الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٩

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 408

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 408
المشاهدات: 135286
تحميل: 5134


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 408 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 135286 / تحميل: 5134
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 19

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

( سورة الطلاق مدنيّة و هي اثنتا عشرة آية)

( سورة الطلاق الآيات 1 - 7)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ  وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ  لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ  وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ  وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ  لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا ( 1 ) فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ  ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ  وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ( 2 ) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ  وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ  إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ  قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ( 3 ) وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ  وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ  وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ( 4 ) ذَٰلِكَ أَمْرُ اللهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ  وَمَن يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ( 5 ) أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ  وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ  فَإِنْ أَرْضَعْنَ

٣٦١

لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ  وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ  وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ ( 6 ) لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ  وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ  لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا  سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ( 7 )

( بيان‏)

تتضمّن السورة بيان كليّات من أحكام الطلاق تعقّبه عظة و إنذار و تبشير، و السورة مدنيّة بشهادة سياقها.

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ ) إلى آخر الآية، بدئ الخطاب بنداء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّه الرسول إلى الاُمّة و إمامهم فيصلح لخطابه أن يشمله و أتباعه من اُمّته و هذا شائع في الاستعمال يخصّ مقدّم القوم و سيّدهم بالنداء و يخاطب بما يعمّه و قومه فلا موجب لقول بعضهم: إنّ التقدير يا أيّها النبيّ قل لاُمّتك: إذا طلّقتم النساء إلخ.

و قوله:( إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) أي إذا أردتم أن تطلّقوا النساء و أشرفتم على ذلك إذ لا معنى لتحقّق الطلاق بعد وقوع الطلاق فهو كقوله:( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ) الآية المائدة: 6.

و العدّة قعود المرأة عن الزوج حتّى تنقضي المدّة المرتّبة شرعاً، و المراد بتطليقهنّ لعدّتهنّ تطليقهنّ لزمان عدّتهنّ بحيث يأخذ زمان العدّة من يوم تحقّق التطليقة و ذلك بأن تكون التطليقة في طهر لا مواقعة فيه حتّى تنقضي أقراؤها.

و قوله:( وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ ) أي عدّوا الأقراء الّتي تعتدّ بها، و هو الاحتفاظ عليها لأنّ للمرأة فيها حقّ النفقة و السكنى على زوجها و للزوج فيها حقّ الرجوع.

و قوله:( وَ اتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ) ظاهر السياق كون

٣٦٢

( لا تُخْرِجُوهُنَّ ) إلخ، بدلاً من( اتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ ) و يفيد ذلك تأكيد النهي في( لا تُخْرِجُوهُنَّ ) و المراد ببيوتهنّ البيوت الّتي كن يسكنّه قبل الطلاق اُضيفت إليهنّ بعناية السكنى.

و قوله:( وَ لا يَخْرُجْنَ ) نهي عن خروجهنّ أنفسهنّ كما كان سابقه نهياً عن إخراجهنّ.

و قوله:( إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) أي ظاهرة كالزنا و البذاء و إيذاء أهلها كما في الروايات المأثورة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

و قوله:( وَ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ) أي الأحكام المذكورة للطلاق حدود الله حدّ بها أعمالكم و من يتعدّ و يتجاوز حدود الله بأن لم يراعها و خالفها فقد ظلم نفسه أي عصى ربّه.

و قوله:( لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً ) أي أمراً يقضي بتغيّر الحال و تبدّل رأي الزوج في طلاقها بأن يميل إلا الالتيام و يظهر في قلبه محبّة حبّ الرجوع إلى سابق الحال.

قوله تعالى: ( فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ - إلى قوله -وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ) المراد من بلوغهنّ أجلهنّ اقترابهنّ من آخر زمان العدّة و إشرافهنّ عليه، و المراد بإمساكهنّ الرجوع على سبيل الاستعارة، و بمفارقتهنّ تركهنّ ليخرجن من العدّة و يبنّ.

و المراد بكون الإمساك بمعروف حسن الصحبة و رعاية ما جعل الله لهنّ من الحقوق، و بكون فراقهنّ بمعروف أيضاً استرام الحقوق الشرعيّة فالتقدير بمعروف من الشرع.

و قوله:( وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ) أي أشهدوا على الطلاق رجلين منكم صاحبي عدل، و قد مرّ توضيح معنى العدل في تفسير سورة البقرة.

و قوله:( وَ أَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ) تقدّم توضيحه في تفسير سورة البقرة.

و قوله:( ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ) أي ما مرّ من

٣٦٣

الأمر بتقوى الله و إقامة الشهادة لله و النهي عن تعدّي حدود الله أو مجموع ما مرّ من الأحكام و البعث إلى التقوى و الإخلاص في الشهادة و الزجر عن تعدّي حدود الله يوعظ به المؤمنون ليركنوا إلى الحقّ و ينقلعوا عن الباطل، و فيه إيهام أنّ في الإعراض عن هذه الأحكام أو تغييرها خروجاً من الإيمان.

قوله تعالى: ( وَ مَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ - إلى قوله -قَدْراً ) أي( وَ مَنْ يَتَّقِ اللهَ ) و يتورّع عن محارمه و لم يتعدّ حدوده و احترم لشرائعه فعمل بها( يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ) من مضائق مشكلات الحياة فإنّ شريعته فطرية يهدي بها الله الإنسان إلى ما تستدعيه فطرته و تقضي به حاجته و تضمّن سعادته في الدنيا و الآخرة( وَ يَرْزُقْهُ ) من الزوج و المال و كلّ ما يفتقر إليه في طيب عيشه و زكاة حياته( مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) و لا يتوقّع فلا يخف المؤمن أنّه إن اتّقى الله و احترم حدوده حرم طيب الحياة و ابتلي بضنك المعيشة فإنّ الرزق مضمون و الله على ما ضمنه قادر.

( وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ) باعتزاله عن نفسه فيما تهواه و تأمر به و إيثاره إرادة الله سبحانه على إرادة نفسه و العمل الّذي يريده الله على العمل الّذي تهواه و تريده نفسه و بعبارة اُخرى تديّن بدين الله و عمل بأحكامه( فَهُوَ حَسْبُهُ ) أي كافيه فيما يريده من طيب العيش و يتمنّاه من السعادة بفطرته لا بواهمته الكاذبة.

و ذلك أنّه تعالى هو السبب الأعلى الّذي تنتهي إليه الأسباب فإذا أراد شيئاً فعله و بلغ ما أراده من غير أن تتغيّر إرادته فهو القائل:( ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ ) ق: 29، أو يحول بينه و بين ما أراده مانع فهو القائل:( وَ اللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ) الرعد: 41، و أمّا الأسباب الاُخر الّتي يتشبّث بها الإنسان في رفع حوائجه فإنّما تملك من السببيّة ما ملّكها الله سبحانه و هو المالك لما ملّكها و القادر على ما عليه أقدرها و لها من الفعل مقدار ما أذن الله فيه.

فالله كاف لمن توكّل عليه لا غيره( إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ ) يبلغ حيث أراد، و هو القائل:( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) ( قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدْراً ) فما

٣٦٤

من شي‏ء إلّا له قدر مقدور و حدّ محدود و الله سبحانه لا يحدّه حدّ و لا يحيط به شي‏ء و هو المحيط بكلّ شي‏ء.

هذا هو معنى الآية بالنظر إلى وقوعها في سياق آيات الطلاق و انطباقها على المورد.

و أمّا بالنظر إلى إطلاقها في نفسها مع الغضّ عن السياق الّذي وقعت فيه فقوله:( وَ مَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) مفاده أنّ من اتّقى الله بحقيقة معنى تقواه و لا يتمّ ذلك إلّا بمعرفته تعالى بأسمائه و صفاته ثمّ تورّعه و اتّقاؤه بالاجتناب عن المحرّمات و تحرّز ترك الواجبات خالصاً لوجهه الكريم، و لازمه أن لا يريد إلّا ما يريده الله من فعل أو ترك، و لازمه أن يستهلك إرادته في إرادة الله فلا يصدر عنه فعل إلّا عن إرادة من الله.

و لازم ذلك أن يرى نفسه و ما يترتّب عليها من سمة أو فعل ملكاً طلقاً لله سبحانه يتصرّف فيها بما يشاء و هو ولاية الله يتولّى أمر عبده فلا يبقى له من الملك بحقيقة معناه شي‏ء إلّا ما ملّكه الله سبحانه و هو المالك لما ملّكه و الملك لله عزّ اسمه.

و عند ذلك ينجيه الله من مضيق الوهم و سجن الشرك بالتعلّق بالأسباب الظاهريّة و( يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) أمّا الرزق المادّيّ فإنّه كان يرى ذلك من عطايا سعيه و الأسباب الظاهريّة الّتي كان يطمئنّ إليها و ما كان يعلم من الأسباب إلّا قليلاً من كثير كقبس من نار يضي‏ء للإنسان في الليلة الظلماء موضع قدمه و هو غافل عمّا وراءه، لكنّ الله سبحانه محيط بالأسباب و هو الناظم لها ينظمها كيف يشاء و يأذن في تأثير ما لا علم له به من خباياها.

و أمّا الرزق المعنويّ الّذي هو حقيقة الرزق الّذي يعيش به النفس الإنسانيّة و تبقى فهو ممّا لم يكن يحتسبه و لا يحتسب طريق وروده عليه.

و بالجملة هو سبحانه يتولّى أمره و يخرجه من مهبط الهلاك و يرزقه من حيث لا يحتسب، و لا يفقد من كماله و النعم الّتي كان يرجو نيلها بسعيه شيئاً لأنّه توكّل على الله و فوّض إلى ربّه ما كان لنفسه( وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) دون سائر الأسباب

٣٦٥

الظاهريّة الّتي تخطئ تارة و تصيب اُخرى( إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ ) لأنّ الاُمور محدودة محاطة له تعالى و( قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدْراً ) فهو غير خارج عن قدره الّذي قدّره به.

و هذا نصيب الصالحين من الأولياء من هذه الآية.

و أمّا من هو دونهم من المؤمنين المتوسّطين من أهل التقوى النازلة درجاتهم من حيث المعرفة و العمل فلهم من ولاية الله ما يلائم حالهم في إخلاص الإيمان و العمل الصالح و قد قال تعالى و أطلق:( وَ اللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ) آل عمران: 68، و قال و أطلق:( وَ اللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ) الجاثية: 19.

و تديّنهم بدين الحقّ و هي سنّة الحياة و ورودهم و صدورهم في الاُمور عن إرادته تعالى هو تقوى الله و التوكّل عليه بوضع إرادته تعالى موضع إرادة أنفسهم فينالون من سعادة الحياة بحسبه و يجعل الله لهم مخرجاً و يرزقهم من حيث لا يحتسبون، و حسبهم ربّهم فهو بالغ أمره و قد جعل لكلّ شي‏ء قدرا.

و عليهم من حرمان السعادة قدر ما دبّ من الشرك في إيمانهم و عملهم و قد قال تعالى:( وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ ) يوسف: 106، و قال و أطلق:( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ) النساء: 48.

و قال:( وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ) طه: 82، أي لمن تاب من الشرك و قال و أطلق:( وَ اسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) المزّمّل: 20.

فلا يرقى المؤمن إلى درجة من درجات ولاية الله إلّا بالتوبة من خفيّ الشرك الّذي دونها.

و الآية من غرر الآيات القرآنيّة و للمفسّرين في جملها كلمات متشتّتة أضربنا عنها.

قوله تعالى: ( وَ اللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ ) المراد بالارتياب الشكّ في يأسهنّ من المحيض أ هو لكبر أم لعارض، فالمعنى: و اللّائي يئسن من المحيض من نسائكم و شككتم في أمر يأسهنّ أ هو لبلوغ سنّهنّ

٣٦٦

سنّ اليأس أم لعارض فعدّتهنّ ثلاثة أشهر.

و قوله:( وَ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ) عطف على قوله:( وَ اللَّائِي يَئِسْنَ ) إلخ، و المعنى: و اللّائي لم يحضن و هو في سنّ من تحيض فعدّتهنّ ثلاثة أشهر.

و قوله:( وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) أي منتهى زمان عدّتهنّ وضع الحمل.

و قوله:( وَ مَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ) أي يسهّل عليه ما يستقبله من الشدائد و المشاقّ، و قيل: المراد أنّه يسهّل عليه اُمور الدنيا و الآخرة إمّا بفرج عاجل أو عوض آجل.

قوله تعالى: ( ذلِكَ أَمْرُ اللهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ ) أي ما بيّنه في الآيات المتقدّمة حكم الله أنزله إليكم، و في قوله:( وَ مَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَ يُعْظِمْ لَهُ أَجْراً ) دلالة على أنّ اتّباع الأوامر من التقوى كاجتناب المحرّمات و لعلّه باعتبار أنّ امتثال الأمر يلازم اجتناب تركه.

و تكفير السيّئات سترها بالمغفرة، و المراد بالسيّئات المعاصي الصغيرة فيبقى للتقوى كبائر المعاصي، و يكون مجموع قوله:( وَ مَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَ يُعْظِمْ لَهُ أَجْراً ) في معنى قوله:( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً ) النساء: 31، و من الآيتين يظهر أنّ المراد بالمحارم في قولهعليه‌السلام في تعريف التقوى: أنّها الورع عن محارم الله المعاصي الكبيرة.

و يظهر أيضاً أنّ مخالفة ما أنزله الله من الأمر في الطلاق و العدّة من الكبائر إذ التقوى المذكورة في الآية تشمل ما ذكر من أمر الطلاق و العدّة لا محالة فهو غير السيّئات المكفّرة و إلّا اختلّ معنى الآية.

قوله تعالى: ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ) إلى آخر الآية، قال في المفردات: و قوله تعالى:( مِنْ وُجْدِكُمْ ) أي تمكّنكم و قدر غناكم، و يعبّر عن الغنى بالوجدان و الجدة، و قد حكي فيه الوَجد و الوِجد و الوُجد - بالحركات الثلاث في الواو - انتهى.

٣٦٧

و ضمير( هُنَّ ) للمطلّقات على ما يؤيّده السياق، و المعنى: اسكنوا المطلّقات من حيث سكنتم من المساكن على قدر تمكّنكم و غناكم على الموسر قدره و على المعسر قدره.

و قوله:( وَ لا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ) أي لا توجّهوا إليهنّ ضرراً يشقّ عليهنّ تحمّله من حيث السكنى و الكسوة و النفقة لتوردوا الضيق و الحرج عليهنّ.

و قوله:( وَ إِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) معناه ظاهر.

و قوله:( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) فلهنّ عليكم أجر الرضاعة و هو من نفقة الولد الّتي على الوالد.

و قوله:( وَ أْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ ) الائتمار بشي‏ء تشاور القوم فيه بحيث يأمر بعضهم فيه بعضاً، و هو خطاب للرجل و المرأة أي تشاوروا في أمر الولد و توافقوا في معروف من العادة بحيث لا يتضرّر الرجل بزيادة الأجر الّذي ينفقه و لا المرأة بنقيصته و لا الولد بنقص مدّة الرضاع إلى غير ذلك.

و قوله:( وَ إِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى‏ ) أي و إن أراد كلّ منكم من الآخر ما فيه عسر و اختلفتم فسترضع الولد امرأة اُخرى أجنبيّة غير والدته أي فليسترضع الوالد غير والدة الصبيّ.

قوله تعالى: ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ) الإنفاق من سعة هو التوسعة في الإنفاق و هو أمر لأهل السعة بأن يوسّعوا على نسائهم المطلّقات المرضعات أولادهم.

و قوله:( وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ ) قدر الرزق ضيقه، و الإيتاء الإعطاء، و المعنى: و من ضاق عليه رزقه و كان فقيراً لا يتمكّن من التوسّع في الإنفاق فلينفق على قدر ما أعطاه الله من المال أي فلينفق على قدر تمكّنه.

و قوله:( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها ) أي لا يكلّف الله نفساً إلّا بقدر ما أعطاها من القدرة فالجملة تنفي الحرج من التكاليف الإلهيّة و منها إنفاق المطلّقة.

و قوله:( سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً ) فيه بشرى و تسلية.

٣٦٨

( بحث روائي‏)

في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدريّ قال: نزلت سورة النساء القصرى بعد الّتي في البقرة بسبع سنين.

أقول: سورة النساء القصرى هي سورة الطلاق.

و فيه، أخرج مالك و الشافعيّ و عبدالرزّاق في المصنّف و أحمد و عبد بن حميد و البخاريّ و مسلم و أبوداود و الترمذيّ و النسائيّ و ابن ماجة و ابن جرير و ابن المنذر و أبو يعلى و ابن مردويه و البيهقيّ في سننه عن ابن عمر أنّه طلّق امرأته و هي حائض فذكر ذلك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتغيّظ فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ قال: ليراجعها ثمّ يمسكها حتّى تطهر ثمّ تحيض فتطهر فإن بدا له أن يطلّقها فليطلّقها طاهرا قبل أن يمسّها فتلك العدّة الّتي أمر الله أن يطلّق لها النساء، و قرأ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ في قبل عدتهن) .

أقول:ول: قوله:( في قبل عدتهن) قراءة ابن عمر و ما في المصحف( لِعِدَّتِهِنَّ ) .

و فيه، أخرج ابن المنذر عن ابن سيرين في قوله:( لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً ) قال: في حفصة بنت عمر طلّقها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واحدة فنزلت( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ - إلى قوله -يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً ) قال: فراجعها.

و في الكافي، بإسناده عن زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام أنّه قال: كلّ طلاق لا يكون على السنّة أو على العدّة فليس بشي‏ء. قال زرارة فقلت لأبي جعفرعليه‌السلام : فسّر لي طلاق السنّة و طلاق العدّة فقال: أمّا طلاق السنّة فإذا أراد الرجل أن يطلّق امرأته فينتظر بها حتّى تطمث و تطهر فإذا خرجت من طمثها طلّقها تطليقة من غير جماع و يشهد شاهدين على ذلك ثمّ يدعها حتّى تطمث طمثين فتنقضي عدّتها بثلاث حيض و قد بانت منه و يكون خاطباً من الخطاب إن شاءت تزوّجته و إن شاءت لم تتزوّجه، و عليه نفقتها و السكنى ما دامت في مدّتها، و هما يتوارثان حتّى تنقضي العدّة.

قال: و أمّا طلاق العدّة الّذي قال الله تعالى:( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا

٣٦٩

الْعِدَّةَ ) فإذا أراد الرجل منكم أن يطلّق امرأته طلاق العدّة فلينتظر بها حتّى تحيض و تخرج من حيضتها ثمّ يطلّقها تطليقة من غير جماع و يشهد شاهدين عدلين و يراجعها من يومه ذلك إن أحبّ أو بعد ذلك بأيّام قبل أن تحيض و يشهد على رجعتها و يواقعها و تكون معه حتّى تحيض فإذا حاضت و خرجت من حيضها طلّقها تطليقة اُخرى من غير جماع و يشهد على ذلك ثمّ يراجعها أيضاً متى شاء قبل أن تحيض و يشهد على رجعتها و يواقعها و تكون معه إلى أن تحيض الحيضة الثالثة فإذا خرجت من حيضتها الثالثة طلّقها التطليقة الثالثة بغير جماع و يشهد على ذلك فإذا فعل ذلك فقد بانت منه و لا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره.

قيل له: فإن كانت ممّن لا تحيض؟ قال: مثل هذه تطلق طلاق السنّة.

و في قرب الإسناد، بإسناده عن صفوان قال: سمعت يعني أباعبدالله: و جاء رجل فسأله فقال: إنّي طلّقت امرأتي ثلاثاً في مجلس فقال: ليس بشي‏ء. ثمّ قال: أ ما تقرأ كتاب الله تعالى( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ وَ اتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) .

ثمّ قال: أ لا تدري( لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً ) ثمّ قال: كلّما خالف كتاب الله و السنّة فهو يردّ إلى كتاب الله و السنّة.

و في تفسير القمّيّ في معنى قوله:( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) قال: لا يحلّ لرجل أن يخرج امرأته إذا طلّقها - و كان له عليها رجعة - من بيته و هي لا تحلّ لها أن تخرج من بيته إلّا أن يأتين بفاحشة مبيّنة.

و معنى الفاحشة أن تزني أو تسرق على الرجل، و من الفاحشة أيضاً السلاطة على زوجها فإن فعلت شيئاً من ذلك حلّ له أن يخرجها.

و في الكافي، بإسناده عن وهب بن حفص عن أحدهماعليهما‌السلام في المطلّقة تعتدّ في بيتها، و تظهر له زينتها لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمراً.

أقول: و في هذه المعاني و معاني جمل الآيتين روايات اُخرى عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

٣٧٠

و فيه، بإسناده عن معاوية بن وهب عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: من اُعطي ثلاثاً لم يمنع ثلاثاً: من اُعطي الدعاء اُعطي الإجابة، و من اُعطي الشكر اُعطي الزيادة، و من اُعطي التوكّل اُعطي الكفاية.

قال: أ تلوت كتاب الله عزّوجلّ؟( وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) و قال:( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ) و قال:( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) .

و فيه، بإسناده عن محمّد بن مسلم قال: سألت أباعبداللهعليه‌السلام عن قول الله عزّوجلّ:( وَ مَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) قال: في دنياه.

و في الدرّ المنثور، أخرج عبد بن حميد و ابن جرير و ابن أبي حاتم عن سالم بن أبي الجعد قال: نزلت هذه الآية:( وَ مَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ) في رجل من أشجع أصابه جهد و بلاء و كان العدوّ أسروا ابنه فأتى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: اتّق الله و اصبر، فرجع ابن له كان أسيراً قد فكّه الله فأتاهم و قد أصاب أعنزا فجاء فذكر ذلك للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنزلت فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هي لك.

و فيه، أخرج أبو يعلى و أبو نعيم و الديلميّ من طريق عطاء بن يسار عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في قوله:( وَ مَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ) قال: من شبهات الدنيا و من غمرات الموت و من شدائد يوم القيامة.

و فيه، أخرج الحاكم و صحّحه و ابن مردويه و البيهقيّ عن أبي ذرّ قال: جعل رسول الله يتلو هذه الآية( وَ مَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) فجعل يردّدها حتّى نعست. ثمّ قال: يا أبا ذرّ لو أنّ الناس كلّهم أخذوا بها لكفتهم.

و فيه، أخرج ابن أبي حاتم و الطبرانيّ و الخطيب عن عمران بن حصين قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من انقطع إلى الله كفاه الله كلّ مؤنة و رزقه من حيث لا يحتسب و من انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها.

و فيه، أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عبّاس رفع الحديث إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من أحبّ أن يكون أقوى الناس فليتوكّل على الله، و من أحبّ أن يكون أغنى

٣٧١

الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يده، و من أحبّ أن يكون أكرم الناس فليتق الله.

أقول: و قد تقدّم في ذيل الكلام على الآيات معنى هذه الروايات.

و في الكافي، بإسناده عن الحلبيّ عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: عدّة المرأة الّتي لا تحيض و المستحاضة الّتي لا تطهر ثلاثة أشهر، و عدّة الّتي تحيض و يستقيم حيضها ثلاثة قروء، و سألته عن قول الله عزّوجلّ:( إِنِ ارْتَبْتُمْ ) ما الريبة؟ فقال: ما زاد على شهر فهو ريبة فلتعتدّ ثلاثة أشهر و ليترك الحيض.‏ الحديث.

و فيه، بإسناده عن محمّد بن قيس عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: عدّة الحامل أن تضع حملها و عليه نفقتها بالمعروف حتّى تضع حملها.

و فيه، بإسناده عن أبي الصباح الكنانيّ عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إذا طلّق الرجل المرأة و هي حبلى أنفق عليها حتّى تضع حملها فإذا وضعته أعطاها أجرها و لا تضارّها إلّا أن يجد من هي أرخص أجراً منها فإن رضيت بذلك الأجر فهي أحقّ بابنها حتّى تفطمه.

و في الفقيه، بإسناده عن ربعيّ بن عبدالله و الفضيل بن يسار عن أبي عبداللهعليه‌السلام في قوله عزّوجلّ:( وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ ) قال: إن أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع الكسوة و إلّا فرّق بينهما.

أقول: و رواه في الكافي بإسناده عن أبي بصير عنهعليه‌السلام .

و في تفسير القمّيّ في قوله:( وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) قال: المطلّقة الحامل أجلها أن تضع ما في بطنها إن وضعت يوم طلّقها زوجها فلها أن تتزوّج إذا طهرت، و أن تضع ما في بطنها إلى تسعة أشهر لم تتزوّج إلّا أن تضع.

و في الكافي، بإسناده عن عبدالرحمن بن الحجّاج عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: سألته عن الحبلى إذا طلّقها زوجها فوضعت سقطاً تمّ أو لم يتمّ أو وضعته مضغة؟ قال: كلّ شي‏ء وضعته يستبين أنّه حمل تمّ أو لم يتمّ فقد انقضت عدّتها.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن المنذر عن مغيرة قال: قلت للشعبيّ: ما اُصدّق

٣٧٢

أنّ عليّ بن أبي طالب كان يقول: عدّة المتوفّى عنها زوجها آخر الأجلين.

قال: بلى فصدّق به كأشدّ ما صدّقت بشي‏ء كان عليّ يقول: إنّما قوله:( وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) في المطلّقة.

و فيه، أخرج عبدالرزّاق عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة أنّ أبا عمرو بن حفص بن المغيرة خرج مع عليّ إلى اليمن فأرسل إلى امرأته فاطمة بنت قيس بتطليقة كانت بقيت من طلاقها، و أمر لها الحارث بن هشام و عبّاس بن أبي ربيعة بنفقة فاستقلّتها فقالا لها و الله ما لك نفقة إلّا أن تكوني حاملاً فأتت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذكرت له أمرها فقال لها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا نفقة لك فاستأذنته في الانتقال فأذن لها.

فأرسل إليها مروان يسألها عن ذلك فحدّثته فقال مروان: لم أسمع بهذا الحديث إلّا من امرأة سنأخذ بالعصمة الّتي وجدنا الناس عليها فقالت فاطمة: بيني و بينكم كتاب الله قال الله عزّوجلّ:( وَ لا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) حتّى بلغ( لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً ) قالت: هذا لمن كانت له مراجعة فأيّ أمر يحدث بعد الثلاث؟ فكيف تقولون: لا نفقة إذا لم تكن حاملاً؟ فعلا م تحبسونها.؟

و لكن يتركها حتّى إذا حاضت و طهرت طلّقها تطليقة فإن كانت تحيض فعدّتها ثلاث حيض، و إن كانت لا تحيض فعدّتها ثلاثة أشهر، و إن كانت حاملاً فعدّتها أن تضع حملها و إن أراد مراجعتها قبل أن تنقضي عدّتها أشهد على ذلك رجلين كما قال الله:( وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ) عند الطلاق و عند المراجعة.

فإن راجعها فهي عنده على طلقتين و إن لم يراجعها فإذا انقضت عدّتها فقد بانت عدّتها منه بواحدة و هي أملك لنفسها ثمّ تتزوّج من شاءت هو أو غيره.

٣٧٣

( سورة الطلاق الآيات 8 - 12)

وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا ( 8 ) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا ( 9 ) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا  فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا  قَدْ أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا ( 10 ) رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ  وَمَن يُؤْمِن بِاللهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا  قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقًا ( 11 ) اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ( 12 )

( بيان‏)

موعظة و إنذار و تبشير تؤكّد التوصية بالتمسّك بما شرع الله لهم من الأحكام و من جملتها ما شرعه من أحكام الطلاق و العدّة و لم يوصّ القرآن الكريم و لا أكّد في التوصية في شي‏ء من الأحكام المشرّعة كما وصّى و أكّد في أحكام النساء، و ليس إلّا لأنّ لها نبأ.

قوله تعالى: ( وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَ رُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَ عَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً ) قال الراغب: العتوّ النبوء عن الطاعة انتهى. فهو قريب

٣٧٤

المعنى من الاستكبار، و قال: النكر الدهاء و الأمر الصعب الّذي لا يعرف انتهى. و المراد بالنكر في الآية المعنى الثاني، و في المجمع، النكر المنكر الفظيع الّذي لم ير مثله انتهى.

و المراد بالقرية أهلها على سبيل التجوّز كقوله:( وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ ) يوسف: 82، و في قوله:( عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَ رُسُلِهِ ) إشارة إلى أنّهم كفروا بالله سبحانه بالشرك و كفروا كفراً آخر برسله بتكذيبهم في دعوتهم. على أنّهم كفروا بالله تعالى في ترك شرائعه المشرّعة و كفروا برسله فيما اُمروا به بولايتهم لهم كما مرّ نظيره في قوله:( وَ أَطِيعُوا اللهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى‏ رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ) التغابن: 12.

و شدّة الحساب المناقشة فيه و الاستقصاء لتوفية الأجر كما هو عليه، و المراد به حساب الدنيا غير حساب الآخرة و الدليل على كونه حساب الدنيا قوله تعالى:( وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ) الشورى: 30، و قوله:( وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى‏ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ لكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ) الأعراف: 96.

فما يصيب الإنسان من مصيبة - و هي المصيبة في نظر الدين - هو حاصل محاسبة أعماله و الله يعفو عن كثير منها بالمسامحة و المساهلة في المحاسبة غير أنّه تعالى يحاسب العاتين المستكبرين عن أمره و رسله حساباً شديداً بالمناقشة و الاستقصاء و التثريب فيعذّبهم عذاباً نكرا.

و المعنى: و كم من أهل قرية عتوا و استكبروا عن أمر ربّهم و رسله فلم يطيعوا الله و رسله فحاسبناها حساباً شديداً ناقشنا فيه و استقصيناه، و عذّبناهم عذاباً صعباً غير معهود و هو عذاب الاستئصال في الدنيا.

و ما قيل: إنّ المراد به عذاب الآخرة، و التعبير بالفعل الماضي للدلالة على تحقّق الوقوع غير سديد.

و في قوله:( فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَ عَذَّبْناها ) التفات من الغيبة إلى التكلّم

٣٧٥

مع الغير، و نكتته الدلالة على العظمة.

قوله تعالى: ( فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَ كانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً ) المراد بأمرها عتوّها و استكبارها، و المعنى: فأصابتهم عقوبة عتوّهم و كان عاقبة عتوّهم خساراً كأنّهم اشتروا العتوّ بالطاعة فانتهى إلى أن خسروا.

قوله تعالى: ( أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً ) هذا جزاؤهم في الاُخرى كما كان ما في قوله:( فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَ عَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها ) جزاؤهم في الدنيا.

و الفضل في قوله:( أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ ) إلخ، لكونه في مقام دفع الدخل كأنّه لما قيل:( وَ كانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً ) ، قيل: ما المراد بخسرهم؟ فقيل:( أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً ) .

قوله تعالى: ( فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً ) استنتاج ممّا تقدّم خوطب به المؤمنون ليأخذوا حذرهم و يقوا أنفسهم أن يعتوا عن أمر ربّهم و يطغوا عن طاعته فيبتلوا بوبال عتوّهم و خسران عاقبتهم كما ابتليت بذلك القرى الهالكة.

و قد وصف المؤمنين باُولى الألباب فقال:( فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا ) استمداداً من عقولهم على ما يريده منهم من التقوى فإنّهم لمّا سمعوا أنّ قوماً عتوا عن أمر ربّهم فحوسبوا حساباً شديداً و عذّبوا عذاباً نكراً و كان عاقبة أمرهم خسراً ثمّ سمعوا أنّ ذلك تكرّر مرّة بعد مرّة و أباد قوماً بعد قوم، قضت عقولهم بأنّ العتوّ و الاستكبار عن أمر الله تعرّض لشديد حساب الله و منكر عذابه فتنبّههم و تبعثهم إلى التقوى و قد أنزل الله إليهم ذكراً يذكّرهم به ما لهم و ما عليهم و يهديهم إلى الحقّ و إلى طريق مستقيم.

قوله تعالى: ( رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ ) إلخ، عطف بيان أو بدل من( ذِكْراً ) فالمراد بالذكر الّذي أنزله هو الرسول سمّي به لأنّه وسيلة التذكرة بالله و آياته و سبيل الدعوة إلى دين الحقّ، و المراد بالرسول محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما يؤيّده ظاهر

٣٧٦

قوله:( يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ ) إلخ.

و على هذا فالمراد بإنزال الرسول بعثه من عالم الغيب و إظهاره لهم رسولاً من عنده بعد ما لم يكونوا يحتسبون كما في قوله:( وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ ) الحديد: 25.

و قد دعي ظهور الإنزال في كونه من السماء بعضهم كصاحب الكشّاف إلى أن فسّر( رَسُولًا ) بجبريل و يكون حينئذ معنى تلاوته الآيات عليهم تلاوته على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما أنّه متبوع لقومه و وسيلة الإبلاغ لهم لكن ظاهر قوله:( يَتْلُوا عَلَيْكُمْ ) إلخ، خلاف ذلك.

و يحتمل أن يكون( رَسُولًا ) منصوباً بفعل محذوف و التقدير أرسل رسولاً يتلو عليكم آيات الله، و يكون المراد بالذكر المنزل إليهم القرآن أو ما بيّن فيه من الأحكام و المعارف.

و قوله:( لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ ) تقدّم تفسيره في نظائره.

و قوله:( وَ مَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَ يَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ) وعد جميل و تبشير.

و قوله:( قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً ) وصف لإحسانه تعالى إليهم فيما رزقهم به من الرزق و المراد بالرزق ما رزقهم من الإيمان و العمل الصالح في الدنيا و الجنّة في الآخرة، و قيل المراد به الجنّة.

قوله تعالى: ( اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ ) إلخ، بيان يتأكّد به ما تقدّم في الآيات من حديث ربوبيّته تعالى و بعثة الرسول و إنزاله الذكر ليطيعوه فيه و أنّ في تمرّده و مخالفته الحساب الشديد و العذاب الأليم و في طاعته الجنّة الخالدة كلّ ذلك لأنّه قدير عليم.

فقوله:( اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ ) تقدّم بعض الكلام فيه في تفسير سورة حم السجدة.

و قوله:( وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ) ظاهره المثليّة في العدد، و عليه فالمعنى: و خلق

٣٧٧

من الأرض سبعاً كما خلق من السماء سبعاً فهل الأرضون السبع سبع كرات من نوع الأرض الّتي نحن عليها و الّتي نحن عليها إحداها؟ أو الأرض الّتي نحن عليها سبع طبقات محيطة بعضها ببعض و الطبقة العليا بسيطها الّذي نحن عليه؟ أو المراد الأقاليم السبعة الّتي قسّموا إليها المعمور من سطح الكرة؟ وجوه ذهب إلى كلّ منها جمع و ربّما لاح بالرجوع إلى ما تقدّم في تفسير سورة حم السجدة محتمل آخر غيرها.

و ربّما قيل: إنّ المراد بقوله:( وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ) أنّه خلق من الأرض شيئاً هو مثل السماوات السبع و هو الإنسان المركّب من المادّة الأرضيّة و الروح السماويّة الّتي فيها نماذج سماويّة ملكوتيّة.

و قوله:( يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ ) الظاهر أنّ الضمير للسماوات و الأرض جميعاً و الأمر هو الأمر الإلهيّ الّذي فسّره بقوله:( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ ) يس: 83، و هو كلمة الإيجاد، و تنزّله هو أخذه بالنزول من مصدر الأمر إلى سماء بعد سماء حتّى ينتهي إلى العالم الأرضيّ فيتكوّن ما قصد بالأمر من عين أو أثر أو رزق أو موت أو حياة أو عزّة أو ذلّة أو غير ذلك قال تعالى:( وَ أَوْحى‏ فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها ) حم السجدة: 12، و قال:( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) الم السجدة: 5.

و قيل: المراد بالأمر الأمر التشريعيّ يتنزّل ملائكة الوحي به من السماء إلى النبيّ و هو بالأرض. و هو تخصيص من غير مخصّص و ذيل الآية( لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ ) إلخ، لا يلائمه.

و قوله:( أَنَّ اللهَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ وَ أَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عِلْماً ) من الغايات المترتّبة على خلقة السماوات السبع و من الأرض مثلهنّ و تنزيله الأمر بينهنّ، و في ذلك انتساب الخلق و الأمر إليه و اختصاصهما به فإنّ المتفكّر في ذلك لا يرتاب في قدرته على كلّ شي‏ء و علمه بكلّ شي‏ء فليتّق مخالفة أمره اُولوا الألباب من المؤمنين فإنّ سنّة هذا القدير العليم تجري على إثابة المطيعين لأوامره، و مجازاة العاتين المستكبرين و كذلك أخذ ربّك إذا أخذ القرى و هي ظالمة إنّ أخذه أليم شديد.

٣٧٨

( بحث روائي‏)

في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ ) قال: أهل القرية.

و في تفسير البرهان، عن ابن بابويه بإسناده عن الريّان بن الصلت عن الرضاعليه‌السلام في حديث المأمون قال: الذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و نحن أهله و ذلك بيّن في كتاب الله حيث يقول في سورة الطلاق:( فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ ) قال: فالذكر رسول الله و نحن أهله.

و في تفسير القمّيّ، حدّثني أبي عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال: قلت له: أخبرني عن قول الله عزّوجلّ:( وَ السَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ ) فقال: هي محبوكة إلى الأرض و شبّك بين أصابعه فقلت: كيف تكون محبوكة إلى الأرض و الله يقول:( رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ) ؟ فقال: سبحان الله أ ليس الله يقول: بغير عمد ترونها؟ قلت: بلى. قال: فثمّ عمد و لكن لا ترونها.

قلت: فكيف ذلك جعلني الله فداك؟ قال: فبسط كفّه اليسرى ثمّ وضع اليمنى عليها فقال: هذه أرض الدنيا و السماء الدنيا فوقها قبّة، و الأرض الثانية فوق السماء الدنيا و السماء الثانية فوقها قبّة، و الأرض الثالثة فوق السماء الثانية و السماء الثالثة فوقها قبّة، و الأرض الرابعة فوق السماء الثالثة و السماء الرابعة فوقها قبّة، و الأرض الخامسة فوق السماء الرابعة و السماء الخامسة فوقها قبّة، و الأرض السادسة فوق السماء الخامسة و السماء السادسة فوقها قبّة، و الأرض السابعة فوق السماء السادسة و السماء السابعة فوقها قبّة و عرش الرحمن تبارك و تعالى فوق السماء السابعة و هو قول الله عزّوجلّ:( الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ ) .

فأمّا صاحب الأمر فهو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و الوصيّ بعد رسول الله قائم على وجه الأرض فإنّما يتنزّل الأمر إليه من فوق السماء من بين السماوات و الأرضين.

٣٧٩

قلت: فما تحتنا إلّا أرض واحدة؟ فقال: ما تحتنا إلّا أرض واحدة و إنّ الستّ لهنّ (لهي) فوقنا.

أقول: و عن الطبرسيّ عن العيّاشيّ عن الحسين بن خالد عن الرضاعليه‌السلام : مثله.

و الحديث نادر في بابه، و هو و خاصّة ما في ذيله من تنزّل الأمر أقرب إلى الحمل على المعنى منه إلى الحمل على الصورة و الله أعلم.

٣٨٠