الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢٠

الميزان في تفسير القرآن10%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 568

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 219940 / تحميل: 7014
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢٠

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

٦١

ورد في كتاب ( السلطان المفرج عن أهل الإيمان )(١) ثلاث حكايات وقعت ببركة صاحب المقام عجل الله تعالى فرجه الشريففي القرن الثامن الهجري ، لم تقتري الحكاية الأولى بتاريخ لكن الحكايتين التاليتين ورد فيهما تاريخ صريح ، فلنورد الحكاية الأولى ثم الثانية والثالثة تباعاً

وقبل أن ننقل الحكايات الثلاث ، تذكر ترجمة صاحب الكتاب ، وثناء العلماء عليه حتى يتبين لنا صدقه في النقل.

أقول : إن مؤلف كتاب ( السلطان المفرج عن أهل الإيمان ) ، هو السيد بهاء الدين علي ابن السيد غياث الدين عبد الكريم بن عبد الحميد بن عبد الله بن أحمد بن حسن بن علي بن محمد بن علي غياث الدين(٢) ابن السيد جلال الدين عبد الحميد(٣) بن عبد الله بن أسامة(٤) بن أحمد بن علي بن محمد بن عمر(٥) بن يحيى ( القائم

__________________

١ ـ نقلاً عن بحار الأنوار / للعلامة المجلسي ( أعلى الله مقامه ).

٢ ـ الذي خرج عليه جماعة من العرب بشط سوراء بالعراق وحملوا عليه وسلبوه فمانعهم عن سلب سراويله فضربه أحدهم فقتله وكان عالماً تقياً.

٣ ـ الذي يروي عنه محمد بن جعفر المشهدي في المزار الكبير وقال فيه : أخبرني السيد الأجل العالم عبد الحميد بن التقي عبد الله بن أسامة العلوي الحسيني رَضيَ اللهُ عَنه في ذي القعدة نم سنة ثمانين وخمسمائة قراءة عليه بحلة الجامعين.

٤ ـ متولّي النقابة بالعراق.

٥ ـ الوئيس الجليل الذي رد الله على يده الحجر الأسود لما نهبت القرامطة مكة في سنة

٦٢

٦٣

بالكوفة ) ابن الحسين ( النقيب الطاهر ابن أبي عاتقة أحمد الشاعر المحدث ) ابن أبي علي عمر بن أبي الحسين يحيى(١) ابن أبي عاتقة الزاهد العابد الحسين(٢) بن زيد الشهيد ابن علي زين العابدين ابن الحسين بن علي بن أبي طالب: النيلي(٣) النجفي النسابة.

وهو من مشايخ العلامة أبي العباس أحمد بن فهد المجاز منه في ٧٩١ هـ أدرك أواخر عهد فخر المحققين تـ ٧٧١ هـ والسيدين العلمين عميد الدين وضياء الدين والشهيد محمد بن مكي العاملي ويروي عنهم جميعاً ، كما يروي عن الشيخ المقريء والحافظ شمس الدين محمد بن قارون وغيرهم.

وأما كتابه هذا فقد نقل عنه الشيخ حسن ين سليمان الحلي ( من علماء القرن التاسع ) في كتابه ( مختصر بصائر الدرجات ) ص ١٧٦ ، والعلامة المجلسي; في ( بحار الأنوار ) ، والميرزا الافندي; في ( رياض العلماء ) والبهبهاني; في ( الدمعة الساكبة ).

__________________

ثلاث وعشرين وثلاثمائة وأخذوا الحجر وأتو به إلى الكوفة وعلقوه في السارية السابعة من المسجد التي كان ذكرها أمير المؤمنين7 فإنه قال ذات يوم بالكوفة : لا بد أن يسلب في هذه السارية وأومى إلى السارية السابعة والقصة طويلة وبنى قبة جده أمير المؤمنين7 من خالص ماله.

١ ـ من أصحاب الكاظم7 المقتول سنة خمسين ومثتين الذي حمل رأسه في قوصرة إلى المستعين.

٢ ـ الملقب بذي الدمعة الذي رباه الإمام الصادق7 وأورثه علماً جمّا.

٣ ـ النيل : بلدة تقع على نهر النيل ، وهو يتفرع من نهر الفرات العظمى احتفره الحجاج بن يوسف الثقفي سنة ٨٢ هـ وهي مركز الإمارة المزيدية قبل تأسيس الحلة.

٦٤

ويظهر من بعض حكايات الكتاب أن تاريخ كتابته سنة ٧٨٩ هـ(١) وللسيد هذا كتب أخرى لا أرى بايراد أسمائها هنا بأساً :

أ ـ كتاب الأنوار المضيّة في الحكم الشرعية.

ب ـ كتاب الغيبة.

جـ ـ كتاب الدر النضيد في تعازي الحسين الشهيد.

د ـ سرور أهل الإيمان.

هـ ـ كتاب الانحراف من كلام صاحب الكشاف.

و ـ كتاب الأنصاف في الرد على صاحب الكشاف.

ز ـ كتاب شرح المصباح للشيخ الطوسي.

ي ـ كتاب الرجال ( ينسب اليه ).

في الثناء عليه :

قال تلميذه ابن فهد الحلي; تـ ٨٤١ هـ : حدثني المولى السيد السعيد الإمام بهاء الدين

وقال تلميذه الشيخ حسن بن سليمان الحلي; : ومما رواه لي ورويته عنه السيد الجليل السعيد الموفق الموثق بهاء الدين

وقال العلامة المجلسي; : السيد النقيب الحسيب بهاء الدين

وقال الميرزا الافندي; : السيد المرتضى النقيب الحسيب

__________________

١ ـ وللاسف الشديد ان هذا الكتاب لم يطبع إلى الآن برغم وجود نسخه الخطية في المكتبات العامة فمن قلمنا هذا ندعو مؤسسات النشر والتأليف إلى اخراجه للطبع وطبع كتب هذا السيد الجليل وتحقيقها خدمة للمذهب الإمامي واحياءً لآثار هذا السيد الجليل.

٦٥

النسابة الكامل السعيد الفقيه الشاعر الماهر العالم الفاضل الكامل صاحب المقامات والكرامات العظيمة قدس الله روحه الشريفة كان من أفاضل عصره وقال الميرزا النوري; : السيد الأجل الأكمل الارشد المؤيد العلامة النحرير ،(١) كان حياً سنة ٨٠٠ هـ

الحكاية الأولى :

حكاية أبي راجح الحمامي الشيخ الذي أصبح شاباً

نقل العلامة المجلسي ( ١٠٣٧ ـ ١١١١ هـ ) في بحار الانوار عن كتاب ( السلطان المفرج عن أهل الايمان ) تأليف العامل الكامل السيد علي بن عبد الحميد النيلي النجفي ، انه قال : فمن ذلك ما اشتهر وذاع ، وملأ البقاع ، وشهد بالعيان أبناء الزمان ، وهو قصّة أبي راجح الحمامي بالحلة ، وقد حكى ذلك جماعة من الاعيان الاماثل ، وأهل الصدق الافاضل ، منهم الشيخ الزاهد العابد المحقق شمس الدين محمد بن قارون سلّمه الله تعالى قال :

كان الحاكم بالحلة شخصاً يدعى مرجان الصغير ، فرفع إليه أنّ أباراجح هذا يسبّ الصحابة ، فأحضره وأمر بضربه فضرب ضرباً شديداً مهلكاً على جميع بدنه ، حتى انه ضرب على وجهه فسقطت ثناياه ، وأخرج لسانه فجعل فيه مسلّة من الحديد ، وخرق النفه ، ووضع فيه شركة من الشعر وشدّ فيها حبلاً وسلمه الى جماعة من اصحابه ،

__________________

١ ـ انظر : رياض العلماء ج ٤ / ص ٨٨ و ١٢٤ ـ ١٣٠ ، خاتمة المستدرك ط ح ص ٤٣٥ ، سفينة البحار ج ٢ / ط. ح / ص ٢٤٨ الذريعة في أجزائها وطبقات أعلام الشيعة.

٦٦

وأمرهم أن يدوروا به أزقّة الحلة ، والضرب يأخذه من جميع جوانبه ، حتى سقط الى الارض وعاين الهلاك ، فأخبر الحاكم بذلك ، فأمر بقتله ، فقال الحاضرون انه شيخ كبير ، وقد حصل له ما يكفيه ، وهو ميّت لما به فاتر كه وهو يموت حتف أنفه ، ولا تتقلّد بدمه ، وبالغوا في ذلك حتى أمر بتخليته وقد انتفخ وجهه ولسانه ، فنقله أهله في البيت ولم يشكّ أحدّ أنه يموت من ليلته.

فلما كان من الغدغدا عليه الناس فاذا هو قائم يصلّي على أتم حالة ، وقد عادت ثناياه التي سقطت كما كانت ، واندملت جراحاته ، ولم يبق لها أثر ، والشجّة قد زالت من وجهه!

فعجب الناس من حاله وساءلوه عن أمره فقال : اني لما عاينت الموت ولم يبق لي لسان اسأل الله تعالى به فكنت اسأله بقلبي واستغثت الى سيدي ومولاي صاحب الزمان7 .

فلما جنّ عليّ الليل فاذا بالدار قد امتلأت نوراً وإذا بمولاي صاحب الزمان7 قد أمرّ يده الشريفة على وجهي وقال لي : ( اخرج وكدّ على عيالك ، فقد عافاك الله تعالى ) فأصبحت كما ترون.

وحكى الشيخ شمس الدين محمد بن قارون المذكور قال :

وأقسم بالله تعالى إن هذا ابو راجح كان ضعيفاً جداً ، ضعيف التركيب ، اصفر اللون ، شين الوجه ، مقرض اللحية ، وكنت دائماً أدخل في الحمام الذي هو فيه ، وكنت دائماً أراه على هذه الحالة وهذا الشكل.

فلما أصبحت كنت ممن دخل عليه ، فرأيته وقد اشتدّت قوته وانتصبت قامته ، وطالت لحيته ، واحمر وجهه ، وعاد كأنّه ابن عشرين سنة ولم يزل على ذلك حتى أدر كته الوفاة.

٦٧

ولما شاع هذا الحبر وذاع ، طلبه الحاكم وأحضره عنده وقد كان رآه بالأمس على تلك الحالة ، وهو الان على ضدّها كما وصفناه ، ولم يرَ لجراحاته أثراً ، وثناياه قد عادت ، فداخل الحاكم في ذلك رعب عظيم ، وكان يجلس في مقام الأمام7 في الحلة ويعطي ظهره القبلة الشريفة ، فصار بعد ذلك يجلس ويستقبلها ، وعاد يتلطّف بأهل الحلة ، ويتجاوز عن مسيئهم ، ويحسن الى محسنهم ، ولم ينفعه ذلك بل لم يلبث في ذلك الا قليلاً حتى مات.(١)

أقول : روحي وأرواح العالمين لك الفداء.

إيه أيتها الجوهرة المحفوفة بالاسرار كم جهلناك وكم بخسناك حقك؟!

كم أغفلنا ذكرك وانشغلنا بغيرك كم سرحنا أفكارنا بعيداً عنك؟

أترك تعطف علينا اليوم بنظرة من تلك التي مننت بها على ذاك الرجل صاحب الحمام ( العمومي ) ، فتمسح قلوبنا بذاك الاكسير؟! فنحن في هذا الحمى.

بحث حول الحكاية :

أقول : إن هذه الحكاية مشهورة ومتواترة النقل في عصر المؤلف السيد بهاء الدين وتناقلها علماء الحلة ، انظر إلى قول السيد في بداية الحكاية ( فمن ذلك ما اشتهر وذاع وملأ البقاع وشهد بالعيان أبناء الزمان وقد حكى ذلك جماعة من الأعيان الأماثل وأهل الصدق الأفاضل ).

__________________

١ ـ انظر : بحار الانوار ج ٥٢ / ص ٧١ ؛ النجم الثاقب ج ٢ / ص ٢١٩.

٦٨

في أحوال راوي الحكاية وعصرها :

أقول : إن راوي الحكاية هو شمس الدين محمد بن قارون الذي لم أجد له ترجمة في كتب الرجال ، فللفائدة والاستدراك على الكتب الرجالية نذكر ترجمته :

قال السيد بهاء الدين : انه من الأعيان وأهل الصدق الأفاضل ، وقال عنه أيضاً الشيخ الزاهد العابد المحقق شمس الدين محمد بن قارون ،(١) المحترم العامل الفاضل(٢) الشيخ العالم الكامل القدوة المقري الحافظ المحمود المعتمرشمس الحق والدين محمد بن قارون.(٣)

وكما قال عنه الشيخ شمس الدين محمد بن قارون السيبي ،(٤) وكما وصفه أيضاً الشيخ عز الدين حسن بن عبد الله بن حسن التغلبي بـ ( الشيخ الصالح محمد بن قارون ) ،(٥) كان حياً سنة ٧٥٩ هـ

فهو يعد من مشايخ السيد بهاء الدين ، يعني أن شمس الدين كان بالقطع مععاصراً للشهيد الأول ( ٧٣٤ ـ ٧٨٦ هـ ) فاذن وجود شمس الدين محمد بن قارون في بداية القرن الثامن الهجري حياً وروايته لهذه الحكاية ، يدل على أن الحكاية وقعت في النصف الأول من هذا

__________________

١ ـ انظر : بحار الأنوار / المجلسي; ، ج ٥٢ / ص ٧١.

٢ ـ انظر : المصدر السابق ص ٧٢.

٣ ـ انظر : جنة المأوى / النوري; ص ٢٠٢.

٤ ـ نسبة إلى ( السيب ) بكسر أوله وسكون ثانيه ، وهو نهر في ذنابة الفرات بقرب الحلة ، وعليه بلد يسمى باسمه.

٥ ـ كتاب الدر النضيد في تعازي الحسين الشهيد نقلا عن رياض العلماء ج ٢ / ص ١١.

٦٩

القرن السالف الذكر والدليل على ذلك الحكاية الثانية التالية والتي يرويها أيضا شمس الدين محمد بن قارون والحاصلة في سنة ٧٤٤ هـ

وهو غير الشيخ الفقيه الصالح شمس الدين محمد بن أحمد بن صالح السيبي القسيني ، تلميذ السيد فخار بن معد الموسوي المجاز منه سنة ٦٣٠ هـ ( وهي سنة وفاة السيد فخار ) وهو صغير لم يبلغ الحلم وأجازه الشيخ والده أحمد سنة ٦٣٥ هـ وأجازه الشيخ محمد بن أبي البركات اليماني الصنعاني سنة ٦٣٦ هـ والمجيز لنجم الدين طومان بن أحمد العاملي سنة ٧٢٨ هـ فإن هذا الشيخ متقدم على الشيخ شمس الدين محمد بن قارون السيبي.(١)

تنبيه لكل نبيه :

قال ابن بطوطة في رحلته ( سافرنا من البصرة فوصلنا إلى مشهد علي ابن ابي طالب رَضي اللهُ عَنه وزرنا ، ثم توجهنا إلى الكوفة فزرنا مسجدها المبارك ثم إلى الحلة حيث مشهد صاحب الزمان واتفق في بعض الأيام أن وليها بعض الامراء فمنع أهلها من التوجه على عادتهم الى مسجد صاحب الزمان وانتظاره هنالك ومنع عنهم الدابة التي كانوا يأخذونها كل ليلة من الأمير فأصابت ذلك الوالي علة مات منها سريعاً فزاد ذلك في فتنة الرافضة وقالوا انما أصابه ذلك لأجل منعه الابة فلم تمنع بعد ).(٢)

أقول : ان كلام ابن بطوطة المتقدم آنفاً هو في زيارته الثانية للحلة ، فابن بطوطة مرَّ في الحلة مرتين الأولى كانت سنة ٧٢٥ هـ في عهد الوالي ( حسن

__________________

١ ـ انظر : الذريعة إلى تصانيف الشيعة / الطهراني; ج ١ / ص ٢٢٩ و ٢٢٠.

٢ ـ انظر : رحلة ابن بطوطة ج ٢ / ص ١٧٤.

٧٠

الجلايري ) والثانية بعد عودته من بلاد الهند والصين والتتر وبينهما عدة سنين ، وأظن ان الوالي المذكور في حكاية أبي راجح الحمامي والمذكور في زيارة ابن بطوطة الثانية واحد باعتبار أن عصر الحكايتين واحد وان الوالي المذكور في الحكايتين كان يؤذي أهل الحلة ( فالأمر ليس أمر انتظار صاحب الزمان ولا أمر الدابة ) ، وقد مات بفعله هذا ، وهذا عن أهل الحلة ليس ببعيد ففيهم بقول أمير المؤمنين7 : ( يظهر بها قوم أخيار لو أقسم أحدهم على الله لأبرقسمه ).(١)

الحكاية الثانية :

حكاية ابن الخطيب وعثمان والمرأة العمياء التي أبصرت

ونقل من ذلك الكتاب عن الشيخ المحترم العامل الفاضل شمس الدين محمد بن قارون المذكور قال :

كان من أصحاب السلاطين المعمر بن شمس يسمى مذوّر ، يضمن القرية المعروفة ببرس ، ووقف العلويين ، وكان له نائب يقال له : ابن الخطيب وغلام يتولّى نفقاته يدعى عثمان ، وكان ابن الخطيب من أهل الصلاح والايمان بالضدّ من عثمان وكانا دائماً يتجادلان ، فاتفق انهما حضرا في مقام ابراهيم الخليل7 بمحضر جماعة من الرّعيّة والعوام فقال ابن الخطيب لعثمان : يا عثمان الان اتضح الحق واستبان ، أنا أكتب على يديّ من أتولاه ، وهم علي والحسي والحسين ، واكتب أنت من تتولاه ابوبكر وعمر وعثمان ، ثم تشدّ يديّ ويدك ، فأيّهما احترقت يده بالنار كان على الباطل ، ومن سلمت يده كان على الحق ، فنكل عثمان ، وأبى أن يفعل ، فأخذ الحاضرون من الرّعيّة

____________

١ ـ انظر : بحار الأنوار المجلسي; ج ٦ / ص ١٢٢.

٧١

والعوان بالعياط عليه ، هذا وكانت ام عثمان مشرفة عليهم تسمع كلامهم فلمّا رأت ذلك لعنت الحضور الذين كانوا يعيّطون على ولدها عثمان وشتمتهم وتهدّدت وبالغت في ذلك فعميت في الحال! فلما أحست بذلك نادت الى رفقائها فصعدن اليها فاذا هي صحيحة العينين! لكن لاترى شيئاً ، فقادوها وأنزلوها ، ومضوا بها الى الحلة وشاع خبرها بين الصحابها وقرائبها وترائبها ، فاحضروا لها الاطباء من بغداد والحلة ، فلم يقدروا لها على شيء ، فقال لها نسوة مؤمنات كنّ أخدانها : ان الذي أعماكِ هو القائم7 فأن تشيعتي وتولّيتي وتبرأتي ( كذا )(١) ضمنّا لك العافية على الله تعالى ، وبدون هذا لا يمكنك الخلاص ، فأذعنت لذلك ورضنبت به ، فلما كانت ليلة الجمعة حملنها حتى أدخلنها القبة الشريفة في مقام صاحب الزمان7 وبتن بأجمعهنّ في باب القبة ، فلما كان ربع الليل فاذا هي قد خرجت عليهنّ وقد ذهب العمى عنها! وهي تقعدهنّ واحدة بعد واحدة وتصف ثيابهنّ وحليَهنَ ، فسررن بذلك ، وحمدنَ الله تعالى على حسن العافية ، وقلن لها : كيف كان ذلك؟! فقالت : لما جعلتنني في القبة وخرجتنّ عني أحسست بيد قد وضعت على يديّ ، وقائل يقول : اخرجي قد عافاك الله تعالى. فانكشف العمى عني ورأيت القبة قد امتلات ونوراً ورأيت الرجل ، فقلت له : من أنت يا سيدي؟ فقال : محمد بن الحسن ، ثم غاب عني ، فقمنَ وخرجنَ الى بيوتهنّ وتشيّع ولدها عثمان وحسن اعتقاده واعتقاد أمه المذكورة ، واشتهرت القصة بين أولئك الأقوام ومن سمع هذا الكلام واعتقد وجود الأمام7 وكان ذلك في سنة أربع واربعين وسبعمائة.(٢)

__________________

١ ـ كذا ورد في المطبوع والاصح ( تشيعتِ وتوليتِ وتبرأتِ ).

٢ ـ انظر : بحار الانوار ج ٥٢ / ص ٧٢ ؛ النجم الثاقب ج ٢ / ص ٢٢٠.

٧٢

أقول : حدثت هذه الكرامة سنة ( ٧٤٤ هـ / ١٣٢٣ م ) وراويها محمد بن قارون المتقدم ذكره وترجمته في الحكاية الأولى من هذا الباب.

وبرس : بضم الباء وسكون الراء والسين المهملة ناحية من ارض بابل وهي بحضرة الصرح ( صرح نمرود بن كنعان ) وهي الآن قرية معروفة بقبل الكوفة وينسب إليها الحافظ رجب البرسي; .

ومقام ابراهيم الخليل7 : موجود الى زماننا هذا ويقع بالحلة في تلك القرية ( تشرفت بزيارته انا عدة مرات ).

لحكاية الثالثة :

حكاية شفاء الشيخ جمال الدين الزهدري

وذكر هناك أيضاً : أي ( في كتاب السلطان المفرج عن أهل الايمان ).

ومن ذلك بتأريخ صفر سنة سبعمائة وتسع وخمسين حكي لي المولى الاجل الامجد العالم الفاضل ، القدوة الكامل ، المحقّق المدقّق ، مجمع الفضائل ومرجع الافاضل ، افتخار العلماء في العالمين ، كمال الملة والدين ، عبد الرحمن ابن العمّاني ( كذا ) ، وكتب بخطه الكريم ، عندي ما صورته :

قال العبد الفقير الى رحمة الله تعالى عبد الرحمن بن ابراهيم القبائقي :(١) اني كنت أسمع في الحلة السيفية حماها الله تعالى ان المولى الكبير المعظم جمال الدين ابن الشيخ الاجل الاوحد الفقيه القاريء نجم الدين جعفر ابن الزاهدري كان به فالج ، فعالجته جدّته لأبيه بعد موت أبيه بكل علاج للفالج فلم يبرأ ، فأشار عليها بعض

__________________

١ ـ هكذا ورد في الاصل والصحيح العتالقي.

٧٣

الاطباء ببغداد فأحضرتهم فعالجوه زماناً طويلاً فلم يبرأ ، وقيل لها :ألا تبيّتينه تحت القبة الشريفة بالحلة المعروفة بمقام صاحب الزمان 7 لعل الله تعالى يعافيه ويبرأه ، ففعلت وبيّتته تحتها وان صاحب الزمان7 أقامه وأزال عنه الفالج.

ثم بعد ذلك حصل بيني وبينه صحبة حتى كّنا لم نكد نفترق ، وكان له دار المعشرة ، يجتمع فيها وجوه أهل الحلة وشبابهم وأولاد الاماثل منهم ، فاستحكيته عن هذه الحكاية ، فقال لي :

إني كنت مفلوجاً وعجز الاطباء عني ، وحكى لي ما كنت اسمعه مستفاضاً في الحلة من قضيته وان الحجة صاحب الزمان7 قال لي : ( وقد أباتتني جدّتي تحت القبة ) :قم.

فقلت : ياسيدي لا أقدر على القيام منذ سنتي ، فقال :قم باذن الله تعالى وأعانني على القيام ، فقمت وزال عني الفالج ( أي شلل الاعضاء ).

وانطبق عليّ الناس حتى كادوا يقتلونني ، وأخذوا ما كان عليّ من الثياب تقطيعاً وتنتيفاً يتبرّكون فيها ، وكساني الناس من ثيابهم ، ورحت الى البيت ، وليس بيّ أثر الفالج ، وبعثت الى الناس ثيابهم ، وكنت أسمعه يحكي ذلك للناس ولمن يستحكيه مراراً حتى مات; .(١)

بحث حول الحكاية :

تاريخ الحكاية : أقول ، إنَّ تاريخ نقل هذه الحكاية هو سنة ( ٧٥٩ هـ ـ ١٢٣٨ م ).

__________________

١ ـ انظر : بحار الانوار ج ٥٢ / ص ٧٣.

٧٤

راوي الحكاية : الشيخ العالم الفاضل المحقق المدقق الفقيه المتبحر كمال الدين عبد الرحمن بن محمد بن ابراهيم ابن العتايقي(١) الحلي الامامي ، كان معاصرا للشهيد الاول; وبعض تلامذة العلامة الحلي; ، وقال البعض انه ادرك العلامة ، وتلمذ على يد نصير الدين علي بن محمد الكاشي تـ ٧٥٥ هـ ، وكان من مشايخ السيد بهاء الدين علي بن عبد الحميد النجفي ، وبروي عن جماعة منهم جمال الدين الزهدري ، توفى بعد سنة ٧٨٨ هـ التي الف فيها كتابه ( الارشاد في معرفة الابعاد ) وهو صاحب التصانيف الكثيرة والموجود بعضها في الخزانة الغروية ، ولا أرى بأماً بايراد اسمائها هنا فله كتاب ( شرح على نهج البلاغة ) وكتاب ( مختصر الجزء الثاني من كتاب الاوائل لأبي هلال العسكري ) وكتاب ( الاعمار ) وكتاب ( الاضداد في اللغة ) وكتاب ( الايضاح والتبيين في شرح منهاج اليقين ) وكتاب ( اختيار حقائق الخللفي دقائق الحيل ) وكتاب ( صفوة الصفوة ) وكتاب ( اختصار كتاب بطليموس ) وكتاب ( الشهدة في شرح معرف الزبدة ) وكتاب ( الايماقي ) وكتاب ( في التفسير وهو مختصر تفسير القمي ) وكتاب ( الارشاد ) و( الرسالة المفيدة لكل طالب مقدار ابعاد الافلاك والكواكب ) وله ( شرح على الجغميني ) وله ( شرح التلويح ) ، وغيرها من الكتب في شبى أنواع العلوم ، وللأسف الشديد ان كتبه لم تر النور.

_________________

١ ـ العتائقي نسبة الى العتائق قرية بقرب الحلة المزيدية ، وليس بالقبائقي كما في نسخ البحار المطبوعه فانه تصحيف ، كما اني لم ارَّ من الرجاليين من ذكرن بابن العماني بل المشهور انه ابن العتائقي ولعلها تصحيف ايضا او من خطأ النساخ.

٧٥

الى الآن مع كثرتها سوى كتابه ( الناسخ والمنسوخ ) فمن قلمنا هذا ندعو دور النشر والتأليف لأخراج كتبه خدمة للمذهب الامامي واحياء لآثار هذا الشيخ الجليل ، وصرح جمع من العلماء كالسيد محسن الأمين; والشيخ عباس القمي; والشيخ اغا بزرك الطهراني بمشاهدة كتبه في الخزانة الغروبة وكتب أخرى لغيره بخط يده ذكر فيها نسبه وتأريخه من ( ٧٣٨ ـ ٧٨٨ هـ ).(١)

صاحب الحكاية : الشيخ جمال الدين بن نجم الدين جعفر الزهدري ، لم أجد له ذكراً في كتب الرجال وانما وقفت على ترجمة والده الاجل الشيخ جعفر الزهدري صاحب كتاب ( ايضاح ترددات الشرائع )(٢) ويظهر من ثناء ابن العتائقي عليهما ، عظيم منزلتهما وجلالتهما.

وبهذه الحكاية انتهى ما أردنا نقله من حكايات كتاب ( السلطان المفرج عن اهل الايمان ).

الحكاية الرابعة :

حكاية ابن ابي الجواد النعماني

قال العالم الفاضل المتبحّر النقّاد الآميرزا عبد الله الاصفهاني الشهير بالافندي في المجلد الخامس من كتاب ( رياض العلماء

__________________

١ ـ انظر : رياض العلماء ج ٣ / ص ١٠٣ ، سفينة البحار ط ج / ج ٢ / ص ١٥٧ ، كذلك الذريعة في اجزائها.

٢ ـ وقد طبع الكتاب في زماننا هذا بجهود العلامة الحجة السيد محمود المرعشي في قم المقدسة وقد رأيت نسخته المطبوعة.

٧٦

وحياض الفضلاء ) في ترجمة الشيخ ابن ابي الجواد النِّعماني(١) انه ممن رأى القائم7 في زمن الغيبة الكبرى ، وروى عنه7 ، ورأيت في بعض المواضع نقلاً عن خط الشيخ زين الدين علي بن الحسن بن محمد الخازن الحائري تلميذ الشهيد انه قد رأى ابن ابي جواد النعماني مولانا المهدي7 فقال له :

يا مولاي لك مقام بالنعمانية ومقام بالحلة ، فأين تكون فيهما؟

فقال له :أكون بالنعمانية ليلة الثلاثاء ويوم الثلاثاء ، ويوم الجمعة وليلة الجمعة أكون بالحلة ولكن أهل الحلة ما يتأدّبون في مقامي ، وما من رجل دخل مقامي بالأدب يتأدّب ويسلم عليّ وعلى الأئمة وصلّى عليّ وعليهم اثني عشر (٢) مرة ثم صلى ركعتين بسورتين ، وناجى الله بهما المناجاة إلاّ اعطاه تعالى ما يسأله احدها المغفرة.

فقلت : يا مولاي علمني ذلك.

فقال : قل« اللهم قد أخذ التأديب مني حتى مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ، وان كان ما اقترفته من الذنوب استحق به أضعاف أضعاف ما أدبتني به ، وأنت حليم ذو اناة تعفو عن كثير حتى يسبق عفوك ورحمتك عذابك » وكررها عليّ ثلاثاً حتى فهمتها(٣) .(٤)

__________________

١ ـ النعمانية : بليدة بناها النعمان بن المنذر وتقع بين واسط وبغداد في نصف الطريق على ضفة دجلة معدودة من اعمال الزاب الاعلى.

٢ ـ هكذا ورد في المطبوع والاصح اثنتي عشرة.

٣ ـ قال المؤلف; : يعني حفظتها.

٤ ـ انظر : النجم الثاقب / النوري; ج ٢ / ص ١٣٨.

٧٧

بحث حول الحكاية :

راوي الحكاية : زين الدين علي بن أبي محمد الحسن بن محمد الخازن الحائري ، تلميذ الشهيد الاول ( ٧٣٤ ـ ٧٨٦ هـ ) وقد أجازه الشهيد الاول سنة ٧٨٤ هـ وهو من مشايخ العلامة أبي العباس أحمد بن فهد الحلي ويروي عنه ، وأجازه في سنة ٧٩١ هـ ويعبر عنه بالشيخ علي الخازن الحائري ، وهو من علماء المائة الثامنة ، قال عنه الشهيد الاول; في إجازته له :

المولى الشيخ العالم التقي الورع المحصل العالم بأعباء العلوم الفائق أولي الفضائل والفهوم زين الدين أبو علي(١)

صاحب الحكاية : ابن أبي الجواد النعماني ، لم أجد له ترجمة في كتب الرجال ، سوى ما ترجمه ناقل الحكاية الافندي; في كتابه رياض العلماء الذي فقد معظم مجلداته ، ويظهر من راوي الحكاية الشيخ علي الخازن الذي هو من تلاميذ الشهيد الاول; أنَّ ابن ابي الجواد من طبقة الشهيد الاول ، أي من تلامذة العلامة الحلي; .

أقول : ولا يبعد اتحاده بالشيخ الفاضل العالم المتكلم عبد الواحد بن الصفي النعماني ، صاحب كتاب ( نهج السداد في شرح رسالة واجب الاعتقاد ) الذي نسبه اليه الكفعمي; في حواشي مصباحه ونؤيد ما قلناه آنفاً قول المتبحر الخيبر الافندي; في كتاب رياض العلماء ج ٣ ص ٢٧٩ قال : » وأظن أنه من تلامذة الشهيد أو تلامذة تلامذته « فلاحظ.

__________________

١ ـ انظر : رسائل الشهيد الاول ص ٣٠٤ وطبقات اعلام الشيعة للطهراني; .

٧٨

أقول : ومن خلال هذه الحكاية نستدل على شهرة المقام في ذلك القرن إذ الرجل من النعمانية ويسأله عن مقامه7 في الحلة ويستدل أيضاً على استحباب زيارة المقام الشريف في الحلة في ليلة الجمعة ويومها لوجود الإمام به ، وربما ينفي الزائر للمقام هذا الكلام ، فنقول له : إن الأمام عجل الله تعالى فرجه الشريف ليس بغائب ولكن هو غائب عمّن هو غائب عن الله.

وعلى أهل الحلة وغيرهم أن يتأدّبوا بمقامه جلّ التأدب ( فلا لاختلاط الرجال بالنساء في المصلى ، ولا لتبرج النساء ، ولا ) مما يصل الى سوء الادب بمحضر نائب الملك العلام ، فان أهل الحلة أشاد بهم أمير المؤمنين7 وأيّ إشادة ، فليكونوا دئاماً مصداق حديث مولاهم ومولاي علي بن أبي طالب7 .

فقد ذكر الشيخ عباس القمي في كتابه وقائع ايام ص (٣٠٢) :

روى أصبغ بن نباتة قال : صحبت مولاي أمير المؤمنين7 عند وروده صفين ، وقد وقف على تل ثم أومأالى أجمة ما بين بابل والتل قال :مدينة وأي مدينة.

فقلت له : يامولاي أراك تذكر مدينة أكان هناك مدينة وانمحت آثارُها؟ فقال7 : لا ولكن ستكون مدينة يقال لها الحلة ( السيفية ) يمدتها رجل من بني أسد يظهر بها قوم أخيار لو أقسم أحدهم على الله لأبرّ قسمه. (١)

* * *

__________________

١ ـ انظر : بحار الانوار ، ٦ / ١٢٢ رواية ٥٥.

٧٩

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

و لا يرد عليه ما قيل: إنّ نزول هذه الآيات كان حيث لا صلاة أصلاً و ذلك أنّ تشريع الفرائض الخمس اليوميّة على ما هي عليها اليوم و إن كان في ليلة المعراج و هي جميعاً عشر ركعات ثمّ زيد عليها سبع ركعات إلّا أنّ أصل الصلاة كان منذ أوائل البعثة كما يشهد به ذكرها في هذه السورة و سورتي العلق و المزّمّل، و يدلّ عليه الروايات.

و قيل: المراد بتطهير الثياب التخلّق بالأخلاق الحميدة و الملكات الفاضلة.

و في معنى تطهير الثياب أقوال اُخر أغمضنا عن نقلها لإمكان إرجاعها إلى بعض ما تقدّم من الوجوه، و أرجح الوجوه المتقدّمة أوّلها و خامسها.

قوله تعالى: ( وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) قيل: الرجز بضمّ الراء و كسرها العذاب، و المراد بهجره هجر سببه و هو الإثم و المعصية، و المعنى اهجر الإثم و المعصية.

و قيل: الرجز اسم لكلّ قبيح مستقذر من الأفعال و الأخلاق فالأمر بهجره أمر بترك كلّ ما يكرهه الله و لا يرتضيه مطلقاً، أو أمر بترك خصوص الأخلاق الرذيلة الذميمة على تقدير أن يكون المراد بتطهير الثياب ترك الذنوب و المعاصي.

و قيل: الرجز هو الصنم فهو أمر بترك عبادة الأصنام.

قوله تعالى: ( وَ لا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ) الّذي يعطيه سياق الآيات و يناسب المقام أن يكون المراد بالمنّ تكدير الصنيعة بذكرها للمنعم عليه كما في قوله تعالى:( لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذى) البقرة: ٢٦٤، و قوله:( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ) الحجرات: ١٧ و المراد بالاستكثار رؤية الشي‏ء و حسبانه كثيراً لا طلب الكثرة.

و المعنى: لا تمنن امتثالك لهذه الأوامر و قيامك بالإنذار و تكبيرك ربّك و تطهيرك ثيابك و هجرك الرجز حال كونك ترى ذلك كثيرا و تعجبه - فإنّما أنت عبد لا تملك من نفسك شيئاً إلّا ما ملّكك الله و أقدرك عليه و هو المالك لما ملّكك و القادر على ما عليه أقدرك فله الأمر و عليك الامتثال -.

١٦١

و للقوم في الآية وجوه اُخر من التفسير لا تلائم السياق تلك الملاءمة فقيل المعنى لا تعط عطيّة لتعطى أكثر منها.

و قيل: المعنى لا تمنن ما أعطاك الله من النبوّة و القرآن على الناس مستكثراً به الأجر.

و قيل: أي لا تمنن إبلاغ الرسالة على اُمتك.

و قيل: المعنى لا تضعف في عملك مستكثراً لطاعاتك.

و قيل: المعنى لا تمنن بعطائك على الناس مستكثراً له.

و قيل: أي إذا أعطيت عطيّة فأعطها لربّك و اصبر حتّى يكون هو الّذي يثيبك.

و قيل: هو نهي عن الربا المحرّم أي لا تعط شيئاً طالباً أن تعطي أكثر ممّا أعطيت.

قوله تعالى: ( وَ لِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ) أي لوجه ربّك، و الصبر مطلق يشمل الصبر عند المصيبة و الصبر على الطاعة و الصبر عن المعصية، و المعنى و لوجه ربّك فاصبر عند ما يصيبك من المصيبة و الأذى في قيامك بالإنذار و امتثالك هذه الأوامر و اصبر على طاعة الله و اصبر عن معصيته، و هذا معنى جامع لمتفرّقات ما ذكروه في تفسير الآية كقول بعضهم: إنّه أمر بنفس الفعل من غير نظر إلى متعلّقه، و قول بعضهم: إنّه الصبر على أذى المشركين، و قول بعضهم: إنّه الصبر على أداء الفرائض، إلى غير ذلك.

١٦٢

( بحث روائي‏)

في الدرّ المنثور، أخرج الطيالسي و عبدالرزّاق و أحمد و عبد بن حميد و البخاريّ و مسلم و الترمذيّ و ابن الضريس و ابن جرير و ابن المنذر و ابن مردويه و ابن الأنباريّ في المصاحف عن يحيى بن أبي كثير قال: سألت أباسلمة بن عبدالرحمن عن أوّل ما نزل من القرآن فقال: يا أيّها المدّثّر قلت: يقولون:( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) ؟ فقال أبوسلمة: سألت جابر بن عبدالله عن ذلك، قلت له مثل ما قلت. قال جابر: لا اُحدّثك إلّا ما حدّثنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال: جاورت بحراء فلمّا قضيت جواري نوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئاً و نظرت عن شمالي فلم أر شيئاً، و نظرت خلفي فلم أر شيئاً فرفعت رأسي فإذا الملك الّذي جاءني بحراء جالس على كرسيّ بين السماء و الأرض فجثت منه رعبا فرجعت فقلت: دثّروني دثّروني فنزلت:( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ - إلى قوله -وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) .

أقول: الحديث معارض بالأحاديث الآخر الدالّة على كون سورة اقرأ أوّل ما نزل من القرآن و يؤيّدها سياق سورة اقرأ، على أنّ قوله:( فإذا الملك الّذي جاءني بحراء) يشعر بنزول الوحي عليه قبلاً.

و فيه، أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة: قلنا: يا رسول الله كيف نقول إذا دخلنا في الصلاة؟ فأنزل الله( وَ رَبَّكَ فَكَبِّرْ ) فأمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن نفتتح الصلاة بالتكبير.

أقول: و في الرواية شي‏ء فأبو هريرة ممّن آمن بعد الهجرة بكثير و السورة ممّا نزل في أوّل البعثة فأين كان أبوهريرة أو الصحابة يومئذ؟.

و في الخصال، عن أميرالمؤمنينعليه‌السلام في حديث الأربعمائة: تشمير الثياب طهور لها قال الله تبارك و تعالى:( وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) يعني فشمّر.

١٦٣

أقول: و في المعنى عدّة أخبار مرويّة في الكافي، و المجمع، عن أبي جعفر و أبي عبدالله و أبي الحسنعليهم‌السلام .

و في الدرّ المنثور، أخرج الحاكم و صحّحه و ابن مردويه عن جابر قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول:( وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) برفع الراء، و قال: هي الأوثان.

أقول: و قوله:( هي الأوثان) من كلام جابر أو غيره من رجال السند.

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( وَ لا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ) و في رواية أبي الجارود يقول: لا تعط تلتمس أكثر منها.

١٦٤

( سورة المدّثّر الآيات ٨ - ٣١)

فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ ( ٨ ) فَذَٰلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ ( ٩ ) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ ( ١٠ ) ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ( ١١ ) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا ( ١٢ ) وَبَنِينَ شُهُودًا ( ١٣ ) وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا ( ١٤ ) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ ( ١٥ ) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا ( ١٦ ) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا ( ١٧ ) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ( ١٨ ) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ( ١٩ ) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ( ٢٠ ) ثُمَّ نَظَرَ ( ٢١ ) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ( ٢٢ ) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ ( ٢٣ ) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ ( ٢٤ ) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ ( ٢٥ ) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ( ٢٦ ) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ ( ٢٧ ) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ ( ٢٨ ) لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ ( ٢٩ ) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ( ٣٠ ) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ ( ٣١ )

١٦٥

( بيان‏)

في الآيات وعيد شديد للطاعنين في القرآن الرامين له بأنّه سحر و المستهزئين لبعض ما فيه من الحقائق.

قوله تعالى: ( فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ ) النقر القرع و الناقور ما ينقر فيه للتصويت، و النقر في الناقور كالنفخ في الصور كناية عن بعث الموتى و إحضارهم لفصل القضاء يوم القيامة و الجملة شرطيّة جزاؤها قوله:( فذلك ) إلخ.

قوله تعالى: ( فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ ) الإشارة بقوله:( فَذلِكَ ) إلى زمان نقر الناقور و لا يبعد أن يكون المراد بيومئذ يوم إذ يرجعون إلى الله للحساب و الجزاء أو يوم إذ يرجع الخلائق إلى الله فيكون ظرفاً ليوم نقر الناقور فمن الجائز أن تعتبر قطعة من الزمان ظرفاً لبعض أجزائه كالسنة تجعل ظرفاً للشهر و الشهر يجعل ظرفاً لليوم لنوع من العناية أو يعتبر زمان متعدّداً مختلفاً باختلاف صفاته أو الحوادث الواقعة فيه ثمّ يجعل باعتبار بعض صفاته ظرفاً لنفسه باعتبار صفة اُخرى.

و المعنى فزمان نقر الناقور الواقع في يوم رجوع الخلائق إلى الله زمان عسير على الكافرين أو زمان نقر الناقور زمان عسير على الكافرين في يوم الرجوع - بناء على كون قوله:( يَوْمَئِذٍ ) قيداً لقوله:( فَذلِكَ ) أو لقوله:( يَوْمٌ ) -.

و قال في الكشّاف: فإن قلت: بم انتصب إذا و كيف صحّ أن يقع يومئذ ظرفاً ليوم عسير؟ قلت: انتصب إذا بما دلّ عليه الجزاء لأنّ المعنى إذا نقر في الناقور عسر الأمر على الكافرين، و الّذي أجاز وقوع يومئذ ظرفاً ليوم عسير أنّ المعنى فذلك وقت النقر وقوع يوم عسير لأنّ يوم القيامة يأتي و يقع حين ينقر في الناقور. انتهى.

و قال: و يجوز أن يكون يومئذ مبنيّاً مرفوع المحلّ بدلاً من ذلك، و يوم عسير خبر كأنّه قيل: فيوم النقر يوم عسير. انتهى.

١٦٦

و قوله:( غَيْرُ يَسِيرٍ ) وصف آخر ليوم مؤكّد لعسره و يفيد أنّه عسير من كلّ وجه من وجه دون وجه.

قوله تعالى: ( ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً ) كلمة تهديد و قد استفاض النقل أنّ الآية و ما يتلوها إلى تمام عشرين آية نزلت في الوليد بن المغيرة، و ستأتي قصّته في البحث الروائيّ الآتي إن شاء الله تعالى.

و قوله:( وَحِيداً ) حال من فاعل( خَلَقْتُ ) و محصّل المعنى: دعني و من خلقته حال كوني وحيداً لا يشاركني في خلقه أحد ثمّ دبّرت أمره أحسن التدبير، و لا تحل بيني و بينه فأنا أكفيه.

و من المحتمل أن يكون حالاً من مفعول( ذَرْنِي ) . و قيل: حال من مفعول خلقت المحذوف و هو ضمير عائد إلى الموصول، و محصّل المعنى دعني و من خلقته حال كونه وحيداً لا مال له و لا بنون، و احتمل أيضاً أن يكون( وَحِيداً ) منصوباً بتقدير( أذم) و أحسن الوجوه أوّلها.

قوله تعالى: ( وَ جَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً ) أي مبسوطاً كثيراً أو ممدوداً بمدد النماء.

قوله تعالى: ( وَ بَنِينَ شُهُوداً ) أي حضوراً يشاهدهم و يتأيّد بهم، و هو عطف على قوله:( مالًا ) .

قوله تعالى: ( وَ مَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً ) التمهيد التهيئة و يتجوّز به عن بسطة المال و الجاه و انتظام الاُمور.

قوله تعالى: ( ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً ) أي ثمّ يطمع أن أزيد فيما جعلت له من المال و البنين و مهّدت له من التمهيد.

و قوله:( كَلَّا ) ردع له، و قوله:( إِنَّهُ كانَ ) إلخ تعليل المردع، و العنيد المعاند المباهي بما عنده، قيل، ما زال الوليد بعد نزول هذه الآية في نقصان من ماله و ولده حتّى هلك.

١٦٧

قوله تعالى: ( سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً ) الإرهاق الغشيان بالعنف، و الصعود عقبة الجبل الّتي يشقّ مصعدها شبّه ما سيناله من سوء الجزاء و مرّ العذاب بغشيانه عقبة وعر صعبة الصعود.

قوله تعالى: ( إِنَّهُ فَكَّرَ وَ قَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ) التفكير معروف، و التقدير عن تفكير نظم معان و أوصاف في الذهن بالتقديم و التأخير و الوضع و الرفع لاستنتاج غرض مطلوب، و قد كان الرجل يهوى أن يقول في أمر القرآن شيئاً يبطل به

دعوته و يرضي به قومه المعاندين ففكّر فيه أ يقول: شعر أو كهانة أو هذرة جنون أو أسطورة فقدّر أن يقول: سحر من كلام البشر لأنّه يفرّق بين المرء و أهله و ولده و مواليه.

و قوله:( فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ) دعا عليه على ما يعطيه السياق نظير قوله:( قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) التوبة: ٣٠.

و قوله:( ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ) تكرار للدعاء تأكيداً.

قوله تعالى: ( ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَ بَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَ اسْتَكْبَرَ فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ ) تمثيل لحاله بعد التكفير و التقدير و هو من ألطف التمثيل و أبلغه.

فقوله:( ثُمَّ نَظَرَ ) أي ثمّ نظر بعد التفكير و التقدير نظرة من يريد أن يقضي في أمر سئل أن ينظر فيه - على ما يعطيه سياق التمثيل -.

و قوله:( ثُمَّ عَبَسَ وَ بَسَرَ ) العبوس تقطيب الوجه، قال في المجمع: و عبس يعبس عبوساً إذا قبض وجهه و العبوس و التكليح و التقطيب نظائر و ضدّها الطلاقة و البشاشة، و قال: و البسور بدء التكرّه في الوجه انتهى، فالمعنى ثمّ قبض وجهه و أبداً التكرّه في وجهه بعد ما نظر.

و قوله:( ثُمَّ أَدْبَرَ وَ اسْتَكْبَرَ ) الإدبار عن شي‏ء الإعراض عنه، و الاستكبار الامتناع كبراً و عتوّاً، و الأمران أعني الإدبار و الاستكبار من الأحوال الروحيّة، و إنّما رتّبا في التمثيل على النظر و العبوس و البسور و هي أحوال صوريّة محسوسة لظهورهما

١٦٨

بقوله:( إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ ) إلخ، و لذا عطف قوله:( فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ ) بالفاء دون( ثُمَّ ) .

و قوله:( فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ ) أي أظهر إدباره و استكباره بقوله مفرّعاً عليه:( إِنْ هذا - أي القرآن -إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ ) أي يروي و يتعلّم من السحرة.

و قوله:( إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ ) أي ليس بكلام الله كما يدّعيه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قيل: إنّ هذه الآية كالتأكيد للآية السابقة و إن اختلفتا معنى لأنّ المقصود منهما نفي كونه قرآناً من كلام الله، و باعتبار الاتّحاد في المقصود لم تعطف الجملة على الجملة.

قوله تعالى: ( سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَ ما أَدْراكَ ما سَقَرُ لا تُبْقِي وَ لا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ ) أي ساُدخله سقر و سقر من أسماء جهنّم في القرآن أو دركة من دركاتها، و جملة( سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ) بيان أو بدل من قوله:( سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً ) .

و قوله:( وَ ما أَدْراكَ ما سَقَرُ ) تفخيم لأمرها و تهويل.

و قوله:( لا تُبْقِي وَ لا تَذَرُ ) قضيّة إطلاق النفي أن يكون المراد أنّها لا تبقي شيئاً ممّن نالته إلّا أحرقته، و لا تدع أحداً ممّن اُلقي فيها إلّا نالته بخلاف نار الدنيا الّتي ربّما تركت بعض ما اُلقي فيها و لم تحرقه، و إذا نالت إنساناً مثلاً نالت جسمه و صفاته الجسميّة و لم تنل شيئاً من روحه و صفاته الروحيّة، و أمّا سقر فلا تدع أحداً ممّن اُلقي فيها إلّا نالته قال تعالى:( تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلَّى ) المعارج: ١٧، و إذا نالته لم تبق منه شيئاً من روح أو جسم إلّا أحرقته قال تعالى:( نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ) الهمزة: ٧.

و يمكن أن يراد أنّها لا تبقيهم أحياء و لا تتركهم يموتون فيكون في معنى قوله تعالى:( الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى‏ ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى) الأعلى: ١٣.

و قيل: المعنى لا تبقي شيئاً يلقى فيها إلّا أهلكته، و إذا هلك لم تذره هالكاً

١٦٩

حتّى يعاد فيعذّب ثانياً.

و قيل: المراد أنّها لا تبقي لهم لحماً و لا تذر عظماً، و قيل غير ذلك.

قوله تعالى: ( لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ ) اللوّاحة من التلويح بمعنى تغيير اللون إلى السواد و قيل: إلى الحمرة، و البشر جمع بشرة بمعنى ظاهر الجلد.

قوله تعالى: ( عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ ) يتولّون أمر عذاب المجرمين و قد اُبهم و لم يصرّح أنّهم من الملائكة أو غيرهم غير أنّ المستفاد من آيات القيامة - و تصرّح به الآية التالية - أنّهم من الملائكة.

و قد استظهر بعضهم أنّ مميّز قوله:( تِسْعَةَ عَشَرَ ) ملكاً ثمّ قال: أ لا ترى العرب و هم الفصحاء كيف فهموا منه ذلك فقد روي عن ابن عبّاس: أنّها لمّا نزلت( عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ ) قال أبوجهل لقريش: ثكلتكم اُمّهاتكم أ سمع ابن أبي كبشة يخبركم أنّ خزنة النار تسعة عشر و أنتم الدهم أ يعجز كلّ عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم؟ فقال أبو الأسد بن أسيد بن كلدة الجمحيّ و كان شديد البطش: أنا أكفيكم سبعة عشر فاكفوني أنتم اثنين انتهى، و أنت ترى أن لا دليل في كلامه على ما يدّعيه. على أنّه سمّي الواحد من الخزنة رجلاً و لا يطلق الرجل على الملك البتّة و لا سيمّا عند المشركين الّذين قال تعالى فيهم:( وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً ) الزخرف: ١٩.

قوله تعالى: ( وَ ما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً ) إلى آخر الآية. سياق الآية يشهد على أنّهم تكلّموا فيما ذكر في الآية من عدد خزّان النار فنزلت هذه الآية، و يتأيّد بذلك ما ورد من سبب النزول و سيوافيك في البحث الروائيّ التالي.

فقوله:( وَ ما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً ) المراد بأصحاب النار خزنتها الموكّلون عليها المتولّون لتعذيب المجرمين فيها كما يفيده قوله:( عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ ) و يشهد بذلك قوله بعد:( وَ ما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً ) إلخ.

و محصّل المعنى: أنّا جعلناهم ملائكة يقدرون على ما اُمروا به كما قال:

١٧٠

( عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) التحريم: ٦.

فليسوا من البشر حتّى يرجوا المجرمون أن يقاوموهم و يطيقوهم.

و قوله:( وَ ما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ) الفتنة المحنة و الاختبار. ذكروا أنّ المراد بالجعل الجعل بحسب الإخبار دون الجعل بحسب التكوين فالمعنى و ما أخبرنا عن عدّتهم أنّها تسعة عشر إلّا ليكون فتنة للّذين كفروا، و يؤيّده ذيل الكلام:( لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ) إلخ.

و قوله:( لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ) الاستيقان وجدان اليقين في النفس أي ليوقن أهل الكتاب بأنّ القرآن النازل عليك حقّ حيث يجدون ما أخبرنا به من عدّة أصحاب النار موافقاً لما ذكر فيما عندهم من الكتاب.

و قوله:( وَ يَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً ) أي بسبب ما يجدون من تصديق أهل الكتاب ذلك.

و قوله:( وَ لِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلًا ) اللّام في( لِيَقُولَ ) للعاقبة بخلاف اللّام في( لِيَسْتَيْقِنَ ) فللتعليل بالغاية، و الفرق أنّ قولهم:( ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلًا ) تحقير و تهكّم و هو كفر لا يعدّ غاية لفعله سبحانه إلّا بالعرض بخلاف الاستيقان الّذي هو من الإيمان، و لعلّ اختلاف المعنيين هو الموجب لإعادة اللّام في قوله:( وَ لِيَقُولَ ) .

و قد فسّروا( الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) بالشّكّ و الجحود بالمنافقين و فسّروا الكافرين بالمتظاهرين بالكفر من المشركين و غيرهم.

و قولهم:( ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلًا ) أرادوا به التحقير و التهكّم يشيرون بهذا إلى قوله تعالى:( عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ ) و المثل الوصف، و المعنى ما الّذي يعنيه من وصف الخزنة بأنّهم تسعة عشر؟ فهذه العدّة القليلة كيف تقوى على تعذيب أكثر الثقلين من الجنّ و الإنس؟

١٧١

( ذنابة لما تقدّم من الكلام في النفاق‏)

ذكر بعضهم أنّ قوله تعالى:( وَ لِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) الآية - بناء على أنّ السورة بتمامها مكّيّة، و أنّ النفاق إنّما حدث بالمدينة - إخبار عمّا سيحدث من المغيّبات بعد الهجرة انتهى.

أمّا كون السورة بتمامها مكّيّة فهو المتعيّن من طريق النقل و قد ادّعي عليه إجماع المفسّرين، و ما نقل عن مقاتل أنّ قوله:( وَ ما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً ) الآية مدنيّ لم يثبت من طريق النقل، و على فرض الثبوت هو قول نظري مبنيّ على حدوث النفاق بالمدينة و الآية تخبر عنه.

و أمّا حديث حدوث النفاق بالمدينة فقد أصرّ عليه بعضهم محتجّاً عليه بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و المسلمين لم يكونوا قبل الهجرة من القوّة و نفوذ الأمر و سعة الطول بحيث يهابهم الناس أو يرجى منهم خير حتّى يتّقوهم و يظهروا لهم الإيمان و يلحقوا بجمعهم مع إبطان الكفر و هذا بخلاف حالهم بالمدينة بعد الهجرة.

و الحجّة غير تامّة - كما أشرنا إليه في تفسير سورة المنافقون في كلام حول النفاق - فإنّ علل النفاق ليست تنحصر في المخافة و الاتّقاء أو الاستدرار من خير معجّل فمن علله الطمع و لو في نفع مؤجّل و منها العصبيّة و الحميّة و منها استقرار العادة و منها غير ذلك.

و لا دليل على انتفاء جميع هذه العلل عن جميع من آمن بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكّة قبل الهجرة و قد نقل عن بعضهم أنّه آمن ثمّ رجع أو آمن عن ريب ثمّ صلح.

على أنّه تعالى يقول:( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ وَ لَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَ وَ لَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ وَ لَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ ) العنكبوت: ١١.

و الآيتان في سورة مكّيّة و هي سورة العنكبوت، و هما ناطقتان بوجود النفاق فيها و مع الغضّ عن كون السورة مكّيّة فاشتمال الآية على حديث الإيذاء في الله

١٧٢

و الفتنة أصدق شاهد على نزول الآيتين بمكّة فلم يكن بالمدينة إيذاء في الله و فتنة، و اشتمال الآية على قوله:( وَ لَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ ) إلخ لا يدلّ على النزول بالمدينة فللنصر مصاديق اُخرى غير الفتح المعجّل.

و احتمال أن يكون المراد بالفتنة ما وقعت بمكّة بعد الهجرة غير ضائر فإنّ هؤلاء المفتونين بمكّة بعد الهجرة إنّما كانوا من الّذين آمنوا بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل الهجرة و إن اُوذوا بعدها.

و على مثل ذلك ينبغي أن يحمل قوله تعالى:( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى‏ حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى‏ وَجْهِهِ ) الحجّ: ١١ إن كان المراد بالفتنة العذاب و إن كانت السورة مدنيّة.

و قوله:( كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) الإشارة بذلك إلى مضمون قوله:( وَ ما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً ) إلخ.

و قوله:( وَ ما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ) علّق تعالى العلم المنفيّ بالجنود - و هي الجموع الغليظة الّتي خلقهم وسائط لإجراء أوامره - لا بخصوص عدّتهم فأفاد بإطلاقه أنّ العلم بحقيقتهم و خصوصيّات خلقتهم و عدّتهم و ما يعملونه من عمل و دقائق الحكمة في جميع ذلك يختصّ به تعالى لا يشاركه فيه أحد، فليس لأحد أن يستقلّ عدّتهم أو يستكثر أو يطعن في شي‏ء ممّا يرجع إلى صفاتهم و هو جاهل بها.

و قوله:( وَ ما هِيَ إِلَّا ذِكْرى‏ لِلْبَشَرِ ) الضمير راجع إلى ما تقدّم من قوله:( عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ ) و تأنيثه لتأنيث الخبر، و المعنى أنّ البشر لا سبيل لهم إلى العلم بجنود ربّك و إنّما أخبرنا عن خزنة النار أنّ عدّتهم تسعة عشر ليكون ذكرى لهم يتّعظون بها.

و قيل: الضمير للجنود، و قيل: لسقر، و قيل للسورة، و قيل: لنار الدنيا و هو أسخف الأقوال.

و في الآية دلالة على أنّ الخطابات القرآنيّة لعامّة البشر.

١٧٣

( بحث روائي‏)

في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ - إلى قوله -وَحِيداً ) فإنّها نزلت في الوليد بن المغيرة و كان شيخاً كبيراً مجرّباً من دهاة العرب، و كان من المستهزئين برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقعد في الحجر و يقرأ القرآن فاجتمعت قريش إلى الوليد بن المغيرة فقالوا: يا أبا عبد شمس ما هذا الّذي يقول محمّد؟ أ شعر هو أم كهانة أم خطب؟ فقال: دعوني أسمع كلامه فدنا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا محمّد أنشدني من شعرك قال: ما هو شعر و لكنّه كلام الله الّذي ارتضاه لملائكته و أنبيائه و رسله فقال: اُتل عليّ منه شيئاً!

فقرأ عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حم السجدة فلمّا بلغ قوله:( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَ ثَمُودَ ) قال: فاقشعرّ الوليد و قامت كلّ شعرة في رأسه و لحيته، و مرّ إلى بيته و لم يرجع إلى قريش من ذلك.

فمشوا إلى أبي جهل فقالوا: يا أبا الحكم إنّ أبا عبد شمس صبا إلى دين محمّد أ ما تراه لم يرجع إلينا فغدا أبو جهل إلى الوليد فقال: يا عمّ نكست رؤسنا و فضحتنا و أشمتّ بنا عدوّنا و صبوت إلى دين محمّد، فقال: ما صبوت إلى دينه و لكنّي سمعت كلاماً صعباً تقشعرّ منه الجلود فقال له أبوجهل: أ خطب هو؟ قال: لا إنّ الخطب كلام متّصل و هذا كلام منثور و لا يشبه بعضه بعضاً. قال: أ فشعر هو؟ قال: لا أمّا إنّي لقد سمعت أشعار العرب بسيطها و مديدها و رملها و رجزها و ما هو بشعر. قال: فما هو؟ قال: دعني اُفكّر فيه.

فلمّا كان من الغد قالوا له: يا أعبد شمس ما تقول فيما قلناه؟ قال: قولوا: هو سحر فإنّه آخذ بقلوب الناس فأنزل على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك:( ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً ) .

١٧٤

و إنّما سمّي وحيداً لأنّه قال لقريش: أنا أتوحّد لكسوة البيت سنة و عليكم في جماعتكم سنة، و كان له مال كثير و حدائق، و كان له عشر بنين بمكّة، و كان له عشرة عبيد عند كلّ عبد ألف دينار يتّجر بها و تلك القنطار في ذلك الزمان، و يقال: إنّ القنطار جلد ثور مملوّء ذهباً.

و في الدرّ المنثور، أخرج الحاكم و صحّحه و البيهقيّ في الدلائل من طريق عكرمة عن ابن عبّاس أنّ الوليد بن المغيرة جاء إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقرأ عليه القرآن فكأنّه رقّ له فبلغ ذلك أباجهل فأتاه فقال: يا عمّ إنّ قومك يريدون أن يجعلوا لك مالاً ليعطوه لك فإنّك أتيت محمّداً لتصيب ممّا عنده. قال: قد علمت قريش أنّي من أكثرها مالاً.

قال: فقل فيه قولاً يبلغ قومك أنّك منكر أو أنّك كاره له، قال: و ما ذا أقول فوالله ما فيكم رجل أعلم بالشعر منّي لا برجزه و لا بقصيده و لا بأشعار الجنّ و الله ما يشبه الّذي يقول شيئاً من هذا، و و الله إنّ لقوله الّذي يقوله حلاوة و إنّ عليه لطلاوة، و إنّه لمثمر أعلاه، و مغدق أسفله، و إنّه ليعلو و لا يعلى، و إنّه ليحطم ما تحته.

قال: لا يرضى عنك قومك حتّى تقول فيه قال: دعني حتّى اُفكّر فلمّا فكّر قال ما هو إلّا سحر يؤثر يأثره عن غيره فنزلت:( ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً ) .

و في المجمع، روى العيّاشيّ بإسناده عن زرارة و حمران و محمّد بن مسلم عن أبي عبدالله و أبي جعفرعليهما‌السلام أنّ الوحيد ولد الزنا. قال زرارة: ذكر لأبي جعفرعليه‌السلام عن أحد بني هشام أنّه قال في خطبته: أنا ابن الوحيد فقال: ويله لو علم ما الوحيد ما فخر بها فقلنا له، و ما هو؟ قال، من لا يعرف له أب.

و في الدرّ المنثور، أخرج أحمد و ابن المنذر و الترمذيّ و ابن أبي الدنيا في صفة النار و ابن جرير و ابن أبي حاتم و ابن حيّان و الحاكم و صحّحه و البيهقيّ في البعث

١٧٥

عن أبي سعيد الخدريّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال، الصعود جبل في النار يصعد فيه الكافر سبعين خريفاً ثمّ يهوي و هو كذلك فيه أبداً.

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى،( ثُمَّ عَبَسَ ) قال، عبس وجهه( وَ بَسَرَ ) قال، ألقى شدقه(١) .

____________________

(١) زاوية الفم.

١٧٦

( سورة المدّثّر الآيات ٣٢ - ٤٨)

كَلَّا وَالْقَمَرِ ( ٣٢ ) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ ( ٣٣ ) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ ( ٣٤ ) إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ ( ٣٥ ) نَذِيرًا لِّلْبَشَرِ ( ٣٦ ) لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ( ٣٧ ) كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ( ٣٨ ) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ ( ٣٩ ) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ ( ٤٠ ) عَنِ الْمُجْرِمِينَ ( ٤١ ) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ( ٤٢ ) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ( ٤٣ ) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ( ٤٤ ) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ( ٤٥ ) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ( ٤٦ ) حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ ( ٤٧ ) فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ( ٤٨ )

( بيان‏)

في الآيات تنزيه للقرآن الكريم عمّا رموه به، و تسجيل أنّه إحدى الآيات الإلهيّة الكبرى فيه إنذار البشر كافّة و في اتّباعه فكّ نفوسهم عن رهانة أعمالهم الّتي تسوقهم إلى سقر.

قوله تعالى: ( كَلَّا ) ردع و إنكار لما تقدّم قال في الكشّاف: إنكار بعد أن جعلها ذكرى أن يكون لهم ذكرى لأنّهم لا يتذكّرون، أو ردع لمن ينكر أن يكون إحدى الكبر نذيراً. انتهى. فعلى الأوّل إنكار لما تقدّم و على الثاني ردع لما سيأتي، و هناك وجه آخر سيوافيك.

قوله تعالى: ( وَ الْقَمَرِ وَ اللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ وَ الصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ ) قسم بعد قسم، و إدبار الليل مقابل إقباله، و إسفار الصبح انجلاؤه و انكشافه.

١٧٧

قوله تعالى: ( إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ ) ذكروا أنّ الضمير لسقر، و الكبر جمع كبري، و المراد بكون سقر إحدى الكبر أنّها إحدى الدواهي الكبر لا يعادلها غيرها من الدواهي كما يقال: هو أحد الرجال أي لا نظير له بينهم، و الجملة جواب للقسم.

و المعنى اُقسم بكذا و كذا إنّ سقر لإحدى الدواهي الكبر - أكبرها - إنذاراً للبشر.

و لا يبعد أن يكون( كَلَّا ) ردعاً لقوله في القرآن:( إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ ) و يكون ضمير( إِنَّها ) للقرآن بما أنّه آيات أو من باب مطابقة اسم إنّ لخبرها.

و المعنى: ليس كما قال اُقسم بكذا و كذا أنّ القرآن - آياته - لإحدى الآيات الإلهيّة الكبرى إنذاراً للبشر.

و قيل: الجملة( إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ ) تعليل للردع، و القسم معترض للتأكيد لا جواب له أو جوابه مقدّر يدلّ عليه كلّا.

قوله تعالى: ( نَذِيراً لِلْبَشَرِ ) مصدر بمعنى الإنذار منصوب للتمييز، و قيل: حال ممّا يفهم من سياق قوله:( إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ ) أي كبرت و عظمت حالكونها إنذاراً أي منذرة.

و قيل فيه وجوه اُخر لا يعبأ بها كقول بعضهم: إنّه صفة للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و الآية متّصلة بأوّل السورة و التقدير قم نذيراً للبشر فأنذر، و قول بعضهم: صفة له تعالى.

قوله تعالى: ( لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ) تعميم للإنذار و( لِمَنْ شاءَ ) بدل من البشر، و( أَنْ يَتَقَدَّمَ ) إلخ مفعول( شاءَ ) و المراد بالتقدّم و التأخّر: الاتّباع للحقّ و مصداقه الإيمان و الطاعة، و عدم الاتّباع و مصداقه الكفر و المعصية.

و المعنى: نذيراً لمن اتّبع منكم الحقّ و لمن لم يتّبع أي لجميعكم من غير استثناء.

و قيل:( أَنْ يَتَقَدَّمَ ) في موضع الرفع على الابتداء و( لِمَنْ شاءَ ) خبره كقولك لمن توضّأ أن يصلّي، و المعنى مطلق لمن شاء التقدّم أو التأخّر أن يتقدّم أو يتأخّر، و

١٧٨

هو كقوله.( فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ ) و المراد بالتقدّم و التأخّر السبق إلى الخير و التخلّف عنه انتهى.

قوله تعالى: ( كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) الباء بمعنى مع أو للسببيّة أو للمقابلة و( رَهِينَةٌ ) بمعنى الرهن على ما ذكره الزمخشريّ قال في الكشّاف: رهينة ليست بتأنيث رهين في قوله:( كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ ) لتأنيث النفس لأنّه لو قصدت لقيل: رهين لأنّ فعيلاً بمعنى مفعول يستوي فيه المذكّر و المؤنّث، و إنّما هي اسم بمعنى الرهن كالشتيمة بمعنى الشتم كأنّه قيل: كلّ نفس بما كسبت رهن. انتهى.

و كأنّ العناية في عدّ كلّ نفس رهينة أنّ لله عليها حقّ العبوديّة بالإيمان و العمل الصالح فهي رهينة محفوظة محبوسة عند الله حتّى توفّي دينه و تؤدّي حقّه تعالى فإن آمنت و صلحت فكّت و اُطلقت، و إن كفرت و أجرمت و ماتت على ذلك كانت رهينة محبوسة دائماً، و هذا غير كونها رهين عملها ملازمة لما اكتسبت من خير و شرّ كما تقدّم في قوله تعالى:( كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ ) الطور: ٢١.

و الآية في مقام بيان وجه التعميم المستفاد من قوله:( نَذِيراً لِلْبَشَرِ لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ) فإنّ كون النفس الإنسانيّة رهينة بما كسبت يوجب على كلّ نفس أن تتّقي النار الّتي ستحبس فيها إن أجرمت و لم تتّبع الحقّ.

قوله تعالى: ( إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ ) هم الّذين يؤتون كتابهم بأيمانهم يوم الحساب و هم أصحاب العقائد الحقّة و الأعمال الصالحة من متوسّطي المؤمنين، و قد تكرّر ذكرهم و تسميتهم بأصحاب اليمين في مواضع من كلامه تعالى، و على هذا فالاستثناء متّصل.

و المتحصّل من مجموع المستثنى منه و المستثنى انقسام النفوس ذوات الكسب إلى نفوس رهينة بما كسبت و هي نفوس المجرمين، و نفوس مفكوكة من الرهن مطلقة و هي نفوس أصحاب اليمين، و أمّا السابقون المقرّبون و هم الّذين ذكرهم الله في مواضع من كلامه و عدّهم ثالثة الطائفتين و غيرهما كما في قوله تعالى:( وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً

١٧٩

- إلى أن قال -وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) الواقعة: ١١، فهؤلاء قد استقرّوا في مستقرّ العبوديّة لا يملكون نفساً و لا عمل نفس فنفوسهم لله و كذلك أعمالهم فلا يحضرون و لا يحاسبون قال تعالى:( فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ ) الصافّات: ١٢٨، فهم خارجون عن المقسم رأساً.

و عن بعضهم تفسير أصحاب اليمين بالملائكة، و عن بعضهم التفسير بأطفال المسلمين و عن بعضهم أنّهم الّذين كانوا عن يمين آدم يوم الميثاق، و عن بعضهم أنّهم الّذين سبقت لهم من الله الحسنى، و هي وجوه ضعيفة غير خفيّة الضعف.

قوله تعالى: ( فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ) ( فِي جَنَّاتٍ ) خبر لمبتدإ محذوف و تنوين جنّات للتعظيم، و التقدير هم في جنّات لا يدرك وصفها، و يمكن أن يكون حالاً من أصحاب اليمين.

و قوله:( يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ) أي يتساءل جمعهم عن جمع المجرمين.

و قوله:( ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ) أي ما أدخلكم في سقر بيان لتساؤلهم من بيان الجملة بالجملة، أو بتقدير القول أي قائلين ما سلككم في سقر.

قوله تعالى: ( قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ) ضمير الجمع للمجرمين، و المراد بالصلاة التوجّه العبادي الخاصّ إلى الله سبحانه فلا يضرّه اختلاف الصلاة كمّاً و كيفاً باختلاف الشرائع السماويّة الحقّة.

قوله تعالى: ( وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ) المراد بإطعام المسكين الإنفاق على فقراء المجتمع بما يقوم به صلبهم و يرتفع به حاجتهم، و إطعام المسكين إشارة إلى حقّ الناس عملاً كما أنّ الصلاة إشارة إلى حقّ الله كذلك.

قوله تعالى: ( وَ كُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ ) المراد بالخوض الاشتغال بالباطل قولاً أو فعلاً و الغور فيه.

قوله تعالى: ( وَ كُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ) و هو يوم الجزاء فهذه خصال أربع من طبع المجرم أن يبتلي بها كلّاً أو بعضاً، و لمّا كان المجيب عن التساؤل جمع المجرمين صحّت نسبة الجميع إلى الجميع و إن كان بعضهم مبتلى ببعضها دون بعض.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568