الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢٠

الميزان في تفسير القرآن3%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 568

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 220368 / تحميل: 7040
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢٠

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

( سورة التكوير مكّيّة و هي تسع و عشرون آية)

( سورة التكوير الآيات ١ - ١٤)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ( ١ ) وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ ( ٢ ) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ( ٣ ) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ( ٤ ) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ( ٥ ) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ( ٦ ) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ( ٧ ) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ ( ٨ ) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ( ٩ ) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ( ١٠ ) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ ( ١١ ) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ( ١٢ ) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ( ١٣ ) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ ( ١٤ )

( بيان‏)

تذكر السورة يوم القيامة بذكر بعض أشراطها و ما يقع فيها و تصفه بأنّه يوم ينكشف فيه للإنسان ما عمله من عمل ثمّ تصف القرآن بأنّه ممّا ألقاه إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسول سماويّ و هو ملك الوحي و ليس بإلقاء شيطاني و لا أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مجنون يمسّه الشيطان.

و يشبه أن تكون السورة من السور العتائق النازلة في أوائل البعثة كما يشهد به ما فيها من تنزيههصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّا رموه به من الجنون و قد اتّهموه به في أوائل الدعوة و قد اشتملت على تنزيهه منه سورة( ن ) و هي من العتائق.

و السورة مكّيّة بلا كلام.

قوله تعالى: ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) التكوير اللفّ على طريق الإدارة كلفّ

٣٢١

العمامة على الرأس، و لعلّ المراد بتكوير الشمس انظلام جرمها على نحو الإحاطة استعارة.

قوله تعالى: ( وَ إِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ) انكدار الطائر من الهواء انقضاضه نحو الأرض، و عليه فالمراد سقوط النجوم كما يفيده قوله:( وَ إِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ ) الانفطار: ٢ و يمكن أن يكون من الانكدار بمعنى التغيّر و قبول الكدورة فيكون المراد به ذهاب ضوئها.

قوله تعالى: ( وَ إِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ ) بما يصيبها من زلزلة الساعة من التسيير فتندكّ و تكون هباءً منبثّاً و تصير سراباً على ما ذكره سبحانه في مواضع من كلامه.

قوله تعالى: ( وَ إِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ ) قيل: العشار جمع عشراء كالنفاس جمع نفساء و هي الناقة الحامل الّتي أتت عليها عشرة أشهر فتسمّى عشراء حتّى تضع حملها و ربّما سمّيت عشراء بعد الوضع أيضاً و هي من أنفس المال عند العرب.

و تعطيل العشار تركها مهملة لا راعي لها و لا حافظ يحفظها و كأنّ في الجملة إشارة على نحو الكناية إلى أنّ نفائس الأموال الّتي يتنافس فيها الإنسان تبقى اليوم و لا صاحب لها يتملّكها و يتصرّف فيها لأنّهم مشغولون بأنفسهم عن كلّ شي‏ء كما قال:( لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) عبس: ٣٧.

قوله تعالى: ( وَ إِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ) الوحوش جمع وحش و هو من الحيوان ما لا يتأنّس بالإنسان كالسباع و غيرها.

و ظاهر الآية من حيث وقوعها في سياق الآيات الواصفة ليوم القيامة أنّ الوحوش محشورة كالإنسان، و يؤيّده قوله تعالى:( وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ‏ءٍ ثُمَّ إِلى‏ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) الأنعام: ٣٨.

و أمّا تفصيل حالها بعد الحشر و ما يؤل إليه أمرها فلم يرد في كلامه تعالى و لا فيما يعتمد عليه من الأخبار ما يكشف عن ذلك نعم ربّما استفيد من قوله في آية الأنعام:

٣٢٢

( أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ) و قوله:( ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ‏ءٍ ) بعض ما يتّضح به الحال في الجملة لا يخفى على الناقد المتدبّر، و ربّما قيل: إنّ حشر الوحوش من أشراط الساعة لا ممّا يقع يوم القيامة و المراد به خروجها من غاباتها و أكنانها.

قوله تعالى: ( وَ إِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ ) فسّر التسجير بإضرام النار و فسّر بالملإ و المعنى على الأوّل و إذا البحار اُضرمت ناراً، و على الثاني و إذا البحار ملئت.

قوله تعالى: ( وَ إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) أمّا نفوس السعداء فبنساء الجنّة قال تعالى:( لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ ) النساء: ٥٧، و قال:( وَ زَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ) الدخان: ٥٤ و أمّا نفوس الأشقياء فبقرناء الشياطين قال تعالى:( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ أَزْواجَهُمْ وَ ما كانُوا يَعْبُدُونَ ) الصافّات: ٢٢ و قال:( وَ مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) الزخرف: ٣٦.

قوله تعالى: ( وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) الموؤدة البنت الّتي تدفن حيّة و كانت العرب تئد البنات خوفاً من لحوق العار بهم من أجلهنّ كما يشير إليه قوله تعالى:( وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى‏ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ كَظِيمٌ يَتَوارى‏ مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَ يُمْسِكُهُ عَلى‏ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ ) النحل: ٥٩.

و المسؤل بالحقيقة عن قتل الموؤدة أبوها الوائد لها لينتصف منه و ينتقم لكن عدّ المسؤل في الآية هي الموؤدة نفسها فسئلت عن سبب قتلها لنوع من التعريض و التوبيخ لقاتلها و توطئة لأن تسأل الله الانتصاف لها من قاتلها حتّى يسأل عن قتلها فيؤخذ لها منه، فالكلام نظير قوله تعالى في عيسىعليه‌السلام :( وَ إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ ) المائدة: ١١٦.

و قيل: إسناد المسؤليّة إلى الموؤدة من المجاز العقلي و المراد كونها مسؤلاً عنها نظير قوله تعالى:( إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا ) إسراء: ٣٤.

قوله تعالى: ( وَ إِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ) أي للحساب، و الصحف كتب الأعمال.

قوله تعالى: ( وَ إِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ ) في المجمع، الكشط القلع عن شدّة التزاق

٣٢٣

فينطبق على طيّها كما في قوله:( وَ السَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ) الزمر: ٦٧، و قوله:( وَ يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَ نُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا ) الفرقان: ٢٥ و غير ذلك من الآيات المفصحة عن هذا المعنى.

قوله تعالى: ( وَ إِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ) التسعير تهييج النار حتّى تتأجّج.

قوله تعالى: ( وَ إِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ) الإزلاف التقريب و المراد تقريبها من أهلها للدخول.

قوله تعالى: ( عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ ) جواب إذا، و المراد بالنفس الجنس و المراد بما أحضرت عملها الّذي عملته يقال: أحضرت الشي‏ء أي وجدته حاضراً كما يقال: أحمدته أي وجدته محموداً.

فالآية في معنى قوله تعالى:( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ ) آل عمران: ٣٠.

( بحث روائي‏)

في تفسير القمّيّ:( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) قال: تصير سوداء مظلمة( وَ إِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ) قال: يذهب ضوؤها( وَ إِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ ) قال: تسيّر كما قال:( تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ ) . قوله:( وَ إِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ ) قال الإبل تتعطّل إذا مات الخلق فلا يكون من يحلبها، قوله:( وَ إِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ ) قال: تتحوّل البحار الّتي حول الدنيا كلّها نيراناً( وَ إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) قال: من الحور العين.

و فيه، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( وَ إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) قال: أمّا أهل الجنّة فزوّجوا الخيرات الحسان، و أمّا أهل النار فمع كلّ إنسان منهم شيطان يعني قرنت نفوس الكافرين و المنافقين بالشياطين فهم قرناؤهم.

أقول: الظاهر أنّ قوله: يعني إلخ من كلام الراوي.

٣٢٤

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي حاتم و الديلميّ عن أبي مريم أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في قوله:( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) قال: كوّرت في جهنّم( وَ إِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ) قال: انكدرت في جهنّم، و كلّ من عبد من دون الله فهو في جهنّم إلّا ما كان من عيسى بن مريم و اُمّه و لو رضيا أن يعبدا لدخلاها.

و في تفسير القمّيّ: في قوله تعالى:( وَ إِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ) قال: صحف الأعمال قوله:( وَ إِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ ) قال: اُبطلت.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن النعمان بن بشير قال سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول:( وَ إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) قال: هما الرجلان يعملان العمل يدخلان الجنّة و النار.

٣٢٥

( سورة التكوير الآيات ١٥ - ٢٩)

فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ( ١٥ ) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ ( ١٦ ) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ( ١٧ ) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ( ١٨ ) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ( ١٩ ) ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ( ٢٠ ) مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ( ٢١ ) وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ ( ٢٢ ) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ( ٢٣ ) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ( ٢٤ ) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ ( ٢٥ ) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ( ٢٦ ) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ( ٢٧ ) لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ ( ٢٨ ) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ( ٢٩ )

( بيان‏)

تنزيه للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الجنون - و قد اتّهموه به - و لما يأتي به - من القرآن - من مداخلة الشيطان، و أنّه كلامه تعالى يلقيه إليه ملك الوحي الّذي لا يخون في رسالته، و أنّه ذكر للعالمين هاد بإذن الله لمن اهتدى منهم.

قوله تعالى: ( فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ ) الخنّس جمع خانس كطلّب جمع طالب، و الخنوس الانقباض و التأخّر و الاستتار، و الجواري جمع جارية، و الجري السير السريع مستعار من جرى الماء، و الكنّس جمع كانس و الكنوس دخول الوحش كالظبي و الطير كناسة أي بيته الّذي اتّخذه لنفسه و استقراره فيه.

٣٢٦

و تعقّب قوله:( فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ) إلخ بقوله:( وَ اللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ وَ الصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ ) يؤيّد كون المراد بالخنّس الجوار الكنّس الكواكب كلّها أو بعضها لكن صفات حركة بعضها أشدّ مناسبة و أوضح انطباقاً على ما ذكر من الصفات المقسم بها: الخنوس و الجري و الكنوس و هي السيّارات الخمس المتحيّرة: زحل و المشتري و المرّيخ و الزهرة و عطارد فإنّ لها في حركاتها على ما تشاهد استقامة و رجعة و إقامة فهي تسير و تجري حركة متشابهة زماناً و هي الاستقامة و تنقبض و تتأخّر و تخنس زماناً و هي الرجعة و تقف عن الحركة استقامة و رجعة زماناً كأنّها الوحش تكنس في كناسها و هي الإقامة.

و قيل: المراد بها مطلق الكواكب و خنوسها استتارها في النهار تحت ضوء الشمس و جريها سيرها المشهود في الليل و كنوسها غروبها في مغربها و تواريها.

و قيل: المراد بها بقر الوحش أو الظبي و لا يبعد أن يكون ذكر بقر الوحش أو الظبي من باب المثال و المراد مطلق الوحوش.

و كيف كان فأقرب الأقوال أوّلها و الثاني بعيد و الثالث أبعد.

قوله تعالى: ( وَ اللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ ) عطف على الخنّس، و( إِذا عَسْعَسَ ) قيد للّيل، و العسعسة تطلق على إقبال اللّيل و على إدباره قال الراغب:( وَ اللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ ) أي أقبل و أدبر و ذلك في مبدإ اللّيل و منتهاه فالعسعسة و العساس رقّة الظلام و ذلك في طرفي اللّيل. انتهى و الأنسب لاتّصال الجملة بقوله:( وَ الصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ ) أن يراد بها إدبار الليل.

و قيل: المراد بها إقبال الليل: و هو بعيد لما عرفت.

قوله تعالى: ( وَ الصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ ) عطف على الخنّس، و( إِذا تَنَفَّسَ ) قيد للصبح، و عدّ الصبح متنفّسا بسبب انبساط ضوئه على الاُفق و دفعه الظلمة الّتي غشيته نوع من الاستعارة بتشبيه الصبح و قد طلع بعد غشيان الظلام للآفاق بمن أحاطت به متاعب أعمال شاقّة ثمّ وجد خلاء من الزمان فاستراح فيه و تنفّس فعدّ

٣٢٧

إضاءته للاُفق تنفّساً منه كذا يستفاد من بعضهم.

و ذكر الزمخشريّ فيه وجهاً آخر فقال في الكشّاف: فإن قلت: ما معنى تنفّس الصبح؟ قلت: إذا أقبل الصبح أقبل بإقباله روح و نسيم فجعل ذلك نفساً له على المجاز. انتهى و الوجه المتقدّم أقرب إلى الذهن.

قوله تعالى: ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ) جواب القسم، و ضمير( إِنَّهُ ) للقرآن أو لما تقدّم من آيات السورة بما أنّها قرآن بدليل قوله:( لَقَوْلُ رَسُولٍ ) إلخ و المراد بالرسول جبريل كما قال تعالى:( مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى‏ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ ) البقرة: ٩٧.

و في إضافة القول إليه بما أنّه رسول دلالة على أنّ القول لله سبحانه، و نسبته إلى جبريل نسبة الرسالة إلى الرسول و قد وصفه الله بصفات ستّ مدحه بها.

فقوله:( رَسُولٍ ) يدلّ على رسالته و إلقائه وحي القرآن إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و قوله:( كَرِيمٍ ) أي ذي كرامة و عزّة عند الله بإعزازه، و قوله:( ذِي قُوَّةٍ ) أي ذي قدرة و شدّة بالغة، و قوله:( عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ) أي صاحب مكانة عند الله و المكانة القرب و المنزلة، و قوله:( مُطاعٍ ثَمَّ ) أي مطاع عند الله فهناك ملائكة يأمرهم فيطيعونه، و من هنا يظهر أنّ له أعواناً من الملائكة يأمرهم فيأتمرون بأمره، و قوله:( أَمِينٍ ) أي لا يخون فيما اُمر به يبلّغ ما حمّله من الوحي و الرسالة من غير أيّ تصرّف فيه.

و قيل: المراد بالرسول الجاري عليه الصفات هو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و هو كما ترى و لا تلائمه الآيات التالية.

قوله تعالى: ( وَ ما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ) عطف على قوله:( إِنَّهُ لَقَوْلُ ) إلخ وردّ لرميهم لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجنون.

و في التعبير عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله:( صاحِبُكُمْ ) تكذيب لهم في رميهم له بالجنون و تنزيه لساحته - كما قيل - ففيه إيماء إلى أنّه صاحبكم لبث بينكم معاشراً لكم

٣٢٨

طول عمره و أنتم أعرف به قد وجدتموه على كمال من العقل و رزانة من الرأي و صدق من القول و من هذه صفته لا يرمى بالجنون.

و توصيف جبريل بما مرّ من صفات المدح دون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا دلالة فيه على أفضليّته من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّ الكلام مسوق لبيان أنّ القرآن كلام الله سبحانه منزل على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عنده سبحانه من طريق الوحي لا من أوهام الجنون بإلقاء من شيطان و الّذي يفيد في هذا الغرض بيان سلامة طريق الإنزال و تجليل المنزل - اسم فاعل - بذكر أوصافه الكريمة و المبالغة في تنزيهه عن الخطإ و الخيانة، و أمّا المنزل عليه فلا يتعلّق به غرض إلّا بمقدار الإشارة إلى دفع ما يرتاب فيه من صفته و قد اُفيد بنفي الجنون الّذي رموه به و التعبير عنه بقوله:( صاحِبُكُمْ ) كما تقدّم توضيحه، كذا قيل.

و في مطاوي كلامه تعالى من نعوت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكريمة ما لا يرتاب معه في أفضليّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على جميع الملائكة، و قد أسجد الله الملائكة كلّهم أجمعين للإنسان الّذي هو خليفته في الأرض.

قوله تعالى: ( وَ لَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ) ضمير الفاعل في( رَآهُ ) للصاحب و ضمير المفعول للرسول الكريم و هو جبريل.

و الاُفق المبين الناحية الظاهرة، و الظاهر أنّه الّذي أشار إليه بقوله:( وَ هُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى‏ ) النجم: ٧.

و المعنى و اُقسم لقد راى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جبريل حال كون جبريل كائناً في الاُفق المبين و هو الاُفق الأعلى من سائر الآفاق بما يناسب عالم الملائكة.

و قيل: المعنى لقد راىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جبريل على صورته الأصليّة حيث تطلع الشمس و هو الاُفق الأعلى من ناحية المشرق.

و فيه أن لا دليل من اللفظ يدلّ عليه و خاصّة في تعلّق الرؤية بصورته الأصليّة و رؤيته في أيّ مثال تمثّل به رؤيته، و كأنّه مأخوذ ممّا ورد في بعض الروايات أنّه

٣٢٩

رآه في أوّل البعثة و هو بين السماء و الأرض جالس على كرسيّ، و هو محمول على التمثّل.

قوله تعالى: ( وَ ما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ) الضمير للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و المراد بالغيب الوحي النازل عليه، و الضنين صفة مشبهة من الضّنّ بمعنى البخل يعني أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يبخل بشي‏ء ممّا يوحى إليه فلا يكتمه و لا يحبسه و لا يغيّره بتبديل بعضه أو كلّه شيئاً آخر بل يعلّم الناس كما علّمه الله و يبلّغهم ما اُمر بتبليغه.

قوله تعالى: ( وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ ) نفي لاستناد القرآن إلى إلقاء شيطان بما هو أعمّ من طريق الجنون فإنّ الشيطان بمعنى الشرير و الشيطان الرجيم كما اُطلق في كلامه تعالى على إبليس و ذرّيّته كذلك اُطلق على أشرار سائر الجنّ قال تعالى:( قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ) ص: ٧٧، و قال:( وَ حَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ ) الحجر: ١٧.

فالمعنى أنّ القرآن ليس بتسويل من إبليس و جنوده و لا بإلقاء من أشرار الجنّ كما يلقونه على المجانين.

قوله تعالى: ( فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ) أوضح سبحانه في الآيات السبع المتقدّمة ما هو الحقّ في أمر القرآن دافعاً عنه ارتيابهم فيه بما يرمون به الجائي به من الجنون و غيره على إيجاز متون الآيات فبيّن أوّلاً أنّه كلام الله و اتّكاء هذه الحقيقة على آيات التحدّي، و ثانياً أنّ نزوله برسالة ملك سماويّ جليل القدر عظيم المنزلة و هو أمين الوحي جبريل لا حاجز بينه و بين الله و لا بينه و بين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و لا صارف من نفسه أو غيره يصرفه عن أخذه و لا حفظه و لا تبليغه، و ثالثاً أنّ الّذي اُنزل عليه و هو يتلوه لكم و هو صاحبكم الّذي لا يخفى عليكم حاله ليس بمجنون كما يبهتونه به و قد راى الملك الحامل للوحي و أخذ عنه و ليس بكاتم لما يوحى إليه و لا بمغيّر، و رابعاً أنّه ليس بتسويل من إبليس و جنوده و لا بإلقاء من بعض أشرار الجنّ.

و نتيجة هذا البيان أنّ القرآن كتاب هدى يهتدي به من أراد الاستقامة على

٣٣٠

الحقّ و هو قوله:( إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ ) إلخ.

فقوله:( فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ) توطئة و تمهيد لذكر نتيجة البيان السابق، و هو استضلال لهم فيما يرونه في أمر القرآن الكريم أنّه من طواري الجنون أو من تسويلات الشيطان الباطلة.

فالاستفهام في الآية توبيخيّ و المعنى إذا كان الأمر على هذا فأين تذهبون و تتركون الحقّ وراءكم؟

قوله تعالى: ( إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ ) أي تذكرة لجماعات الناس كائنين من كانوا يمكنهم بها أن يتبصّروا للحقّ، و قد تقدّم بعض الكلام في نظيرة الآية.

قوله تعالى: ( لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ) بدل من قوله:( لِلْعالَمِينَ ) مسوق لبيان أنّ فعليّة الانتفاع بهذا الذكر مشروط بأن يشاؤا الاستقامة على الحقّ و هو التلبّس بالثبات على العبوديّة و الطاعة.

قوله تعالى: ( وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ) تقدّم الكلام في معناه في نظائر الآية.

و الآية بحسب ما يفيده السياق في معنى دفع الدخل فإنّ من الممكن أن يتوهّموا من قوله:( لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ) أنّ لهم الاستقلال في مشيّة الاستقامة إن شاؤا استقاموا و إن لم يشاؤا لم يستقيموا، فللّه إليهم حاجة في الاستقامة الّتي يريدها منهم.

فدفع ذلك بأنّ مشيّتهم متوقّفة على مشيّة الله سبحانه فلا يشاؤن الاستقامة إلّا أن يشاء الله أن يشاؤها، فأفعال الإنسان الإراديّة مرادة لله تعالى من طريق إرادته و هو أن يريد الله أن يفعل الإنسان فعلاً كذا و كذا عن إرادته.

٣٣١

( بحث روائي‏)

في الدرّ المنثور، أخرج سعيد بن منصور و الفاريابيّ و عبد بن حميد و ابن جرير و ابن أبي حاتم و الحاكم و صحّحه من طرق عن عليّ في قوله:( فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ) قال: هي الكواكب تكنس باللّيل و تخنس بالنهار فلا ترى.

و في تفسير القمّيّ: في قوله:( فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ) قال: أي و اُقسم بالخنّس و هو اسم النجوم.( الْجَوارِ الْكُنَّسِ ) قال: النجوم تكنس بالنهار فلا تبين.

و في المجمع:( بِالْخُنَّسِ ) و هي النجوم تخنس بالنهار و تبدو باللّيل( و الْجَوارِِ ) صفة لها لأنّها تجري في أفلاكها( الْكُنَّسِ ) من صفتها أيضاً لأنّها تكنس أي تتوارى في بروجها كما تتوارى الظباء في كناسها. و هي خمسة أنجم: زحل و المشتري و المرّيخ و الزهرة و عطارد عن عليّ( وَ اللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ ) أي إذا أدبر بظلامه عن عليّ.

و في تفسير القمّيّ:( وَ اللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ ) قال: إذا أظلم( و الصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسََ ) قال: إذا ارتفع.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن عساكر عن معاوية بن قرّة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لجبريل: ما أحسن ما أثنى عليك ربّك: ذي قوّة عند ذي العرش مكين مطاع ثمّ أمين فما كانت قوّتك؟ و ما كانت أمانتك؟

قال: أمّا قوّتي فإنّي بعثت إلى مدائن لوط و هي أربع مدائن، و في كلّ مدينة أربع مائة ألف مقاتل سوى الذراري فحملتهم من الأرض السفلى حتّى سمع أهل السماء أصوات الدجاج و نباح الكلاب ثمّ هويت بهم فقتلتهم، و أمّا أمانتي فلم اُؤمر بشي‏ء فعدوته إلى غيره.

أقول: و الرواية لا تخلو من شي‏ء و قد ضعّفوا ابن عساكر و خاصّة فيما تفرّد به.

و في الخصال، عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: من قال في كلّ يوم من شعبان سبعين

٣٣٢

مرّة: أستغفر الله الّذي لا إله إلّا هو الرحمن الرحيم الحيّ القيّوم و أتوب إليه، كتب في الاُفق المبين. قال: قلت: و ما الاُفق المبين؟ قال: قاع بين يدي العرش فيه أنهار تطّرد و فيه من القدحان عدد النجوم.

و في تفسير القمّيّ، في حديث أسنده إلى أبي عبداللهعليه‌السلام : قوله:( وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ‏ ) قال: يعني الكهنة الّذين كانوا في قريش فنسب كلامهم إلى كلام الشياطين الّذين كانوا معهم يتكلّمون على ألسنتهم فقال:( وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ ) مثل اُولئك.

٣٣٣

( سورة الانفطار مكّيّة و هي تسع عشرة آية)

( سورة الانفطار الآيات ١ - ١٩)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ ( ١ ) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ ( ٢ ) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ ( ٣ ) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ ( ٤ ) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ( ٥ ) يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ( ٦ ) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ( ٧ ) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ ( ٨ ) كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ ( ٩ ) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ( ١٠ ) كِرَامًا كَاتِبِينَ ( ١١ ) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ( ١٢ ) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ( ١٣ ) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ( ١٤ ) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ ( ١٥ ) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ ( ١٦ ) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ( ١٧ ) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ( ١٨ ) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ ( ١٩ )

( بيان‏)

تحدّ السورة يوم القيامة ببعض أشراطه الملازمة له المتّصلة به و تصفه بما يقع فيه و هو ذكر الإنسان ما قدّم و ما أخّر من أعماله الحسنة و السيّئة - على أنّها محفوظة عليه بواسطة حفظة الملائكة الموكّلين - عليه و جزاؤه بعمله إن كان برّاً فبنعيم و إن كان فاجراً مكذّباً بيوم الدين فبجحيم يصلاها مخلّداً فيها.

ثمّ يستأنف وصف اليوم بأنّه يوم لا يملك نفس لنفس شيئاً و الأمر يومئذ لله، و هي من غرر الآيات، و السورة مكّيّة بلا كلام.

٣٣٤

قوله تعالى: ( إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ ) الفطر الشقّ و الانفطار الانشقاق و الآية كقوله:( وَ انْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ ) الحاقّة: ١٦.

قوله تعالى: ( وَ إِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ ) أي تفرّقت بتركها مواضعها الّتي ركزت فيها شبّهت الكواكب بلآلي منظومة قطع سلكها فانتثرت و تفرّقت.

قوله تعالى: ( وَ إِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ ) قال في المجمع: التفجير خرق بعض مواضع الماء إلى بعض التكثير، و منه الفجور لانخراق صاحبه بالخروج إلى كثير من الذنوب، و منه الفجر لانفجاره بالضياء، انتهى. و إليه يرجع تفسيرهم لتفجير البحار بفتح بعضها في بعض حتّى يزول الحائل و يختلط العذب منها و المالح و يعود بحراً واحداً، و هذا المعنى يناسب تفسير قوله:( وَ إِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ ) التكوير: ٦ بامتلاء البحار.

قوله تعالى: ( وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ ) قال في المجمع، بعثرت الحوض و بحثرته إذا جعلت أسفله أعلاه، و البعثرة و البحثرة إثارة الشي‏ء بقلب باطنه إلى ظاهره، انتهى. فالمعنى و إذا قلب تراب القبور و اُثير باطنها إلى ظاهرها لإخراج الموتى و بعثهم للجزاء.

قوله تعالى: ( عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَ أَخَّرَتْ ) المراد بالعلم علمها التفصيليّ بأعمالها الّتي عملتها في الدنيا، و هذا غير ما يحصل لها من العلم بنشر كتاب أعمالها لظاهر قوله تعالى:( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى‏ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَ لَوْ أَلْقى‏ مَعاذِيرَهُ ) القيامة: ١٥ و قوله:( يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى‏ ) النازعات: ٣٥، و قوله:( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ ) آل عمران: ٣٠.

و المراد بالنفس جنسها فتفيد الشمول، و المراد بما قدّمت و ما أخّرت هو ما قدّمته ممّا عملته في حياتها، و بما أخّرت ما سنّته من سنّة حسنة أو سيّئة فعملت بها بعد موتها فتكتب صحيفة عملها قال تعالى:( وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ ) يس: ١٢.

٣٣٥

و قيل: المراد بما قدّمت و أخّرت ما عملته في أوّل العمر و ما عملته في آخره فيكون كناية عن الاستقصاء.

و قيل في معنى التقديم و التأخير وجوه اُخر لا يعبأ بها مذكورة في مطوّلات التفاسير من أراد الوقوف عليها فليراجعها.

و قد تقدّم في تفسير قوله تعالى:( لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) الأنفال: ٣٧، كلام لا يخلو من نفع ههنا.

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ - إلى قوله -رَكَّبَكَ ) عتاب و توبيخ للإنسان، و المراد بهذا الإنسان المكذّب ليوم الدين - على ما يفيده السياق - المشتمل على قوله:( بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ ) و في تكذيب يوم الدين كفر و إنكار لتشريع الدين و في إنكاره إنكار لربوبيّة الربّ تعالى، و إنّما وجّه الخطاب إليه بما أنّه إنسان ليكون حجّة أو كالحجّة لثبوت الخصال الّتي يذكرها من نعمه عليه المختصّة من حيث المجموع بالإنسان.

و قد علّق الغرور بصفتي ربوبيّته و كرمه تعالى ليكون ذلك حجّة في توجّه العتاب و التوبيخ فإنّ تمرّد المربوب و توغّله في معصية ربّه الّذي يدبّر أمره و يغشيه نعمه ظاهرة و باطنة كفران لا ترتاب الفطرة السليمة في قبحه و لا في استحقاق العقاب عليه و خاصّة إذا كان الربّ المنعم كريماً لا يريد في نعمه و عطاياه نفعاً ينتفع به و لا عوضاً يقابله به المنعم عليه، و يسامح في إحسانه و يصفح عمّا يأتي به المربوب من الخطيئة و الإثم بجهالة فإنّ الكفران حينئذ أقبح و أقبح و توجّه الذمّ و اللّائمة أشدّ و أوضح.

فقوله تعالى:( يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ) استفهام توبيخيّ يوبّخ الإنسان بكفران خاصّ لا عذر له يعتذر به عنه و هو كفران نعمة ربّ كريم.

و ليس للإنسان أن يجيب فيقول: أي ربّ غرّني كرمك فقد قضى الله سبحانه فيما قضى و بلّغه بلسان أنبيائه:( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي

٣٣٦

لَشَدِيدٌ ) إبراهيم: ٧، و قال:( فَأَمَّا مَنْ طَغى‏ وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى) النازعات: ٣٩، إلى غير ذلك من الآيات الناصّة في أن لا مخلص للمعاندين من العذاب و أنّ الكرم لا يشملهم يوم القيامة قال:( وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ) الأعراف: ١٥٦.

و لو كفى الإنسان العاصي قوله:( غرني كرمك) لصرف العذاب عن الكافر المعاند كما يصرفه عن المؤمن العاصي، و لا عذر بعد البيان.

و من هنا يظهر أن لا محلّ لقول بعضهم: إنّ توصيف الربّ بالكريم من قبيل تلقين الحجّة و هو من الكرم أيضاً.

كيف؟ و السياق سياق الوعيد و الكلام ينتهي إلى مثل قوله:( وَ إِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ وَ ما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ‏ ) .

و قوله:( الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ) بيان لربوبيّته المتلبّسة بالكرم فإنّ من تدبيره خلق الإنسان بجمع أجزاء وجوده ثمّ تسويته بوضع كلّ عضو فيما يناسبه من الموضع على ما يقتضيه الحكمة ثمّ عدله بعدل بعض أعضائه و قواه ببعض بجعل التوازن و التعادل بينها فما يضعف عنه عضو يقوى عليه عضو فيتمّ به فعله كما أنّ الأكل مثلاً بالالتقام و هو للفم، و يضعف الفم عن قطع اللقمة و نهشها و طحنها فيتمّ ذلك بمختلف الأسنان، و يحتاج ذلك إلى نقل اللقمة من جانب من الفم إلى آخر و قلبها من حال إلى حال فجعل ذلك للّسان ثمّ الفم يحتاج في فعل الأكل إلى وضع الغذاء فيه فتوصّل إلى ذلك باليد و تمّم عملها بالكفّ و عملها بالأصابع على اختلاف منافعها و عملها بالأنامل، و تحتاج اليد في الأخذ و الوضع إلى الانتقال المكانيّ نحو الغذاء و عدل ذلك بالرجل.

و على هذا القياس في أعمال سائر الجوارح و القوى و هي اُلوف و اُلوف لا يحصيها العدّ، و الكلّ من تدبيره تعالى و هو المفيض لها من غير أن يريد بذلك انتفاعاً لنفسه و من غير أن يمنعه من إفاضتها ما يقابله به الإنسان من نسيان الشكر و كفران النعمة فهو تعالى ربّه الكريم.

٣٣٧

و قوله:( فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ ) بيان لقوله:( فَعَدَلَكَ ) و لذا لم يعطف على ما تقدّمه و الصورة ما ينتقش به الأعيان و يتميّز به الشي‏ء من غيره و( ما ) زائدة للتأكيد.

و المعنى: في أيّ صورة شاء أن يركّبك - و لا يشاء إلّا ما تقتضيه الحكمة - ركّبك من ذكر و اُنثى و أبيض و أسود و طويل و قصير و وسيم و دميم و قويّ و ضعيف إلى غير ذلك و كذا الأعضاء المشتركة بين أفراد الإنسان المميّزة لها من غيرها كاليدين و الرجلين و العينين و الرأس و البدن و استواء القامة و نحوها فكلّ ذلك من عدل بعض الأجزاء ببعض في التركيب قال تعالى:( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) التين: ٤ و الجميع ينتهي إلى تدبير الربّ الكريم لا صنع للإنسان في شي‏ء من ذلك.

قوله تعالى: ( كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ ) ( كَلَّا ) ردع عن اغترار الإنسان بكرم الله و جعل ذلك ذريعة إلى الكفر و المعصية أي لا تغترّوا فلا ينفعكم الاغترار.

و قوله:( بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ ) أي بالجزاء. إضراب عمّا يفهم من قوله:( ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ) من غرور الإنسان بربّه الكريم على اعتراف منه و لو بالقوّة بالجزاء لقضاء الفطرة السليمة به.

فإذ عاتب الإنسان و وبّخه على غروره بربّه الكريم و اجترائه على الكفران و المعصية من غير أن يخاف الجزاء أضرب عنه مخاطباً للإنسان و كلّ من يشاركه في كفره و معصيته فقال: بل أنت و من حاله حالك تكذّبون بيوم الدين و الجزاء فتجحدونه ملحّين عليه.

قوله تعالى: ( وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ ) إشارة إلى أنّ أعمال الإنسان حاضرة محفوظة يوم القيامة من طريق آخر غير حضورها للإنسان العامل لها من طريق الذكر و ذلك حفظها بكتابة كتاب الأعمال من الملائكة الموكّلين بالإنسان فيحاسب عليها كما قال تعالى:( وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى‏ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ) إسراء: ١٤.

فقوله:( وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ ) أي إنّ عليكم من قبلنا حافظين يحفظون

٣٣٨

أعمالكم بالكتابة كما يفيده السياق.

و قوله:( كِراماً كاتِبِينَ ) أي اُولي كرامة و عزّة عند الله تعالى و قد تكرّر في القرآن الكريم وصف الملائكة بالكرامة و لا يبعد أن يكون المراد به بإعانة من السياق كونهم بحسب الخلقة مصونين عن الإثم و المعصية مفطورين على العصمة، و يؤيّده قوله:( بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) الأنبياء: ٢٦ حيث دلّ على أنّهم لا يريدون إلّا ما أراده الله و لا يفعلون إلّا ما أمرهم به، و كذا قوله:( كِرامٍ بَرَرَةٍ ) عبس ١٦.

و المراد بالكتابة في قوله:( كاتِبِينَ ) كتابة الأعمال بقرينة قوله:( يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ ) و قد تقدّم في تفسير قوله:( إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) الجاثية: ٢٩ كلام في معنى كتابة الأعمال فليراجعه من شاء.

و قوله:( يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ ) نفي لخطئهم في تشخيص الخير و الشرّ و تمييز الحسنة و السيّئة كما أنّ الآية السابقة متضمّنة لتنزيههم عن الإثم و المعصية فهم محيطون بالأفعال على ما هي عليه من الصفة و حافظون لها على ما هي عليه.

و لا تعيين في هذه الآيات لعدّة هؤلاء الملائكة الموكّلين على كتابة أعمال الإنسان نعم المستفاد من قوله تعالى:( إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ) ق: ١٧ أنّ على كلّ إنسان منهم اثنين عن يمينه و شماله، و قد ورد في الروايات المأثورة أنّ الّذي على اليمين كاتب الحسنات و الّذي على الشمال كاتب السيّئات.

و ورد أيضاً في تفسير قوله:( إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ) إسراء: ٧٨ أخبار مستفيضة من طرق الفريقين دالّة على أنّ كتبة الأعمال بالنهار يصعدون بعد غروب الشمس و ينزل آخرون فيكتبون أعمال اللّيل حتّى إذا طلع الفجر صعدوا و نزل ملائكة النهار و هكذا.

و في الآية أعني قوله:( يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ ) دلالة على أنّ الكتبة عالمون بالنيّات إذ لا طريق إلى العلم بخصوصيّات الأفعال و عناوينها و كونها خيراً أو شرّاً أو حسنة أو سيّئة إلّا العلم بالنيّات فعلمهم بالأفعال لا يتمّ إلّا عن العلم بالنيّات.

٣٣٩

قوله تعالى: ( إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَ إِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ) استئناف مبيّن لنتيجة حفظ الأعمال بكتابة الكتبة و ظهورها يوم القيامة.

و الأبرار هم المحسنون عملاً، و الفجّار هم المنخرقون بالذنوب و الظاهر أنّ المراد بهم المتهتّكون من الكفّار إذ لا خلود لمؤمن في النار، و في تنكير( نعيم ) و( جحيم ) إشعار بالتفخيم و التهويل - كما قيل -.

قوله تعالى: ( يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ ) الضمير للجحيم أي يلزمون يعني الفجّار الجحيم يوم الجزاء و لا يفارقونها.

قوله تعالى: ( وَ ما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ) عطف تفسيري على قوله:( يَصْلَوْنَها ) إلخ يؤكّد معنى ملازمتهم للجحيم و خلودهم في النار، و المراد بغيبتهم عنها خروجهم منها فالآية في معنى قوله:( وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ ) البقرة: ١٦٧.

قوله تعالى: ( وَ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ) تهويل و تفخيم لأمر يوم الدين، و المعنى لا تحيط علماً بحقيقة يوم الدين و هذا التعبير كناية عن فخامة أمر الشي‏ء و علوّه من أن يناله وصف الواصف، و في إظهار اليوم - و المحلّ محلّ الضمير - تأكيد لأمر التفخيم.

قوله تعالى: ( ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ) في تكرار الجملة تأكيد للتفخيم.

قوله تعالى:( يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ) الظرف منصوب بتقدير اذكر و نحوه، و في الآية بيان إجماليّ لحقيقة يوم الدين بعد ما في قوله:( وَ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ) من الحثّ على معرفته.

و ذلك أنّ رابطة التأثير و التأثّر بين الأسباب الظاهريّة و مسبّباتها منقطعة زائلة يومئذ كما يستفاد من أمثال قوله تعالى:( وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ ) البقرة: ١٦٦، و قوله:( وَ لَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ) البقرة: ١٦٥ فلا تملك نفس لنفس شيئاً فلا تقدر على دفع شرّ عنها و لا جلب خير لها، و لا ينافي ذلك آيات الشفاعة لأنّها بإذن الله فهو المالك لها لا غير.

و قوله:( وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ) أي هو المالك للأمر ليس لغيره من الأمر شي‏ء.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568