الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٩

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 408

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 408
المشاهدات: 135291
تحميل: 5134


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 408 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 135291 / تحميل: 5134
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 19

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

و فيه، عن ابن عبّاس: نزل قوله تعالى:( ما أَفاءَ اللهُ عَلى‏ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) الآية في أموال كفّار أهل القرى و هم قريظة و بنوالنضير و هما بالمدينة، و فدك و هي من المدينة على ثلاثة أميال، و خيبر و قرى عرينة و ينبع جعلها الله لرسوله يحكم فيها ما أراد و أخبر أنّها كلّها له فقال اُناس: فهلّا قسّمها فنزلت الآية.

و فيه، عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بني النضير للأنصار: إن شئتم قسّمتم للمهاجرين من أموالكم و دياركم و تشاركونهم في هذه الغنيمة، و إن شئتم كانت لكم دياركم و أموالكم و لم يقسّم لكم شي‏ء من الغنيمة فقال الأنصار: بل نقسّم لهم من ديارنا و أموالنا و نؤثرهم بالغنيمة و لا نشاركهم فيها فنزلت:( وَ يُؤْثِرُونَ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ ) الآية.

أقول: و روي في إيثارهم و نزول الآية فيه قصص اُخرى، و الظاهر أنّ ذلك من قبيل تطبيق الآية على القصّة، و قد روي المعاني السابقة في الدرّ المنثور بطرق كثيرة مختلفة.

و في التوحيد، عن عليّعليه‌السلام : و قد سئل عمّا اشتبه على السائل من الآيات قال في قوله تعالى:( فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ) يعني أرسل عليهم عذاباً.

و في التهذيب، بإسناده عن الحلبيّ عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال:( ما أَفاءَ اللهُ عَلى‏ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ ) الآية قال الفي‏ء ما كان من أموال لم يكن فيها هراقة دم أو قتل و الأنفال مثل ذلك و هو بمنزلته.

و في المجمع، روى المنهال بن عمر عن عليّ بن الحسينعليه‌السلام : قلت: قوله:( وَ لِذِي الْقُرْبى‏ وَ الْيَتامى‏ وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ ) قال: هم قرباناً و مساكيننا و أبناء سبيلنا.

أقول: و روي هذا المعنى في التهذيب، عن سليم بن قيس عن أميرالمؤمنينعليه‌السلام ، و قال في المجمع، بعد نقل الرواية السابقة: و قال جميع الفقهاء: هم يتامى الناس عامّة و كذلك المساكين و أبناء السبيل و قد روي ذلك أيضاً عنهمعليهم‌السلام .

و في الكافي، بإسناده عن زرارة أنّه سمع أباجعفر و أباعبداللهعليها‌السلام يقولان:

٢٤١

إنّ الله عزّوجلّ فوض إلى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر خلقه لينظر كيف طاعتهم ثمّ تلا(1) هذه الآية( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) .

أقول: و الروايات عنهمعليهم‌السلام في هذا المعنى كثيرة و المراد بتفويضه أمر خلقه كما يظهر من الروايات إمضاؤه تعالى ما شرّعه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم و افتراض طاعته في ذلك، و ولايته أمر الناس و أمّا التفويض بمعنى سلبه تعالى ذلك عن نفسه و تقليدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذلك فمستحيل.

و فيه، بإسناده عن أبي عبداللهعليه‌السلام في حديث: الإيمان بعضه من بعض و هو دار و كذلك الإسلام دار و الكفر دار.

و في المحاسن، بإسناده عن أبي عبيدة عن أبي جعفرعليه‌السلام في حديث قال: يا زياد ويحك و هل الدين إلّا الحبّ. أ لا ترى إلى قول الله:( إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) أ و لا ترون إلى قول الله لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَ زَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ ) و قال:( يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ ) و قال: الدين هو الحبّ و الحبّ هو الدين.

و في المجمع، و في الحديث: لا يجتمع الشحّ و الإيمان في قلب رجل مسلم، و لا يجتمع غبار في سبيل الله و دخان جهنّم في جوف رجل مسلم.

و في الفقيه، روى الفضل بن أبي قرّة السمنديّ قال: قال لي أبوعبداللهعليه‌السلام : أ تدري من الشحيح؟ قلت: هو البخيل. قال: الشحّ أشدّ من البخل إنّ البخيل يبخل بما في يده و الشحيح يشحّ بما في أيدي الناس و على ما في يده حتّى لا يرى في أيدي الناس شيئاً إلّا تمنّى أن يكون له بالحلّ و الحرام، و لا يقنع بما رزقه الله عزّوجلّ.

____________________

(1) تليا، ظ.

٢٤٢

( سورة الحشر الآيات 11 - 17)

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ( 11 ) لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ ( 12 ) لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللهِ  ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ ( 13 ) لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ  بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ  تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ  ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ ( 14 ) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيبًا  ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 15 ) كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ( 16 ) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا  وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ( 17 )

( بيان)

إشارة إلى حال المنافقين و وعدهم لبني النضير بالنصر إن قوتلوا و الخروج معهم إن اُخرجوا و تكذيبهم فيما وعدوا.

قوله تعالى: ( أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ

٢٤٣

الْكِتابِ ) إلخ، الإخوان كالأخوّة جمع أخ و الاُخوة الاشتراك في الانتساب إلى أب و يتوسّع فيه فيستعمل في المشتركين في اعتقاد أو صداقة و نحو ذلك، و يكثر استعمال الإخوة في المشتركين في النسبة إلى أب و استعمال الإخوان في المشتركين في اعتقاد و نحوه على ما قيل.

و الاستفهام في الآية للتعجيب، و المراد بالّذين نافقوا عبدالله بن اُبيّ و أصحابه، و المراد بإخوانهم الّذين كفروا من أهل الكتاب بنوالنضير على ما يؤيّده السياق فإن مفاد الآيات أنّهم كانوا قوماً من أهل الكتاب دار أمرهم بين الخروج و القتال بعد قوم آخر كذلك و ليس إلّا بني النضير بعد بني قينقاع.

و قوله:( لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَ لا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَ إِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ ) مقول قول المنافقين، و اللّام في( لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ ) للقسم أي نقسم لئن أخرجكم المسلمون من دياركم لنخرجنّ من ديارنا معكم ملازمين لكم و لا نطيع فيكم أي في شأنكم أحداً يشير علينا بمفارقتكم أبداً، و إن قاتلكم المسلمون لننصرنّكم عليهم.

و قوله:( وَ اللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ) تكذيب لوعد المنافقين، و تصريح بأنّهم لا يفون بوعدهم.

قوله تعالى: ( لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَ لَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ ) تكذيب تفصيليّ لوعدهم بعد تكذيبه الإجماليّ بقوله:( وَ اللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ) و قد كرّر فيه لام القسم، و المعنى: اُقسم لئن اُخرج بنوالنضير لا يخرج معهم المنافقون، و اُقسم لئن قوتلوا لا ينصرونهم.

قوله تعالى: ( وَ لَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ ) إشارة إلى أنّ نصرهم على تقدير وقوعه منهم - و لن يقع أبداً - لا يدوم و لا ينفعهم بل يولّون الأدبار فراراً ثمّ لا ينصرون بل يهلكون من غير أن ينصرهم أحد.

قوله تعالى: ( لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ ) إلخ، ضمائر الجمع للمنافقين، و الرهبة الخشية، و الآية في مقام التعليل لقوله:( وَ لَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ) أي ذلك لأنّهم يرهبونكم أشدّ من رهبتهم لله فلا يقاومونكم لو قاتلتم و لا يثبتون لكم.

٢٤٤

و علّل ذلك بقوله:( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ ) و الإشارة بذلك إلى كون رهبتهم للمؤمنين أشدّ من رهبتهم لله أي رهبتهم لكم كذلك لأنّهم قوم لا يفهمون حقّ الفهم و لو فقهوا حقيقة الأمر بأن لهم أنّ الأمر إلى الله تعالى و ليس لغيره من الأمر شي‏ء سواء في ذلك المسلمون و غيرهم، و لا يقوى غيره تعالى على عمل خير أو شرّ أو نافع أو ضارّ إلّا بحول منه تعالى و قوّة فلا ينبغي أن يرهب إلّا هو عزّوجلّ.

قوله تعالى: ( لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ ) بيان لأثر رهبتهم و جبنهم جميعاً و المعنى: لا يقاتلكم بنو النضير و المنافقون جميعا بأن يبرزوا بل في قرى حصينة محكمة أو من وراء جدر من غير بروز.

و قوله:( بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ) أي هم فيما بينهم شديد البطش غير أنّهم إذا برزوا لحربكم و شاهدوكم يجبنون بما ألقى الله في قلوبهم من الرعب.

و قوله:( تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَ قُلُوبُهُمْ شَتَّى ) أي تظنّ أنّهم مجتمعون في اُلفة و اتّحاد و الحال أنّ قلوبهم متفرقة غير متّحدة و ذلك أقوى عامل في الخزي و الخذلان. ذلك بأنّهم قوم لا يعقلون و لو عقلوا لاتّحدوا و وحّدوا الكلمة.

قوله تعالى: ( كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) الوبال العاقبة السيّئة و قوله:( قَرِيباً ) قائم مقام الظروف منصوب على الظرفيّة أي في زمان قريب.

و قوله:( كَمَثَلِ ) إلخ، خبر مبتدإ محذوف و التقدير( مثلهم كمثل) إلخ، و المعنى: مثلهم أي مثل بني النضير من اليهود في نقضهم العهد و وعد المنافقين لهم بالنصر كذباً ثمّ الجلاء مثل الّذين من قبلهم في زمان قريب و هم بنو قينقاع رهط آخر من يهود المدينة نقضوا العهد بعد غزوة بدر فأجلاهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أذرعات و قد كان وعدهم المنافقون أن يكلّموا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم و يمنعوه من إجلائهم فغدروا بهم فذاق بنو قينقاع وبال أمرهم و لهم في الآخرة عذاب أليم و قيل: المراد بالّذين من قبلهم كفّار مكّة يوم بدر و ما تقدّم أنسب للسياق.

و المثل على أيّ حال مثل لبني النضير لا للمنافقين على ما يعطيه السياق.

٢٤٥

قوله تعالى: ( كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِنْكَ ) إلخ، ظاهر السياق أنّه مثل للمنافقين في غرورهم بني النضير بوعد النصر ثمّ خذلانهم عند الحاجة.

و ظاهر سياق يفيد أنّ المراد بالشيطان و الإنسان الجنس و الإشارة إلى غرور الشيطان للإنسان بدعوته إلى الكفر بتزيين أمتعة الحياة له و تسويل الإعراض عن الحقّ بمواعيده الكاذبة و الأمانيّ السرابيّة حتّى إذا طلعت له طلائع الآخرة و عاين أنّ ما اغترّ به من أمانيّ الحياة الدنيا لم يكن إلّا سراباً يغرّه و خيالاً يلعب به تبرّأ منه الشيطان و لم يف بما وعده و قال: إنّي بري‏ء منك إنّي أخاف الله ربّ العالمين.

و بالجملة مثل المنافقين في دعوتهم بني النضير إلى مخالفة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و وعدهم النصر ثمّ الغدر بهم و خلف الوعد كمثل هذا الشيطان في دعوة الإنسان إلى الكفر بمواعيده الكاذبة ثمّ تبرّيه منه بعد الكفر عند الحاجة.

و قيل: المراد بالتمثيل الإشارة إلى قصّة برصيصا العابد الّذي زيّن له الشيطان الفجور ففجر بامرأة ثمّ كفر و سيأتي القصّة في البحث الروائيّ التالي إن شاء الله.

و قيل: المثل السابق المذكور في قوله:( كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ) مثل كفّار مكّة يوم بدر - كما تقدّم - و المراد بالإنسان في هذا المثل أبوجهل و بقول الشيطان له اكفر ما قصّه الله تعالى بقوله في القصّة:( وَ إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَ قالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَ إِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى‏ عَقِبَيْهِ وَ قالَ إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى‏ ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَ اللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ ) الأنفال: 48.

و على هذا الوجه فقول الشيطان:( إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ ) قول جدّيّ لأنّه كان يخاف تعذيب الملائكة النازلين لنصرة المؤمنين ببدر و أمّا على الوجهين الأوّلين فهو نوع من الاستهزاء و الإخزاء.

قوله تعالى: ( فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَ ذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ ) الظاهر أنّ ضمائر التثنية للشيطان و الإنسان المذكورين في المثل ففي الآية بيان عاقبة

٢٤٦

الشيطان في غروره الإنسان و إضلاله و الإنسان في اغتراره به و ضلاله، و إشارة إلى أنّ ذلك عاقبة المنافقين في وعدهم لبني النضير و غدرهم بهم و عاقبة بني النضير في اغترارهم بوعدهم الكاذب و إصرارهم على المشاقّة و المخالفة، و معنى الآية ظاهر.

( بحث روائي)

في الدرّ المنثور، أخرج ابن إسحاق و ابن المنذر و أبونعيم في الدلائل عن ابن عبّاس: أنّ رهطاً من بني عوف بن الحارث منهم عبدالله بن اُبيّ بن سلول و وديعة بن مالك و سويد و داعس بعثوا إلى بني النضير أن اثبتوا و تمنّعوا فإنّا لا نسلمكم و إن قوتلتم قاتلنا معكم، و إن خرجتم خرجنا معكم فتربّصوا ذلك من نصرهم فلم يفعلوا و قذف الله الرعب في قلوبهم.

فسألوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجليهم و يكفّ عن دمائهم على أنّ لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلّا الحلقة ففعل فكان الرجل منهم يهدم بيته فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به فخرجوا إلى خيبر و منهم من سار إلى الشام.

أقول: و الرواية تخالف ما في عدّة من الروايات: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الّذي عرض لهم أن يخرجوا بما تحمله الإبل من الأموال فلم يقبلوا ثمّ رضوا بذلك بعد أيّام فلم يقبل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا أن يخرجوا بأنفسهم و أهليهم من غير أن يحملوا شيئاً فخرجوا كذلك و جعل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكلّ ثلاثة منهم بعيراً و سقاء.

و فيه، أخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس:( أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا ) قال: عبدالله بن اُبيّ بن سلول و رفاعة بن تابوت و عبدالله بن نبتل و أوس بن قيظي. و( لِإِخْوانِهِمُ ) بنو النضير.

أقول: المراد به عدّ بعضهم فلا ينافي ما في الرواية السابقة.

و فيه، أخرج ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان و ابن مردويه و البيهقي في شعب الإيمان عن عبيد بن رفاعة الدارميّ يبلغ به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: كان راهب في بني

٢٤٧

إسرائيل فأخذ الشيطان جارية فحنقها فألقى في قلوب أهلها أنّ دواءها عند الراهب فاُتى بها الراهب فأبى أن يقبلها فلم يزالوا به حتّى قبلها فكانت عنده.

فأتاه الشيطان فوسوس له و زيّن له فلم يزل به حتّى وقع عليها فلمّا حملت وسوس له الشيطان فقال: الآن تفتضح يأتيك أهلها فاقتلها فإن أتوك فقل: ماتت فقتلها و دفنها فأتى الشيطان أهلها فوسوس إليهم و ألقى في قلوبهم أنّه أحبلها ثمّ قتلها فأتاه أهلها فسألوه فقال: ماتت فأخذوه.

فأتاه الشيطان فقال: أنا الّذي ألقيت في قلوب أهلها، و أنا الّذي أوقعتك في هذا فأطعني تنج و اسجد لي سجدتين فسجد له سجدتين فهو الّذي قال الله:( كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ ) الآية.

أقول: و القصّة مشهورة رويت مختصرة و مفصّلة في روايات كثيرة.

٢٤٨

( سورة الحشر الآيات 18 - 24)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ  وَاتَّقُوا اللهَ  إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ( 18 ) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ  أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ( 19 ) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ  أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ( 20 ) لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللهِ  وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ( 21 ) هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ  عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ  هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ( 22 ) هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ  سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ( 23 ) هُوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ  لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ  يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( 24 )

( بيان)

الّذي تتضمّنه الآيات الكريمة كالنتيجة المأخوذة ممّا تقدّم من آيات السورة فقد اُشير فيها إلى مشاقّة بني النضير من اليهود و نقضهم العهد و ذاك الّذي أوقعهم في خسران دنياهم و اُخراهم، و تحريض المنافقين لهم على مشاقّة الله و رسوله و هو الّذي

٢٤٩

أهلكهم، و حقيقة السبب في ذلك أنّهم لم يراقبوا الله في أعمالهم و نسوه فأنساهم أنفسهم فلم يختاروا ما فيه خير أنفسهم و صلاح عاجلهم و آجلهم فتاهوا و هلكوا.

فعلى من آمن بالله و رسوله و اليوم الآخر أن يذكر ربّه و لا ينساه و ينظر فيما يقدّمه من العمل ليوم الرجوع إلى ربّه فإنّ ما عمله محفوظ عليه يحاسبه به الله يومئذ فيجازيه عليه جزاء لازماً لا يفارقه.

و هذا هو الّذي يرومه قوله:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَ لْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ ) الآيات فتندب المؤمنين إلى أن يذكروا الله سبحانه و لا ينسوه و ينظروا في أعمالهم الّتي على صلاحها و طلاحها يدور رحى حياتهم الآخرة فيراقبوا أعمالهم أن تكون صالحة خالصة لوجهه الكريم مراقبة مستمرّة ثمّ يحاسبوا أنفسهم فيشكروا الله على ما عملوا من حسنة و يوبّخوها و يزجروها على ما اقترفت من سيّئة و يستغفروا.

و ذكر الله تعالى بما يليق بساحة عظمته و كبريائه من أسمائه الحسنى و صفاته العليا الّتي بينها القرآن الكريم في تعليمه هو السبيل الوحيد الّذي ينتهي بسالكه إلى كمال العبوديّة و لا كمال للإنسان فوقه.

و ذلك أنّ الإنسان عبد محض و مملوك طلق لله سبحانه فهو مملوك من كلّ جهة مفروضة لا استقلال له من جهة كما أنّه تعالى مالكه من كلّ جهة مفروضة له الاستقلال من كلّ جهة، و كمال الشي‏ء محوضته في نفسه و آثاره فكمال الإنسان في أن يرى نفسه مملوكاً لله من غير استقلال و أن يتّصف من الصفات بصفات العبوديّة كالخضوع و الخشوع و الذلّة و الاستكانة و الفقر بالنسبة إلى ساحة العظمة و العزّة و الغنى و أن تجري أعماله و أفعاله على ما يريده الله لا ما يهواه نفسه من غير غفلة في شي‏ء من هذه المراحل الذات و الصفات و الأفعال.

و لا يتمّ له النظر إلى ذاته و صفاته و أفعاله بنظرة التبعيّة المحضة و المملوكيّة الطلقة إلّا مع التوجّه الباطنيّ إلى ربّه الّذي هو على كلّ شي‏ء شهيد و بكلّ شي‏ء محيط و هو القائم على كلّ نفس بما كسبت من غير أن يغفل عنه أو ينساه.

و عندئذ يطمئنّ قلبه كما قال تعالى:( أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) الرعد:

٢٥٠

28، و يعرف الله سبحانه بصفات كماله الّتي تتضمّنها أسماؤه الحسنى، و يظهر منه قبال ذلك صفات عبوديّته و جهات نقصه من خضوع و خشوع و ذلّة و فقر و حاجة.

و يتعقّب ذلك أعماله الصالحة بدوام الحضور و استمرار الذكر، قال تعالى:( وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَ خِيفَةً وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ وَ لا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ يُسَبِّحُونَهُ وَ لَهُ يَسْجُدُونَ ) الأعراف: 206 و قال:( فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ هُمْ لا يَسْأَمُونَ ) حم السجدة: 38.

و إلى ما ذكرنا من معرفته تعالى بصفات كماله و معرفة النفس بما يقابلها من صفات النقص و الحاجة يشير بمقتضى السياق قوله:( لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ ) إلى آخر الآيات.

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَ لْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ ) إلى آخر الآية، أمر للمؤمنين بتقوى الله و بأمر آخر و هو النظر في الأعمال الّتي قدّموها ليوم الحساب أ هي صالحة فليرج بها ثواب الله أو طالحة فليخش عقاب الله عليها و يتدارك بالتوبة و الإنابة و هو محاسبة النفس.

أمّا التقوى و قد فسّر في الحديث بالورع عن محارم الله فحيث تتعلّق بالواجبات و المحرّمات جميعاً كانت هي الاجتناب عن ترك الواجبات و فعل المحرّمات.

و أمّا النظر فيما قدّمت النفس لغد فهو أمر آخر وراء التقوى نسبته إلى التقوى كنسبة النظر الإصلاحيّ ثانياً من عامل في عمله أو صانع فيما صنعه لتكميله و رفع نواقصه الّتي غفل عنها أو أخطأ فيها حين العمل و الصنع.

فعلى المؤمنين جميعاً أن يتّقوا الله فيما وجّه إليهم من التكاليف فيطيعوه و لا يعصوه ثمّ ينظروا فيما قدّموه من الأعمال الّتي يعيشون بها في غد بعد ما حوسبوا بها أ صالح فيرجى ثوابه أم طالح فيخاف عقابه فيتوبوا إلى الله و يستغفروه.

و هذا تكليف عامّ يشمل كلّ مؤمن لحاجة الجميع إلى إصلاح العمل و عدم كفاية نظر بعضهم عن نظر الآخرين غير أنّ القائم به من أهل الإيمان في نهاية القلّة بحيث

٢٥١

يكاد يلحق بالعدم و إلى ذلك يلوّح لفظ الآية( وَ لْتَنْظُرْ نَفْسٌ ) .

فقوله:( وَ لْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ ) خطاب عامّ لجميع المؤمنين لكن لمّا كان المشتغل بهذا النظر من بين أهل الإيمان بل من بين أهل التقوى منهم في غاية القلّة بل يكاد يلحق بالعدم لاشتغالهم بأعراض الدنيا و استغراق أوقاتهم في تدبير المعيشة و إصلاح اُمور الحياة ألقى الخطاب في صورة الغيبة و علّقه بنفس مّا منكّرة فقال:( وَ لْتَنْظُرْ نَفْسٌ ) و في هذا النوع من الخطاب مع كون التكليف عامّاً بحسب الطبع عتاب و تقريع للمؤمنين مع التلويح إلى قلّة من يصلح لامتثاله منهم.

و قوله:( ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ ) استفهام من ماهيّة العمل الّذي قدّمت لغد و بيان للنظر، و يمكن أن تكون( ما ) موصولة و هي و صلتها متعلّقاً بالنظر.

و المراد بغد يوم القيامة و هو يوم حساب الأعمال و إنّما عبّر عنه بغد للإشارة إلى قربه منهم كقرب الغد من أمسه، قال تعالى:( إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَ نَراهُ قَرِيباً ) المعارج: 7.

و المعنى: يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله بطاعته في جميع ما يأمركم به و ينهاكم عنه، و لتنظر نفس منكم فيما عملته من عمل و لتر ما الّذي قدّمته من عملها ليوم الحساب أ هو عمل صالح أو طالح و هل عملها الصالح صالح مقبول أو مردود.

و قوله:( وَ اتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ ) أمر بالتقوى ثانياً و( إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ ) إلخ، تعليل له و تعليل هذه التقوى بكونه تعالى خبيراً بالأعمال يعطي أنّ المراد بهذه التقوى المأمور بها ثانياً هي التقوى في مقام المحاسبة و النظر فيها من حيث إصلاحها و إخلاصها لله سبحانه و حفظها عمّا يفسدها، و أمّا قوله في صدر الآية:( اتَّقُوا اللهَ ) فالمراد به التقوى في أصل إتيان الأعمال بقصرها في الطاعات و تجنّب المعاصي.

و من هنا تبيّن أنّ المراد بالتقوى في الموضعين مختلف فالاُولى هي التقوى في أصل إتيان الأعمال، و الثّانية هي التقوى في الأعمال المأتيّة من حيث إصلاحها و إخلاصها.

و ظهر أيضاً أنّ قول بعضهم: إنّ الاُولى للتوبة عمّا مضى من الذنوب و الثانية

٢٥٢

لاتّقاء المعاصي في المستقبل غير سديد و مثله ما قيل: إنّ الاُولى في أداء الواجبات و الثانية في ترك المحرّمات، و مثله ما قيل: إنّ الأمر الثاني لتأكيد الأمر الأوّل فحسب.

قوله تعالى: ( وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ ) إلخ، النسيان زوال صورة المعلوم عن النفس بعد حصولها فيها مع زوال مبدئه و يتوسّع فيه مطلق على مطلق الإعراض عن الشي‏ء بعدم ترتيب الأثر عليه قال تعالى:( وَ قِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا وَ مَأْواكُمُ النَّارُ وَ ما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ ) الجاثية: 34.

و الآية بحسب لبّ معناها كالتأكيد لمضمون الآية السابقة كأنّه قيل: قدّموا ليوم الحساب و الجزاء عملاً صالحاً تحيى به أنفسكم و لا تنسوه. ثمّ لمّا كان سبب نسيان النفس نسيان الله تعالى إذ بنسيانه تعالى تنسى أسماؤه الحسنى و صفاته العليا الّتي ترتبط بها صفات الإنسان الذاتيّة من الذلّة و الفقر و الحاجة فيتوهّم الإنسان نفسه مستقلّة في الوجود و يخيّل إليه أنّ له لنفسه حياة و قدرة و علماً و سائر ما يتراءى له من الكمال و نظراؤه في الاستقلال سائر الأسباب الكونيّة الظاهريّة تؤثّر فيه و تتأثّر عنه.

و عند ذلك يعتمد على نفسه و كان عليه أن يعتمد على ربّه و يرجو و يخاف الأسباب الظاهريّة و كان عليه أن يرجو و يخاف ربّه، يطمئنّ إلى غير ربّه و كان عليه أن يطمئنّ إلى ربّه.

و بالجملة ينسى ربّه و الرجوع إليه و يعرض عنه بالإقبال إلى غيره، و يتفرّع عليه أن ينسى نفسه فإنّ الّذي يخيّل إليه من نفسه أنّه موجود مستقلّ الوجود يملك ما ظهر فيه من كمالات الوجود و إليه تدبير أمره مستمدّاً ممّا حوله من الأسباب الكونية و ليس هذا هو الإنسان بل الإنسان موجود متعلّق الوجود جهل كلّه عجز كلّه ذلّة كلّه فقر كلّه و هكذا، و ما له من الكمال كالوجود و العلم و القدرة و العزّة و الغنى و هكذا فلربّه و إلى ربّه انتهاؤه و نظراؤه في ذلك سائر الأسباب الكونيّة.

و الحاصل لما كان سبب نسيان النفس نسيان الله تعالى حوّل النهي عن نسيان

٢٥٣

النفس في الآية إلى النهي عن نسيانه تعالى لأنّ انقطاع المسبّب بانقطاع سببه أبلغ و آكد، و لم يقنع بمجرّد النهي الكلّيّ عن نسيانه بأن يقال: و لا تنسوا الله فينسيكم أنفسكم بل جرى بمثل إعطاء الحكم بالمثال ليكون أبلغ في التأثير و أقرب إلى القبول فنهاهم أن يكونوا كالّذين نسوا الله مشيراً به إلى من تقدّم ذكرهم من يهود بني النضير و بني قينقاع و من حاله حالهم في مشاقّة الله و رسوله.

فقال:( وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ ) ثمّ فرّع عليه قوله:( فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ ) تفريع المسبّب على سببه ثمّ عقّبه بقوله:( أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) فدلّ على أنّهم فاسقون حقّاً خارجون عن زيّ العبوديّة.

و الآية و إن كانت تنهى عن نسيانه تعالى المتفرّع عليه نسيان النفس لكنّها بورودها في سياق الآية السابقة تأمر بذكر الله و مراقبته.

فقد بان من جميع ما تقدّم في الآيتين أنّ الآية الاُولى تأمر بمحاسبة النفس و الثانية تأمر بالذكر و المراقبة.

قوله تعالى: ( لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ ) قال الراغب: الفوز الظفر بالخير مع حصول السلامة انتهى. و السياق يشهد بأنّ المراد بأصحاب النار هم الناسون لله و بأصحاب الجنّة هم الذاكرون لله المراقبون.

و الآية حجّة تامّة على وجوب اللحوق بالذاكرين لله المراقبين له دون الناسين، تقريرها أنّ هناك قبيلين لا ثالث لهما و هما الذاكرون لله و الناسون له لا بدّ للإنسان أن يلحق بأحدهما و ليسا بمساويين حتّى يتساوى اللحوقان و لا يبالي الإنسان بأيّهما لحق؟ بل هناك راجح و مرجوح يجب اختيار الراجح على المرجوح و الرجحان لقبيل الذاكرين لأنّهم الفائزون لا غير فالترجيح لجانبهم فمن الواجب لكلّ نفس أن يختار اللحوق بقبيل الذاكرين.

قوله تعالى: ( لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى‏ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ) إلخ، في المجمع: التصدّع التفرّق بعد التلاؤم و مثله التفطّر انتهى.

و الكلام مسوق سوق المثل مبنيّ على التخييل و الدليل عليه قوله في ذيل الآية:

٢٥٤

( وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ ) إلخ.

و المراد تعظيم أمر القرآن بما يشتمل عليه من حقائق المعارف و اُصول الشرائع و العبر و المواعظ و الوعد و الوعيد و هو كلام الله العظيم، و المعنى: لو كان الجبل ممّا يجوز أن ينزل عليه القرآن فأنزلناه عليه لرأيته - مع ما فيه من الغلظة و القسوة و كبر الجسم و قوّة المقاومة قبال النوازل - متأثّراً متفرقاً من خشية الله فإذا كان هذا حال الجبل بما هو عليه فالإنسان أحقّ بأن يخشع لله إذا تلاه أو تلي عليه، و ما أعجب حال أهل المشاقّة و العناد لا تلين قلوبهم له و لا يخشعون و لا يخشون.

و الالتفات من التكلّم مع الغير إلى الغيبة في قوله:( مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ) للدلالة على علّة الحكم فإنّما يخشع و يتصدّع الجبل بنزول القرآن لأنّه كلام الله عزّ اسمه.

و قوله:( وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) من وضع الحكم الكلّيّ موضع الجزئيّ للدلالة على أنّ الحكم ليس ببدع في مورده بل جار سار في موارد اُخرى كثيرة.

فقوله:( لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى‏ جَبَلٍ ) إلخ، مثل ضربه الله للناس في أمر القرآن لتقريب عظمته و جلالة قدره بما أنّه كلام لله تعالى و بما يشتمل عليه من المعارف رجاء أن يتفكّر فيه الناس فيتلقّوا القرآن بما يليق به من التلقّي و يتحقّقوا بما فيه من الحقّ الصريح و يهتدوا إلى ما يهدي إليه من طريق العبوديّة الّتي لا طريق إلى كمالهم و سعادتهم وراءها، و من ذلك ما ذكر في الآيات السابقة من المراقبة و المحاسبة.

قوله تعالى: ( هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ ) هذه الآية و الآيتان بعدها و إن كانت مسوقة لتعداد قبيل من أسمائه تعالى الحسنى و الإشارة إلى تسميته تعالى بكلّ اسم أحسن و تنزّهه بشهادة ما في السماوات و الأرض لكنّها بانضمامها إلى ما مرّ من الأمر بالذكر تفيد أنّ على الذاكرين أن يذكروه بأسمائه الحسنى فيعرفوا أنفسهم بما يقابلها من أسماء النقص، فافهم ذلك.

و بانضمامها إلى الآية السابقة و ما فيها من قوله:( مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ) تفيد تعليل خشوع الجبل و تصدّعه من خشية الله كأنّه قيل: و كيف لا و هو الله الذي لا إله إلّا هو

٢٥٥

عالم الغيب و الشهادة، إلى آخر الآيات.

و قوله:( هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ) يفيد الموصول و الصلة معنى اسم من أسمائه و هو وحدانيّته تعالى في اُلوهيّته و معبوديّته، و قد تقدّم بعض ما يتعلّق بالتهليل في تفسير قوله تعالى:( وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ) البقرة: 163.

و قوله:( عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ ) الشهادة هي المشهود الحاضر عند المدرك و الغيب خلافها و هما معنيان إضافيّان فمن الجائز أن يكون شي‏ء شهادة بالنسبة إلى شي‏ء و غيباً بالنسبة إلى آخر و يدور الأمر مدار نوع من الإحاطة بالشي‏ء حسّاً أو خيالاً أو عقلاً أو وجوداً و هو الشهادة و عدمها و هو الغيب، و كلّ ما فرص من غيب أو شهادة فهو من حيث هو محاط له تعالى معلوم فهو تعالى عالم الغيب و الشهادة و غيره لا علم له بالغيب لمحدوديّة وجوده و عدم إحاطته إلّا ما علّمه تعالى كما قال:( عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى‏ غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى‏ مِنْ رَسُولٍ ) الجنّ: 27، و أمّا هو تعالى فغيب على الإطلاق لا سبيل إلى الإحاطة به لشي‏ء أصلاً كما قال:( وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) .

و قوله:( هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ ) قد تقدّم الكلام في معنى الاسمين في تفسير سورة الفاتحة.

قوله تعالى: ( هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ) إلخ، الملك هو المالك لتدبير أمر الناس و الحكم فيهم، و القدّوس مبالغة في القدس و هو النزاهة و الطهارة، و السلام من يلاقيك بالسلام و العافية من غير شرّ و ضرّ، و المؤمن الّذي يعطي الأمن، و المهيمن الفائق المسيطر على الشي‏ء.

و العزيز الغالب الّذي لا يغلبه شي‏ء أو من عنده ما عند غيره من غير عكس، و الجبّار مبالغة من جبر الكسر أو الّذي تنفذ إرادته و يجبر على ما يشاء، و المتكبّر الّذي تلبّس بالكبرياء و ظهر بها.

و قوله:( سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) ثناء عليه تعالى كما في قوله:( وَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ ) البقرة: 116.

قوله تعالى: ( هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ ) إلى آخر الآية، الخالق هو

٢٥٦

الموجد للأشياء عن تقدير، و البارئ المنشئ للأشياء ممتازاً بعضها من بعض، و المصوّر المعطي لها صوراً يمتاز بها بعضها من بعض، و الأسماء الثلاثة تتضمّن معنى الإيجاد باعتبارات مختلفة و بينها ترتّب فالتصوير فرع البرء و البرء فرع الخلق و هو ظاهر.

و إنّما صدر الآيتين السابقتين بقوله:( الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ) فوصف به( اللهُ ) و عقّبه بالأسماء بخلاف هذه الآية إذ قال:( هُوَ اللهُ الْخالِقُ ) إلخ.

لأنّ الأسماء الكريمة المذكورة في الآيتين السابقتين و هي أحد عشر اسماً من لوازم الربوبيّة و مالكيّة التدبير الّتي تتفرّع عليها الاُلوهيّة و المعبوديّة بالحقّ و هي على نحو الأصالة و الاستقلال لله سبحانه وحده لا شريك له في ذلك فاتّصافه تعالى وحده بها يستوجب اختصاص الاُلوهيّة و استحقاق المعبوديّة به تعالى.

فالأسماء الكريمة بمنزلة التعليل لاختصاص الاُلوهيّة به تعالى كأنّه قيل لا إله إلّا هو لأنّه عالم الغيب و الشهادة هو الرحمن الرحيم، و لذا أيضاً ذيّل هذه الأسماء بقوله ثناء عليه:( سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) ردّاً على القول بالشركاء كما يقوله المشركون.

و أمّا قوله:( هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ ) فالمذكور فيه من الأسماء يفيد معنى الخلق و الإيجاد و اختصاص ذلك به تعالى لا يستوجب اختصاص الاُلوهيّة به كما يدلّ عليه أنّ الوثنيّين قائلون باختصاص الخلق و الإيجاد به تعالى و هم مع ذلك يدعون من دونه أرباباً و آلهة و يثبتون له شركاء.

و أمّا وقوع اسم الجلالة في صدر الآيات الثلاث جميعاً فهو علم للذات المستجمع لجميع صفات الكمال يرتبط به و يجري عليه جميع الأسماء و في التكرار مزيد تأكيد و تثبيت للمطلوب.

و قوله:( لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏ ) إشارة إلى بقيّة الأسماء الحسنى عن آخرها لكون الأسماء جمعاً محلّى باللّام و هو يفيد العموم.

و قوله:( يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ) أي جميع ما في العالم من المخلوقات حتّى نفس السماوات و الأرض و قد تقدّم توضيح معنى الجملة مراراً.

٢٥٧

ثمّ ختم الآيات بقوله:( وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) أي الغالب غير المغلوب الّذي فعله متقن لا مجازفة فيه فلا يعجزه فيما شرعه و دعا إليه معصية العاصين و لا مشاقّة المعاندين و لا يضيع عنده طاعة المطيعين و أجر المحسنين.

و العناية إلى ختم الكلام بالاسمين و الإشارة بذلك إلى كون القرآن النازل من عنده كلام عزيز حكيم هو الّذي دعا إلى تكرار اسمه العزيز و ذكره مع الحكيم مع تقدّم ذكره بين الأسماء.

و قد وصف القرآن أيضاً بالعزّة و الحكمة كما قال:( وَ إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ ) حم السجدة: 41، و قال:( وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ) يس: 2.

( بحث روائي)

في المجمع في قوله تعالى:( عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ ) عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: الغيب ما لم يكن و الشهادة ما قد كان.

أقول: و هو تفسير ببعض المصاديق، و قد أوردنا أحاديث عنهمعليهم‌السلام في معنى اسم الجلالة و الاسمين الرحمن الرحيم في ذيل تفسير البسملة من سورة الفاتحة.

و في التوحيد، بإسناده عن أبي بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام في حديث: لم يزل حيّاً بلا حياة و ملكاً قادراً قبل أن ينشئ شيئاً و ملكاً جبّاراً بعد إنشائه للكون.

أقول: قوله: لم يزل حيّاً بلا حياة أي بلا حياة زائدة على الذات، و قوله: لم يزل ملكاً قادراً قبل أن ينشئ شيئاً إرجاع للملك و هو من صفات الفعل إلى القدرة و هي من صفات الذات ليستقيم تحقّقه قبل الإيجاد.

و في الكافي، بإسناده عن هشام الجواليقيّ قال: سألت أباعبداللهعليه‌السلام عن قول الله:( سُبْحانَ اللهِ ) ما يعني به؟ قال: تنزيه.

و في نهج البلاغة: و الخالق لا بمعنى حركة و نصب.

أقول: و قد أوردنا عدّة من الروايات في الأسماء الحسنى و إحصائها في البحث عن الأسماء الحسنى في الجزء الثامن من الكتاب.

٢٥٨

و في النبويّ المشهور: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا و زنوا قبل أن توزنوا و تجهّزوا للغرض الأكبر.

و في الكافي، بإسناده إلى أبي الحسن الماضيعليه‌السلام قال: ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كلّ يوم فإن عمل حسناً ازداد لله شكراً و إن عمل سيّئاً استغفر الله و تاب إليه.

أقول: و فيما يقرب من هذا المعنى روايات اُخر، و قد أوردنا روايات عنهمعليهم‌السلام في معنى ذكر الله في ذيل تفسير قوله تعالى:( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) الآية البقرة: 152، و قوله:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً ) الأحزاب: 21، فليراجعها من شاء.

٢٥٩

( سورة الممتحنة مدنيّة و هي ثلاث عشرة آية)

( سورة الممتحنة الآيات 1 - 9)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ  أَن تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي  تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ  وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ( 1 ) إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ( 2 ) لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ  يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ  وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( 3 ) قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِن شَيْءٍ  رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ( 4 ) رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا  إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( 5 ) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ  وَمَن

٢٦٠