الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢٠

الميزان في تفسير القرآن10%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 568

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 219963 / تحميل: 7014
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢٠

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

و قد أسقط تعالى في قوله:( وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ ) الوسائط كلّها و نسب سقيهم إلى نفسه، و هذا أفضل ما ذكره الله تعالى من النعيم الموهوب لهم في الجنّة، و لعلّه من المزيد المذكور في قوله:( لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَ لَدَيْنا مَزِيدٌ ) ق: ٣٥.

قوله تعالى: ( إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ) حكاية ما يخاطبون به من عنده تعالى عند توفيته أجرهم أو بحذف القول و التقدير و يقال لهم: إنّ هذا كان لكم جزاء إلخ.

و قوله:( وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ) إنشاء شكر لمساعيهم المرضيّة و أعمالهم المقبولة، و يا لها من كلمة طيّبة تطيب بها نفوسهم.

و اعلم أنّه تعالى لم يذكر فيما ذكر من نعيم الجنّة في هذه الآيات نساء الجنّة من الحور العين و هي من أهمّ ما يذكره عند وصف نعم الجنّة في سائر كلامه و يمكن أن يستظهر منه أنّه كانت بين هؤلاء الأبرار الّذين نزلت فيهم الآيات من هي من النساء.

و قال في روح المعاني: و من اللطائف على القول بنزول السورة فيهم يعني في أهل البيت أنّه سبحانه لم يذكر فيها الحور العين و إنّما صرّح عزّوجلّ بولدان مخلّدين رعاية لحرمة البتول و قرّة عين الرسول، انتهى.

( بحث روائي‏)

في إتقان السيوطيّ، عن البيهقيّ في دلائل النبوّة بإسناده عن عكرمة و الحسن بن أبي الحسن قالا: أنزل الله من القرآن بمكّة اقرأ باسم ربّك و ن و المزّمّل - إلى أن قالا - و ما نزل بالمدينة ويل للمطفّفين، و البقرة، و آل عمران، و الأنفال، و الأحزاب، و المائدة، و الممتحنة، و النساء، و إذا زلزلت، و الحديد، و محمّد، و الرعد، و الرحمن، و هل أتى على الإنسان. الحديث.

و فيه، عن ابن الضريس في فضائل القرآن بإسناده عن عثمان بن عطاء الخراسانيّ

٢٢١

عن أبيه عن ابن عبّاس قال: كان إذا نزلت فاتحة سورة بمكّة كتبت بمكّة ثمّ يزيد الله فيها ما شاء.

و كان أوّل ما اُنزل من القرآن اقرأ باسم ربّك، ثمّ ن، ثمّ يا أيّها المزّمّل - إلى أن قال - ثمّ اُنزل بالمدينة سورة البقرة ثمّ الأنفال ثمّ آل عمران ثمّ الأحزاب ثمّ الممتحنة ثمّ النساء ثمّ إذا زلزلت ثمّ الحديد ثمّ القتال ثمّ الرعد ثمّ الرحمن ثمّ الإنسان. الحديث.

و فيه، عن البيهقيّ في الدلائل بإسناده عن مجاهد عن ابن عبّاس أنّه قال: إنّ أوّل ما أنزل الله على نبيّه من القرآن اقرأ باسم ربّك، و ذكر مثل حديث عكرمة و الحسين و فيه ذكر ثلاث من السور المكّيّة الّتي سقطت من روايتهما و هي الفاتحة و الأعراف و كهيعص.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن الضريس و ابن مردويه و البيهقيّ عن ابن عبّاس قال: نزلت سورة الإنسان بالمدينة.

و فيه، أخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس في قوله تعالى:( وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى‏ حُبِّهِ ) الآية قال: نزلت هذه الآية في عليّ بن أبي طالب و فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

أقول: الآية تشارك سائر آيات صدر السورة ممّا تقدّم عليها أو تأخّر عنها في سياق واحد متّصل فنزولها فيهماعليه‌السلام لا ينفكّ نزولها جميعاً بالمدينة.

و في الكشّاف: و عن ابن عبّاس: أنّ الحسن و الحسين مرضاً فعادهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ناس معه فقالوا: يا أباالحسن لو نذرت على ولدك (ولديك ظ) فنذر عليّ و فاطمة و فضّة جارية لهما إن برءا ممّا بهما أن يصوموا ثلاثة أيّام فشفيا و ما معهم شي‏ء.

فاستقرض عليّ من شمعون الخيبريّ اليهوديّ ثلاث أصوع من شعير فطحنت فاطمة صاعاً و اختبزت خمسة أقراص على عددهم فوضعوها بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل و قال: السلام عليكم أهل بيت محمّد مسكين من مساكين المسلمين أطعموني

٢٢٢

أطعمكم الله من موائد الجنّة فآثروه و باتوا لم يذوقوا إلّا الماء و أصبحوا صياماً.

فلمّا أمسوا و وضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه، و وقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك.

فلمّا أصبحوا أخذ عليّ بيد الحسن و الحسين و أقبلوا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلمّا أبصرهم و هم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع قال: ما أشدّ ما يسوءني ما أرى بكم فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها(١) ببطنها و غارت عيناها فساءه ذلك فنزل جبريل و قال: خذها يا محمّد هنّأك الله في أهل بيتك فأقرأه السورة.

أقول: الرواية مرويّة بغير واحد من الطرق عن عطاء عن ابن عبّاس و نقلها البحرانيّ في غاية المرام، عن أبي المؤيّد الموفّق بن أحمد في كتاب فضائل أميرالمؤمنين بإسناده عن مجاهد عن ابن عبّاس، و عنه بإسناد آخر عن الضحّاك عن ابن عبّاس و عن الحموينيّ في كتاب فرائد السمطين بإسناده عن مجاهد عن ابن عبّاس، و عن الثعلبيّ بإسناده عن أبي صالح عن ابن عبّاس، و رواه في المجمع، عن الواحدي في تفسيره.

و في المجمع، بإسناده عن الحاكم بإسناده عن سعيد بن المسيب عن عليّ بن أبي طالب أنّه قال سألت النبيّ عن ثواب القرآن: فأخبرني بثواب سورة سورة على نحو ما نزلت من السماء.

فأوّل ما نزل عليه بمكّة فاتحة الكتاب ثمّ اقرأ باسم ربّك، ثمّ ن - إلى أن قال - و أوّل ما نزل بالمدينة سورة البقرة ثمّ الأنفال ثمّ آل عمران ثمّ الأحزاب ثمّ الممتحنة ثمّ النساء ثمّ إذا زلزلت ثمّ الحديد ثمّ سورة محمّد ثمّ الرعد ثمّ سورة الرحمن ثمّ هل أتى. الحديث.

و فيه، عن أبي حمزة الثماليّ في تفسيره قال: حدّثني الحسن بن الحسن أبوعبدالله بن الحسن: أنّها مدنيّة نزلت في عليّ و فاطمة السورة كلّها.

و في تفسير القميّ، عن أبيه عن عبدالله بن ميمون عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كان

____________________

(١) بطنها بظهرها ظ.

٢٢٣

عند فاطمةعليها‌السلام شعير فجعلوه عصيدة(١) فلمّا أنضجوها و وضعوها بين أيديهم جاء مسكين فقال: مسكين رحمكم الله فقام عليّعليه‌السلام فأعطاه ثلثاً فلم يلبث أن جاء يتيم فقال: اليتيم رحمكم الله فقام عليّعليه‌السلام فأعطاه الثلث ثمّ جاء أسير فقال: الأسير رحمكم الله فأعطاه عليّعليه‌السلام الثلث و ما ذاقوها فأنزل الله سبحانه الآيات فيهم و هي جارية في كلّ مؤمن فعل ذلك لله عزّوجلّ.

أقول: القصّة كما ترى ملخّصة في الرواية و روى ذلك البحراني في غاية المرام، عن المفيد في الاختصاص، مسنداً و عن ابن بابويه في الأمالي، بإسناده عن مجاهد عن ابن عبّاس، و بإسناده عن سلمة بن خالد عن جعفر بن محمّد عن أبيهعليهما‌السلام ، و عن محمّد بن العبّاس بن ماهيار في تفسيره بإسناده عن أبي كثير الزبيريّ عن عبدالله بن عبّاس، و في المناقب، أنّه مرويّ عن الأصبغ بن نباتة.

و في الاحتجاج، عن عليّعليه‌السلام : في حديث يقول فيه للقوم بعد موت عمر بن الخطّاب: نشدتكم بالله هل فيكم أحد نزل فيه و في ولده( إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً ) إلى آخر السورة غيري؟ قالوا: لا.

و في كتاب الخصال، في احتجاج عليّ على أبي بكر قال: اُنشدك بالله أنا صاحب الآية( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ) أم أنت؟ قال: بل أنت.

و في الدرّ المنثور، أخرج الطبرانيّ و ابن مردويه و ابن عساكر عن ابن عمر قال: جاء رجل من الحبشة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سل و استفهم فقال: يا رسول الله فضّلتم علينا بالألوان و الصور و النبوّة أ فرأيت إن آمنت بما آمنت به و عملت بمثل ما عملت به أنّي لكائن معك في الجنّة؟ قال: نعم و الّذي نفسي بيده إنّه ليرى بياض الأسود في الجنّة من مسيرة ألف عام. ثمّ قال: من قال لا إله إلّا الله كان له عهد عندالله و من قال: سبحان الله و بحمده كتبت له مائة ألف حسنة و أربعة و عشرون ألف حسنة و نزلت عليه السورة( هَلْ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ

____________________

(١) العصيدة: شعير يلت بالسمن و يطبخ.

٢٢٤

الدَّهْرِ - إلى قوله -مُلْكاً كَبِيراً ) .

فقال الحبشيّ: و إنّ عيني لترى ما ترى عيناك في الجنّة؟ قال: نعم فاشتكى حتّى فاضت نفسه. قال عمر: فلقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدلّيه في حفرته بيده.

و فيه، أخرج أحمد في الزهد عن محمّد بن مطرف قال: حدّثني الثقة: أنّ رجلاً أسود كان يسأل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن التسبيح و التهليل فقال له عمر بن الخطّاب: مه أكثرت على رسول الله فقال: مه يا عمر و اُنزلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( هَلْ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ ) حتّى إذا أتى على ذكر الجنّة زفر الأسود زفرة خرجت نفسه فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مات شوقاً إلى الجنّة.

و فيه، أخرج ابن وهب عن ابن زيد أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرأ هذه السورة( هَلْ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ ) و قد اُنزلت عليه و عنده رجل أسود فلمّا بلغ صفة الجنان زفر زفرة فخرجت نفسه فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أخرج نفس صاحبكم الشوق إلى الجنّة.

أقول: و هذه الروايات الثلاث على تقدير صحّتها لا تدلّ على أزيد من كون نزول السورة مقارناً لقصّة الرجل و أمّا كونها سبباً للنزول فلا، و هذا المعنى في الرواية الأخيرة أظهر و بالجملة لا تنافي الروايات الثلاث نزول السورة في أهل البيتعليهم‌السلام .

على أنّ رواية ابن عمر للقصّة الظاهرة في حضوره القصّة و قد هاجر إلى المدينة و هو ابن إحدى عشرة سنة من شواهد وقوع القصّة بالمدينة.

و في الدرّ المنثور، أيضاً أخرج النحّاس عن ابن عبّاس قال: نزلت سورة الإنسان بمكّة.

أقول: هو تلخيص حديث طويل أورده النحّاس في كتاب النّاسخ و المنسوخ، و قد نقله في الإتقان و هو معارض لما تقدّم نقله مستفيضاً عن ابن عبّاس من نزول السورة بالمدينة و أنّها نزلت في أهل البيتعليهم‌السلام .

على أنّ سياق آياتها و خاصّة قوله:( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ و يُطْعِمُونَ الطَّعامَ )

٢٢٥

إلخ سياق قصّة واقعة و ذكر الأسير فيمن أطعموهم نعم الشاهد على نزول الآيات بالمدينة إذ لم يكن للمسلمين أسير بمكّة كما تقدّمت الإشارة إلى ذلك.

قال بعضهم ما ملخّصه: أنّ الروايات مختلفة في مكّيّة هذه السورة و مدنيّتها و الأرجح أنّها مكّيّة بل الظاهر من سياقها أنّها من عتائق السور القرآنيّة النازلة بمكّة في أوائل البعثة يؤيّد ذلك ما ورد فيها من صور النعم الحسّيّة المفصّلة الطويلة و صور العذاب الغليظ كما يؤيّده ما ورد فيها من أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصبر لحكم ربّه و أن لا يطيع منهم آثماً أو كفوراً و يثبت على ما نزل عليه من الحقّ و لا يداهن المشركين من الأوامر الّتي كانت تنزّل بمكّة عند اشتداد الأذى على الدعوة و أصحابها بمكّة كما في سورة القلم و المزّمّل و المدّثّر فلا عبرة باحتمال مدنيّة السورة.

و هو فاسد أمّا ما ذكره من اشتمال السورة على صور النعم الحسّيّة المفصّلة الطويلة و صور العذاب الغليظ فليس ذلك ممّا يختصّ بالسور المكّيّة حتّى يقضى بها على كون السورة مكّيّة فهذه سورة الرحمن و سورة الحجّ مدنيّتان على ما تقدّمت في الروايات المشتملة على ترتيب نزول السور القرآنيّة و قد اشتملتا من صور النعم الحسّيّة المفصّلة الطويلة و صور العذاب الغليظ على ما يربو و يزيد على هذه السورة بكثير.

و أمّا ما ذكره من اشتمال السورة على أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصبر و أن لا يطيع منهم آثماً أو كفوراً و لا يداهنهم و يثبت على ما نزل عليه من الحقّ ففيه أنّ هذه الأوامر واقعة في الفصل الثاني من آيات السورة و هو قوله:( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا ) إلى آخر السورة و من المحتمل جدّاً أن يكون هذا الفصل من الآيات - و هو ذو سياق تامّ مستقلّ - نازلاً بمكّة، و يؤيّده ما في كثير من الروايات المتقدّمة أنّ الّذي نزل في أهل البيت بالمدينة هو الفصل الأوّل من الآيات، و على هذا أوّل السورة مدنيّ و آخرها مكّيّ.

٢٢٦

و لو سلّم نزولها دفعة واحدة فأمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصبر لا اختصاص له بالسور المكّيّة فقد ورد في قوله:( وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَ لا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَ اتَّبَعَ هَواهُ وَ كانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ) الكهف: ٢٨ و الآية - على ما روي - مدنيّة و الآية - كما ترى - متّحدة المعنى مع قوله:( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ) إلخ و هي في سياق شبيه جدّاً بسياق هذه الآيات فراجع و تأمّل.

ثمّ الّذي كان يلقاه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أذى المنافقين و الّذين في قلوبهم مرض و الجفاة من ضعفاء الإيمان لم يكن بأهون من أذى المشركين بمكّة يشهد بذلك أخبار سيرته.

و لا دليل أيضاً على انحصار الإثم و الكفور في مشركي مكّة فهناك غيرهم من الكفّار و قد أثبت القرآن الإثم لجمع من المسلمين في موارد كقوله:( لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ) النور: ١١، و قوله:( وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً ) النساء: ١١٢.

و في المجمع، و روى العيّاشيّ بإسناده عن عبدالله بن بكير عن زرارة قال: سألت أباجعفرعليه‌السلام عن قوله:( لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ) قال: كان شيئاً و لم يكن مذكوراً.

أقول: و روي فيه، أيضاً عن عبدالأعلى مولى آل سام عن أبي عبداللهعليه‌السلام : مثله.

و فيه، أيضاً عن العيّاشيّ بإسناده عن سعيد الحذّاء عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: كان مذكوراً في العلم و لم يكن مذكوراً في الخلق.

أقول: يعني أنّه كان له ثبوت في علم الله ثمّ خلق بالفعل فصار مذكوراً فيمن خلق.

و في الكافي، بإسناده عن مالك الجهنيّ عن أبي عبداللهعليه‌السلام في الآية قال: كان مقدّراً غير مذكور.

أقول: هو في معنى الحديث السابق.

و في تفسير القمّيّ: في الآية قال: لم يكن في العلم و لا في الذكر، و في حديث آخر: كان في العلم و لم يكن في الذكر.

٢٢٧

أقول: معنى الحديث الأوّل أنّه لم يكن في علم الناس و لا فيمن يذكرونه فيما بينهم، و معنى الثاني أنّه كان في علم الله و لم يكن مذكوراً عند الناس.

و في تفسير القمّيّ، أيضاً في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله تعالى( أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ ) قال: ماء الرجل و المرأة اختلطا جميعاً.

و في الكافي، بإسناده عن حمران بن أعين قال: سألت أباعبداللهعليه‌السلام عن قوله عزّوجلّ:( إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً ) قال: إمّا آخذ فهو شاكر و إمّا تارك فهو كافر.

أقول: و رواه القمّيّ في تفسيره، بإسناده عن ابن أبي عمير عن أبي جعفرعليه‌السلام مثله، و في التوحيد، بإسناده إلى حمزة بن الطيّار عن أبي عبداللهعليه‌السلام ما يقرب منه و لفظه: عرّفناه إمّا آخذاً و إمّا تاركاً.

و في الدرّ المنثور، أخرج أحمد و ابن المنذر عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كلّ مولود يولد على الفطرة حتّى يعبّر عنه لسانه فإذا عبّر عنه لسانه إمّا شاكراً و إمّا كفوراً و الله تعالى أعلم.

و في أمالي الصدوق، بإسناده عن الصادق عن أبيهعليهما‌السلام في حديث:( عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً ) قال: هي عين في دار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفجر إلى دور الأنبياء و المؤمنين( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) يعني عليّاً و فاطمة و الحسن و الحسينعليهم‌السلام و جاريتهم( وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ) يقول عابساً كلوحاً( وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى‏ حُبِّهِ ) يقول: على شهوتهم للطعام و إيثارهم له( مِسْكِيناً ) من مساكين المسلمين( وَ يَتِيماً ) من يتامى المسلمين( وَ أَسِيراً ) من اُسارى المشركين.

و يقولون إذا أطعموهم:( إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً ) قال: و الله ما قالوا هذا لهم و لكنّهم أضمروه في أنفسهم فأخبر الله بإضمارهم يقولون: لا نريد جزاءً تكافئوننا به و لا شكوراً تثنون علينا به، و لكنّا إنّما أطعمناكم لوجه الله و طلب ثوابه.

و في الدرّ المنثور، أخرج سعيد بن منصور و ابن أبي شيبة و ابن المنذر و ابن

٢٢٨

مردويه عن الحسن قال: كان الاُسارى مشركين يوم نزلت هذه الآية( وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى‏ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً ) .

أقول: مدلول الرواية نزول الآية بالمدينة، و نظيرها ما رواه فيه عن عبد بن حميد عن قتادة، و ما رواه عن ابن المنذر عن ابن جريح، و ما رواه عن عبدالرزّاق و ابن المنذر عن ابن عبّاس.

و فيه، أخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله:( يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً ) قال: يقبض ما بين الأبصار.

و في روضة الكافي، بإسناده عن محمّد بن إسحاق المدنيّ عن أبي جعفرعليه‌السلام في صفة الجنّة قال: و الثمار دانية منهم و هو قوله عزّوجلّ:( وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا ) من قربها منهم يتناول المؤمن من النوع الّذي يشتهيه من الثمار بفيه و هو متكّئ و إنّ الأنواع من الفاكهة ليقلن لوليّ الله: يا وليّ الله كلمني قبل أن تأكل هذه قبلي.

و في تفسير القمّيّ: في قوله:( وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ ) قال: مسوّرون.

و في المعاني، بإسناده عن عبّاس بن يزيد قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام و كنت عنده ذات يوم: أخبرني عن قول الله عزّوجلّ:( وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَ مُلْكاً كَبِيراً ) ما هذا الملك الّذي كبّر الله عزّوجلّ حتّى سمّاه كبيراً؟ قال: إذا أدخل الله أهل الجنّة الجنّة أرسل رسولاً إلى وليّ من أوليائه فيجد الحجبة على بابه فتقول له: قف حتّى نستأذن لك، فما يصل إليه رسول ربّه إلّا بإذن فهو قوله عزّوجلّ:( وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَ مُلْكاً كَبِيراً ) .

و في المجمع:( وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَ مُلْكاً كَبِيراً ) لا يزول و لا يفنى: عن الصادقعليه‌السلام .

و فيه:( عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ ) و روي عن الصادقعليه‌السلام في معناه: تعلوهم الثياب فيلبسونها.

٢٢٩

( كلام في هوية الإنسان على ما يفيده القرآن‏)

لا ريب أن في هذا الهيكل المحسوس الّذي نسمّيه إنساناً مبدءً للحياة ينتسب إليه الشعور و الإرادة، و قد عبّر تعالى عنه في الكلام في خلق الإنسان - آدم - بالروح و في سائر المواضع من كلامه بالنفس قال تعالى:( فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ ) الحجر: ٢٩، ص: ٧٢، و قال:( ثُمَّ سَوَّاهُ وَ نَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ) الم السجدة: ٩.

و الّذي يسبق من الآيتين إلى النظر البادئ أنّ الروح و البدن حقيقتان اثنتان متفارقتان نظير العجين المركّب من الماء و الدقيق و الإنسان مجموع الحقيقتين فإذا قارنت الروح الجسد كان إنساناً حيّاً و إذا فارقت فهو الموت.

لكن يفسّرها قوله تعالى:( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ) الم السجدة: ١١ حيث يفيد أنّ الروح الّتي يتوفّاها و يأخذها قابض الأرواح هي الّتي يعبّر عنها بلفظة( كم ) و هو الإنسان بتمام حقيقته لا جزء من مجموع فالمراد بنفخ الروح في الجسد جعل الجسد بعينه إنساناً لا ضمّ واحد إلى واحد آخر يغايره في ذاته و آثار ذاته فالإنسان حقيقة واحدة حين تعلّق روحه ببدنه و بعد مفارقة روحه البدن.

و يفيد هذا المعنى قوله تعالى:( وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ ) المؤمنون: ١٤ فالّذي أنشأه الله خلقاً آخر هو النطفة الّتي تكوّنت علقة ثمّ مضغة ثمّ عظاماً بعينها.

و في معناها قوله تعالى:( هَلْ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ) فتقييد الشي‏ء المنفي بالمذكور يعطي أنّه كان شيئاً لكن لم يكن مذكوراً

٢٣٠

فقد كان أرضاً أو نطفة مثلاً لكن لم يكن مذكوراً أنّه الإنسان الفلانيّ ثمّ صار هو هو.

فمفاد كلامه تعالى أنّ الإنسان واحد حقيقيّ هو المبدأ الوحيد لجميع آثار البدن الطبيعيّة و الآثار الروحيّة كما أنّه مجرّد في نفسه عن المادّة كما يفيده أمثال قوله تعالى:( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ ) و قوله:( اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ) الزمر: ٤٢ و قوله:( ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ ) و قد تقدّم بيانه.

٢٣١

( سورة الإنسان الآيات ٢٣ - ٣١)

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلًا ( ٢٣ ) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا ( ٢٤ ) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ( ٢٥ ) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا ( ٢٦ ) إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا ( ٢٧ ) نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا ( ٢٨ ) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا ( ٢٩ ) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ( ٣٠ ) يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ( ٣١ )

( بيان‏)

لمّا وصف جزاء الأبرار و ما قدّر لهم من النعيم المقيم و الملك العظيم بما صبروا في جنب الله وجّه الخطاب إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أمره بالصبر لحكم ربّه و أن لا يطيع هؤلاء الآثمين و الكفّار المحبّين للعاجلة المتعلّقين بها المعرضين عن الآخرة من المشركين و سائر الكفّار و المنافقين و أهل الأهواء، و أن يذكر اسم ربّه و يسجد له و يسبّحه مستمرّاً عليه ثمّ عمّم الحكم لاُمّته بقوله:( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى‏ رَبِّهِ سَبِيلًا ) .

٢٣٢

فهذا وجه اتّصال الآيات بما قبلها و سياقها مع ذلك لا يخلو من شبه بالسياقات المكّيّة و على تقدير مكّيّتها فصدر السورة مدنيّ و ذيلها مكّيّ.

قوله تعالى: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا ) تصدير الكلام بأنّ و تكرار ضمير المتكلّم مع الغير و الإتيان بالمفعول المطلق كلّ ذلك للتأكيد، و لتسجيل أنّ الّذي نزل من القرآن نجوماً متفرّقة هو من الله سبحانه لم يداخله نفث شيطانيّ و لا هو نفسانيّ.

قوله تعالى: ( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَ لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً ) تفريع على ما هو لازم مضمون الآية السابقة فإنّ لازم كون الله سبحانه هو الّذي نزّل القرآن عليه أن يكون ما في القرآن من الحكم حكم ربّه يجب أن يطاع فالمعنى إذا كان تنزيله منّا فما فيه من الحكم حكم ربّك فيجب عليك أن تصبر له فاصبر لحكم ربّك.

و قوله:( وَ لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً ) ورود الترديد في سياق النهي يفيد عموم الحكم فالنهي عن طاعتهما سواء اجتمعا أو افترقا، و الظاهر أنّ المراد بالإثم المتلبّس بالمعصية و بالكفور المبالغ في الكفر فتشمل الآية الكفّار و الفساق جميعاً.

و سبق النهي عن طاعة الإثم و الكفور بالأمر بالصبر لحكم ربّه يفيد كون النهي مفسّراً للأمر فمفاد النهي أن لا تطع منهم آثماً إذا دعاك إلى إثمه و لا كفوراً إذا دعاك إلى كفره لأنّ إثم الآثم منهم و كفر الكافر مخالفان لحكم ربّك و أمّا تعليق الحكم بالوصف المشعر بالعلّيّة فإنّما يفيد علّيّة الإثم و الكفر للنهي عن الطاعة مطلقاً لا علّيّتهما للنهي إذا دعا الآثم إلى خصوص إثمه و الكافر إلى خصوص كفره.

قوله تعالى: ( وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا ) أي داوم على ذكر ربّك و هو الصلاة في كلّ بكرة و أصيل و هما الغدوّ و العشيّ.

قوله تعالى: ( وَ مِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَ سَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا ) من للتبعيض و المراد بالسجود له الصلاة، و يقبل ما في الآيتين من ذكر اسمه بكرة و أصيلاً و السجود

٢٣٣

له بعض الليل الانطباق على صلاة الصبح و العصر و المغرب و العشاء و هذا يؤيّد نزول الآيات بمكّة قبل فرض الفرائض الخمس بقوله في آية الإسراء:( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى‏ غَسَقِ اللَّيْلِ وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ ) إسراء: ٧٨.

فالآيتان كقوله تعالى:( وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) هود: ١١٤، و قوله:( وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ غُرُوبِها وَ مِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَ أَطْرافَ النَّهارِ ) طه: ١٣٠.

نعم قيل: إنّ الأصيل يطلق على ما بعد الزوال فيشمل قوله:( وَ أَصِيلًا ) وقتي صلاتي الظهر و العصر جميعاً، و لا يخلو من وجه.

و قوله:( وَ سَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا ) أي في ليل طويل و وصف الليل بالطويل توضيحيّ لا احترازيّ، و المراد بالتسبيح صلاة الليل، و احتمل أن يكون طويلاً صفة لمفعول مطلق محذوف، و التقدير سبّحه في الليل تسبيحاً طويلاً.

قوله تعالى: ( إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَ يَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلًا ) تعليل لما تقدّم من الأمر و النهي و الإشارة بهؤلاء إلى جمع الإثم و الكفور المدلول عليه بوقوع النكرة في سياق النهي، و المراد بالعاجلة الحياة الدنيا، و عدّ اليوم ثقيلاً من الاستعارة، و المراد بثقله شدّته كأنّه محمول ثقيل يشقّ حمله، و اليوم يوم القيامة.

و كون اليوم وراءهم تقرّره أمامهم لأنّ وراء تفيد معنى الإحاطة، أو جعلهم إيّاه خلفهم و وراء ظهورهم بناء على إفادة( يَذَرُونَ ) معنى الإعراض.

و المعنى: فاصبر لحكم ربّك و أقم الصلاة و لا تطع الآثمين و الكفّار منهم لأنّ هؤلاء الآثمين و الكفّار يحبّون الحياة الدنيا فلا يعملون إلّا لها و يتركون أمامهم يوماً شديداً أو يعرضون فيجعلون خلفهم يوماً شديداً سيلقونه.

قوله تعالى: ( نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَ شَدَدْنا أَسْرَهُمْ وَ إِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلًا ) الشدّ خلاف الفكّ، و الأسر في الأصل الشدّ و الربط و يطلق على ما يشدّ و يربط به فمعنى شددنا أسرهم أحكمنا ربط مفاصلهم بالرباطات و الأعصاب و العضلات أو الأسر

٢٣٤

بمعنى المأسور و المعنى أحكمنا ربط أعضائهم المختلفة المشدودة بعضها ببعض حتّى صار الواحد منهم بذلك إنساناً واحداً.

و قوله:( وَ إِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلًا ) أي إذا شئنا بدّلناهم أمثالهم فذهبنا بهم و جئنا بأمثالهم مكانهم و هو إماته قرن و إحياء آخرين، و قيل: المراد به تبديل نشأتهم الدنيا من نشأة القيامة و هو بعيد من السياق.

و الآية في معنى دفع الدخل كان متوهّماً يتوهّم أنّهم بحبّهم للدنيا و إعراضهم عن الآخرة يعجزونه تعالى و يفسدون عليه إرادته منهم أن يؤمنوا و يطيعوا فاُجيب بأنّهم مخلوقون لله خلقهم و شدّ أسرهم و إذا شاء أذهبهم و جاء بآخرين فكيف يعجزونه و خلقهم و أمرهم و حياتهم و موتهم بيده.؟

قوله تعالى: ( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى‏ رَبِّهِ سَبِيلًا ) تقدّم تفسيره في سورة المزّمّل و الإشارة بهذه إلى ما ذكر في السورة.

قوله تعالى: ( وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً ) الاستثناء من النفي يفيد أنّ مشيّة العبد متوقّفة في وجودها على مشيّته تعالى فلمشيّته تعالى تأثير في فعل العبد من طريق تعلّقها بمشيّة العبد، و ليست متعلّقة بفعل العبد مستقلّاً و بلا واسطة حتّى تستلزم بطلان تأثير إرادة العبد و كون الفعل جبريّاً و لا أنّ العبد مستقلّ في إرادة يفعل ما يشاؤه شاء الله أو لم يشأ، فالفعل اختياريّ لاستناده إلى اختيار العبد، و أمّا اختيار العبد فليس مستنداً إلى اختيار آخر، و قد تكرّر توضيح هذا البحث في مواضع ممّا تقدّم.

و الآية مسوقة لدفع توهّم أنّهم مستقلّون في مشيّتهم منقطعون من مشيّة ربّهم، و لعلّ تسجيل هذا التنبيه عليهم هو الوجه في الالتفات إلى الخطاب في قوله( وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ ) كما أنّ الوجه في الالتفات من التكلّم بالغير إلى الغيبة في قوله:( يَشاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ ) هو الإشارة إلى علّة الحكم فإنّ مسمّى هذا الاسم الجليل يبتدئ منه كلّ شي‏ء و ينتهي إليه كلّ شي‏ء فلا تكون مشيّة إلّا بمشيّته

٢٣٥

و لا تؤثّر مشيّة إلّا بإذنه.

و قوله:( إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً ) توطئة لبيان مضمون الآية التالية.

قوله تعالى: ( يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَ الظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً ) مفعول( يَشاءُ ) محذوف يدلّ عليه الكلام، و التقدير يدخل في رحمته من يشاء دخوله في رحمته، و لا يشاء إلّا دخول من آمن و اتّقى، و أمّا غيرهم و هم أهل الإثم و الكفر فبيّن حالهم بقوله:( وَ الظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً ) .

و الآية تبيّن سنّته تعالى الجارية في عباده من حيث السعادة و الشقاء، و قد علّل ذلك بما في ذيل الآية السابقة من قوله( إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً ) فأفاد به أنّ سنّته تعالى ليست سنّة جزافيّة مبنيّة على الجهالة بل هو يعامل كلّاً من الطائفتين بما هو أهل له و سينبّئهم حقيقة ما كانوا يعملون.

( بحث روائي‏)

و في الدرّ المنثور، أخرج عبد بن حميد و ابن جرير و ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله:( وَ لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً ) قال: حدّثنا أنّها نزلت في عدوّ الله أبي جهل.

أقول: و هو أشبه بالتطبيق.

و في المجمع في قوله تعالى:( وَ سَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا ) روي عن الرضاعليه‌السلام : أنّه سأله أحمد بن محمّد عن هذه الآية و قال: ما ذلك التسبيح؟ قال: صلاة الليل.

و في الخرائج و الجرائح، عن القائمعليه‌السلام : في حديث يقول لكامل بن إبراهيم المدنيّ: و جئت تسأل عن مقالة المفوّضة كذبوا بل قلوبنا أوعية لمشيّة الله عزّوجلّ فإذا شاء شئنا، و الله يقول( وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ ) .

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه من طريق ابن شهاب عن سالم عن أبي هريرة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول إذا خطب: كلّ ما هو آت قريب، لا بعد لما

٢٣٦

يأتي، و لا يعجل الله لعجلة أحد، ما شاء الله لا ما شاء الناس، يريد الناس أمراً و يريد الله أمراً، ما شاء الله كان و لو كره الناس، لا مباعد لما قرّب الله، و لا مقرّب لما باعد الله، لا يكون شي‏ء إلّا بإذن الله.

أقول: و في بعض الروايات من طرق أهل البيتعليهم‌السلام تطبيق الحكم في قوله:( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ) و الرحمة في قوله:( يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ ) على الولاية و هو من الجري أو البطن و ليس من التفسير في شي‏ء.

٢٣٧

( سورة المرسلات مكّيّة و هي خمسون آية)

( سورة المرسلات الآيات ١ - ١٥)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا ( ١ ) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا ( ٢ ) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا ( ٣ ) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا ( ٤ ) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا ( ٥ ) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا ( ٦ ) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ ( ٧ ) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ ( ٨ ) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ ( ٩ ) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ ( ١٠ ) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ ( ١١ ) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ ( ١٢ ) لِيَوْمِ الْفَصْلِ ( ١٣ ) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ ( ١٤ ) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ( ١٥ )

( بيان‏)

تذكر السورة يوم الفصل و هو يوم القيامة و تؤكّد الإخبار بوقوعه و تشفّعه بالوعيد الشديد للمكذّبين به و الإنذار و التبشير لغيرهم و يربو فيها جانب الوعيد على غيره فقد كرّر فيها قوله:( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) عشر مرّات.

و السورة مكّيّة بشهادة سياق آياتها.

قوله تعالى: ( وَ الْمُرْسَلاتِ عُرْفاً ) الآية و ما يتلوها إلى تمام ستّ آيات إقسام منه تعالى باُمور يعبّر عنها بالمرسلات فالعاصفات و الناشرات فالفارقات فالملقيات ذكراً عذراً أو نذراً، و الاُوليان أعني المرسلات عرفاً و العاصفات عصفاً لا تخلوان لو خلّيتا و نفسهما مع الغضّ عن السياق من ظهور ما في الرياح المتعاقبة الشديدة الهبوب لكنّ الأخيرة أعني الملقيات ذكراً عذراً أو نذراً كالصريحة في الملائكة النازلين على الرسل الحاملين لوحي الرسالة الملقين له إليهم إتماماً للحجّة أو إنذاراً و بقيّة الصفات

٢٣٨

لا تأبى الحمل على ما يناسب هذا المعنى.

و حمل جميع الصفات الخمس على إرادة الرياح كما هو ظاهر المرسلات و العاصفات - على ما عرفت - يحتاج إلى تكلّف شديد في توجيه الصفات الثلاث الباقية و خاصّة في الصفة الأخيرة.

و كذا حمل المرسلات و العاصفات على إرادة الرياح و حمل الثلاث الباقية أو الأخيرتين أو الأخيرة فحسب على ملائكة الوحي إذ لا تناسب ظاهراً بين الرياح و بين ملائكة الوحي حتّى يقارن بينها في الأقسام و ينظم الجميع في سلك واحد، و ما وجّهوه من مختلف التوجيهات معان بعيدة عن الذهن لا ينتقل إليها في مفتتح الكلام من غير تنبيه سابق.

فالوجه هو الغضّ عن هذه الأقاويل و هي كثيرة جدّاً لا تكاد تنضبط، و حمل المذكورات على إرادة ملائكة الوحي كنظيرتها في مفتتح سورة الصافّات:( وَ الصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِراتِ زَجْراً فَالتَّالِياتِ ذِكْراً ) و في معناها قوله تعالى:( عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى‏ غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى‏ مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ ) الجنّ: ٢٨.

فقوله:( وَ الْمُرْسَلاتِ عُرْفاً ) إقسام منه تعالى بها و العرف بالضمّ فالسكون الشعر النابت على عنق الفرس و يشبّه به الاُمور إذا تتابعت يقال: جاؤا كعرف الفرس، و يستعار فيقال: جاء القطا عرفاً أي متتابعة و جاؤا إليه عرفاً واحداً أي متتابعين، و العرف أيضاً المعروف من الأمر و النهي و( عُرْفاً ) حال بالمعنى الأوّل مفعول له بالمعنى الثاني، و الإرسال خلاف الإمساك، و تأنيث المرسلات باعتبار الجماعات أو باعتبار الروح الّتي تنزّل بها الملائكة قال تعالى:( يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى‏ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ) النحل: ٢ و قال( يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى‏ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ) المؤمن: ١٥.

و المعنى اُقسم بالجماعات المرسلات من ملائكة الوحي.

و قيل: المراد بالمرسلات عرفاً الرياح المتتابعة المرسلة و قد تقدّمت الإشارة إلى

٢٣٩

ضعفه، و مثله في الضعف القول بأنّ المراد بها الأنبياءعليهم‌السلام فلا يلائمه ما يتلوها.

قوله تعالى: ( فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً ) عطف على المرسلات و المراد بالعصف سرعة السير استعارة من عصف الرياح إي سرعة هبوبها إشارة إلى سرعة سيرها إلى ما اُرسلت إليه، و المعنى اُقسم بالملائكة الّذين يرسلون متتابعين فيسرعون في سيرهم كالرياح العاصفة.

قوله تعالى: ( وَ النَّاشِراتِ نَشْراً ) إقسام آخر، و نشر الصحيفة و الكتاب و الثوب و نحوها: بسطه، و المراد بالنشر نشر صحف الوحي كما يشير إليه قوله تعالى( كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ ) عبس: ١٦ و المعنى و اُقسم بالملائكة الناشرين للصحف المكتوبة عليها الوحي للنبيّ ليتلقّاه.

و قيل: المراد بها الرياح ينشرها الله تعالى بين يدي رحمته و قيل: الرياح الناشرة للسحاب، و قيل: الملائكة الناشرين لصحائف الأعمال، و قيل: الملائكة نشروا أجنحتهم حين النزول و قيل: غير ذلك.

قوله تعالى: ( فَالْفارِقاتِ فَرْقاً ) المراد به الفرق بين الحقّ و الباطل و بين الحلال و الحرام، و الفرق المذكور صفة متفرّعة على النشر المذكور.

قوله تعالى: ( فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً عُذْراً أَوْ نُذْراً ) المراد بالذكر القرآن يقرؤنه على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو مطلق الوحي النازل على الأنبياء المقروّ عليهم.

و الصفات الثلاث أعني النشر و الفرق و إلقاء مترتّبة فإنّ الفرق بين الحقّ و الباطل و الحلال و الحرام يتحقّق بنشر الصحف و إلقاء الذكر فبالنشر يشرع الفرق في التحقّق و بالتلاوة يتمّ تحقّقه فالنشر يترتّب عليه مرتبة من وجود الفرق و يترتّب عليها تمام وجوده بالإلقاء.

و قوله:( عُذْراً أَوْ نُذْراً ) هما من المفعول له و( أَوْ ) للتنويع قيل: هما مصدران بمعنى الإعذار و الإنذار، و الإعذار الإتيان بما يصير به معذوراً و المعنى أنّهم يلقون الذكر لتكون عذرا لعباده المؤمنين بالذكر و تخويفاً لغيرهم.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

فأحرجها قائلة: إلى الله أشكو عقوق أبنائي(٦٦٥) .

[ عبدالله بن حكيم التميمي وطلحة ]

جاء عبدالله بن حكيم يناشد طلحة فيقول له(١) : يا أبا محمد أما هذا كتبك إلينا ؟. قال طلحة: بلى قال: كتبت أمس تدعونا إلى خلع عثمان وقتله، حتى إذا قتلته أتيتنا ثائرا بدمه ! فلعمري ما هذا رأيك، ان تريد إلا هذه الدنيا، فمهلا مهلا. ولم قبلت من علي ما عرض عليك من البيعة، فبايعته طائعا راضيا، ثم نكثت بيعتك، وجئت لتدخلنا في فتنتك ؟ فقال: ان عليا دعاني إلى بيعته بعدما بايعه الناس(٢) ، فعلمت إني لو لم أقبل ما عرضه علي لم يتم لي الأمر، ثم يغري بي من معه(٦٦٦) .

[ حكيم من بني جشم ينصح أهل البصرة ]

لما انتهت عائشة بمن معها إلى المربد - مكان من البصرة - قام الجشمي يخاطب أهل البصرة وقد اجتمعوا هناك فيقول(٣) : أنا فلان بن فلان الجشمي وقد أتاكم هؤلاء القوم، فان أتوكم خائفين، فانما أتوكم من المكان الذي يأمن فيه الطير والوحش والسباع، وان كانوا أتوكم بدم عثمان فغيرنا ولي قتله، فأطيعوني أيها الناس وردوهم من حيث أقبلوا، فانكم ان لم تفعلوا لم تسلموا من الحرب الضروس، والفتنة الصماء، فحصبه من أهل البصرة أشياع الجمل(٦٦٧) .

____________________

(٦٦٥) (١) كما في ص ٥٠٠ من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدى (منه قدس).

(٢) كذب هذا الناكث، إذ كان أول مبايع لعلى، نعوذ بالله من سوء الخاتمة (منه قدس).

(٦٦٦) الغدير ج ٩ / ٩٩.

(٣) كما في أواخر ص ٤٩٨ من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدى (منه قدس)

(٦٦٧) تاريخ الطبري ج٥ / ١٧٥ (*).

٤٦١

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٤٤١: -

[ خطاب عائشة في أهل البصرة ]

ثم أقبلت عائشة على جملها عسكر، فنادت بصوت مرتفع(١) : أيها الناس أقلوا الكلام واسكتوا، فسكت الناس لها فقالت: أيها الناس ان أمير المؤمنين عثمان كان قد غير وبدل، ثم لم يزل يغسل ذلك بالتوبة حتى قتل مظلوما تائبا، وانما نقموا عليه ضربه بالسوط، وتأميره الشبان، وحمايته موضع الغمامة فقتلوه محرما في حرمة الشهر وحرمة البلد ذبحا كما يذبح الجمل، ألا وان قريشا رمت غرضها بنبالها، وأدمت أفواهها بأيديها، وما نالت بقتلها اياه شيئا، ولا سلكت به سبيلا قاصدا، أما والله ليرونها بلايا عقيمة تنبه القائم، وتقيم الجالس، وليسلطن الله عليهم قوما لا يرحمونهم، يسومونهم سوء العذاب.

أيها الناس انه ما بلغ من ذنب عثمان ما يستحل به دمه، ماصوه كما يماص الثوب الرحيض، ثم عدوا عليه فقتلوه بعد توبته، وخروجه من ذنبه، وبايعوا ابن أبي طالب بغير مشورة من الجماعة ابتزازا وغصبا، أترونني أغضب لكم من سوط عثمان ولسانه، ولا أغضب لعثمان من سيوفكم ! ألا ان عثمان قتل مظلوما فاطلبوا قتلته، فإذا ظفرتم بهم فاقتلوهم ثم اجعلوا الأمر شورى بين الرهط الذين اختارهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ولا يدخل فيهم من شرك في دم عثمان.

____________________

(١) كما في ص ٤٩٩ من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدى (منه قدس) (*).

٤٦٢

قال أهل السير والأخبار: فماج الناس واختلفوا. فمن قائل: القول ما قالت أم المؤمنين. ومن قائل يقول: ما هي وهذا الأمر انما هي امرأة مأمورة بلزوم بيتها. وارتفعت الأصوات، وكثر اللغط، حتى تضاربوا بالنعال وتراموا بالحصى، ثم تمايزوا فريقين، فريقا مع عثمان بن حنيف، وفريقا مع عائشة وأصحابها(٦٦٨) .

[ وقوف الفريقين للقتال ]

ثم أصبح الفريقان من غد، فصفا للحرب، وخرج عثمان بن حنيف(١) فناشد عائشة الله والإسلام، وأذكر طلحة والزبير بيعتهما عليا. فقالا: نطلب بدم عثمان فقال لهما: وما أنتما وذاك، أين بنوه ؟ أين بنو أعمامه الذين هم أحق به منكم ؟ كلا ولكنكما حسدتما عليا حيث اجتمع الناس عليه، وكنتما ترجوان هذا الأمر، وتعملان له، وهل كان أحد أشد على عثمان قولا منكما ؟ ! فشتماه شتما قبيحا وذكرا أمه، فقال للزبير: لولا صفية ومكانها من رسول الله، فانها أدنتك إلى الظل، وان الأمر بيني وبينك يا ابن الصعبة يعني طلحة. ثم قال: اللهم اني قد أعذرت.

ثم حمل فاقتتل الناس قتالا شديدا، ثم تحاجزوا واصطلحوا على كيفية خاصة، فصلها المؤرخون، أرجأوا فيها الأمر إلى ما بعد وصول أمير المؤمنين إلى البصرة، وأعطى الفريقان على ما كتبوه

____________________

(٦٦٨) وقريب منه في: الكامل لابن الأثير ج ٣ / ١٠٩.

(١) كما في ص ٥٠٠ من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدى (منه قدس) (*).

٤٦٣

من الصلح عهد الله وميثاقه، وأشد ما أخذه على نبي من أنبيائه من عهد وذمة وميثاق، وختم الكتاب من الفريقين(٦٦٩) .

لكن عائشة وطلحة والزبير أجمعوا على مراسلة القبائل واستمالة العرب ووجوه الناس وأهل الرئاسة والشرف، من حيث لا يشعر الأمير ابن حنيف وأصحابه، فلما استوثق لأصحاب الجمل أمرهم، خرجوا في ليلة مظلمة ذات ريح ومطر، وقد لبسوا الدروع وظاهروا فوقها بالثياب، فانتهوا، إلى المسجد وقت صلاة الفجر وقد سبقهم عثمان بن حنيف إليه وأقيمت الصلاة فتقدم عثمان ليصلي، فأخره أصحاب طلحة والزبير وقدموا الزبير، فجاءت الشرطة وحرس بيت المال فأخرجوا الزبير وقدموا عثمان، ثم غلبهم أصحاب الزبير وقدموه، فلم يزالوا كذلك حتى كادت الشمس تطلع، فصاح بهم أهل المسجد: ألا تتقون بالله يا أصحاب محمد ؟ وقد طلعت الشمس، فغلب الزبير وصلى بالناس.

فلما فرغ من صلاته صاح بأصحابه المسلحين: أن خذوا عثمان بن حنيف فلما أسر ضرب ضرب الموت ونتفت لحيته وشارباه وحاجباه وأشفار عينيه، وكل شعرة في رأسه ووجهه، وأخذوا الشرطة وحراس بيت المال وهم سبعون رجلا من المؤمنين من شيعة علي فانطلقوا بهم وبعثمان بن حنيف إلى عائشة فقالت لابان بن عثمان: اخرج إليه فاضرب عنقه فان الأنصار قتلوا أباك.

فنادى عثمان بن حنيف: يا عائشة ويا طلحة ويا زبير ان أخي سهلا خليفة علي على المدينة، وأقسم بالله ان لو قتلت ليضعن السيف في نبي أبيكم ورهطكم فلا يبقي ولا يذر. فكفوا عنه.

وأمرت عائشة الزبير أن يقتل الشرطة وحراس بيت المال وقالت له: قد بلغني الذي صنعوا بك، فذبحهم والله الزبير كما

____________________

(٦٦٩) راجع: الكامل ج ٣ / ١١٠، مروج الذهب ج ٢ / ٣٥٨ ط بيروت. (*)

٤٦٤

يذبح الغنم، ولي ذلك منهم ابنه عبدالله وهم سبعون رجلا، وبقيت منهم طائفة مستمسكين بيت المال قالوا: لا ندفعه إليكم حتى يقدم أمير المؤمنين. فسار إليهم الزبير في جيش ليلا فأوقع بهم وأخذ منهم خمسين أسيرا فقتلهم صبرا.

فكان هذا الغدر بعثمان بن حنيف، أول غدر كان في الإسلام، وكان قتل الشرطة وحراس بيت المال أول قوم ضربت أعناقهم من المسلمين صبرا، وكانوا مائة وعشرين رجلا، وقيل كانوا (كما في ٥٠١ من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدي) أربعمأة رجل(٦٧٠) .

ثم طردوا عثمان بن حنيف فلحق بعلي، فلما رآه بكى وقال له: فارقتك شيخا وجئتك أمرد. فقال علي: انا لله وانا إليه راجعون. يقولها ثلاثا(٦٧١)

وقد منيعليه‌السلام في هذه المأساة بغصة لا تساغ، كان يشكو بثه فيها وحزنه إلى الله فيقول على المنبر: " اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم، فانهم قطعوا رحمي، وصغروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي أمرا هو لي ثم قالوا: ألا ان في الحق ان تأخذه، وفي الحق أن تتركه "(٦٧٢) (ثم ذكر أصحاب الجمل فقال): " فخرجوا يجرون حرمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما تجر الأمة عند شرائها متوجهين بها إلى البصرة، فحبسا نساءهما في بيوتهما، وأبرزا حبيس رسول الله لهما ولغيرهما في جيش ما منهم رجل إلا وقد أعطاني الطاعة وسمح لي بالبيعة طائعا غير مكره فقدموا على عامل بها وخزان بيت مال المسلمين وغيرهم من أهلها، فقتلوا طائفة صبرا وطائفة غدرا. " الخطبة وهي في نهج البلاغة(٦٧٣) .

____________________

(٦٧٠) مروج الذهب ج ٢ / ٣٥٨.

(٦٧١) تاريخ الطبري ج ٥ / ١٨٦.

(٦٧٢) نهج البلاغة الخطبة - ٢١٧ -.

(٦٧٣) نهج البلاغة الخطبة - ١٧٢ - (*).

٤٦٥

[ موقف حكيم بن جبلة(١) ]

لما بلغ حكيم بن جبلة ما صنع القوم بعثمان بن حنيف وخزان بيت مال المسلمين وغيرهم خرج في ثلثمائة من عبدالقيس وكان سيدهم. فخرج القوم إليه وحملوا عائشة على جمل، فسمي ذلك اليوم يوم الجمل الأصغر، ويومها مع علي يوم الجمل الأكبر.

وتجالد الفريقان بالسيوف وأبلى حكيم وأصحابه بلاء حسنا، لكن شد رجل من الأزد من عسكر عائشة على حكيم فضرب رجل فقطعها، ووقع الأزدي عن فرسه، فجثا حكيم فأخذ رجله المقطوعة فضرب بها الأزدي فصرعه ثم دب إليه فقتله خنقا متكئا عليه حتى زهقت نفسه، فمر بحكيم إنسان وهو يجود بنفسه فقال له: من فعل بك هذا ؟ قال: وسادي فنظر فإذا الأزدي تحته.

وكان حكيم من أبطال العرب وشجعان المسلمين المستبصرين في شأن أهل البيت، وقد قتل معه ابنه الأشرف وإخوة له ثلاثة، وقتل معه أصحابه كلهم وهم ثلثمائة من عبدالقيس وكلهم من الاخيار، وربما كان بعض المقتولين يومئذ من بكر بن وائل. فلما صفت البصرة لعائشة وطلحة والزبير بعد قتل حكيم وأصحابه، وطردا ابن حنيف عنها.

اختلف طلحة والزبير في الصلاة، وأراد كل منهما أن يؤم بالناس، وخاف أن تكون صلاته خلف صاحبه تسليما له، ورضي بتقدمه ،

____________________

(١) فصله أهل السير والأخبار فراجعه في ص ٥٠١ من المجلد الثاني من شرح النهج (منه قدس) (*).

٤٦٦

فأصلحت بينهما عائشة بأن جعلت الإمامة يوما لعبد الله بن الزبير، ويوما لمحمد ابن طلحة ولما دخلوا بيت المال في البصرة ورأوا ما فيه من الأموال. قرأ الزبير - وقد استفزه الفرح -:( وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ ) فنحن أحق بها من أهل البصرة(٦٧٤) .

هذا مجمل ما كان في البصرة من الأحداث قبل وصول أمير المؤمنين إليها.

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٤٤٦: -

[ وصول علي إلى البصرة والتقاء الجمعين ]

ثم جاء علي بعدها إلى البصرة بمن معه فنهدت إليه عائشة بمن معها تذوده عنها، وكانت رابطة الجأش، مشيعة القلب فكف يده عنها وعنهم باذلا وسعه في إصلاح ذا البين على ما يرضي الله تعالى ورسوله، وبلغ في ذلك كل مبلغ من قول أو فعل.

حتى روى ابن جرير الطبري(١) وغيره من اثبات أهل السير والأخبار: ان عليا دعا إليه الزبير يومئذ فذكره بكلمة قالها النبي له بمسمع منه وهي قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " ليقاتلنك ابن عمتك هذا وهو لك ظالم "(٦٧٥) فانصرف عنه الزبير

____________________

(٦٧٤) اختلاف طلحة والزبير في الإمارة: مروج الذهب ج ٢ / ٣٥٧، تاريخ الطبري ج ٥ / ١٨٢.

(١) في خبر وقعة الجمل أواخر ص ٥١٩ من الجزء الثالث من تاريخ الأمم والملوك (منه قدس).

(٦٧٥) يوجد هذا الحديث بهذا اللفظ وقريب منه في كل من: المستدرك للحاكم ج ٣ / ٣٦٦ وصححه هو والذهبي، الأغاني لأبي الفرج ج ١٦ / ١٣١ و ١٣٢، العقد الفريد ج ٢ / ٢٧٩، مروج الذهب ج ٢ / ٣٦٣، الكامل لابن الأثير ج ٢ / ١٢٢، مطالب السئول ص ٤١، الرياض النضرة ج ٢ / ٢٧٣، مجمع الزوائد ج ٧ / ٢٣٥، =>

٤٦٧

وقال: فاني لا أقاتلك ورجع إلى ابنه عبدالله فقال: مالي في هذا الحرب بصيرة، فقال له ابنه: انك قد خرجت على بحيرة ولكنك رأيت رايات ابن أبي طالب وعرفت ان تحتها الموت فجبنت. فأحفظه ولده حتى أرعد وغصب وقال ويحك إني قد حلفت له أن لا أقاتله، فقال ابنه: كفر عن يمينك بعتق غلامك سرجس. فأعتقه وقام في الصف معهم(٦٧٦) .

وقال الطبري: وكان علي قال للزبير: أتطلب مني دم عثمان وأنت قتلته سلط الله على أشدنا عليه اليوم ما يكره(١) ، ودعا علي طلحة فقال: يا طلحة جئت بعرس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تقاتل بها وخبأت عرسك في البيت، أما بايعتني ؟. قال: بايعتك وعلى عنقي اللج، وأصر طلحة على الحرب.

وحينئذ رجع علي إلى أصحابه فقال لهم (فيما حكاه الطبري وغيره): أيكم يعرض عليهم هذا المصحف(٢) وما فيه، فان قطعت يده أخذه بيده الأخرى فان قطعت أيضا أخذه بأسنانه. قال فتى شاب: أنا. فطاف علي على أصحابه يعرض ذلك عليهم، فلم يقبله إلا ذلك الشاب. فقال له علي: أعرض عليهم هذا

____________________

=> فتح الباري لابن حجر ج ١٣ / ٤٦، المواهب اللدنية للقسطلاني ج ٢ / ١٩٥، شرح المواهب للزرقاني ج ٣ / ٣١٨ وج ٧ / ٢١٧، الخصائص الكبرى للسيوطي ج ٢ / ١٣٧، السيرة الحلبية ج ٣ / ٣١٥، شرح الشفا للخفاجي ج ٣ / ١٦٥، الغدير للأميني ج ٣ / ١٩١ وج ٩ / ١٠١، تاريخ الطبري ج ٥ / ٢٠٠ و ٢٠٤، تذكرة الخواص ص ٧٠.

(٦٧٦) تاريخ الطبري ج ٥ / ٢٠٠، الكامل في التاريخ ج ٣ / ١٢٣، مروج الذهب ج ٢ / ٣٦٣، تذكرة الخواص ص ٧٠.

(١) راجع ص ٥٢٠ من الجزء الثالث من تاريخ الأمم والملوك، وقد استجاب الله دعاء على فسلط الله على الزبير عمرو بن جرموز فقتله في ذلك اليوم (منه قدس).

(٢) تنبغي الإشارة إلى ان ابن العاص أخذ حيلة المصاحف في صفين من هذه الواقعة وأساء استخدامها كما لا يخفى (منه قدس).

٤٦٨

وقل هو بيننا وبينكم من أوله إلى آخره، والله الله في دمائنا ودمائكم. فلما جاءهم الفتى حملوا عليه وفي يده المصحف فقطعوا يديه، فأخذه بأسنانه حتى قتل، وعندئذ قال علي لأصحابه: قد طاب لكم الضراب فقاتلوهم.

ورثت أم الغلام المرسل بالمصحف بقولها فيما رواه الطبري(١) :

لاهم ان مسلما دعاهم

يتلو كتاب الله لا يخشاهم

وأمهم قائمة تراهم

يأتمرون الغي لا تناهم

قد خضبت من علق لحاهم(٦٧٧)

وبرزت ربه الجمل والهودج إلى المعركة، وقد عصفت في رأسها النخوة ونزت فيه سورة الانفة، فأدركتها حمية منكرة، وكانت أجرأ من ذي لبدة، قد جمعت ثيابها على أسد، تلهب حماسها في جيشها، فتدفعهم به إلى الموت دون جملها، وقد نظرت عن يسارها فقالت: من القوم عن يساري؟.

فأجابها صبرة بن شيمان (كما في الكامل لابن الأثير وغيره): نحن بنوك الأزد.

فقالت: يا آل غسان حافظوا اليوم على جلادكم الذي كنا نسمع به في قول القائل :

وجالد من غسان أهل حفاظها

وكعب وأوس جالدت وشبيب

فكان الأزد يأخذون بعر الجمل يشمونه ويقولون: بعر جمل أمنا ريحه ريح المسك، وقالت لمن يمينها: من القوم عن يمينى ؟. قالوا: بكر بن وائل. قالت: لكم يقول القائل :

وجاءوا إلينا في الحديد كأنهم

من العزة القعساء بكر بن وائل

____________________

(١) راجع ص ٥٢٢ من الجزء الثالث من تاريخ الأمم والملوك (منه قدس).

(٦٧٧) تاريخ الطبري ج ٥ / ٢٠٤ و ٢٠٦، تذكرة الخواص ص ٧١، مروج الذهب ج ٢ / ٣٦١ (*).

٤٦٩

انما بازائكم عبدالقيس. وأقبلت على كتيبة بين يديها فقالت: من القوم ؟ قالوا: بنو ناجية. قالت: بخ بخ سيوف أبطحية قرشية، فجالدوا جلادا يتفادى منه، فكأنما أشعلت فيهم من الحماسة نارا تلظى. وتتابع حملة اللواء على خطام جملها مستميتين يقولون :

يا أمنا يا زوجة النبي

يا زوجة المبارك المهدي

نحن بنو ضبة لا نفر

حتى نرى جما جما تخر

يخر منها العلق المحمر

وما زالت تستفز حميتهم حتى عقر الجمل، بعد ان قتل على خطامه أربعون رجلا وكانت الهزيمة بأذن الله. ولو عناية أمير المؤمنين ساعتئذ في حفظها، ووقوفه بنفسه على صونها، لكان ما كان مما أعاذها الله منه في هذه الفتنة العمياء التي شقت عصا المسلمين إلى يوم الدين، وعلى أسسها كانت صفين والنهروان ومأساة كربلا وما بعدها. حتى نكبة فلسطين، في عصرنا هذا.

لكن أخا النبي وأبا سبطيه، وقف على الجمل بنفسه، حين أطفئت الفتنة بعقره، وما ان هوى بالهودج حتى آواه - وفيه عائشة - إلى وارف من ظله منيع، وجعل معها أخاها محمدا ليقوم بمهامها في نسوة من الصالحات، ومن على محاربيه وتفضل عليهم، وأطلق الأسرى من أعدائه الألداء، واختص عائشة من الكرامة بكل ما يناسب خلقه الكريم. وفضله العميم، وحكمته البالغة وهذا كله معلوم بحكم الضرورة من كتب السير والأخبار.

وتسمى هذه الوقعة وقعة الجمل الأكبر. وكانت يوم الخميس لعشر خلون من جمادي الآخرة سنة ست وثلاثين، وتفصيل الوقعتين في كتب السير والتواريخ فلتراجع.

٤٧٠

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٤٥٠: -

وقد كانت القتلى يوم الجمل

الأكبر ثلاثة عشر ألفا من أبناء عائشة فيهم طلحة والزبير بكل أسف، واستشهد يومئذ من أولياء علي اللهم وال من والاه وعاد من عاداه - ألف أو دونه أو أكثر منه(٦٧٨) .

هذا وقد كانت أم المؤمنين من أعلم الناس بأن عليا أخو رسول الله ووليه ووارثه ووصيه(٦٧٩) وانه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله(٦٨٠) وانه

____________________

(٦٧٨) ولأجل المزيد من الاطلاع حول هذه الواقعة راجع: أحاديث أم المؤمنين عائشة ق ١ / ١٢١ - ٢٠٠، الجمل للشيخ المفيد ط الحيدرية، مروج الذهب ج ٢ / ٣٥٩ - ٣٦٠، أسد الغابة ج ٢ / ١١٤ و ١٧٨ وج ١ / ٣٨٥ وج ٤ / ٤٦ و ١٠٠ وج ٥ / ١٤٣ و ١٤٦ و ٢٨٦، الإصابة ج ١ / ٢٤٨ وج ٢ / ٣٩٥، تاريخ الطبري ج ٥ / ١٦٣، الكامل لابن الأثير ج ٣ / ١٠٥، تاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ / ١٤٩.

(٦٧٩) كما تقدم تحت رقم (٥٥١ و ٥٥٢ و ٥٥٣ و ٥٥٤).

(٦٨٠) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ١ / ١٥٧ ح ٢١٩ و ٢٢٠ و ٢٢١ و ٢٢٢ و ٢٢٧ و ٢٣٢ و ٢٣٨ و ٢٤٠ و ٢٤٢ و ٢٤٣ و ٢٤٤ و ٢٤٥ و ٢٤٦ و ٢٤٧ و ٢٤٨ و ٢٥٢ و ٢٥٣ و ٢٥٤ و ٢٥٥ و ٢٦٠ و ٢٦٢ و ٢٦٣ و ٢٦٤ و ٢٧٠ و ٢٧١ و ٢٧٣ و ٢٧٥ و ٢٧٦ و ٢٧٨ و ٢٧٩ و ٢٨٩ و ٢٩٠ ط ١، المستدرك للحاكم ج ٣ / ٣٨، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٤٥، فرائد السمطين ج ١ / ٢٥٣، مصنف ابن أبى شيبة ج ٦ / ١٥٤، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٢٣، الاستيعاب بهامش الإصابة ج ٣ / ٣٦، تاريخ بغداد ج ٨ / ٥، إحقاق الحق ج ٥ / ٤٠٠، أنساب الأشراف للبلاذري ج ٢ / ٩٣، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص ١٨١ ح ٢١٧ و ٢٢١ ط ١، السنن الكبرى للبيهقي ج ٩ / ١٠٦، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص ٥٥ و ٥٦، ينابيع المودة للقندوزي ص ٤٨ ط اسلامبول، صحيح مسلم في باب مناقب علي بن أبي طالب ج ٧ / ١٢١ ط العامرة بمصر، حلية الأولياء ج ١ / ٦٢، الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ / ١١٠ ط دار صادر، السيرة النبوية لابن هشام، البداية والنهاية ج ٤ / ١٨٦ وج ٧ / ٣٣٦، صحيح البخاري باب مناقب علي بن أبي طالب ج ٥ / ٢٣، الكامل في التاريخ ج ٢ / ١٤٩، أسد الغابة ج ٤ / ٢١، تذكرة الخواص ص ٢٥، التاريخ الكبير للبخاري ج ٤ / ٢٦٢، نزل الأبرار ص ٤٣. راجع بقية المصادر فيما تقدم تحت رق م (٤٧٤).

٤٧١

منه بمنزلة هارون من موسى إلا في النبوة(٦٨١) وقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: " اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله "(٦٨٢) ، " رحم الله عليا اللهم أدر الحق معه حيث دار "(٦٨٣) .

____________________

(٦٨١) حديث المنزلة: من الأحاديث المتواترة ولأجل الاطلاع على مصادره راجع كتاب سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص ١١٧ تحت رقم (٤٧٥) ففيه الكفاية.

(٦٨٢) حديث المولاة: ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢ / ١٣ ح ٥٠٨ و ٥١٣ و ٥١٤ و ٥٢٣ و ٥٤٤ و ٥٦٢ و ٥٦٩، كفاية الطالب ص ٦٣ ط الحيدرية وص ١٧ ط الغرى، كنز العمال ج ٦ / ٤٠٣ ط ١ وج ١٥ / ١١٥ ح ٣٣٢ و ٤٠٢ ط ٢، شواهد التنزيل للحسكاني ج ١ / ١٥٧ ح ٢١١ وص ١٩٢ ح ٢٥٠، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٠٥، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ١٥١ ط السعيدية وص ١٣٧ ط العثمانية، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص ٩٦ ط الحيدرية وص ٢٦ و ٢٧ ط مصر، الملل والنحل للشهرستاني ج ١ / ١٦٣ ط بيروت وبهامش الفصل لابن حزم ج ١ / ٢٢٠، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ٢٠٩ و ٢٨٩ ط ١ وج ٢ / ٢٨٩ وج ٣ / ٢٠٨ بتحقيق أبو الفضل، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٣٢ ط الميمنية، أنساب الأشراف للبلاذري ج ٢ / ١١٢، نظم درر السمطين للزرندي ص ١١٢، المناقب للخوارزمي ص ٨٠ و ٩٤ و ١٣٠، ينابيع المودة للقندوزي ص ٢٨٩ ط اسلامبول وص ٢٩٧ ط الحيدرية، فرائد السمطين للحمويني ج ١ / ٦٩ ح ٣٦ و ٣٩ و ٤٠، نزل الأبرار للبدخشاني ص ٥١ - ٥٤، وراجع بقية مصادر الحديث في كتاب سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص ١٨٢.

(٦٨٣) حديث: " الحق مع علي ". صحيح الترمذي ج ٥ / ٢٩٧ ح ٣٧٩٨، المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٢٤، المناقب للخوارزمي ص ٥٦، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٣ / ١١٧ ح ١١٥٩ و ١١٦٠، غاية المرام ص ٥٣٩ (باب) ٤٥، شرح النهج لابن أبى الحديد ج ٢ / ٥٧٢ ط ١ وج ١٠ / ٢٧٠ بتحقيق أبو الفضل، منتخب كنز العمال بهامش =>

٤٧٢

وقد شهدت حجة الوداع مع رسول الله فرأته يوم الموقف يشيد بفضله آمرا أمته بالتمسك بثقليه تارة وبخصوص علي أخرى، منذرا بضلال من لم يأخذ بهما معا(٦٨٤) .

ويوم الغدير رأتهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد رقى منبر الحدائج يعهد إلى علي عهده، ويوليه على الأمة بعده، بمسمع ومنظر من تلك الألوف المؤلفة قافلة من حجة الوداع، حيث تفترق بهم الطرق إلى بلادهم(٦٨٥) .

ورأته وقد نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين يقول لهم: " أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم " أخرجه كل من الإمامين أحمد في مسنده(١) والحاكم في صحيحه المستدرك، والطبراني في الكبير، ورواه الترمذي بسنده الصحيح إلى زيد بن أرقم، كما في ترجمة الزهراء من الإصابة(٦٨٦) .

____________________

=> مسند أحمد ج ٥ / ٦٢، الفتح الكبير للنبهاني ج ٢ / ١٣١، جامع الأصول لابن الأثير ج ٩ / ٤٢٠، إحقاق الحق للتستري ج ٥ / ٦٢٦، فرائد السمطين للحمويني ج ١ / ١٧٦ ح ١٣٨، الغدير ج ٣ / ١٧٩، دلائل الصدق ج ٢ / ٣٠٢، المعيار والموازنة للاسكافي المعتزلي ص ٣٥ و ١١٩، نزل الأبرار للبدخشانى ص ٥٦، راجع بقية المصادر في كتاب سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص ١٧٠ ط بيروت.

(٦٨٤) تقدم حديث الثقلين مع مصادره تحت رقم (١٥) وسوف يأتي أيضا.

(٦٨٥) الغدير للأميني ج ١ / ٩، فرائد السمطين للحمويني ج ١ / ٧٣ ح ٣٩. ولأجل المزيد من الاطلاع على هذه الحادثة مع مصادرها راجع: سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص ١٧٣ تحت رقم (٦١٥ و ٦١٦ و ٦١٧ و ٦١٨ و ٦١٩ و ٦٢٠ و ٦٢١ و ٦٢٢) ففيها مئات المصادر لهذه الواقعة المباركة. وسوف يأتي بعض منها.

(١) راجع من المسند ص ٤٤٢ من جزئه الثاني بالإسناد إلى أبى هريرة (منه قدس).

(٦٨٦) صحيح الترمذي ج ٥ / ٣٦٠ ح ٣٩٦٢، سنن ابن ماجة ج ١ / ٥٢ ح ١٤٥، =>

٤٧٣

ورأتهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ جللهم بكسائه يقول حينئذ: " أنا حرب لمن حاربهم، وسلم لمن سالمهم وعدو لمن عاداهم "(٦٨٧) إلى كثير من أمثال هذه النصوص الصحيحة التي لم يخف شئ منها على أم المؤمنين فانها عيبة الحديث حتى قيل عنها :

حفظت أربعين ألف حديث

ومن الذكر آية تنساها(٦٨٨)

وحسبها ما قد رواه أبوها أبو بكر إذ قال: رأيت رسول الله خيم

____________________

=> المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٤٩، تلخيص المستدرك للذهبي بذيل المستدرك، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص ٦٤ ح ٩٠ ط ١، أسد الغابة ج ٣ / ١١ وج ٥ / ٥٢٣ ذخائر العقبى ص ٢٥، الصواعق المحرقة ص ١١٢ ط الميمنية وص ١٨٥ ط المحمدية، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٦٦ و ١٦٩، كفاية الطالب ص ٣٣٠ و ٣٣١ ط الحيدرية وص ١٨٨ و ١٨٩ ط الغرى، ينابيع المودة للقندوزي ص ٣٥ و ١٦٥ و ١٧٢ و ١٩٤ و ٢٣٠ و ٢٦١ و ٢٩٤ و ٣٠٩ و ٣٧٠ ط اسلامبول، شواهد التنزيل للحسكاني ج ٢ / ٢٧، المناقب للخوارزمي ص ٩١، مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ / ٦١ و ٩٩، المعجم الصغير للطبراني ج ٢ / ٣، الفتح الكبير للنبهاني ج ١ / ٢٧١، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٩٢، إحقاق الحق ج ٩ / ١٦١ - ١٧٤، نزل الأبرار ص ٣٥ و ١٠٥، فرائد السمطين للحمويني ج ٢ / ٣٩، سمط النجوم ج ٢ / ٤٨٨. وقد تقدم مع مصادر أخرى تحت رقم (١٢٦).

(٦٨٧) نقل ابن حجر الهيثمي في تفسير الآية من آيات فضلهم التي وردت في الفصل الحادي عشر من صواعقه، وقد استفاض قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله حرب علي حربي وسلمه سلمى (منه قدس). الصواعق لابن حجر ص ١٤٢ و ١٨٥ ط المحمدية و ٨٥ و ١١٢ ط الميمنية، الإصابة ج ٤ / ٣٧٨، ينابيع المودة ص ٢٢٩ و ٢٩٤ و ٣٠٩ ط اسلامبول، نظم درر السمطين ص ٢٣٢ و ٢٣٩، مصابيح السنة للبغوي ج ٢ / ٢٨٠، مشكاة المصابيح ج ٣ / ٢٥٨، ذخائر العقبى ص ٢٣، الرياض النضرة ج ٢ / ٢٤٩، وقد تقدم تحت رقم (١٢٨).

(٦٨٨) هذا البيت للشيخ كاظم الأزري راجع الأزرية ص. (*)

٤٧٤

خيمة(١) وهو متكئ على قوس عربية، وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " معشر الناس أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة، حرب لمن حاربهم ولي لمن والاهم، لا يحبهم إلا سعيد الجد طيب المولد. ولا يبغضهم إلا شقي الجد ردئ المولد "(٦٨٩) .

فهل يا ترى كانت أم المؤمنين في هذا الخروج وما إليه تريد الله ورسوله والدار الآخرة، وأنها من المحسنات ؟ تبتغي بذلك الأجر والثواب الذي وعد الله به نساء نبيه إذ يقول:( وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ) (٦٩٠) .

أم كانت ترى أن بينها وبين الله هوادة، تبيح لها ما قد حرمه الله على العالمين ؟ فارتكبت بخروجها - على الإمام - ما أرتكبت آمنة من وعيده إذ يقول:( يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ

____________________

(١) لعل هذه الخيمة هي الكساء الذي جللهم به حين أوحى إليه فيهم: "( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) ". وقد فصلنا ذلك في الفصل الثاني من المطلب الأول من كلمتنا الغراء في تفضيل الزهراء، فليراجعها من أراد الشفاء من كل داء (منه قدس).

(٦٨٩) تجد هذا الحديث منقولا عن أبى بكر الصديق في كتاب عبقرية محمد للأستاذ الكبير عباس محمود العقاد بعين لفظه تحت عنوان - النبي والإمام والصحابة - فراجع (منه قدس).

وأيضا في: فرائد السمطين للحمويني ج ٢ / ٤٠ ح ٣٧٣، المناقب للخوارزمي ص ٢١١، مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ / ٤، سمط النجوم ج ٢ / ٤٨٨ راجع بقية المصادر فيما تقدم تحت رقم (١٢٨).

(٦٩٠) سورة الأحزاب: ٢٩ (*).

٤٧٥

وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ) (٦٩١) .

أم أنها يا ترى رأت خروجها ذلك الخروج، عبادة لله وقنوتا منها له ولرسوله وعملا صالحا ؟ فاستأثرت به عملا بقوله تعالى:( وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ) (٦٩٢) !

أم أنها أرادت أن تمثل التقوى والورع بخروجها دون صواحبها من نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لتستأثر من بينهن بالعمل بقوله تعالى:( يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ) (٦٩٣) .

وهل رأت بيت ابن ضبة بيتها الذي أمرها الله أن تقرأ فيه ؟ ورأت قيادتها لتلك الجيوش سرداقا ضربه طلحة والزبير عليها يصونها عن تبرج الجاهلية الأولى ؟ ويفرغها للصلاة والزكاة وطاعة الله ورسوله ؟(٦٩٤) .

ورأت أنها تكون بذلك كله نصب أمر الله ونهيه إذ يقول عزوجل:( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) (٦٩٥) .

وماذا تقول ؟ أو يقول أولياؤها ؟ في خطاب الله لها ولصاحبتها بقوله:( إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا (١) وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ

____________________

(٦٩١) سورة الأحزاب: ٣٠.

(٦٩٢) سورة الأحزاب: ٣١.

(٦٩٣) سورة الأحزاب: ٣٢.

(٦٩٤) إشارة إلى البيت الذي استقرت فيه في البصرة. راجع: شرح ابن أبى الحديد.

(٦٩٥) سورة الأحزاب: ٣٣.

(١) ثبت بهذه الآية صدور الذنب منهما، ووجوب التوبة عليهما (منه قدس) (*).

٤٧٦

وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (١) * عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ) (٦٩٦) .

وحسبهما من الله تعالى حجة عليهما، مثله العظيم، الذي ضربه لهما في سورة التحريم، أعني قوله عز من قائل:( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (٦٩٧) .

ولله قول من يقول من أبطال أهل البيت علما وعملا :

عائش ما نقول في قتالك

سلكت في مسالك المهالك

وحسبك ما أخرج البخاري

من الصحيح مومئا للدار(٢)

____________________

(١) هذه هي الغاية في الاستعداد لمكافحتهما في نصرته والدفاع عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله بحيث لو تظاهر عليه أهل الأرض في الطول والعرض، ما أعد لمكافحتهم أكثر من هذه القوة كما لا يخفى (منه قدس).

(٦٩٦) سورة التحريم: ٤ و ٥. راجع ما تقدم من مصادر تحت رقم (٦٢٠).

(٦٩٧) سورة التحريم: ٩ و ١٠. راجع: تفسير القرطبي ج ١٨ / ٢٠٢، فتح القدير للشوكاني ج ٥ / ٢٥٥.

(٢) يشير في هذا البيت إلى ما أخرجه البخاري في باب ما جاء في بيوت أزواج النبي من كتاب الجهاد والسير ص ١٢٥ من الجزء الثاني من صحيحه عن عبدالله قال: قام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأشار إلى مسكن عائشة فقال: ههنا الفتنة ههنا الفتنة حيث يطلع قرن الشيطان، ولفظه عند مسلم: خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من بيت عائشة فقال رأس الكفر من ههنا حيث يطلع قرن الشيطان. فراجعه في كتاب الفتن واشراط الساعة ص ٥٠٣ من الجزء الثاني من صحيحه (منه قدس) (*).

٤٧٧

قد قيل تبت وعلي غمضا

فلم سجدت الشكر لما قبضا "(١)

ولم ركبت البغل في يوم الحسن

تؤججين نار هاتيك الفتن(٦٩٨)

____________________

(١) اشارة إلى ما كان من أم المؤمنين، حين بلغها نعى علىعليه‌السلام من أنها سجدت لله شكرا ثم رفعت رأسها قائلة :

فألقت عصاها واستقر بها النوى

كما قر عينا بالإياب المسافر

ثم سألت: من قتله ؟. فقيل لها: رجل من مراد. فقالت :

فان يك نائيا فلقد نعاه

غلام ليس في فيه التراب

فأنكرت عليها زينب بنت أم سلمة قائلة لها، العلى تقولين هذا يا عائش ؟ !. فأجابت عائش: أنى نسيت، فإذا نسيت فذكروني ! ! (منه قدس).

(٦٩٨) كان الإمام أبو محمد الحسن الزكي سيد شباب أهل الجنة، أنذر الهاشميين قبل وفاته بفتنة يخشاها من بني أمية إذا أراد الهاشميون دفنه عند جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعهد إلى أخيه سيد الشهداء أن يتدارك الشر إذا هبت عواصفه، بدفنه في البقيع عند جدته فاطمة بنت أسد، وأقسم عليه أن لا يريق في سبيله مل‌ء محجمة من دم. فلما قضى (بأبي وأمي) نحبه، أراد الهاشميون أن يجددوا به العهد بجده رسول الله، أو أنهم أرادوا أن يدفنوه عنده إذا أمنوا الفتنة، فقامت قيامة بني أمية، وأعدوا للحرب عدتها متجهزين بجهازها، وعلى رأسهم مروان بن الحكم وسعيد بن العاص، وكان مروان ينادى يا رب هيجاء هي خير من دعة، أيدفن أمير المؤمنين (عثمان) في أقصى المدينة، ويدفن الحسن مع رسول الله. وجاؤا بعائشة وهي على بغل، تذودهم عن بيتها قائلة: لا تدخلوه بيتي.

ففي ترجمة الحسن من كتاب (مقاتل الطالبيين) لأبي الفرج الاصفهانى المروانى عن على بن طاهر بن زيد يقول: لما أرادوا دفنه، أي الحسن، ركبت عائشة بغلا واستعونت بني أمية ومروان ومن كان هناك منهم ومن حشمهم وهو قول القائل: يوما على بغل، ويوما على جمل. وذكر المسعودي ركوب عائشة البغلة الشهباء، ليومها الثاني من أهل البيت قال: فأتاها القاسم بن محمد بن أبى بكر فقال: يا عمة ما غسلنا رؤوسنا من يوم الجمل الأحمر أتريدين أن يقال: يوم البغلة الشهباء. أه‍. وفى ذلك يقول القائل: =>

٤٧٨

... ..

____________________

=>

تجملت تبغلت ولو عشت تفيلت

لك التسع من الثمن وفى الكل تصرفت

ولنا هنا أن نبحث عن الوجه في كون بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيتها تدخل فيه من تحب، وتنرود عنه من لا تحب ؟ شأن المالك يتصرف في ملكه المطلق كيف يشاء، فهل يا ترى ملكها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيته ببيع أو هبة أو نحوهما ؟ كلا. وما أظن ان أحدا قال ذلك أو توهمه.

نعم أسكنها في حجرة من حجرات داره، كما أسكن غيرها من نسائه في حجرات اخر، وكما يسكن كل رجل زوجته في بيته قياما بواجب المرأة على زوجها فان اسكانها من نفقاتها الواجبة لها عليه اجماعا وقولا واحدا. والمرأة انما تسكن في بيت زوجها. فيدها على مسكنها ليست من امارات الملك في شئ، لان المتصرف في مسكنها في الحقيقة، انما هو الرجل، حيث انه هو الذى أسكنها فيه وحيث انه كان يساكنها في نفس البيت، ولو في يومها وليلتها في أقل الفروض.

على انه لو سلمنا ان يد عائشة على حجرتها، امارة تملكها، فلم لم تكن يد الزهراء على فدك امارة على تملكها ؟ ! وشتان بين هاتين اليدين، فان يد البنت على شئ من أملاك أبيها تتصرف فيه على عهده بمنظر منه ومسمع، لمن امارات الملك بلا كلام، ولاسيما إذا كانت نازحة على بيت أبيها إلى بيت زوجها. بخلاف يد الزوجة على حجرة من حجرات دار زوجها، ونحن نحكم العرف البشرى في هذه الفرق بين هاتين اليدين.

ولعل الخليفة يومئذ وهو أبوها، ملكها بيت رسول الله بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله بولايته العامة، وهذا ليس بالبعيد، لكنا كنا نأمل منه، أن يعامل بنت رسول الله فيما كان في يدها، معاملة بنته، ولو فعل لكان ذلك أقرب إلى اجتماع الكلمة، ولم شعث الأمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم (منه قدس). هذه الأبيات. (*)

٤٧٩

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٤٥٩: -

[ الفصل الخامس ] [ تأول خالد بن الوليد ] [ المورد - (٨٦) -: ذلك ما فعله خالد بن الوليد يوم فتح مكة ]

وقد نهاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يومئذ عن القتل والقتال، كما نص عليه أهل السير والأخبار، ورواه أثبات المحدثين بأسانيدهم الصحيحة، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله له يومئذ وللزبير: " لا تقاتلا إلا من قاتلكما ".

ولكن خالدا قاتل مع ذلك وقتل نيفا وعشرين رجلا من قريش وأربعة نفر من هذيل فدخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مكة، فرأى امرأة مقتولة، فسأل حنظلة الكاتب: من قتلها ؟: قال: خالد بن الوليد. فأمره أن يدرك خالدا فينهاه أن يقتل امرأة أو وليدا، أو عسيفا - أي أجيرا -(٦٩٩) إلى آخر ما تجده من هذه القضية في " عبقرية عمر " للأستاذ العقاد ص ٢٦٦.

____________________

(٦٩٩) هذه الحادثة رواها ابن هشام في غزوة حنين في السيرة النبوية ج ١٤ ١٠٠ ولعلها قد تكررت من خالد. (*)

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568