الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢٠

الميزان في تفسير القرآن10%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 568

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 219959 / تحميل: 7014
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢٠

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

قوله تعالى: ( وَ مَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً ) العذاب الصعد هو الّذي يتصعّد على المعذّب و يغلبه، و قيل: هو العذاب الشاقّ.

و الإعراض عن ذكر الله لازم عدم الاستقامة على الطريقة و هو الأصل في سلوك العذاب، و لذا وضع موضعه ليدلّ على السبب الأصليّ في دخول النار.

و هو الوجه أيضاً في الالتفات عن التكلّم مع الغير إلى الغيبة في قوله:( ذِكْرِ رَبِّهِ ) و كان مقتضى الظاهر أن يقال: ذكرنا و ذلك أنّ صفة الربوبيّة هي المبدأ الأصلي لتعذيب المعرضين عن ذكره تعالى فوضعت موضع ضمير المتكلّم مع الغير ليدلّ على المبدإ الأصليّ كما وضع الإعراض عن الذكر موضع عدم الاستقامة ليدلّ على السبب.

قيل: و قوله:( يَسْلُكْهُ ) مضمّن معنى يدخله و لذا عديّ إلى المفعول الثاني، و المعنى ظاهر.

( بحث روائي‏)

في المجمع، روى الواحديّ عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: ما قرأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الجنّ و ما رآهم، انطلق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، و قد حيل بين الشياطين و بين خبر السماء فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: ما لكم: قالوا: حيل بيننا و بين خبر السماء و اُرسلت علينا الشهب قالوا: ما ذاك إلّا من شي‏ء حدث فاضربوا مشارق الأرض و مغاربها.

فمرّ النفر الّذين أخذوا نحو تهامة بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عامدين إلى سوق عكاظ و هو يصلّي بأصحابه صلاة الفجر فلمّا سمعوا القرآن استمعوا له و قالوا: هذا الّذي حال بيننا و بين خبر السماء فرجعوا إلى قومهم و قالوا:( إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَ لَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً ) فأوحى الله إلى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ ) .

و رواه البخاريّ و مسلم أيضاً في الصحيح.

١٢١

أقول: و روى القمّيّ في تفسيره ما يقرب منه و قد أوردنا الرواية في تفسير سورة الأحقاف في ذيل قوله:( وَ إِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ ) إلخ.

لكن ظاهر روايته أنّ النفر الّذين نزلت فيهم آيات سورة الأحقاف هم النفر الّذين نزلت فيهم هذه السورة و ظاهر آيات السورتين لا يلائم ذلك فإنّ ظاهر قولهم المنقول في سورة الأحقاف:( إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى‏ (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ) الآية أنّهم كانوا مؤمنين بموسى و مصدّقين للتوراة و ظاهر آيات هذه السورة أنّهم كانوا مشركين لا يرون النبوّة و لازم ذلك تغاير الطائفتين اللّهمّ إلّا أن يمنع الظهور.

و فيه، عن علقمة بن قيس قال: قلت لعبد الله بن مسعود: من كان منكم مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة الجنّ؟ فقال: ما كان منّا معه أحد فقدناه ذات ليلة و نحن بمكّة فقلنا: اغتيل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو استطير فانطلقنا نطلبه من الشعاب فلقيناه مقبلاً من نحو حراء فقلنا: يا رسول الله أين كنت؟ لقد أشفقنا عليك، و قلنا له: بتنا الليلة بشرّ ليلة بات بها قوم حين فقدناك، فقال لنا: إنّه أتاني داعي الجنّ فذهبت أقرئهم القرآن فذهب بنا و أرانا آثارهم و آثار نيرانهم فأمّا أن يكون صحبة منّا أحد فلا.

و فيه، و عن الربيع بن أنس قال: ليس لله تعالى جدّ و إنّما قالته الجنّ بجهالة فحكاه الله سبحانه كما قالت:، و روي ذلك عن أبي جعفر و أبي عبداللهعليهما‌السلام .

أقول: المراد بالجدّ المنفيّ عنه تعالى الحظّ و البخت.

و في الاحتجاج، عن عليّعليه‌السلام في حديث: فأقبل إليه الجنّ و النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببطن النخل فاعتذروا بأنّهم ظنّوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحداً، و لقد أقبل إليه أحد و سبعون ألفاً منهم فبايعوه على الصوم و الصلاة و الزكاة و الحجّ و الجهاد و نصح المسلمين فاعتذروا بأنّهم قالوا على الله شططا.

أقول: بيعتهم للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الصوم و الصلاة إلخ، يصدّقها قولهم المحكيّ في أوّل السورة:( فَآمَنَّا بِهِ ) و قولهم:( وَ أَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى‏ آمَنَّا بِهِ ) ، و أمّا كيفيّة عملهم بها و خاصّة بالزكاة و الجهاد فمجهولة لنا، و اعتذارهم الأوّل المذكور لا يخلو من خفاء.

١٢٢

و في تفسير القمّيّ، بإسناده إلى زرارة قال: سألت أباجعفر عن قول الله:( وَ أَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً ) قال: كان الرجل ينطلق إلى الكاهن الّذي يوحي إليه الشيطان فيقول: قل للشيطان: فلان قد عاذ بك.

و فيه في قوله تعالى:( فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَ لا رَهَقاً ) قال: البخس النقصان، و الرهق العذاب.

و سئل العالم عن مؤمني الجنّ أ يدخلون الجنّة؟ فقال: لا و لكن لله حظائر بين الجنّة و النار يكون فيها مؤمنوا الجنّ و فسّاق الشيعة.

أقول: لعلّ المراد بهذه الحظائر هي بعض درجات الجنّة الّتي هي دون جنّة الصالحين.

و اعلم أنّه ورد في بعض الروايات من طرق أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام تطبيق ما في الآيات من الهدى و الطريقة على ولاية عليّعليه‌السلام و هي من الجري و ليست من التفسير في شي‏ء.

١٢٣

( سورة الجنّ الآيات ١٨ - ٢٨)

وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا ( ١٨ ) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ( ١٩ ) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا ( ٢٠ ) قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا ( ٢١ ) قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا ( ٢٢ ) إِلَّا بَلَاغًا مِّنَ اللهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ( ٢٣ ) حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا ( ٢٤ ) قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا ( ٢٥ ) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا ( ٢٦ ) إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ( ٢٧ ) لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ( ٢٨ )

( بيان‏)

في الآيات تسجيل للنبوّة و ذكر وحدانيّته تعالى و المعاد كالاستنتاج من القصّة و تختتم بالإشارة إلى عصمة الرسالة.

قوله تعالى: ( وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً ) معطوف على قوله:( أَنَّهُ اسْتَمَعَ ) إلخ، و جملة( أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ ) في موضع التعليل لقوله:( فَلا تَدْعُوا مَعَ

١٢٤

اللهِ أَحَداً ) و التقدير لا تدعوا مع الله أحداً غيره لأنّ المساجد له.

و المراد بالدعاء العبادة و قد سمّاها الله دعاء كما في قوله:( وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ ) المؤمن: ٦٠.

و قد اختلف في المراد من المساجد فقيل: المراد به الكعبة، و قيل المسجد الحرام، و قيل: المسجد الحرام و بيت المقدس، و يدفعها كون المساجد جمعاً لا ينطبق على الواحد و الاثنين.

و قيل: الحرم، و هو تهكّم لا دليل عليه، و قيل: الأرض كلّها لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : جعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً، و فيه أنّه لا يدلّ على أزيد من جواز العبادة في أي بقعة من بقاع الأرض خلافاً لما هو المعروف عن اليهود و النصارى من عدم جواز عبادته تعالى في غير البيع و الكنائس، و أمّا تسمية بقاعها مساجد حتّى يحمل عليها عند الإطلاق فلا.

و قيل: المراد به الصلوات فلا يصلّى إلّا لله، و هو تهكّم لا دليل عليه.

و عن الإمام الجوادعليه‌السلام : أنّ المراد بالمساجد الأعضاء السبعة الّتي يسجد عليها في الصلاة و هي الجبهة و الكفّان و الركبتان و أصابع الرجلين‏، و ستوافيك روايته في البحث الروائيّ التالي إن شاء الله، و نقل ذلك أيضاً عن سعيد بن جبير و الفرّاء و الزجّاج.

و الأنسب على هذا أن يكون المراد بكون مواضع السجود من الإنسان لله اختصاصها به اختصاصاً تشريعيّاً، و المراد بالدعاء السجدة لكونها أظهر مصاديق العبادة أو الصلاة بما أنّها تتضمّن السجود لله سبحانه.

و المعنى: و اُوحي إليّ أنّ أعضاء السجود يختصّ بالله تعالى فاسجدوا له بها - أو اعبدوه بها - و لا تسجدوا - أو لا تعبدوا - أحداً غيره.

قوله تعالى: ( وَ أَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً ) اللبد بالكسر فالفتح جمع لبدة بالضمّ فالسكون المجتمعة المتراكمة، و المراد بعبد الله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

١٢٥

كما تدلّ عليه الآية التالية، و التعبير بعبد الله كالتمهيد لقوله في الآية التالية:( قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي ) . و الأنسب لسياق الآيات التالية أن يكون مرجع ضميري الجمع في قوله:( كادُوا يَكُونُونَ ) المشركين و قد كانوا يزدحمون عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا صلّى و قرأ القرآن يستهزؤن و يرفعون أصواتهم فوق صوته على ما نقل.

و المعنى: و أنّه لما قام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعبد الله بالصلاة كاد المشركون يكونون بازدحامهم لبداً مجتمعين متراكمين.

و قيل: الضميران للجنّ و أنّهم اجتمعوا عليه و تراكموا ينظرون إليه متعجّبين ممّا يشاهدون من عبادته و قراءته قرآناً لم يسمعوا كلاماً يماثله.

و قيل: الضميران للمؤمنين بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المجتمعين عليه اقتداء به في صلاته إذا صلّى و إنصاتاً لما يتلوه من كلام الله.

و الوجهان لا يلائمان سياق الآيات التالية تلك الملاءمة كما تقدّمت الإشارة إليه.

قوله تعالى: ( قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَ لا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً ) أمر منه تعالى للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبيّن لهم وجه عبادته بياناً يزيل عنهم الحيرة حيث رأوا منه ما لم يكونوا رأوه من أحد غيره، و يتعجّبون حاملين له على نوع من المكيدة و المكر بأصنامهم أو خدعة بهم لأغراض اُخر دنيويّة.

و محصّل البيان: أنّي لست اُريد بما آتي به من العمل شيئاً من المقاصد الّتي تحسبونها و ترمونني بها و إنّما أدعو ربّي وحدة غير مشرك به أحداً و عبادة الإنسان لمن عرفه رباً لنفسه ممّا لا ينبغي أن يلام عليه أو يتعجّب منه.

قوله تعالى: ( قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَ لا رَشَداً ) الّذي يفيده سياق الآيات الكريمة أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبيّن فيها بأمر من ربّه موقع نفسه و بالنسبة إلى ربّه و بالنسبة إلى الناس:

أمّا موقعه بالنسبة إلى ربّه فهو أنّه يدعوه و لا يشرك به أحداً و هو قوله:( قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَ لا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً ) .

١٢٦

و أمّا موقعه بالنسبة إليهم فهو أنّه بشر مثلهم لا يملك لهم ضرّاً و لا رشداً حتّى يضرّهم بما يريد أن يرشدهم من الخير إلى ما يريد بما عنده من القدرة، و أنّه مأمور من الله بدعوتهم أمراً ليس له إلّا أن يمتثله فلا مجير يجيره منه و لا ملجأ يلتجئ إليه لو خالف و عصى كما ليس لهم إلّا أن يطيعوا الله و رسوله و من يعص الله و رسوله فإنّ له نار جهنّم خالدين فيها أبداً، و سيعلمون إذا رأوا ما يوعدون.

و لازم هذا السياق أن يكون المراد بملك الضرّ القدرة على إيقاع الضرّ بهم فيوقعه بهم إذا أراد، و المراد بملك الرشد القدرة على إيصال النفع إليهم بإصابة الواقع أيّ إنّي لا أدّعي أنّي أقدر أن أضرّكم أو أنفعكم، و قيل: المراد بالضرّ الغيّ المقابل للرشد تعبيراً باسم المسبّب عن السبب.

قوله تعالى: ( قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَ لَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ وَ رِسالاتِهِ ) الإجارة إعطاء الجوار و حكمه حماية المجير للجار و منعه ممّن يقصده بسوء، و الظاهر أنّ الملتحد اسم مكان و هو المكان الّذي يعدل و ينحرف إليه للتحرّز من الشرّ، و قيل: المدخل و يتعلّق به قوله:( مِنْ دُونِهِ ) و هو كالقيد التوضيحيّ و الضمير لله و البلاغ التبليغ.

و قوله:( إِلَّا بَلاغاً ) استثناء من قوله:( مُلْتَحَداً ) و قوله:( مِنَ اللهِ ) متعلّق بمقدّر أي كائناً من الله و ليس متعلّقاً بقوله:( بَلاغاً ) لأنّه يتعدّى بعن لا بمن و لذا قال بعض من جعله متعلّقاً ببلاغاً: إنّ( من ) بمعنى عن، و المعنى على أيّ حال إلّا تبليغ ما هو تعالى عليه من الأسماء و الصفات.

و قوله:( وَ رِسالاتِهِ ) قيل: معطوف على( بَلاغاً ) و التقدير إلّا بلاغاً من الله و إلّا رسالاته و قيل: معطوف على لفظ الجلالة و من بمعنى عن، و المعنى إلّا بلاغاً عن الله و عن رسالاته.

و فيما استثني منه بلاغاً قول آخر و هو أنّه مفعول( لا أَمْلِكُ ) و المعنى لا أملك لكم ضرّاً و لا رشداً إلّا تبليغاً من الله و رسالاته، و يبعّده الفصل بين المستثنى و المستثنى منه بقوله:( لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ ) إلخ و هو كلام مستأنف.

١٢٧

و معنى الآيتين على ما قدّمنا: قل لن يجيرني من الله أحد فيمنعني منه و لن أجد من دونه مكاناً التجئ إليه إلّا تبليغاً كائناً منه و رسالاته أي إلّا أن أمتثل ما أمرني به من التبليغ منه تعالى ببيان أسمائه و صفاته و إلّا رسالاته في شرائع الدين.

قوله تعالى: ( وَ مَنْ يَعْصِ اللهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ) إفراد ضمير( اللهِ ) باعتبار لفظ( مِنَ ) كما أنّ جمع( خالِدِينَ ) باعتبار معناها.

و عطف الرسول على الله في قوله:( وَ مَنْ يَعْصِ اللهَ وَ رَسُولَهُ ) لكون معصيته معصية لله تعالى إذ ليس له إلّا رسالة ربّه فالردّ عليه فيما أتي به ردّ على الله سبحانه و طاعته فيما يأمر به طاعة لله قال تعالى:( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ ) النساء: ٨٠.

و المراد بالمعصية - كما يشهد به سياق الآيات السابقة - معصية ما أمر به من التوحيد أو التوحيد و ما يتفرّع عليه من اُصول الدين و فروعه فلا يشمل التهديد و الوعيد بخلود النار إلّا الكافرين بأصل الدعوة دون مطلق أهل المعصية المتخلّفين عن فروع الدين فالاحتجاج بالآية على تخليد مطلق العصاة في النار في غير محلّه.

و الظاهر أنّ قوله:( وَ مَنْ يَعْصِ اللهَ ) إلى آخر الآية من كلام الله سبحانه لا من تتمّة كلام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قوله تعالى: ( حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَ أَقَلُّ عَدَداً ) لقوله:( حَتَّى ) دلالة على معنى مدخولها غاية له و مدخولها يدلّ على أنّهم كانوا يستضعفون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعدّ ناصريه - و هم المؤمنون - ضعفاء و استقلال عدده بعدّ عددهم قليلاً فالكلام يدلّ على معنى محذوف هو غايته كقولنا: لا يزالون يستضعفون ناصريك و يستقلّون عددهم حتّى إذا رأوا ما يوعدون إلخ.

و المراد بما يوعدون نار جهنّم لأنّها هي الموعودة في الآية، و الآية من كلامه تعالى يخاطب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و لو كانت من كلامه و هي مصدّرة بقوله تعالى( قُلْ ) لكان من حقّ الكلام أن يقال: حتّى إذا رأيتم ما توعدون فستعلمون إلخ.

قوله تعالى: ( قُلْ إِنْ أَدْرِي أَ قَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً ) الأمد الغاية الّتي ينتهي إليها، و الآية بمنزلة دفع دخل تقتضيه حالهم كأنّهم لمّا سمعوا

١٢٨

الوعيد قالوا: متى يكون ذلك فقيل له:( قُلْ إِنْ أَدْرِي أَ قَرِيبٌ ) إلخ.

قوله تعالى: ( عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى‏ غَيْبِهِ أَحَداً ) إظهار الشي‏ء على الشي‏ء إعانته و تسليطه عليه، و( عالِمُ الْغَيْبِ ) خبر لمبتدإ محذوف، و التقدير هو عالم الغيب، و مفاد الكلمة بإعانة من السياق اختصاص علم الغيب به تعالى مع استيعاب علمه كلّ غيب، و لذا أضاف الغيب إلى نفسه ثانياً فقال:( عَلى‏ غَيْبِهِ ) بوضع الظاهر موضع المضمر ليفيد الاختصاص و لو قال: فلا يظهر عليه لم يفد ذلك.

و المعنى هو عالم كلّ غيب علماً يختصّ به فلا يطلع على الغيب و هو مختصّ به أحداً من الناس فالمفاد سلب كلّي و إن أصرّ بعضهم على كونه سلباً جزئياً محصّل معناه لا يظهر على كلّ غيبه أحداً و يؤيّد ما قلنا ظاهر ما سيأتي من الآيات.

قوله تعالى: ( إِلَّا مَنِ ارْتَضى‏ مِنْ رَسُولٍ ) استثناء من قوله:( أَحَداً ) و( مِنْ رَسُولٍ ) بيان لقوله:( مَنِ ارْتَضى‏ ) فيفيد أنّ الله تعالى يظهر رسله على ما شاء من الغيب المختصّ به فالآية إذا انضمّت إلى الآيات الّتي تخصّ علم الغيب به تعالى كقوله:( وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ ) الأنعام: ٥٩، و قوله:( وَ لِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ) النحل: ٧٧، و قوله:( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ ) النمل: ٦٥ أفاد ذلك معنى الأصالة و التبعيّة فهو تعالى يعلم الغيب لذاته و غيره يعلمه بتعليم من الله.

فهذه الآيات نظيرة الآيات المتعرّضة للتوفّي كقوله:( اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ ) الزمر: ٤٢ الدالّ على الحصر، و قوله:( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ) الم السجدة: ١١، و قوله:( حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا ) الأنعام: ٦١ فالتوفّي منسوب إليه تعالى على نحو الأصالة و إلى الملائكة على نحو التبعيّة لكونهم أسباباً متوسّطة مسخّرة له تعالى.

قوله تعالى: ( فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً - إلى قوله -عَدَداً ) ضمير( فَإِنَّهُ ) لله تعالى، و ضميراً( يَدَيْهِ ) و( خَلْفِهِ ) للرسول، و الراصد المراقب للأمر الحارس له، و الرصد الراصد يطلق على الواحد و الجماعة و هو في الأصل مصدر،

١٢٩

و المراد بما بين يدي الرسول ما بينه و بين الناس المرسل إليهم، و بما خلفه ما بينه و بين مصدر الوحي الّذي هو الله سبحانه و قد اعتبر في هذا التصوير ما يوهمه معنى الرسالة من امتداد متوهّم يأخذ من المُرسِل - اسم فاعل - و ينتهي إلى المرسل إليه يقطعه الرسول حتّى ينتهي إلى المرسل إليه فيؤدّي رسالته، و الآية تصف طريق بلوغ الغيب إلى الرسول و هو الرسالات الّتي توحي إليه كما يشير إلى ذلك قوله:( لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ ) .

و المعنى: فإنّ الله يسلك ما بين الرسول و من اُرسل إليه و ما بين الرسول و مصدر الوحي مراقبين حارسين من الملائكة - و من المعلوم أنّ سلوك الرصد من بين يديه و من خلفه لحفظ الوحي من كلّ تخليط و تغيير بالزيادة و النقصان يقع فيه من ناحية الشياطين بلا واسطة أو معها.

و قوله:( لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ ) ضمير( لِيَعْلَمَ ) لله سبحانه، و ضميراً( قَدْ أَبْلَغُوا ) و( رَبِّهِمْ ) لقوله:( مَنِ ) باعتبار المعنى أو لرسول باعتبار الجنس، و المراد بعلمه تعالى بإبلاغهم رسالات ربّهم العلم الفعليّ و هو تحقّق الإبلاغ في الخارج على حدّ قوله:( فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) العنكبوت: ٣ و هو كثير الورود في كلامه تعالى.

و الجملة تعليل لسلوك الرصد بين يدي الرسول و من خلفه، و المعنى ليتحقّق إبلاغ رسالات ربّهم أي لتبلغ الناس رسالاته تعالى على ما هي عليه من غير تغيّر و تبدّل.

و من المحتمل أن يرجع ضميراً( بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ ) إلى( غَيْبِهِ ) فيكون الرصد الحرس مسلوكين بين يدي الغيب النازل و من خلفه إلى أن يبلغ الرسول، و يضعّفه أنّه لا يلائم قوله:( لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ ) بالمعنى الّذي تقدّم لعدم استلزام بلوغ الغيب للرسول سليماً من تعرّض الشياطين حصول العلم بإبلاغه إلى الناس.

و إلى هذا المعنى يرجع قول بعضهم إنّ الضميرين يرجعان إلى جبريل حامل

١٣٠

الوحي. و يضعفه مضافاً إلى ما مرّ عدم سبق ذكره.

و قيل: ضمير ليعلم للرسول و ضميراً( قَدْ أَبْلَغُوا ) و( رَبِّهِمْ ) للملائكة الرصد و المعنى يرصد الملائكة الوحي و يحرسونه ليعلم الرسول أنّ الملائكة قد أبلغوا إليه الوحي كما صدر فتطمئنّ نفسه أنّه سليم من تعرّض الشياطين فإنّ لازم العلم بإبلاغهم إيّاه العلم ببلوغه.

و يبعّده أنّ ظاهر السياق - و يؤيّده سبق ذكر الرسول - أنّ المراد بالرسالات الرسالات الّتي حمّلها الرسول ليبلغها إلى الناس لا ما حمّلها ملك الوحي فضمير( رَبِّهِمْ ) للرسل دون الملائكة، على أنّ الآية تشير إلى الملائكة بعنوان الرصد و هو غير عنوان الرسالة و شأن الرصد الحفظ و الحراسة دون الرسالة.

و قيل: المعنى ليعلم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ الرسل قبله قد أبلغوا رسالات ربّهم، و هو وجه سخيف لا دليل عليه، و أسخف منه ما قيل: إنّ المعنى ليعلم مكذّب الرسل أنّ الرسل قد أبلغوا رسالات ربّهم إليهم.

و قوله:( وَ أَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ ) ضمير الجمع للرسل بناء على ما تقدّم من المعنى و الظاهر أنّ الجملة متمّمة لمعنى الحراسة المذكورة سابقاً فقوله:( مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ) يشير إلى رصد ما بين الرسول و المرسل إليهم، و قوله:( وَ مِنْ خَلْفِهِ ) إلى حفظ ما بينه و مصدر الوحي، و قوله:( وَ أَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ ) يشير إلى ظرف نفس الرسول و الإحاطة إحاطة علميّة فالوحي في أمن من تطرّق التغيير و التبديل فيما بين مصدر الوحي و الرسول و في نفس الرسول و في ما بين الرسول و المرسل إليهم.

و يمكن أن يكون المراد بما لديهم جميع ما له تعلّق مّا بالرسل أعمّ من مسير الوحي أو أنفسهم كما أنّ قوله:( وَ أَحْصى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ عَدَداً ) مسوق لإفادة عموم العلم بالأشياء غير أنّه العلم بعددها و تميّز بعضها من بعض.

فقد تبيّن ممّا مرّ في الآيات الثلاث:

أوّلاً: أنّ اختصاصه تعالى بعلم الغيب على نحو الأصالة بالمعنى الّذي أوضحناه فهو تعالى يعلم الغيب بذاته و غيره يعلمه بتعليم منه.

١٣١

و به يظهر أنّ ما حكي في كلامه تعالى من إنكارهم العلم بالغيب اُريد به نفي الأصالة و الاستقلال دون ما كان بوحي كقوله تعالى:( قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَ لا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ) الأنعام: ٥٠، و قوله:( وَ لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ ) الأعراف: ١٨٨ و قوله:( قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَ ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَ لا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى‏ إِلَيَّ ) الأحقاف: ٩.

و ثانياً: أنّ عموم قوله:( فَلا يُظْهِرُ عَلى‏ غَيْبِهِ أَحَداً ) لمّا خصّص بقوله:( إِلَّا مَنِ ارْتَضى‏ مِنْ رَسُولٍ ) عاد عامّاً مخصّصاً لا يأبى تخصيصاً بمخصّص آخر كما في مورد الأنبياء فإنّ الآيات القرآنيّة تدلّ على أنّهم يوحى إليهم كقوله:( إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى‏ نُوحٍ وَ النَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ) النساء: ١٦٣ و تدلّ على أنّ الوحي من الغيب فالنبيّ ينال الغيب كما يناله الرسول هذا على تقدير أن يكون المراد بالرسول في الآية ما يقابل النبيّ و أمّا لو اُريد مطلق من أرسله الله إلى الناس و النبيّ ممّن أرسله الله إليهم كما يشهد به قوله:( وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ ) الآية الحجّ: ٥٢، و قوله:( وَ ما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ ) الأعراف: ٩٤ فالنبيّ خارج من عموم النفي من غير تخصيص جديد.

و كذا في مورد الإمام بالمعنى الّذي يستعمله فيه القرآن فإنّه تعالى يصفه بالصبر و اليقين كما في قوله:( وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَ كانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ ) الم السجدة: ٢٤ و يعرّفهم بانكشاف الغطاء لهم كما في قوله:( وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) الأنعام: ٧٥، و قوله:( كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ) التكاثر: ٦ و قد تقدّم كلام في ذلك في بعض المباحث السابقة.

و أمّا الملائكة فما يحمّلونه من الوحي السماويّ قبل نزوله و كذا ما يشاهدونه من عالم الملكوت شهادة بالنسبة إليهم و إن كان غيباً بالنسبة إلينا. على أنّ قوله:( فَلا يُظْهِرُ عَلى‏ غَيْبِهِ أَحَداً ) إنّما يشمل أهل الدنيا ممّن يعيش على بسيط الأرض و إلّا لانتقض بالأموات المشاهدين لاُمور الآخرة و هي من الغيب بنصّ القرآن فلم

١٣٢

يبق تحت عموم النفي حتّى فرد واحد إذ ما من أحد إلّا و هو مبعوث ذلك يوم مجموع له الناس و ذلك يوم مشهود، و كما أنّ الأموات نشأتهم غير نشأة الدنيا كذلك نشأة الملائكة غير نشأة المادّة.

و ثالثاً: أنّ قوله:( فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ ) إلى آخر الآيتين يدلّ على أنّ الوحي الإلهيّ محفوظ من لدن صدوره من مصدر الوحي إلى بلوغه الناس مصون في طريق نزوله إلى أن يصل إلى من قصد نزوله عليه.

أمّا مصونيّته من حين صدوره من مصدره إلى أن ينتهي إلى الرسول فيكفي في الدلالة عليه قوله:( مِنْ خَلْفِهِ ) (١) و أمّا مصونيّته حين أخذ الرسول إيّاه و تلقّيه من ملك الوحي بحيث يعرفه و لا يغلط في أخذه، و مصونيّته في حفظه بحيث يعيه كما اُوحي إليه من غير أن ينساه أو يغيّره أو يبدّله، و مصونيّته في تبليغه إلى الناس من تصرف الشيطان فيه فالدليل عليه قوله:( لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ ) حيث يدلّ على أنّ الغرض الإلهيّ من سلوك الرصد أن يعلم إبلاغهم رسالات ربّهم أي أن يتحقّق في الخارج إبلاغ الوحي إلى الناس، و لازمه بلوغه إيّاهم و لو لا مصونيّة الرسول في الجهات الثلاث المذكورة جميعاً لم يتمّ الغرض الإلهي و هو ظاهر، و حيث لم يذكر تعالى للحصول على هذا الغرض طريقاً غير سلوك الرصد دلّ ذلك على أنّ الوحي محروس بالملائكة و هو عند الرسول كما أنّه محروس بهم في طريقه إلى الرسول حتّى ينتهي إليه، و يؤكّده قوله بعد:( وَ أَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ ) .

و أمّا مصونيّته في مسيره من الرسول حتّى ينتهي إلى الناس فيكفي فيه قوله:( مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ) على ما تقدّم من معناه.

أضف إلى ذلك دلالة قوله:( لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ ) بما تقدّم من تقريب دلالته.

____________________

(١) هذا بناء على رجوع الضمير إلى الرسول و أمّا بناء على احتمال رجوع الضمير إلى الغيب فالدالّ عليه مجموع ( مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ ) لكنه ضعيف كما تقدم.

١٣٣

و يتفرّع على هذا البيان أنّ الرسول مؤيّد بالعصمة في أخذ الوحي من ربّه و في حفظه و في تبليغه إلى الناس مصون من الخطإ في الجهات الثلاث جميعاً لما مرّ من دلالة الآية على أنّ ما نزّله الله من دينه على الناس من طريق الرسالة بالوحي مصون في جميع مراحله إلى أن ينتهي إلى الناس و من مراحله مرحلة أخذ الرسول للوحي و حفظه له و تبليغه إلى الناس.

و التبليغ يعمّ القول و الفعل فإنّ في الفعل تبليغاً كما في القول فالرسول معصوم من المعصية باقتراف المحرّمات و ترك الواجبات الدينيّة لأنّ في ذلك تبليغاً لما يناقض الدين فهو معصوم من فعل المعصية كما أنّه معصوم من الخطإ في أخذ الوحي و حفظه و تبليغه قولاً.

و قد تقدّمت الإشارة إلى أنّ النبوّة كالرسالة في دورانها مدار الوحي فالنبيّ كالرسول في خاصّة العصمة، و يتحصّل بذلك أنّ أصحاب الوحي سواء كانوا رسلاً أو أنبياء معصومون في أخذ الوحي و في حفظ ما اُوحي إليهم و في تبليغه إلى الناس قولاً و فعلاً.

و رابعاً: أنّ الّذي استثني في الآية من الإظهار على الغيب إظهار الرسول على ما يتوقّف عليه تحقّق إبلاغ رسالته أعمّ من أن يكون متن الرسالة كالمعارف الاعتقادية و شرائع الدين و القصص و العبر و الحكم و المواعظ أو يكون من آيات الرسالة و المعجزات الدالّة على صدق الرسول في دعواه كالّذي حكي عن بعض الرسل من الإخبار بالمغيّبات كقول صالح لقومه:( تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ) هود: ٦٥، و قول عيسى لبني إسرائيل:( وَ أُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَ ما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ ) آل عمران: ٤٩، و كذا ما ورد من مواعد الرسل، و ما ورد في الكتاب العزيز من الملاحم كلّ ذلك من إظهارهم على الغيب.

١٣٤

( بحث روائي‏)

عن تفسير العيّاشيّ، عن أبي جعفرعليه‌السلام : أنّه سأله المعتصم عن السارق من أيّ موضع يجب أن يقطع؟ فقال: إنّ القطع يجب أن يكون من مفصل اُصول الأصابع فتترك الكفّ.

فقال: و ما الحجّة في ذلك؟ قال: قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : السجود على سبعة أجزاء: الوجه و اليدين و الركبتين و الرجلين فإذا قطع من الكرسوع أو المرفق لم يدع له يداً يسجد عليها و قال الله:( وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ ) يعني به هذه الأعضاء السبعة الّتي يسجد عليها( فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً ) و ما كان لله فلا يقطع. الحديث.

و في الكافي، بإسناده عن حمّاد بن عيسى عن أبي عبداللهعليه‌السلام في حديث: و سجد يعني أباعبداللهعليه‌السلام على ثمانية أعظم: الكفّين و الركبتين و إبهامي الرجلين و الجبهة و الأنف، و قال: سبعة منها فرض يسجد عليها و هي الّتي ذكرها الله في كتابه فقال:( وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً ) و هي الجبهة و الكفّان و الركبتان و الإبهامان و وضع الأنف على الأرض سنّة.

و عن الخرائج و الجرائح، روى محمّد بن الفضل الهاشميّ عن الرضاعليه‌السلام : أنّه نظر إلى ابن هذاب فقال: إن أنا أخبرتك أنّك ستبتلى في هذه الأيّام بدم ذي رحم لك لكنت مصدّقاً لي؟ قال: لا فإنّ الغيب لا يعلمه إلّا الله تعالى. قال: أ و ليس أنّه يقول:( عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى‏ غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى‏ مِنْ رَسُولٍ‏ ) فرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند الله مرتضى، و نحن ورثة ذلك الرسول الّذي أطلعه الله على ما يشاء من غيبه فعلمنا ما كان و ما يكون إلى يوم القيامة.

أقول: و الأخبار في هذا الباب فوق حدّ الإحصاء، و مدلولها أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذه بوحي من ربّه و أنّهم أخذوه بالوراثة منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٣٥

( سورة المزّمّل مكّيّة و هي عشرون آية)

( سورة المزّمّل الآيات ١ - ١٩)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ( ١ ) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ( ٢ ) نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ( ٣ ) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ( ٤ ) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ( ٥ ) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ( ٦ ) إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا ( ٧ ) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا ( ٨ ) رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ( ٩ ) وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا ( ١٠ ) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا ( ١١ ) إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا ( ١٢ ) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا ( ١٣ ) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلًا ( ١٤ ) إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولًا ( ١٥ ) فَعَصَىٰ فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا ( ١٦ ) فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا ( ١٧ ) السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا ( ١٨ ) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا ( ١٩ )

١٣٦

( بيان‏)

السورة تأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقيام الليل و الصلاة فيه ليستعدّ بذلك لتلقّي ثقل ما سيلقى عليه من القول الثقيل و القرآن الموحي إليه، و تأمره أن يصبر على ما يقولون فيه إنّه شاعر أو كاهن أو مجنون إلى غير ذلك و يهجرهم هجراً جميلاً، و فيها وعيد و إنذار للكفّار و تعميم الحكم لسائر المؤمنين، و في آخرها تخفيف مّا للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و المؤمنين.

و السورة مكّيّة من عتائق السور النازلة في أوّل البعثة حتّى قيل: إنّها ثانية السور النازلة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو ثالثتها.

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ) بتشديد الزاي و الميم و أصله المتزمّل اسم فاعل من التزمّل بمعنى التلفّف بالثوب لنوم و نحوه، و ظاهره أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قد تزمّل بثوب للنوم فنزل عليه الوحي و خوطب بالمزمّل.

و ليس في الخطاب به تهجين و لا تحسين كما توهّمه بعضهم، نعم يمكن أن يستفاد من سياق الآيات أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قد قوبل في دعوته بالهزء و السخريّة و الإيذاء فاغتمّ في الله فتزمّل بثوب لينام دفعاً للهمّ فخوطب بالمزّمّل و اُمر بقيام الليل و الصلاة فيه و الصبر على ما يقولون على حدّ قوله تعالى:( اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ ) البقرة: ١٥٣ فاُفيد بذلك أنّ عليه أن يقاوم الكرب العظام و النوائب المرّة بالصلاة و الصبر لا بالتزمّل و النوم.

و قيل: المراد يا أيّها المتزمّل بعباءة النبوّة أي المتحمّل لأثقالها، و لا شاهد عليه من جهة اللفظ.

قوله تعالى: ( قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ) المراد بقيام اللّيل القيام فيه إلى الصلاة فالليل مفعول به توسعاً كما في قولهم: دخلت الدار، و قيل: معمول( قُمِ ) مقدّر و( اللَّيْلَ ) منصوب على الظرفيّة و التقدير قم إلى الصلاة في الليل، و قوله:( إِلَّا قَلِيلًا ) استثناء من الليل.

١٣٧

و قوله:( نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ ) ظاهر السياق أنّه بدل من( اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ) المتعلّق به تكليف القيام، و ضميراً( مِنْهُ ) و( عَلَيْهِ) للنصف، و ضمير( نِصْفَهُ ) للّيل، و المعنى قم نصف الليل أو انقص من النصف قليلاً أو زد على النصف قليلاً، و الترديد بين الثلاثة للتخيير فقد خيّر بين قيام النصف و قيام أقلّ من النصف بقليل و قيام أكثر منه بقليل.

و قيل:( نِصْفَهُ ) بدل من المستثنى أعني( قَلِيلًا ) فيكون المعنى قم الليل إلّا نصفه أو انقص من النصف قليلا فقم أكثر من النصف بقليل أو زد على النصف فقم أقلّ من النصف، و تكون جملة البدل رافعاً لإبهام المستثنى بالمطابقة و لإبهام المستثنى منه بالالتزام عكس الوجه السابق.

و الوجهان و إن اتّحداً في النتيجة غير أنّ الوجه السابق أسبق إلى الذهن لأنّ الحاجة إلى رفع الإبهام عن متعلّق الحكم أقدم من الحاجة إلى رفع الإبهام عن توابعه و ملحقاته فكون قوله:( نصفه ) إلخ بدلاً من الليل و لازمه رفع إبهام متعلّق التكليف بالمطابقة أسبق إلى الذهن من كونه بدلاً من( قَلِيلًا ) .

و قيل: إنّ نصفه بدل من الليل لكنّ المراد بالقليل القليل من الليالي دون القليل من أجزاء الليل، و المعنى قم نصف الليل أو انقص منه قليلاً أو زد عليه إلّا قليلاً من الليالي و هي ليالي العذر من مرض أو غلبة نوم أو نحو ذلك، و لا بأس بهذا الوجه لكنّ الوجه الأوّل أسبق منه إلى الذهن.

و قوله:( وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ) ترتيل القرآن تلاوته بتبيين حروفه على تواليها، و الجملة معطوفة على قوله:( قُمِ اللَّيْلَ ) أي قم الليل و اقرأ القرآن بترتيل.

و الظاهر أنّ المراد بترتيل القرآن ترتيله في الصلاة أو المراد به الصلاة نفسها و قد عبّر سبحانه عن الصلاة بنظير هذا التعبير في قوله:( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى‏ غَسَقِ اللَّيْلِ وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ) إسراء: ٧٨، و قيل: المراد إيجاب قراءة القرآن دون الصلاة.

١٣٨

قوله تعالى: ( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ) الثقل كيفيّة جسمانيّة من خاصّته أنّه يشقّ حمل الجسم الثقيل و نقله من مكان إلى مكان و ربّما يستعار للمعاني إذا شقّ على النفس تحمّلها أو لم تطقها فربّما اُضيف إلى القول من جهة معناه فعدّ ثقيلاً لتضمّنه معنى يشقّ على النفس إدراكه أو لا تطيق فهمه أو تتحرّج من تلقّيه كدقائق الأنظار العلميّة إذا اُلقيت على الأفهام العامّة، أو لتضمّنه حقائق يصعب التحقّق بها أو تكاليف يشقّ الإتيان بها و المداومة عليها.

و القرآن قول إلهيّ ثقيل بكلا المعنيين: أمّا من حيث تلقّي معناه فإنّه كلام إلهي مأخوذ من ساحة العظمة و الكبرياء لا تتلقّاه إلّا نفس طاهرة من كلّ دنس منقطع عن كلّ سبب إلّا الله سبحانه، و كتاب عزيز له ظهر و بطن و تنزيل و تأويل تبياناً لكلّ شي‏ء، و قد كان ثقله مشهوداً من حال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما كان يأخذه من البرحاء و شبه الإغماء على ما وردت به الأخبار المستفيضة.

و أمّا من حيث التحقّق بحقيقة التوحيد و ما يتبعها من الحقائق الاعتقاديّة فكفى في الإشارة إلى ثقله قوله تعالى:( لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى‏ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) الحشر: ٢١، و قوله تعالى:( وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى‏ ) الرعد: ٣١.

و أمّا من حيث القيام بما يشتمل عليه من أمر الدعوة و إقامة مراسم الدين الحنيف، و إظهاره على الدين كلّه فيشهد به ما لقيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المصائب و المحن في سبيل الله و الأذى في جنب الله على ما يشهد به الآيات القرآنيّة الحاكية لما لقيه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المشركين و الكفّار و المنافقين و الّذين في قلوبهم مرض من أنواع الإيذاء و الهزء و الجفاء.

فقوله:( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ) المراد بالقول الثقيل القرآن العظيم على ما يسبق إلى الذهن من سياق هذه الآيات النازلة في أوّل البعثة، و به فسّره المفسّرون.

١٣٩

و الآية في مقام التعليل للحكم المدلول عليه بقوله:( قُمِ اللَّيْلَ ) إلخ فتفيد بمقتضى السياق - و الخطاب خاصّ بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أنّ أمره بقيام الليل و التوجّه فيه إليه تعالى بصلاة اللّيل تهيئة له و إعداد لكرامة القرب و شرف الحضور و إلقاء قول ثقيل فقيام الليل هي السبيل المؤدّية إلى هذا الموقف الكريم و قد عدّ سبحانه صلاة الليل سبيلاً إليه في قوله الآتي:( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى‏ رَبِّهِ سَبِيلًا ) .

و قد زاد سبحانه وعداً على ما في هذه الآية في قوله:( وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى‏ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً ) إسراء: ٧٩ و قد تقدّم معنى المقام المحمود في تفسير الآية.

و إذ كان من ثقل القرآن ثقله من حيث التحقّق بحقائقه و من حيث استجابته فيما يندب إليه من الشرائع و الأحكام فهو ثقيل على الاُمّة كما هو ثقيل عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و معنى الآية إنّا سنوحي إليك قولاً يثقل عليك و على اُمّتك أمّا ثقله عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلمّا في التحقّق بحقائقه من الصعوبة و لما فيه من محنة الرسالة و ما يتبعها من الأذى في جنب الله و ترك الراحة و الدعة و مجاهدة النفس و الانقطاع إلى الله مضافاً إلى ما في تلقّيه من مصدر الوحي من الجهد، و أمّا ثقله على اُمّته فلأنّهم يشاركونهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في لزوم التحقّق بحقائقه و اتّباع أوامره و نواهيه و رعاية حدوده كلّ طائفة منهم على قدر طاقته.

و للقوم في معنى ثقل القرآن أقوال اُخر:

منها: أنّه ثقيل بمعنى أنّه عظيم الشأن متين رصين كما يقال: هذا كلام له وزن إذا كان واقعاً موقعه.

و منها: أنّه ثقيل في الميزان يوم القيامة حقيقة أو مجازاً بمعنى كثرة الثواب عليه.

و منها: أنّه ثقيل على الكفّار و المنافقين بما له من الإعجاز و بما فيه من الوعيد.

و منها: أنّ ثقله كناية عن بقائه على وجه الدهر لأنّ الثقيل من شأنه أن يبقى و يثبت في مكانه.

و منها: غير ذلك و الوجوه المذكورة و إن كانت لا بأس بها في نفسها لكن ما تقدّم

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

فأحرجها قائلة: إلى الله أشكو عقوق أبنائي(٦٦٥) .

[ عبدالله بن حكيم التميمي وطلحة ]

جاء عبدالله بن حكيم يناشد طلحة فيقول له(١) : يا أبا محمد أما هذا كتبك إلينا ؟. قال طلحة: بلى قال: كتبت أمس تدعونا إلى خلع عثمان وقتله، حتى إذا قتلته أتيتنا ثائرا بدمه ! فلعمري ما هذا رأيك، ان تريد إلا هذه الدنيا، فمهلا مهلا. ولم قبلت من علي ما عرض عليك من البيعة، فبايعته طائعا راضيا، ثم نكثت بيعتك، وجئت لتدخلنا في فتنتك ؟ فقال: ان عليا دعاني إلى بيعته بعدما بايعه الناس(٢) ، فعلمت إني لو لم أقبل ما عرضه علي لم يتم لي الأمر، ثم يغري بي من معه(٦٦٦) .

[ حكيم من بني جشم ينصح أهل البصرة ]

لما انتهت عائشة بمن معها إلى المربد - مكان من البصرة - قام الجشمي يخاطب أهل البصرة وقد اجتمعوا هناك فيقول(٣) : أنا فلان بن فلان الجشمي وقد أتاكم هؤلاء القوم، فان أتوكم خائفين، فانما أتوكم من المكان الذي يأمن فيه الطير والوحش والسباع، وان كانوا أتوكم بدم عثمان فغيرنا ولي قتله، فأطيعوني أيها الناس وردوهم من حيث أقبلوا، فانكم ان لم تفعلوا لم تسلموا من الحرب الضروس، والفتنة الصماء، فحصبه من أهل البصرة أشياع الجمل(٦٦٧) .

____________________

(٦٦٥) (١) كما في ص ٥٠٠ من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدى (منه قدس).

(٢) كذب هذا الناكث، إذ كان أول مبايع لعلى، نعوذ بالله من سوء الخاتمة (منه قدس).

(٦٦٦) الغدير ج ٩ / ٩٩.

(٣) كما في أواخر ص ٤٩٨ من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدى (منه قدس)

(٦٦٧) تاريخ الطبري ج٥ / ١٧٥ (*).

٤٦١

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٤٤١: -

[ خطاب عائشة في أهل البصرة ]

ثم أقبلت عائشة على جملها عسكر، فنادت بصوت مرتفع(١) : أيها الناس أقلوا الكلام واسكتوا، فسكت الناس لها فقالت: أيها الناس ان أمير المؤمنين عثمان كان قد غير وبدل، ثم لم يزل يغسل ذلك بالتوبة حتى قتل مظلوما تائبا، وانما نقموا عليه ضربه بالسوط، وتأميره الشبان، وحمايته موضع الغمامة فقتلوه محرما في حرمة الشهر وحرمة البلد ذبحا كما يذبح الجمل، ألا وان قريشا رمت غرضها بنبالها، وأدمت أفواهها بأيديها، وما نالت بقتلها اياه شيئا، ولا سلكت به سبيلا قاصدا، أما والله ليرونها بلايا عقيمة تنبه القائم، وتقيم الجالس، وليسلطن الله عليهم قوما لا يرحمونهم، يسومونهم سوء العذاب.

أيها الناس انه ما بلغ من ذنب عثمان ما يستحل به دمه، ماصوه كما يماص الثوب الرحيض، ثم عدوا عليه فقتلوه بعد توبته، وخروجه من ذنبه، وبايعوا ابن أبي طالب بغير مشورة من الجماعة ابتزازا وغصبا، أترونني أغضب لكم من سوط عثمان ولسانه، ولا أغضب لعثمان من سيوفكم ! ألا ان عثمان قتل مظلوما فاطلبوا قتلته، فإذا ظفرتم بهم فاقتلوهم ثم اجعلوا الأمر شورى بين الرهط الذين اختارهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ولا يدخل فيهم من شرك في دم عثمان.

____________________

(١) كما في ص ٤٩٩ من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدى (منه قدس) (*).

٤٦٢

قال أهل السير والأخبار: فماج الناس واختلفوا. فمن قائل: القول ما قالت أم المؤمنين. ومن قائل يقول: ما هي وهذا الأمر انما هي امرأة مأمورة بلزوم بيتها. وارتفعت الأصوات، وكثر اللغط، حتى تضاربوا بالنعال وتراموا بالحصى، ثم تمايزوا فريقين، فريقا مع عثمان بن حنيف، وفريقا مع عائشة وأصحابها(٦٦٨) .

[ وقوف الفريقين للقتال ]

ثم أصبح الفريقان من غد، فصفا للحرب، وخرج عثمان بن حنيف(١) فناشد عائشة الله والإسلام، وأذكر طلحة والزبير بيعتهما عليا. فقالا: نطلب بدم عثمان فقال لهما: وما أنتما وذاك، أين بنوه ؟ أين بنو أعمامه الذين هم أحق به منكم ؟ كلا ولكنكما حسدتما عليا حيث اجتمع الناس عليه، وكنتما ترجوان هذا الأمر، وتعملان له، وهل كان أحد أشد على عثمان قولا منكما ؟ ! فشتماه شتما قبيحا وذكرا أمه، فقال للزبير: لولا صفية ومكانها من رسول الله، فانها أدنتك إلى الظل، وان الأمر بيني وبينك يا ابن الصعبة يعني طلحة. ثم قال: اللهم اني قد أعذرت.

ثم حمل فاقتتل الناس قتالا شديدا، ثم تحاجزوا واصطلحوا على كيفية خاصة، فصلها المؤرخون، أرجأوا فيها الأمر إلى ما بعد وصول أمير المؤمنين إلى البصرة، وأعطى الفريقان على ما كتبوه

____________________

(٦٦٨) وقريب منه في: الكامل لابن الأثير ج ٣ / ١٠٩.

(١) كما في ص ٥٠٠ من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدى (منه قدس) (*).

٤٦٣

من الصلح عهد الله وميثاقه، وأشد ما أخذه على نبي من أنبيائه من عهد وذمة وميثاق، وختم الكتاب من الفريقين(٦٦٩) .

لكن عائشة وطلحة والزبير أجمعوا على مراسلة القبائل واستمالة العرب ووجوه الناس وأهل الرئاسة والشرف، من حيث لا يشعر الأمير ابن حنيف وأصحابه، فلما استوثق لأصحاب الجمل أمرهم، خرجوا في ليلة مظلمة ذات ريح ومطر، وقد لبسوا الدروع وظاهروا فوقها بالثياب، فانتهوا، إلى المسجد وقت صلاة الفجر وقد سبقهم عثمان بن حنيف إليه وأقيمت الصلاة فتقدم عثمان ليصلي، فأخره أصحاب طلحة والزبير وقدموا الزبير، فجاءت الشرطة وحرس بيت المال فأخرجوا الزبير وقدموا عثمان، ثم غلبهم أصحاب الزبير وقدموه، فلم يزالوا كذلك حتى كادت الشمس تطلع، فصاح بهم أهل المسجد: ألا تتقون بالله يا أصحاب محمد ؟ وقد طلعت الشمس، فغلب الزبير وصلى بالناس.

فلما فرغ من صلاته صاح بأصحابه المسلحين: أن خذوا عثمان بن حنيف فلما أسر ضرب ضرب الموت ونتفت لحيته وشارباه وحاجباه وأشفار عينيه، وكل شعرة في رأسه ووجهه، وأخذوا الشرطة وحراس بيت المال وهم سبعون رجلا من المؤمنين من شيعة علي فانطلقوا بهم وبعثمان بن حنيف إلى عائشة فقالت لابان بن عثمان: اخرج إليه فاضرب عنقه فان الأنصار قتلوا أباك.

فنادى عثمان بن حنيف: يا عائشة ويا طلحة ويا زبير ان أخي سهلا خليفة علي على المدينة، وأقسم بالله ان لو قتلت ليضعن السيف في نبي أبيكم ورهطكم فلا يبقي ولا يذر. فكفوا عنه.

وأمرت عائشة الزبير أن يقتل الشرطة وحراس بيت المال وقالت له: قد بلغني الذي صنعوا بك، فذبحهم والله الزبير كما

____________________

(٦٦٩) راجع: الكامل ج ٣ / ١١٠، مروج الذهب ج ٢ / ٣٥٨ ط بيروت. (*)

٤٦٤

يذبح الغنم، ولي ذلك منهم ابنه عبدالله وهم سبعون رجلا، وبقيت منهم طائفة مستمسكين بيت المال قالوا: لا ندفعه إليكم حتى يقدم أمير المؤمنين. فسار إليهم الزبير في جيش ليلا فأوقع بهم وأخذ منهم خمسين أسيرا فقتلهم صبرا.

فكان هذا الغدر بعثمان بن حنيف، أول غدر كان في الإسلام، وكان قتل الشرطة وحراس بيت المال أول قوم ضربت أعناقهم من المسلمين صبرا، وكانوا مائة وعشرين رجلا، وقيل كانوا (كما في ٥٠١ من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدي) أربعمأة رجل(٦٧٠) .

ثم طردوا عثمان بن حنيف فلحق بعلي، فلما رآه بكى وقال له: فارقتك شيخا وجئتك أمرد. فقال علي: انا لله وانا إليه راجعون. يقولها ثلاثا(٦٧١)

وقد منيعليه‌السلام في هذه المأساة بغصة لا تساغ، كان يشكو بثه فيها وحزنه إلى الله فيقول على المنبر: " اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم، فانهم قطعوا رحمي، وصغروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي أمرا هو لي ثم قالوا: ألا ان في الحق ان تأخذه، وفي الحق أن تتركه "(٦٧٢) (ثم ذكر أصحاب الجمل فقال): " فخرجوا يجرون حرمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما تجر الأمة عند شرائها متوجهين بها إلى البصرة، فحبسا نساءهما في بيوتهما، وأبرزا حبيس رسول الله لهما ولغيرهما في جيش ما منهم رجل إلا وقد أعطاني الطاعة وسمح لي بالبيعة طائعا غير مكره فقدموا على عامل بها وخزان بيت مال المسلمين وغيرهم من أهلها، فقتلوا طائفة صبرا وطائفة غدرا. " الخطبة وهي في نهج البلاغة(٦٧٣) .

____________________

(٦٧٠) مروج الذهب ج ٢ / ٣٥٨.

(٦٧١) تاريخ الطبري ج ٥ / ١٨٦.

(٦٧٢) نهج البلاغة الخطبة - ٢١٧ -.

(٦٧٣) نهج البلاغة الخطبة - ١٧٢ - (*).

٤٦٥

[ موقف حكيم بن جبلة(١) ]

لما بلغ حكيم بن جبلة ما صنع القوم بعثمان بن حنيف وخزان بيت مال المسلمين وغيرهم خرج في ثلثمائة من عبدالقيس وكان سيدهم. فخرج القوم إليه وحملوا عائشة على جمل، فسمي ذلك اليوم يوم الجمل الأصغر، ويومها مع علي يوم الجمل الأكبر.

وتجالد الفريقان بالسيوف وأبلى حكيم وأصحابه بلاء حسنا، لكن شد رجل من الأزد من عسكر عائشة على حكيم فضرب رجل فقطعها، ووقع الأزدي عن فرسه، فجثا حكيم فأخذ رجله المقطوعة فضرب بها الأزدي فصرعه ثم دب إليه فقتله خنقا متكئا عليه حتى زهقت نفسه، فمر بحكيم إنسان وهو يجود بنفسه فقال له: من فعل بك هذا ؟ قال: وسادي فنظر فإذا الأزدي تحته.

وكان حكيم من أبطال العرب وشجعان المسلمين المستبصرين في شأن أهل البيت، وقد قتل معه ابنه الأشرف وإخوة له ثلاثة، وقتل معه أصحابه كلهم وهم ثلثمائة من عبدالقيس وكلهم من الاخيار، وربما كان بعض المقتولين يومئذ من بكر بن وائل. فلما صفت البصرة لعائشة وطلحة والزبير بعد قتل حكيم وأصحابه، وطردا ابن حنيف عنها.

اختلف طلحة والزبير في الصلاة، وأراد كل منهما أن يؤم بالناس، وخاف أن تكون صلاته خلف صاحبه تسليما له، ورضي بتقدمه ،

____________________

(١) فصله أهل السير والأخبار فراجعه في ص ٥٠١ من المجلد الثاني من شرح النهج (منه قدس) (*).

٤٦٦

فأصلحت بينهما عائشة بأن جعلت الإمامة يوما لعبد الله بن الزبير، ويوما لمحمد ابن طلحة ولما دخلوا بيت المال في البصرة ورأوا ما فيه من الأموال. قرأ الزبير - وقد استفزه الفرح -:( وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ ) فنحن أحق بها من أهل البصرة(٦٧٤) .

هذا مجمل ما كان في البصرة من الأحداث قبل وصول أمير المؤمنين إليها.

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٤٤٦: -

[ وصول علي إلى البصرة والتقاء الجمعين ]

ثم جاء علي بعدها إلى البصرة بمن معه فنهدت إليه عائشة بمن معها تذوده عنها، وكانت رابطة الجأش، مشيعة القلب فكف يده عنها وعنهم باذلا وسعه في إصلاح ذا البين على ما يرضي الله تعالى ورسوله، وبلغ في ذلك كل مبلغ من قول أو فعل.

حتى روى ابن جرير الطبري(١) وغيره من اثبات أهل السير والأخبار: ان عليا دعا إليه الزبير يومئذ فذكره بكلمة قالها النبي له بمسمع منه وهي قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " ليقاتلنك ابن عمتك هذا وهو لك ظالم "(٦٧٥) فانصرف عنه الزبير

____________________

(٦٧٤) اختلاف طلحة والزبير في الإمارة: مروج الذهب ج ٢ / ٣٥٧، تاريخ الطبري ج ٥ / ١٨٢.

(١) في خبر وقعة الجمل أواخر ص ٥١٩ من الجزء الثالث من تاريخ الأمم والملوك (منه قدس).

(٦٧٥) يوجد هذا الحديث بهذا اللفظ وقريب منه في كل من: المستدرك للحاكم ج ٣ / ٣٦٦ وصححه هو والذهبي، الأغاني لأبي الفرج ج ١٦ / ١٣١ و ١٣٢، العقد الفريد ج ٢ / ٢٧٩، مروج الذهب ج ٢ / ٣٦٣، الكامل لابن الأثير ج ٢ / ١٢٢، مطالب السئول ص ٤١، الرياض النضرة ج ٢ / ٢٧٣، مجمع الزوائد ج ٧ / ٢٣٥، =>

٤٦٧

وقال: فاني لا أقاتلك ورجع إلى ابنه عبدالله فقال: مالي في هذا الحرب بصيرة، فقال له ابنه: انك قد خرجت على بحيرة ولكنك رأيت رايات ابن أبي طالب وعرفت ان تحتها الموت فجبنت. فأحفظه ولده حتى أرعد وغصب وقال ويحك إني قد حلفت له أن لا أقاتله، فقال ابنه: كفر عن يمينك بعتق غلامك سرجس. فأعتقه وقام في الصف معهم(٦٧٦) .

وقال الطبري: وكان علي قال للزبير: أتطلب مني دم عثمان وأنت قتلته سلط الله على أشدنا عليه اليوم ما يكره(١) ، ودعا علي طلحة فقال: يا طلحة جئت بعرس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تقاتل بها وخبأت عرسك في البيت، أما بايعتني ؟. قال: بايعتك وعلى عنقي اللج، وأصر طلحة على الحرب.

وحينئذ رجع علي إلى أصحابه فقال لهم (فيما حكاه الطبري وغيره): أيكم يعرض عليهم هذا المصحف(٢) وما فيه، فان قطعت يده أخذه بيده الأخرى فان قطعت أيضا أخذه بأسنانه. قال فتى شاب: أنا. فطاف علي على أصحابه يعرض ذلك عليهم، فلم يقبله إلا ذلك الشاب. فقال له علي: أعرض عليهم هذا

____________________

=> فتح الباري لابن حجر ج ١٣ / ٤٦، المواهب اللدنية للقسطلاني ج ٢ / ١٩٥، شرح المواهب للزرقاني ج ٣ / ٣١٨ وج ٧ / ٢١٧، الخصائص الكبرى للسيوطي ج ٢ / ١٣٧، السيرة الحلبية ج ٣ / ٣١٥، شرح الشفا للخفاجي ج ٣ / ١٦٥، الغدير للأميني ج ٣ / ١٩١ وج ٩ / ١٠١، تاريخ الطبري ج ٥ / ٢٠٠ و ٢٠٤، تذكرة الخواص ص ٧٠.

(٦٧٦) تاريخ الطبري ج ٥ / ٢٠٠، الكامل في التاريخ ج ٣ / ١٢٣، مروج الذهب ج ٢ / ٣٦٣، تذكرة الخواص ص ٧٠.

(١) راجع ص ٥٢٠ من الجزء الثالث من تاريخ الأمم والملوك، وقد استجاب الله دعاء على فسلط الله على الزبير عمرو بن جرموز فقتله في ذلك اليوم (منه قدس).

(٢) تنبغي الإشارة إلى ان ابن العاص أخذ حيلة المصاحف في صفين من هذه الواقعة وأساء استخدامها كما لا يخفى (منه قدس).

٤٦٨

وقل هو بيننا وبينكم من أوله إلى آخره، والله الله في دمائنا ودمائكم. فلما جاءهم الفتى حملوا عليه وفي يده المصحف فقطعوا يديه، فأخذه بأسنانه حتى قتل، وعندئذ قال علي لأصحابه: قد طاب لكم الضراب فقاتلوهم.

ورثت أم الغلام المرسل بالمصحف بقولها فيما رواه الطبري(١) :

لاهم ان مسلما دعاهم

يتلو كتاب الله لا يخشاهم

وأمهم قائمة تراهم

يأتمرون الغي لا تناهم

قد خضبت من علق لحاهم(٦٧٧)

وبرزت ربه الجمل والهودج إلى المعركة، وقد عصفت في رأسها النخوة ونزت فيه سورة الانفة، فأدركتها حمية منكرة، وكانت أجرأ من ذي لبدة، قد جمعت ثيابها على أسد، تلهب حماسها في جيشها، فتدفعهم به إلى الموت دون جملها، وقد نظرت عن يسارها فقالت: من القوم عن يساري؟.

فأجابها صبرة بن شيمان (كما في الكامل لابن الأثير وغيره): نحن بنوك الأزد.

فقالت: يا آل غسان حافظوا اليوم على جلادكم الذي كنا نسمع به في قول القائل :

وجالد من غسان أهل حفاظها

وكعب وأوس جالدت وشبيب

فكان الأزد يأخذون بعر الجمل يشمونه ويقولون: بعر جمل أمنا ريحه ريح المسك، وقالت لمن يمينها: من القوم عن يمينى ؟. قالوا: بكر بن وائل. قالت: لكم يقول القائل :

وجاءوا إلينا في الحديد كأنهم

من العزة القعساء بكر بن وائل

____________________

(١) راجع ص ٥٢٢ من الجزء الثالث من تاريخ الأمم والملوك (منه قدس).

(٦٧٧) تاريخ الطبري ج ٥ / ٢٠٤ و ٢٠٦، تذكرة الخواص ص ٧١، مروج الذهب ج ٢ / ٣٦١ (*).

٤٦٩

انما بازائكم عبدالقيس. وأقبلت على كتيبة بين يديها فقالت: من القوم ؟ قالوا: بنو ناجية. قالت: بخ بخ سيوف أبطحية قرشية، فجالدوا جلادا يتفادى منه، فكأنما أشعلت فيهم من الحماسة نارا تلظى. وتتابع حملة اللواء على خطام جملها مستميتين يقولون :

يا أمنا يا زوجة النبي

يا زوجة المبارك المهدي

نحن بنو ضبة لا نفر

حتى نرى جما جما تخر

يخر منها العلق المحمر

وما زالت تستفز حميتهم حتى عقر الجمل، بعد ان قتل على خطامه أربعون رجلا وكانت الهزيمة بأذن الله. ولو عناية أمير المؤمنين ساعتئذ في حفظها، ووقوفه بنفسه على صونها، لكان ما كان مما أعاذها الله منه في هذه الفتنة العمياء التي شقت عصا المسلمين إلى يوم الدين، وعلى أسسها كانت صفين والنهروان ومأساة كربلا وما بعدها. حتى نكبة فلسطين، في عصرنا هذا.

لكن أخا النبي وأبا سبطيه، وقف على الجمل بنفسه، حين أطفئت الفتنة بعقره، وما ان هوى بالهودج حتى آواه - وفيه عائشة - إلى وارف من ظله منيع، وجعل معها أخاها محمدا ليقوم بمهامها في نسوة من الصالحات، ومن على محاربيه وتفضل عليهم، وأطلق الأسرى من أعدائه الألداء، واختص عائشة من الكرامة بكل ما يناسب خلقه الكريم. وفضله العميم، وحكمته البالغة وهذا كله معلوم بحكم الضرورة من كتب السير والأخبار.

وتسمى هذه الوقعة وقعة الجمل الأكبر. وكانت يوم الخميس لعشر خلون من جمادي الآخرة سنة ست وثلاثين، وتفصيل الوقعتين في كتب السير والتواريخ فلتراجع.

٤٧٠

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٤٥٠: -

وقد كانت القتلى يوم الجمل

الأكبر ثلاثة عشر ألفا من أبناء عائشة فيهم طلحة والزبير بكل أسف، واستشهد يومئذ من أولياء علي اللهم وال من والاه وعاد من عاداه - ألف أو دونه أو أكثر منه(٦٧٨) .

هذا وقد كانت أم المؤمنين من أعلم الناس بأن عليا أخو رسول الله ووليه ووارثه ووصيه(٦٧٩) وانه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله(٦٨٠) وانه

____________________

(٦٧٨) ولأجل المزيد من الاطلاع حول هذه الواقعة راجع: أحاديث أم المؤمنين عائشة ق ١ / ١٢١ - ٢٠٠، الجمل للشيخ المفيد ط الحيدرية، مروج الذهب ج ٢ / ٣٥٩ - ٣٦٠، أسد الغابة ج ٢ / ١١٤ و ١٧٨ وج ١ / ٣٨٥ وج ٤ / ٤٦ و ١٠٠ وج ٥ / ١٤٣ و ١٤٦ و ٢٨٦، الإصابة ج ١ / ٢٤٨ وج ٢ / ٣٩٥، تاريخ الطبري ج ٥ / ١٦٣، الكامل لابن الأثير ج ٣ / ١٠٥، تاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ / ١٤٩.

(٦٧٩) كما تقدم تحت رقم (٥٥١ و ٥٥٢ و ٥٥٣ و ٥٥٤).

(٦٨٠) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ١ / ١٥٧ ح ٢١٩ و ٢٢٠ و ٢٢١ و ٢٢٢ و ٢٢٧ و ٢٣٢ و ٢٣٨ و ٢٤٠ و ٢٤٢ و ٢٤٣ و ٢٤٤ و ٢٤٥ و ٢٤٦ و ٢٤٧ و ٢٤٨ و ٢٥٢ و ٢٥٣ و ٢٥٤ و ٢٥٥ و ٢٦٠ و ٢٦٢ و ٢٦٣ و ٢٦٤ و ٢٧٠ و ٢٧١ و ٢٧٣ و ٢٧٥ و ٢٧٦ و ٢٧٨ و ٢٧٩ و ٢٨٩ و ٢٩٠ ط ١، المستدرك للحاكم ج ٣ / ٣٨، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٤٥، فرائد السمطين ج ١ / ٢٥٣، مصنف ابن أبى شيبة ج ٦ / ١٥٤، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٢٣، الاستيعاب بهامش الإصابة ج ٣ / ٣٦، تاريخ بغداد ج ٨ / ٥، إحقاق الحق ج ٥ / ٤٠٠، أنساب الأشراف للبلاذري ج ٢ / ٩٣، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص ١٨١ ح ٢١٧ و ٢٢١ ط ١، السنن الكبرى للبيهقي ج ٩ / ١٠٦، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص ٥٥ و ٥٦، ينابيع المودة للقندوزي ص ٤٨ ط اسلامبول، صحيح مسلم في باب مناقب علي بن أبي طالب ج ٧ / ١٢١ ط العامرة بمصر، حلية الأولياء ج ١ / ٦٢، الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ / ١١٠ ط دار صادر، السيرة النبوية لابن هشام، البداية والنهاية ج ٤ / ١٨٦ وج ٧ / ٣٣٦، صحيح البخاري باب مناقب علي بن أبي طالب ج ٥ / ٢٣، الكامل في التاريخ ج ٢ / ١٤٩، أسد الغابة ج ٤ / ٢١، تذكرة الخواص ص ٢٥، التاريخ الكبير للبخاري ج ٤ / ٢٦٢، نزل الأبرار ص ٤٣. راجع بقية المصادر فيما تقدم تحت رق م (٤٧٤).

٤٧١

منه بمنزلة هارون من موسى إلا في النبوة(٦٨١) وقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: " اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله "(٦٨٢) ، " رحم الله عليا اللهم أدر الحق معه حيث دار "(٦٨٣) .

____________________

(٦٨١) حديث المنزلة: من الأحاديث المتواترة ولأجل الاطلاع على مصادره راجع كتاب سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص ١١٧ تحت رقم (٤٧٥) ففيه الكفاية.

(٦٨٢) حديث المولاة: ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢ / ١٣ ح ٥٠٨ و ٥١٣ و ٥١٤ و ٥٢٣ و ٥٤٤ و ٥٦٢ و ٥٦٩، كفاية الطالب ص ٦٣ ط الحيدرية وص ١٧ ط الغرى، كنز العمال ج ٦ / ٤٠٣ ط ١ وج ١٥ / ١١٥ ح ٣٣٢ و ٤٠٢ ط ٢، شواهد التنزيل للحسكاني ج ١ / ١٥٧ ح ٢١١ وص ١٩٢ ح ٢٥٠، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٠٥، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ١٥١ ط السعيدية وص ١٣٧ ط العثمانية، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص ٩٦ ط الحيدرية وص ٢٦ و ٢٧ ط مصر، الملل والنحل للشهرستاني ج ١ / ١٦٣ ط بيروت وبهامش الفصل لابن حزم ج ١ / ٢٢٠، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ٢٠٩ و ٢٨٩ ط ١ وج ٢ / ٢٨٩ وج ٣ / ٢٠٨ بتحقيق أبو الفضل، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٣٢ ط الميمنية، أنساب الأشراف للبلاذري ج ٢ / ١١٢، نظم درر السمطين للزرندي ص ١١٢، المناقب للخوارزمي ص ٨٠ و ٩٤ و ١٣٠، ينابيع المودة للقندوزي ص ٢٨٩ ط اسلامبول وص ٢٩٧ ط الحيدرية، فرائد السمطين للحمويني ج ١ / ٦٩ ح ٣٦ و ٣٩ و ٤٠، نزل الأبرار للبدخشاني ص ٥١ - ٥٤، وراجع بقية مصادر الحديث في كتاب سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص ١٨٢.

(٦٨٣) حديث: " الحق مع علي ". صحيح الترمذي ج ٥ / ٢٩٧ ح ٣٧٩٨، المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٢٤، المناقب للخوارزمي ص ٥٦، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٣ / ١١٧ ح ١١٥٩ و ١١٦٠، غاية المرام ص ٥٣٩ (باب) ٤٥، شرح النهج لابن أبى الحديد ج ٢ / ٥٧٢ ط ١ وج ١٠ / ٢٧٠ بتحقيق أبو الفضل، منتخب كنز العمال بهامش =>

٤٧٢

وقد شهدت حجة الوداع مع رسول الله فرأته يوم الموقف يشيد بفضله آمرا أمته بالتمسك بثقليه تارة وبخصوص علي أخرى، منذرا بضلال من لم يأخذ بهما معا(٦٨٤) .

ويوم الغدير رأتهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد رقى منبر الحدائج يعهد إلى علي عهده، ويوليه على الأمة بعده، بمسمع ومنظر من تلك الألوف المؤلفة قافلة من حجة الوداع، حيث تفترق بهم الطرق إلى بلادهم(٦٨٥) .

ورأته وقد نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين يقول لهم: " أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم " أخرجه كل من الإمامين أحمد في مسنده(١) والحاكم في صحيحه المستدرك، والطبراني في الكبير، ورواه الترمذي بسنده الصحيح إلى زيد بن أرقم، كما في ترجمة الزهراء من الإصابة(٦٨٦) .

____________________

=> مسند أحمد ج ٥ / ٦٢، الفتح الكبير للنبهاني ج ٢ / ١٣١، جامع الأصول لابن الأثير ج ٩ / ٤٢٠، إحقاق الحق للتستري ج ٥ / ٦٢٦، فرائد السمطين للحمويني ج ١ / ١٧٦ ح ١٣٨، الغدير ج ٣ / ١٧٩، دلائل الصدق ج ٢ / ٣٠٢، المعيار والموازنة للاسكافي المعتزلي ص ٣٥ و ١١٩، نزل الأبرار للبدخشانى ص ٥٦، راجع بقية المصادر في كتاب سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص ١٧٠ ط بيروت.

(٦٨٤) تقدم حديث الثقلين مع مصادره تحت رقم (١٥) وسوف يأتي أيضا.

(٦٨٥) الغدير للأميني ج ١ / ٩، فرائد السمطين للحمويني ج ١ / ٧٣ ح ٣٩. ولأجل المزيد من الاطلاع على هذه الحادثة مع مصادرها راجع: سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص ١٧٣ تحت رقم (٦١٥ و ٦١٦ و ٦١٧ و ٦١٨ و ٦١٩ و ٦٢٠ و ٦٢١ و ٦٢٢) ففيها مئات المصادر لهذه الواقعة المباركة. وسوف يأتي بعض منها.

(١) راجع من المسند ص ٤٤٢ من جزئه الثاني بالإسناد إلى أبى هريرة (منه قدس).

(٦٨٦) صحيح الترمذي ج ٥ / ٣٦٠ ح ٣٩٦٢، سنن ابن ماجة ج ١ / ٥٢ ح ١٤٥، =>

٤٧٣

ورأتهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ جللهم بكسائه يقول حينئذ: " أنا حرب لمن حاربهم، وسلم لمن سالمهم وعدو لمن عاداهم "(٦٨٧) إلى كثير من أمثال هذه النصوص الصحيحة التي لم يخف شئ منها على أم المؤمنين فانها عيبة الحديث حتى قيل عنها :

حفظت أربعين ألف حديث

ومن الذكر آية تنساها(٦٨٨)

وحسبها ما قد رواه أبوها أبو بكر إذ قال: رأيت رسول الله خيم

____________________

=> المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٤٩، تلخيص المستدرك للذهبي بذيل المستدرك، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص ٦٤ ح ٩٠ ط ١، أسد الغابة ج ٣ / ١١ وج ٥ / ٥٢٣ ذخائر العقبى ص ٢٥، الصواعق المحرقة ص ١١٢ ط الميمنية وص ١٨٥ ط المحمدية، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٦٦ و ١٦٩، كفاية الطالب ص ٣٣٠ و ٣٣١ ط الحيدرية وص ١٨٨ و ١٨٩ ط الغرى، ينابيع المودة للقندوزي ص ٣٥ و ١٦٥ و ١٧٢ و ١٩٤ و ٢٣٠ و ٢٦١ و ٢٩٤ و ٣٠٩ و ٣٧٠ ط اسلامبول، شواهد التنزيل للحسكاني ج ٢ / ٢٧، المناقب للخوارزمي ص ٩١، مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ / ٦١ و ٩٩، المعجم الصغير للطبراني ج ٢ / ٣، الفتح الكبير للنبهاني ج ١ / ٢٧١، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٩٢، إحقاق الحق ج ٩ / ١٦١ - ١٧٤، نزل الأبرار ص ٣٥ و ١٠٥، فرائد السمطين للحمويني ج ٢ / ٣٩، سمط النجوم ج ٢ / ٤٨٨. وقد تقدم مع مصادر أخرى تحت رقم (١٢٦).

(٦٨٧) نقل ابن حجر الهيثمي في تفسير الآية من آيات فضلهم التي وردت في الفصل الحادي عشر من صواعقه، وقد استفاض قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله حرب علي حربي وسلمه سلمى (منه قدس). الصواعق لابن حجر ص ١٤٢ و ١٨٥ ط المحمدية و ٨٥ و ١١٢ ط الميمنية، الإصابة ج ٤ / ٣٧٨، ينابيع المودة ص ٢٢٩ و ٢٩٤ و ٣٠٩ ط اسلامبول، نظم درر السمطين ص ٢٣٢ و ٢٣٩، مصابيح السنة للبغوي ج ٢ / ٢٨٠، مشكاة المصابيح ج ٣ / ٢٥٨، ذخائر العقبى ص ٢٣، الرياض النضرة ج ٢ / ٢٤٩، وقد تقدم تحت رقم (١٢٨).

(٦٨٨) هذا البيت للشيخ كاظم الأزري راجع الأزرية ص. (*)

٤٧٤

خيمة(١) وهو متكئ على قوس عربية، وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " معشر الناس أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة، حرب لمن حاربهم ولي لمن والاهم، لا يحبهم إلا سعيد الجد طيب المولد. ولا يبغضهم إلا شقي الجد ردئ المولد "(٦٨٩) .

فهل يا ترى كانت أم المؤمنين في هذا الخروج وما إليه تريد الله ورسوله والدار الآخرة، وأنها من المحسنات ؟ تبتغي بذلك الأجر والثواب الذي وعد الله به نساء نبيه إذ يقول:( وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ) (٦٩٠) .

أم كانت ترى أن بينها وبين الله هوادة، تبيح لها ما قد حرمه الله على العالمين ؟ فارتكبت بخروجها - على الإمام - ما أرتكبت آمنة من وعيده إذ يقول:( يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ

____________________

(١) لعل هذه الخيمة هي الكساء الذي جللهم به حين أوحى إليه فيهم: "( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) ". وقد فصلنا ذلك في الفصل الثاني من المطلب الأول من كلمتنا الغراء في تفضيل الزهراء، فليراجعها من أراد الشفاء من كل داء (منه قدس).

(٦٨٩) تجد هذا الحديث منقولا عن أبى بكر الصديق في كتاب عبقرية محمد للأستاذ الكبير عباس محمود العقاد بعين لفظه تحت عنوان - النبي والإمام والصحابة - فراجع (منه قدس).

وأيضا في: فرائد السمطين للحمويني ج ٢ / ٤٠ ح ٣٧٣، المناقب للخوارزمي ص ٢١١، مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ / ٤، سمط النجوم ج ٢ / ٤٨٨ راجع بقية المصادر فيما تقدم تحت رقم (١٢٨).

(٦٩٠) سورة الأحزاب: ٢٩ (*).

٤٧٥

وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ) (٦٩١) .

أم أنها يا ترى رأت خروجها ذلك الخروج، عبادة لله وقنوتا منها له ولرسوله وعملا صالحا ؟ فاستأثرت به عملا بقوله تعالى:( وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ) (٦٩٢) !

أم أنها أرادت أن تمثل التقوى والورع بخروجها دون صواحبها من نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لتستأثر من بينهن بالعمل بقوله تعالى:( يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ) (٦٩٣) .

وهل رأت بيت ابن ضبة بيتها الذي أمرها الله أن تقرأ فيه ؟ ورأت قيادتها لتلك الجيوش سرداقا ضربه طلحة والزبير عليها يصونها عن تبرج الجاهلية الأولى ؟ ويفرغها للصلاة والزكاة وطاعة الله ورسوله ؟(٦٩٤) .

ورأت أنها تكون بذلك كله نصب أمر الله ونهيه إذ يقول عزوجل:( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) (٦٩٥) .

وماذا تقول ؟ أو يقول أولياؤها ؟ في خطاب الله لها ولصاحبتها بقوله:( إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا (١) وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ

____________________

(٦٩١) سورة الأحزاب: ٣٠.

(٦٩٢) سورة الأحزاب: ٣١.

(٦٩٣) سورة الأحزاب: ٣٢.

(٦٩٤) إشارة إلى البيت الذي استقرت فيه في البصرة. راجع: شرح ابن أبى الحديد.

(٦٩٥) سورة الأحزاب: ٣٣.

(١) ثبت بهذه الآية صدور الذنب منهما، ووجوب التوبة عليهما (منه قدس) (*).

٤٧٦

وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (١) * عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ) (٦٩٦) .

وحسبهما من الله تعالى حجة عليهما، مثله العظيم، الذي ضربه لهما في سورة التحريم، أعني قوله عز من قائل:( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (٦٩٧) .

ولله قول من يقول من أبطال أهل البيت علما وعملا :

عائش ما نقول في قتالك

سلكت في مسالك المهالك

وحسبك ما أخرج البخاري

من الصحيح مومئا للدار(٢)

____________________

(١) هذه هي الغاية في الاستعداد لمكافحتهما في نصرته والدفاع عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله بحيث لو تظاهر عليه أهل الأرض في الطول والعرض، ما أعد لمكافحتهم أكثر من هذه القوة كما لا يخفى (منه قدس).

(٦٩٦) سورة التحريم: ٤ و ٥. راجع ما تقدم من مصادر تحت رقم (٦٢٠).

(٦٩٧) سورة التحريم: ٩ و ١٠. راجع: تفسير القرطبي ج ١٨ / ٢٠٢، فتح القدير للشوكاني ج ٥ / ٢٥٥.

(٢) يشير في هذا البيت إلى ما أخرجه البخاري في باب ما جاء في بيوت أزواج النبي من كتاب الجهاد والسير ص ١٢٥ من الجزء الثاني من صحيحه عن عبدالله قال: قام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأشار إلى مسكن عائشة فقال: ههنا الفتنة ههنا الفتنة حيث يطلع قرن الشيطان، ولفظه عند مسلم: خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من بيت عائشة فقال رأس الكفر من ههنا حيث يطلع قرن الشيطان. فراجعه في كتاب الفتن واشراط الساعة ص ٥٠٣ من الجزء الثاني من صحيحه (منه قدس) (*).

٤٧٧

قد قيل تبت وعلي غمضا

فلم سجدت الشكر لما قبضا "(١)

ولم ركبت البغل في يوم الحسن

تؤججين نار هاتيك الفتن(٦٩٨)

____________________

(١) اشارة إلى ما كان من أم المؤمنين، حين بلغها نعى علىعليه‌السلام من أنها سجدت لله شكرا ثم رفعت رأسها قائلة :

فألقت عصاها واستقر بها النوى

كما قر عينا بالإياب المسافر

ثم سألت: من قتله ؟. فقيل لها: رجل من مراد. فقالت :

فان يك نائيا فلقد نعاه

غلام ليس في فيه التراب

فأنكرت عليها زينب بنت أم سلمة قائلة لها، العلى تقولين هذا يا عائش ؟ !. فأجابت عائش: أنى نسيت، فإذا نسيت فذكروني ! ! (منه قدس).

(٦٩٨) كان الإمام أبو محمد الحسن الزكي سيد شباب أهل الجنة، أنذر الهاشميين قبل وفاته بفتنة يخشاها من بني أمية إذا أراد الهاشميون دفنه عند جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعهد إلى أخيه سيد الشهداء أن يتدارك الشر إذا هبت عواصفه، بدفنه في البقيع عند جدته فاطمة بنت أسد، وأقسم عليه أن لا يريق في سبيله مل‌ء محجمة من دم. فلما قضى (بأبي وأمي) نحبه، أراد الهاشميون أن يجددوا به العهد بجده رسول الله، أو أنهم أرادوا أن يدفنوه عنده إذا أمنوا الفتنة، فقامت قيامة بني أمية، وأعدوا للحرب عدتها متجهزين بجهازها، وعلى رأسهم مروان بن الحكم وسعيد بن العاص، وكان مروان ينادى يا رب هيجاء هي خير من دعة، أيدفن أمير المؤمنين (عثمان) في أقصى المدينة، ويدفن الحسن مع رسول الله. وجاؤا بعائشة وهي على بغل، تذودهم عن بيتها قائلة: لا تدخلوه بيتي.

ففي ترجمة الحسن من كتاب (مقاتل الطالبيين) لأبي الفرج الاصفهانى المروانى عن على بن طاهر بن زيد يقول: لما أرادوا دفنه، أي الحسن، ركبت عائشة بغلا واستعونت بني أمية ومروان ومن كان هناك منهم ومن حشمهم وهو قول القائل: يوما على بغل، ويوما على جمل. وذكر المسعودي ركوب عائشة البغلة الشهباء، ليومها الثاني من أهل البيت قال: فأتاها القاسم بن محمد بن أبى بكر فقال: يا عمة ما غسلنا رؤوسنا من يوم الجمل الأحمر أتريدين أن يقال: يوم البغلة الشهباء. أه‍. وفى ذلك يقول القائل: =>

٤٧٨

... ..

____________________

=>

تجملت تبغلت ولو عشت تفيلت

لك التسع من الثمن وفى الكل تصرفت

ولنا هنا أن نبحث عن الوجه في كون بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيتها تدخل فيه من تحب، وتنرود عنه من لا تحب ؟ شأن المالك يتصرف في ملكه المطلق كيف يشاء، فهل يا ترى ملكها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيته ببيع أو هبة أو نحوهما ؟ كلا. وما أظن ان أحدا قال ذلك أو توهمه.

نعم أسكنها في حجرة من حجرات داره، كما أسكن غيرها من نسائه في حجرات اخر، وكما يسكن كل رجل زوجته في بيته قياما بواجب المرأة على زوجها فان اسكانها من نفقاتها الواجبة لها عليه اجماعا وقولا واحدا. والمرأة انما تسكن في بيت زوجها. فيدها على مسكنها ليست من امارات الملك في شئ، لان المتصرف في مسكنها في الحقيقة، انما هو الرجل، حيث انه هو الذى أسكنها فيه وحيث انه كان يساكنها في نفس البيت، ولو في يومها وليلتها في أقل الفروض.

على انه لو سلمنا ان يد عائشة على حجرتها، امارة تملكها، فلم لم تكن يد الزهراء على فدك امارة على تملكها ؟ ! وشتان بين هاتين اليدين، فان يد البنت على شئ من أملاك أبيها تتصرف فيه على عهده بمنظر منه ومسمع، لمن امارات الملك بلا كلام، ولاسيما إذا كانت نازحة على بيت أبيها إلى بيت زوجها. بخلاف يد الزوجة على حجرة من حجرات دار زوجها، ونحن نحكم العرف البشرى في هذه الفرق بين هاتين اليدين.

ولعل الخليفة يومئذ وهو أبوها، ملكها بيت رسول الله بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله بولايته العامة، وهذا ليس بالبعيد، لكنا كنا نأمل منه، أن يعامل بنت رسول الله فيما كان في يدها، معاملة بنته، ولو فعل لكان ذلك أقرب إلى اجتماع الكلمة، ولم شعث الأمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم (منه قدس). هذه الأبيات. (*)

٤٧٩

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٤٥٩: -

[ الفصل الخامس ] [ تأول خالد بن الوليد ] [ المورد - (٨٦) -: ذلك ما فعله خالد بن الوليد يوم فتح مكة ]

وقد نهاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يومئذ عن القتل والقتال، كما نص عليه أهل السير والأخبار، ورواه أثبات المحدثين بأسانيدهم الصحيحة، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله له يومئذ وللزبير: " لا تقاتلا إلا من قاتلكما ".

ولكن خالدا قاتل مع ذلك وقتل نيفا وعشرين رجلا من قريش وأربعة نفر من هذيل فدخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مكة، فرأى امرأة مقتولة، فسأل حنظلة الكاتب: من قتلها ؟: قال: خالد بن الوليد. فأمره أن يدرك خالدا فينهاه أن يقتل امرأة أو وليدا، أو عسيفا - أي أجيرا -(٦٩٩) إلى آخر ما تجده من هذه القضية في " عبقرية عمر " للأستاذ العقاد ص ٢٦٦.

____________________

(٦٩٩) هذه الحادثة رواها ابن هشام في غزوة حنين في السيرة النبوية ج ١٤ ١٠٠ ولعلها قد تكررت من خالد. (*)

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568