الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٩

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 408

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 408
المشاهدات: 135274
تحميل: 5134


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 408 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 135274 / تحميل: 5134
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 19

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

إليها و تركوك قائماً تخطب على المنبر.

قال جابر بن سمرة: ما رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخطب إلّا و هو قائم فمن حدّثك أنّه خطب و هو جالس فكذّبه.

أقول: و هو مرويّ أيضاً في روايات اُخرى.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي شيبة عن طاووس قال: خطب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائما و أبوبكر و عمر و عثمان، و إن أوّل من جلس على المنبر معاوية بن أبي سفيان.

٣٢١

( سورة المنافقون مدنيّة، و هي إحدى عشرة آية)

( سورة المنافقون الآيات 1 - 8)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ  وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ( 1 ) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ  إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( 2 ) ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ( 3 ) وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ  وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ  كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ  يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ  هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ  قَاتَلَهُمُ اللهُ  أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ( 4 ) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ( 5 ) سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ  إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ( 6 ) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّوا  وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ ( 7 ) يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ  وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ( 8 )

( بيان‏)

تصف السورة المنافقين و تسمهم بشدّة العداوة و تأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحذرهم و تعظ المؤمنين أن يتحرّزوا من خصائص النفاق فلا يقعوا في مهلكته و لا يجرّهم إلى

٣٢٢

النار، و السورة مدنيّة.

قوله تعالى: ( إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَ اللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَ اللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ ) المنافق اسم فاعل من النفاق و هو في عرف القرآن إظهار الإيمان و إبطان الكفر.

و الكذب خلاف الصدق و هو عدم مطابقة الخبر للخارج فهو وصف الخبر كالصدق و ربّما اعتبرت مطابقة الخبر و لا مطابقته بالنسبة إلى اعتقاد المخبر فيكون مطابقته لاعتقاد المخبر صدقاً منه و عدم مطابقته له كذباً فيقال: فلان كاذب إذا لم يطابق خبره الخارج و فلان كاذب إذا أخبر بما يخالف اعتقاده و يسمّى النوع الأوّل صدقاً و كذباً خبريّين، و الثاني صدقاً و كذباً مخبريّين.

فقوله:( إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ ) حكاية لإظهارهم الإيمان بالشهادة على الرّسالة فإنّ في الشهادة على الرسالة إيماناً بما جاء به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و يتضمّن الإيمان بوحدانيّته تعالى و بالمعاد، و هو الإيمان الكامل.

و قوله:( وَ اللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ ) تثبيت منه تعالى لرسالتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و إنّما أورده مع أنّ وحي القرآن و مخاطبتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان كافياً في تثبيت رسالته، ليكون قرينة مصرّحة بأنّهم كاذبون من حيث عدم اعتقادهم بما يقولون و إن كان قولهم في نفسه صادقاً فهم كاذبون في قولهم كذباً مخبريّاً لا خبريّاً فقوله:( وَ اللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ ) اُريد به الكذب المخبريّ لا الخبريّ.

قوله تعالى: ( اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) إلخ، الأيمان جمع يمين بمعنى القسم، و الجنّة الترس و المراد بها ما يتّقى به من باب الاستعارة، و الصدّ يجي‏ء بمعنى الإعراض و عليه فالمراد إعراضهم أنفسهم عن سبيل الله و هو الدين و بمعنى الصرف و عليه فالمراد صرفهم العامّة من الناس عن الدين و هم في وقاية من إيمانهم الكاذبة.

و المعنى: اتّخذوا أيمانهم الكاذبة الّتي يحلفون وقاية لأنفسهم فأعرضوا عن سبيل

٣٢٣

الله و دينه - أو فصرفوا العامّة من الناس عن دين الله بما يستطيعونه من الصرف بتقليب الاُمور و إفساد العزائم.

و قوله:( إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ) تقبيح لأعمالهم الّتي استمرّوا عليها منذ نافقوا إلى حين نزول السورة.

قوله تعالى: ( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ ) الظاهر أنّ الإشارة بذلك إلى سوء ما عملوا كما قيل، و قيل: الإشارة إلى جميع ما تقدّم من كذبهم و استجنانهم بالأيمان الفاجرة و صدّهم عن سبيل الله و مساءة أعمالهم.

و المراد بإيمانهم - على ما قيل - إيمانهم بألسنتهم ظاهرا بشهادة أن لا إله إلّا الله و أنّ محمّداً رسوله ثمّ كفرهم بخلوّ باطنهم عن الإيمان كما قال تعالى فيهم:( وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَ إِذا خَلَوْا إِلى‏ شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ ) البقرة: 14.

و لا يبعد أن يكون فيهم من آمن حقيقة ثمّ ارتدّ و كتم ارتداده فلحق بالمنافقين يتربّص بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و بالمؤمنين الدوائر كما يظهر من بعض آيات سورة التوبة كقوله:( فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى‏ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ ) التوبة: 77، و قد عبّر تعالى عمّن لم يدخل الإيمان في قلبه منهم بمثل قوله:( وَ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ ) التوبة: 74.

فالظاهر أنّ المراد بقوله:( آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ) إظهارهم للشهادتين أعمّ من أن يكون عن ظهر القلب أو بظاهر من القول ثمّ كفرهم بإتيان أعمال تستصحب الكفر كالاستهزاء بالدين و ردّ بعض الأحكام.

و قوله:( فَطُبِعَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ ) تفريع عدم الفقه على طبع القلوب دليل على أنّ الطبع ختم على القلب يستتبع عدم قبوله لورود كلمة الحقّ فيه فهو آيس من الإيمان محروم من الحقّ.

و الطبع على القلب جعله بحيث لا يقبل الحقّ و لا يتّبعه فلا محالة يتّبع الهوى

٣٢٤

كما قال تعالى:( طَبَعَ اللهُ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ ) سورة محمّد: 16، فلا يفقه و لا يسمع و لا يعلم كما قال تعالى:( وَ طُبِعَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ ) التوبة: 87، و قال:( وَ نَطْبَعُ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ) الأعراف: 100، و قال:( وَ طَبَعَ اللهُ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) التوبة: 93، و الطبع على أيّ حال لا يكون منه تعالى إلّا مجازاة لأنّه إضلال و الّذي ينسب إليه تعالى من الإضلال إنّما هو الإضلال على سبيل المجازاة دون الإضلال الابتدائيّ و قد مرّ مراراً.

قوله تعالى: ( وَ إِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَ إِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ) إلخ، الظاهر أنّ الخطاب في( رَأَيْتَهُمْ ) و( تَسْمَعْ ) خطاب عامّ يشمل كلّ من رآهم و سمع كلامهم لكونهم في أزياء حسنة و بلاغة من الكلام، و ليس خطاباً خاصّاً بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و المراد أنّهم على صباحة من المنظر و تناسب من الأعضاء إذا رآهم الرائي أعجبته أجسامهم، و فصاحة و بلاغة من القول إذا سمع السامع كلامهم مال إلى الإصغاء إلى قولهم لحلاوة ظاهره و حسن نظمه.

و قوله:( كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ) ذمّ لهم بحسب باطنهم و الخشب بضمّتين جمع خشبة، و التسنيد نصب الشي‏ء معتمداً على شي‏ء آخر كحائط و نحوه.

و الجملة مسوقة لذمّهم و هي متمّمة لسابقتها، و المراد أنّ لهم أجساماً حسنة معجبة و قولاً رائعاً ذا حلاوة لكنهم كالخشب المسنّدة أشباح بلا أرواح لا خير فيها و لا فائدة تعتريها لكونهم لا يفقهون.

و قوله:( يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ) ذمّ آخر لهم أي إنّهم لإبطانهم الكفر و كتمانهم ذلك من المؤمنين يعيشون على خوف و وجل و وحشة يخافون ظهور أمرهم و اطّلاع الناس على باطنهم و يظنّون أنّ كلّ صيحة سمعوها فهي كائنة عليهم و أنّهم المقصودون بها.

و قوله:( هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ) أي هم كاملون في العداوة بالغون فيها فإنّ أعدى أعدائك من يعاديك و أنت تحسبه صديقك.

و قوله:( قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) دعاء عليهم بالقتل و هو أشدّ شدائد الدنيا

٣٢٥

و كأنّ استعمال المقاتلة دون القتل للدلالة على الشدّة.

و قيل: المراد به الطرد و الإبعاد من الرحمة، و قيل: المراد به الإخبار دون الدعاء، و المعنى: أنّ شمول اللعن و الطرد لهم مقرّر ثابت، و قيل: الكلمة مفيدة للتعجّب كما يقال: قاتله الله ما أشعره، و الظاهر من السياق ما تقدّم من الوجه.

و قوله:( أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) مسوق للتعجّب أي كيف يصرفون عن الحقّ؟ و قيل: هو توبيخ و تقريع و ليس باستفهام.

قوله تعالى: ( وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ ) إلخ، التلوية تفعيل من لوى يلوي ليّاً بمعنى مال.

و المعنى: و إذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله - و ذلك عند ما ظهر منهم بعض خياناتهم و فسوقهم - أمالوا رؤسهم إعراضاً و استكباراً و رآهم الرائي يعرضون عن القائل و هم مستكبرون عن إجابة قوله.

قوله تعالى: ( سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ) إلخ، أي يتساوى الاستغفار و عدمه في حقّهم و تساوي الشي‏ء و عدمه كناية عن أنّه لا يفيد الفائدة المطلوبة منه، فالمعنى: لا يفيدهم استغفارك و لا ينفعهم.

و قوله:( لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ) دفع دخل كأنّ سائلاً يسأل: لما ذا يتساوى الاستغفار لهم و عدمه؟ فاُجيب: لن يغفر الله لهم.

و قوله:( إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ ) تعليل لقوله:( لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ) ، و المعنى: لن يغفر الله لهم لأنّ مغفرته لهم هداية لهم إلى السعادة و الجنّة و هم فاسقون خارجون عن زيّ العبوديّة لإبطانهم الكفر و الطبع على قلوبهم و الله لا يهدي القوم الفاسقين.

قوله تعالى: ( هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى‏ مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا ) إلخ، الانفضاض التفرّق، و المعنى: المنافقون هم الّذين يقولون: لا تنفقوا أموالكم على المؤمنين الفقراء الّذين لازموا رسول الله و اجتمعوا عنده لنصرته و إنفاذ أمره و إجراء مقاصده حتّى يتفرّقوا عنه فلا يتحكّم علينا.

٣٢٦

و قوله:( وَ لِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ) جواب عن قولهم:( لا تُنْفِقُوا ) إلخ، أي إنّ الدين دين الله و لا حاجة له إلى إنفاقهم فله خزائن السماوات و الأرض ينفق منها و يرزق من يشاء كيف يشاء فلو شاء لأغنى الفقراء من المؤمنين لكنّه تعالى يختار ما هو الأصلح فيمتحنهم بالفقر و يتعبّدهم بالصبر ليوجرهم أجراً كريماً و يهديهم صراطاً مستقيماً و المنافقون في جهل من ذلك.

و هذا معنى قوله:( وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ ) أي لا يفقهون وجه الحكمة في ذلك و احتمل أن يكون المعنى أنّ المنافقين لا يفقهون أنّ خزائن العالم بيد الله و هو الرازق لا رازق غيره فلو شاء لأغناهم لكنّهم يحسبون أنّ الغنى و الفقر بيد الأسباب فلو لم ينفقوا على اُولئك الفقراء من المؤمنين لم يجدوا رازقاً يرزقهم.

قوله تعالى: ( يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ) القائل هو عبدالله بن اُبيّ بن سلول، و كذا قائل الجملة السابقة: لا تنفقوا إلخ، و إنّما عبّر بصيغة الجمع تشريكاً لأصحابه الراضين بقوله معه.

و مراده بالأعز نفسه و بالأذل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و يريد بهذا القول تهديد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإخراجه من المدينة بعد المراجعة إليها و قد ردّ الله عليه و على من يشاركه في نفاقه بقوله:( وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ) فقصر العزّة في نفسه و رسوله و المؤمنين فلا يبقى لغيرهم إلّا الذلّة و نفى عن المنافقين العلم فلم يبق لهم إلّا الذلّة و الجهالة.

( بحث روائي‏)

في المجمع نزلت الآيات في عبدالله بن اُبيّ المنافق و أصحابه و ذلك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلغه أنّ بني المصطلق يجتمعون لحربه و قائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٣٢٧

فلمّا سمع بهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج إليهم حتّى لقيهم على ماء من مياههم يقال له المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل فتزاحف الناس و اقتتلوا فهزم الله بني المصطلق و قتل منهم من قتل و نفل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبناءهم و نساءهم و أموالهم.

فبينا الناس على ذلك الماء إذ وردت واردة الناس و مع عمر بن الخطّاب أجير له من بني غفار يقال له جهجاه بن سعيد يقود له فرسه فازدحم جهجاه و سنان الجهنيّ من بني عوف بن خزرج على الماء فاقتتلا فصرخ الجهنيّ يا معشر الأنصار و صرخ الغفاريّ يا معشر المهاجرين فأعان الغفاريّ رجل من المهاجرين يقال له: جعال و كان فقيراً فقال عبدالله بن اُبيّ لجعال: إنّك لهتاك فقال: و ما يمنعني أن أفعل ذلك؟ و اشتدّ لسان جعال على عبدالله. فقال عبدالله: و الّذي يحلف به لأزرنّك و يهمّك غير هذا.

و غضب ابن اُبيّ و عنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم حديث السنّ فقال ابن اُبيّ قد نافرونا و كاثرونا في بلادنا، و الله ما مثلنا و مثلهم إلّا كما قال القائل: سمّن كلبك يأكلك أما و الله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ يعني بالأعزّ نفسه و بالأذلّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ أقبل على من حضره من قومه فقال: هذا ما جعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم و قاسمتموهم أموالكم أما و الله لو أمسكتم عن جعال و ذويه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم و لأوشكوا أن يتحوّلوا من بلادكم و يلحقوا بعشائرهم و مواليهم.

فقال زيد بن أرقم: أنت و الله الذليل القليل المبغض في قومك و محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عزّ من الرحمن و مودّة من المسلمين و الله لا اُحبّك بعد كلامك هذا فقال عبدالله: اسكت فإنّما كنت ألعب.

فمشى زيد بن أرقم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و ذلك بعد فراغه من الغزو فأخبره الخبر فأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالرحيل و أرسل إلى عبدالله فأتاه فقال: ما هذا الّذي بلغني عنك؟ فقال عبدالله و الّذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئاً من ذلك قطّ و إنّ زيداً

لكاذب، و قال من حضر من الأنصار: يا رسول الله شيخنا و كبيرنا لا تصدّق عليه كلام

٣٢٨

غلام من غلمان الأنصار عسى أن يكون هذا الغلام وهم في حديثه.

فعذره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و فشت الملامة من الأنصار لزيد.

و لمّا استقلّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسار لقيه اُسيد بن الحضير فحيّاه بتحيّة النبوّة ثمّ قال: يا رسول الله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح فيها، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أ و ما بلغك ما قال صاحبكم؟ زعم أنّه إن رجع إلى المدينة أخرج الأعزّ منها الأذل. فقال اُسيد: فأنت و الله يا رسول الله تخرجه إن شئت. هو و الله الذليل و أنت العزيز. ثمّ قال: يا رسول الله أرفق به فو الله لقد جاء الله بك و إنّ قومه لينظمون له الخرز ليتوّجوه و إنّه ليرى أنّك قد استلبته ملكاً.

و بلغ عبدالله بن عبدالله بن اُبيّ ما كان من أمر أبيه فأتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا رسول الله إنّه قد بلغني أنّك تريد قتل أبي فإن كنت لا بدّ فاعلا فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه فو الله لقد علمت الخزرج ما كان بها رجل أبرّ بوالديه منّي و إنّي أخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبدالله بن اُبيّ أن يمشي في الناس فأقتله فأقتل مؤمناً بكافر فأدخل النار، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بل ترفق به و تحسن صحبته ما بقي معنا.

قالوا: و سار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالناس يومهم ذلك حتّى أمسى و ليلتهم حتّى أصبح و صدر يومهم ذلك حتّى آذتهم الشمس ثمّ نزل بالناس فلم يكن إلّا أن وجدوا مسّ الأرض وقعوا نياماً، إنّما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث الّذي خرج من عبدالله بن اُبيّ.

ثمّ راح بالناس حتّى نزل على ماء بالحجاز فويق البقيع يُقال له: بقعاء فهاجت ريح شديدة آذتهم و تخوّفوها و ضلّت ناقة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و ذلك ليلاً فقال: مات اليوم منافق عظيم النفاق بالمدينة قيل: من هو؟ قال: رفاعة. فقال رجل من المنافقين: كيف يزعم أنّه يعلم الغيب و لا يعلم مكان ناقته؟ أ لا يخبره الّذي يأتيه بالوحي؟ فأتاه جبريل فأخبره بقول المنافق و بمكان الناقة، و أخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك أصحابه و قال: ما أزعم أنّي أعلم الغيب و ما أعلمه و لكنّ الله تعالى أخبرني بقول المنافق و

٣٢٩

بمكان ناقتي. هي في الشعب فإذا هي كما قال فجاؤا بها و آمن ذلك المنافق.

فلمّا قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد في التابوت أحد بني قينقاع و كان من عظماء اليهود مات ذلك اليوم.

قال زيد بن أرقم: فلمّا وافى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة جلست في البيت لما بي من الهمّ و الحياء فنزلت سورة المنافقون في تصديق زيد و تكذيب عبدالله بن اُبيّ. ثمّ أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باُذن زيد فرفعه عن الرحل ثمّ قال: يا غلام صدق فوك، و وعت اُذناك، و وعى قلبك، و قد أنزل الله فيما قلت قرآناً.

و كان عبدالله بن اُبيّ بقرب المدينة فلمّا أراد أن يدخلها جاء ابنه عبدالله بن عبدالله بن اُبيّ حتّى أناخ على مجامع طرق المدينة فقال: ما لك ويلك؟ فقال: و الله لا تدخلها إلّا بإذن رسول الله و لتعلمنّ اليوم من الأعزّ؟ و من الأذلّ؟ فشكا عبدالله ابنه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأرسل إليه أن خلّ عنه يدخل فقال: أمّا إذا جاء أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنعم فدخل فلم يلبث إلّا أيّاماً قلائل حتّى اشتكى و مات.

فلمّا نزلت هذه الآيات و بان كذب عبدالله قيل له: نزل فيك آي شداد فاذهب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستغفر لك فلوّى رأسه ثمّ قال: أمرتموني أن أؤمن فقد آمنت و أمرتموني أن اُعطي زكاة مالي فقد أعطيت فما بقي إلّا أن أسجد لمحمّد فنزل:( وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ - إلى قوله -لا يَعْلَمُونَ ) .

أقول: ما أورده من القصّة مأخوذ من روايات مختلفة مرويّة عن زيد بن أرقم و ابن عبّاس و عكرمة و محمّد بن سيرين و ابن إسحاق و غيرهم دخل حديث بعضهم في بعض.

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ ) الآية قال: قال: نزلت في غزوة المريسيع و هي غزوة بني المصطلق في سنة خمس من الهجرة، و كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج إليها فلمّا رجع منها نزل على بئر و كان الماء قليلاً فيها.

و كان أنس بن سيّار حليف الأنصار، و كان جهجاه بن سعيد الغفاري أجيراً لعمر بن الخطّاب فاجتمعوا على البئر فتعلّق دلو سيّار بدلو جهجاه فقال سيّار: دلوي

٣٣٠

و قال جهجاه: دلوي فضرب جهجاه على وجه سيّار فسال منه الدم فنادى سيّار بالخزرج و نادى جهجاه بقريش و أخذ الناس السلاح و كاد أن تقع الفتنة.

فسمع عبدالله بن اُبيّ النداء فقال: ما هذا؟ فأخبروه بالخبر فغضب غضباً شديداً ثمّ قال: قد كنت كارهاً لهذا المسير إنّي لأذلّ العرب ما ظننت أنّي أبقى إلى أن أسمع مثل هذا فلا يكن عندي تغيير.

ثمّ أقبل على أصحابه فقال: هذا عملكم أنزلتموهم منازلكم و واسيتموهم بأموالكم و وقيتموهم بأنفسكم و أبرزتم نحوركم للقتل فأرمل نساؤكم و أيتم صبيانكم و لو أخرجتموهم لكانوا عيالاً على غيركم. ثمّ قال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ.

و كان في القوم زيد بن أرقم و كان غلاماً قد راهق، و كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ظلّ شجرة في وقت الهاجرة و عنده قوم من أصحابه من المهاجرين و الأنصار فجاء زيد فأخبره بما قال عبدالله بن اُبيّ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لعلّك وهمت يا غلام، قال: لا و الله ما وهمت. قال: فلعلّك غضبت عليه؟ قال: لا و الله ما غضبت عليه، قال: فلعلّه سفّه عليك، فقال: لا و الله.

فقال رسول الله لشقران مولاه: أحدج فأحدج راحلته و ركب و تسامع الناس بذلك فقالوا: ما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليرحل في مثل هذا الوقت، فرحل الناس و لحقه سعد بن عبادة فقال: السلام عليك يا رسول الله و رحمة الله و بركاته، فقال: و عليك السلام، فقال: ما كنت لترحل في مثل هذا الوقت، فقال: أ و ما سمعت قولاً قال صاحبكم؟ قال: و أيّ صاحب لنا غيرك يا رسول الله؟ قال: عبدالله بن اُبيّ زعم أنّه إن رجع إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، فقال: يا رسول الله فإنّك و أصحابك الأعزّ و هو و أصحابه الأذلّ.

فسار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يومه كلّه لا يكلّمه أحد فأقبلت الخزرج على عبدالله بن اُبيّ يعذلونه فحلف عبدالله أنّه لم يقل شيئاً من ذلك فقالوا: فقم بنا إلى رسول الله حتّى نعتذر إليه فلوّى عنقه.

٣٣١

فلمّا جنّ الليل سار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليله كلّه فلم ينزلوا إلّا للصلاة فلمّا كان من الغد نزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و نزل أصحابه و قد أمهدهم(1) الأرض من السفر الّذي أصابهم فجاء عبدالله بن اُبيّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فحلف عبدالله له أنّه لم يقل ذلك، و أنّه يشهد أن لا إله إلّا الله و أنّك لرسول الله و إنّ زيداً قد كذب عليّ، فقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه و أقبلت الخزرج على زيد بن أرقم يشتمونه و يقولون له: كذبت على عبدالله سيّدنا.

فلمّا رحل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان زيد معه يقول: اللّهمّ إنّك لتعلم أنّي لم أكذب على عبدالله بن اُبيّ فما سار إلّا قليلاً حتّى أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان يأخذه من البرحاء(2) عند نزول الوحي فثقل حتّى كادت ناقته أن تبرك من ثقل الوحي فسري عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو يسكب العرق عن جبهته ثمّ أخذ باُذن زيد بن أرقم فرفعه من الرحل ثمّ قال: يا غلام صدق قولك و وعى قلبك و أنزل الله فيما قلت قرآناً.

فلمّا نزل جمع أصحابه و قرأ عليهم سورة المنافقين:( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ - إلى قوله -وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ) ففضح الله عبدالله بن اُبيّ.

و في تفسير القمّيّ أيضاً، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ) يقول: لا يسمعون و لا يعقلون( يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ) يعني كلّ صوت( هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) .

فلمّا أنبأ الله رسوله خبرهم مشى إليهم عشائرهم و قالوا افتضحتم ويلكم فأتوا رسول الله يستغفر لكم فلوّوا رؤسهم و زهدوا في الاستغفار، يقول الله:( وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَ رَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَ هُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ) .

و في الكافي، بإسناده إلى سماعة عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إنّ الله تبارك و تعالى

____________________

(1) أمهدهم الأرض: أي صارت لهم مهادا فناموا.

(2) البرحاء: حالة شبه الإغماء كانت تأخذ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند نزول الوحي.

٣٣٢

فوّض إلى المؤمن اُموره كلّها، و لم يفوّض إليه أن يذلّ نفسه أ لم تر قول الله سبحانه و تعالى ههنا( لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ ) و المؤمن ينبغي أن يكون عزيزاً و لا يكون ذليلاً.

أقول: و روي هذا المعنى بإسناده عن داود الرّقيّ و الحسن الأحمسي و بطريق آخر عن سماعة.

و فيه، بإسناده عن مفضّل بن عمر قال: قال أبوعبداللهعليه‌السلام : لا ينبغي للمؤمن أن يذلّ نفسه. قلت: بما يذلّ نفسه؟ قال: يدخل فيما يعتذر منه.

( كلام حول النفاق في صدر الإسلام‏)

يهتمّ القرآن بأمر المنافقين اهتماماً بالغاً و يكرّ عليهم كرّة عنيفة بذكر مساوي أخلاقهم و أكاذيبهم و خدائعهم و دسائسهم و الفتن الّتي أقاموها على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و على المسلمين، و قد تكرّر ذكرهم في السور القرآنيّة كسورة البقرة و آل عمران و النساء و المائدة و الأنفال و التوبة و العنكبوت و الأحزاب و الفتح و الحديد و الحشر و المنافقون و التحريم.

و قد أوعدهم الله في كلامه أشدّ الوعيد ففي الدنيا بالطبع على قلوبهم و جعل الغشاوة على سمعهم و على أبصارهم و إذهاب نورهم و تركهم في ظلمات لا يبصرون و في الآخرة بجعلهم في الدرك الأسفل من النار.

و ليس ذلك إلّا لشدّة المصائب الّتي أصابت الإسلام و المسلمين من كيدهم و مكرهم و أنواع دسائسهم فلم ينل المشركون و اليهود و النصارى من دين الله ما نالوه، و ناهيك فيهم قوله تعالى لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشير إليهم:( هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ) المنافقون: 4.

و قد ظهر آثار دسائسهم و مكائدهم أوائل ما هاجر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة فورد ذكرهم في سورة البقرة و قد نزلت - على ما قيل - على رأس ستّة أشهر من الهجرة ثمّ في السور الاُخرى النازلة بعد بالإشارة إلى اُمور من دسائسهم و فنون من مكائدهم كانسلالهم من الجند الإسلاميّ يوم اُحد و هم ثلثهم تقريباً، و عقدهم الحلف مع اليهود

٣٣٣

و استنهاضهم على المسلمين و بنائهم مسجد الضرار و إشاعتهم حديث الإفك، و إثارتهم الفتنة في قصّة السقاية و قصّة العقبة إلى غير ذلك ممّا تشير إليه الآيات حتّى بلغ أمرهم في الإفساد و تقليب الاُمور على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى حيث هدّدهم الله بمثل قوله:( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلًا ) الأحزاب: 61.

و قد استفاضت الأخبار و تكاثرت في أنّ عبدالله بن اُبيّ بن سلول و أصحابه من المنافقين و هم الّذين كانوا يقلبون الاُمور على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و يتربّصون به الدوائر و كانوا معروفين عند المؤمنين يقربون من ثلث القوم و هم الّذين خذلوا المؤمنين يوم اُحد فانمازوا منهم و رجعوا إلى المدينة قائلين لو نعلم قتالاً لاتّبعناكم و هم عبدالله بن اُبيّ و أصحابه.

و من هنا ذكر بعضهم أنّ حركة النفاق بدأت بدخول الإسلام المدينة و استمرّت إلى قرب وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

هذا ما ذكره جمع منهم لكنّ التدبّر في حوادث زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و الإمعان في الفتن الواقعة بعد الرحلة و الاعتناء بطبيعة الاجتماع الفعّالة يقضي عليه بالنظر:

أمّا أوّلاً: فلا دليل مقنعاً على عدم تسرّب النفاق في متّبعي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المؤمنين بمكّة قبل الهجرة، و قول القائل: إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و المسلمين بمكّة قبل الهجرة لم يكونوا من القوّة و نفوذ الأمر و سعة الطول بحيث يهابهم الناس و يتّقوهم أو يرجوا منهم خيراً حتّى يظهروا لهم الإيمان ظاهراً و يتقرّبوا منهم بالإسلام، و هم مضطهدون مفتّنون معذّبون بأيدي صناديد قريش و مشركي مكّة المعادين لهم المعاندين للحقّ بخلاف حال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة بعد الهجرة فإنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هاجر إليها و قد كسب أنصاراً من الأوس و الخزرج و استوثق من أقوياء رجالهم أن يدفعوا عنه كما يدفعون عن أنفسهم و أهليهم، و قد دخل الإسلام في بيوت عامّتهم فكان مستظهراً بهم على العدّة القليلة الّذين لم يؤمنوا به و بقوا على شركهم و لم يكن يسعهم أن يعلنوا مخالفتهم و يظهروا شركهم فتوقّوا الشرّ بإظهار الإسلام فآمنوا به ظاهراً و هم على كفرهم باطناً

٣٣٤

فدسّوا الدسائس و مكروا ما مكروا.

غير تامّ، فما القدرة و القوّة المخالفة المهيبة و رجاء الخير بالفعل و الاستدرار المعجّل علّة منحصرة للنفاق حتّى يحكم بانتفاء النفاق لانتفائها فكثيراً ما نجد في المجتمعات رجالاً يتّبعون كلّ داع و يتجمّعون إلى كلّ ناعق و لا يعبؤن بمخالفة القوى المخالفة القاهرة الطاحنة، و يعيشون على خطر مصرّين على ذلك رجاء أن يوفّقوا يوماً لإجراء مرامهم و يتحكّموا على الناس باستقلالهم بإدارة رحى المجتمع و العلوّ في الأرض و قد كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يذكر في دعوته لقومه أن لو آمنوا به و اتّبعوه كانوا ملوك الأرض.

فمن الجائز عقلاً أن يكون بعض من آمن به يتّبعه في ظاهر دينه طمعاً في البلوغ بذلك إلى اُمنيّته و هي التقدّم و الرئاسة و الاستعلاء، و الأثر المترتّب على هذا النوع من النفاق ليس هو تقليب الاُمور و تربّص الدوائر على الإسلام و المسلمين و إفساد المجتمع الدينيّ بل تقويته بما أمكن و تفديته بالمال و الجاه لينتظم بذلك الاُمور و يتهيّأ لاستفادته منه و استدراره لنفع شخصه. نعم يمكر مثل هذا المنافق بالمخالفة و المضادّة فيما إذا لاح من الدين مثلاً ما يخالف اُمنيّة تقدّمه و تسلّطه إرجاعاً للأمر إلى سبيل ينتهي إلى غرضه الفاسد.

و أيضاً من الممكن أن يكون بعض المسلمين يرتاب في دينه فيرتدّ و يكتم ارتداده كما مرّت الإشارة إليه في قوله تعالى:( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ) الآية، و كما يظهر من لحن مثل قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ ) المائدة: 54.

و أيضاً الّذين آمنوا من مشركي مكّة يوم الفتح لا يؤمن أكثرهم أن لا يؤمنوا إيمان صدق و إخلاص و من البديهيّ عند من تدبّر في حوادث سني الدعوة أنّ كفّار مكّة و ما والاها و خاصّة صناديد قريش ما كانوا ليؤمنوا بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو لا سواد جنود غشيتهم و بريق سيوف مسلطة فوق رؤسهم يوم الفتح و كيف يمكن مع ذلك القضاء بأنّه حدث في قلوبهم و الظرف هذا الظرف نور الإيمان و في نفوسهم الإخلاص و اليقين فآمنوا

٣٣٥

بالله طوعاً عن آخرهم و لم يدبّ فيهم دبيب النفاق أصلاً.

و أمّا ثانياً: فلأنّ استمرار النفاق إلى قرب رحلة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و انقطاعه عند ذلك ممنوع نعم انقطع الخبر عن المنافقين بالرحلة و انعقاد الخلافة و انمحى أثرهم فلم يظهر منهم ما كان يظهر من الآثار المضادّة و المكائد و الدسائس المشؤمة.

فهل كان ذلك لأنّ المنافقين وفّقوا للإسلام و أخلصوا الإيمان عن آخرهم برحلة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و تأثّرت قلوبهم من موته ما لم يتأثّر بحياته؟ أو أنّهم صالحوا أولياء الحكومة الإسلاميّة على ترك المزاحمة بأن يسمح لهم ما فيه اُمنيّتهم مصالحة سرّيّة بعد الرحلة أو قبلها؟ أو أنّه وقع هناك تصالح اتّفاقيّ بينهم و بين المسلمين فوردوا جميعاً في مشرعة سواء فارتفع التصاكّ و التصادم.؟

و لعلّ التدبّر الكافي في حوادث آخر عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و الفتن الواقعة بعد رحلته يهدي إلى الحصول على جواب شاف لهذه الأسئلة.

و الّذي أوردناه في هذا الفصل إشارة إجماليّة إلى سبيل البحث.

٣٣٦

( سورة المنافقون الآيات 9 - 11)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ  وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ( 9 ) وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ ( 10 ) وَلَن يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا  وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ( 11 )

( بيان‏)

تنبيه للمؤمنين أن يتجنّبوا عن بعض الصفات الّتي تورث النفاق و هو التلهّي بالمال و الأولاد و البخل.

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ ) إلخ، الإلهاء الإشغال، و المراد بالهاء الأموال و الأولاد عن ذكر الله إشغالها القلب بالتعلّق بها بحيث يوجب الإعراض عن التوجّه إلى الله بما أنّها زينة الحياة الدنيا، قال تعالى:( الْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا ) الكهف: 46، و الاشتغال بها يوجب خلوّ القلب عن ذكر الله و نسيانه تعالى فلا يبقى له إلّا القول من غير عمل و تصديق قلبيّ و نسيان العبد لربّه يستعقب نسيانه تعالى له، قال تعالى:( نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ ) التوبة: 67، و هو الخسران المبين، قال تعالى في صفة المنافقين:( أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى‏ فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ ) البقرة: 16.

و إليه الإشارة بما في ذيل الآية من قوله:( وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ) .

و الأصل هو نهي المؤمنين عن التلهّي بالأموال و الأولاد و تبديله من نهي الأموال

٣٣٧

و الأولاد عن إلهائهم للتلويح إلى أنّ من طبعها الإلهاء فلا ينبغي لهم أن يتعلّقوا بها فتلهيهم عن ذكر الله سبحانه فهو نهي كنائيّ آكد من التصريح.

قوله تعالى: ( وَ أَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ) إلخ، أمر بالإنفاق في البرّ أعمّ من الإنفاق الواجب كالزكاة و الكفّارات أو المندوب، و تقييده بقوله:( مِنْ ما رَزَقْناكُمْ ) للإشعار بأنّ أمره هذا ليس سؤالاً لما يملكونه دونه، و إنّما هو شي‏ء هو معطيه لهم و رزق هو رازقه و ملك هو ملّكهم إيّاه من غير أن يخرج عن ملكه يأمرهم بإنفاق شي‏ء منه فيما يريد فله المنّة عليهم في كلّ حال.

و قوله:( مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ) أي فينقطع أمد استطاعته من التصرّف في ماله بالإنفاق في سبيل الله.

و قوله:( فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى‏ أَجَلٍ قَرِيبٍ ) عطف على قوله:( أَنْ يَأْتِيَ ) إلخ، و تقييد الأجل بالقريب للإشعار بأنّه قانع بقليل من التمديد - و هو مقدار ما يسع الإنفاق من العمر - ليسهل إجابته، و لأنّ الأجل أيّاً مّا كان فهو قريب، و من كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كلّ ما هو آت قريب.

و قوله:( فَأَصَّدَّقَ وَ أَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ) نصب( فَأَصَّدَّقَ ) لكونه في جواب التمنّي، و جزم( أَكُنْ ) لكونه في معنى جزاء الشرط، و التقدير إن أتصدّق أكن من الصالحين.

قوله تعالى: ( وَ لَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها ) إياس لهم من استجابة دعاء من يسأل تأخير الأجل بعد حلوله و الموت بعد نزوله و ظهور آيات الآخرة، و قد تكرّر في كلامه تعالى أنّ الأجل المسمّى من مصاديق القضاء المحتوم كقوله:( إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ ) يونس: 49.

و قوله:( وَ اللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ ) حال من ضمير( أَحَدَكُمُ ) أو عطف على أوّل الكلام و يفيد فائدة التعليل، و المعنى: لا تتلهّوا و أنفقوا فإنّ الله عليم بأعمالكم يجازيكم بها.

٣٣٨

( بحث روائي‏)

في الفقيه و سئل عن قول الله تعالى:( فَأَصَّدَّقَ وَ أَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ) قال:( فَأَصَّدَّقَ ) من الصدقة، و( أَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ) أحجّ.

أقول: الظاهر أنّ ذيل الحديث من قبيل الإشارة إلى بعض المصاديق.

و في المجمع، عن ابن عبّاس قال: ما من أحد يموت و كان له مال فلم يؤدّ زكاته و أطاق الحجّ فلم يحجّ إلّا سأل الرجعة عند الموت.

قالوا: يا ابن عبّاس اتّق الله فإنّما نرى هذا الكافر يسأل الرجعة فقال: أنا أقرأ به عليكم قرآناً ثمّ قرأ هذه الآية - يعني قوله:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ - إلى قوله -مِنَ الصَّالِحِينَ ) قال: الصلاح هنا الحجّ، و روي ذلك عن أبي عبداللهعليه‌السلام .

أقول: و رواه في الدرّ المنثور، عن عدّة من أرباب الجوامع عن ابن عبّاس.

و في تفسير القمّيّ، بإسناده عن أبي بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول الله:( وَ لَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها ) قال: إنّ عندالله كتباً موقوفة يقدّم منها ما يشاء و يؤخّر ما يشاء فإذا كان ليلة القدر أنزل الله فيها كلّ شي‏ء يكون إلى مثلها فذلك قوله:( وَ لَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها ) إذا نزله الله و كتبه كتاب السماوات و هو الّذي لا يؤخّر.

٣٣٩

( سورة التغابن مدنيّة و هي ثماني عشرة آية)

( سورة التغابن الآيات 1 - 10)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ  لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ  وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 1 ) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ  وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( 2 ) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ  وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ( 3 ) يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ  وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ( 4 ) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 5 ) ذَٰلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا  وَّاسْتَغْنَى اللهُ  وَاللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ( 6 ) زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا  قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ  وَذَٰلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ( 7 ) فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا  وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ( 8 ) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ  ذَٰلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ  وَمَن يُؤْمِن بِاللهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا  ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ( 9 ) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا  وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( 10 )

٣٤٠