الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢٠

الميزان في تفسير القرآن10%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 568

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 220003 / تحميل: 7018
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢٠

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

و قيل: ليكون عذراً يعتذر به الله إلى عباده في العقاب أنّه لم يكن إلّا على وجه الحكمة، و يؤل إلى إتمام الحجّة، فمحصّل المعنى عليه أنّهم يلقون الذكر ليكون إتماماً للحجّة على المكذّبين و تخويفاً لغيرهم، و هو معنى حسن.

قوله تعالى: ( إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ ) جواب القسم، و ما موصولة و الخطاب لعامّة البشر، و المراد بما توعدون يوم القيامة بما فيه من العقاب و الثواب و الواقع أبلغ من الكائن لما فيه من شائبة الاستقرار، و المعنى أنّ الّذي وعدكم الله به من البعث و العقاب و الثواب سيتحقّق لا محالة.

( كلام في إقسامه تعالى في القرآن‏)

من لطيف صنعة البيان في هذه الآيات الستّ أنّها مع ما تتضمّن الإقسام لتأكيد الخبر الّذي في الجواب تتضمّن الحجّة على مضمون الجواب و هو وقوع الجزاء الموعود فإنّ التدبير الربوبيّ الّذي يشير إليه القسم أعني إرسال المرسلات العاصفات و نشرها الصحف و فرقها و إلقاءها الذكر للنبيّ تدبير لا يتمّ إلّا مع وجود التكليف الإلهيّ و التكليف لا يتمّ إلّا مع تحتّم وجود يوم معدّ للجزاء يجازى فيه العاصي و المطيع من المكلّفين.

فالّذي أقسم تعالى به من التدبير لتأكيد وقوع الجزاء الموعود هو بعينه حجّة على وقوعه كأنّه قيل: اُقسم بهذه الحجّة أنّ مدلولها واقع.

و إذا تأمّلت الموارد الّتي اُورد فيها القسم في كلامه تعالى و أمعنت فيها وجدت المقسم به فيها حجّة دالّة على حقّيّة الجواب كقوله تعالى في الرزق:( فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ ) الذاريات: ٢٣ فإنّ ربوبيّة السماء و الأرض هي المبدأ لرزق المرزوقين، و قوله:( لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ) الحجر: ٧٢ فإنّ حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الطاهرة المصونة بعصمة من الله دالّة على سكرهم و عمههم، و قوله:( وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها - إلى أن قال -وَ نَفْسٍ وَ ما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها قَدْ

٢٤١

أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها ) الشمس: ١٠ فإنّ هذا النظام المتقن المنتهي إلى النفس الملهمة المميّزة لفجورها و تقواها هو الدليل على فلاح من زكّاها و خيبة من دسّاها.

و على هذا النسق سائر ما ورد من القسم في كلامه تعالى و إن كان بعضها لا يخلو من خفاء يحوج إلى إمعان من النظر كقوله:( وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ وَ طُورِ سِينِينَ ) التين: ٢ و عليك بالتدبّر فيها.

قوله تعالى: ( فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ - إلى قوله -أُقِّتَتْ ) بيان لليوم الموعود الّذي اُخبر بوقوعه في قوله:( إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ ) و جواب إذا محذوف يدلّ عليه قوله:( لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ - إلى قوله -لِلْمُكَذِّبِينَ ) .

و قد عرّف سبحانه اليوم الموعود بذكر حوادث واقعة تلازم انقراض العالم الإنسانيّ و انقطاع النظام الدنيويّ كانطماس النجوم و انشقاق الأرض و اندكاك الجبال و تحوّل النظام إلى نظام آخر يغايره، و قد تكرّر ذلك في كثير من السور القرآنيّة و خاصّة السور القصار كسورة النبإ و النازعات و التكوير و الانفطار و الانشقاق و الفجر و الزلزال و القارعة، و غيرها، و قد عدّت الاُمور المذكورة فيها في الأخبار من أشراط الساعة.

و من المعلوم بالضرورة من بيانات الكتاب و السنّة أنّ نظام الحياة في جميع شؤنها في الآخرة غير نظامها في الدنيا فالدار الآخرة دار أبديّة فيها محض السعادة لساكنيها لهم فيها ما يشاؤن أو محض الشقاء و ليس لهم فيها إلّا ما يكرهون و الدار الدنيا دار فناء و زوال لا يحكم فيها إلّا الأسباب و العوامل الخارجيّة الظاهريّة مخلوط فيها الموت بالحياة، و الفقدان بالوجدان، و الشقاء بالسعادة، و التعب بالراحة، و المساءة بالسرور، و الآخرة دار جزاء و لا عمل و الدنيا دار عمل و لا جزاء، و بالجملة النشأة غير النشأة.

فتعريفه تعالى نشأة البعث و الجزاء بأشراطها الّتي فيها انطواء بساط الدنيا

٢٤٢

بخراب بنيان أرضها و انتساف جبالها و انشقاق سمائها و انطماس نجومها إلى غير ذلك من قبيل تحديد نشأة بسقوط النظام الحاكم في نشأة اُخرى قال تعالى:( وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى‏ فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ ) الواقعة: ٦٢.

فقوله:( فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ ) أي محي أثرها من النور و غيره، و الطمس إزالة الأثر بالمحو قال تعالى:( وَ إِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ) التكوير: ٢.

و قوله:( وَ إِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ ) أي انشقّت، و الفرج و الفرجة الشقّ بين الشيئين قال تعالى:( إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ ) الانشقاق: ١.

و قوله:( وَ إِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ ) أي قلعت و اُزيلت من قولهم: نسفت الريح الشي‏ء أي اقتلعته و أزالته قال تعالى:( وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً ) طه: ١٠٥.

و قوله:( وَ إِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ ) أي عيّن لها الوقت الّذي تحضر فيه للشهادة على الاُمم أو بلغت الوقت الّذي تنتظره لأداء شهادتها على الاُمم من التأقيت بمعنى التوقيت، قال تعالى:( فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَ لَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ) الأعراف: ٦، و قال:( يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ ) المائدة: ١٠٩.

قوله تعالى: ( لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ - إلى قوله -لِلْمُكَذِّبِينَ ) الأجل المدّة المضروبة للشي‏ء، و التأجيل جعل الأجل للشي‏ء، و يستعمل في لازمه و هو التأخير كقولهم: دين مؤجّل أي له مدّة بخلاف الحالّ و هذا المعنى هو الأنسب للآية، و الضمير في( أُجِّلَتْ ) للاُمور المذكورة قبلاً من طمس النجوم و فرج السماء و نسف الجبال و تأقيت الرسل، و المعنى لأيّ يوم اُخّرت يوم اُخّرت هذه الاُمور.

و احتمل أن يكون( أُجِّلَتْ ) بمعنى ضرب الأجل للشي‏ء و أن يكون الضمير المقدّر فيه راجعاً إلى الرسل، أو إلى ما يشعر به الكلام من الاُمور المتعلّقة بالرسل ممّا أخبروا به من أحوال الآخرة و أهوالها و تعذيب الكافرين و تنعيم المؤمنين فيها، و لا يخلو كلّ ذلك من خفاء.

و قد سيقت الآية و الّتي بعدها أعني قوله:( لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ لِيَوْمِ الْفَصْلِ ) في

٢٤٣

صورة الاستفهام و جوابه للتعظيم و التهويل و التعجيب و أصل المعنى اُخّرت هذه الاُمور ليوم الفصل.

و هذا النوع من الجمل الاستفهاميّة في معنى تقدير القول، و المعنى إنّ من عظمة هذا اليوم و هوله و كونه عجباً أنّه يسأل فيقال: لأيّ يوم اُخّرت هذه الاُمور العظيمة الهائلة العجيبة فيجاب: ليوم الفصل.

و قوله:( لِيَوْمِ الْفَصْلِ ) هو يوم الجزاء الّذي فيه فصل القضاء قال تعالى:( إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) الحجّ: ١٧.

و قوله:( وَ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ ) تعظيم لليوم و تفخيم لأمره.

و قوله:( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) الويل الهلاك، و المراد بالمكذّبين المكذّبون بيوم الفصل الّذي فيه ما يوعدون فإنّ الآيات مسوقة لبيان وقوعه و قد أقسم على أنّه واقع.

و في الآية دعاء على المكذّبين، و قد استغنى به عن ذكر جواب إذا في قوله:( فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ ) إلخ و التقدير فإذا كان كذا و كذا وقع ما توعدون من العذاب على التكذيب أو التقدير فإذا كان كذا و كذا كان يوم الفصل و هلك المكذّبون به.

( بحث روائي‏)

في الخصال، عن ابن عبّاس قال: قال أبوبكر: أسرع الشيب إليك يا رسول الله قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : شيّبتني هود و الواقعة و المرسلات و عمّ يتساءلون.

و في الدرّ المنثور، أخرج البخاريّ و مسلم و النسائيّ و ابن مردويه عن ابن مسعود قال: بينما نحن مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غار بمنى إذ نزلت عليه سورة و المرسلات عرفاً فإنّه يتلوها و إنّي لألقاها من فيه و إنّ فاه لرطب بها إذ وثبت عليه حيّة فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اقتلوها فابتدرناها فذهبت فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقيت شرّكم كما وقيتم شرّها.

أقول: و رواها أيضاً بطريقين آخرين.

٢٤٤

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( وَ الْمُرْسَلاتِ عُرْفاً ) قال: آيات تتبع بعضها بعضاً.

و في المجمع: في الآية و قيل: إنّها الملائكة اُرسلت بالمعروف من أمر الله و نهيه. في رواية الهرويّ عن ابن مسعود، و عن أبي حمزة الثماليّ عن أصحاب عليّ عنهعليه‌السلام .

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ ) قال: يذهب نورها و تسقط.

و فيه، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ ) فطمسها ذهاب ضوئها( وَ إِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ ) قال: تفرج و تنشقّ( وَ إِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ ) قال: بعثت في أوقات مختلفة.

و في المجمع، قال الصادقعليه‌السلام :( أُقِّتَتْ ) أي بعثت في أوقات مختلفة.

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ ) قال: اُخّرت.

٢٤٥

( سورة المرسلات الآيات ١٦ - ٥٠)

أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ( ١٦ ) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ ( ١٧ ) كَذَٰلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ ( ١٨ ) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ( ١٩ ) أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ ( ٢٠ ) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ( ٢١ ) إِلَىٰ قَدَرٍ مَّعْلُومٍ ( ٢٢ ) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ ( ٢٣ ) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ( ٢٤ ) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا ( ٢٥ ) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ( ٢٦ ) وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاءً فُرَاتًا ( ٢٧ ) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ( ٢٨ ) انطَلِقُوا إِلَىٰ مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ ( ٢٩ ) انطَلِقُوا إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ ( ٣٠ ) لَّا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ ( ٣١ ) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ ( ٣٢ ) كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ ( ٣٣ ) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ( ٣٤ ) هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ ( ٣٥ ) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ( ٣٦ ) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ( ٣٧ ) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ ( ٣٨ ) فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ ( ٣٩ ) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ( ٤٠ ) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ ( ٤١ ) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ ( ٤٢ ) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ( ٤٣ ) إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( ٤٤ ) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ( ٤٥ ) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا

٢٤٦

إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ ( ٤٦ ) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ( ٤٧ ) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ ( ٤٨ ) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ( ٤٩ ) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ( ٥٠ )

( بيان‏)

حجج دالّة على توحّد الربوبيّة تقضي بوجود يوم الفصل الّذي فيه جزاء المكذّبين به، و إشارة إلى ما فيه من الجزاء المعدّ لهم الّذي كانوا يكذّبون به، و إلى ما فيه من النعمة و الكرامة للمتّقين، و تختتم بتوبيخهم و ذمّهم على استكبارهم عن عبادته تعالى و الإيمان بكلامه.

قوله تعالى: ( أَ لَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ ) الاستفهام للإنكار، و المراد بالأوّلين أمثال قوم نوح و عاد و ثمود من الاُمم القديمة عهداً، و بالآخرين الملحقون بهم من الاُمم الغابرة، و الإتباع جعل الشي‏ء أثر الشي‏ء.

و قوله:( ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ ) برفع نتبع على الاستيناف و ليس بمعطوف على( نُهْلِكِ ) و إلّا لجزم.

و المعنى قد أهلكنا المكذّبين من الاُمم الأوّلين ثمّ إنّا نهلك الاُمم الآخرين على أثرهم.

و قوله:( كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ ) في موضع التعليل لما تقدّمه و لذا اُورد بالفصل من غير عطف كأنّ قائلاً قال: لما ذا اُهلكوا؟ فقيل: كذلك نفعل بالمجرمين. و الآيات - كما ترى - إنذار و إرجاع للبيان إلى الأصل المضروب في السورة أعني قوله:( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) و هي بعينها حجّة على توحّد الربوبيّة فإنّ إهلاك المجرمين من الإنسان تصرّف في العالم الإنسانيّ و تدبير، و إذ ليس المهلك إلّا الله - و قد اعترف به المشركون - فهو الرّبّ لا ربّ سواه و لا إله غيره.

٢٤٧

على أنّها تدلّ على وجود يوم الفصل لأنّ إهلاك قوم لإجرامهم لا يتمّ إلّا بعد توجّه تكليف إليهم يعصونه و لا معنى للتكليف إلّا مع مجازاة المطيع بالثواب و العاصي بالعقاب فهناك يوم يفصل فيه القضاء فيثاب فيه المطيع و يعاقب فيه العاصي و ليس هو الثواب و العقاب الدنيويين لأنّهما لا يستوعبان في هذه الدار فهناك يوم يجازى فيه كلّ بما عمل، و هو يوم الفصل ذلك يوم مجموع له الناس.

قوله تعالى: ( أَ لَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ - إلى قوله -فَنِعْمَ الْقادِرُونَ ) الاستفهام للإنكار و الماء المهين الحقير قليل الغناء و المراد به النطفة، و المراد بالقرار المكين الرحم و بقوله:( قَدَرٍ مَعْلُومٍ ) مدّة الحمل.

و قوله:( فَقَدَرْنا ) من القدر بمعنى التقدير، و الفاء لتفريع القدر على الخلق أي خلقناكم فقدرنا ما سيجري عليكم من الحوادث و ما يستقبلكم من الأوصاف و الأحوال من طول العمر و قصره و هيئة و جمال و صحّة و مرض و رزق إلى غير ذلك.

و احتمل أن يكون( فَقَدَرْنا ) من القدرة مقابل العجز و المراد فقدرنا على جميع ذلك، و ما تقدّم أوجه.

و المعنى: قد خلقناكم من ماء حقير هو النطفة فجعلنا ذلك الماء في قرار مكين هي الرحم إلى مدّة معلومة هي مدّة الحمل فقدّرنا جميع ما يتعلّق بوجودكم من الحوادث و الصفات و الأحوال فنعم المقدّرون نحن.

و يجري في كون مضمون هذه الآيات حجّة على توحّد الربوبيّة نظير البيان السابق في الآيات المتقدّمة، و كذا في كونه حجّة على تحقّق يوم الفصل فإنّ الربوبيّة تستوجب خضوع المربوبين لساحتها و هو الدين المتضمّن للتكليف، و لا يتمّ التكليف إلّا بجعل جزاء على الطاعة و العصيان، و اليوم الّذي يجازى فيه بالأعمال هو يوم الفصل.

قوله تعالى: ( أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَ أَمْواتاً - إلى قوله -فُراتاً ) الكفت و الكفات بمعنى الضمّ و الجمع أي أ لم نجعل الأرض كفاتاً يجمع العباد أحياء

٢٤٨

و أمواتاً، و قيل: الكفات جمع كفت بمعنى الوعاء، و المعنى أ لم نجعل الأرض أوعية تجمع الأحياء و الأموات.

و قوله:( وَ جَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ ) الرواسي الثابتات من الجبال، و الشامخات العاليات، و كأنّ في ذكر الرواسي توطئة لقوله:( وَ أَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً ) لأنّ الأنهار و العيون الطبيعية تنفجر من الجبال فتجري على السهول، و الفرات الماء العذب.

و يجري في حجّيّة الآيات نظير البيان السابق في الآيات المتقدّمة.

قوله تعالى: ( انْطَلِقُوا إِلى‏ ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ) حكاية لما يقال لهم يوم الفصل و القائل هو الله سبحانه بقرينة قوله في آخر الآيات:( فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ ) و المراد بما كانوا به يكذّبون: جهنّم، و الانطلاق الانتقال من مكان إلى مكان من غير مكث، و المعنى يقال لهم: انتقلوا من المحشر من غير مكث إلى النار الّتي كنتم تكذّبون به.

قوله تعالى: ( انْطَلِقُوا إِلى‏ ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ ) ذكروا أنّ المراد بهذا الظلّ ظلّ دخان نار جهنّم قال تعالى:( وَ ظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ ) الواقعة: ٤٣.

و ذكروا أنّ في ذكر انشعابه إلى ثلاث شعب إشارة إلى عظم الدخان فإنّ الدخان العظيم يتفرّق تفرّق الذوائب.

قوله تعالى: ( لا ظَلِيلٍ وَ لا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ ) الظلّ الظليل هو المانع من الحرّ و الأذى بستره على المستظلّ فكون الظلّ غير ظليل كونه لا يمنع ذلك، و اللهب ما يعلو على النار من أحمر و أصفر و أخضر.

قوله تعالى: ( إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ ) ضمير( إِنَّها ) للنار المعلومة من السياق، و الشرر ما يتطاير من النار، و القصر معروف، و الجمالة جمع جمل و هو البعير. و المعنى ظاهر.

قوله تعالى: ( هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَ لا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ) الإشارة إلى يوم الفصل، و المراد بالإذن الإذن في النطق أو في الاعتذار.

٢٤٩

و قوله:( فَيَعْتَذِرُونَ ) معطوف على( يُؤْذَنُ ) منتظم معه في سلك النفي، و المعنى هذا اليوم يوم لا ينطقون فيه أي أهل المحشر من الناس و لا يؤذن لهم في النطق أو في الاعتذار فلا يعتذرون، و لا ينافي نفي النطق ههنا إثباته في آيات اُخر لأنّ اليوم ذو مواقف كثيرة مختلفة يسألون في بعضها فينطقون و يختم على أفواههم في آخر فلا ينطقون.

و قد تقدّم في تفسير قوله تعالى:( يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) هود: ١٠٥ فليراجع.

قوله تعالى: ( هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَ الْأَوَّلِينَ فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ ) سمّي يوم الفصل لما أنّ الله تعالى يفصل و يميّز فيه بين أهل الحقّ و أهل الباطل بالقضاء بينهم قال تعالى:( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) السجدة: ٢٥، و قال:( إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) يونس: ٩٣.

و الخطاب في قوله:( جَمَعْناكُمْ وَ الْأَوَّلِينَ ) لمكذّبي هذه الاُمّة بما أنّهم من الآخرين و لذا قوبلوا بالأوّلين قال تعالى:( ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ ) هود: ١٠٣ و قال( وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ) الكهف: ٦٧.

و قوله:( فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ ) أي إن كانت لكم حيلة تحتالون بي في دفع عذابي عن أنفسكم فاحتالوا، و هذا خطاب تعجيزيّ منبئ عن انسلاب القوّة و القدرة عنهم يومئذ بالكلّيّة بظهور أن لا قوّة إلّا لله عزّ اسمه قال تعالى:( وَ لَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَ أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَ رَأَوُا الْعَذابَ وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ ) البقرة: ١٦٦.

و الآية أعني قوله:( فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ ) أوسع مدلولاً من قوله:( يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فَانْفُذُوا

٢٥٠

لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ ) الرحمن: ٣٣ لاختصاصه بنفي القدرة على الفرار بخلاف الآية الّتي نحن فيها.

و في قوله:( فَكِيدُونِ ) التفات من التكلّم مع الغير إلى التكلّم وحده و النكتة فيه أنّ متعلّق هذا الأمر التعجيزيّ إنّما هو الكيد لمن له القوّة و القدرة فحسب و هو الله وحده و لو قيل: فكيدونا فأت الإشعار بالتوحّد.

قوله تعالى: ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَ عُيُونٍ وَ فَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ - إلى قوله -الْمُحْسِنِينَ ) الظلال و العيون ظلال الجنّة و عيونها الّتي يتنعّمون بالاستظلال بها و شربها، و الفواكه جمع فاكهة و هي الثمرة.

و قوله:( كُلُوا وَ اشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) مفاده الإذن و الإباحة، و كان الأكل و الشرب كناية عن مطلق التنعّم بنعم الجنّة و التصرّف فيها و إن لم يكن بالأكل و الشرب، و هو شائع كما يطلق أكل المال على مطلق التصرّف فيه.

و قوله:( إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) تسجيل لسعادتهم.

قوله تعالى: ( كُلُوا وَ تَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ ) الخطاب من قبيل قولهم: افعل ما شئت فإنّه لا ينفعك، و هذا النوع من الأمر إياس للمخاطب أن ينتفع بما يأتي به من الفعل للحصول على ما يريده، و منه قوله:( فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا ) طه: ٧٢، و قوله:( اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) حم السجدة: ٤٠.

فقوله:( كُلُوا وَ تَمَتَّعُوا قَلِيلًا ) أي تمتّعاً قليلاً أو زماناً قليلاً إياس لهم من أن ينتفعوا بمثل الأكل و التمتّع في دفع العذاب عن أنفسهم فليأكلوا و ليتمتّعوا قليلاً فليس يدفع عنهم شيئاً.

و إنّما ذكر الأكل و التمتّع لأنّ منكري المعاد لا يرون من السعادة إلّا سعادة الحياة الدنيا و لا يرون لها من السعادة إلّا الفوز بالأكل و التمتّع كالحيوان العجم قال

٢٥١

تعالى:( وَ الَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَ يَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَ النَّارُ مَثْوىً لَهُمْ ) سورة محمّد: ١٢.

و قوله:( إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ ) تعليل لما يستفاد من الجملة السابقة المشتملة على الأمر أي لا ينفعكم الأكل و التمتّع قليلاً لأنّكم مجرمون بتكذيبكم بيوم الفصل و جزاء المكذّبين به النار لا محالة.

قوله تعالى: ( وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ ) المراد بالركوع الصلاة كما قيل و لعلّ ذلك باعتبار اشتمالها على الركوع.

و قيل: المراد بالركوع المأمور به الخشوع و الخضوع و التواضع له تعالى باستجابة دعوته و قبول كلامه و اتّباع دينه، و عبادته.

و قيل: المراد بالركوع ما يؤمرون بالسجود يوم القيامة كما يشير إليه قوله تعالى( وَ يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ ) القلم: ٤٢ و الوجهان لا يخلوان من بُعد.

و وجه اتّصال الآية بما قبلها أنّ الكلام كان مسوقاً لتهديد المكذّبين بيوم الفصل و بيان تبعة تكذيبهم به و تمّم ذلك في هذه الآية بأنّهم لا يعبدون الله إذا دعوا إلى عبادته كما ينكرون ذلك اليوم فلا معنى للعبادة مع نفي الجزاء، و ليكون كالتوطئة لقوله الآتي:( فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ) .

و نسب إلى الزمخشريّ أنّ الآية متّصلة بقوله في الآية السابقة:( لِلْمُكَذِّبِينَ ) كأنّه قيل: ويل يومئذ للّذين كذّبوا و الّذين إذا قيل لهم اركعوا لا يركعون.

و في الآية التفات من الخطاب إلى الغيبة في قوله:( وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ ) إلخ وجهه الإعراض عن مخاطبتهم بعد تركهم و أنفسهم يفعلون ما يشاؤن بقوله:( كُلُوا وَ تَمَتَّعُوا ) .

قوله تعالى: ( فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ) أي إذا لم يؤمنوا بالقرآن و هو آية معجزة إلهيّة، و قد بيّن لهم أنّ الله لا إله إلّا هو وحده لا شريك له و أنّ أمامهم يوم الفصل بأوضح البيان و ساطع البرهان فبأيّ كلام بعد القرآن يؤمنون.

٢٥٢

و هذا إيئاس من إيمانهم بالله و رسوله و اليوم الآخر و كالتنبيه على أنّ رفع اليد عن دعوتهم إلى الإيمان بإلقاء قوله:( كُلُوا وَ تَمَتَّعُوا ) إليهم في محلّه فليسوا بمؤمنين و لا فائدة في دعوتهم غير أنّ فيها إتماماً للحجّة.

( بحث روائي‏)

في تفسير القمّيّ و قوله:( أَ لَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ ) قال: منتن( فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ ) قال: في الرحم و أمّا قوله:( إِلى‏ قَدَرٍ مَعْلُومٍ ) يقول: منتهى الأجل.

أقول: و في اُصول الكافي، في رواية عن أبي الحسن الماضيعليه‌السلام : تطبيق قوله:( أَ لَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ) على مكذّبي الرسل في طاعة الأوصياء، و قوله:( ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ ) على من أجرم إلى آل محمّدعليهم‌السلام . على اضطراب في متن الخبر، و هو من الجري دون التفسير.

و فيه: و قوله( أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَ أَمْواتاً ) قال الكفات المساكن‏ و قال: نظر أميرالمؤمنينعليه‌السلام في رجوعه من صفّين إلى المقابر فقال: هذه كفات الأموات أي مساكنهم ثمّ نظر إلى بيوت الكوفة فقال: هذه كفات الأحياء. ثمّ تلا قوله:( أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَ أَمْواتاً ) .

أقول: و روي في المعاني، بإسناده عن حمّاد عن أبي عبداللهعليه‌السلام أنّه نظر إلى المقابر. و ذكر مثل الحديث السابق.

و فيه: و قوله( وَ جَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ ) قال: جبال مرتفعة.

و فيه: و قوله( انْطَلِقُوا إِلى‏ ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ ) قال فيه ثلاث شعب من النار و قوله:( إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ ) قال: شرر النار مثل القصور و الجبال.

و فيه: و قوله( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَ عُيُونٍ ) قال: في ظلال من نور أنور من الشمس.

٢٥٣

و في المجمع: في قوله:( وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ ) قال مقاتل: نزلت في ثقيف حين أمرهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصلاة فقالوا: لا ننحني. و الرواية لا نحني فإنّ ذلك سبّة علينا. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا خير في دين ليس فيه ركوع و سجود.

أقول: و في انطباق القصّة - و قد وقعت بعد الهجرة - على الآية خفاء.

و في تفسير القمّيّ في الآية السابقة قال: و إذا قيل لهم( تولّوا الإمام لم يتولّوه) .

أقول: و هو من الجري دون التفسير.

٢٥٤

( سورة النبإ مكّيّة و هي أربعون آية)

( سورة النبإ الآيات ١ - ١٦)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ( ١ ) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ( ٢ ) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ( ٣ ) كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ( ٤ ) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ( ٥ ) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا ( ٦ ) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ( ٧ ) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا ( ٨ ) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا ( ٩ ) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا ( ١٠ ) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ( ١١ ) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا ( ١٢ ) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا ( ١٣ ) وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا ( ١٤ ) لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا ( ١٥ ) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا ( ١٦ )

( بيان‏)

تتضمّن السورة الإخبار بمجي‏ء يوم الفصل و صفته و الاحتجاج على أنّه حقّ لا ريب فيه، فقد افتتحت بذكر تساؤلهم عن نبإه ثمّ ذكر في سياق الجواب و لحن التهديد أنّهم سيعلمون ثمّ احتجّ على ثبوته بالإشارة إلى النظام المشهود في الكون بما فيه من التدبير الحكيم الدالّ بأوضح الدلالة على أنّ وراء هذه النشأة المتغيّرة الدائرة نشأة ثابتة باقية، و أنّ عقيب هذه الدار الّتي فيها عمل و لا جزاء داراً فيها جزاء و لا عمل فهناك يوم يفصح عنه هذا النظام.

ثمّ تصف اليوم بما يقع فيه من إحضار الناس و حضورهم و انقلاب الطاغين إلى عذاب أليم و المتّقين إلى نعيم مقيم و يختم الكلام بكلمة في الإنذار، و السورة مكّيّة بشهادة سياق آياتها.

٢٥٥

قوله تعالى: ( عَمَّ يَتَساءَلُونَ ) ( عَمَّ ) أصله عمّا و ما استفهاميّة تحذف الألف منها اطّراداً إذا دخل عليها حرف الجرّ نحو لم و ممّ و على م و إلى م، و التساؤل سؤال القوم بعضهم بعضاً عن أمر أو سؤال بعضهم بعد بعض عن أمر و إن كان المسؤل غيرهم، فهم كان يسأل بعضهم بعضاً عن أمر أو كان بعضهم بعد بعض يسأل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أمر و حيث كان سياق السورة سياق جواب يغلب فيه الإنذار و الوعيد تأيّد به أنّ المتسائلين هم كفّار مكّة من المشركين النافين للنبوّة و المعاد دون المؤمنين و دون الكفّار و المؤمنين جميعاً.

فالتساؤل من المشركين و الإخبار عنه في صورة الاستفهام للإشعار بهوانه و حقارته لظهور الجواب عنه ظهوراً ما كان ينبغي معه أن يتساءلوا عنه.

قوله تعالى: ( عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ) جواب عن الاستفهام السابق أي يتساءلون عن النبإ العظيم، و لا يخفى ما في توصيف النبإ المتسائل عنه بالعظيم من تعظيمه و تفخيم أمره.

و المراد بالنبإ العظيم نبؤ البعث و القيامة الّذي يهتمّ به القرآن العظيم في سورة المكّيّة و لا سيّما في العتائق النازلة في أوائل البعثة كلّ الاهتمام.

و يؤيّد ذلك سياق آيات السورة بما فيه من الاقتصار على ذكر صفة يوم الفصل و ما تقدّم عليها من الحجّة على أنّه حقّ واقع.

و قيل: المراد به نبؤ القرآن العظيم، و يدفعه كون السياق بحسب مصبّه أجنبيّاً عنه و إن كان الكلام لا يخلو من إشارة إليه استلزاما.

و قيل: النبؤ العظيم ما كانوا يختلفون فيه من إثبات الصانع و صفاته و الملائكة و الرسل و البعث و الجنّة و النار و غيرها، و كأنّ القائل به اعتبر فيه ما في السورة من الإشارة إلى حقّيّة جميع ذلك ممّا تتضمّنه الدعوة الحقّة الإسلاميّة.

و يدفعه أنّ الإشارة إلى ذلك كلّه من لوازم صفة البعث المتضمّنة لجزاء الاعتقاد الحقّ و العمل الصالح و الكفر و الاجرام، و قد دخل فيما في السورة من صفة يوم الفصل تبعاً و بالقصد الثاني.

٢٥٦

على أنّ المراد بهؤلاء المتسائلين - كما تقدّم - المشركون و هم يثبتون الصانع و الملائكة و ينفون ما وراء ذلك ممّا ذكر.

و قوله:( الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ) إنّما اختلفوا في نحو إنكاره و هم متّفقون في نفيه فمنهم من كان يرى استحالته فينكره كما هو ظاهر قولهم على ما حكاه الله:( هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى‏ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) سبأ: ٧، و منهم من كان يستبعده فينكره و هو قولهم:( أَ يَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَ كُنْتُمْ تُراباً وَ عِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ ) المؤمنون: ٣٦، و منهم من كان يشكّ فيه فينكره قال تعالى:( بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها ) النمل ٦٦، و منهم من كان يوقن به لكنّه لا يؤمن عناداً فينكره كما كان لا يؤمن بالتوحيد و النبوّة و سائر فروع الدين بعد تمام الحجّة عناداً قال تعالى:( بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَ نُفُورٍ ) الملك: ٢١.

و المحصّل من سياق الآيات الثلاث و ما يتلوها أنّهم لما سمعوا ما ينذرهم به القرآن من أمر البعث و الجزاء يوم الفصل ثقل عليهم ذلك فغدوا يسأل بعضهم بعضاً عن شأن هذا النبإ العجيب الّذي لم يكن ممّا قرع أسماعهم حتّى اليوم، و ربّما راجعوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و المؤمنين و سألوهم عن صفة اليوم و أنّه متى هذا الوعد إن كنتم صادقين و ربّما كانوا يراجعون في بعض ما قرع سمعهم من حقائق القرآن و احتوته دعوته الجديدة أهل الكتاب و خاصّة اليهود و يستمدّونهم في فهمه.

و قد أشار تعالى في هذه السورة إلى قصّة تساؤلهم في صورة السؤال و الجواب فقال:( عَمَّ يَتَساءَلُونَ ) و هو سؤال عمّا يتساءلون عنه. ثمّ قال:( عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ) و هو جواب السؤال عمّا يتساءلون عنه. ثمّ قال:( كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ) إلخ، و هو جواب عن تساؤلهم.

و للمفسّرين في مفردات الآيات الثلاث و تقرير معانيها وجوه كثيرة تركناها لعدم ملاءمتها السياق و الّذي أوردناه هو الّذي يعطيه السياق.

قوله تعالى: ( كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ) ردع عن تساؤلهم عنه بانين

٢٥٧

ذلك على الاختلاف في النفي أي ليرتدعوا عن التساؤل لأنّه سينكشف لهم الأمر بوقوع هذا النبإ فيعلمونه، و في هذا التعبير تهديد كما في قوله:( وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) الشعراء: ٢٢٧.

و قوله:( ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ) تأكيد للردع و التهديد السابقين و لحن التهديد هو القرينة على أنّ المتسائلين هم المشركون النافون للبعث و الجزاء دون المؤمنين و دون المشركين و المؤمنين جميعاً.

قوله تعالى: ( أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً ) الآية إلى تمام إحدى عشرة آية مسوق سوق الاحتجاج على ثبوت البعث و الجزاء و تحقّق هذا النبإ العظيم و لازم ثبوته صحّة ما في قوله:( سَيَعْلَمُونَ ) من الإخبار بأنّهم سيشاهدونه فيعلمون.

تقرير الحجّة: أنّ العالم المشهود بأرضه و سمائه و ليله و نهاره و البشر المتناسلين و النظام الجاري فيها و التدبير المتقن الدقيق لاُمورها من المحال أن يكون لعباً باطلاً لا غاية لها ثابتة باقية فمن الضروريّ أن يستعقب هذا النظام المتحوّل المتغيّر الدائر إلى عالم ذي نظام ثابت باق، و أن يظهر فيه أثر الصلاح الّذي تدعو إليه الفطرة الإنسانيّة و الفساد الّذي ترتدع عنه، و لم يظهر في هذا العالم المشهود أعني سعادة المتّقين و شقاء المفسدين، و من المحال أن يودع الله الفطرة دعوة غريزيّة أو ردعاً غريزيّاً بالنسبة إلى ما لا أثر له في الخارج و لا حظّ له من الوقوع فهناك يوم يلقاه الإنسان و يجزي فيه على عمله إن خيراً فخيراً و إن شرّاً فشرّاً.

فالآيات في معنى قوله تعالى( وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) ص: ٢٨.

و بهذا البيان يثبت أنّ هناك يوماً يلقاه الإنسان و يجزي فيه بما عمل إن خيراً فخيراً و إن شرّاً فشرّاً فليس للمشركين أن يختلفوا فيه فيشكّ فيه بعضهم و يستبعده طائفة، و يحيله قوم، و لا يؤمن به مع العلم به عناداً آخرون، فاليوم ضروري الوقوع

٢٥٨

و الجزاء لا ريب فيه.

و يظهر من بعضهم أنّ الآيات مسوقة لإثبات القدرة و أنّ العود يماثل البدء و القادر على الإبداء قادر على الإعادة، و هذه الحجّة و إن كانت تامّة و قد وقعت في كلامه تعالى لكنّها حجّة على الإمكان دون الوقوع و السياق فيما نحن فيه سياق الوقوع دون الإمكان فالأنسب في تقريرها ما تقدّم.

و كيف كان فقوله:( أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً ) الاستفهام للإنكار، و المهاد الوطاء و القرار الّذي يتصرّف فيه، و يطلق على البساط الّذي يُجلس عليه و المعنى قد جعلنا الأرض قراراً لكم تستقرّون عليها و تتصرّفون فيها.

قوله تعالى: ( وَ الْجِبالَ أَوْتاداً ) الأوتاد جمع وتد و هو المسمار إلّا أنّه أغلظ منه كما في المجمع، و لعلّ عدّ الجبال أوتاداً مبنيّ على أنّ عمدة جبال الأرض من عمل البركانات بشقّ الأرض فتخرج منه موادّ أرضيّة مذابة تنتصب على فم الشقّة متراكمة كهيئة الوتد المنصوب على الأرض تسكن به فورة البركان الّذي تحته فيرتفع به ما في الأرض من الاضطراب و الميدان.

و عن بعضهم: أنّ المراد بجعل الجبال أوتاداً انتظام معاش أهل الأرض بما اُودع فيها من المنافع و لولاها لمادت الأرض بهم أي لما تهيّأت لانتفاعهم. و فيه أنّه صرف اللفظ عن ظاهره من غير ضرورة موجبة.

قوله تعالى: ( وَ خَلَقْناكُمْ أَزْواجاً ) أي زوجاً زوجاً من ذكر و اُنثى لتجري بينكم سنّة التناسل فيدوم بقاء النوع إلى ما شاء الله.

و قيل: المراد به الإشكال أي كلّ منكم شكل للآخر. و قيل: المراد به الأصناف أي أصنافاً مختلفة كالأبيض و الأسود و الأحمر و الأصفر إلى غير ذلك، و قيل: المراد به خلق كلّ منهم من منيّين منيّ الرجل و منيّ المرأة و هذه وجوه ضعيفة.

قيل: الالتفات في الآية من الغيبة إلى الخطاب للمبالغة في الإلزام و التبكيت.

قوله تعالى: ( وَ جَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً ) السبات الراحة و الدعة فإنّ في المنام

٢٥٩

سكوتاً و راحة للقوى الحيوانيّة البدنيّة ممّا اعتراها في اليقظة من التعب و الكلال بواسطة تصرّفات النفس فيها.

و قيل: السبات بمعنى القطع و في النوم قطع التصرّفات النفسانيّة في البدن، و هو قريب من سابقه.

و قيل: المراد بالسبات الموت، و قد عدّ سبحانه النوم من الموت حيث قال:( وَ هُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ ) الأنعام: ٦٠ و هو بعيد، و أمّا الآية فإنّه تعالى عدّ النوم توفّياً و لم يعدّه موتاً بل القرآن يصرّح بخلافه قال تعالى:( اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها ) الزمر: ٤٢.

قوله تعالى: ( وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً ) أي ساتراً يستر الأشياء بما فيه من الظلمة الساترة للمبصرات كما يستر اللباس البدن و هذا سبب إلهيّ يدعو إلى ترك التقلّب و الحركة و الميل إلى السكن و الدعة و الرجوع إلى الأهل و المنزل.

و عن بعضهم أنّ المراد بكون الليل لباساً كونه كاللباس للنهار يسهل إخراجه منه و هو كما ترى.

قوله تعالى: ( وَ جَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً ) العيش هو الحياة - على ما ذكره الراغب - غير أنّ العيش يختصّ بحياة الحيوان فلا يقال: عيشه تعالى و عيش الملائكة و يقال حياته تعالى و حياة الملائكة، و المعاش مصدر ميميّ و اسم زمان و اسم مكان، و هو في الآية بأحد المعنيين الأخيرين، و المعنى و جعلنا النهار زماناً لحياتكم أو موضعاً لحياتكم تبتغون فيه من فضل ربّكم، و قيل: المراد به المعنى المصدريّ بحذف مضاف، و التقدير و جعلنا النهار طلب معاش أي مبتغي معاش.

قوله تعالى: ( وَ بَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً ) أي سبع سماوات شديدة في بنائها.

قوله تعالى: ( وَ جَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً ) الوهّاج شديد النور و الحرارة و المراد بالسراج الوهّاج الشمس.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

وأمّا عن سبب عمى ابن عباس ، فقد ذكرت في الجزء الرابع من الحلقة الأولى ما يغني عن إعادته.

وأمّا عن مشاورته عائشة وأم سلمة وأبا هريرة وجماعة من الصحابة فلم يرخصوا له في إجراء العملية ، وقالوا له : أرأيت إن متّ في هذه الأيام كيف تصنع بصلاتك؟

وبهذا أثبت الراوي جهل ابن عباس بوظيفته الشرعية ، فهو لا يعلم كيف يعمل فيستفتي عائشة وأبا هريرة وبعض الصحابة!!

فأين أثر دعاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم له بأن يفقهه في الدين ويعلّمه الحكمة؟!

وأين صارت شهادة عائشة في سنة ( 35 هـ ) فسألت : من ولي أمارة الموسم؟ فقيل لها : ابن عباس ، قالت : أنّه أعلم الناس بالحج! فكيف صار الآن لا يعرف تكليفه الشرعي؟!

وهو الذي قال عنه طاووس : ( رأيت سبعين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا تدارؤا صاروا إلى قول ابن عباس ).

وقد مرّت بنا هذه الأقوال وغيرها في الجزء الثاني من هذه الحلقة فراجعها تجدها مع مصادرها.

وقد قرأنا شواهد ومشاهد في أعقاب حرب الجمل فيها مواقف متشنجة بين ابن عباس وعائشة ، فكيف نستغفل عقولنا ونقبل ما رواه الرواة ممن طُبعوا على حبّ أم المؤمنين ، فصارا يبنون لها أهرامات من الفضائل تفوق أهرامات مصر الفرعونية!

٣٠١

( الحديث الرابع ) :

ما رواه الزركشي عن ابن عباس في بدعية صلاة ركعتين بعد العصر ، حيث روي : ( أنّ معاوية صلى صلاة العصر ثم قام ابن الزبير فصلى بعدها ، فقال معاوية : يا بن عباس ما هاتان الركعتان؟ فقال : بدعة وصاحبها صاحب بدعة ، ولمّا فرغ ابن الزبير سألهما عما قالاه فأخبراه ، قال : ما ابتدعت ، ولكن حدثتني خالتي عائشة. فأرسل معاوية إليها ، فقالت : صدق ، حدثتني أم سلمة ، فأرسل إلى أم سلمة : أنّ عائشة حدثتنا عنكِ بكذا ، فذكرت أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم صلى ذات يوم بعد العصر ( فقمت وراءه فصليت ) فلما أنفتل قال : ما شأنك؟ قلت : رأيتك يا نبيّ الله صليت وصليت معك ، فقال : إنّ عاملاً لي على الصدقات قدم عليَّ فجمعت عليه ).

ثم روى الزركشي عن الصحيحين ، عن كريب : أنّ ابن عباس وابن أزهر والمسور أرسلوا إلى عائشة لأنّهم أخبروا أنّها تصليها والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنها ، فقالت : سلوا أم سلمة ثم ذكر نحو ما سبق.

فهذا الحديث يدلّ على مخالفة عائشة لنهي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن الإتيان بهما ، وأنّ ابن عباس كان هو وعمر يضربان الناس عنها. فالأحرى أن يعدّ الزركشي هذا الحديث ممّا إستدركه ابن عباس على عائشة لا العكس! لكن الزركشي شغوف بلملمة أخبار عائشة مع الصحابة وإن إستلزم ذلك توهيناً لها من حيث يدري ولا يدري.

٣٠٢

( الحديث الخامس ) :

ما رواه الزركشي عن ابن عباس فهو لا يستبطن كذبه متناً فقط ، بل تكفي آفة سنده ، فقد أعلّه المنذري بيزيد بن أبي زياد ، وقال غير واحد من الأئمة أنّه لا يحتج بحديثه ، ومهما يكن حال السند ، فإنّ ما رواه ابن عباس كما في المتن هو أولى بالقبول لحضوره مع أهل البيت مراسيم الدفن.

ولكن هلّم الخطب فيما روته عائشة فهو محلّ الشك في صدقه ، إذ لم تكن حاضرة حين التكفين! أليس هي التي كانت مع النساء اللواتي يلتدمن كما تقول هي فيما رواه أحمد في مسنده عنها ، قالت : ( مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين سحري ونحري ، وفي دولتي لم أظلم فيه أحداً ، فمن سفهي وحداثة سني أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبض وهو في حجري ، ثم وضعت رأسه على وسادة وقمت التدم مع النساء وأضرب وجهي )(1) ، وقد قالت أيضاً : ( ما علمنا بدفن رسول الله حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل ( ليلة الأربعاء )(2) .

فمتى حضرت التكفين ورأت ثياب الكفن؟!

فكلّ ما ورد عنها في هذا الشأن مشكوك في صحته ، لأنّها تريد إستبعاد عليّ عليه السلام وأهل البيت عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.

____________________

(1) مسند أحمد 6 / 274.

(2) الإستيعاب 1 / 47.

٣٠٣

وأنكى من ذلك إستبدالهم بآل أبي بكر! فهلمّ وأقرأ ما روته من خبر الحلّة التي أشتريت ليكفن فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأدرجوه فيها ثم نزعت عنه.

فلنقرأ الخبر برواية ابن قدامة المقدسي الحنبلي في كتابه ( المغني ) وهو غير متهم عليها ، فقال في الخبر : ( وهو أصح حديث روي في كفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعائشة أقرب إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأعرف بأحواله ، ولهذا لما ذكر لها قول الناس أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كُفن في برد ، قالت : قد أتي بالبُرد ولكنهم لم يكفنوه فيه ، فحفظت ما أغفله غيرها. وقالت أيضاً : أدرج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في حلّة يمنية كانت لعبد الله بن أبي بكر ، ثم نزعت عنه ، فرفع عبد الله بن أبي بكر الحلّة وقال : أكفن فيها ، ثم قال : لم يكفن فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتصدق بها ). قال ابن قدامة : رواه مسلم(1) .

أقول : فهل تطلب أثراً بعد عين ، وتريد سخفاً بعد ميَن؟

فعائشة وعبد الله بن أبي بكر بطلا الحضور في الإحتضار والتكفين! وليذهب أهل البيت عليهم السلام جميعاً في غيابات الحقد الدفين ، كما تريد أم المؤمنين ، وليكتب الزركشي ما يزركش به أخبارها ولو على حساب الآخرين.

على أن ابن شهاب الزهري ـ وهو غير متهم على عائشة ـ قال : ولم يله إلاّ أقاربه(2) .

____________________

(1) المغني 2 / 329.

(2) أنظر دلائل النبوة للبيهقي 7 / 234 ، عن هامش ، التمهيد لابن عبد البر 9 / 358 ط الإحياء للتراث العربي.

٣٠٤

( الحديث السادس ) :

ما رواه الزركشي عن عكرمة عن ابن عباس في حديث ( رأى ربّه مرتين ) ، وإنكار عائشة عليه الرؤية ، والخبر الذي رواه في سنده من قال فيه ابن المبارك : أرم به ، لكن الزركشي لم يرم به ، بل أطال في جميع ما يتعلق بالموضوع وحكى قول ابن خزيمة : أنّ الخطاب وقع لعائشة على قدر عقلها.

وحكى قول أحمد : ما زلت منكراً لهذا الحديث وما أدري ما وجهه.

ثم الحديث في متنه : ( قال ابن عباس : ( رأى محمد ربّه ) ، وابن عباس لم يكن يقول بالرؤية البصرية كما هو واضح من لفظ الحديث الذي ذكره الزركشي نقلا ًعن الترمذي في التفسير ، وهو مخالف لقول الله تعالى :( لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) (1) .

وفي سنده من هو مخدوش ، ورواية مسلم له في الصحيح لا تضفي عليه شرعية أبداً ـ فكم في كتابي الصحيح من حديث غير صحيح ـ وسيأتي عن ابن عباس في جواب نجدة بن عامر ـ عويمر ـ الخارجي وقد سأله : ( كيف معرفتك بربّك؟ فأجابه أعرفه بما عرّف به نفسه تبارك وتعالى من غير رؤية ، وأصفه بما وصف به نفسه ، لا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس ) ، فهذا ينفي صحة نسبة القول بالرؤية البصرية إليه ، وسيأتي خبره مع نجدة فيما يأتي.

____________________

(1) الأنعام / 103.

٣٠٥

ومجرد رواية الترمذي عن عكرمة ذلك ، لا يضفي عليه الصحة.

ولم لا يكون الخبر من بعض أكاذيب عكرمة على مولاه ، وقد مرّت بعض الشواهد على ذلك ، كما سيأتي غيرها.

( الحديث السابع ) :

ما ذكره الزركشي في إحالة ابن عباس معرفة الوتر عليها ـ في حديث رواه مسلم في صحيحه ـ وأنّ سعد بن هشام سأل ابن عباس عن الوتر ، فقال : ( ألا أنبئك بأعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال : نعم ، قال عائشة )(1) .

أقول : إنّ هذا الحديث الذي ذكره لا يصح الإعتماد عليه! لإختلاف النقل عن عائشة ، فقيل : الإختلاف منها ، وقيل : هو من الرواة عنها ، كما ذكره الزركشي نفسه.

وكيف نصدّق نحن بالخبر ، وابن عباس الذي كان يبيت في بيت خالته ميمونة ليحفظ ما يأتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من صلاة وأذكار ـ وقد مرّت في الحلقة الأولى في الجزء الأوّل عدّة شواهد على هذا ـ فكيف صار لا يعلم عن صلاة الوتر شيئاً حتى أحال على أعلم أهل الأرض؟ يا لها من دعوى عريضة مريضة!!

لكن زوامل الأسفار يكتبون ما راق لهم ، أو يملى عليهم من السلطات الحاكمة من رفعهم عائشة إلى مقام لم تكن فيه عالمة ولا حالمة.

____________________

(1) صحيح مسلم 2 / 269 ط صبيح.

٣٠٦

( الحديث الثامن ) :

ما ذكره الزركشي من حديث عائشة وقد ردت على ابن عباس قراءته قوله تعالى :( وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ) بالتخفيف ، فذكر الزركشي ما أخرجه البخاري في صحيحه في التفيسر عن ابن أبي مليكة قال ابن عباس :( حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ) (1) الخ بالتخفيف إلى آخر الخبر ، بينما كانت عائشة تقرؤها( كُذّبُوا ) مثقلة.

أقول : ما مرّ من إختلاف القراءة فيه نظر! فإنّ القراءة بالتخفيف هي قراءة أهل البيت عليهم السلام عليّ وزين العابدين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وزيد بن علي وابن عباس ، وهي أيضاً قراءة ابن مسعود وسعيد بن جبير وعكرمة والضحاك والأعمش وغيرهم ، وهي قراءة أهل الكوفة(2) .

وقد أطنب الطبري في تفسيره ، فساق ثماني عشرة رواية عن ابن عباس مؤداها متفق عليه بين الرواة عن ابن عباس ، وأوّلها بسند الطبري ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن ابن عباس ، في قوله :( حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ) (3) ، قال : ( لمّا أُيست الرسل أن يستجيب لهم قومهم ، وظنّ قومهم أنّ الرسل قد كذبوهم جاءهم النصر على ذلك ، فننجي من نشاء )(4) .

____________________

(1) يوسف / 110.

(2) مجمع البيان 5 / 465 ط الأعلمي.

(3) يوسف / 110.

(4) تفسير الطبري 13 / 82 ـ 83.

٣٠٧

وما جاء في بعضها أنّ ابن عباس قال : إنّهم ـ أي الأنبياء ـ بشر ، أي أنّهم هم الذين ظنوا ، فهذا وهم في الفهم ، فابن عباس لم يقل ذلك.

وقد ورد في ( عيون أخبار الرضا عليه السلام ) للشيخ الصدوق ، بسنده : عن علي بن محمد بن الجهم : أنّ المأمون قال لأبي الحسن ـ الرضا عليه السلام ـ : فأخبرني عن قول الله تعالى :( حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا ) (1) ؟ قال الرضا عليه السلام : يقول الله : حتى إذا استيأس الرسل من قومهم فظن قومهم أنّ الرسل قد كذبوا ، جاء الرسل نصرُنا.

وهذا هو عين ما رواه ثلاثة من تلاميذ ابن عباس ، كما في ( الدر المنثور ) للسيوطي في تفسير الآية ، قال : ( أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابراهيم ، عن أبي حمزة الجزري ، قال : صنعت طعاماً فدعوت ناساً من أصحابنا منهم : سعيد بن جبير ، والضحاك بن مزاحم ، فسأل فتى من قريش سعيد بن جبير ، فقال : يا أبا عبد الله كيف تقرأ هذا الحرف ، فإنّي إذا أتيت عليه تمنيت أنّي لا أقرأ هذه السورة( حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا ) ؟ قال : نعم ، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدّقوهم وظنّ المرسَل إليهم أنّ الرسل قد كُذبوا فقال الضحاك : لو رحلت في هذه إلى اليمن لكان قليلاً )(2) .

ومهما يكن فحسب القارئ من فقاهة السيدة عائشة أنّها لم تكن ترى

____________________

(1) يوسف / 110.

(2) الدر المنثور 4 / 41.

٣٠٨

نفسها أم المؤمنين رجالاً ونساءً! بينما كانت أم المؤمنين أم سلمة ترى أنّها أم المؤمنين رجالاً ونساءاً. أخرج ابن سعد في ( الطبقات ) بسنده : ( عن مسروق ، عن عائشة في قوله :( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) (1) . قال : فقالت لها أمرأة : يا أمه ، فقالت عائشة : أنا أم رجالكم ولست أم نسائكم ، قال : فذكرت هذا الحديث لعبد الله بن موسى المخزومي ، فقال : أخبرني مصعب بن عبد الله بن أبي أمية عن أم سلمة ، أنّها قالت : أنا أم الرجال منكم والنساء )(2) .

أقول : وأحسب أنّ عائشة قالتها في ساعة غضب على النساء اللاتي كنّ يسألنها عن شرعية خروجها في حرب الجمل كأم جميع وأضرابها.

وإلى هنا فلنترك الأفغاني ونبعده قصياً ، بعد أن قرأناه نَسِيّاً وفَرِيّاً. ولنبصّر القارئ بأنّ الزركشي لم يكن دقيقاً في إختياره اسم كتابه ، إذ تبيّن أنّ ما ذكره تحت عنوان ( استدراكها على ابن عباس ) لم يكن خالياً من الإلباس ، وما ذكره لو يصح ولا يَصح ـ لا يعني أنّ بين عائشة وابن عباس من الوئام ما يصح معه زعم التواصل والتساؤل في الأحكام ، بل أنّ ابن عباس وعائشة عاشا بعد حرب الجمل متهاجرَيْن تقريباً ، وبقيا على حالهما كذلك حتى ماتت عائشة ، ولعلّه اشتدت المهاجرة والمخاصمة في عهد معاوية حين تناصرت هي وإياه على عداوة أهل البيت عليهم السلام. وكان ابن

____________________

(1) الأحزاب / 6.

(2) الطبقات الكبرى 8 / 128.

٣٠٩

عباس رجل الساعة والساحة المناصر لأهل البيت عليهم السلام ، كما يظهر بوضوح من مواقفه مع الأمويين وشيعتهم ، كما كانت عائشة تدعمهم فيما ترويه لهم من أحاديث ، والشواهد على ذلك متوفرة.

فقد أخرج الحافظ الكنجي الشافعي في ( كفاية الطالب ) وعنه الأربلي في ( كشف الغمة ) قال : ( روى الكنجي بسنده المنتهى إلى أبي صالح قال : ذكر عليّ بن أبي طالب عليه السلام عند عائشة وابن عباس حاضر ، فقالت عائشة : كان من أكرم رجالنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فقال ابن عباس : وأيّ شيء يمنعه عن ذاك؟ اصطفاه الله لنصرة رسوله ، وارتضاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأخوّته ، واختاره لكريمته ، وجعله أبا ذريته ووصيّه من بعده ، فإن ابتغيتِ شرفاً فهو في أكرم منبت وأورق عود ، وإن أردتِ إسلاماً فأوفر بحظه وأجزل بنصيبه ، وإن أردتِ شجاعته فبَهمة حرب وقاضية حتم ، يصافح السيوف أنساً ، لا يجد لوقعها حسّاً ، ولا ينهنه نعنعة ، ولا تفله الجموع ، الله ينجده ، وجبرئيل يرفده ، ودعوة الرسول تعضده ، أحدّ الناس لساناً ، وأظهرهم بياناً ، وأصدعهم بالصواب في أسرع جواب ، عظته أقلّ من عمله ، وعمله يعجز عنه أهل دهره ، فعليه رضوان الله ، وعلى مبغضيه لعائن الله )(1) .

وإنّما قال ابن عباس رضي الله عنه هذا لأنّه كان يعلم من عائشة موقفها المتشنج إزاء أهل البيت عليهم السلام خصوصاً الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وحتى

____________________

(1) كشف الغمة 1 / 363 ، كما في البحار 40 / 51 ط الجديدة.

٣١٠

الحسن والحسين عليهما السلام ، فلم تكن تأذن لهما بالدخول عليها ، وإذا أذنت احتجبت منهما ، وكان ابن عباس يشجب موقفها هذا ، فقد أخرج ابن سعد في ( الطبقات الكبير ) بسنده عن عكرمة قال : ( سمعت ابن عباس يقول ـ وبلغه أنّ عائشة احتجبت من الحسن بن علي ـ فقال : إنّ رؤيته لها لحلّ )(1) .

وقد مرّت بنا في الجزء الخامس من الحلقة الأولى محاورة ابن عباس مع عائشة عند موت الحسن عليه السلام فليرجع القارئ إليها. فهي محاورة تكشف عن مبلغ التشنج عند الطرفين المتباعدين المتباغضين.

وقد إستدام حقد عائشة حتى عند موتها ، فقد أخرج أحمد بن حنبل في مسنده بسنده عن ذكوان مولى عائشة : ( أنّه استأذن لابن عباس على عائشة وهي تموت وعندها ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن ، فقال : هذا ابن عباس يستأذن عليك وهو من خير بنيك.

فقالت : دعني من ابن عباس ومن تزكيته.

فقال لها عبد الله بن عبد الرحمن : إنّه قارئ لكتاب الله فقيه في دين الله ، فأئذني له فليسلّم عليك وليودّعك.

قالت : فأئذن له إن شئت.

قال : فإذن له ، فدخل ابن عباس ثم سلّم وجلس ، وقال : أبشري أم المؤمنين

____________________

(1) الطبقات الكبرى8 / 128ط ليدن.

٣١١

فقالت : دعني يا بن عباس من هذا ، فو الله لوددت أنّي كنت نسياً منسيّاً(1) (2) . فقد جزعت حين احتضرت. فقيل لها ، فقالت : أعترض في حلقي يوم الجمل )(3) .

وإلى هنا ننهي الحديث عن ابن عباس مع عائشة ، ونستقبل بقية محاوراته مع معاوية وأشياعه.

____________________

(1) مسند أحمد 1 / 349 ط الأولى و 5 / 90 برقم ( 3262 ) ط شاكر.

(2) قال شاكر : في هامش الحديث برقم ( 2496 ) إسناده صحيح وهو مطول 1905 ، ورواه البخاري 8 / 371 ـ 372 مختصرا.

(3) ربيع الأبرار للزمخشري 3 / 345.

٣١٢

محاورات ابن عباس مع معاوية

قميصّ عثمان أضحى مضربَ المثل

لكلّ ثائرة من أخبث الحيل

في كلّ واقعة كذباً مخادعةً

صار الشعار لعيّابين في الدوَل

لو ينشر اليوم عثمانٌ لطالبهم

مع القصاص له بالغُنم من نفَل

فليته لو وعى نصحاً لجنّبه

تلك المآسي ولكن شاب عن عَذَل

فكان ما كان من أمرٍ تخيّره

شيخٌ ضعيفٌ هوى في حمأة الزَلَل

فأورث الناس آلاماً بمقتله

زلّت به النعل فالتاثته بالوَحَل

فأوّل القوم من نادوا بمقتله

ثاروا له اليوم يا للقلب الحَوِل

هم ناقموا الأمس قد جاؤا بأمّهمُ

وسيرّوا عسكراً في وقعة الجَمَل

وعاهل الشام أدلى في قليبهم

فقد رأى فرصة وافت لمهتبل

فحرب صفين قد أورى شرارتها

في النهروان فأورت كُلِّ ذي شُعلِ

حتى الطفوف وقتل السبط من ذَحل

حرق الخيام بتلك النار لم يَزل

ما ثأر عثمان أحماهم وأغضبهم

لولا الخلافة عادت للإمام عليّ

تلكم قريشُ لتأبى أن ترى رجلا

بالأمس قاتلهم واليوم فيه يلي

٣١٣

فأعصبوا قتل عثمان بحيدرة

أبناءُ من سجدوا دهراً إلى هُبل

هذا عليّ وهذي بعضُ محنته

أن يعصبوه دماً من خاتم الرّسُل

قال الزمخشري : قميص عثمان الذي قتل فيه ، مَثَلٌ فيما يهيّج الحزن ويجدّد الحسرة والبكاء ، وعن عمرو بن العاص : أنّه لمّا أحسّ من العسكر فتوراً أشار على معاوية بأن يبرز لهم قميص عثمان ، فلمّا وقعت عيونهم عليه ، ارتفعت صيحتهم بالبكاء والنحيب ، وجدّوا في الحرب فعندها قال حرّك لها حوارها تحنّ(1) .

مَن هم قتلة عثمان؟ هل هم بنو هاشم؟ أم هم بنو أمية؟

هذا سؤال قد يثير استغراباً لدى القارئ إذ لم يرد في التاريخ أنّ واحداً من هؤلاء قد شارك في قتل عثمان ، مباشرة ، فلماذا إذن السؤال؟

والجواب يُعرف من الأبيات المتقدمة ، وعلى هذا الوتر كانت أصابع معاوية تضرب وأبواقه تعزف بأنّ عليّاً قتل عثمان! وإذا حوقق قال : آوى قتلته!

ولم يكن ابن عباس بعيداً عن مرمى معاوية في حجارته لعداوته ، وسنقرأ في كثير من محارواته ما يدلّ على ذلك. وإذا بحثنا عن جذور تلك العداوات نجدها متأصلة في فرعي عبد مناف بني هاشم وبني أمية منذ عهد بعيد ، فلنقرأ بعض ما جاء في ذلك :

____________________

(1) ربيع الأبرار 4 / 32 ط أوقاف بغداد.

٣١٤

إنّ من راجع كتاب ( السفيانية ) للجاحظ ، و ( النزاع والتخاصم ) للمقريزي وأضرابهما ، يجد جذور العداوة بين بني أمية وبين بني هاشم وهم من قريش ، ضاربة في أصولها متنامية في فروعها ، ولم يخف ذلك على الباحثين من قدامى ومحدثين.

فإلى ما قاله واحد منهم وهو محمّد بن سليمان حاجب الحجاب ، وهذا الرجل لم يكن يتعصب لمذهب بعينه كما قال ابن أبي الحديد وقد رآه(1) ، فلنقرأ ما يقول وقد سأله جعفر بن مكي الحاجب عما عنده في أمر عليّ وعثمان ، فقال : ( هذه عداوة قديمة النسب بين عبد شمس وبين بني هاشم ، وقد كان حرب بن اُمية نافر عبد المطلب بن هاشم ، وكان أبو سفيان يحسد محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم وحاربه ، ولم تزل الثنتان متباغضتين وإن جمعتهما المنافية ، ثمّ إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زوّج عليّاً بابنته ، وزوّج عثمان بابنته الاُخرى ، وكان إختصاص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة أكثر من إختصاصه للبنت الأخرى ، وللثانية التي تزوجها عثمان بعد وفاة الأولى. وإختصاصه أيضاً لعليّ وزيادة قربه منه وامتزاجه به وإستخلاصه إياه لنفسه ، أكثر وأعظم من إختصاصه لعثمان ، فَنَفَس عثمان ذلك عليه فتباعد ما بين قلبيهما ).

إلى أن قال : ( ثمّ أتفق أنّ عليّاً عليه السلام قتل جماعة كثيرة من بني عبد

____________________

(1) وصفه ابن أبي الحديد بأنه حاجب الحجاب وقال : وكان ظريفاً أديباً وقد أشتغل بالرياضيات من الفلسفة ولم يكن يتعصب لمذهب بعينه.

٣١٥

شمس في حروب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فتأكد الشنآن ، وإذا أستوحش الإنسان من صاحبه أستوحش صاحبه منه.

ثمّ مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فصبا إلى عليّ جماعة يسيرة لم يكن عثمان منهم ، ولا حضر في دار فاطمة مع مَن حضر من المتخلّفين عن البيعة ، وكانت في نفس عليّ عليه السلام أمور من الخلافة لم يمكنه إظهارها في أيام أبي بكر وعمر لقوّة عمر وشدّته ، وانبساط يده ولسانه.

فلمّا قتل عمر وجعل الأمر شورى بين الستة ، وعدل بها عبد الرحمن عن عليّ إلى عثمان ، لم يملك عليّ نفسه فأظهر ما كان كامناً ، وأبدى ما كان مستوراً ، ولم يزل الأمر يتزايد بينهما حتى شرف وتفاقم.

ومع ذلك فلم يكن عليّ عليه السلام لينكر من أمره إلاّ منكراً ، ولا ينهاه إلاّ عما تقتضي الشريعة نهيه عنه.

وكان عثمان مستضعفاً في نفسه ، رخواً ، قليل الحزم ، واهي العقدة ، وسلّم عنانه إلى مروان يصرّفه كيف شاء ، فالخلافة له في المعنى ولعثمان في الإسم ، فلمّا انتقض على عثمان أمره استصرخ عليّاً ولاذ به ، وألقى زمام أمره إليه ، فدافع عنه حيث لا ينفع الدفاع ، وذبّ عنه حين لا يغني الذبّ ، فقد كان الأمر فسد فساداً لا يرجى صلاحه )(1) .

ومع هذه العداوة المتأصلة في جذورها كيف يبرئ معاوية وبنو أُمية الإمام عليه السلام وبني هاشم ، مع أنّهم وأعوانهم كانوا يشهدون ببراءته وبراءتهم ،

____________________

(1) أنظر شرح النهج لابن أبي الحديد 2 / 401 ط مصر الأولى.

٣١٦

ولكنها الأحقاد الأموية.

فاقرأ ما قاله عبد الله بن عمر لمن سأله : هل شرك عليّ في دم عثمان؟

فقال : ( لا والله ما علمت ذلك في سر ولا علانية ، ولكنّه كان رأساً يفزع إليه فألحق به ما لم يكن )(1) .

واقرأ لابن عمر كلمته الأُخرى في حقّ ابن عباس وبراءته من دم عثمان.

قال : ( ما زال ابن عباس ينهى عن قتل عثمان ويعظّم شأنه حتى جعلت ألوم نفسي على أن لا أكون قلت مثل ما قال )(2) .

وليس عروة بن الزبير بدون ابن عمر في نصبه ، ومع ذلك فقد كان يقول : ( كان عليّ أتقى لله من أن يعين في قتل عثمان ، وكان عثمان أتقى لله من أن يعين في قتله عليّ )(3) .

وقال ابن سيرين : ( لقد قتل عثمان يوم قتل وما أحد يتهم عليّاً في قتله )(4) .

ولكن معاوية قال لابن عباس في كتاب كتبه إليه بعد صلح الإمام الحسن عليه السلام ، جاء فيه : ( لعمري لو قتلتك بعثمان رجوت أن يكون ذلك لله رضا ، وأن يكون رأياً صواباً ، فإنّك من الساعين عليه ، والخاذلين له ، والسافكين دمه ، وما جرى بيني وبينك صلح فيمنعك منّي ولا بيدك أمان ).

____________________

(1) أنساب الأشراف 1 ق 4 / 593.

(2) نفس المصدر 4 / 595.

(3) ربيع الأبرار للزمخشري 3 / 355 ط اوقاف بغداد.

(4) أنساب الأشراف 1 ق 4 / 594.

٣١٧

فأجابه بجواب طويل جاء فيه : ( وأمّا قولك أنّي من الساعين على عثمان والخاذلين والسافكين له وما جرى بيني وبينك صلح فيمنعك منّي ، فأقسم بالله لأنت المتربّص بقتله والمحبّ لهلاكه ، والحابس الناس قبلك عنه على بصيرة من أمره ، ولقد أتاك كتابه وصريخه يستغيث بك ويستصرخ ، فما حفلت به حتى بعثت إليه معذراً بأمر أنت تعلم أنّهم لن يتركوه حتى يقتل ، فقتل كما كنت أردت ، ثمّ علمت عند ذلك أنّ الناس لن يعدلوا بيننا وبينك فطفقت تنعى عثمان وتلزمنا دمه ، وتقول قتل مظلوماً ، فإن يك قتل مظلوماً فأنت أظلم الظالمين ، ثمّ لم تزل مصوّباً ومصعّداً وجاثماً ورابضاً تستغوي الجهّال ، وتنازعنا حقنا بالسفهاء حتى أدركت ما طلبت ،( وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ) (1) (2) .

نعم ، إنّ بني هاشم كانوا من الكارهين لولاية عثمان هذا أوّلاً ، لأنّهم يرون أنّ الحقّ لهم ، وكانوا أيضاً من الساخطين على سيرته ثانياً حين أسخط المسلمين عمالُه ، ولم يكونوا وحدهم قد سخطوا سيرته ، بل جميع الصحابة في المدينة وخارجها كانوا كذلك.

فقد روى شعبة بن الحجاج عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، قال : ( قلت له : كيف لم يمنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن عثمان؟ فقال : إنّما قتله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم )(3) .

____________________

(1) الأنبياء / 111.

(2) شرح النهج لابن أبي الحديد 4 / 58.

(3) نفس المصدر 1 / 231.

٣١٨

وروى عن أبي سعيد الخدري أنّه سئل عن مقتل عثمان هل شهده أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال : ( نعم شهده ثمانمائة )(1) .

فهذان القولان وإن لم يعيّنا بالاسم مَن هم أولئك الصحابة الذين قتلوا عثمان ، ومن هم الذين شهدوا مقتل عثمان ولم يمنعوا عنه ، لكن من تولى كبر قتله ، لم يكن عليّ ولا ابن عباس ولا بقية بني هاشم مع أولئك الصحابة القاتلين لعثمان ، وإذ لم يكونوا معهم ، فما بال بني أمية عصبوا قتله بهم؟ إنّهم لم يكونوا مع القاتلين ولا مع المحرّضين عليه ، بل كانوا من المدافعين عنه ، وقد ردّوا عنه كثيراً حتى أعجزهم هو حين لم يأخذ بنصائحهم ، وكان يتّهمهم لما في نفسه من جذور العداوة المتأصلة بين بيتي عبد مناف ـ بني هاشم وبني أمية ـ.

والآن إلى ما رواه البلاذري ، والطبري ، وابن الأثير ، وابن كثير ، والنويري ، نقلاً عن الواقدي من نصائح الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لعثمان ، ننقلها بلفظ الطبري :

قال ـ بعد ذكر نقمة الناس وتداعي الأمصار بالنكير على سيرة عثمان ـ : ( فاجتمع الناس وكلّموا عليّ بن أبي طالب ، فدخل على عثمان ، فقال : الناس ورائي وقد كلّموني فيك ، والله ما أدري ما أقول لك ، وما أعرف شيئاً تجهله ، ولا أدلّك على أمر لا تعرفه ، إنّك لتعلم ما علمنا ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه ، ولا خلونا بشيء فنبلّغكه ، وما خصصنا بأمر دونك ، وقد رأيتَ

____________________

(1) نفس المصدر.

٣١٩

وسمعتَ وصحبتَ رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم ونلتَ صهره.

وما ابن أبي قحافة بأولى بعمل الحقّ منك ، ولا ابن الخطاب بأولى بشيء من الخير منك ، وإنّك أقرب إلى رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم رَحِماً ، ولقد نلتَ من صهر رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم ما لم ينالا. ولا سبقاك إلى شيء ، فالله الله في نفسك ، فإنّك والله ما تُبصّر من عَمى ، ولا تعلّم من جهل ، وإنّ الطريق لواضح بيّن ، وإنّ أعلام الدين لقائمة ، تعلم يا عثمان أنّ أفضل عباد الله عند الله إمام عادل ، هُدي وهَدىَ ، فأقام سنة معلومة ، وأمات بدعة متروكة ، فوالله إن كلاً لبيّن وإنّ السنن لقائمة لها أعلام ، وإنّ البدع لقائمة لها أعلام ، وإنّ شرّ الناس عند الله إمام جائر ضلَّ وضُلّ به ، فأمات سنّة معلومة ، وأحيا بدعة متروكة. وإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم يقول : ( يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر ، فيلقى في جهنم ، فيدور في جهنم كما تدور الرحا ، ثمّ يرتطم في غمرة جهنم ).

وإنّي أحذّرك الله ، وأحذّرك سطوته ونقماته ، فإنّ عذابه شديد أليم. وأحذّرك أن تكون إمام هذه الأمة المقتول ، فإنّه يقال : يقتل في هذه الأمة إمام ، فيفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة ، وتُلّبس أمورُها عليها ، ويتركهم شيعاً ، فلا يبصرون الحقّ لعلوّ الباطل ، يموجون فيها موجاً ، ويمرجون فيها مرجاً. فلا تكونن لمروان سيّقة يسوقك حيث شاء بعد جلال السنّ وتقضّي العمر.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568