بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 607
المشاهدات: 105610
تحميل: 3074


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 105610 / تحميل: 3074
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 12

مؤلف:
العربية

الفردوس هم فيها خالدون١ .

٥

من الخطبة ( ١٧٨ ) وَ اِعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يَتَّقِ اَللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ٢٩ ٣٤ ٦٥ : ٢ مِنَ اَلْفِتَنِ وَ نُوراً مِنَ اَلظُّلَمِ وَ يُخَلِّدْهُ فِيمَا اِشْتَهَتْ نَفْسُهُ وَ يُنْزِلْهُ مَنْزِلَةَ اَلْكَرَامَةِ عِنْدَهُ فِي دَارٍ اِصْطَنَعَهَا لِنَفْسِهِ ظِلُّهَا عَرْشُهُ وَ نُورُهَا بَهْجَتُهُ وَ زُوَّارُهَا مَلاَئِكَتُهُ وَ رُفَقَاؤُهَا رُسُلُهُ أقول : قوله عليه السّلام : « و اعلموا انّ من يتّق اللَّه يجعل له مخرجا من الفتن » قال تعالى و من يتّق اللَّه يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب .٢ ،

و من يتّقِ اللَّه يجعل له من أمره يسراً٣ ، و من يتّق اللَّه يكفّر عنه سيّئاته و يعظم له أجراً٤ ، قال أنا يوسف و هذا أخي قد مَنَّ اللَّه علينا إنّه من يتّق و يصبر فإنَّ اللَّه لا يضيع أجر المحسنين٥ .

« و نورا من الظلم » قال تعالى اللَّه وليّ الذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النور .٦ ، و قال تعالى هو الّذي يصلّي عليكم و ملائكته ليخرجكم من الظُّلمات إلى النّور و كان بالمؤمنين رحيما٧ .

« و يخلّده في ما اشتهت نفسه » جنّاتُ عدنٍ التي وعد الرّحمن عباده

____________________

( ١ ) المؤمنون : ١٠ ١١ .

( ٢ ) الطلاق : ٢ ٣ .

( ٣ ) الطلاق : ٤ .

( ٤ ) الطلاق : ٥ .

( ٥ ) يوسف : ٩٠ .

( ٦ ) البقرة : ٢٥٧ .

( ٧ ) الأحزاب : ٤٣ .

٨١

بالغيب انّه كان وعدهُ مأتياً لا يسمعون فيها لغواً إلاّ سلاماً و لهم رِزقهم فيها بكرةً و عشيّاً١ ، إنَّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها و هم فيما اشتهت أنفسهم خالدون لا يحزنهم الفزع الأكبر و تتلقّاهم الملائكة هذا يومكم الّذي كنتم توعدون٢ ، إنّ الّذين قالوا ربّنا اللَّه ثمّ استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة ألاّ تخافوا و لا تحزنوا و ابشروا بالجنّة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدّنيا و في الآخرة و لكم فيها ما تشتهي أنفسكم و لكم فيها ما تدّعون نُزلا من غفور رحيم٣ ،

الأخِلاّء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدوٌّ إلاّ المتّقين يا عبادي لا خوفٌ عليكم اليوم و لا أنتم تحزنون الّذين آمنوا بآياتنا و كانوا مسلمين ادخلوا الجنّة أنتم و أزواجكم تحبرون يُطاف عليهم بصحافٍ من ذهبٍ و أكوابٍ و فيها ما تشتهيه الأنفس و تلذّ الأعين و أنتم فيها خالدون و تلك الجنّة الّتي أورثتموها بما كنتم تعملون لكم فيها فاكهةٌ كثيرةٌ منها تأكلون٤ ، على سررٍ موضونةٍ متّكئين عليها متقابلين يطوف عليهم ولدانٌ مخلّدون بأكوابٍ و أباريق و كأسٍ من معينٍ لا يصدّعون عنها و لا ينزفون و فاكهةٍ ممّا يتخيّرون و لحم طيرٍ ممّا يشتهون و حورٌ عينٌ كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاءً بما كانوا يعملون لا يسمعون فيها لغواً و لا تأثيماً إلاّ قيلاً سلاماً سلاماً٥ ، إنّ المتّقين في جنّاتٍ و نعيمٍ فاكهين بما آتاهم ربّهم و وقاهم ربُّهم عذاب الجحيم كلوا و اشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون متّكئين على

____________________

( ١ ) مريم : ٦١ ٦٢ .

( ٢ ) الأنبياء : ١٠١ ١٠٣ .

( ٣ ) فصّلت : ٣٠ ٣٢ .

( ٤ ) الزخرف : ٦٧ ٧٣ .

( ٥ ) الواقعة : ١٥ ٢٦ .

٨٢

سررٍ مصفوفةٍ و زوّجناهم بحورٍ عين . و أمددناهم بفاكهة و لحمٍ ممّا يشتهون يتنازعون فيها كأساً لا لغوٌ فيها و لا تأثيمٌ١ .

« و ينزله منزلة » هكذا في ( المصرية )٢ و الصواب : ( منزل ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة )٣ .

« الكرامة عنده » قال تعالى نُزلاً من غفورٍ رحيم٤ ، تحيّتهم يوم يلقونه سلام و أعدّ لهم أجراً كريماً٥ .

« في دار اصطنعها لنفسه » تلك الدّار الآخرة نجعلها للّذين لا يريدون علوّاً في الأرض و لا فساداً و العاقبة للمتّقين٦ ، تلك الجنّة التي نورثُ من عبادنا من كان تقيّا٧ .

« ظلّها عرشه » قالوا كلامه عليه السّلام هذا يدلّ على انّ الجنّة فوق السماوات السّبع و تحت العرش .

« و نورها بهجته » اللَّه نور السماوات و الأرض .٨ .

« و زوّارها ملائكته » قال تعالى . إنّما يتذكّر أولوا الألباب الّذين يوفون بعهد اللَّه و لا ينقضون الميثاق و الّذين يصلون ما أمر اللَّه به أن يوصل و يخشون ربّهم و يخافون سوء الحساب و الّذين صبروا ابتغاء وجه ربِّهم و أقاموا الصّلاة و انفقوا ممّا رزقناهم سرّاً و علانيةً و يدرؤون بالحسنة

____________________

( ١ ) الطور : ١٧ ٢٣ .

( ٢ ) الطبعة المصرية المصححة « و ينزله منزل » : ٣٩٥ ح ١٧٦ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١١٦ ح ( ١٨٤ ) ، و ابن ميثم : « ينزل منزلة » ٤ : ٣٩٨ ، كذلك الخطية : ١٦٥ .

( ٤ ) فصّلت : ٣٢ .

( ٥ ) الأحزاب : ٤٤ .

( ٦ ) القصص : ٨٣ .

( ٧ ) مريم : ٦٣ .

( ٨ ) النور : ٣٥ .

٨٣

السّيئة أولئك لهم عقبى الدّار جنّات عدن يدخلونها و من صلح من آبائهم و أزواجهم و ذُرِّياتهم و الملائكة يدخلون عليهم من كُلّ بابٍ سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار١ .

« و رفقاؤها رسله » قال تعالى و من يطع اللَّه و الرّسول فأولئك مع الّذين أنعم اللَّه عليهم من النبيّين و الصّدّيقين و الشهداء و الصّالحين و حسن أولئك رفيقا٢ .

٦

الحكمة ( ٢٨٠ ) و قال عليه السّلام :

مَنْ تَذَكَّرَ بُعْدَ اَلسَّفَرِ اِسْتَعَدَّ أي : استعدّ بقدر بعده قال تعالى يا أيُّها الّذين آمنوا اتَّقوا اللَّه و لتنظرْ نفسٌ ما قدّمت لغدٍ و اتّقوا اللَّه إنّ اللَّه خبير بما تعملون و لا تكونوا كالّذين نسوا اللَّه فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون٣ ، كلاّ إذا دُكّت الأرض دكّاً دكّاً و جاء ربُّك و الملك صفّاً صفّاً و جي‏ء يومئذٍ بجهنّم يومئذٍ يتذكّر الإنسان و أنّى له الذّكرى يقولُ يا ليتني قدّمت لحياتي فيومئذ لا يُعذّب عذابه أحدٌ و لا يوثق وثاقه أحدٌ يا أيّتها لنفس المطمئنة ارجعي إلى ربِّك راضيةً مرضيّةً فادخلي في عبادي و ادخلي جنَّتي٤ .

____________________

( ١ ) الرعد : ١٩ ٢٤ .

( ٢ ) النساء : ٦٩ .

( ٣ ) الحشر : ١٨ ١٩ .

( ٤ ) الفجر : ٢١ ٣٠ .

٨٤

٧

الخطبة ( ٢٧ ) و من خطبة له عليه السّلام :

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اَلدُّنْيَا قَدْ أَدْبَرَتْ وَ آذَنَتْ بِوَدَاعٍ وَ إِنَّ اَلْآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ وَ أَشْرَفَتْ بِاطِّلاَعٍ أَلاَ وَ إِنَّ اَلْيَوْمَ اَلْمِضْمَارَ وَ غَداً اَلسِّبَاقَ وَ اَلسَّبَقَةُ اَلْجَنَّةُ وَ اَلْغَايَةُ اَلنَّارُ أَ فَلاَ تَائِبٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ قَبْلَ مَنِيَّتِهِ أَ لاَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ يَوْمِ بُؤْسِهِ أَلاَ وَ إِنَّكُمْ فِي أَيَّامِ أَمَلٍ مِنْ وَرَائِهِ أَجَلٌ فَمَنْ عَمِلَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ نَفَعَهُ عَمَلُهُ وَ لَمْ يَضْرُرْهُ أَجَلُهُ وَ مَنْ قَصَّرَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ خَسِرَ عَمَلُهُ وَ ضَرَّهُ أَجَلُهُ أَلاَ فَاعْمَلُوا فِي اَلرَّغْبَةِ كَمَا تَعْمَلُونَ فِي اَلرَّهْبَةِ أَلاَ وَ إِنِّي لَمْ أَرَ كَالْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا وَ لاَ كَالنَّارِ نَامَ هَارِبُهَا أَلاَ وَ إِنَّهُ مَنْ لاَ يَنْفَعُهُ اَلْحَقُّ يَضُرُّهُ اَلْبَاطِلُ وَ مَنْ لَمْ يَسْتَقِمْ بِهِ اَلْهُدَى يَجُرُّ بِهِ اَلضَّلاَلُ إِلَى اَلرَّدَى أَلاَ وَ إِنَّكُمْ قَدْ أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ وَ دُلِلْتُمْ عَلَى اَلزَّادِ وَ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ اِثْنَتَانِ اِتِّبَاعُ اَلْهَوَى وَ طُولُ اَلْأَمَلِ فَتَزَوَّدُوا مِنَ اَلدُّنْيَا مَا تُحْرِزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ غَداً أقول : لو كان كلام يأخذ بالأعناق إلى الزّهد في الدّنيا ، و يضطرّ إلى عمل الآخرة لكان هذا الكلام ، و كفى به قاطعا لعلائق الآمال ، و قادحا زناد الإتّعاظ و الإزدجار و من أعجبه قوله عليه السّلام : « ألا و إنّ اليوم المضمار ، و غدا السّباق ،

و السّبقة الجنّة ، و الغاية النّار » فانّ فيه مع فخامة اللّفظ ، و عظم قدر المعنى ،

و صادق التمثيل ، و واقع التشبيه ، سرّا عجيبا ، و معنى لطيفا ، و هو قوله عليه السّلام « و السّبقة الجنّة و الغاية النّار » ، فخالف بين اللفظين لاختلاف المعنيين ، و لم يقل : « السبقة النّار » كما قال : « السّبقة الجنّة » لأنّ الاستباق انّما يكون إلى أمر محبوب ، و غرض مطلوب ، و هذه صفة الجنّة و ليس هذا المعنى موجودا في

٨٥

النّار ، نعوذ باللَّه منها فلم يجز أن يقول : و السّبقة النّار » بل قال : « و الغاية النّار » لأنّ الغاية قد ينتهي إليها من لا يسّره الانتهاء إليها ، و من يسرّه و لا يصلح أن يعبّر بها عن الأمرين معا ، فهي في هذا الموضع كالمصير و المآل ، قال تعالى . قل تمتّعوا فإنّ مصيركم إلى النّار١ و لا يجوز في هذا الموضع أن يقال ( سبقتكم ) بسكون الباء إلى النّار ، فتأمّل ذلك فباطنه عجيب ، و غوره بعيد ، و كذلك أكثر كلامه عليه السّلام و في بعض النّسخ : و قد جاء في رواية اخرى « و السّبقة الجنّة » بضمّ السّين و السّبقة عندهم : اسم لما يجعل للسّابق إذا سبق من مال أو عرض ، و المعنيان متقاربان ، لأنّ ذلك لا يكون جزاء على فعل الأمر المذموم و إنّما يكون جزاء على فعل الأمر المحمود .

أقول : هذه الخطبة رواها ابن قتيبة في ( خلفائه ) و الجاحظ في ( بيانه ) و إبراهيم الثقفي في ( غاراته ) و محمّد بن بابويه في ( فقيهه ) و ابن أبي شعبة في ( تحفه ) و محمّد بن محمّد بن النّعمان في ( إرشاده ) و المسعودي في ( مروجه ) مع اختلاف و زيادة و نقص .

قال الأول : ذكروا أنّ البيعة لمّا تمّت له عليه السّلام بالمدينة : خرج إلى المسجد فصعد المنبر إلى أن قال قال عليه السّلام : و اعلموا أنّ الدّنيا قد أدبرت و الآخرة قد أقبلت ألا و إنّ المضمار اليوم و السّبق غدا ألا و إنّ السّبقة الجنّة و الغاية النّار ،

ألا إنّ الأمل يسهي القلب و يكذب الوعد و يأتي بغفلة و يورث حسرة فهو غرور و صاحبه في عناء فافزعوا إلى قوام دينكم و اتمام صلاتكم و أداء زكاتكم و النصيحة لإمامكم و تعلّموا كتاب اللَّه و أصدقوا الحديث عن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه و آله و أوفوا بالعهد إذا عاهدتم و أدّوا الأمانات إذا ائتمنتم و ارغبوا في ثواب اللَّه

____________________

( ١ ) إبراهيم : ٣٠ .

٨٦

و ارهبوا عذابه و اعملوا الخير تجزوا بالخير يوم يفوز بالخير من قدّم الخير١ .

و قال الثاني : و خطب عليه السّلام فقال : أمّا بعد فانّ الدّنيا قد أدبرت و آذنت بوداع و إنّ الآخرة قد أقبلت و أشرفت باطّلاع و إنّ المضمار اليوم و السّباق غدا ،

ألا و إنّكم في أيّام أمل من ورائه أجل فمن أخلص في أيام أمله قبل حضور أجله فقد نفعه عمله و لم يضرّه أمله ، و من قصّر في أيّام أمله قبل حضور أجله فقد خسر عمله و ضرّه أمله ألا فاعملوا للَّه في الرغبة كما تعملون له في الرّهبة ،

ألا و انّي لم أر كالجنّة نام طالبها و لا كالنّار نام هاربها ، ألا و إنّه من لم ينفعه الحقّ يضرّه الباطل و من لم يستقم بالهدى يجرّ به الضّلال ، ألا و إنّكم قد أمرتم بالظعن و دللتم و إنّ أخوف ما أخاف عليكم اتّباع الهوى و طول الأمل و مثله الأخير مع أدنى اختلاف٢ .

و قال الثالث : كما نقل ( البحار ) عن عبد الرحمن بن نعيم عن أشياخ قومه أنّ عليّا عليه السّلام كان كثيرا ما يقول في خطبته : أيّها النّاس انّ الدّنيا قد أدبرت و آذنت أهلها بوداع و انّ الآخرة قد أقبلت و آذنت باطّلاع ألا و إنّ المضمار اليوم و السّباق غدا ، ألا و إنّ السَّبق الجنّة و الغاية النّار ، ألا و إنّكم في أيّام مهل من وراءه أجل يحثّه العجل فمن عمل في أيام مهله قبل حضور أجله نفعه عمله و لم يضرّه أمله ، ألا و إنّ الأمل يسهي القلب و يكذب الوعد و يكثر الغفلة و يورث الحسرة فاعزبوا عن الدّنيا كأشدّ ما أنمت عن شي‏ء تعزبون فإنّها من ورود صاحبها منها في غطاء معنى و أفزعوا إلى قوام دينكم بإقامة الصّلاة لوقتها و اداء الزكاة لحلّها و التضرّع إلى اللَّه و الخشوع له وصلة الرّحم و خوف المعاد و اعطاء السائل و إكرام الضّيف ، و تعلّموا القرآن و اعملوا به و اصدقوا الحديث

____________________

( ١ ) تاريخ الخلفاء « الإمامة و السياسة » لابن قتيبة : ٥٠ ٥١ و قد ذكر الشطر الأخير من الخطبة .

( ٢ ) البيان و التبيين للجاحظ ٢ : ٥٢ ٥٣ .

٨٧

و آثروه و اوفوا بالعهد إذا عاهدتم و أدّوا الأمانة إذا أئتمنتم و ارغبوا في ثواب اللَّه و خافوا عقابه فانّي لم أر كالجنّة نام طالبها و لا كالنّار نام هاربها ، فتزوّدوا من الدّنيا ما تحرزوا به أنفسكم غدا من النّار ، و اعملوا بالخير تجزوا بالخير يوم يفوز أهل الخير بالخير١ .

و قال الرابع : خطب عليه السّلام يوم الفطر إلى أن قال ألا أنّ الدّنيا قد تنكّرت و أدبرت و أحلولت و آذنت بوداع ألا و إنّ الآخرة قد رحلت فأقبلت و أشرفت و أذنت باطّلاع ألا و انّ المضمار اليوم و السّباق غدا ، ألا و إنّ السّبقة الجنّة و الغاية النّار ، أ فلا تائب من خطيئته قبل يوم منيّته ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه و فقره جعلنا اللَّه و إيّاكم ممّن يخافه و يرجو ثوابه .٢ .

و قال الخامس : خطبته عليه السّلام المعروفة بالدّيباج الحمد للَّه فاطر الخلق ،

و فالق الإصباح ، ( إلى أن قال ) و اعلموا عباد اللَّه ، أنّ الأمل يذهب العمل ، و يكذب الوعد ، و يحثّ على الغفلة ، و يورث الحسرة ، فأكذبوا الأمل فإنّه غرور و انّ صاحبه مأزور فاعملوا في الرغبة و الرّهبة ، فإن نزلت بكم رغبة فاشكروا و اجمعوا معها رغبة ، فإنّ اللَّه قد تأذّن للمسلمين بالحسنى ، و لمن شكر بالزّيادة ، فإنّي لم أر مثل الجنّة ، نام طالبها ، و لا كالنّار نام هاربها ، و لا أكثر مكتسبا ممّن كسبه ليوم تذخر فيه الذّخائر و تبلى فيه السرائر ، و إنّ من لا ينفعه الحقّ يضرّه الباطل ، و من لا يستقم به الهدى تضرّه الضّلالة ، و من لا ينفعه اليقين يضرّه الشك ، و إنّكم قد أمرتم بالظّعن و ددلتم على الزاد ، ألا إنّ أخوف ما أتخوّف عليكم اثنان طول الأمل و اتّباع الهوى ، ألا و انّ الدّنيا قد أدبرت و آذنت بانقلاع ألا و إنّ الآخرة قد أقبلت و آذنت باطّلاع ، ألا و إنّ المضمار

____________________

( ١ ) الثقفي ، الغارات ٢ : ٦٣٣ و ذكره المجلسي في البحار ٧٨ : ٣٥ .

( ٢ ) الفقيه ١ : ٥١٤ ح ٥١٦ ( ١٤٨٢ ) .

٨٨

اليوم و السّباق غدا ، ألا و انّ السّبقة الجنّة و الغاية النّار ، ألا و إنّكم في أيّام مهل من وراءه أجل يحثّه عجل فمن أخلص للَّه عمله في أيّامه قبل حضور أجله ،

نفعه عمله و لم يضرّه أمله ، و من لم يعمل في أيّام مهله ضرّه أمله و لم ينفعه عمله ، عباد اللَّه افزعوا إلى قوام دينكم بإقام الصّلاة لوقتها ، و إيتاء الزكاة لحينها ، و التّضرّع و الخشوع ، و صلة الرّحم ، و خوف المعاد ، و إعطاء السائل و إكرام الضّعيفة ، و الضعيف و تعلّم القرآن و العمل به ، و صدق الحديث ،

و الوفاء بالعهد ، و أداء الأمانة إذا أئتمنتم ، و ارغبوا في ثواب اللَّه و ارهبوا عذابه ،

و جاهدوا في سبيل اللَّه بأموالكم و أنفسكم ، و تزوّدوا من الدّنيا ما تحرزون به أنفسكم ، و اعملوا بالخير يوم يفوز بالخير ، من قدّم الخير أقول قولي و أستغفر اللَّه لي و لكم١ .

و قال السادس عليه السّلام : أمّا بعد ، أيّها النّاس : فإنّ الدّنيا قد آدبرت و أذنت بوداع و انّ الآخرة قد أقبلت و أشرفت باطّلاع ، ألا و إنّ المضمار اليوم و غدا السباق و السبقة الجنّة و الغاية النّار ، ألا و انّكم في أيام مهل من ورائه أجل يحثّه عجل ، فمن أخلص للَّه عمله لم يضرّه أمله و من أبطأ به عمله في أيام مهله قبل حضور أجله فقد خسر عمله و ضرّه أمله ، ألا فاعملوا في الرّغبة و الرّهبة فإن نزلت بكم رغبة فاشكروا اللَّه و اجمعوا معها رهبة ، و إن نزلت بكم رهبة فاذكروا اللَّه و اجمعوا معها رغبة ، فإنّ اللَّه قد تأذّن للمحسنين بالحسنى ، و لمن شكره بالزّيادة ، و لا كسب خير من كسب ليوم تذخر فيه الذّخائر و تجمع فيه الكبائر و تبلى فيه السّرائر ، و إنّي لم أر مثل الجنّة نام طالبها ، و لا مثل النّار نام هاربها ، ألا و إنّه من لا ينفعه اليقين يضرّه الشّك و من لا ينفعه حاضر لبّه و رأيه

____________________

( ١ ) الإرشاد للمفيد ١ : ٢٢٩ .

٨٩

فغائبه عنه أعجز ألا و انّكم قد أمرتم بالظّعن و دللتم على الزّاد .١ .

و قال السابع : كان عليه السّلام يقول : الدّنيا دار صدق لمن صدقها و دار عافية لمن فهم عنها و دار غنى لمن تزوّد منها ، الدّنيا مسجد أحبّاء اللَّه ، و مصلّى ملائكته ، و مهبط وحيه ، و متجر أوليائه ، اكتسبوا فيها الرحمة و ربحوا فيها الجنّة ، فمن ذا يذمّها و قد آذنت ببينها ، و نادت بفراقها ، و نعت نفسها و أهلها و مثّلت لهم ببلائها البلاء ، و شوّقت بسرورها إلى السرور راحت بفجيعة و ابتكرت بعافية ترغيبا و تخويفا فذمّها رجال غبّ الندامة و حمدها آخرون غبّ المكافاة ذكّرتهم فذكروا تصاريفها و صدقتهم فصدّقوا حديثها فيا أيها الذامّ للدّنيا المغتر بغرورها .٢ .

و ممّا ذكرنا من مدارك الخطبة ظهر لك ما في قول ابن ميثم بعد العنوان « هذا من الخطبة الّتي في أوّلها : ( الحمد للَّه غير مقنوط من رحمته ) و ستجيى‏ء بعد ، و إنّما قدّمه الرّضيّ عليها لما سبق من اعتذاره في خطبة الكتاب ، من أنّه لا يراعى التّتالي و النسق في كلامه عليه السّلام .٣ فمن أين ، إنّ الرّضي لم يأخذه إلاّ ممّا قال ؟ و هو رواية الصّدوق ، و من أين إنّه لم يأخذه من ( بيان الجاحظ ) أو ( مروج المسعودي ) بل الأخذ منهما مقطوع لأقربيّة عنوانه إليهما ، كما انّ عدم الأخذ من رواية الصّدوق مقطوع ، لخلوّ روايته عن كثير ممّا في العنوان و اختلاف كثير من ألفاظه معها كما إنّ قوله ( لما سبق من اعتذاره . ) غلط فإنّ الرّضيّ لم يقل إنّ ما يختاره لا يراعي فيه النسق و إنّما قال انّه ليس ملتزما بنقل جميع الخطبة من خطبة عليه السّلام أو الكتاب من كتبه أو كلام آخر من حكمه

____________________

( ١ ) تحف العقول لابن شعبة : ١٤٩ .

( ٢ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٤١٩ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٢ : ٤١ ح ٢٧ .

٩٠

و أدبه ، لأنّ غرضه منها ما في غاية البلاغة فيختار من خطبة واحدة و كتاب واحد و كلام آخر فصولا غير متّسقة يفرّق بينها بلفظ ( و منها و منها ) كما عرفت في أوّل الكتاب بمعنى انّه يحذف من البين فيخرج الكلام من موضوع إلى موضوع آخر لا أنّه في ما يختار يؤخّر المقدّم و يقدّم المؤخّر كما توهّم ، ثمّ يمكن رفع اختلاف نقله جزء الوصيّة بالعشرة كما في ( الخلفاء ) أو جزء الخطبة في الفطر كما في ( الفقيه ) أو جزء الدّيباج كما في ( التّحف ) أو مستقلا كما في غيره انّ الثقفي كما عرفت قال : روى انّه عليه السّلام كان كثيرا ما يقول في خطبته الفقرات فالظّاهر أنّه عليه السّلام في بعض المقامات اقتصر عليها و في بعضها جعلها جزء باقي اغراضه .

« أما بعد ، فإنّ الدّنيا قد أدبرت و أذنت بوداع » في ( الصحاح ) : آذنتك بالشي‏ء أعلمتكه و آذن و تأذّن بمعنى ، كما يقال أيقن و تيقّن .١ .

و قد عرفت أنّ ( التّحف ) بدّل قوله « بوداع » بقوله « بانقلاع » .

« و إنَّ الآخرة قد أشرفت » هكذا في ( المصرية )٢ و الصواب : ( قد أقبلت و أشرفت ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة )٣ .

« باطّلاع » في ( الصحاح ) : أشرفت عليه : اطلعت عليه من فوق ، و قال اطّلعت على باطن أمره : انتقلت ، يقال أين مطّلع هذا الأمر أي : مأتاه و هو موضع الإطّلاع من إشراف إلى انحدار و في الحديث ( من هول المطلع ) شبّه ما أشرف عليه من أمر الآخرة بذلك .٤ .

يمكن أن يريد عليه السّلام بإدبار الدّنيا و إقبال الآخرة لكلّ شخص فانّ

____________________

( ١ ) الصحاح : ( أذن ) .

( ٢ ) الطبعة المصرية : ١٢٤ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٩١ ح ٢٨ و النسخة الخطية : ٢٤ كما ذكر العلاّمة قدّس سرّه ، أما ابن ميثم فكالمصرية ٢ : ٣٩ .

( ٤ ) الصحاح : ( شرف ) .

٩١

الإنسان من ساعة تولّد كلّما تنفّس نفسا يدبر من دنياه و يقبل إلى آخرته التي تحصل له بالموت و يمكن أن يريد بهما الدّنيا و الآخرة الكلّيتين فبمضيّ كلّ يوم تدبر الدّنيا و تقبل الآخرة .

« ألا و إنّ اليوم المضمار و غدا السّباق » هكذا في جميع نسخ النّهج ، و قد عرفت انّ جميع مدارك العنوان من القتيبي و الثّقفي و الجاحظ و المسعودي و ابن بابويه و المفيد و الحلبي متّفقة على تقديم المضمار و السّباق على اليوم و غدا فهو الصحيح و المصنّف و هم و يأتي عين اللّفظ من حذيفة و نظيره من النبي صلّى اللَّه عليه و آله بالتّقديم و في ( الصحاح ) : تضمير الفرس ان يعلفه حتّى يسمن ثمّ تردّه إلى القوت و ذلك في أربعين يوما و هذه المدّة تسمّى المضمار و الموضع الّذي تضمر فيه الخيل أيضا مضمار الخ و السّباق مصدر سابق كالمسابقة ،

قال ابن أبي الحديد : المضمار منصوب لأنّه اسم انّ و اليوم ظرف و موضعه رفع لأنّه خبر انّ ، و غدا السّباق على هذا الوجه١ ، و يجوز الرفع في الموضعين على ان تجعلهما خبر أنّ بأنفسهما . .

و مراده كما ترى أنّ المضمار و السّباق منصوبان معّينا لكونهما أسمى انّ و امّا اليوم و غدا و ان كانا خبري انّ و خبرها مرفوع لكن يجوز نصبهما على الظّرفية و يكونان في موضع رفع و يجوز رفعهما لفظا باسقاطهما عن الظّرفيّة و لم يتفطّن ابن ميثم و الخوئي لمراده٢ ، فقالا : ورد المضمار و السّباق مرفوعين و منصوبين . .

ثمّ لا وجه لرفع المضمار و السّباق لكونهما مسندا عنهما كما لا وجه لإلغاء الظّرفيّة لأنّ المضمار ليس عين اليوم بل فيه كما انّ السّباق ليس عين

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ٩٣ .

( ٢ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٤٢ .

٩٢

الغد بل فيه و على ما قلنا من نقل غير المصنّف له بلفظ « إنّ المضمار اليوم و السّباق غدا » لا مجال لاحتمال ما قالوا ، و كيف كان فالأصل في كلامه عليه السّلام قوله تعالى سابقوا إلى مغفرة من ربِّكم و جنّة عرضها كعرض السّماء و الأرض أعدّت للّذين آمنوا باللَّه و رسله ذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء و اللَّه ذو الفضل العظيم١ ، فاستبقوا الخيرات اينما تكونوا يأت بكم اللَّه جميعا .٢ ، فاستبقوا الخيرات إلى اللَّه مرجعكم جميعا فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون٣ .

و روى الخطيب عن أبي عبد الرحمن السّلمي قال جمّعت مع حذيفة بالمدائن فسمعته يقول : إن اللَّه تعالى يقول اقتربت السّاعة و انشقّ القمر٤ ألا و انّ القمر انشقّ على عهد النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله و انّ السّاعة اقتربت ، ألا انّ المضمار اليوم و السّبق غدا قال فقلت لأبي غدا تجري الخيل قال انّك لغافل أما سمعته يقول السّابق من سبق إلى الجنّة .٥ .

و قالوا استقبل رجل عامر بن عبد قيس في يوم حلبه فسأله من سبق ؟

فقال المقرّبون و قريب من كلامه عليه السّلام هذا ما روي عن النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله ( ألا و انّ العواري اليوم و الهبات غدا )٦ .

هذا ، و في ( المروج ) : كانت العرب ترسل خيلها عشرة عشرة أو أسفل

____________________

( ١ ) الحديد : ٢١ .

( ٢ ) البقرة : ١٤٨ .

( ٣ ) المائدة : ٤٨ .

( ٤ ) القمر : ١ .

( ٥ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ١٠ : ٢٠٢ .

( ٦ ) أورده المجلسي في البحار ٧٨ : ٦٠ ناسبا إيّاه الى الامام علي عليه السّلام من مجموعة الكلمات التي جمعها الجاحظ للإمام علي عليه السّلام .

٩٣

و القصب تسعة و لا يدخل الحجر المحجّر من الخيل إلاّ ثمانية و هذه اسماؤها الأوّل المجلى لأنّه جلى عن صاحبه ما كان فيه من الكرب و الشّدة و قال الفرّاء لأنّه يجلي عن وجه صاحبه و الثّاني المصلّى لأنّه وضع جحفلته على قطاة المجلى و هي صلاة و الصّلاة عجب الذّنب بعينه و الثّالث المسلّى لأنّه كان شريكا في السّبق و كانت العرب تعدّ من كلّ ما يحتاج ثلاثة أو لأنّه سلّى عن صاحبه بعض همّه بالسّبق و الرّابع التّالي سمّى بذلك لأنّه تلا هذا المسلّى في حال دون غيره و الخامس المرتاح و هو المفتعل من الرّاحة لأنّ في الرّاحة خمس أصابع لا يعد منها غيرهنّ فلمّا كان الخامس مثل خامسة الأصابع و هي الخنصر سمّي مرتاحا ، و سمّي السّادس حظيّا لأنّ له حظّا و سمّي السابع العاطف لدخوله الحجرة لأنّه قد عطف بشي‏ء و ان قلّ و حسن إذ كان قد دخل المحجور و سمّي الثامن المؤمّل على القلب و التفّأل كما سمّوا الفلاة مفازة و اللّديغ سليما و كنّوا الحبشيّ أبا البيضاء و نحو ذلك ، أي : انّه يؤمّل و ان كان خائبا لأنّه قرب من بعض ذوات الحظوظ ، و التّاسع اللّطيم لأنّه لو رام الحجرة للطم ، و العاشر السّكيت لأنّ صاحبه يعلوه خشوع و ذلّة و يسكت حزنا و عيّا و كانوا يجعلون في عنق السّكيت حبلا و يحملون عليه قردا و يدفعون للقرد سوطا فيركضه القرد ليعيّر بذلك صاحبه .

إذا أنت لم تسبق و كنت مخلّفا

سبقت إذا لم تدع بالقرد و الحبل

و ان تك حقّا بالسّكيت مخلّفا

فتورث مولاك المذمّة بالنّبل

أمّا ذكره النّبل فانّ بعضهم كان يفعل ذلك ، ينصب فرسه ثمّ يرميه بالنّبل حتّى يتعجّف و قد كان فعل ذلك النّعمان بفرسه النّهب١ .

« و السَّبقة الجنّة و الغاية النّار » المفهوم من قول المصنّف بعد ( و لم يقل

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٢١٧ .

٩٤

السّبقة النّار كما قال السّبقة الجنّة لأنّ الاستباق انّما يكون إلى أمر محبوب ) انّه جعل السّبقة بالفتح مصدرا لأنّه فسّرها بالاستباق مع انّ المصدر السّبق بدون الهاء و يشكل ان يجيى‏ء مع الهاء بمعناه بل لا يعلم كونه مع الهاء بغير الضّمّ و قد جعل كونها بالضّمّ رواية اخرى و معناها ما قال و هو المعين لأنّه ذكرها بعد السّباق جزاء له .

و في ( بلاغات أحمد بن أبي طاهر ) : كانت السّبقة عند بني اميّة مائة ناقة حمراء و لا يمنعون أحدا قاد إليهم فرسا فأرسل الوليد بن عبد الملك في الحلبة العظمى فلّما مدّت الحبال في صدور الخيل جاءت عجوز من بني نمير تقود فرسا لها و عليها غرارة و هي تقول :

فتاتنا المنسوبة الكريمة

ميمونة الطّلعة لا مشومة

ثمّ قالت للوليد : ادخل فرسي ، قال : أدخلوها قال : ما هذه الغرارة على عنقك قالت : فيها عقل السّبقة ، قال : انّك لو اثقة بفرسك ، قالت : ثقتي بهذه صيّرني تحت هذه ، قال : فجاءت فرسها سابقة فأخذت المائة قال : فالنّسل من خيلها معروف يقال لها خيل العجوز١ .

« أ فلا تائب من خطيئته قبل منيّته » استدلّ له بقوله تعالى انّما التوبة على اللَّه للّذين يعملون السوء بجهالةٍ ثمّ يتوبون من قريب فأولئك يتوب اللَّه عليهم و كان اللَّه عليماً حكيماً٢ ، و ليست التّوبة للذين يعملون السّيّئات حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن .٣ .

و في ( الصحاح ) : منى له ، أي : قدّر ، و المنيّة : الموت لأنّها مقدّرة٤ .

____________________

( ١ ) بلاغات النساء لابن أبي طاهر : ٢٢٢ .

( ٢ ) النساء : ١٧ .

( ٣ ) النساء : ١٨ .

( ٤ ) الصحاح : ( منا ) .

٩٥

« ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه » قد عرفت أنّ في رواية القتيبي١ و الثقفي٢ ، و الحلبي٣ ذكر عليه السّلام العمل فقال كما هو لفظ الأوّل : « فافزعوا إلى قوام دينكم و اتمام صلاتكم و إداء زكاتكم و النصيحة لإمامكم . » قال تعالى و انفقوا ممّا رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربِّ لو لا أخّرتني إلى أجلٍ قريبٍ فأصّدّق و أكن من الصالحين و لن يؤخّر اللَّه نفساً إذا جاء أجلها و اللَّه خبيرٌ بما تعملون٤ ، ان تقول نفسٌ يا حسرتا على ما فرّطت في جنب اللَّه و إن كنت لمن السّاخرين٥ ، أو تقول حين ترى العذاب لو أنّ لي كرّةً فأكون من المحسنين٦ .

و في ( معارف ابن قتيبة ) : كان لنعمان بن منذر يومان يوم بؤس ، و يوم نعيم ، و كان إذا ركب يوم بؤسه يقتل من يلقاه و يغري بدمه الغريّين ، و أتاه عبيد بن الأبرص الشّاعر يمتدحه يوم بؤسه و لم يعلم أنّه يوم بؤسه فقتله٧ .

« ألا و إنّكم في أيّام أمل من وراءه أجل » اعلموا انّما الحياة الدّنيا لعبٌ و لهوٌ و زينةٌ و تفاخرٌ بينكم و تكاثرٌ في الأموال و الأولاد كمثل غيث أعجب الكفّار نباته ثمّ يهيج فتريه مصفرّاً ثم يكون حُطاماً .٨ .

« فمن عمل في أيّام أمله قبل حضور أجله نفعه عمله و لم يضرره أجله » هكذا في نسخ النهج و في المدارك المتقدّمة « و لم يضرره أمله » لكن ليس في

____________________

( ١ ) تاريخ الخلفاء لابن قتيبة : ٥٠ ٥١ .

( ٢ ) الغارات للثقفي : ٦٣٣ .

( ٣ ) الحلبي « المقصود ابن شعبة الحراني » في تحف العقول : ١٤٩ .

( ٤ ) المنافقون : ١٠ ١١ .

( ٥ ) الزمر : ٥٦ .

( ٦ ) الزمر : ٥٨ .

( ٧ ) المعارف لابن قتيبة : ٦٤٩ .

( ٨ ) الحديد : ٢٠ .

٩٦

( الخلفاء ) و ( الفقيه ) الفقرة رأسا .

« و من قصّر في أيّام أمله قبل حضور أجله فقد خسر عمله و ضرّه أجله » هنا أيضا في ( البيان ) و ( المروج ) و ( التحف ) و ( الإرشاد ) : « و ضرّه أمله » فهو الصحيح .

و في الخبر عن الرّضا عليه السّلام :

انّك في دار لها مدّة

يقبل فيها عمل العامل

ألا ترى الموت محيطا بها

يكذب فيها أمل الآمل

تعجّل الذّنب بما تشتهي

و تأجل التوبة في قابل

و الموت يأتي أهله بغتة

ما ذاك فعل الحازم العاقل١

« ألا فاعملوا في الرّغبة كما تعملون في الرّهبة » مدح تعالى أنبيائه فقال فيهم : انّهم كانوا يسارعون في الخيرات و يدعوننا رغباً و رهباً و كانوا لنا خاشعين٢ ، و ذمّ اناسا لا يعرفونه إلاّ في الرّهبة فقال و إذا مسّ الإنسان الضُّرُّ دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً فلمّا كشفنا عنه ضرّه مرّ كأن لم يدعنا إلى ضرّ مسّهُ كذلك زُيّن للمسرفين ما كانوا يعملون٣ .

« ألا و انّي لم أر كالجنّة نام طالبها و لا كالنّار نام هاربها » قال المبرّد : قال النّابغة الذّبياني لمّا هدّده النّعمان بن المنذر :

و عيد أبي قابوس في غير كنهه

أتاني و دوني راكس فالضّواجع

فبتّ كأنّي ساورتني ضئيلة

من الرّقش في أنيابها السّمّ ناقع

يسهّد من نوم العشاء سليمها

كحلي النّساء في يديه قعاقع

____________________

( ١ ) عيون أخبار الرضا للصدوق ٢ : ١٧٦ ، و نقله المجلسي في بحاره ٤٩ : ١١٠ .

( ٢ ) الأنبياء : ٩٠ .

( ٣ ) يونس : ١٢ .

٩٧

تناذرها الرّاقون من سوء سمّها

تطلّقه طورا و طورا تراجع١

و قال ابن قتيبة : لمّا سخط عبد الملك على الحجّاج تمثّل بقول النّابغة :

نبئت انّ أبا قابوس أو عدني

و لا قرار على زأر من الأسد٢

و في ( الأغاني ) حضر الجحّاف عند عبد الملك و الأخطل حاضر في مجلسه ينشد :

ألا سائل الجحّاف هل هو ثائر

بقتلي أصبت من سليم و عامر

فقال له الجحّاف :

نعم سوف نبكيهم بكلّ مهنّد

و نبكي عميرا بالرّماح الخواطر

ثمّ قال له : ظننت يابن النصرانيّة انّك لم تكن لتجترى‏ء عليّ ، و لو رأيتني لك مأسورا و أوعده فما برح الأخطل حتّى حمّ فقال له عبد الملك : أنا جارك منه قال هذا أجرتني منه يقظان فمن يجيرني منه نائما فجعل عبد الملك يضحك٣ .

و في ( الأغاني ) : بلغ عبد الصّمد بن المعذّل شعر للحمدوي فقال : أنا له ففزع الحمدوي و قال :

هيهات أن أجد السبيل إلى الكرى

و ابن المعذّل من مزاحي حارد٤

فرضي عنه .

هذا ، و في ( البلاذري ) : كان عبيد اللَّه بن الحرّ الجعفي محبوسا عند مصعب بن الزبير فكلّمه الأحنف بن قيس فأطلقه فقال للأحنف : ما أدري ما أكافئك به الاّ أن أقتلك فتدخل الجنّة و أدخل النّار فضحك الأحنف و قال : لا

____________________

( ١ ) الكامل في الأدب للمبرّد : ٨٥٥ ، طبعة الحلبي .

( ٢ ) النابغة الذبياني : ٣٦ يمدح النعمان ، و ابن قتيبة في الشعر و الشعراء : ٤٠ تمثل به الحجاج .

( ٣ ) الأغاني ١٢ : ٢٠٠ .

( ٤ ) الأغاني ١٣ : ٢٣٦ .

٩٨

حاجة لي في مكافأتك يا ابن أخي١ .

« ألا و إنّه من لم ينفعه الحقّ يضرره الباطل » أنزل من السّماء ماءً فسالت أو ديةٌ بقدرها فاحتمل السّيل زبداً رابياً و مِمّا يوقدون عليه في النار ابتغاء حليةٍ أو متاعٍ زبدٌ مثله كذلك يضرب اللَّه الحق و الباطل فامّا الزّبد فيذهب جفاءً و أمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض كذلك يضرب اللَّه الأمثال٢ .

« و من لم يستقم به الهدى يجرّ به الضّلال الى الرّدى » يجرّ بتشديد الرّاء من الجرّ كما في ( الخطية و ابن أبي الحديد )٣ و في ( المصرية الاولى )٤ يجر بتخفيفها مع كسرها من الجري بالجيم و الرّاء و امّا ( البيان )٥ و ( المروج )٦ فحيث ليس فيهما كلمة ( إلى الرّدى ) يمكن أن يقرأ ما فيهما مع كلمة ( به ) كلمة واحدة من الخزي بالخاء و الزّاي و في ( الصحاح ) : ردى بالكسر ، أي : هلك٧ .

« ألا و انّكم قد أمرتم بالظّعن » ( بتسكين العين و فتحها ) قال الجوهري : ظعن أي : سار ظعنا و ظعنا بالتّحريك و قرى‏ء بهما قوله تعالى٨ يوم ظعنكم .٩ قال تعالى يا أيُّها الذين آمنوا اتّقوا اللَّه و لتنظر نفسٌ ما قدّمت لغدٍ .١٠ .

« و دللتم على الزّاد » أي : في هذا السفر و هو التّقوى .

____________________

( ١ ) أنساب الأشراف للبلاذري ٥ : ٢٨٨ ، مطبعة المثنى بغداد .

( ٢ ) الرعد : ١٧ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٩١ « يجر » و الخطيّة : ٢٤ مع التشديد .

( ٤ ) الطبعة المصرية المصححة : ١٢٥ « يجر » أيضا .

( ٥ ) البيان للجاحظ ٢ : ٥٣ .

( ٦ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٤١٩ .

( ٧ ) الصحاح : ( ردى ) .

( ٨ ) الصحاح : ( ظعن ) .

( ٩ ) النحل : ٨٠ .

( ١٠ ) الحشر : ١٨ .

٩٩

« و إنّ أخوف ما أخاف عليكم اتّباع الهوى » فلا تتّبعوا الهوى ان تعدلوا .١ ، و قال تعالى في من انسلخ من آياته و لكنّه أخلد إلى الأرض و اتّبع هواه فمثله كمثل الكلب .٢ ، و قال تعالى و لا تطع من أغفلنا قلبه عنه ذكرنا و اتّبع هواه و كان أمره فرطا٣ ، فان لم يستجيبوا لك فاعلم انّما يتّبعون أهوائهم و من أضلّ ممّن اتّبع هواه بغير هدىً من اللَّه إن اللَّه لا يهدي القوم الظالمين٤ .

« و طول الأمل » ذرهم يأكلوا و يتمتّعوا و يلههم الأمل فسوف يعلمون٥ .

« تزوّدوا من الدنيا ما تحرزون أنفسكم به غدا » هكذا في ( المصرية )٦ و الصواب : « فتزوّدوا في الدّنيا من الدُّنيا ما تحرزون به أنفسكم غدا » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) و كذا الخطية٧ .

و في ( المصباح ) : أحرزت الشي‏ء احرازا ضممته و منه قولهم : أحرز قصب السّبق إذا سبق إليها فضمّها دون غيره .٨ .

عليكم أنفسكم لا يضرّكم مَن ضلّ إذا اهتديم إلى اللَّه مرجعكم جميعاً .٩ .

____________________

( ١ ) النساء : ١٣٥ .

( ٢ ) الأعراف : ١٧٦ .

( ٣ ) الكهف : ٢٨ .

( ٤ ) القصص : ٥٠ .

( ٥ ) الحجر : ٣ .

( ٦ ) الطبعة المصرية : ١٢٦ .

( ٧ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٩١ ، و ابن ميثم كالمصرية ٢ : ٤٠ ، و الخطية كما ذكر المصنف : ٢٥ .

( ٨ ) المصباح المنير للفيتوري : ١٢٩ « الحرز » .

( ٩ ) المائدة : ١٠٥ .

١٠٠