الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢٠

الميزان في تفسير القرآن10%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 568

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 219953 / تحميل: 7014
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢٠

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

الملائكة الأربعة المدبّرون لاُمور الدنيا: جبرائيل و ميكائيل و عزرائيل و إسرافيل، فجبرائيل يدبّر أمر الرياح و الجنود و الوحي، و ميكائيل يدبّر أمر القطر و النبات، و عزرائيل موكّل بقبض الأرواح، و إسرافيل يتنزّل بالأمر عليهم و هو صاحب الصور، و قيل: إنّها الأفلاك يقع فيها أمر الله فيجري بها القضاء في الدنيا.

و هناك قول بأنّ الإقسام في الآيات بمضاف محذوف و التقدير و ربّ النازعات نزعاً إلخ.

و أنت خبير بأنّ سياق الآيات الخمس سياق واحد متّصل متشابه الأجزاء لا يلائم كثيراً من هذه الأقوال القاضية باختلاف المعاني المقسم بها ككون المراد بالنازعات الملائكة القابضين لأرواح الكفّار، و بالناشطات الوحش، و بالسابحات السفن، و بالسابقات المنايا تسبق الآمال و بالمدبّرات الأفلاك.

مضافاً إلى أنّ كثيراً منها لا دليل عليها من جهة السياق إلّا مجرّد صلاحية اللفظ بحسب اللغة للاستعمال فيه أعمّ من الحقيقة و المجاز.

على أنّ كثيراً منها لا تناسب سياق آيات السورة الّتي تذكر يوم البعث و تحتجّ على وقوعه على ما تقدّم في سورة المرسلات من حديث المناسبة بين ما في كلامه تعالى من الإقسام و جوابه.

و الّذي يمكن أن يقال - و الله أعلم - أنّ ما في هذه الآيات من الأوصاف المقسم بها يقبل الانطباق على صفات الملائكة في امتثالها للأوامر الصادرة عليهم من ساحة العزّة المتعلّقة بتدبير اُمور هذا العالم المشهود ثمّ قيامهم بالتدبير بإذن الله.

و الآيات شديدة الشبه سياقاً بآيات مفتتح سورة الصافّات:( وَ الصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِراتِ زَجْراً فَالتَّالِياتِ ذِكْراً ) و آيات مفتتح سورة المرسلات:( وَ الْمُرْسَلاتِ عُرْفاً فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً وَ النَّاشِراتِ نَشْراً فَالْفارِقاتِ فَرْقاً فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً ) و هي تصف الملائكة في امتثالهم لأمر الله غير أنّها تصف ملائكة الوحي، و الآيات في مفتتح هذه السورة تصف مطلق الملائكة في تدبيرهم أمر العالم بإذن الله.

ثمّ إنّ أظهر الصفات المذكورة في هذه الآيات الخمس في الانطباق على الملائكة

٢٨١

قوله:( فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً ) و قد أطلق التدبير و لم يقيّد بشي‏ء دون شي‏ء فالمراد به التدبير العالمي بإطلاقه، و قوله( أَمْراً ) تمييز أو مفعول به للمدبّرات و مطلق التدبير شأن مطلق الملائكة فالمراد بالمدبّرات مطلق الملائكة.

و إذ كان قوله:( فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً ) مفتتحاً بفاء التفريع الدالّة على تفرّع صفة التدبير على صفة السبق، و كذا قوله:( فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً ) مقروناً بفاء التفريع الدالّة على تفرّع السبق على السبح دلّ ذلك على مجانسة المعاني المرادة بالآيات الثلاث:( وَ السَّابِحاتِ سَبْحاً فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً ) فمدلولها أنّهم يدبّرون الأمر بعد ما سبقوا إليه و يسبقون إليه بعد ما سبحوا أي أسرعوا إليه عند النزول فالمراد بالسابحات و السابقات هم المدبّرات من الملائكة باعتبار نزولهم إلى ما اُمروا بتدبيره.

فالآيات الثلاث في معنى قوله تعالى:( لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ ) الرعد: ١١ على ما تقدّم من توضيح معناه فالملائكة ينزلون على الأشياء و قد تجمّعت عليها الأسباب و تنازعت فيها وجوداً و عدماً و بقاء و زوالاً و في مختلف أحوالها فما قضاه الله فيها من الأمر و أبرم قضاءه أسرع إليه الملك المأمور به - بما عيّن له من المقام - و سبق غيره و تمّم السبب الّذي يقتضيه فكان ما أراده الله فافهم ذلك.

و إذا كان المراد بالآيات الثلاث الإشارة إلى إسراع الملائكة في النزول على ما اُمروا به من أمر و سبقهم إليه و تدبيره تعيّن حمل قوله:( وَ النَّازِعاتِ غَرْقاً وَ النَّاشِطاتِ نَشْطاً ) على انتزاعهم و خروجهم من موقف الخطاب إلى ما اُمروا به فنزعهم غرقاً شروعهم في النزول نحو المطلوب بشدّة و جدّ، و نشطهم خروجهم من موقفهم نحوه كما أنّ سبحهم إسراعهم إليه بعد الخروج و يتعقّب ذلك سبقهم إليه و تدبير الأمر بإذن الله.

فالآيات الخمس أقسام بما يتلبّس به الملائكة من الصفات عند ما يؤمرون بتدبير أمر من اُمور هذا العالم المشهود من حين يأخذون في النزول إليه إلى تمام التدبير.

و فيها إشارة إلى نظام التدبير الملكوتي عند حدوث الحوادث كما أنّ الآيات التالية أعني قوله:( هَلْ أَتاكَ ) إلخ إشارة إلى التدبير الربوبيّ الظاهر في هذا العالم.

٢٨٢

و في التدبير الملكوتيّ حجّة على البعث و الجزاء كما أنّ في التدبير الدنيويّ المشهود حجّة عليه على ما سيوافيك إن شاء الله بيانه.

هذا ما يعطيه التدبّر في سياق الآيات الكريمة و يؤيّده بعض التأييد ما سيأتي من الأخبار في البحث الروائيّ الآتي إن شاء الله.

( كلام في أنّ الملائكة وسائط في التدبير)

الملائكة وسائط بينه تعالى و بين الأشياء بدءاً و عوداً على ما يعطيه القرآن الكريم بمعنى أنّهم أسباب للحوادث فوق الأسباب المادّيّة في العالم المشهود قبل حلول الموت و الانتقال إلى نشأة الآخرة و بعده.

أمّا في العود أعني حال ظهور آيات الموت و قبض الروح و إجراء السؤال و ثواب القبر و عذابه و إماتة الكلّ بنفخ الصور و إحيائهم بذلك و الحشر و إعطاء الكتاب و وضع الموازين و الحساب و السوق إلى الجنّة و النار فوساطتهم فيها غنيّ عن البيان، و الآيات الدالّة على ذلك كثيرة لا حاجة إلى إيرادها، و الأخبار المأثورة فيها عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام فوق حدّ الإحصاء.

و كذا وساطتهم في مرحلة التشريع من النزول بالوحي و دفع الشياطين عن المداخلة فيه و تسديد النبيّ و تأييد المؤمنين و تطهيرهم بالاستغفار.

و أمّا وساطتهم في تدبير الاُمور في هذه النشأة فيدلّ عليها ما في مفتتح هذه السورة من إطلاق قوله:( وَ النَّازِعاتِ غَرْقاً وَ النَّاشِطاتِ نَشْطاً وَ السَّابِحاتِ سَبْحاً فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً ) بما تقدّم من البيان.

و كذا قوله تعالى:( جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى‏ وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ ) فاطر: ١ الظاهر بإطلاقه - على ما تقدّم من تفسيره - في أنّهم خلقوا و شأنهم أن يتوسّطوا بينه تعالى و بين خلقه و يرسلوا لإنفاذ أمره الّذي يستفاد من قوله

٢٨٣

تعالى في صفتهم:( بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) الأنبياء: ٢٧، و قوله:( يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) النحل: ٥٠ و في جعل الجناح لهم إشارة ذلك.

فلا شغل للملائكة إلّا التوسّط بينه تعالى و بين خلقه بإنفاذ أمره فيهم و ليس ذلك على سبيل الاتّفاق بأن يجري الله سبحانه أمراً بأيديهم ثمّ يجري مثله لا بتوسيطهم فلا اختلاف و لا تخلّف في سنّته تعالى:( إِنَّ رَبِّي عَلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) هود: ٥٦، و قال:( فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلًا وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلًا ) فاطر: ٤٣.

و من الوساطة كون بعضهم فوق بعض مقاماً و أمر العالي منهم السافل بشي‏ء من التدبير فإنّه في الحقيقة توسّط من المتبوع بينه تعالى و بين تابعه في إيصال أمر الله تعالى كتوسّط ملك الموت في أمر بعض أعوانه بقبض روح من الأرواح، قال تعالى حاكياً عن الملائكة:( وَ ما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ ) الصافّات: ١٦٤، و قال:( مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ) التكوير: ٢١، و قال:( حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ ) سبأ: ٢٣.

و لا ينافي هذا الّذي ذكر من توسّطهم بينه تعالى و بين الحوادث أعني كونهم أسباباً تستند إليها الحوادث استناد الحوادث إلى أسبابها القريبة المادّيّة فإنّ السببيّة طوليّة لا عرضيّة أي إنّ السبب القريب سبب للحادث و السبب البعيد سبب للسبب.

كما لا ينافي توسّطهم و استناد الحوادث إليهم استناد الحوادث إليه تعالى و كونه هو السبب الوحيد لها جميعاً على ما يقتضيه توحيد الربوبيّة فإنّ السببيّة طوليّة كما سمعت لا عرضيّة و لا يزيد استناد الحوادث إلى الملائكة استنادها إلى أسبابها الطبيعيّة القريبة و قد صدّق القرآن الكريم استناد الحوادث إلى الحوادث الطبيعيّة كما صدّق استنادها إلى الملائكة.

٢٨٤

و ليس لشي‏ء من الأسباب استقلال قباله تعالى حتّى ينقطع عنه فيمنع ذلك استناد ما استند إليه إلى الله سبحانه على ما يقول به الوثنيّة من تفويضه تعالى تدبير الأمر إلى الملائكة المقرّبين فالتوحيد القرآنيّ ينفي الاستقلال عن كلّ شي‏ء من كلّ جهة: لا يملكون لأنفسهم نفعاً و لا ضرّاً و لا موتاً و لا حياة و لا نشوراً.

فمثل الأشياء في استنادها إلى أسبابها المترتّبة القريبة و البعيدة و انتهائها إلى الله سبحانه بوجه بعيد كمثل الكتابة يكتبها الإنسان بيده و بالقلم فللكتابة استناد إلى القلم ثمّ إلى اليد الّتي توسّلت إلى الكتابة بالقلم، و إلى الإنسان الّذي توسّل إليها باليد و بالقلم، و السبب بحقيقة معناه هو الإنسان المستقلّ بالسببيّة من غير أن ينافي سببيته استناد الكتابة بوجه إلى اليد و إلى القلم.

و لا منافاة أيضاً بين ما تقدّم أنّ شأن الملائكة هو التوسّط في التدبير و بين ما يظهر من كلامه تعالى أنّ بعضهم أو جميعهم مداومون على عبادته تعالى و تسبيحه و السجود له كقوله:( وَ مَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ لا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لا يَفْتُرُونَ ) الأنبياء: ٢٠، و قوله:( إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ يُسَبِّحُونَهُ وَ لَهُ يَسْجُدُونَ ) الأعراف: ٢٠٦.

و ذلك لجواز أن تكون عبادتهم و سجودهم و تسبيحهم عين عملهم في التدبير و امتثالهم الأمر الصادر عن ساحة العزّة بالتوسّط كما ربّما يومئ إليه قوله تعالى:( وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَ الْمَلائِكَةُ وَ هُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ) النحل: ٤٩.

قوله تعالى: ( يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ) فسّرت الراجفة بالصيحة العظيمة الّتي فيها تردّد و اضطراب و الرادفة بالمتأخّرة التابعة، و عليه تنطبق الآيتان على نفختي الصور الّتي يدلّ عليهما قوله تعالى:( وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى‏ فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ ) الزمر: ٦٨.

٢٨٥

و قيل: الراجفة بمعنى المحرّكة تحريكاً شديداً - فإنّ الرجف يستعمل لازماً بمعنى التحرّك الشديد، و متعدّياً بمعنى التحريك الشديد - و المراد بها أيضاً النفخة الاُولى المحرّكة للأرض و الجبال، و بالرادفة النفخة الثانية المتأخّرة عن الاُولى.

و قيل: المراد بالراجفة الأرض و بالرادفة السماوات و الكواكب الّتي ترجف و تضطرب و تنشقّ، و تتلاشى و الوجهان لا يخلوان من بعد و لا سيّما الأخير.

و الأنسب بالسياق على أيّ حال كون قوله:( يَوْمَ تَرْجُفُ ) إلخ ظرفاً لجواب القسم المحذوف للدلالة على فخامته و بلوغه الغاية في الشدّة و هو لتبعثنّ، و قيل: إنّ( يَوْمَ ) منصوب على معنى قلوب يومئذ واجفة يوم ترجف الراجفة، و لا يخلو من بعد.

قوله تعالى: ( قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ أَبْصارُها خاشِعَةٌ ) تنكير( قُلُوبٌ ) للتنويع و هو مبتدأ خبره( واجِفَةٌ ) و الوجيف الاضطراب، و( يَوْمَئِذٍ ) ظرف متعلّق بواجفة و الجملة استئناف مبيّن لصفة اليوم.

و قوله:( أَبْصارُها خاشِعَةٌ ) ضمير( أَبْصارُها ) للقلوب و نسبة الأبصار و إضافتها إلى القلوب لمكان أنّ المراد بالقلوب في أمثال هذه المواضع الّتي تضاف إليها الصفات الإدراكيّة كالعلم و الخوف و الرجاء و ما يشبهها هي النفوس، و قد تقدّمت الإشارة إليها.

و نسبة الخشوع إلى الأبصار و هو من أحوال القلب إنّما هي لظهور أثره الدالّ عليه في الأبصار أقوى من سائر الأعضاء.

قوله تعالى: ( يَقُولُونَ أَ إِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ ) إخبار و حكاية لقولهم في الدنيا استبعاداً منهم لوقوع البعث و الجزاء و إشارة إلى أنّ هؤلاء الّذين لقلوبهم وجيف و لأبصارهم خشوع يوم القيامة هم الّذين ينكرون البعث و هم في الدنيا و يقولون كذا و كذا.

٢٨٦

و الحافرة - على ما قيل - أوّل الشي‏ء و مبتداه، و الاستفهام للإنكار استبعاداً، و المعنى يقول: هؤلاء أ إنّا لمردودون بعد الموت إلى حالتنا الاُولى و هي الحياة.

و قيل: الحافرة بمعنى المحفورة و هي أرض القبر، و المعنى أ نرد من قبورنا بعد موتنا أحياء، و هو كما ترى.

و قيل: الآية تخبر عن اعترافهم بالبعث يوم القيامة، و الكلام كلامهم بعد الإحياء و الاستفهام للاستغراب كأنّهم لمّا بعثوا و شاهدوا ما شاهدوا يستغربون ما شاهدوا فيستفهمون عن الردّ إلى الحياة بعد الموت.

و هو معنى حسن لو لم يخالف ظاهر السياق.

قوله تعالى: ( أَ إِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً ) تكرار للاستفهام لتأكيد الاستبعاد فلو كانت الحياة بعد الموت مستبعدة فهي مع فرض نخر العظام و تفتّت الأجزاء أشدّ استبعاداً، و النخر بفتحتين البلى و التفتّت يقال: نخر العظم ينخر نخراً فهو ناخر و نخر.

قوله تعالى: ( قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ ) الإشارة بتلك إلى معنى الرجعة المفهوم من قوله( أَ إِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ ) و الكرّة الرجعة و العطفة، و عدّ الكرّة خاسرة إمّا مجاز و الخاسر بالحقيقة صاحبها، أو الخاسرة بمعنى ذات خسران، و المعنى قالوا: تلك الرجعة - و هي الرجعة إلى الحياة بعد الموت - رجعة متلبّسة بالخسران.

و هذا قول منهم أوردوه استهزاء - على أن يكون قولهم:( أَ إِنَّا لَمَرْدُودُونَ ) إلخ ممّا قالوه في الدنيا - و لذا غيّر السياق و قال:( قالُوا تِلْكَ إِذاً ) إلخ بعد قوله:( يَقُولُونَ أَ إِنَّا لَمَرْدُودُونَ ) إلخ و أمّا على تقدير أن يكون ممّا سيقولونه عند البعث فهو قول منهم على سبيل التشؤم و التحسّر.

قوله تعالى: ( فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ) ضمير( هِيَ ) للكرّة و قيل: للرادفة و المراد بها النفخة الثانية، و الزجر طرد بصوت و صياح عبّر عن النفخة

٢٨٧

الثانية بالزجرة لما فيها من نقلهم من نشأة الموت إلى نشاة الحياة و من بطن الأرض إلى ظهرها، و( فَإِذا ) فجائيّة، و الساهرة الأرض المستوية أو الأرض الخالية من النبات.

و الآيتان في محلّ الجواب عمّا يدلّ عليه قولهم:( أَ إِنَّا لَمَرْدُودُونَ ) إلخ من استبعاد البعث و استصعابه و المعنى لا يصعب علينا إحياؤهم بعد الموت و كرّتهم فإنّما كرّتهم - أو الرادفة الّتي هي النفخة الثانية - زجرة واحدة فإذا هم أحياء على وجه الأرض بعد ما كانوا أمواتاً في بطنها.

فالآيتان في معنى قوله تعالى:( وَ ما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ) النحل: ٧٧.

قوله تعالى: ( هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى) الآية إلى تمام اثنتي عشرة آية إشارة إلى إجمال قصّة موسى و رسالته إلى فرعون و ردّه دعوته إلى أن أخذه الله نكال الآخرة و الاُولى.

و فيها عظة و إنذار للمشركين المنكرين للبعث و قد توسّلوا به إلى ردّ الدعوة الدينيّة إذ لا معنى لتشريع الدين لو لا المعاد، و فيها مع ذلك تسلية للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تكذيب قومه، و تهديد لهم كما يؤيّده توجيه الخطاب في قوله:( هَلْ أَتاكَ ) .

و في القصّة مع ذلك كلّه حجّة على وقوع البعث و الجزاء فإنّ هلاك فرعون و جنوده تلك الهلكة الهائلة دليل على حقّيّة رسالة موسى من جانب الله إلى الناس و لا تتمّ رسالته من جانبه تعالى إلّا بربوبيّة منه تعالى للناس على خلاف ما يزعمه المشركون أن لا ربوبيّة له تعالى بالنسبة إلى الناس و أنّ هناك أرباباً دونه و أنّه سبحانه ربّ الأرباب لا غير.

ففي قوله:( هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى) استفهام بداعي ترغيب السامع في استماع الحديث ليتسلّى به هو و يكون للمنكرين إنذاراً بما فيه من ذكر العذاب و إتماماً للحجّة كما تقدّم.

و لا ينافي هذا النوع من الاستفهام تقدّم علم السامع بالحديث لأنّ الغرض

٢٨٨

توجيه نظر السامع إلى الحديث دون السؤال و الاستعلام حقيقة فمن الممكن أن تكون الآيات أوّل ما يقصّه الله من قصّة موسى أو تكون مسبوقة بذكر قصّته كما في سورة المزّمّل إجمالاً - و هي أقدم نزولاً من سورة النازعات - و في سورة الأعراف و طه و غيرهما تفصيلاً.

قوله تعالى: ( إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً ) ظرف للحديث و هو أوّل ما أوحى الله إليه فقلّده الرسالة، و طوى اسم للوادي المقدّس.

قوله تعالى: ( اذْهَبْ إِلى‏ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى‏ ) تفسير للنداء، و قيل: الكلام على تقدير القول أي قائلاً اذهب إلخ أو بتقدير أن المفسّرة أي أن اذهب إلخ و في الوجهين أنّ التقدير مستغنى عنه، و قوله:( إِنَّهُ طَغى‏ ) تعليل للأمر.

قوله تعالى: ( فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى‏ أَنْ تَزَكَّى ) متعلّق( إِلى) محذوف و التقدير هل لك ميل إلى أن تتزكّى أو ما في معناه، و المراد بالتزكّي التطهّر من قذارة الطغيان.

قوله تعالى: ( وَ أَهْدِيَكَ إِلى‏ رَبِّكَ فَتَخْشى) عطف على قوله:( تَزَكَّى ) و المراد بهدايته إيّاه إلى ربّه - كما قيل - تعريفه له و إرشاده إلى معرفته تعالى و تترتّب عليه الخشية منه الرادعة عن الطغيان و تعدّي طور العبوديّة قال تعالى:( إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ) فاطر: ٢٨.

و المراد بالتزكّي إن كان هو التطهّر عن الطغيان بالتوبة و الرجوع إلى الله تعالى كانت الخشية مترتّبة عليه و المراد بها الخشية الملازمة للإيمان الداعية إلى الطاعة و الرادعة عن المعصية، و إن كان هو التطهّر بالطاعة و تجنّب المعصية كان قوله:( وَ أَهْدِيَكَ إِلى‏ رَبِّكَ فَتَخْشى) مفسّراً لما قبله و العطف عطف تفسير.

قوله تعالى: ( فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى) الفاء فصيحة و في الكلام حذف و تقدير و الأصل فأتاه و دعاه فأراه إلخ.

و المراد بالآية الكبرى على ما يظهر من تفصيل القصّة آية العصا، و قيل: المراد بها مجموع معجزاته الّتي أراها فرعون و ملأه و هو بعيد.

قوله تعالى: ( فَكَذَّبَ وَ عَصى) أي كذّب موسى فجحد رسالته و سمّاه ساحراً

٢٨٩

و عصاه فيما أمره به أو عصى الله.

قوله تعالى: ( ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى) الإدبار التولّي و السعي هو الجدّ و الاجتهاد أي ثمّ تولّى فرعون يجدّ و يجتهد في إبطال أمر موسى و معارضته.

قوله تعالى: ( فَحَشَرَ فَنادى) الحشر جمع الناس بإزعاج و المراد به جمعه الناس من أهل مملكته كما يدلّ عليه تفريع قوله:( فَنادى‏ فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) عليه فإنّه كان يدّعي الربوبيّة لأهل مملكته جميعاً لا لطائفة خاصّة منهم.

و قيل: المراد بالحشر جمع السحرة لقوله تعالى:( فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ ) الشعراء: ٥٣، و قوله:( فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى) طه: ٦٠ و فيه أنّه لا دليل على كون المراد بالحشر في هذه الآية هو عين المراد بالحشر و الجمع في تينك الآيتين.

قوله تعالى: ( فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) دعوى الربوبيّة و ظاهره أنّه يدّعي أنّه أعلى في الربوبيّة من سائر الأرباب الّتي كان يقول بها قومه الوثنيّون فيفضّل نفسه على سائر آلهتهم.

و لعلّ مراده بهذا التفضيل مع كونه وثنيّاً يعبد الآلهة كما يدلّ عليه قوله تعالى حكاية عن ملائه يخاطبونه:( أَ تَذَرُ مُوسى‏ وَ قَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ يَذَرَكَ وَ آلِهَتَكَ ) الأعراف: ١٢٧ أنّه أقرب الآلهة منهم تجري بيده أرزاقهم و تصلح بأمره شؤن حياتهم و يحفظ بمشيّته شرفهم و سؤددهم، و سائر الآلهة ليسوا على هذه الصفة.

و قيل: مراده بما قال تفضيل نفسه على كلّ من يلي اُمورهم و محصّله دعوى الملك و أنّه فوق سائر أولياء اُمور المملكة من حكّام و عمّال فيكون في معنى قوله فيما حكاه الله عنه إذ قال:( وَ نادى‏ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَ لَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ ) الآية الزخرف: ٥١.

و هو خلاف ظاهر الكلام و فيما قال قوله لملائه:( يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي ) القصص: ٣٨، و قوله لموسى:( لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ

٢٩٠

مِنَ الْمَسْجُونِينَ ) الشعراء: ٢٩.

قوله تعالى: ( فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَ الْأُولى) الأخذ كناية عن التعذيب، و النكال التعذيب الّذي يردع من رآه أو سمعه عن تعاطي مثله، و عذاب الآخرة نكال حيث إنّ من شأنه أن يردع من سمعه عن تعاطي ما يؤدّي إليه من المعصية كما أنّ عذاب الاستئصال في الدنيا نكال.

و المعنى: فأخذ الله فرعون أي عذّبه و نكله نكال الآخرة و الاُولى و أمّا عذاب الدنيا فإغراقه و إغراق جنوده، و أمّا عذاب الآخرة فعذابه بعد الموت، فالمراد بالاُولى و الآخرة الدنيا و الآخرة.

و قيل: المراد بالآخرة كلمته الآخرة،( أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) و بالاُولى كلمته الاُولى قالها قبل ذلك:( ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي ) فأخذه الله بهاتين الكلمتين و نكله نكالهما، و لا يخلو هذا المعنى من خفاء.

و قيل: المراد بالاُولى تكذيبه و معصيته المذكوران في أوّل القصّة و بالاُخرى كلمة - أنا ربّكم الأعلى - المذكورة في آخرها، و هو كسابقه.

و قيل: الاُولى أوّل معاصيه و الاُخرى آخرها و المعنى أخذه الله نكال مجموع معاصيه و لا يخلو أيضاً من خفاء.

قوله تعالى: ( إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى) الإشارة إلى حديث موسى، و الظاهر أنّ مفعول( يَخْشى) منسيّ معرض عنه، و المعنى أنّ في هذا الحديث - حديث موسى - لعبرة لمن كان له خشية و كان من غريزته أن يخشى الشقاء و العذاب و الإنسان من غريزته ذلك ففيه عبرة لمن كان إنساناً مستقيم الفطرة.

و قيل: المفعول محذوف و التقدير لمن يخشى الله و الوجه السابق أبلغ.

قوله تعالى: ( أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها - إلى قوله -وَ لِأَنْعامِكُمْ ) خطاب توبيخيّ للمشركين المنكرين للبعث المستهزئين به على سبيل العتاب و يتضمّن الجواب عن استبعادهم البعث بقولهم:( أَ إِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ أَ إِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً ) بأنّ الله خلق ما هو أشدّ منكم خلقاً فهو على خلقكم و إنشائكم النشأة الاُخرى لقدير.

٢٩١

و يتضمّن أيضاً الإشارة إلى الحجّة على وقوع البعث حيث يذكر التدبير العامّ العالميّ و ارتباطه بالعالم الإنسانيّ و لازمه ربوبيّته تعالى، و لازم الربوبيّة صحّة النبوّة و جعل التكاليف، و لازم ذلك الجزاء الّذي موطنه البعث و الحشر، و لذا فرّع عليه حديث البعث بقوله:( فإذا جاءت الطامة الكبرى) إلخ.

فقوله:( أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ ) استفهام توبيخيّ بداعي رفع استبعادهم البعث بعد الموت، و الإشارة إلى تفصيل خلق السماء بقوله:( بَناها ) إلخ دليل أنّ المراد به تقرير كون السماء أشدّ خلقاً.

و قوله:( بَناها ) استئناف و بيان تفصيليّ لخلق السماء.

و قوله:( رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها ) أي رفع سقفها و ما ارتفع منها، و تسويتها ترتيب أجزائها و تركيبها بوضع كلّ جزء في موضعه الّذي تقتضيه الحكمة كما في قوله:( فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) الحجر: ٢٩.

و قوله:( وَ أَغْطَشَ لَيْلَها وَ أَخْرَجَ ضُحاها ) أي أظلم ليلها و أبرز نهارها، و الأصل في معنى الضحى انبساط الشمس و امتداد النهار اُريد به مطلق النهار بقرينة المقابلة و نسبة الليل و الضحى إلى السماء لأنّ السبب الأصليّ لها سماويّ و هو ظهور الأجرام المظلمة بشروق الأنوار السماويّة كنور الشمس و غيره و خفاؤها بالاستتار و لا يختصّ الليل و النهار بالأرض الّتي نحن عليها بل يعمّان سائر الأجرام المظلمة المستنيرة.

و قوله:( وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها ) أي بسطها و مدّها بعد ما بنى السماء و رفع سمكها و سوّاها و أغطش ليلها و أخرج ضحاها.

و قيل: المعنى و الأرض مع ذلك دحاها كما في قوله:( عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ ) و قد تقدّم كلام فيما يظهر من كلامه تعالى في خلق السماء و الأرض في تفسير سورة الم السجدة و ذكر بعضهم أنّ الدحو بمعنى الدحرجة.

و قوله:( أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَ مَرْعاها ) قيل: المرعى يطلق على الرعي بالكسر فالسكون و هو الكلأ كما يجي‏ء مصدراً ميميّاً، و اسم زمان و مكان، و المراد بإخراج مائها منها تفجير العيون و إجراء الأنهار عليها، و إخراج المرعى إنبات النبات عليها

٢٩٢

ممّا يتغذّى به الحيوان و الإنسان فالظاهر أنّ المراد بالمرعى مطلق النبات الّذي يتغذّى به الحيوان و الإنسان كما يشعر به قوله:( مَتاعاً لَكُمْ وَ لِأَنْعامِكُمْ ) لا ما يختصّ بالحيوان كما هو الغالب في استعماله.

و قوله:( وَ الْجِبالَ أَرْساها ) أي أثبتها على الأرض لئلّا تميد بكم و ادّخر فيها المياه و المعادن كما ينبئ عنه سائر كلامه تعالى.

و قوله:( مَتاعاً لَكُمْ وَ لِأَنْعامِكُمْ ) أي خلق ما ذكر من السماء و الأرض و دبّر ما دبّر من أمرهما ليكون متاعاً لكم و لأنعامكم الّتي سخّرها لكم تتمتّعون به في حياتكم فهذا الخلق و التدبير الّذي فيه تمتيعكم يوجب عليكم معرفة ربّكم و خوف مقامه و شكر نعمته فهناك يوم تجزون فيه بما عملتم في ذلك إن خيراً فخيراً و إن شرّاً فشرّاً كما أنّ هذا الخلق و التدبير أشدّ من خلقكم فليس لكم أن تستبعدوا خلقكم ثانياً و تستصعبوه عليه تعالى.

قوله تعالى: ( فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى) في المجمع: و الطامّة العالية الغالبة يقال: هذا أطمّ من هذا أي أعلى منه، و طمّ الطائر الشجرة أي علاها و تسمّى الداهية الّتي لا يستطاع دفعها طامّة. انتهى، فالمراد بالطامّة الكبرى القيامة لأنّها داهية تعلو و تغلب كلّ داهية هائلة، و هذا معنى اتّصافها بالكبرى و قد اُطلقت إطلاقاً.

و تصدير الجملة بفاء التفريع للإشارة إلى أنّ مضمونها أعني مجي‏ء القيامة من لوازم خلق السماء و الأرض و جعل التدبير الجاري فيهما المترتّبة على ذلك كما تقدّمت الإشارة إليه.

قوله تعالى: ( يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى‏ ) ظرف لمجي‏ء الطامّة الكبرى، و السعي هو العمل بجدّ.

قوله تعالى: ( وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى) التبريز الإظهار و مفعول( يَرى) منسيّ معرض عنه و المراد بمن يرى من له بصر يرى به، و المعنى و اُظهرت الجحيم بكشف الغطاء عنها لكلّ ذي بصر فيشاهدونها مشاهدة عيان.

فالآية في معنى قوله تعالى:( لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ

٢٩٣

فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) ق: ٢٢ غير أنّ آية ق أوسع معنى.

و الآية ظاهرة في أنّ الجحيم مخلوقة قبل يوم القيامة و إنّما تظهر يومئذ ظهوراً بكشف الغطاء عنها.

قوله تعالى: ( فَأَمَّا مَنْ طَغى‏ وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى‏ وَ أَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى‏ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) تفصيل حال الناس يومئذ في انقسامهم قسمين اُقيم مقام الإجمال الّذي هو جواب إذا المحذوف استغناء بالتفصيل عن الإجمال، و التقدير فإذا جاءت الطامّة الكبرى انقسم الناس قسمين فأمّا من طغى إلخ.

و قد قسّم تعالى الناس في الآيات الثلاث إلى أهل الجحيم و أهل الجنّة - و قدّم صفة أهل الجحيم لأنّ وجه الكلام إلى المشركين - و عرّف أهل الجحيم بما وصفهم به في قوله:( مَنْ طَغى‏ وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا ) و قابل تعريفهم بتعريف أهل الجنّة بقوله:( مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى) و سبيل ما وصف به الطائفتين على أيّ حال سبيل بيان الضابط.

و إذ كانت الطائفتان متقابلتين بحسب حالهما كان ما بيّن لكلّ منهما من الوصف مقابلاً لوصف الآخر فوصف أهل الجنّة بالخوف من مقام ربّهم - و الخوف تأثّر الضعيف المقهور من القويّ القاهر و خشوعه و خضوعه له - يقتضي كون طغيان أهل الجحيم - و الطغيان التعدّي عن الحدّ - هو عدم تأثّرهم من مقام ربّهم بالاستكبار و خروجهم عن زيّ العبوديّة فلا يخشعون و لا يخضعون و لا يجرون على ما أراده منهم و لا يختارون ما اختاره لهم من السعادة الخالدة بل ما تهواه أنفسهم من زينة الحياة الدنيا.

فمن لوازم طغيانهم اختيارهم الحياة الدنيا و هو الّذي وصفهم به بعد وصفهم بالطغيان إذ قال:( وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا ) .

و إذ كان من لوازم الطغيان رفض الآخرة و إيثار الحياة الدنيا و هو اتّباع النفس فيما تريده و طاعتها فيما تهواه و مخالفته تعالى فيما يريده كان لما يقابل الطغيان من

٢٩٤

الوصف و هو الخوف ما يقابل الإيثار و اتّباع هوى النفس و هو قريحة الردع عن الإخلاد إلى الأرض و نهى النفس عن اتّباع الهوى و هو قوله في وصف أهل الجنّة بعد وصفهم بالخوف:( وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى‏ ) .

و إنّما أخذ في وصفه النهي عن الهوى دون ترك اتّباعه عملاً لأنّ الإنسان ضعيف ربّما ساقته الجهالة إلى المعصية من غير استكبار و الله واسع المغفرة قال تعالى( وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ ) النجم: ٣٢، و قال:( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً ) النساء: ٣١.

و يتحصّل معنى الآيات الثلاث في إعطاء الضابط في صفة أهل الجحيم و أهل الجنّة في أنّ أهل الجحيم أهل الكفر و الفسوق و أهل الجنّة أهل الإيمان و التقوى، و هناك غير الطائفتين طوائف اُخر من المستضعفين و الّذين اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً و آخر سيّئا و غيرهم أمرهم إلى الله سبحانه عسى أن يشملهم المغفرة بشفاعة و غيرها.

فقوله:( فَأَمَّا مَنْ طَغى ‏ - إلى قوله -هِيَ الْمَأْوى) أي هي مأواه على أن تكون اللّام عوضاً عن الضمير أو الضمير محذوف و التقدير هي المأوى له.

و قوله:( وَ أَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ ) إلخ المقام اسم مكان يراد به المكان الّذي يقوم فيه جسم من الأجسام و هو الأصل في معناه ككونه اسم زمان و مصدراً ميميّاً لكن ربّما يعتبر ما عليه الشي‏ء من الصفات و الأحوال محلاً و مستقرّاً للشي‏ء بنوع من العناية فيطلق عليه المقام كالمنزلة كما في قوله تعالى في الشهادة:( فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما ) المائدة: ١٠٧ و قول نوحعليه‌السلام لقومه على ما حكاه الله:( إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَ تَذْكِيرِي بِآياتِ اللهِ ) يونس: ٧١، و قول الملائكة على ما حكاه الله:( وَ ما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ ) الصافّات: ١٦٤.

فمقامه تعالى المنسوب إليه بما أنّه ربّ هو صفة ربوبيّته بما تستلزمه أو تتوقّف

٢٩٥

عليه من صفاته الكريمة كالعلم و القدرة المطلقة و القهر و الغلبة و الرحمة و الغضب و ما يناسبها قال إيذاناً به:( وَ لا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى‏ وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) طه: ٨٢، و قال:( نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَ أَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ ) الحجر: ٥٠.

فمقامه تعالى الّذي يخوّف منه عباده مرحلة ربوبيّته الّتي هي المبدأ لرحمته و مغفرته لمن آمن و اتّقى و لأليم عذابه و شديد عقابه لمن كذّب و عصى.

و قيل: المراد بمقام ربّه مقامه من ربّه يوم القيامة حين يسأله عن أعماله و هو كما ترى.

و قيل: معنى خاف مقام ربّه خاف ربّه بطريق الإقحام كما قيل في قوله( أَكْرِمِي مَثْواهُ ) .

( بحث روائي‏)

في الفقيه، و روى عليّ بن مهزيار قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : قوله عزّوجلّ:( وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى‏ وَ النَّهارِ إِذا تَجَلَّى ) و قوله عزّوجلّ:( وَ النَّجْمِ إِذا هَوى) و ما أشبه هذا؟ فقال إنّ لله عزّوجلّ أن يقسم من خلقه بما شاء و ليس لخلقه أن يقسموا إلّا به.

أقول: و تقدّم في هذا المعنى رواية الكافي، عن محمّد بن مسلم عن الباقرعليه‌السلام في تفسير أوّل سورة النجم.

و في الدرّ المنثور، أخرج سعيد بن المنصور و ابن المنذر عن عليّ في قوله:( وَ النَّازِعاتِ غَرْقاً ) قال: هي الملائكة تنزع أرواح الكفّار( وَ النَّاشِطاتِ نَشْطاً ) هي الملائكة تنشط أرواح الكفّار ما بين الأظفار و الجلد حتّى تخرجها( وَ السَّابِحاتِ سَبْحاً ) هي الملائكة تسبح بأرواح المؤمنين بين السماء و الأرض( فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً ) هي الملائكة يسبق بعضها بعضاً بأرواح المؤمنين إلى الله( فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً ) قال هي الملائكة تدبّر أمر العباد من السنة إلى السنة.

٢٩٦

أقول: ينبغي أن تحمل الرواية - لو صحّت - على ذكر بعض المصاديق، و قوله:( تنشط أرواح الكفّار ما بين الأظفار و الجلد حتّى تخرجها) ضرب من التمثيل لشدّة العذاب.

و فيه، أخرج ابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب أنّ ابن الكوّاء سأله عن( فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً ) قال: الملائكة يدبّرون ذكر الرحمن و أمره.

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ) قال: تنشقّ الأرض بأهلها و الرادفة الصيحة.

و فيه: في قوله:( أَ إِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ ) قال: قالت قريش: أ نرجع بعد الموت؟

و فيه: في قوله:( تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ ) قال: قالوا هذه على حدّ الاستهزاء.

و فيه، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام قوله:( أَ إِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ ) يقول: في الخلق الجديد، و أمّا قوله:( فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ) و الساهرة الأرض كانوا في القبور فلمّا سمعوا الزجرة خرجوا من قبورهم فاستووا على الأرض.

و في اُصول الكافي، بإسناده إلى داود الرقي عن أبي عبداللهعليه‌السلام في قول الله عزّوجلّ:( وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ ) ، قال: من علم أنّ الله يراه و يسمع ما يقول و يعلم ما يعمله من خير أو شرّ فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال فذلك الّذي خاف مقام ربّه و نهى النفس عن الهوى.

أقول: يؤيّد الحديث ما تقدّم من معنى الخوف من مقامه تعالى.

و فيه، بإسناده عن يحيى بن عقيل قال: قال أميرالمؤمنينعليه‌السلام : إنّما أخاف عليكم الاثنين: اتّباع الهوى و طول الأمل أمّا اتّباع الهوى فإنّه يصدّ عن الحقّ و أمّا طول الأمل فينسي الآخرة.

٢٩٧

( سورة النازعات الآيات ٤٢ - ٤٦)

يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ( ٤٢ ) فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا ( ٤٣ ) إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَاهَا ( ٤٤ ) إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا ( ٤٥ ) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ( ٤٦ )

( بيان‏)

تعرّض لسؤالهم عن وقت قيام الساعة و ردّ له بأنّ علمه ليس لأحد إلّا الله فقد خصّه بنفسه.

قوله تعالى: ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها ) الظاهر أنّ التعبير بيسألونك لإفادة الاستمرار فقد كان المشركون بعد ما سمعوا حديث القيامة يراجعون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و يسألونه أن يعيّن لهم وقتها مصرّين على ذلك و قد تكرّر في القرآن الكريم الإشارة إلى ذلك.

و المرسى مصدر ميميّ بمعنى الإثبات و الإقرار و قوله:( أَيَّانَ مُرْساها ) بيان للسؤال و المعنى يسألك هؤلاء المنكرون للساعة المستهزؤن به عن الساعة متى إثباتها و إقرارها؟ أي متى تقوم القيامة؟

قوله تعالى: ( فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها ) استفهام إنكاريّ و( فِيمَ أَنْتَ ) مبتدأ و خبر، و( مِنْ ) لابتداء الغاية، و الذكرى كثرة الذكر و هو أبلغ من الذكر على ما ذكره الراغب.

و المعنى في أيّ شي‏ء أنت من كثرة ذكر الساعة أي ما ذا يحصل لك من العلم بوقتها من ناحية كثرة ذكرها و بسبب ذلك أي لست تعلمها بكثرة ذكرها.

أو الذكرى بمعنى حضور حقيقة معنى الشي‏ء في القلب، و المعنى - على الاستفهام

٢٩٨

الإنكاريّ - لست في شي‏ء من العلم بحقيقتها و ما هي عليه حتّى تحيط بوقتها و هو أنسب من المعنى السابق.

و قيل: المعنى ليس ذكراها ممّا يرتبط ببعثتك إنّما بعثت لتنذر من يخشاها.

و قيل:( فِيمَ ) إنكار لسؤالهم، و قوله:( أَنْتَ مِنْ ذِكْراها ) استئناف و تعليل لإنكار سؤالهم، و المعنى فيم هذا السؤال إنّما أنت من ذكرى الساعة لاتّصال بعثتك بها و أنت خاتم الأنبياء، و هذا المقدار من العلم يكفيهم، و هو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما روي:( بعثت أنا و الساعة كهاتين إن كادت لتسبقني) .

و قيل: الآية من تمام سؤال المشركين خاطبوا به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و المعنى ما الّذي عندك من العلم بها و بوقتها؟ أو ما الّذي حصل لك و أنت تكثر ذكرها.

و أنت خبير بأنّ السياق لا يلائم شيئاً من هذه المعاني تلك الملاءمة، على أنّها أو أكثرها لا تخلو من تكلّف.

قوله تعالى: ( إِلى‏ رَبِّكَ مُنْتَهاها ) في مقام التعليل لقوله:( فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها ) و المعنى لست تعلم وقتها لأنّ انتهاءها إلى ربّك فلا يعلم حقيقتها و صفاتها و منها تعيّن الوقت إلّا ربّك فليس لهم أن يسألوا عن وقتها و ليس في وسعك أن تجيب عنها.

و ليس من البعيد - و الله أعلم - أن تكون الآية في مقام التعليل بمعنى آخر و هو أنّ الساعة تقوم بفناء الأشياء و سقوط الأسباب و ظهور أن لا ملك إلّا لله الواحد القهّار فلا ينتسب اليوم إلّا إليه تعالى من غير أن يتوسّط بالحقيقة بينه تعالى و بين اليوم أيّ سبب مفروض و منه الزمان فليس يقبل اليوم توقيتاً بحسب الحقيقة.

و لذا لم يرد في كلامه تعالى من التحديد إلّا تحديد اليوم بانقراض نشأة الدنيا كقوله:( وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ ) الزمر: ٦٨ و ما في معناه من الآيات الدالّة على خراب الدنيا بتبدّل الأرض و السماء و انتثار الكواكب و غير ذلك.

و إلّا تحديده بنوع من التمثيل و التشبيه كقوله تعالى:( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ

٢٩٩

يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها ) و قوله:( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ ) الأحقاف: ٣٥، و قوله:( وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ ) ثمّ ذكر حقّ القول في ذلك فقال:( وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى‏ يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ ) الروم: ٥٦.

و يلوّح إلى ما مرّ ما في مواضع من كلامه أنّ الساعة لا تأتي إلّا بغتة، قال تعالى:( ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) الأعراف: ١٨٧ إلى غير ذلك من الآيات.

و هذا وجه عميق يحتاج في تمامه إلى تدبّر واف ليرتفع به ما يتراءى من مخالفته لظواهر عدّة من آيات القيامة و عليك بالتدبّر في قوله تعالى:( لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) ق: ٢٢ و ما في معناه من الآيات و الله المستعان.

قوله تعالى: ( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها ) أي إنّما كلّفناك بإنذار من يخشى الساعة دون الإخبار بوقت قيام الساعة حتّى تجيبهم عن وقتها إذا سألوك عنه فالقصر في الآية قصر إفراد بقصر شأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الإنذار و تنفي عنه العلم بالوقت و تعيينه لمن يسأل عنه.

و المراد بالخشية على ما يناسب المقام الخوف منها إذا ذكّر بها أي شأنيّة الخشية لا فعليّتها قبل الإنذار.

قوله تعالى: ( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها ) بيان لقرب الساعة بحسب التمثيل و التشبيه بأنّ قرب الساعة من حياتهم الدنيا بحيث مثلهم حين يرونها مثلهم لو لبثوا بعد حياتهم في الأرض عشيّة أو ضحى تلك العشيّة أي وقتاً نسبته إلى نهار واحد نسبة العشيّة إلى ما قبلها منه أو نسبة الضحى إلى ما قبله منه.

و قد ظهر بما تقدّم أنّ المراد باللبث لبث ما بين الحياة الدنيا و البعث أي لبثهم في القبور لأنّ الحساب يقع على مجموع الحياة الدنيا.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

قوله تعالى: ( إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَ كَفَرَ ) استثناء من المفعول المحذوف لقوله السابق:( فَذَكِّرْ ) و التقدير فذكّر الناس إلّا من تولّى منهم عن التذكرة و كفر إذ تذكرته لغو لا فائدة فيها، و معلوم أنّ التولّي و الكفر إنّما يكون بعد التذكرة فالمنفيّ بالاستثناء هو التذكرة بعد التذكرة كأنّه قيل: ذكّرهم و أدم التذكرة إلّا لمن ذكّرته فتولّى عنها و كفر، فليس عليك إدامة تذكرته بل أعرض عنه فيعذّبه الله العذاب الأكبر.

فقوله:( فَذَكِّرْ - إلى أن قال -إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَ كَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ ) في معنى قوله:( فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى‏ - إلى أن قال -وَ يَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى) الأعلى: 12 و قد تقدّم بيانه.

و قيل: الاستثناء من ضمير( عَلَيْهِمْ ) في قوله:( لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ) و المعنى لست عليهم بمتسلّط إلّا على من تولّى منهم عن التذكرة و أقام على الكفر فسيُسلّطك الله عليه و يأمرك بالجهاد فتقاتله فتقتله.

و قيل: الاستثناء منقطع و المعنى لست عليهم بمتسلّط لكنّ من تولّى و كفر منهم يعذّبه الله العذاب الأكبر، و ما قدّمناه من الوجه أرجح و أقرب.

قوله تعالى: ( فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ ) هو عذاب جهنّم فالآية كما تقدّم محاذية لقوله في سورة الأعلى( الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى‏ ) .

قوله تعالى: ( إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ) الإياب الرجوع و( إِلَيْنا ) خبر إنّ و إنّما قدّم للتأكيد و لرعاية الفواصل دون الحصر إذ لا قائل برجوع الناس إلى غير الله سبحانه و الآية في مقام التعليل للتعذيب المذكور في الآية السابقة.

قوله تعالى: ( ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ ) الكلام فيه كالكلام في الآية السابقة.

٤٠١

( بحث روائي‏)

في المجمع، و قال أبوعبداللهعليه‌السلام : كلّ ناصب و إن تعبّد و اجتهد يصير إلى هذه الآية( عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَصْلى‏ ناراً حامِيَةً ) .

أقول: و رواه في ثواب الأعمال، مسنداً و لفظه: كلّ ناصب و إن تعبّد و اجتهد يصير إلى هذه الغاية( عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَصْلى‏ ناراً حامِيَةً ) .

و فيه، عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الضريع شي‏ء في النار يشبه الشوك أمرّ من الصبر و أنتن من الجيفة و أشدّ حرّاً من النار سمّاه الله الضريع.

و في تفسير القمّيّ: في قوله تعالى:( لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً ) قال: الهزل و الكذب.

و فيه،: في قوله تعالى:( لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ) قال: بحافظ و لا كاتب عليهم.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي شيبة و أحمد و عبد بن حميد و مسلم و الترمذيّ و النسائيّ و ابن ماجة و ابن جرير و الحاكم و ابن مردويه و البيهقيّ في الأسماء و الصفات عن جابر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اُمرت أن اُقاتل الناس حتّى يقولوا: لا إله إلّا الله فإذا قالوها عصموا منيّ دماءهم و أموالهم إلّا بحقّها و حسابهم على الله ثمّ قرأ( فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ) .

أقول: لا دلالة في الرواية على كون الاستثناء من ضمير( عَلَيْهِمْ ) و هو ظاهر.

و فيه، و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام : في قوله تعالى:( إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَ كَفَرَ ) يريد من لم يتّعظ و لم يصدّقك و جحد ربوبيّتي و كفر نعمتي( فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ ) يريد الغليظ الشديد الدائم( إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ) يريد مصيرهم( ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ ) يريد جزاءهم.

و في النهج: و سئلعليه‌السلام : كيف يحاسب الله الخلق على كثرتهم؟ قال: كما يرزقهم على كثرتهم. قيل: فكيف يحاسبهم و لا يرونه؟ قال: كما يرزقهم و لا يرونه.

٤٠٢

و فيه، قال الصادقعليه‌السلام : كلّ اُمّة يحاسبها إمام زمانها، و يعرف الأئمّة أولياءهم و أعداءهم بسيماهم و هو قوله:( وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ‏ ) الحديث.

أقول: قد تقدّم توضيح معنى الحديث في تفسير الآية من سورة الأعراف، و روي هذا المعنى في البصائر، عن الصادقعليه‌السلام مسنداً و في الكافي، عن الباقر و الكاظمعليهما‌السلام و في الفقيه، عن الهاديعليه‌السلام في الزيارة الجامعة.

٤٠٣

( سورة الفجر مكّيّة و هي ثلاثون آية)

( سورة الفجر الآيات 1 - 30)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْفَجْرِ ( 1 ) وَلَيَالٍ عَشْرٍ ( 2 ) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ( 3 ) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ ( 4 ) هَلْ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ ( 5 ) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ( 6 ) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ ( 7 ) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ( 8 ) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ ( 9 ) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ ( 10 ) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ( 11 ) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ( 12 ) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ( 13 ) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ( 14 ) فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ( 15 ) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ( 16 ) كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ( 17 ) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ ( 18 ) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا ( 19 ) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ( 20 ) كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ( 21 ) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ( 22 ) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ ( 23 ) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ( 24 ) فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ ( 25 ) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ( 26 ) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ( 27 ) ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً ( 28 ) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ( 29 ) وَادْخُلِي جَنَّتِي ( 30 )

٤٠٤

( بيان‏)

في السورة ذمّ التعلّق بالدنيا المتعقّب للطغيان و الكفران و إيعاد أهله بأشدّ عذاب الله في الدنيا و الآخرة فتبيّن أنّ الإنسان لقصور نظره و سوء فكره يرى أنّ ما آتاه الله من نعمه من كرامته على الله و أنّ ما يتلبّس به من الفقر و العدم من هوانه فيطغى و يفسد في الأرض إذا وجد و يكفر إذا فقد و قد اشتبه عليه الأمر فما يصيبه من القدرة و الثروة و من الفقر و ضيق المعاش امتحان و ابتلاء إلهيّ ليظهر به ما ذا يقدّم من دنياه لاُخراه.

فليس الأمر على ما يتوهّمه الإنسان و يقوله بل الأمر كما سيتذكره إذا وقع الحساب و حضر العذاب أنّ ما أصابه من فقر أو غنى أو قوّة أو ضعف كان امتحاناً إلهيّاً و كان يمكنه أن يقدّم من يومه لغده فلم يفعل و آثر العقاب على الثواب فليس ينال الحياة السعيدة في الآخرة إلّا النفس المطمئنّة إلى ربّها المسلمة لأمره الّتي لا تتزلزل بعواصف الابتلاءات و لا يطغيه الوجدان و لا يكفره الفقدان.

و السورة مكّيّة بشهادة سياق آياتها.

قوله تعالى: ( وَ الْفَجْرِ وَ لَيالٍ عَشْرٍ وَ الشَّفْعِ وَ الْوَتْرِ وَ اللَّيْلِ إِذا يَسْرِ هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ ) الفجر الصبح و الشفع الزوج، قال الراغب: الشفع ضمّ الشي‏ء إلى مثله و يقال للمشفوع شفع. انتهى. و سري الليل مضيّه و إدباره، و الحجر العقل فقوله:( وَ الْفَجْرِ ) إقسام بالصبح و كذا الحال فيما عطف عليه من ليال و الشفع و الوتر و اللّيل.

و لعلّ ظاهر قوله:( وَ الْفَجْرِ ) أنّ المراد به مطلق الفجر و لا يبعد أيضاً أن يراد به فجر يوم النحر و هو عاشر ذي الحجّة.

و قيل: المراد فجر ذي الحجّة، و قيل: فجر المحرّم أوّل السنة و قيل: فجر يوم الجمعة، و قيل فجر ليلة جمع، و قيل: المراد به صلاة الفجر، و قيل: النهار كلّه

٤٠٥

و قيل: فجر العيون من الصخور و غيرها و هي وجوه رديّة.

و قوله:( وَ لَيالٍ عَشْرٍ ) لعلّ المراد بها الليالي العشر من أوّل ذي الحجّة إلى عاشرها و التنكير للتفخيم.

و قيل: المراد بها الليالي العشر من آخر شهر رمضان، و قيل: الليالي العشر من أوّله، و قيل الليالي العشر من أوّل المحرّم، و قيل: المراد عبادة ليال عشر على تقدير أن يراد بالفجر صلاة الفجر.

و قوله( وَ الشَّفْعِ وَ الْوَتْرِ ) يقبل الانطباق على يوم التروية و يوم عرفة و هو الأنسب على تقدير أن يراد بالفجر و ليال عشر فجر ذي الحجّة و العشر الأوّل من لياليها.

و قيل: المراد صلاتاً الشفع و الوتر في آخر الليل، و قيل: مطلق الصلاة فمنها شفع و منها وتر، و قيل: الشفع يوم النحر و الوتر يوم عرفة، و قيل: الشفع جميع الخلق لأنّه قال:( وَ خَلَقْناكُمْ أَزْواجاً ) النبأ: 8 و الوتر هو الله تعالى، و على هذه الأقوال روايات ستوافيك في البحث الروائيّ الآتي إن شاء الله.

و قيل: المراد الزوج و الفرد من العدد، و في الإقسام بهما تذكير بالعدد لما في ضبط المقادير به من عظيم النعمة من الله سبحانه، و قيل: الشفع و الوتر جميع المخلوقات لأنّ الأشياء إمّا زوج و إمّا فرد، و قيل: الوتر آدم شفع بزوجته، و قيل: الشفع الأيّام و الليالي و الوتر اليوم الّذي لا ليل بعده و هو يوم القيامة، و قيل: الشفع الصفا و المروة و الوتر البيت الحرام، و قيل: الشفع أيّام عاد و الوتر لياليها، و قيل: الشفع أبواب الجنّة و هي ثمانية و الوتر أبواب جهنّم و هي سبعة إلى غير ذلك و هي كثيرة أنّهاها بعضهم إلى ستّة و ثلاثين قولاً و لا يخلو أكثرها من تحكّم.

و قوله:( وَ اللَّيْلِ إِذا يَسْرِ ) أي يمضي فهو كقوله:( وَ اللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ ) المدّثر: 33 و ظاهره أنّ اللّام للجنس فالمراد به مطلق آخر الليل، و قيل: المراد به ليلة المزدلفة و هي ليلة النحر الّتي يسري فيها الحاجّ من عرفات إلى المزدلفة فيجتمع فيها على طاعة الله ثمّ يغدوا منها إلى منى و هو كما ترى و خاصّة على القول بكون المراد بليال

٤٠٦

عشر هو الليالي العشر الأوائل منها.

و قوله:( هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ ) الإشارة بذلك إلى ما تقدّم من القسم، و الاستفهام للتقرير، و المعنى أنّ في ذلك الّذي قدّمناه قسماً كافياً لمن له عقل يفقه به القول و يميّز الحقّ من الباطل، و إذا أقسم الله سبحانه بأمر - و لا يقسم إلّا بما له شرف و منزلة - كان من القول الحقّ المؤكّد الّذي لا ريب في صدقه.

و جواب الأقسام المذكورة محذوف يدلّ عليه ما سيذكر من عذاب أهل الطغيان و الكفران في الدنيا و الآخرة و ثواب النفوس المطمئنّة، و أنّ إنعامه تعالى على من أنعم عليه و إمساكه عنه فيمن أمسك إنّما هو ابتلاء و امتحان.

و حذف الجواب و الإشارة إليه على طريق التكنية أوقع و آكد في باب الإنذار و التبشير.

قوله تعالى: ( أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ ) هم عاد الاُولى قوم هود تكرّرت قصّتهم في القرآن الكريم و اُشير إلى أنّهم كانوا بالأحقاف، و قد قدّمنا ما يتحصّل من قصصهم في القرآن الكريم في تفسير سورة هود.

قوله تعالى: ( إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ ) العماد و جمعه عمد ما يعتمد عليه الأبنية، و ظاهر الآيتين أنّ إرم كانت مدينة لهم معمورة عديمة النظير ذات قصور عالية و عمد ممدّدة، و قد انقطعت أخبار القوم عهدهم و انمحت آثارهم، فلا سبيل إلى الحصول على تفصيل حالهم تطمئنّ إليها النفس إلّا ما قصّة القرآن الكريم من إجمال قصّتهم أنّهم كانوا بعد قوم نوح قاطنين بالأحقاف و كانوا ذوي بسطة في الخلق اُولي قوّة و بطش شديد، و كان لهم تقدّم و رقي في المدنيّة و الحضارة لهم بلاد عامرة و أراض خصبة ذات جنّات و نخيل و زروع و مقام كريم و قد تقدّمت القصّة.

و قيل: المراد بإرم قوم عاد - و هو في الأصل اسم أبيهم سمّوا باسم أبيهم كما يقال: قريش و يراد به القرشيّون و يطلق إسرائيل و يراد به بنو إسرائيل - و المراد بكونهم ذات عماد كونهم اُولي قوّة و سطوة.

٤٠٧

و المعنى: أ لم تر كيف فعل ربّك بقوم عاد الّذين هم قوم إرم ذوو القوّة و الشدّة الّذين لم يخلق مثلهم في بسطة الجسم و القوّة و البطش في البلاد أو في أقطار الأرض و لا يخلو من بعد من ظاهر اللفظ.

و أبعد منه ما قيل: إنّ المراد بكونهم ذات العماد أنّهم كانوا أهل عمد سيّارة في الربيع فإذا هاج النبت رجعوا إلى منازلهم.

و من الأساطير قصّة جنّة إرم المشهورة المرويّة عن وهب بن منبّه و كعب الأحبار.

قوله تعالى: ( وَ ثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ ) الجوب القطع أي قطعوا صخر الجبال بنحتها بيوتاً فهو في معنى قوله:( وَ تَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً ) الشعراء: 149.

قوله تعالى: ( وَ فِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ ) هو فرعون موسى، و سمّي ذا الأوتاد - على ما في بعض الروايات - لأنّه كان إذا أراد أن يعذّب رجلاً بسطه على الأرض و وتد يديه و رجليه بأربعة أوتاد في الأرض و ربّما بسطه على خشب و فعل به ذلك، و يؤيّده ما حكاه الله من قوله يهدّد السحرة إذ آمنوا بموسى:( وَ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ) طه: 71 فإنّهم كانوا يوتّدون يدي المصلوب و رجليه على خشبة الصليب.

قوله تعالى: ( الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ ) صفة للمذكورين من عاد و ثمود و فرعون، و المعنى ظاهر.

قوله تعالى: ( فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ ) صبّ الماء معروف و صبّ سوط العذاب كناية عن التعذيب المتتابع المتواتر الشديد، و تنكير عذاب للتفخيم.

و المعنى فأنزل ربّك على كلّ من هؤلاء الطاغين المكثرين للفساد إثر طغيانهم و إكثارهم الفساد عذاباً شديداً متتابعاً متوالياً لا يوصف.

قوله تعالى: ( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ ) المرصاد المكان الّذي يرصد منه و يرقب و كونه تعالى على المرصاد استعارة تمثيليّة شبّه فيها حفظه تعالى لأعمال عباده بمن

٤٠٨

يقعد على المرصاد يرقب من يراد رقوبه فيأخذه حين يمرّ به و هو لا يشعر فالله سبحانه رقيب يرقب أعمال عباده حتّى إذا طغوا و أكثروا الفساد أخذهم بأشدّ العذاب.

و في الآية تعليل ما تقدّم من حديث تعذيب الطغاة المكثرين للفساد من الماضين و في قوله:( رَبَّكَ ) بإضافة الربّ إلى ضمير الخطاب تلويح إلى أنّ سنّة العذاب جارية في اُمّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما جرت عليه في الاُمم الماضين.

قوله تعالى: ( فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَ نَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ) متفرّع على ما قبله، فيه تفصيل حال الإنسان إذا اُوتي من نعم الدنيا أو حرم كأنّه قيل: إنّ الإنسان تحت رقوب إلهيّ يرصده ربّه هل يصلح أو يفسد؟ و يبتليه و يمتحنه فيما آتاه من نعمة أو حرمة هذا هو الأمر في نفسه و أمّا الإنسان فإنّه إذا أنعم الله عليه بنعمة حسب أنّ ذلك إكرام إلهيّ له أن يفعل بها ما يشاء فيطغى و يكثر الفساد، و إذا أمسك و قدر عليه رزقه حسب أنّه إهانة إلهيّة فيكفر و يجزع.

فقوله:( فَأَمَّا الْإِنْسانُ ) المراد به النوع بحسب الطبع الأوّليّ فاللّام للجنس دون الاستغراق.

و قوله:( إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ ) أي امتحنه و اختبره، و العامل في الظرف محذوف تقديره كائنا إذا إلخ و قيل: العامل فيه( فَيَقُولُ ) .

و قوله:( فَأَكْرَمَهُ وَ نَعَّمَهُ ) تفسير للابتلاء، و المراد بالإكرام و التنعيم الصوريّان و إن شئت فقل: الإكرام و التنعيم حدوثاً لا بقاء أي إنّه تعالى أكرمه و آتاه النعمة ليشكره و يعبده لكنّه جعلها نقمة على نفسه تستتبع العذاب.

و قوله:( فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ) أي جعلني على كرامة منه بالنعم الّتي آتانيها و إن شئت فقل: القدرة و الجدة الموهوبتان إكرام و تنعيم حدوثاً و بقاء فلي أن أفعل ما أشاء.

و الجملة أعني قوله:( فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ) حكاية ما يراه الإنسان بحسب الطبع، و قول الإنسان:( رَبِّي أَكْرَمَنِ ) الظاهر في نسبة التدبير إلى الله سبحانه

٤٠٩

- و لا يقول به الوثنيّة و المنكرون للصانع - مبنيّ على اعترافه بحسب الفطرة به تعالى و إن استنكف عنه لساناً، و أيضاً لرعاية المقابلة مع قوله:( إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ ) .

قوله تعالى: ( وَ أَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ ) أي و أمّا إذا ما امتحنه و اختبره فضيق عليه رزقه فيقول ربّي أذلّني و استخفّ بي.

و يظهر من مجموع الآيتين أوّلاً حيث كرّر الابتلاء و أثبته في صورتي التنعيم و الإمساك عنه أنّ إيتاء النعم و الإمساك عنه جميعاً من الابتلاء و الامتحان الإلهيّ كما قال:( وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً ) الأنبياء: 35 لا كما يراه الإنسان.

و ثانياً أنّ إيتاء النعم بما أنّه فضل و رحمة إكرام إن لم يبدّلها الإنسان نقما على نفسه.

و ثالثاً أنّ الآيتين معاً تفيدان أنّ الإنسان يرى سعادته في الحياة هي التنعّم في الدنيا بنعم الله تعالى و هو الكرامة عنده و الحرمان منه شقاء عنده و الحال أنّ الكرامة هي في التقرّب إليه تعالى بالإيمان و العمل الصالح سواء في ذلك الغنى و الفقر و أي وجدان و فقدان فإنّما ذلك بلاء و امتحان.

و لهم في معنى الآيتين وجوه اُخر تركنا التعرّض لها لقلّة الجدوى.

قوله تعالى: ( كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَ لا تَحَاضُّونَ عَلى‏ طَعامِ الْمِسْكِينِ ) ردع لقولهم: إنّ الكرامة هي في الغنى و التنعّم، و في الفقر و الفقدان هوان و مذلّة، و المعنى ليس كما تقولون و إنّما إيتاؤه تعالى النعمة و إمساكه عنه كلّ ذلك ابتلاء و امتحان يختبر به حال الإنسان من حيث عبوديّته.

و في قوله:( بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ) إلخ إضراب يؤكّد الردع بذكر بعض التنعّم الّذي لا يجامع الكرامة البتّة كعدم إكرامهم اليتيم بأكل تراثه و منعه منه و عدم التحريض على إطعام المسكين حبّاً للمال فالفطرة الإنسانيّة لا يرتاب في أن لا كرامة في غنى هذا شأنه.

و في الإضراب مضافاً إلى أصل الردع تقريع و لتشديد هذا التقريع وقع الالتفات من الغيبة إلى الخطاب.

٤١٠

فقوله:( بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ) عدم إكرامه حرمانه من تراث أبيه - كما كانوا يحرمون صغار الأولاد من الإرث - و تركه صفر الكفّ بلغ به الجهد ما بلغ كما تؤيّده الآية التالية( وَ تَأْكُلُونَ التُّراثَ ) إلخ.

و قوله:( وَ لا تَحَاضُّونَ عَلى‏ طَعامِ الْمِسْكِينِ ) أصله و لا تتحاضّون، و هو تحريض بعضهم بعضاً على التصدّق على المساكين المعدمين، و منشأه حبّ المال كما في الآية الآتية( وَ تُحِبُّونَ الْمالَ ) إلخ.

قوله تعالى: ( وَ تَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا ) اللمّ أكل الإنسان نصيب نفسه و غيره و أكله ما يجده من دون أن يميّز الطيّب من الخبيث، و الآية تفسير لعدم إكرامهم اليتيم كما تقدّم.

قوله تعالى: ( وَ تُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا ) الجمّ الكثير العظيم، و الآية تفسّر عدم تحاضّهم على طعام المسكين كما تقدّم.

قوله تعالى: ( كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ) الدكّ هو الدقّ الشديد، و المراد بالظرف حضور يوم القيامة.

ردع ثان عمّا يقوله الإنسان في حالي الغنى و الفقر، و قوله:( إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ ) إلخ في مقام التعليل للردع، و محصّل المعنى ليس كما يقوله الإنسان فإنّه سيتذكّر إذا قامت القيامة إنّ الحياة الدنيا و ما فيها من الغنى و الفقر و أضرابهما لم تكن مقصودة بالذات بل كانت ابتلاء و امتحاناً من الله تعالى يميّز به السعيد من الشقيّ و يهيّئ الإنسان فيها ما يعيش به في الآخرة و قد التبس عليه الأمر فحسبها كرامة مقصودة بالذات فاشتغل بها و لم يقدّم لحياته الآخرة شيئاً فيتمنّى عند ذلك و يقول: يا ليتني قدّمت لحياتي و لن يصرف التمنّي عنه شيئاً من العذاب.

قوله تعالى: ( وَ جاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) نسبة المجي‏ء إليه تعالى من المتشابه الّذي يحكمه قوله تعالى:( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ ) الشورى: 11 و ما ورد في آيات القيامة من خواصّ اليوم كتقطّع الأسباب و ارتفاع الحجب عنهم و ظهور أنّ الله هو الحقّ المبين.

٤١١

و إلى ذلك يرجع ما ورد في الروايات أنّ المراد بمجيئه تعالى مجي‏ء أمره قال تعالى:( وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ) الانفطار: 19، و يؤيّد هذا الوجه بعض التأييد قوله تعالى( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَ الْمَلائِكَةُ وَ قُضِيَ الْأَمْرُ ) البقرة: 210 إذا انضمّ إلى قوله:( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ ) النحل: 33 و عليه فهناك مضاف محذوف و التقدير جاء أمر ربّك أو نسبة المجي‏ء إليه تعالى من المجاز العقليّ.

و الكلام في نسبة المجي‏ء إلى الملائكة و كونهم صفّا صفّا كما مرّ.

قوله تعالى: ( وَ جِي‏ءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ) إلى آخر الآية لا يبعد أن يكون المراد بالمجي‏ء بجهنّم إبرازها لهم كما في قوله تعالى:( وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى‏ ) النازعات: 36 و قوله:( وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ ) الشعراء: 91، و قوله:( لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) ق: 22.

و قوله:( يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ) أي يتذكّر أجلى التذكّر أنّ ما كان يؤتاه في الحياة الدنيا من خير أو شرّ كان من ابتلاء الله و امتحانه و أنّه قصر في أمره، هذا ما يفيده السياق.

و قوله:( وَ أَنَّى لَهُ الذِّكْرى) أي و من أين له الذكرى كناية عن عدم انتفاعه بها فإنّ الذكرى إنّما تنفع فيما أمكنه أن يتدارك ما فرّط فيه بتوبة و عمل صالح و اليوم يوم الجزاء لا يوم الرجوع و العمل.

قوله تعالى: ( يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي ) أي لحياتي هذه و هي الحياة الآخرة أو المراد الحياة الحقيقيّة و هي الحياة الآخرة على ما نبّه تعالى عليه بقوله:( وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَ لَعِبٌ وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) العنكبوت: 64.

و المراد بالتقديم للحياة تقديم العمل الصالح للحياة الآخرة و ما في الآية تمنّ يتمنّاه الإنسان عند ما يتذكّر يوم القيامة و يشاهد أنّه لا ينفعه.

قوله تعالى: ( فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ وَ لا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ ) ضميراً عذابه

٤١٢

و وثاقه لله تعالى و المعنى فيومئذ لا يعذّب عذاب الله أحد من الخلق و لا يوثق وثاق الله أحد من الخلق أي إنّ عذابه و وثاقه تعالى يومئذ فوق عذاب الخلق و وثاقهم، تشديد في الوعيد.

و قرئ( لا يُعَذِّبُ ) بفتح الذال و( وَ لا يُوثِقُ ) بفتح الثاء بالبناء للمفعول و ضميراً عذابه و وثاقه على هذا للإنسان و المعنى لا يعذّب أحد يومئذ مثل عذاب الإنسان و لا يوثق أحد يومئذ مثل وثاقه.

قوله تعالى: ( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ) الّذي يعطيه سياق المقابلة بين هذه النفس بما ذكر لها من الأوصاف و عيّن لها من حسن المنقلب و بين الإنسان المذكور قبل بما ذكر له من وصف التعلّق بالدنيا و الطغيان و الفساد و الكفران، و ما اُوعد من سوء المصير هو أنّ النفس المطمئنّة هي الّتي تسكن إلى ربّها و ترضى بما رضي به فترى نفسها عبداً لا يملك لنفسه شيئاً من خير أو شرّ أو نفع أو ضرّ و يرى الدنيا دار مجاز و ما يستقبله فيها من غنى أو فقر أو أيّ نفع و ضرّ ابتلاء و امتحاناً إلهيّاً فلا يدعوه تواتر النعم عليه إلى الطغيان و إكثار الفساد و العلوّ و الاستكبار، و لا يوقعه الفقر و الفقدان في الكفر و ترك الشكر بل هو في مستقرّ من العبوديّة لا ينحرف عن مستقيم صراطه بإفراط أو تفريط.

قوله تعالى: ( ارْجِعِي إِلى‏ رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً ) خطاب ظرفه جميع يوم القيامة من لدن إحيائها إلى استقرارها في الجنّة بل من حين نزول الموت إلى دخول جنّة الخلد و ليس خطاباً واقعاً بعد الحساب كما ذكره بعضهم.

و توصيفها بالراضية لأنّ اطمئنانها إلى ربّها يستلزم رضاها بما قدّر و قضى تكويناً أو حكم به تشريعاً فلا تسخطها سانحة و لا تزيغها معصية، و إذا رضي العبد من ربّه رضي الربّ منه إذ لا يسخطه تعالى إلّا خروج العبد من زيّ العبوديّة فإذا لزم طريق العبوديّة استوجب ذلك رضى ربّه و لذا عقّب قوله( راضِيَةً ) بقوله:( مَرْضِيَّةً ) .

قوله تعالى: ( فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَ ادْخُلِي جَنَّتِي ) تفريع على قوله:( ارْجِعِي

٤١٣

إِلى‏ رَبِّكِ ) و فيه دلالة على أنّ صاحب النفس المطمئنّة في زمرة عباد الله حائز مقام العبوديّة.

و ذلك أنّه لمّا اطمأنّ إلى ربّه انقطع عن دعوى الاستقلال و رضي بما هو الحقّ من ربّه فرأى ذاته و صفاته و أفعاله ملكاً طلقاً لربّه فلم يرد فيما قدّر و قضى و لا فيما أمر و نهي إلّا ما أراده ربّه، و هذا ظهور العبوديّة التامّة في العبد ففي قوله:( فَادْخُلِي فِي عِبادِي ) تقرير لمقام عبوديّتها.

و في قوله:( وَ ادْخُلِي جَنَّتِي ) تعيين لمستقرّها، و في إضافة الجنّة إلى ضمير التكلّم تشريف خاصّ، و لا يوجد في كلامه تعالى إضافة الجنّة إلى نفسه تعالى و تقدّس إلّا في هذه الآية.

( بحث روائي‏)

في المجمع: في قوله تعالى:( وَ الشَّفْعِ وَ الْوَتْرِ ) ، و قيل: الشفع الخلق لأنّه قال:( وَ خَلَقْناكُمْ أَزْواجاً ) و الوتر الله تعالى: عن عطيّة العوفيّ و أبي صالح و ابن عبّاس و مجاهد و هي رواية أبي سعيد الخدريّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و قيل: الشفع و الوتر الصلاة منها شفع و منها وتر: و هي رواية عن ابن حصين عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و قيل: الشفع يوم النحر و الوتر يوم عرفة: عن ابن عبّاس و عكرمة و الضحّاك، و هي رواية جابر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و الوجه فيه أنّ يوم النحر يشفّع بيوم نفر بعده و يتفرّد يوم عرفة بالموقف، و قيل: الشفع يوم التروية و الوتر يوم عرفة: و روي ذلك عن أبي جعفر و أبي عبداللهعليهما‌السلام .

أقول: الروايات الثلاث المشار إليها مرويّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طرق أهل السنّة و يمكن الجمع بينها بأنّ المراد مطلق الشفع و الوتر و الروايات من قبيل الإشارة إلى بعض المصاديق.

و في تفسير القمّيّ:( وَ لَيالٍ عَشْرٍ ) قال: عشر ذي الحجّة( وَ الشَّفْعِ وَ الْوَتْرِ ) قال: الشفع ركعتان و الوتر ركعة، و في حديث: الشفع الحسن و الحسين و الوتر أمير

٤١٤

المؤمنينعليهم‌السلام ( وَ اللَّيْلِ إِذا يَسْرِ ) قال: هي ليلة جمع.

و فيه، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( لِذِي حِجْرٍ ) يقول: لذي عقل.

و في العلل، بإسناده إلى أبان الأحمر قال: سألت أباعبداللهعليه‌السلام عن قول الله عزّوجلّ:( وَ فِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ ) لأيّ شي‏ء سمّي ذا الأوتاد؟ فقال: لأنّه كان إذا عذّب رجلاً بسطه على الأرض على وجهه و مدّ يديه و رجليه فأوتدها بأربعة أوتاد في الأرض. و ربّما بسطه على خشب منبسط فوتّد رجليه و يديه بأربعة أوتاد ثمّ تركه على حاله حتّى يموت فسمّاه الله عزّوجلّ فرعون ذا الأوتاد.

و في المجمع: في قوله تعالى:( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ ) وروي عن عليّعليه‌السلام أنّه قال: إنّ معناه أنّ ربّك قادر أن يجزي أهل المعاصي جزاءهم.

أقول: بناء الرواية على أخذ الجملة استعارة تمثيليّة.

و فيه، عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال: المرصاد قنطرة على الصراط لا يجوزها عبد بمظلمة عبد.

و عن الغوالي، عن الصادقعليه‌السلام في حديث في تفسير قوله تعالى:( وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) إنّما ظنّ بمعنى استيقن أنّ الله تعالى لن يضيّق عليه رزقه أ لا تسمع قول الله تعالى:( وَ أَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ) أي ضيّق عليه.

و في تفسير القمّيّ، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ) قال: هي الزلزلة.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن عليّ بن أبي طالب قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هل تدرون ما تفسير هذه الآية( كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ - إلى قوله -وَ جِي‏ءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ) قال: إذا كان يوم القيامة تقاد جهنّم بسبعين ألف زمام بيد سبعين ألف ملك فتشرد شردة لو لا أنّ الله حبسها لأحرقت السماوات و الأرض.

أقول: و هو مرويّ أيضاً عن أبي سعيد و ابن مسعود و من طرق الشيعة في أمالي

٤١٥

الشيخ، بإسناده عن داود بن سليمان عن الرضا عن آبائه عن عليّعليه‌السلام عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و في العيون، في باب ما جاء عن الرضا من أخبار التوحيد بإسناده عن عليّ بن فضال عن أبيه قال: سألت الرضاعليه‌السلام عن قول الله عزّوجلّ:( وَ جاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) فقال: إنّ الله سبحانه لا يوصف بالمجي‏ء و الذهاب تعالى عن الانتقال إنّما يعني بذلك و جاء أمر ربّك.

و في الكافي، بإسناده عن سدير الصيرفيّ قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : جعلت فداك يا ابن رسول الله هل يكره المؤمن على قبض روحه؟ قال: لا و الله إنّه إذا أتاه ملك الموت ليقبض روحه جزع عند ذلك فيقول ملك الموت: يا وليّ الله لا تجزع فوالّذي بعث محمّداً لأنّي أبرّ بك و أشفق عليك من والد رحيم لو حضرك، افتح عينيك فانظر.

قال: و يمثّل له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمّة من ذرّيّتهمعليهم‌السلام فيقال له: هذا رسول الله و أميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمّةعليهم‌السلام رفقاؤك.

قال: فيفتح عينيه فينظر فينادي روحه مناد من قبل ربّ العزّة فيقول: يا أيّتها النفس المطمئنّة إلى محمّد و أهل بيته ارجعي إلى ربّك راضية بالولاية مرضيّة بالثواب فادخلي في عبادي يعني محمّداً و أهل بيته و ادخلي جنّتي فما من شي‏ء أحبّ إليه من استلال روحه و اللحوق بالمنادي.

أقول: و روى هذا المعنى القمّيّ في تفسيره و البرقيّ في المحاسن.

٤١٦

( سورة البلد مكّيّة و هي عشرون آية)

( سورة البلد الآيات 1 - 20)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ( 1 ) وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ ( 2 ) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ( 3 ) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ ( 4 ) أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ ( 5 ) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا ( 6 ) أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ ( 7 ) أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ( 8 ) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ ( 9 ) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ( 10 ) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ( 11 ) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ( 12 ) فَكُّ رَقَبَةٍ ( 13 ) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ( 14 ) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ( 15 ) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ( 16 ) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ( 17 ) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ( 18 ) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ( 19 ) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ ( 20 )

( بيان‏)

تذكر السورة أنّ خلقة الإنسان مبنيّة على التعب و المشقّة فلا تجد شأناً من شؤن الحياة إلّا مقروناً بمرارة الكدّ و التعب من حين يلج في جثمانه الروح إلى أن يموت فلا راحة له عارية من التعب و المشقّة و لا سعادة له خالصة من الشقاء و المشأمة إلّا في الدار الآخرة عند الله.

فليتحمّل ثقل التكاليف الإلهيّة بالصبر على الطاعة و عن المعصية و ليجدّ في نشر الرحمة على المبتلين بنوائب الدهر كاليتم و الفقر و المرض و أضرابها حتّى يكون

٤١٧

من أصحاب الميمنة و إلّا فآخرته كاُولاه و هو من أصحاب المشأمة عليهم نار مؤصدة.

و سياق آيات السورة، يشبه السياق المكّيّ فيؤيّد به كون السورة مكّيّة و قد ادّعى بعضهم عليه الإجماع، و قيل: السورة مدنيّة و السياق لا يساعد عليه، و قيل: مدنيّة إلّا أربع آيات من أوّلها و سيأتي في البحث الروائيّ التالي إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى: ( لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ ) ذكروا أنّ المراد بهذا البلد مكّة و تؤيّده مكّيّة سياق السورة و قوله:( وَ والِدٍ وَ ما وَلَدَ ) خاصّة بناء على كون المراد بوالد هو إبراهيمعليه‌السلام على ما سيجي‏ء.

قوله تعالى: ( وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ ) حال من هذا البلد، و وضع الظاهر موضع الضمير في قوله:( بِهذَا الْبَلَدِ ) للدلالة على عظم شأنه و الاعتناء بأمره و هو البلد الحرام، و الحلّ مصدر كالحلول بمعنى الإقامة و الاستقرار في مكان و المصدر بمعنى الفاعل.

و المعنى اُقسم بهذا البلد و الحال أنك حالٌ به مقيم فيه و في ذلك تنبيه على تشرّف مكّة بحلولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها و كونها مولده و مقامه.

و قيل: الجملة معترضة بين القسم و المقسم به و المراد بالحلّ المستحلّ الّذي لا حرمة له قال في الكشاف: و اعترض بين القسم و المقسم عليه بقوله:( وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ ) يعني و من المكابدة أنّ مثلك على عظم حرمتك يستحلّ بهذا البلد الحرام كما يستحلّ الصيد في غير الحرم - عن شرحبيل - يحرّمون أن يقتلوا بها صيداً و يعضدوا(1) بها شجرة و يستحلّون إخراجك و قتلك، و فيه تثبيت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و بعث على‏ احتمال ما كان يكابد من أهل مكّة و تعجيب من حالهم في عداوته انتهى.

ثمّ قال: أو سلّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقسم ببلده أنّ الإنسان لا يخلو من مقاساة الشدائد و اعترض بأن وعده فتح مكّة تتميماً للتسلية و التنفيس عنه فقال:( وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ ) يعني و أنت حلّ به في المستقبل تصنع فيه ما تريد من القتل و الأسر إلى آخر ما قال، و محصّله تفسير الحلّ بمعنى المحلّ ضدّ المحرم، و المعنى و سنحلّ لك يوم فتح مكّة حيناً فنقاتل و تقتل فيه من شئت.

____________________

(1) عضد الشجرة: قطعها و نثر ورقها للإبل. و شرحبيل راوي الحديث.

٤١٨

قوله تعالى: ( وَ والِدٍ وَ ما وَلَدَ ) لزوم نوع من التناسب و الارتباط بين القسم و المقسم عليه يستدعي أن يكون المراد بوالد و ما ولد من بينه و بين البلد المقسم به نسبة ظاهرة و ينطبق على إبراهيم و ولده إسماعيلعليهما‌السلام و هما السببان الأصليّان لبناء بلدة مكّة و البانيان للبيت الحرام قال تعالى:( وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَ إِسْماعِيلُ ) البقرة: 127 و إبراهيمعليه‌السلام هو الّذي سأل الله أن يجعل مكّة بلداً آمنا قال تعالى:( وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً ) إبراهيم: 35. و تنكير( والِدٍ ) للتعظيم و التفخيم، و التعبير بقوله( وَ ما وَلَدَ ) دون أن يقال: و من ولد، للدلالة على التعجيب من أمره مدحاً كما في قوله:( وَ اللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ ) آل عمران: 36.

و المعنى و اُقسم بوالد عظيم الشأن هو إبراهيم و ما ولد من ولد عجيب أمره مبارك أثره و هو إسماعيل ابنه و هما البانيان لهذا البلد فمفاد الآيات الثلاث الإقسام بمكّة المشرّفة و بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّذي هو حلّ فيها و بإبراهيم و إسماعيل اللّذين بنياها.

و قيل: المراد بالوالد إبراهيم و بما ولد جميع أولاده من العرب.

و فيه أنّ من البعيد أن يقارن الله سبحانه بين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و إبراهيمعليه‌السلام و بين أمثال أبي لهب و أبي جهل و غيرهم من أئمّة الكفر فيقسم بهم جميعاً في سياق، و قد تبرّأ إبراهيمعليه‌السلام ممّن لم يتّبعه من بنيه على التوحيد إذ قال فيما حكاه الله:( وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَ مَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) إبراهيم: 36.

فعلى من يفسّر ما ولد بأولاد إبراهيم أن يخصّهم بالمسلمين من ذرّيّته كما في دعاء إبراهيم و إسماعيل عند بنائهما الكعبة على ما حكاه الله:( رَبَّنا وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَ أَرِنا مَناسِكَنا وَ تُبْ عَلَيْنا ) البقرة: 128.

و قيل: المراد بوالد و ما ولد، آدمعليه‌السلام و ذرّيّته جميعاً بتقريب أنّ المقسم عليه بهذه الأقسام خلق الإنسان في كبد و قد سنّ الله في خلق هذا النوع و إبقاء وجوده سنّة الولادة فقد أقسم في هذه الآيات بمحصول هذه السنّة و هو الوالد و ما ولد على أنّ الإنسان في كدّ و تعب بحسب نوع خلقته من حين يحيى إلى حين يموت.

٤١٩

و هذا الوجه في نفسه لا بأس به لكن يبقى عليه بيان المناسبة بين بلدة مكّة و بين والد و كلّ مولود في الجمع بينهما في الأقسام.

و قيل: المراد بهما آدم و الصالحون من ذرّيّته، و كأنّ الوجه فيه تنزيهه تعالى من أن يقسم بأعدائه الطغاة و المفسدين من الكفّار و الفسّاق.

و قيل: المراد بهما كلّ والد و كلّ مولود و قيل: من يلد و من لا يلد منهم بأخذ( ما ) في( ما وَلَدَ ) نافية لا موصولة.

و قيل: المراد بوالد هو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و بما ولد اُمّته لأنّه بمنزلة الأب لاُمّته و هي وجوه بعيدة.

قوله تعالى: ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ ) الكبد الكدّ و التعب، و الجملة جواب القسم فاشتمال الكبد على خلق الإنسان و إحاطة الكدّ و التعب به في جميع شؤن حياته ممّا لا يخفى على ذي لبّ فليس يقصد نعمة من نعم الدنيا إلّا خالصة في طيبها محضة في هنائها و لا ينال شيئاً منها إلّا مشوبة بما ينغّص العيش مقرونة بمقاساة و مكابدة مضافاً إلى ما يصيبه من نوائب الدهر و يفاجئه من طوارق الحدثان.

قوله تعالى: ( أَ يَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ ) بمنزلة النتيجة لحجّة الآية السابقة تقريرها أنّ الإنسان لمّا كانت خلقته مبنيّة على كبد مظروفة له لا ينال قطّ شيئاً ممّا يريد إلّا دون ما يريد أو غير ما يريد فهو محاط في خلقه مغلوب في إرادته مقهور فيما قدّر له من الأمر و الّذي يغلبه في إرادته و يقهره على التلبّس بما قدّر له و هو الله سبحانه يقدر عليه من كلّ جهة فله أن يتصرّف فيه بما شاء و يأخذه إذا أراد.

فليس للإنسان أن يحسب أن لن يقدر عليه أحد فيدعوه ذلك إلى أن يعلو على الله و يستكبر عن عبادته أو يعطيه في بعض ما أمر به كالإنفاق في سبيله فيستكثره و يمتنّ به على الله أو يمكر به تعالى بعد ما عمله رياء و سمعة عملاً لوجه الكريم فيقول: أهلكت مالاً لبدا.

قوله تعالى: ( يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً ) اللبد الكثير، سياق الآية و ما يتلوها من الآيات إلى آخر السورة مشعر بأنه كان هناك بعض من أظهر الإسلام أو مال إليه

٤٢٠

أُولئك هم الآمنون يوم القيامة(٥) وفي يد كوكبائيل(٦) لواء من نور، يضرب في السماء الرابعة، مكتوب عليه، لا إله إلّا الله محمّد رسول الله، طوبى لأُمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يتصدّقون بالنهار، ويقومون في اللّيل بالدّعاء والاستغفار، ينظر الله إليهم ويرضى عنهم، وفي يد شمشائيل لواء من نور، يضرب في السماء الثالثة، مكتوب عليه: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله طوبى لأُمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، صيامهم جنّة من النار. وفي يد اسماعيل لواء من نور، يضرب في السماء الثانية، مكتوب عليه، لا إله إلّا الله محمّد رسول الله، (طوبى لأُمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، و)(٧) يجوزون الصراط يوم القيامة كالبرق الخاطف، وفي يد دردائيل(٨) لواء من نور، يضرب في السماء الدنيا، مكتوب عليه: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله، السلام عليكم يا أُمة محمّد، ابشروا بالنعيم الدّائم، وجوار الرّحمان، وجوار محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجوار الملائكة ».

[ ٨٥٨٥ ] ٢ - وعنه: عن علي بن أبي خلف الطبري، عن محمّد بن اسحاق المروزي، عن اسحاق بن [ محمّد ](١) عن محمّد بن شعيب الناري، عن محمّد بن جمشيد، عن جوير، عن ليث بن ابي سليم، عن مجاهد، عن ابي سعيد الخدري قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

____________________________

(٥) جاء في هامش الحجرية ما نصّه: « قد سقط في الخبر أو النسخة ذكر ملكين وسماءين ».

(٦) في البحار: كوكيائيل.

(٧) ما بين القوسين ليس في البحار.

(٨) وفيه: درديائيل.

٢ - نوادر الراوندي، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ٣٤٤ ح ٨ باختلاف يسير.

(١) أثبتناه من البحار.

٤٢١

« إنّ أبواب السماء تفتح في أوّل ليلة من شهر رمضان، ولا تغلق إلى آخر ليلة منه، فليس من عبد يصلي في ليلة منه، إلّا كتب الله عزّوجلّ له بكلّ سجدة، الفا وخمسمائة حسنة، وبنى له بيتا في الجنّة من ياقوته حمراء، لها سبعون الف باب، لكل باب منها مصراعان من ذهب، موشحّ بياقوتة حمراء، وكان له بكلّ سجدة سجدها في ليل أو نهار، شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، فإذا صام أوّل يوم من شهر رمضان، غفر الله له كلّ ذنب تقدّم إلى ذلك اليوم من شهر رمضان، وكان كفّارة إلى مثلها من الحول، وكان له بكل يوم يصومه من شهر رمضان، قصر في الجنّة، له ألف باب من ذهب، واستغفر له سبعون الف الف [ ملك ](٢) تأتي غدوة إلى أن توارى بالحجاب ».

[ ٨٥٨٦ ] ٣ - وعنه: عن علي عن عبدالله بن جعفر الحافظ، عن عمران بن أحمد، عن أبي محمّد سعيد، عن أحمد بن موسى، عن حماد بن عمرو، عن يزيد بن رفيع، عن ابي عالية، عن عبدالله بن مسعود قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: « من صام رمضان، ثمّ حدث نفسه أن يصومه ان عاش، فإن مات بين ذلك دخل الجنّة، وما من نفقة إلّا ويسأل العبد عنها، إلّا النفقة في شهر رمضان صلة للعباد، وكان كفّارة لذنوبهم، ومن تصدق في شهر رمضان بصدقة، مثقال ذرّة فما فوقها، كان اثقل عند الله عزّوجلّ من جبال الأرض، ذهبا تصدق بها في غير رمضان، ومن قرأ آية في رمضان أو سبّح، كان له من الفضل على غيره، كفضلي على أُمتي، فطوبي لمن ادرك رمضان،

____________________________

(٢) أثبتناه من البحار.

٣ - نوادر الراوندي: النسخة المطبوعة خالية من هذا الحديث، عنه في البحار ج ٩٦ ص ٣٤٥ ح ٩.

٤٢٢

ثم طوبى له « فقالوا: يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وما طوبى؟ قال: » اخبرني جبرئيل: أنّها شجرة غرسها الله بيده، تحمل كلّ نعيم خلق(١) الله عزّوجلّ لأهل الجنّة، وأن عليها ثمارا بعدد النّجوم، في كلّ ثمرة مثل ثدي النّساء، تخرج في كلّ ثمرة منها اربعة انهار: ماء، وخمر، وعسل، ولبن، وسعة كلّ نهر ما بين المغرب والمشرق، وعرضه ما بين السماء والأرض، ومن صلّى ركعتين في رمضان، تحسب له ذلك بسبعمائة الف ركعة في غير رمضان، فإنّ العمل يضاعف في شهر رمضان »، فقالوا: يا رسول الله كم يضاعف؟ قال: « اخبرني جبرئيل قال: تضاعف الحسنات بالف الف، كلّ حسنة منها افضل من أُحد(٢) ، وهو قوله تعالى:( وَاللَّـهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ) (٣) ».

[ ٨٥٨٧ ] ٤ - وعنه: عن عبد الرحيم بن محمّد، عن محمّد بن علي، [ عن أبي القاسم بن محمّد، عن أبي عبد الرحمان، عن اسحاق بن وهب، عن عبد الملك بن يزيد عن أبي إسماعيل بن خالد، عن جعفر بن محمّد(١) ، عن أبيه عن جده، عن علي بن ابي طالبعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من صام شهر رمضان، فاجتنب فيه الحرام والبهتان، رضي الله عنه، واوجب له الجنان ».

____________________________

(١) في البحار: خلقها.

(٢) وفيه: جبل أُحد.

(٣) البقرة ٢: ٢٦١.

٤ - نوادر الراوندي: النسخة المتوفرة خالية من هذا الحديث، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ٣٤٦ ح ١٠.

(١) أثبتناه من البحار.

٤٢٣

[ ٨٥٨٨ ] ٥ - وعنه: عن ابي الحسن بن علي، عن عبدالله بن جعفر، [ عن احمد بن محمّد ](١) عن احمد بن جعفر، عن الحسين بن اسماعيل، عن يوسف بن سعد، عن زايد القمي، عن مرّة الهمداني، عن أبي مسعود الأنصاري، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله [ أنّه قال ](٢) وقد دنا رمضان: « لو يعلم العبد ما في رمضان، يودّ أن يكون رمضان السنة، فقال رجل من خزاعة: يا رسول الله، وما فيه؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الجنّة لتزيّن لرمضان من الحول إلى الحول، فإذا كان أوّل ليلة من رمضان، هبت ريح من تحت العرش، فصفقت ورق الجنّة، فتنظر حور العين إلى ذلك، فيقلن: يا ربّ اجعل لنا من عبادك في هذا الشهر أزواجا، تقرّ أعيننا بهم وتقرّ اعينهم بنا، فما من عبد صام رمضان، إلّا زوّجه الله تعالى من الحور، في خيمة من درّة مجوّفة، كما نعت الله سبحانه وتعالى في كتابه:( حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ) (٣) على كلّ واحدة منهن سبعون [ ألف ](٤) حلة، ليست واحدة منهن على لون الأُخرى، ويعطى سبعين لونا(٥) من الطّيب، ليس منها طيب على لون آخر، وكلّ امرأة منهن على سرير من ياقوته حمراء، متوشّحة من درّ، عليها سبعون فراشا بطائنها من استبرق، وفوق سبعين فراشا سبعون أريكة، لكل امرأة منهن سبعون

____________________________

٥ - نوادر الراوندي: النسخة المتداولة خالية من هذا الحديث، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ٣٤٦ ح ١٢.

(١) أثبتناه من البحار.

(٢) أثبتناه من البحار.

(٣) الرحمن ٥٥: ٧٢.

(٤) أثبتناه من البحار.

(٥) في البحار: ألفاً.

٤٢٤

ألف(٦) وصيفة (لخدمتها، وسبعون للقياها زوجها)(٧) ، مع كلّ وصيفة منهن صحفة(٨) من ذهب، فيها لون من الطّعام، هذا لكلّ يوم صام من رمضان، سوى ما عمل من حسنات ».

[ ٨٥٨٩ ] ٦ - وعنه: عن عبد الجبّار بن احمد بن محمّد الرّوياني، عن عبد الواحد بن محمّد بن سلام، عن اسماعيل بن الزّاهد، عن محمّد بن احمد، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن مسلم بن ابراهيم، عن عمرو بن حمزة، عن ابي الرّبيع، عن أنس بن مالك قال: لمـّا حضر شهر رمضان، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « سبحان الله، ماذا تستقبلون؟ وماذا يستقبلكم؟ » قالها ثلاث مرات، فقال عمر: وحي نزل أو عدوّ حضر، قال: « لا، ولكنّ الله تعالى يغفر في أوّل رمضان، لكلّ أهل هذه القبلة »، قال: ورجل في ناحية القوم يهزّ رأسه، ويقول: بخ بخ، فقال (النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ): « كأنّك ضاق صدرك ممـّا سمعت »، قال: لا والله، يا رسول الله، ولكن ذكرت المنافقين، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « المنافق كافر، وليس لكافر في ذا شئ ».

[ ٨٥٩٠ ] ٧ - وبهذا الإسناد: عن محمّد بن احمد، عن اسماعيل بن اسحاق، عن عبدالله بن مسلمة، عن سلمة بن وردان قال: سمعت أنس بن مالك يقول: ارتقى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، على

____________________________

(٦) كذا في الطبعة الحجرية والبحار، واستظهر الشيخ المصنف زيادتها.

(٧) ما بين القوسين ليس في البحار.

(٨) في البحار: صفحة.

٦ - نوادر الراوندي، عنه في البحار ج ٩٦ ص ٣٤٧ ح ١٣.

٧ - نوادر الراوندي، عنه في البحار ج ٩٦ ص ٣٤٧ ح ١٣.

٤٢٥

المنبر درجة، فقال: « آمين »، ثمّ ارتقى الثّانية فقال: « آمين »، ثمّ ارتقى الثّالثة فقال: « آمين » ثمّ استوى فجلس، فقال أصحابه: على ما أمّنت؟ فقال: « أتاني جبرئيل، فقال: رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك، فقلت: آمين فقال: رغم أنف امرئ أدرك أبويه فلم يدخل الجنّة، فقلت: آمين، فقال: رغم أنف امرئ أدرك رمضان فلم يغفر له، فقلت: آمين ».

[ ٨٥٩١ ] ٨ - وعنه: عن عبد الجبار بن احمد، عن الحاكم ابي الفضل التّرمذي، عن عبدالله بن صالح، عن محمّد بن احمد، عن اسماعيل بن اسحاق، عن ابراهيم بن حمزة، عن عبد العزيز بن محمّد، عن سهيل بن مالك، عن أبيه، عن ابي هريرة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا استهلّ رمضان، غلقت أبواب النّار، وفتحت أبواب الجنّة(١) وصفدت الشياطين ».

[ ٨٥٩٢ ] ٩ - وعنه: عن عبد الواحد بن علي بن الحسين، عن عبد الواحد بن محمّد(١) عن احمد بن عمران بن موسى، عن احمد بن هشام، عن محمّد بن نصير(٢) عن احمد(٣) بن الهيثم، عن عمرو بن الأزهر، عن ابان بن ابي عياش، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول

____________________________

٨ - نوادر الراوندي، عنه في البحار ج ٩٦ ص ٣٤٨ ح ١٤.

(١) في البحار: الجنان.

٩ - نوادر الراوندي، النسخة المطبوعة خالية من هذا الحديث، عنه في البحار ج ٩٦ ص ٣٤٨ ح ١٥.

(١) في البحار زيادة: عن الحسين بن محمّد.

(٢) في البحار: نصر.

(٣) في البحار: علي بن هيثم.

٤٢٦

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا كان أوّل ليلة من شهر رمضان، نادى الجليل تبارك وتعالى، رضوان خازن الجنّة، فيقول: [ يا رضوان فيقول ](٤) : لبّيك ربّي وسعديك، فيقول: نجد(٥) جنّتي وزيّنها، للصّائمين من أُمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا تغلقها عنهم، حتّى ينقضي شهرهم، قال: ثمّ يقول: يا مالك، فيقول: لبّيك ربّي وسعديك، فيقول: اغلق أبواب الجحيم، عن الصّائمين من أُمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا تفتحها عليهم، حتّى ينقضي شهرهم، ثمّ يقول لجبرئيل: [ يا جبرئيل ](٦) فيقول: لبّيك(٧) وسعديك، فيقول: انزل إلى الأرض، فغل فيها مردة الشياطين، حتّى لا يفسدوا على عبادي صومهم، ولله تبارك وتعالى ملك في السماء الدنيا، يقال له دردريا(٨) رأسه تحت العرش، وله جناحان: جناح مكلّل بالياقوت، والآخر بالدّر، وقد جاوز المشرق والمغرب، ينادي الشهر كله: يا باغي الخير هلم، ويا باغي الشر اقصر هل من سائل فيعطى سؤله؟ وهل من داع فتستجاب دعوته؟ هل من تائب فيتاب عليه؟ والله تعالى يقول الشهر كله: هل من تائب فيتاب عليه؟ هل من مستغفر يغفر(٩) له؟ عبادي اصبروا وابشروا، فتوشكوا ان تنقلبوا إلى رحمتي وكرامتي، قال: ولله عزّوجلّ عتقاء عند كلّ فطر، رجال ونساء ».

____________________________

(٤) أثبتناه من البحار.

(٥) التنجيد: التزيين، يقال: بيت مُنَجَّد: أي مُزَيَّن (مجمع البحرين ج ٣ ص ١٤٩).

(٦) أثبتناه من البحار.

(٧) في البحار زيادة: ربِّي.

(٨) الظاهر درديائيل - منه (قدّه).

(٩) في البحار: فيغفر له، ويقول عزّوجلّ.

٤٢٧

[ ٨٥٩٣ ] ١٠ - وبهذا الأسناد: عن [ أحمد بن ](١) عمران بن موسى، عن احمد بن هاشم، عن احمد بن عبدالله بن ابي نصر، عن يزيد بن هارون، عن هشام بن ابي هشام، عن محمّد بن محمّد، عن ابي سلمة، عن ابي هريرة، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « اعطيت امتي في شهر رمضان خمس خصال، لم يعطاها احد قبلهم: خلوف(٢) فم الصائم اطيب عند الله تعالى من ريح المسك، وتستغفر له الملائكة حتّى يفطر، وتصفّد(٣) فيه مردة الشياطين، فلا يصلوا فيه [ إلى ](٤) ما كانوا يصلون في غيره، ويزيّن الله فيه كلّ يوم جنّته، ويقول: يوشك عبادي الصّالحون ان يلقوا عنهم المؤونة والأذى، ويصيروا اليك، ويغفر لهم في آخر ليلة منه »، قيل: يا رسول الله، أهي(٥) ليلة القدر؟ قال: « لا، ولكنّ العامل إنّما يوفّى أجره إذا انقضى عمله ».

[ ٨٥٩٤ ] ١١ - وعن أبي القاسم الورّاق، عن أبي محمّد، عن عمير(١) بن (احمد)، عن أبيه، عن محمّد بن سعيد، عن هدبة، عن همام بن

____________________________

١٠ - نوادر الراوندي: النسخة المطبوعة خالية من هذا الحديث، عنه في البحار ج ٩٦ ص ٣٤٨ ح ١٥.

(١) أثبتناه من البحار.

(٢) الخلوف: رائحة الفم المتغير (مجمع البحرين ج ٥ ص ٥٣).

(٣) تصفد: أي تشد وتوثق بالأغلال. (مجمع البحرين ج ٣ ص ٨٨).

(٤) أثبتناه من البحار.

(٥) في البحار: أيّ.

١١ - نوادر الراوندي: النسخة المطبوعة خالية من هذا الحديث، عنه في البحار ج ٩٦ ص ٣٤٩ ح ١٨.

(١) في البحار: عمر.

(٢) كان في الطبعة الحجرية زيادة: « أبي أحمد عن عمر بن أحمد » وما أثبتناه من البحار.

٤٢٨

يحيى، عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيّب، عن سلمان الفارسيرضي‌الله‌عنه ، قال: خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في آخر يوم [ من ](٣) شعبان فقال: « قد أظلكم شهر رمضان، شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، شهر جعل الله صيامه فريضة، وقيامه لله عزّوجلّ تطوّعاً، من تقّرب فيه بخصلة من خير، كان كمن أدّى فريضة فيما سواه، ومن أدّى فيه فريضة، كان كمن أدّى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصّبر [ والصبر ](٤) ثوابه الجنّة، وشهر المواساة، شهر أوّله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار ».

[ ٨٥٩٥ ] ١٢ - وعن الورّاق، عن أبي محمّد، عن عماد بن احمد، عن الحسن(١) بن علي، عن محمّد بن العلاء، عن ابي بكر بن عيّاش، عن الأعمش، عن ابي صالح، عن ابي هريرة، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: « إذا كان أوّل ليلة من رمضان، صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلّقت ابواب النّار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب السماء فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير اقبل، ويا باغي الشر اقصر، ولله عزّوجلّ عتقاء من النّار، وذلك كلّ ليلة ».

[ ٨٥٩٦ ] ١٣ - الشيخ المفيد في أماليه: عن أبي الطيب الحسين بن محمّد التّمار، عن جعفر بن احمد، عن احمد بن محمّد بن ابي مسلم، عن

____________________________

(٣) أثبتناه من البحار.

(٤) أثبتناه من البحار.

١٢ - نوادر الراوندي: النسخة المطبوعة خالية من هذا الحديث، عنه في البحار ج ٩٦ ص ٣٥٠ ح ٢٠.

(١) في البحار: الحسين.

١٣ - أمالي المفيد ص ٢٢٩ ح ٣ باختلاف يسير.

٤٢٩

أحمد بن حليس الرّازي، عن القاسم بن الحكم العرني، عن هشام بن الوليد، عن حمّاد بن سليمان السّدوسي، عن أبي الحسن علي بن محمّد السّيرافي، عن الضحاك بن مزاحم، عن عبدالله بن العباس بن عبد المطلب، أنّه سمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: « إنّ الجنّة لتنجّد وتزيّن من الحول إلى الحول، لدخول شهر رمضان، فإذا كان أوّل ليلة منه، هبت ريح من تحت العرش، يقال لها: المثيرة، تصفق ورق أشجار الجنان وحلق المصاريع(١) ، فيسمع لذلك طنين لم يسمع السّامعون أحسن منه، ويبرزن الحور العين، حتّى يقفن بين شرف الجنّة، فينادين: هل من خاطب إلى الله فيزوّجه؟ ثمّ يقلن: يا رضوان ما هذه اللّيلة؟ فيجيبهنّ بالتّلبية، ثمّ يقول: يا خيرات حسان، هذه أوّل ليلة من شهر رمضان، قد فتحت أبواب الجنان، للصائمين من أُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويقول له عزّوجلّ: يا رضوان، افتح أبواب الجنان، يا مالك، إغلق أبواب جهنّم، عن الصائمين من أُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يا جبرئيل، اهبط إلى الأرض، فصفّد مردة الشياطين، وغلّهم بالأغلال، ثمّ اقذف بهم في لجج البحار، حتّى لا يفسدوا على أُمّة حبيبي صيامهم، قال ويقول الله تبارك وتعالى، في كلّ ليلة من شهر رمضان، ثلاث مرّات: هل من سائل فاعطيه سؤله؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فاغفر له؟ من يقرض الملي غير المعدم؟ الوفي غير الظالم قال وإنّ لله في آخر كلّ يوم من شهر رمضان، عند الإفطار، الف الف عتيق من النار، فإذا كانت ليلة الجمعة ويوم الجمعة، أعتق في كلّ ساعة منها الف الف عتيق من النار، وكلّهم قد استوجب العذاب، فإذا كان في

____________________________

(١) مصراعا الباب: بابان منصوبان ينظمان جميعا مدخلهما في الوسط (لسان العرب ج ٨ ص ١٩٩).

٤٣٠

آخر شهر رمضان، أعتق الله في ذلك اليوم، بعدد ما أعتق من أوّل الشهر إلى آخره، فإذا كانت ليلة القدر، أمر الله عزّوجلّ جبرئيل فهبط في كتيبة من الملائكة إلى الأرض، ومعه لواء اخضر، فيركز اللّواء إلى ظهر الكعبة، وله ستمائة جناح، منها جناحان لا ينشرهما إلّا في ليلة القدر، فينشرهما تلك الليلة، فيجاوزان المشرق والمغرب، ويبيت جبرئيل والملائكة في هذه الليلة، فيسلّمون على كلّ قائم وقاعد ومصلّي وذاكر، ويصافحونهم ويؤمنون على دعائهم، حتّى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر نادى جبرئيل: يا معشر الملائكة، الرّحيل الرّحيل، فيقولون: يا جبرئيل، فماذا صنع الله تعالى في حوائج المؤمنين، من أُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فيقول: إنّ الله تعالى، نظر إليهم في هذه الليلة، فعفا عنهم وغفر لهم، إلّا أربعة، قال فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مدمن الخمر، والعاقّ لوالديه، والقاطع الرّحم، والمشاجن(٢) ، فإذا كانت ليلة الفطر، وهي تسمّى ليلة الجوائز، اعطى الله تعالى العاملين أجرهم بغير حساب، فإذا كانت غداة يوم الفطر، بعث الله الملائكة في كلّ البلاد، فيهبطون إلى الأرض، ويقفون على أفواه السكك، فيقولون: يا أُمّه محمّد، اخرجوا إلى ربّ كريم، يعطي الجزيل، ويغفر العظيم، فإذا برزوا إلى مصلّاهم، قال الله عزّوجلّ للملائكة: ملائكتي ما جزاء الأجير إذا عمل عمله؟ قال فتقول الملائكة: إلهنا وسيدنا، جزاؤه أن توفّي أجره، قال فيقول الله عزّوجلّ: فإني أُشهدكم ملائكتي، إنّي قد جعلت ثوابهم من صيام شهر رمضان، وقيامهم فيه، رضائي ومغفرتي، ويقول: يا عبادي سلوني، فوعزّتي وجلالي، لا تسألوني اليوم في

____________________________

(٢) في المصدر: والمشاحن، والظاهر هو الأصح. المشاحن: من الشحناء وهي العداوة والبغضاء (مجمع البحرين ج ٦ ص ٢٧١).

٤٣١

جمعكم، لاخرتكم ودنياكم، إلّا أعطيتكم، وعزّتي لاسترنّ عليكم عوراتكم ما راقبتموني، وعزّتي لآجرنكم ولا أفضحكم بين يدي أصحاب الحدود، انصرفوا مغفورا لكم، قد أرضيتموني ورضيت عنكم، قال: فتفرح الملائكة وتستبشر، ويهنّئ بعضهم بعضا، بما يعطي هذه الأُمة إذا افطروا ».

[ ٨٥٩٧ ] ١٤ - تفسير الإمامعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ لله خيارا من كلّ ما خلقه، فله من البقاع خيار، وله من اللّيالي والأيام خيار، وله من الشهور خيار، وله من عباده خيار، وله من خيارهم خيار، فأمّا خياره من البقاع فمكّة والمدينة وبيت المقدّس، وأمّا خياره من اللّيالي فليالي الجمع، وليلة النّصف من شعبان، وليلة القدر، وليلتا العيد، وأمّا خياره من الأيام، فأيّام الجمعة والأعياد، وأمّا خياره من الشهور، فرجب وشعبان وشهر رمضان - إلى أن قال - وإنّ الله عزّوجلّ اختار من الشهور، شهر رجب وشعبان وشهر رمضان، فشعبان أفضل الشهور، إلّا ممـّا كان من شهر رمضان، فإنه أفضل منه، وإنّ الله عزّوجلّ ينزل في شهر رمضان من الزّحمة، الف ضعف ما ينزل في سائر الشهور، ويحشر شهر رمضان في أحسن صوره في القيامة، على تلة لا يخفى هو عليها، على أحد ممّن ضمّه ذلك المحشر، ثمّ يأمر فيخلع عليه من كسوة الجنّة وخلعها، وأنواع سندسها وثيابها، حتّى يصير في العظم بحيث لا ينفذه بصر، ولا تعي علم مقداره أُذن، ولا يفهم كنهه قلب، ثمّ يقال للمنادي من بطنان العرش: ناد، فينادي: يا معشر الخلائق أما تعرفون هذا؟ فيجيب الخلائق يقولون: بلى لبّيك داعي ربّنا وسعديك، أما إننا لا

____________________________

٤ - تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام ص ٢٧٨.

٤٣٢

نعرفه، ثمّ يقول منادي ربّنا: هذا شهر رمضان، ما أكثر من سعد به منكم، وما اكثر من شقى به، ألا فليأته كلّ مؤمن له، معظّم بطاعة الله فيه، فليأخذ حظّه من هذا الخلع، فتقاسموها بينكم، على قدر طاعتكم لله وجدّكم، قال فيأتيه المؤمنون الّذين كانوا لله مطيعين، فيأخذون من تلك الخلع على مقادير طاعتهم، كانت في الدّنيا، فمنهم من يأخذ الف خلعة، ومنهم من يأخذ عشرة آلاف، ومنهم من يأخذ اكثر من ذلك، وأقلّ، فيشرفهم الله تعالى بكراماته، ألا وإن أقواما يتعاطون تلك الخلع، يقولون في أنفسهم: لقد كنّا بالله مؤمنين، وله موحّدين، وبفضل هذا الشهر معترفين، فيأخذونها ويلبسونها، فتقلّب على ابدانهم مقطّعات النيران، وسرابيل القطران، يخرج على كلّ واحد منهم بعدد كلّ سلكة من تلك الثّياب، افعى وحية وعقرب، وقد تناولوا من تلك الثّياب اعداداً مختلفة، على قدر اجرامهم، كلّ من كان جرمه اعظم، فعدد ثيابه اكثر، فمنهم الآخذ الف ثوب، ومنهم من أخذ عشرة آلاف ثوب، ومنهم من يأخذ اكثر من ذلك، وأنّها لأثقل على أبدانهم من الجبال الرّواسي، على ضعيف من الرّجال، ولو لا ما حكم الله تعالى، بأنّهم لا يموتون لماتوا، إن أقلّ قليل ذلك الثّقل والعذاب، ثمّ يخرج عليهم بعدد كلّ سلكة في تلك السرابيل، من القطران ومقطّعات النّيران، أفعى وحيّة وعقرب وأسد ونمر وكلب، من سباع النّار، فهذه تنهشه، وهذه تلدغة، وهذه تفرسه، وهذه تمزقه، وهذه تقطعه، يقولون: ما بالنا تحولت علينا هذه الثّياب؟ وقد كانت من سندس واستبرق، وأنواع خيار ثياب الجنّة، تحوّلت علينا مقطّعات النّيران وسرابيل قطران، وهي على هؤلاء ثياب فاخرة ملذّة منعمة، فيقال لهم: ذلك بما كانوا يطيعون في شهر رمضان، وكنتم تعصون، وكانوا يعفّون، وكنتم تفجرون، وكانوا يخشون ربّهم، وكنتم تجترون،

٤٣٣

وكانوا يتّقون السّرق، وكنتم تسرقون، وكانوا يتقون ظلم عباد الله، وكنتم تظلمون، فتلك نتائج أفعالهم الحسنة، وهذه نتائج أفعالكم القبيحة، فهم في الجنّة خالدون، لا يشيبون فيها ولا يهرمون، ولا يحوّلون عنها ولا يخرجون ولا ينقلون، ولا يقلقون فيها ولا يغتمون، بل هم فيها سائرون فرحون مبتهجون آمنون مطمئنّون، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وانتم في النار خالدون، تعذّبون فيها ولا تهاونون، من نيرانها وإلى زمهريرها تنقلون، وفي حميمها تغمسون، ومن زقّومها تطعمون، وبمقامعها تقمعون، وبضروب عذابها تعاقبون، لا أحياء أنتم فيها ولا تموتون، أبد الآبدين، إلّا من لحقته منكم رحمة ربّ العالمين، فخرج منها بشفاعة محمّد أفضل النبيّين، بعد العذاب الأليم، والنّكال الشديد ».

[ ٨٥٩٨ ] ١٥ - القطب الراوندي في لبّ اللّباب: عن سلمان قال: خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في آخر يوم من شعبان، فقال: « يا أيها الناس، قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوّعا، من تقرّب فيه بنافلة من الخير، كان كمن أدّى فريضة فيما سواه، وهو شهر الصّبر والصبر ثوابه الجنّة، وشهر المواساة، وشهر يزداد في رزق المؤمن، وشهر أوّله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، وهو للمؤمن غنم، وللمنافق غرم ».

[ ٨٥٩٩ ] ١٦ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه كان يرتقي المنبر، فامّن عند كلّ مرقاة، فسئل عن سبب ذلك، فقال: « دعا جبرئيل وأمّنت،

____________________________

١٥ - لب اللباب: مخطوط.

١٦ - لب اللباب: مخطوط.

٤٣٤

قال: من أدرك والديه، ولم يؤدّ حقّهما، فلا غفر الله له، فقلت: آمين، ثمّ قال: من ذكرت عنده فلم يصلّ عليك، فلا غفر الله له، فقلت: آمين، ثمّ قال: من أدرك شهر رمضان ولا يتوب، فلا غفر الله له، فقلت: آمين - وفي الخبر - أنّ فريضة فيه، بسبعين فريضة في غيره، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : خفّفوا على المملوكين، في شهر رمضان ».

[ ٨٦٠٠ ] ١٧ - فقه الرضاعليه‌السلام : « وأكثر في هذا الشهر المبارك، من قراءة القرآن، والصلاة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكثرة الصّدقة، وذكر الله في آناء اللّيل والنهار، وبرّ الإخوان، وإفطارهم معك بما يمكنك، فإنّ في ذلك ثواباً عظيماً، وأجراً كبيراً ».

[ ٨٦٠١ ] ١٨ - ابن شهر آشوب في المناقب: عن ابانة العكبري، عن سليمان بن المغيرة، عن أُمه قالت: سألت أُمّ سعيد - سريّة عليعليه‌السلام - عن صلاة عليعليه‌السلام ، في شهر رمضان، فقالت: رمضان وشوّال سواء، يحيي اللّيل كلّه.

[ ٨٦٠٢ ] ١٩ - ابن ابي جمهور في عوالي اللآلي: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « أيّما مؤمن أطعم مؤمنا ليلة من شهر رمضان، كتب الله له بذلك، مثل أجر من أعتق(١) ثلاثين نسمة مؤمنة، وكان له بذلك عند الله دعوة مستجابة ».

____________________________

١٧ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٤.

١٨ - مناقب ابن شهر آشوب ج ٢ ص ١٢٣.

١٩ - عوالي اللآلي ج ١ ص ٣٥٣ ح ١٨.

(١) في المصدر زيادة: نسمة، قال ومن أطعمه شهر رمضان كله كتب الله له بذلك أجر من أعتق.

٤٣٥

[ ٨٦٠٣ ] ٢٠ - وفي درر اللآلي: عن رجل من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقول: « إنّ شهر رمضان، تفتح فيه أبواب الجنّة الثّمانية، وتغلق فيه أبواب النار السّبعة، ويصفد فيه كلّ شيطان مريد، وينادي مناد كلّ ليلة: يا طالب الخير هلمّ، ويا طالب الشّر امسك ».

[ ٨٦٠٤ ] ٢١ - وعن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا كان أوّل ليلة من شهر رمضان، فتحت أبواب الجنان، ولم يغلق منها باب الشهر كلّه، وأُغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب الشهر كلّه، وغلت عتاة الجنّ ومردة الشياطين، ونادى مناد من السماء، كلّ ليلة إلى انفجار الصبح: يا باغي الخير تمّم وابشر، ويا باغي الشر أقصر وابصر، هل من مستغفر نغفر له؟ هل من تائب نتوب عليه؟ هل من داع فنستجيب له؟ هل من سائل يعطى سؤله؟ ولله عند كلّ فطر من شهر رمضان، كلّ ليلة، عتقاء من النار، ستّون الفا، فإذا كان يوم الفطر، أعتق مثل ما أعتق في جميع ثلاثين مرّة، ستّين الفا، ستّين الفا ».

[ ٨٦٠٥ ] ٢٢ - دعائم الإسلام: بإسناده عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، أنّه كان يقول لبنيه: « إذا دخل شهر رمضان، فاجهدوا انفسكم فيه، فإن فيه تقسم الأرزاق، وتوقت الأرزاق وتوقت الآجال، ويكتب وفد الله الّذين(١) يفدون عليه، وفيه ليلة

____________________________

٢٠ - درر اللآلي ج ١ ص ١٥.

٢١ - درر اللآلي ج ١ ص ١٦.

٢٢ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦٨.

(١) في المصدر: الذي.

٤٣٦

(القدر، التي)(٢) العمل فيها خير من العمل في الف شهر ».

[ ٨٦٠٦ ] ٢٣ - وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إنّه خطب الناس آخر يوم من شعبان، فقال: « أيّها الناس، أنّه قد اظلكم شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة العمل فيها خير من العمل في الف شهر، من تقرّب فيه بخصلة من خصال الخير، كان كمن أدّى فريضة فيما سواه، ومن أدّى فيه فريضة، كان كمن أدّى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصّبر، والصّبر ثوابه الجنّة، وشهر المواساة، وشهر يزداد فيه من رزق المؤمن، من فطّر فيه صائما، كان له مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النّار، وكان له مثل أجره، من غير أن ينقص من أجره شئ » فقال بعض القوم: يا رسول الله، ليس كلّنا يجد ما يفطر الصّائم، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يعطي الله هذا الثّواب، من فطّر صائما على مذقة لبن، أو تمرة، أو شربة ماء، ومن أشبع صائما، سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها، وهو شهر أوّله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، من خفّف عن مملوكه فيه، غفر الله له وأعتقه من النار، واستكثروا فيه من أربع خصال، خصلتان ترضون بهما ربكم، وخصلتان لا غنى بكم عنهما، فأمّا الخصلتان اللّتان ترضون بهما ربكم، فشهادة أن لا إله إلّا الله، وتستغفرونه، وأمّا اللّتان لا غنى بكم عنهما، فتسألون الله الجنّة. وتعوذون به من النار ».

[ ٨٦٠٧ ] ٢٤ - وعن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، أنّه قال: « من لم

____________________________

(٢) ليس في المصدر.

٢٣ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦٨.

٢٤ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦٩.

٤٣٧

يغفر له في شهر رمضان، لم يغفر له إلى مثله من قابل، إلّا أن يشهد عرفة ».

[ ٨٦٠٨ ] ٢٥ - وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه صعد المنبر فقال: « آمين - ثمّ قال - أيّها النّاس إنّ جبرائيل استقبلني، فقال: يا محمّد، من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فيه، فمات(١) فابعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين ».

١٢ -( باب كراهة قول رمضان من غير إضافة إلى الشهر، وعدم تحريمه، وكفّارة ذلك، وكراهة إنشاد الشعر فيه، ليلا ونهارا)

[ ٨٦٠٩ ] ١ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا ابي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين، عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام ، أنّه كان يقول: « لا تقولوا رمضان، فإنكم لا تدرون ما رمضان، ومن قاله فليتصدّق، وليصم كفّارة لقوله، ولكن قولوا كما قال الله تعالى: شهر رمضان ».

[ ٨٦١٠ ] ٢ - الصّفار في بصائر الدّرجات: عن محمّد بن يحيى العطّار، عن احمد بن محمّد بن عيسى، عن احمد بن محمّد بن ابي نصر، عن هشام بن سالم، عن سعد، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: نحن

____________________________

٢٥ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦٩.

(١) في المصدر: فدخل النار.

الباب - ١٢

١ - الجعفريات ص ٥٩.

٢ - بصائر الدرجات ص ٣٣١.

٤٣٨

عنده ثمانية رجال، فذكرنا رمضان فقال: « لا تقولوا: هذا رمضان، ولا ذهب رمضان، ولا جاء رمضان فانّ رمضان اسم من أسماء الله تعالى، لا يجئ ولا يذهب، وإنّما يجئ ويذهب الزّائل، ولكن قولوا شهر رمضان، فالشهر مضاف إلى الاسم، والاسم اسم الله، وهو الشهر الّذي أُنزل فيه القرآن » الخبر.

١٣ -( باب استحباب الدعاء عند رؤية الهلال، وأوّل ليلة من شهر رمضان، بالمأثور)

[ ٨٦١١ ] ١ - الصدوق في الفقيه: (عن الصادقعليه‌السلام قال)(١) : « إذا رأيت هلال شهر رمضان، فلا تشر إليه، ولكن استقبل القبلة، وارفع يديك إلى الله عزّوجلّ، وخاطب الهلال تقول: ربّي وربّك الله ربّ العالمين، اللهم أهلّه علينا بالأمن والأمان، والسلامة والإسلام، والمسارعة إلى ما تحبّ وترضى، اللّهمّ بارك لنا في شهرنا هذا، وارزقنا خيره وعونه، واصرف عنّا ضرّه وشرّه، وبلاءه وفتنته ».

[ ٨٦١٢ ] ٢ - فقه الرضاعليه‌السلام : « فإذا رأيت هلال شهر رمضان، فلا تشر إليه، ولكن استقبل القبلة، وارفع يديك إلى الله، وخاطب الهلال، وكبّر في وجهه، ثمّ تقول: ربّي وربّك الله ربّ العالمين، اللّهمّ أهلّه علينا بالأمن والأمانة والإيمان، والسلامة والإسلام، والمسارعة إلى ما تحبّ وترضى، اللّهمّ بارك لنا في شهرنا هذا، وارزقنا عونه وخيره، واصرف عنّا شرّه وضرّه وبلاءه وفتنته ».

____________________________

الباب - ١٣

١ - الفقيه ج ٢ ص ٦٢ ح ٢.

(١) في المصدر: وقال أبيرضي‌الله‌عنه في رسالته إليّ.

٢ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٤.

٤٣٩

[ ٨٦١٣ ] ٣ - دعائم الإسلام: روينا عن علي (صلوات الله عليه)، أنّه كان إذا رأى الهلال قال: « الله أكبر، اللّهمّ إنّي أسألك خير هذا الشهر، وفتحه ونصره، ونوره ورزقه، واعوذ بك من شره، وشرّ ما بعده ».

[ ٨٦١٤ ] ٤ - السيد علي بن طاووس في كتاب عمل شهر رمضان: عن محمّد بن الحنفيّة، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: « كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذا استهلّ هلال شهر رمضان، استقبل القبلة بوجهه، وقال: اللّهمّ أهلّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والعافية المجلّلة ودفاع الاسقام، والعون على الصلاة والصيام، وتلاوة القرآن، اللّهمّ سلّمنا لشهر رمضان، وتسلّمه منّا، وسلّمنا فيه، حتّى ينقضي عنّا شهر رمضان، وقد عفوت عنّا، وغفرت لنا، ورحمتنا ».

[ ٨٦١٥ ] ٥ - وعن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جدّهعليهم‌السلام ، قال: « مرّ علي بن الحسينعليهما‌السلام ، في طريقه يوماً إلى هلال شهر رمضان، فوقف فقال: أيّها الخلق المطيع، الدّائب السّريع، المتردّد في فلك التّقدير، المتصرّف في منازل التّدبير، آمنت بمن نوّر بك الظّلم، وأوضح بك البهم، وجعلك آية من آيات ملكه، وعلامة من علامات سلطانه، فحدّ بك الزّمان، وامتهنك(١) بالزّيادة والنقصان، والطّلوع والأُفول، والانارة والكسوف، في كلّ ذلك انت له مطيع، وإلى إرادته سريع، سبحانه ما أعجب ما أظهر من

____________________________

٣ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٧١.

٤ - إقبال الأعمال ص ١٧.

٥ - الإقبال ص ١٧ باختلاف.

(١) امتهنك: استخدمك (مجمع البحرين ج ٦ ص ٣٢١).

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568