سعيكم مشكوراً٥ ، . و الملائكة يدخلون عليهم من كلّ بابٍ سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عُقبى الدّار٦ .

« في يوم تشخص فيه الأبصار » الظرف متعلّق بقوله قبل ( تؤل بكم ) و هو ناظر إلى قوله تعالى و اقترب الوعد الحقّ فإذا هي شاخصة أبصارُ الّذين كفروا يا ويلنا قد كنّا في غفلةٍ من هذا بل كنّا ظالمين٧ .

و لا تحسبن اللَّه غافلاً عمّا يعمل الظالمون إنّما يؤخّرهم ليومٍ تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتدّ إليهم طرفهم و أفئدتهم هواء٨ .

____________________

( ١ ) آل عمران : ١٣٣ .

( ٢ ) الحديد : ٢١ .

( ٣ ) الزخرف : ٦٧ ٦٨ .

( ٤ ) الدهر : ١١ ١٣ .

( ٥ ) الدهر : ٢٠ ٢٢ .

( ٦ ) الرعد : ٢٣ ٢٤ .

( ٧ ) الأنبياء : ٩٧ .

( ٨ ) إبراهيم : ٤٢ ٤٣ .

٦٧

« و تظلم » من أظلم اللّيل .

« له الأقطار » إذا الشمس كوّرت و إذا النّجوم انكدرت١ ، فإذا برق البصر و خسف القمر و جمع الشّمس و القمر يقول الإنسان يومئذٍ أين المفرّ٢ .

« و تعطّل فيه صروم العشار » الأصل فيه قوله تعالى و إذا العشارُ عُطِّلت٣ ، ( و فسّر ) « إذا النّوق الحوامل تركت بلا راع أو بلا حلب لما دهاهم من الأمر و لم يكن حال أعجب إليهم منها » و الصّروم جمع الصّرمة : القطعة من الإبل نحو الثّلاثين و العشار جمع العشراء : النّوق أتت عليها عشرة أشهر من حملها .

« و ينفخ في الصّور فتزهق كلّ مهجة » قيل المهجة دم القلب قلوبٌ يومئذٍ واجفةٌ أبصارها خاشعةٌ٤ ، و نَفِخَ في الصّور فصعق من في السماوات و الأرض إلاّ من شاء اللَّه ثم نُفِخَ فيه اُخرى فإذا هم قيامٌ ينظرون٥ و في الإرشاد قدم عمرو بن معد يكرب على النبي صلَّى اللَّه عليه و آله بعد تبوك فقال صلَّى اللَّه عليه و آله أسلم يؤمنك اللَّه من الفزع الأكبر قال و ما الفزع الأكبر ؟ فانّي لا أفزع فقال ليس كما تحسب ، إنّ النّاس يصاح بهم صيحة فلا يبقى حيّ إلاّ مات ثمّ يصاح بهم أخرى فينشر من مات و يصفّون جميعا و تنشقّ السّماء و تهدّ الأرض و تخرّ الجبال و ترى النّار بمثل الجبال شررا فلا يبقى ذو روح إلاّ انخلع قلبه ، و شغل بنفسه ، إلاّ ما شاء اللَّه فأين أنت يا عمرو من هذا ؟ قال ألا انّي أسمع

____________________

( ١ ) التكوير : ١ ٢ .

( ٢ ) القيامة : ٧ ١٠ .

( ٣ ) التكوير : ٤ .

( ٤ ) النازعات : ٨ ٩ .

( ٥ ) الزمر : ٦٨ .

٦٨

أمرا عظيما ، فآمن١ .

« و تبكم كل لهجة » أي : كلّ لسان و لغة ، و خشعت الأصوات للرّحمن فلا تسمع إلاّ همساً٢ .

« و تذل الشّمّ الشّوامخ » أي : الجبال الشّواهق ، فاذا نُفخ في الصّور نفخةٌ واحدةٌ و حُملت الأرض و الجبال فدكّتا دكّةً واحدة٣ .

« و الصُّمّ الرّواسخ » أيضا وصف الجبال ، و الأول وصف ارتفاعها في السّماء ، و هذا وصف استحكامها و رسوخها في الأرض كالأوتاد .

« فيصير صلدها سرابا رقرقا » و سُيّرت الجبال فكانت سراباً٤ ، يوم يكون النّاسُ كالفراش المبثوث و تكون الجبال كالعِهن المنفوش٥ ،

و الصلد : الصّلب الأملس ، و السّراب : الذي يرى نصف النّهار من بعيد كأنّه ماء و ليس بشي‏ء و الرّقرق المتلألأ .

« و معهدها قاعا سملقا » و المعهد موضع كنت تعهد به شيئا و القاع المستوى من الأرض ، و السّملق الفضاء الواسع قال تعالى و يسألونك عن الجبال فقل ينسِفها رَبّي نسفاً فيذرها قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً و لا أمتاً يومئذٍ يتّبعون الدّاعي لا عوج له .٦ ، و بُسَّت الجبال بسّاً فكانت هباءً مُنبثّاً٧ ، يومَ ترجف الأرض و الجبالُ و كانت الجبال كثيباً مهيلاً٨ .

____________________

( ١ ) المفيد ، الإرشاد ١ : ١٤٥ .

( ٢ ) طه : ١٠٨ .

( ٣ ) الحاقة : ١٣ ١٤ .

( ٤ ) النبأ : ٢٠ .

( ٥ ) القارعة : ٤ ٥ .

( ٦ ) طه : ١٠٥ ١٠٨ .

( ٧ ) الواقعة : ٥ ٦ .

( ٨ ) المزمل : ١٤ .

٦٩

« فلا شفيع يشفع » فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نردّ فنعمل غير الّذي كنّا نعمل .١ ، هذا ، و مورد كلامه عليه السّلام و الآية غير المؤمنين فلا ينافيان قبول الشّفاعة لهم قال تعالى لنبيّه صلَّى اللَّه عليه و آله عسى أن يبعثَك ربُّك مقاماً محموداً٢ ، و قال في ملائكته . و لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى .٣ ، و كم من مَلَكٍ في السماوات لا تُغني شفاعتهم شيئاً إلاّ من بعد أن يأذن اللَّه لِمن يشاءُ و يرضى٤ .

« و لا حميم يدفع » و يعبّر عن الحميم في الفارسية بقولهم ( جانسوز ) فما لنا من شافعين و لا صديقٍ حميمٍ٥ ، يوم تكون السّماء كالمهل و تكونُ الجِبال كالعهن و لا يسئل حميمٌ حميماً٦ .

« و لا معذرة تنفع » لا تعتذروا اليوم إنّما تجزون ما كنتم تعملون٧ ،

فيومئذٍ لا ينفع الّذين ظلموا معذرتهم و لا هم يستعتبون٨ .

٢

من الخطبة ( ١١٦ ) اِعْمَلُوا لِيَوْمٍ تُذْخَرُ فِيهِ اَلذَّخَائِرُ وَ تُبْلَى فِيهِ اَلسَّرَائِرُ وَ مَنْ لاَ يَنْفَعُهُ حَاضِرُ لُبِّهِ فَعَازِبُهُ عَنْهُ أَعْجَزُ وَ غَائِبُهُ أَعْوَزُ وَ اِتَّقُوا نَاراً حَرُّهَا شَدِيدٌ وَ قَعْرُهَا بَعِيدٌ وَ حِلْيَتُهَا حَدِيدٌ وَ شَرَابُهَا صَدِيدٌ أَلاَ وَ إِنَّ اَللِّسَانَ اَلصَّالِحَ

____________________

( ١ ) الأعراف : ٥٣ .

( ٢ ) الاسراء : ٧٩ .

( ٣ ) الأنبياء : ٢٨ .

( ٤ ) النجم : ٢٦ .

( ٥ ) الشعراء : ١٠٠ ١٠١ .

( ٦ ) المعارج : ٨ ١٠ .

( ٧ ) التحريم : ٧ .

( ٨ ) الروم : ٥٧ .

٧٠

يَجْعَلُهُ اَللَّهُ تَعَالَى لِلْمَرْءِ فِي اَلنَّاسِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ اَلْمَالِ يُورِثُهُ مَنْ لاَ يَحْمَدُهُ أقول : قوله عليه السّلام « إعملوا ليوم تذخر فيه الذّخائر » قال تعالى ما عندكم ينفد و ما عند اللَّه باقٍ .١ ، و ما تُقدِّموا لأنفسكم من خيرٍ تجدوه عند اللَّه هو خيراً و أعظم أجراً .٢ ، و لتنظر نفسٌ ما قدّمت لغدٍ٣ .

« و تبلى فيه السّرائر » أي : تكشف ضمائر القلوب ، قال تعالى إنّه على رجعه لقادرٌ يوم تُبلى السّرائر فماله من قوّةٍ و لا ناصر٤ .

« و من لا ينفعه حاضر لبّه » اللّبّ : العقل و هو مجاز ، و أصله لبّ الجوز و اللّوز و مثلهما .

« فعازبه عنه أعجز » و العازب البعيد و الخفيّ .

« و غائبه أعوز » عوز الشي‏ء : إذا لم يوجد ، قيل و في معنى كلامه عليه السّلام ( و زاجر من النّفس خير من عتاب العواذل ) .

« و اتّقوا نارا حرّها شديد » فاتّقوا النّار التي وقودها النّاسُ و الحجارة .٥ ، عليهم نارٌ مؤصدةٌ٦ ، و أمّا من خفّت موازينه فأمّه هاويةٌ و ما أدريك ماهية نارٌ حامية٧ ، و جي‏ء يومئذٍ بجهنّم يومئذٍ يتذّكر الإنسان و أنّى له الذكرى٨ .

« و قعرها بعيد » كلّما أرادوا أن يخرجوا منها من غمّ أُعيدوا فيها

____________________

( ١ ) النحل : ٩٦ .

( ٢ ) المزمّل : ٢٠ .

( ٣ ) الحشر : ١٨ .

( ٤ ) الطارق : ٨ ١٠ .

( ٥ ) البقرة : ٢٤ .

( ٦ ) البلد : ٢٠ .

( ٧ ) القارعة : ٨ ١١ .

( ٨ ) الفجر : ٢٣ .

٧١

و ذوقوا عذاب الحريق١ .

و في ( تفسير القمي ) : أنّ أهل النار إذا دخلوا جهنّم هووا فيها مسيرة سبعين عاما إلى أن قال فإذا بلغوا أعلاها قمعوا بمقامع من حديد ، و اعيدوا في دركها ، هذه حالهم٢ .

« و حليتها حديد » خذوه فغلّوه ثمَّ الجحيم صلّوه ثمّ في سلسلة ذرعها سبعون ذِراعاً فاسلكوه٣ قطّعت لهم ثيابٌ من نارٍ يُصبُّ من فوق رؤوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم و الجلود و لهم مقامع من حديد٤ .

« و شرابهم صديد » و خاب كلّ جبّارٍ عنيدٍ من ورائه جهنّم و يُسقى من ماء صديد٥ يتجرّعه و لا يكاد يسيغه و يأتيه الموت من كلّ مكان و ما هو بميّت و من ورائه عذابٌ غليظٌ٦ .

« ألا و انّ اللِّسان الصّالح يجعله اللَّه للمرء في النّاس خير له من المال يورثه من لا يحمده » قال ابن أبي الحديد في الخبر : جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فأخبره أنّ مالا له قد انفجرت فيه عين خّرارة فقال عليه السّلام مكرّرا بشّر الوارث ،

و كتب في تلك الساعة كتاب وقفه٧ .

____________________

( ١ ) الحج : ٢٢ .

( ٢ ) تفسير القمي ٢ : ٨١ .

( ٣ ) الحاقة : ٣٠ ٣٢ .

( ٤ ) الحج : ١٩ ٢١ .

( ٥ ) إبراهيم : ١٥ ١٦ .

( ٦ ) إبراهيم : ١٧ .

( ٧ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٢٩٠ .

٧٢

٣

من الخطبة ( ١٤٩ ) منها :

حَتَّى إِذَا كَشَفَ لَهُمْ عَنْ جَزَاءِ مَعْصِيَتِهِمْ وَ اِسْتَخْرَجَهُمْ مِنْ جَلاَبِيبِ غَفْلَتِهِمُ اِسْتَقْبَلُوا مُدْبِراً وَ اِسْتَدْبَرُوا مُقْبِلاً فَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِمَا أَدْرَكُوا مِنْ طَلِبَتِهِمْ وَ لاَ بِمَا قَضَوْا مِنْ وَطَرِهِمْ وَ إِنِّي أُحَذِّرُكُمْ وَ نَفْسِي هَذِهِ اَلْمَنْزِلَةَ فَلْيَنْتَفِعِ اِمْرُؤٌ بِنَفْسِهِ فَإِنَّمَا اَلْبَصِيرُ مَنْ سَمِعَ فَتَفَكَّرَ وَ نَظَرَ فَأَبْصَرَ وَ اِنْتَفَعَ بِالْعِبَرِ ثُمَّ سَلَكَ جَدَداً وَاضِحاً يَتَجَنَّبُ فِيهِ اَلصَّرْعَةَ فِي اَلْمَهَاوِي وَ اَلضَّلاَلَ فِي اَلْمَغَاوِي وَ لاَ يُعِينُ عَلَى نَفْسِهِ اَلْغُوَاةَ بِتَعَسُّفٍ فِي حَقٍّ أَوْ تَحْرِيفٍ فِي نُطْقٍ أَوْ تَخَوُّفٍ مِنْ صِدْقٍ فَأَفِقْ أَيُّهَا اَلسَّامِعُ مِنْ سَكْرَتِكَ وَ اِسْتَيْقِظْ مِنْ غَفْلَتِكَ وَ اِخْتَصِرْ مِنْ عَجَلَتِكَ وَ أَنْعِمِ اَلْفِكْرَ فِيمَا جَاءَكَ عَلَى لِسَانِ ؟ اَلنَّبِيِّ اَلْأُمِّيِّ ص ؟ مِمَّا لاَ بُدَّ مِنْهُ وَ لاَ مَحِيصَ عَنْهُ وَ خَالِفْ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ وَ دَعْهُ وَ مَا رَضِيَ لِنَفْسِهِ وَ ضَعْ فَخْرَكَ وَ اُحْطُطْ كِبْرَكَ وَ اُذْكُرْ قَبْرَكَ فَإِنَّ عَلَيْهِ مَمَرَّكَ وَ كَمَا تَدِينُ تُدَانُ وَ كَمَا تَزْرَعُ تَحْصُدُ وَ مَا قَدَّمْتَ اَلْيَوْمَ تَقْدَمُ عَلَيْهِ غَداً فَامْهَدْ لِقَدَمِكَ وَ قَدِّمْ لِيَوْمِكَ فَالْحَذَرَ اَلْحَذَرَ أَيُّهَا اَلْمُسْتَمِعُ وَ اَلْجِدَّ اَلْجِدَّ أَيُّهَا اَلْغَافِلُ وَ لا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ١٧ ٢١ ٣٥ : ١٤ أقول : و رواه ( تحف العقول ) في عنوان ( و من حكمه عليه السّلام ) مرفوعا مع اختلاف قوله عليه السّلام « حتّى إذا كشف لهم عن جزاء معصيتهم » قال تعالى لا يذوقون فيها برداً و لا شراباً إلاّ حميماً و غسّاقاً جزاءً وفاقاً إنّهم كانوا لا يرجون حِساباً١ .

____________________

( ١ ) تحف العقول لابن شعبة الحراني : ١٥٤ ١٥٦ ، و الآية ٢٤ ٢٧ من سورة النبأ .

٧٣

« و استخرجهم من جلابيب غفلتهم » قال تعالى و نفخ في الصّور ذلك يوم الوعيد و جاءت كلّ نفسٍ معها سائقٌ و شهيدٌ لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد١ .

« استقبلوا مدبرا و استدبروا مقبلا » قيل : أي استقبلوا أمرا كان في ظنّهم مدبرا عنهم و هو الشّقاء و العذاب و استدبروا ما كانوا خوّلوه من الأولاد و الأموال .

« فلم ينتفعوا بما أدركوا من طلبتهم » أ فرأيت إن متّعناهم سنين ثمّ جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتّعون٢ .

« و لا بما قضوا من وطرهم » و زاد ( التحف ) « و صار ذلك وبالا عليهم فصاروا يهربون ممّا كانوا يطلبون »٣ .

و في ( المعجم ) في عليّ بن محمّد التّنوخي : ( يحكى انّه كان من جملة القضاة الّذين ينادمون الوزير المهلبيّ و يجتمعون عنده في الأسبوع ليلتين على اطّراح الحشمة و التبسّط في القصف و الخلاعة و هم ابن قريعة و ابن معروف و القاضي الايذجي و غيرهم و ما منهم إلاّ أبيض اللّحية طويلها فاذا لذّ السّماع و أخذ الطّرب منهم مأخذه و هبوا ثوب الوقار للعقار و تقلّبوا في أعطاف العيش بين الخفّة و الطّيش و وضع في يد كلّ منهم طاس ذهب من ألف مثقال مملوّا شرابا قطر بليا و عكبريّا فيغمس لحيته فيه بل ينقعها حتى تتشرب أكثره ثمّ يرشّ بها بعضهم على بعض و يرقصون بأجمعهم و عليهم المصبّغات و فحانق البرم و يقولون كلّما كثر شربهم ( هرهر ) و إيّاهم عني

____________________

( ١ ) ق : ٢٠ ٢٢ .

( ٢ ) الشعراء : ٢٠٥ ٢٠٧ .

( ٣ ) ابن شعبة ، تحف العقول : ١٥٥ .

٧٤

السّري في قوله :

مجالس ترقص القضاة بها

إذا انتشوا في فحانق البرم

فاذا أصبحوا عادوا إلى التحفّظ بأبّهة القضاء و حشمة الكبراء١ .

« و انّي احذركم و نفسي هذه المنزلة » قال ابن أبي الحديد : و روي « و هذه المزلّة »٢ ، قال عليه السّلام : « و نفسي » ليكونوا إلى الانقياد أقرب .

« فلينتفع امرؤ بنفسه » قال تعالى عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم .٣ ، و ما تقدموا لأنفسكم من خيرٍ تجدوه عند اللَّه٤ .

« فإنّما البصير من سمع فتفكّر ، و نظر فأبصر » لا كلّ من كان له بصر .

« و انتفع بالعبر » قال تعالى حاكيا عن فرعون فقال أنا ربّكم الأعلى فأخذه اللَّه نكال الآخرة و الاُولى إنَّ في ذلك لعبرةً لمن يخشى٥ .

« ثمّ سلك جددا واضحا » في ( الصحاح ) : الجدد : الأرض الصّلبة ، و في المثل :

( من سلك الجدد أمن العثار ) قال تعالى إنَّ الّذين قالوا ربُّنا اللَّه ثم استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة ألاّ تخافوا و لا تحزنوا و أبشروا بالجنّة التي كنتم توعدون٦ .

« يتجنّب فيه الصّرعة في المهاوي » في ( الصحاح ) : المهوى و المهواة ما بين الجبلين و نحو ذلك ، و تهاوى القوم في المهواة : سقط بعضهم في أثر بعض ، قال تعالى و أمّا من خاف مقام ربِّه و نهى النّفس عن الهوى فإنَّ

____________________

( ١ ) معجم الأدباء للحموي ١٤ : ١٦٦ ١٦٧ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٥٩ .

( ٣ ) المائدة : ١٠٥ .

( ٤ ) المزمّل : ٢٠ .

( ٥ ) النازعات : ٢٤ ٢٦ .

( ٦ ) فصّلت : ٣٠ .

٧٥

الجنّة هي المأوى١ .

« و الضّلال في المغاوي » كطلحة و الزّبير في خروجهما عليه عليه السّلام فصرع الأوّل في الحرب ممّن كان معه و هو مروان ، و صرع الثّاني في البيداء قتله عمرو بن جرموز ، و قال زهير :

أ لم تر للنعمان كان بنجوة

من الشّرّ لو أنّ امرأ كان ناجيا

فغيّر عنه ملك عشرين حجّة

من الدهر و يوم واحد كان غاويا٢

و في ( الصحاح ) : المغوّيات بفتح الواو و مشدّدة : جمع المغوّاة و هي حفرة كالزبية يقال : ( من حفر مغوّاة وقع فيها )٣ .

« و لا يعين على نفسه الغواة بتعسّف في حقّ » في ( الصحاح ) : العسف :

الأخذ على غير الطريق و كذلك التعسّف و الاعتساف٤ .

« أو تحريف في نطق » لا يبعد أن يكون عليه السّلام خطب بهذه الخطبة في أمر أهل الجمل حيث انّ في آخره ذمّ النساء و انّ همّن الزّينة و الفساد ، فلا يبعد أن يكون المراد تحريف ابن الزّبير في أمر الجواب ، ففي ( خلفاء ابن قتيبة ) : لمّا انتهوا إلى ماء الحوأب نبحها كلاب الحوأب فقالت عايشة لمحمّد بن طلحة : أيّ ماء هذا ؟ قال : الحوأب قالت : إنّي أراني راجعة قال : و لم ؟ قالت : سمعت النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يقول لنسائه : كأنّي بإحداكن قد نبحتها كلاب الحوأب و إيّاك أن تكوني أنت يا حميراء فقال لها : تقدّمي و دعي هذا القول ، و أتى عبد اللَّه بن الزّبير فحلف لها أنّها خلّفت الحوأب في أوّل اللّيل و أتاها ببيّنة زور من الاعراب فشهدوا بذلك .

____________________

( ١ ) النازعات : ٤٠ ٤١ .

( ٢ ) ديوان زهير بن أبي سلمى : ١٠٧ ١٠٨ .

( ٣ ) الصحاح : ( غوى ) .

( ٤ ) الصحاح : ( عسف ) .

٧٦

« أو تخوّف من صدق » لمّا أمر معاوية بالتّسليم على ابنه يزيد بولاية العهد سكت الأحنف فقال له : ما بالك لا تقول ؟ قال : أخاف اللَّه إن كذبتك و أخافك إن صدقتك١ .

« فأفق أيّها السّامع من سكرتك » في ( التحف ) : « أيّها المستمتع » و هو الأصحّ فالخطاب للمستمتع من شراب شهوات الدّنيا بقرينة قوله ( فأفق ) و أفق من أفاق المريض : رجع إلى صحّته و قولهم فلان مدمن الخمر لا يستفيق من الشّراب٢ .

« و استيقظ من غفلتك » فالغافل كالنّائم .

« و اختصر من عجلتك » أي : أقلّ منها .

« و أنعم الفكر في ما جاءك على لسان النّبي الأمّيّ صلّى اللَّه عليه و سلّم » في ( الصحاح ) : نعم الشي‏ء بالضمّ نعومة أي : صار ناعما ليّنا ، و أنعم اللَّه صباحك من النّعومة٣ .

و لعلّ المراد ما جاء على لسان النّبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله في أهل الجمل من كونهم النّاكثين ، و من حديث كلاب الحوأب و من قتال الزّبير معه عليه السّلام ظلما .

« و خالف من خالف ذلك إلى غيره و دعه و ما رضى لنفسه » من مخالفته قول النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله و عدم اكتراثه لخلافه .

« و ضع فخرك ، و احطط كبرك » فانّ الفخر و الكبر رذيلتان مرديتان و النّاس كلّهم بنو آدم و آدم من تراب .

« و اذكر قدرك » هكذا في ( المصرية )٤ و الصحيح : ( و اذكر قبرك ) كما في

____________________

( ١ ) تاريخ الخلفاء « الإمامة و السياسة » لابن قتيبة ١ : ٦٣ .

( ٢ ) تحف العقول لابن شعبة : ١٥٦ .

( ٣ ) الصحاح : ( نعم ) .

( ٤ ) الطبعة المصرية بلفظ « و اذكر قبرك » : ٣٢٩ .

٧٧

( ابن أبي الحديد ) و غيره١ و يدلّ عليه قوله بعد .

« فإنَّ عليه ممرّك » فممرّ الإنسان على قبره لا قدره .

هذا ، و تفرّد ابن أبي الحديد بالنقل في٢ ( ٣ ) و قال عليه السّلام : « ضع فخرك و احطط كبرك و اذكر قبرك »٣ ، و نقلته ( المصرية ) عنه٤ ( ٣٣٩٨ ) فان صحّ كونه من المصنّف فهو ممّا كرّره سهوا .

« و كما تدين تدان » هو كالمثل و قال الشّاعر : دنّاهم كما دانو ، و في ( الصحاح ) : « كما تدين تدان : أي : كما تجازي تجازي٥ و قوله تعالى ءَ إنّا لمدينون٦ أي : مجزيون محاسبون ، و منه الدّيّان في صفته تعالى .

« و كما تزرع تحصد » هو أيضا كالمثل : ( فمن زرع الخير حصد السّلامة و من زرع الشّرّ حصد النّدامة ) .

« و كما قدّمت اليوم تقدم عليه غدا » هكذا في ( المصرية )٧ و الصواب : ( و ما ) لا ( و كما ) كما يشهد له ابن أبي الحديد و غيره .

قال تعالى : و ما تقدّموا لأنفسكم من خير تجدوه عند اللَّه .٨ ، يوم تجد كلّ نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضراً و ما عملت من سوءٍ تودُّلو أنّ بينها و بينه أمداً بعيداً٩ .

« فامهد لقدمك و قدّم ليومك » قال تعالى . و لتنظر نفسٌ ما

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٥٨ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٥٨ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٥٨ .

( ٤ ) الطبعة المصرية المصححة : ١٤٦ .

( ٥ ) الصحاح : ( دين ) .

( ٦ ) الصافات : ٥٣ .

( ٧ ) الطبعة المصرية المصححة بإضافة ( ما ) : ٣٢٩ ، و شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٥٨ .

( ٨ ) البقرة : ١١٠ .

( ٩ ) آل عمران : ٣٠ .

٧٨

قدّمت لغدٍ .١ .

« فالحذر الحذر أيّها المستمع » :

هي الدّنيا تقول بمل‏ء فيها

حذار حذار من بطشي و فتكي٢

« و الجدّ الجدّ أيّها الغافل » الجدّ : مقابل الهزل ، يقال : أجادّ أنت أم هازل ؟

« و لا ينبئك مثل خبير » اقتباس من قوله تعالى في ( ١٤ ) من فاطر .

٤

من الخطبة ( ١٥١ ) المكرّر ( و منه ) :

قَدْ شَخَصُوا مِنْ مُسْتَقَرِّ اَلْأَجْدَاثِ وَ صَارُوا إِلَى مَصَايِرِ اَلْغَايَاتِ لِكُلِّ دَارٍ أَهْلُهَا لاَ يَسْتَبْدِلُونَ بِهَا وَ لاَ يُنْقَلُونَ عَنْهَا أقول : قوله ( و منه ) هكذا في ( المصرية )٣ و لكن في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ( منها )٤ فهو الصحيح .

« قد شخصوا من مستقرّ الأجداث » في ( الصحاح ) : ( شخص بصره إذا فتح عينيه و جعل لا يطرف و يقال للرّجل إذا ورد عليه أمر أقلقه شخص به و شخص شخوصا أي : ذهب ) و الجدث : القبر ، و الجمع : أجدث و اجداث ، قال :

( عرفت بأجدث فنعاف عرق . ) .

قلت : بل جمعه أجداث فقط و ( اجدث ) في البيت موضع كنعاف عرق كما لا يخفى قال تعالى إنّما يؤخّرهم ليومٍ تشخص فيه الأبصار مهطعين

____________________

( ١ ) الحشر : ١٨ .

( ٢ ) ذكره شرح ابن أبي الحديد في ٣ : ٣٣٥ قائلا : و قول بعضهم .

( ٣ ) الطبعة المصرية : ٣٣٥ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٠ ( ١٥٦ ) .

٧٩

مقنعي رؤوسهم لا يرتدّ إليهم طرفهم و أفئدتهم هواء١ ، و نفخ في الصّور فإذا هم من الأجداث إلى ربِّهم ينسلون قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرّحمن و صدق المرسلون٢ ، يوم يخرجون من الأجداث سراعاً كأنّهم إلى نصب يوفضون خاشعةً أبصارهم ترهقهم ذِلّةٌ ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون٣ ، يخرجون من الأجداث كأنّهم جرادٌ منتشر مهطعين إلى الدّاعي يقول الكافرون هذا يومٌ عسرٌ٤ .

« و صاروا الى مصائر الغايات » فريقٌ في الجنّة و فريقٌ في السّعير٥ .

« لكلّ دار أهلها لا يستبدلون بها و لا ينقلون عنها » في ( تفسير القمّي ) عن الصادق عليه السّلام قال ما خلق اللَّه خلقا إلاّ جعل له في الجنّة منزلا و في النّار منزلا فاذا دخل أهل الجنّة الجنّة ، و أهل النّار النّار ، ينادي مناد : يا أهل الجنّة أشرفوا فيشرفون على أهل النّار و ترفع لهم منازلهم فيها ثمّ يقال لهم هذه منازلكم الّتي لو عصيتم اللَّه لدخلتموها فلو انّ أحدا مات فرحا لمات أهل الجنّة في ذلك اليوم فرحا لما صرف عنهم من العذاب ثمّ ينادي مناد يا أهل النّار ارفعوا رؤوسكم فيرفعون رؤوسهم فينظرون إلى منازلهم في الجنّة و ما فيها من النّعيم فيقال لهم هذه منازلكم التي لو أطعتم ربّكم لدخلتموها فلو ان أحدا مات حزنا لمات أهل النّار حزنا فيورث هؤلاء منازل هؤلاء و يورث هؤلاء منازل هؤلاء٦ و ذلك قوله تعالى أولئك هم الوارثون الذين يرثون

____________________

( ١ ) إبراهيم : ٤٢ ٤٤ .

( ٢ ) يس : ٥١ ٥٢ .

( ٣ ) المعارج : ٤٣ ٤٤ .

( ٤ ) القمر : ٧ ٨ .

( ٥ ) الشورى : ٧ .

( ٦ ) تفسير القمّي ٢ : ٨٩ .

٨٠