الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢٠

الميزان في تفسير القرآن10%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 568

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 219924 / تحميل: 7014
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢٠

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

فالإنسان بخصوصيّة إنشائه و كونه بحيث يسمع و يبصر يمتاز من الجماد و النبات - و الاقتصار بالسمع و البصر من سائر الحواسّ كاللمس و الذوق و الشمّ لكونهما العمدة و لا يبعد أن يكون المراد بالسمع و البصر مطلق الحواسّ الظاهرة من باب إطلاق الجزء و إرادة الكلّ - و بالفؤاد و هو النفس المتفكّرة يمتاز من سائر الحيوان.

و قوله:( قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ ) أي تشكرون قليلاً على هذه النعمة - أو النعم - العظمى فما زائدة و قليلاً مفعول مطلق تقديره تشكرون شكراً قليلاً، و قيل: ما مصدريّة و المعنى: قليلا شكركم.

قوله تعالى: ( قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) الذرء الخلق و المراد بذرئهم في الأرض خلقهم متعلّقين بالأرض فلا يتمّ لهم كمالهم إلّا بأعمال متعلّقة بالمادّة الأرضيّة بما زيّنها الله تعالى بما تنجذب إليه النفس الإنسانيّة في حياتها المعجّلة ليمتاز به الصالح من الطالح قال تعالى:( إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَ إِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً ) الكهف: ٨.

و قوله:( وَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) إشارة إلى البعث و الجزاء و وعد جازم.

قوله تعالى: ( وَ يَقُولُونَ مَتى‏ هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) المراد بهذا الوعد الحشر الموعود، و هو استعجال منهم استهزاء.

قوله تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَ إِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ) جواب عن قولهم:( مَتى‏ هذَا الْوَعْدُ ) إلخ، و محصّله أنّ العلم به عندالله لا يعلم به إلّا هو كما قال:( لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ) الأعراف: ١٨٧، و ليس لي إلّا أنّي نذير مبين اُمرت أن اُخبركم أنّكم إليه تحشرون و أمّا أنّه متى هو فليس لي بذلك علم.

هذا على ما يفيده وقوع الآية في سياق الجواب عن السؤال عن وقت الحشر، و على هذا تكون اللام في العلم للعهد، و المراد العلم بوقت الحشر، و أمّا لو كانت للجنس على ما تفيده جملة( إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ ) في نفسها فالمعنى: إنّما حقيقة العلم عندالله و لا يحاط بشي‏ء منه إلّا بإذنه كما قال:( وَ لا يُحِيطُونَ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما

٢١

شاءَ ) البقرة: ٢٥٥، و لم يشأ أن أعلم من ذلك إلّا أنّه سيقع و اُنذركم به و أمّا أنّه متى يقع فلا علم لي به.

قوله تعالى: ( فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) إلخ، الزلفة القرب و المراد به القريب أو هو من باب زيد عدل، و ضمير( رَأَوْهُ ) للوعد و قيل للعذاب و المعنى: فلمّا رأوا الوعد المذكور قريباً قد أشرف عليهم ساء ذلك وجوه الّذين كفروا به فظهر في سيماهم أثر الخيبة و الخسران.

و قوله:( وَ قِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ ) قيل تدعون و تدّعون بمعنى واحد كتدخرون و تدّخرون و المعنى: و قيل لهم: هذا هو الوعد الّذي كنتم تسألونه و تستعجلون به بقولكم: متى هذا الوعد، و ظاهر السياق أنّ القائل هم الملائكة بأمر من الله، و قيل القائل من الكفّار يقوله بعضهم لبعض.

قوله تعالى: ( قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَ مَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ ) ( إِنْ ) شرطيّة شرطها قوله:( أَهْلَكَنِيَ اللهُ ) و جزاؤها قوله:( فَمَنْ يُجِيرُ ) إلخ، و المعنى: قل لهم أخبروني إن أهلكني الله و من معي من المؤمنين أو رحمنا فلم يهلكنا فمن الّذي يجير و يعيد الكافرين - و هم أنتم كفرتم بالله فاستحققتم أليم العذاب - من عذاب أليم يهدّدهم تهديداً قاطعاً أي إنّ هلاكي و من معي و بقاؤنا برحمة ربّي لا ينفعكم شيئاً في العذاب الّذي سيصيبكم قطعاً بكفركم بالله.

قيل: إنّ كفّار مكّة كانوا يدعون على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و على المؤمنين بالهلاك فأمرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقول لهم إن أهلكنا الله تعالى أو أبقانا فأمرنا إلى الله و نرجو الخير من رحمته و أمّا أنتم فما تصنعون؟ من يجيركم من أليم العذاب على كفركم بالله.؟

قوله تعالى: ( قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) الضمير للّذي يدعو إلى توحيده و هم يدعونه عليه، و المعنى: قل الّذي أدعوكم إلى توحيده و تدعونه عليّ و على من معي هو الرحمن الّذي عمّت نعمته كلّ شي‏ء آمنّا به و عليه توكّلنا من غير أن نميل و نعتمد على شي‏ء دونه فستعلمون أيّها الكفّار من هو في ضلال مبين؟ نحن أم أنتم.؟

٢٢

قال في الكشّاف: فإن قيل: لم اُخّر مفعول( آمَنَّا ) و قدّم مفعول( تَوَكَّلْنا ) ؟ قلت: لوقوع آمنّا تعريضاً بالكافرين حين ورد عقيب ذكرهم كأنّه قيل: آمنّا و لم نكفر كما كفرتم، ثمّ قال: و عليه توكّلنا خصوصاً لم نتّكل على ما أنتم متّكلون عليه من رجالكم و أموالكم.

قوله تعالى: ( قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ ) الغور ذهاب الماء و نضوبه في الأرض و المراد به الغائر، و المعين الظاهر الجاري من الماء، و المعنى: أخبروني إن صار ماؤكم غائراً ناضباً في الأرض فمن يأتيكم بماء ظاهر جار.

و هناك روايات تطبّق الآيات على ولاية عليّعليه‌السلام و محادّته، و هي من الجري و ليست بمفسّرة.

٢٣

( سورة القلم مكّيّة و هي اثنتان و خمسون آية)

( سورة القلم الآيات ١ - ٣٣)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ( ١ ) مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ( ٢ ) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ ( ٣ ) وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ( ٤ ) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ ( ٥ ) بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ ( ٦ ) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ( ٧ ) فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ ( ٨ ) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ( ٩ ) وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ ( ١٠ ) هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ( ١١ ) مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ( ١٢ ) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ ( ١٣ ) أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ ( ١٤ ) إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ( ١٥ ) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ ( ١٦ ) إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ( ١٧ ) وَلَا يَسْتَثْنُونَ ( ١٨ ) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ ( ١٩ ) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ( ٢٠ ) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ ( ٢١ ) أَنِ اغْدُوا عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ ( ٢٢ ) فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ ( ٢٣ ) أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ ( ٢٤ ) وَغَدَوْا عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ ( ٢٥ ) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ ( ٢٦ ) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ( ٢٧ ) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ ( ٢٨ ) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ( ٢٩ ) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ

٢٤

يَتَلَاوَمُونَ ( ٣٠ ) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ ( ٣١ ) عَسَىٰ رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ ( ٣٢ ) كَذَٰلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ( ٣٣ )

( بيان‏)

السورة تعزّى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إثر ما رماه المشركون بالجنون و تطيّب نفسه بالوعد الجميل و الشكر على خلقه العظيم و تنهاه نهياً بالغاً عن طاعتهم و مداهنتهم، و تأمره أمراً أكيداً بالصبر لحكم ربّه.

و سياق آياتها على الجملة سياق مكّيّ، و نقل عن ابن عباس و قتادة أنّ صدرها إلى قوله:( سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ ) - ستّة عشرة آية - مكّيّ، و ما بعده إلى قوله:( لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) - سبع عشرة آية - مدنيّ، و ما بعده إلى قوله:( يَكْتُبُونَ ) - خمس عشرة آية - مكّيّ، و ما بعده إلى آخر السورة - أربع آيات - مدنيّ.

و لا يخلو من وجه بالنسبة إلى الآيات السبع عشرة( إِنَّا بَلَوْناهُمْ - إلى قوله -لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) فإنّها أشبه بالمدنيّة منها بالمكّيّة.

قوله تعالى: ( ن ) تقدّم الكلام في الحروف المقطّعة الّتي في أوائل السور في تفسير سورة الشورى.

قوله تعالى: ( وَ الْقَلَمِ وَ ما يَسْطُرُونَ ) القلم معروف، و السطر بالفتح فالسكون و ربّما يستعمل بفتحتين - كما في المفردات - الصفّ من الكتابة، و من الشجر المغروس و من القوم الوقوف و سطر فلان كذا كتب سطراً سطراً.

أقسم سبحانه بالقلم و ما يسطرون به و ظاهر السياق أنّ المراد بذلك مطلق القلم و مطلق ما يسطرون به و هو المكتوب فإنّ القلم و ما يسطر به من الكتابة من أعظم النعم الإلهيّة الّتي اهتدى إليها الإنسان يتلو الكلام في ضبط الحوادث الغائبة عن الأنظار

٢٥

و المعاني المستكنّة في الضمائر، و به يتيسّر للإنسان أن يستحضر كلّ ما ضرب مرور الزمان أو بعد المكان دونه حجاباً.

و قد امتنّ الله سبحانه على الإنسان بهدايته إليهما و تعليمهما له فقال في الكلام( خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ ) الرحمن: ٤ و قال في القلم:( عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ ) العلق: ٥.

فإقسامه تعالى بالقلم و ما يسطرون إقسام بالنعمة، و قد أقسم تعالى في كلامه بكثير من خلقه بما أنّه رحمة و نعمة كالسماء و الأرض و الشمس و القمر و الليل و النهار إلى غير ذلك حتّى التين و الزيتون.

و قيل:( ما ) في قوله:( وَ ما يَسْطُرُونَ ) مصدريّة و المراد به الكتابة.

و قيل: المراد بالقلم القلم الأعلى الّذي في الحديث أنّه أوّل ما خلق الله و بما يسطرون ما يسطره الحفظة و الكرام الكاتبون و احتمل أيضاً أن يكون الجمع في( يَسْطُرُونَ ) للتعظيم لا للتكثير و هو كما ترى، و احتمل أن يكون المراد ما يسطرون فيه و هو اللوح المحفوظ و احتمل أن يكون المراد بالقلم و ما يسطرون أصحاب القلم و مسطوراتهم و هي احتمالات واهية.

قوله تعالى: ( ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ) مقسم عليه و الخطاب للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و الباء في( بِنِعْمَةِ ) للسببية أو المصاحبة أي ما أنت بمجنون بسبب النعمة - أو مع النعمة - الّتي أنعمها عليك ربّك.

و السياق يؤيّد أنّ المراد بهذه النعمة النبوّة فإنّ دليل النبوّة يدفع عن النبيّ كلّ اختلال عقليّ حتّى تستقيم الهداية الإلهيّة اللّازمة في نظام الحياة الإنسانيّة، و الآية تردّ ما رموه به من الجنون كما يحكي عنهم في آخر السورة( وَ يَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ) .

و قيل: المراد بالنعمة فصاحتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و عقله الكامل و سيرته المرضيّة و براءته من كلّ عيب و اتّصافه بكلّ مكرمة فظهور هذه الصفات فيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينافي حصول الجنون فيه و ما قدّمناه أقطع حجّة و الآية و ما يتلوها كما ترى تعزية للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و تطييب

٢٦

لنفسه الشريفة و تأييد له كما أنّ فيها تكذيباً لقولهم.

قوله تعالى: ( وَ إِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ ) الممنون من المنّ بمعنى القطع يقال: منّه لسير منّاً إذا قطعه و أضعفه لا من المنّة بمعنى تثقيل النعمة قولاً.

و المراد بالأجر أجر الرسالة عندالله سبحانه، و فيه تطييب لنفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أنّ له على تحمّل رسالة الله أجراً غير مقطوع و ليس يذهب سدىً.

و ربّما اُخذ المنّ بمعنى ذكر المنعم إنعامه على المنعم عليه بحيث يثقل عليه و يكدّر عيشه بتقريب أنّ ما يعطيه الله أجر في مقابل عمله فهو يستحقّه عليه تعالى فلا منّه عليه و هو غير سديد فإنّ كلّ عامل مملوك لله سبحانه بحقيقة معنى الملك بذاته و صفاته و أعماله فما يعطيّه العبد من ذلك فهو موهبة و عطيّة و ما يملكه العبد من ذلك فإنّما يملكه بتمليك الله و هو المالك لما ملّكه من قبل و من بعد فهو تفضّل منه تعالى و لئن سمّى ما يعطيه بإزاء العمل أجراً و سمّى ما بينه و بين عبده من مبادلة العمل و الأجر معاملة فذلك تفضّل آخر فللّه سبحانه المنّة على جميع خلقه و الرسول و من دونه فيه سواء.

قوله تعالى: ( وَ إِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) الخلق هو الملكة النفسانيّة الّتي تصدر عنها الأفعال بسهولة و ينقسم إلى الفضيلة و هي الممدوحة كالعفّة و الشجاعة، و الرذيلة و هي المذمومة كالشره و الجبن لكنه إذا اُطلق فهم منه الخلق الحسن.

قال الراغب: و الخلق - بفتح الخاء - و الخلق - بضمّ الخاء - في الأصل واحد كالشَرب و الشُرب و الصرم و الصُرم لكن خصّ الخلق - بالفتح - بالهيئات و الأشكال و الصور المدركة بالبصر، و خصّ الخلق - بالضمّ - بالقوى و السجايا المدركة بالبصيرة قال تعالى:( وَ إِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) انتهى.

و الآية و إن كانت في نفسها تمدح حسن خلقهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و تعظّمه غير أنّها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعيّة المتعلّقة بالمعاشرة كالثبات على الحقّ و الصبر على أذى الناس و جفاء أجلافهم و العفو و الإغماض و سعة البذل و الرفق و المداراة و التواضع و غير ذلك، و قد أوردنا في آخر الجزء السادس من الكتاب

٢٧

ما روي في جوامع أخلاقهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و ممّا تقدّم يظهر أنّ ما قيل: إنّ المراد بالخلق الدين و هو الإسلام غير مستقيم إلّا بالرجوع إلى ما تقدّم.

قوله تعالى: ( فَسَتُبْصِرُ وَ يُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ ) تقريع على محصّل ما تقدّم أي فإذا لم تكن مجنوناً بل متلبّساً بالنبوّة و متخلّقاً بالخلق و لك عظيم الأجر من ربّك فسيظهر أمر دعوتك و ينكشف على الأبصار و البصائر من المفتون بالجنون؟ أنت أو المكذّبون الرامون لك بالجنون.

و قيل: المراد ظهور عاقبة أمر الدعوة له و لهم في الدنيا أو في الآخرة؟ الآية تقبل الحمل على كلّ منها. و لكلّ قائل، و لا مانع من الجمع فإنّ الله تعالى أظهر نبيّه عليهم و دينه على دينهم، و رفع ذكرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و محا أثرهم في الدنيا و سيذوقون وبال أمرهم غداً و يعلمون(١) أنّ الله هو الحقّ المبين يوم هم(٢) على النار يفتنون ذوقوا فتنتكم هذا الّذي كنتم به تستعجلون.

و قوله:( بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ ) الباء زائدة للصلة، و المفتون اسم مفعول من الفتنة بمعنى الابتلاء يريد به المبتلى بالجنون و فقدان العقل، و المعنى: فستبصر و يبصرون أيّكم المفتون المبتلى بالجنون؟ أنت أم هم.؟

و قيل: المفتون مصدر على زنة مفعول كمعقول و ميسور و معسور في قولهم: ليس له معقول، و خذ ميسوره، و دع معسوره، و الباء في( بِأَيِّكُمُ ) بمعنى في و المعنى: فستبصر و يبصرون في أي الفريقين الفتنة.

قوله تعالى: ( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) لمّا اُفيد بما تقدّم من القول أنّ هناك ضلالاً و اهتداء، و اُشير إلى أنّ الرامين للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجنون هم المفتونون الضالّون و سيظهر أمرهم و أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

____________________

(١) النور: ٣٥.

(٢) الذاريات: ١٤

٢٨

مهتد و كان ذلك ببيان من الله سبحانه أكّد ذلك بأنّ الله أعلم بمن ضلّ عن سبيله و هو أعلم بالمهتدين لأنّ السبيل سبيله و هو أعلم بمن هو في سبيله و من ليس فيه و إليه أمر الهداية.

قوله تعالى: ( فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ ) تفريع على المحصّل من معنى الآيات السابقة و في المكذّبين معنى العهد و المراد بالطاعة مطلق الموافقة عملاً أو قولاً، و المعنى: فإذا كان هؤلاء المكذّبون لك مفتونين ضالّين فلا تطعهم.

قوله تعالى: ( وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ) الإدهان من الدهن يراد به التليين أي ودّ و أحبّ هؤلاء المكذّبون أن تليّنهم بالاقتراب منهم في دينك فيليّنوك بالاقتراب منك في دينهم، و محصّله أنّهم ودّوا أن تصالحهم و يصالحوك على أن يتسامح كلّ منكم بعض المسامحة في دين الآخر كما قيل: إنّهم عرضوا عليه أن يكفّ عن ذكر آلهتهم فيكفّوا عنه و عن ربّه.

و بما تقدّم ظهر أنّ متعلّق مودّتهم مجموع( لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ) و أنّ الفاء في( فَيُدْهِنُونَ ) للتفريع لا للسببيّة.

قوله تعالى: ( وَ لا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ - إلى قوله -زَنِيمٍ ) الحلّاف كثير الحلف، و لازم كثرة الحلف و الإقسام في كلّ يسير و خطير و حقّ و باطل أن لا يحترم الحالف شيئاً ممّا يقسم به، و إذا كان حلفه بالله فهو لا يستشعر عظمة الله عزّ اسمه و كفى به رذيلة.

و المهين من المهانة بمعنى الحقارة و المراد به حقارة الرأي، و قيل: هو المكثار في الشرّ، و قيل: هو الكذّاب.

و الهمّاز مبالغة من الهمز و المراد به العيّاب و الطعّان، و قيل: الطعّان بالعين و الإشارة و قيل: كثير الاغتياب.

و المشّاء بنميم النميم: السعاية و الإفساد، و المشّاء به هو نقّال الحديث من قوم إلى قوم على وجه الإفساد بينهم.

و المنّاع للخير كثير المنع لفعل الخير أو للخير الّذي ينال أهله.

٢٩

و المعتدي من الاعتداء و هو المجاوزة للحدّ ظلماً.

و الأثيم هو الّذي كثر إثمه حتّى استقرّ فيه من غير زوال و الإثم هو العمل السيّئ الّذي يبطئ الخير.

و العتلّ بضمّتين هو الفظّ الغليظ الطبع، و فسّر بالفاحش السيّئ الخلق، و بالجافي الشديد الخصومة بالباطل، و بالأكول المنوع للغير، و بالّذي يعتلّ الناس و يجرّهم إلى حبس أو عذاب.

و الزنيم هو الّذي لا أصل له، و قيل: هو الدعيّ الملحق بقوم و ليس منهم، و قيل: هو المعروف باللؤم، و قيل: هو الّذي له علامة في الشرّ يعرف بها و إذا ذكر الشرّ سبق هو إلى الذهن، و المعاني متقاربة.

فهذه صفات تسع رذيلة وصف الله بها بعض أعداء الدين ممّن كان يدعو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الطاعة و المداهنة، و هي جماع الرذائل.

و قوله:( عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ ) معناه أنّه بعد ما ذكر من مثالبه و رذائله عتلّ زنيم قيل: و فيه دلالة على أنّ هاتين الرذيلتين أشدّ معايبه.

و الظاهر أنّ فيه إشارة إلى أنّ له خبائث من الصفات لا ينبغي معها أن يطاع في أمر الحقّ و لو اُغمض عن تلك الصفات فإنّه فظّ خشن الطبع لا أصل له لا ينبغي أن يعبأ بمثله في مجتمع بشريّ فليطرد و لا يطع في قول و لا يتّبع في فعل.

قوله تعالى: ( أَنْ كانَ ذا مالٍ وَ بَنِينَ ) الظاهر أنّه بتقدير لام التعليل و هو متعلّق بفعل محصّل من مجموع الصفات الرذيلة المذكورة أي هو يفعل كذا و كذا لأن كان ذا مال و بنين فبطر بذلك و كفر بنعمة الله و تلبّس بكلّ رذيلة خبيثة بدل أن يشكر الله على نعمته و يصلح نفسه، فالآية في إفادة الذمّ و التهكّم تجري مجرى قوله:( أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ ) .

و قيل: إنّه متعلّق بقوله السابق( لا تُطِعْ ) ، و المعنى: لا تطعه لكونه ذا مال و بنين أي لا يحملك كونه ذا مال و بنين على طاعته، و المعنى المتقدّم أقرب و أوسع.

قيل: و لا يجوز تعلّقه بقوله:( قالَ ) في الشرطيّة التالية لأنّ ما بعد الشرط

٣٠

لا يعمل فيما قبله عند النحاة.

قوله تعالى: ( إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) الأساطير جمع اُسطورة و هي القصّة الخرافيّة، و الآية تجري مجرى التعليل لقوله السابق:( لا تُطِعْ ) .

قوله تعالى: ( سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ ) الوسم و السمة وضع العلامة، و الخرطوم الأنف، و قيل: إنّ في إطلاق الخرطوم على أنفه و إنّما يطلق في الفيل و الخنزير تهكّماً، و في الآية وعيد على عداوته الشديدة لله و رسوله و ما نزّله على رسوله.

و الظاهر أنّ الوسم على الأنف اُريد به نهاية إذلاله بذلّة ظاهرة يعرفه بها كلّ من رآه فإنّ الأنف ممّا يظهر فيه العزّة و الذلّة كما يقال: شمخ فلان بأنفه و حمي فلان أنفه و أرغمت أنفه و جدع أنفه.

و الظاهر أنّ الوسم على الخرطوم ممّا سيقع يوم القيامة لا في الدنيا و إن تكلّف بعضهم في توجيه حمله على فضاحته في الدنيا.

قوله تعالى: ( إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ - إلى قوله -كَالصَّرِيمِ ) البلاء الاختبار و إصابة المصيبة، و الصرم قطع الثمار من الأشجار، و الاستثناء عزل البعض من حكم الكلّ و أيضاً الاستثناء قول إن شاء الله عند القطع بقول و ذلك أنّ الأصل فيه الاستثناء فالأصل في قولك: أخرج غداً إن شاء الله هو أخرج غداً إلّا أن يشاء الله أن لا أخرج، و الطائف العذاب الّذي يأتي بالليل، و الصريم الشجر المقطوع ثمره، و قيل: الليل الأسود، و قيل: الرمل المقطوع من سائر الرمل و هو لا ينبت شيئاً و لا يفيد فائدة.

الآيات أعني قوله:( إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ ) إلى تمام سبع عشرة آية وعيد لمكذّبي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الرامين له بالجنون، و في التشبيه و التنظير دلالة على أنّ هؤلاء المكذّبين معذّبون لا محالة و العذاب الواقع عليهم قائم على ساقه، غير أنّهم غافلون و سيعلمون، فهم مولعون اليوم بجمع المال و تكثير البنين

٣١

مستكبرون بها معتمدون عليها و على سائر الأسباب الظاهريّة الّتي توافقهم و تشايع أهواءهم من غير أن يشكروا ربّهم على هذه النعم و يسلكوا سبيل الحقّ و يعبدوا ربّهم حتّى يأتيهم الأجل و يفاجئهم عذاب الآخرة أو عذاب دنيويّ من عنده كما فاجأهم يوم بدر فيروا انقطاع الأسباب عنهم و أنّ المال و البنين سدىً لا ينفعهم شيئاً كما شاهد نظير ذلك أصحاب الجنّة من جنّتهم و سيندمون على صنيعهم و يرغبون إلى ربّهم و لا يرد ذلك عذاب الله كما ندم أصحاب الجنّة و تلاوموا و رغبوا إلى ربّهم فلم ينفعهم ذلك شيئاً كذلك العذاب و لعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون، هذا على تقدير اتّصال الآيات بما قبلها و نزولها معها.

و أمّا على ما رووا أنّ الآيات نزلت في القحط و السنة الّذي أصاب أهل مكّة و قريشاً إثر دعاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم بقوله: اللّهمّ اشدد وطأتك على مضر و اجعلها عليهم سنين كسني يوسف، فالمراد بالبلاء إصابتهم بالقحط و تناظر قصّتهم قصّة أصحاب الجنّة غير أنّ في انطباق ما في آخر قصّتهم من قوله:( فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ ) إلخ، على قصّة أهل مكّة خفاء.

و كيف كان فالمعنى:( إِنَّا بَلَوْناهُمْ ) أصبناهم بالبليّة( كَما بَلَوْنا ) و أصبنا بالبليّة( أَصْحابَ الْجَنَّةِ ) و كانوا قوماً من اليمن و جنّتهم فيها و سيأتي إن شاء الله قصّتهم في البحث الروائيّ الآتي( إِذْ ) ظرف لبلونا( أَقْسَمُوا ) و حلفوا( لَيَصْرِمُنَّها ) أي ليقطعنّ و يقطفنّ ثمار جنّتهم( مُصْبِحِينَ ) داخلين في الصباح و كأنّهم ائتمروا و تشاوروا ليلاً فعزموا على الصرم صبيحة ليلتهم( وَ لا يَسْتَثْنُونَ ) لم يقولوا إلّا أن يشاء الله اعتماداً على أنفسهم و اتّكاء على ظاهر الأسباب. أو المعنى: قالوا و هم لا يعزلون نصيباً من ثمارهم للفقراء و المساكين.

( فَطافَ عَلَيْها ) على الجنّة( طائِفٌ ) أي بلاء يطوف عليها و يحيط بها ليلاً( مِنْ ) ناحية( رَبِّكَ، فَأَصْبَحَتْ ) و صارت الجنّة( كَالصَّرِيمِ ) و هو الشجر المقطوع ثمره أو المعنى: فصارت الجنّة كالليل الأسود لمّا اسودّت بإحراق النار الّتي أرسلها الله إليها أو المعنى: فصارت الجنّة كالقطعة من الرمل لا نبات بها و لا فائدة.

٣٢

قوله تعالى: ( فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ - إلى قوله -قادِرِينَ ) التنادي نداء بعض القوم بعضاً، و الإصباح الدخول في الصباح، و صارمين من الصرم بمعنى قطع الثمار من الشجرة، و المراد به في الآية القاصدون لقطع الثمار، و الحرث الزرع و الشجر، و الخفت الإخفاء و الكتمان، و الحرد المنع و قادرين من القدر بمعنى التقدير.

و المعنى:( فَتَنادَوْا ) أي فنادى بعض القوم بعضاً( مُصْبِحِينَ ) أي و الحال أنّهم داخلون في الصباح( أَنِ اغْدُوا عَلى‏ حَرْثِكُمْ ) تفسير للتنادي أي بكّروا مقبلين على جنّتكم - فاغدوا أمر بمعنى بكّروا مضمّن معنى أقبلوا و لذا عدّي بعلى و لو كان غير مضمّن عدّي بإلى كما في الكشّاف -( إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ ) أي قاصدين عازمين على الصرم و القطع.

( فانطلقوا ) و ذهبوا إلى جنّتهم( وَ هُمْ يَتَخافَتُونَ ) أي و الحال أنّهم يأتمرون فيما بينهم بطريق المخافتة و المكاتمة( أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا ) أي الجنّة( الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ ) أي أخفوا ورودكم الجنّة للصرم من المساكين حتّى لا يدخلوا عليكم فيحملكم ذلك على عزل نصيب من الثمر المصروم لهم( وَ غَدَوْا ) و بكّروا إلى الجنّة( عَلى‏ حَرْدٍ ) أي على منع للمساكين( قادِرِينَ ) مقدّرين في أنفسهم أنّهم سيصرمونها و لا يساهمون المساكين بشي‏ء منها.

قوله تعالى: ( فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ) أي فلمّا رأوا الجنّة و شاهدوها و قد أصبحت كالصريم بطواف طائف من عندالله قالوا: إنّا لضالّون عن الصواب في غدوّنا إليها بقصد الصرم و منع المساكين.

و قيل: المراد إنّا لضالّون طريق جنّتنا و ما هي بها.

و قوله:( بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ) إضراب عن سابقه أي ليس مجرّد الضلال عن الصواب بل حرمنا الزرع.

قوله تعالى: ( قالَ أَوْسَطُهُمْ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ - إلى قوله -راغِبُونَ ) أي( قالَ أَوْسَطُهُمْ ) أي أعدلهم طريقاً و ذلك أنّه ذكّرهم بالحقّ و إن تبعهم في العمل

٣٣

و قيل: المراد أوسطهم سنّا و ليس بشي‏ء( أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ ) و قد كان قال لهم ذلك و إنّما لم يذكر قبل في القصّة إيجازاً بالتعويل على ذكره ههنا.

( لَوْ لا تُسَبِّحُونَ ) المراد بتسبيحهم له تعالى تنزيههم له من الشركاء حيث اعتمدوا على أنفسهم و على سائر الأسباب الظاهريّة فأقسموا ليصرمنّها مصبحين و لم يستثنوا لله مشيّة فعزلوه تعالى عن السببيّة و التأثير و نسبوا التأثير إلى أنفسهم و سائر الأسباب الظاهريّة، و هو إثبات للشريك، و لو قالوا: لنصرمنّها مصبحين إلّا أن يشاء الله كان معنى ذلك نفي الشركاء و أنّهم إن لم يصرموا كان لمشيّة من الله و إن صرموا كان ذلك بإذن من الله فللّه الأمر وحده لا شريك له.

و قيل: المراد بتسبيحهم لله ذكر الله تعالى و توبتهم إليه حيث نووا أن يصرموها و يحرموا المساكين منها، و له وجه على تقدير أن يراد بالاستثناء عزل نصيب من الثمار للمساكين.

قوله تعالى: ( قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ ) تسبيح منهم لله سبحانه إثر توبيخ أوسطهم لهم، أي ننزّه الله تنزيهاً من الشركاء الّذين أثبتناهم فيما حلفنا عليه فهو ربّنا الّذي يدبّر بمشيّته اُمورنا لأنّا كنّا ظالمين في إثباتنا الشركاء فهو تسبيح و اعتراف بظلمهم على أنفسهم في إثبات الشركاء.

و على القول الآخر توبة و اعتراف بظلمهم على أنفسهم و على المساكين.

قوله تعالى: ( فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ ) أي يلوم بعضهم بعضاً على ما ارتكبوه من الظلم.

قوله تعالى: ( قالُوا يا وَيْلَنا - إلى قوله -راغِبُونَ ) الطغيان تجاوز الحدّ و ضمير( مِنْها ) للجنّة باعتبار ثمارها و المعنى: قالوا يا ويلنا إنّا كنّا متجاوزين حدّ العبوديّة إذ أثبتنا شركاء لربّنا و لم نوحّده، و نرجو من ربّنا أن يبدلنا خيراً من هذه الجنّة الّتي طاف عليها طائف منه لأنّا راغبون إليه معرضون عن غيره.

قوله تعالى: ( كَذلِكَ الْعَذابُ وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) العذاب مبتدأ مؤخّر، و كذلك خبر مقدّم أي إنّما يكون العذاب على ما وصفناه في قصّة

٣٤

أصحاب الجنّة و هو أنّ الإنسان يمتحن بالمال و البنين فيطغى مغترّاً بذلك فيستغني بنفسه و ينسى ربّه و يشرك بالأسباب الظاهريّة و بنفسه و يجترئ على المعصية و هو غافل عمّا يحيط به من وبال عمله و يهيّؤ له من العذاب كذلك حتّى إذا فاجأه العذاب و برز له بأهول وجوهه و أمرّها انتبه من نومة الغفلة و تذكّر ما جاءه من النصح قبلاً و ندم على ما فرّط بالطغيان و الظلم و سأل الله أن يعيد عليه النعمة فيشكر كما انتهى إليه أمر أصحاب الجنّة، ففي ذلك إعطاء الضابط بالمثال.

و قوله:( وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) لأنّه ناش عن قهر إلهي لا يقوم له شي‏ء لا رجاء للتخلّص منه و لو بالموت و الفناء كما في شدائد الدنيا، محيط بالإنسان من جميع أقطار وجوده لا كعذاب الدنيا دائم لا انتهاء لأمده كما في الابتلاءات الدنيويّة.

( بحث روائي)

في المعاني، بإسناده عن سفيان بن سعيد الثوريّ عن الصادقعليه‌السلام في تفسير الحروف المقطّعة في القرآن قال: و أمّا ن فهو نهر في الجنّة قال الله عزّوجلّ: اجمد فجمد فصار مداداً ثمّ قال للقلم: اكتب فسطر القلم في اللوح المحفوظ ما كان و ما هو كائن إلى يوم القيامة فالمداد مداد من نور و القلم قلم من نور و اللوح لوح من نور.

قال سفيان: فقلت له: يا بن رسول الله بيّن أمر اللوح و القلم و المداد فضل بيان و علّمني ممّا علّمك الله فقال: يا ابن سعيد لو لا أنّك أهل للجواب ما أجبتك فنون ملك يؤدّي إلى القلم و هو ملك، و القلم يؤدّي إلى اللّوح و هو ملك، و اللّوح يؤدّي إلى إسرافيل و إسرافيل يؤدّي إلى ميكائيل و ميكائيل يؤدّي إلى جبرائيل و جبرائيل يؤدّي إلى الأنبياء و الرسل. قال: ثمّ قال: قم يا سفيان فلا آمن عليك.

و فيه، بإسناده عن إبراهيم الكرخيّ قال: سألت جعفر بن محمّدعليه‌السلام عن اللّوح و القلم قال: هما ملكان.

٣٥

و فيه، بإسناده عن الأصبغ بن نباتة عن أميرالمؤمنينعليه‌السلام :( ن وَ الْقَلَمِ وَ ما يَسْطُرُونَ ) القلم قلم من نور و كتاب من نور في لوح محفوظ يشهده المقرّبون و كفى بالله شهيداً.

أقول: و في المعاني المتقدّمة روايات اُخرى عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، و قد تقدّم في ذيل قوله تعالى:( هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ ) الجاثية: ٢٩، حديث القمّيّ عن عبدالرحيم القصير عن الصادقعليه‌السلام في اللّوح و القلم و فيه: ثمّ ختم على فم القلم فلم ينطق بعد ذلك و لا ينطق أبداً و هو الكتاب المكنون الّذي منه النسخ كلّها.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن جرير عن معاوية بن قرّة عن أبيه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( ن وَ الْقَلَمِ وَ ما يَسْطُرُونَ ) قال: لوح من نور و قلم من نور يجري بما هو كائن إلى يوم القيامة.

أقول: و في معناه روايات اُخر، و قوله: يجري بما هو كائن إلخ، أي منطبق على متن الكائنات من دون أن يتخلّف شي‏ء منها عمّا كتب هناك و نظيره ما في رواية أبي هريرة: ثمّ ختم علي في القلم فلم ينطق و لا ينطق إلى يوم القيامة.

و في المعاني، بإسناده عن أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول الله عزّوجلّ:( وَ إِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) قال: هو الإسلام.

و في تفسير القمّيّ، عن أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( وَ إِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ) قال: على دين عظيم.

أقول: يريد اشتمال الدين و الإسلام على كمال الخُلق و استنانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به، و في الرواية المعروفة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بعثت لاُتمّم مكارم الأخلاق.

و في المجمع، بإسناده عن الحاكم بإسناده عن الضحّاك قال: لمّا رأت قريش تقديم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً و إعظامه له نالوا من علي و قالوا: قد افتتن به محمّد فأنزل الله تعالى:( ن وَ الْقَلَمِ وَ ما يَسْطُرُونَ ) قسم أقسم الله به( ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَ إِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ وَ إِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ (يعني القرآن) - إلى قوله -

٣٦

بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ) وهم النفر الّذين قالوا ما قالوا( وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) يعني عليّ بن أبي طالب.

أقول: و رواه في تفسير البرهان، عن محمّد بن العبّاس بإسناده إلى الضحّاك و ساق نحواً ممّا مرّ و في آخره: و سبيله عليّ بن أبي طالب.

و فيه في قوله تعالى:( وَ لا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ ) إلخ، قيل: يعني الوليد بن المغيرة عرض على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المال ليرجع عن دينه، و قيل: يعني الأخنس بن شريق عن عطاء، و قيل: يعني الأسود بن عبد يغوث: عن مجاهد.

أقول: و في ذلك روايات في الدرّ المنثور و غيره تركنا إيرادها من أرادها فليراجع جوامع الروايات.

و فيه، عن شدّاد بن أوس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يدخل الجنّة جوّاظ و لا جعظريّ و لا عتلّ زنيم. قلت: فما الجوّاظ؟ قال: كلّ جمّاع منّاع. قلت: فما الجعظريّ؟ قال: الفظّ الغليظ. قلت: فما العتلّ الزنيم؟ قال: كلّ رحيب الجوف سيّي‏ء الخلق أكول شروب غشوم ظلوم زنيم.

و فيه، في معنى الزنيم: قيل: هو الّذي لا أصل له.

و فيه، في تفسير القمّيّ في قوله:( عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ ) قال: العتلّ العظيم الكفر الزنيم الدعيّ.

و فيه، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام : في قوله:( إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ ) إنّ أهل مكّة ابتلوا بالجوع كما ابتلي أصحاب الجنّة و هي كانت في الدنيا و كانت باليمن يقال له الرضوان على تسعة أميال من صنعاء.

و فيه، بإسناده إلى ابن عبّاس: أنّه قيل له إنّ قوماً من هذه الاُمّة يزعمون أنّ العبد يذنب فيحرم به الرزق، فقال ابن عبّاس: فو الله الّذي لا إله إلّا هو هذا أنور في كتاب الله من الشمس الضاحية ذكره الله في سورة ن و القلم.

إنّه كان شيخ و كان له جنّة و كان لا يدخل إلى بيته ثمرة منها و لا إلى منزله حتّى يعطي كلّ ذي حقّ حقّه فلمّا قبض الشيخ ورثه بنوه و كان له خمس من البنين

٣٧

فحملت جنّتهم في تلك السنة الّتي هلك فيها أبوهم حملاً لم يكن حملته قبل ذلك فراحوا الفتية إلى جنّتهم بعد صلاة العصر فأشرفوا على ثمرة و رزق فاضل لم يعاينوا مثله في حياة أبيهم.

فلمّا نظروا إلى الفضل طغوا و بغوا و قال بعضهم لبعض: إنّ أبانا كان شيخاً كبيراً قد ذهب عقله و خرف فهلمّوا نتعاقد فيما بيننا أن لا نعطي أحداً من فقراء المسلمين في عامنا شيئاً حتّى نستغني و يكثر أموالنا ثمّ نستأنف الصنيعة فيما استقبل من السنين المقبلة فرضي بذلك منهم أربعة و سخط الخامس و هو الّذي قال الله:( قالَ أَوْسَطُهُمْ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ ) .

فقال الرجل: يا ابن عبّاس كان أوسطهم في السنّ؟ فقال: لا بل كان أصغرهم سنّاً و أكبرهم عقلاً و أوسط القوم خير القوم، و الدليل عليه في القرآن قوله: إنكم يا اُمّة محمّد أصغر الاُمم و خير الاُمم قوله عزّوجلّ:( وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ) .

قال لهم أوسطهم: اتّقوا و كونوا على منهاج أبيكم تسلموا و تغنموا فبطشوا به و ضربوه ضرباً مبرحاً فلمّا أيقن الأخ منهم أنّهم يريدون قتله دخل معهم في مشورتهم كارهاً لأمرهم غير طائع.

فراحوا إلى منازلهم ثمّ حلفوا بالله ليصرمنّ إذا أصبحوا و لم يقولوا إن شاء الله فابتلاهم الله بذلك الذنب و حال بينهم و بين ذلك الرزق الّذي كانوا أشرفوا عليه فأخبر عنهم في الكتاب فقال:( إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وَ لا يَسْتَثْنُونَ فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَ هُمْ نائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ) قال: كالمحترق.

فقال الرجل: يا ابن عبّاس ما الصريم؟ قال: الليل المظلم، ثمّ قال: لا ضوء له و لا نور.

فلمّا أصبح القوم( فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلى‏ حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ ) قال:( فَانْطَلَقُوا وَ هُمْ يَتَخافَتُونَ ) قال الرجل: و ما التخافت يا ابن عبّاس؟ قال: يتشاورون

٣٨

فيشاور بعضهم بعضاً لكيلاً يسمع أحد غيرهم فقالوا:( لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ وَ غَدَوْا عَلى‏ حَرْدٍ قادِرِينَ ) في أنفسهم أن يصرموها و لا يعلمون ما قد حلّ بهم من سطوات الله و نقمته.

( فَلَمَّا رَأَوْها ) و ما قد حلّ بهم( قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ) فحرمهم الله ذلك الرزق بذنب كان منهم و لم يظلمهم شيئاً.

( قالَ أَوْسَطُهُمْ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ ) قال: يلومون أنفسهم فيما عزموا عليه( قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ عَسى‏ رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى‏ رَبِّنا راغِبُونَ ) فقال الله:( كَذلِكَ الْعَذابُ وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) .

أقول: و قد ورد ما يقرب من مضمون هذا الحديث و الّذي قبله في روايات اُخر و في بعض الروايات أنّ الجنّة كانت لرجل من بني إسرائيل ثمّ مات و ورثه بنوه فكان من أمرهم ما كان.

٣٩

( سورة القلم الآيات ٣٤ - ٥٢)

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ( ٣٤ ) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ( ٣٥ ) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ( ٣٦ ) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ ( ٣٧ ) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ ( ٣٨ ) أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ ( ٣٩ ) سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَٰلِكَ زَعِيمٌ ( ٤٠ ) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُوا صَادِقِينَ ( ٤١ ) يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ( ٤٢ ) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ( ٤٣ ) فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ( ٤٤ ) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ( ٤٥ ) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ ( ٤٦ ) أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ( ٤٧ ) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ ( ٤٨ ) لَّوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ ( ٤٩ ) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ( ٥٠ ) وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ( ٥١ ) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ( ٥٢ )

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

( بيان‏)

هذا هو الفصل الثاني من الآيات يعرّف الحاقّة ببعض أشراطها و نبذة ممّا يقع فيها.

قوله تعالى: ( فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ ) قد تقدّم أنّ النفخ في الصور كناية عن البعث و الإحضار لفصل القضاء، و في توصيف النفخة بالواحدة إشارة إلى مضيّ الأمر و نفوذ القدرة فلا وهن فيه حتّى يحتاج إلى تكرار النفخة، و الّذي يسبق إلى الفهم من سياق الآيات أنّها النفخة الثانية الّتي تحيي الموتى.

قوله تعالى: ( وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً ) الدكّ أشدّ الدقّ و هو كسر الشي‏ء و تبديله إلى أجزاء صغار، و حمل الأرض و الجبال إحاطة القدرة بها، و توصيف الدكّة بالواحدة للإشارة إلى سرعة تفتّتهما بحيث لا يفتقر إلى دكّة ثانية.

قوله تعالى: ( فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ ) أي قامت القيامة.

قوله تعالى: ( وَ انْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ ) انشقاق الشي‏ء انفصال شطر منه من شطر آخر، و واهية من الوهي بمعنى الضعف، و قيل: من الوهي بمعنى شقّ الأديم و الثوب و نحوهما.

و يمكن أن تكون الآية أعني قوله:( وَ انْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ وَ الْمَلَكُ عَلى‏ أَرْجائِها ) في معنى قوله:( وَ يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَ نُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا ) الفرقان: 25.

قوله تعالى: ( وَ الْمَلَكُ عَلى‏ أَرْجائِها وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ ) قال الراغب: رجا البئر و السماء و غيرهما جانبها و الجمع أرجاء قال تعالى:( وَ الْمَلَكُ عَلى‏ أَرْجائِها ) انتهى، و الملك - كما قيل - يطلق على الواحد و الجمع و المراد به في

٦١

الآية الجمع.

و قوله:( وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ ) ضمير( فَوْقَهُمْ ) على ظاهر ما يقتضيه السياق للملائكة، و قيل: الضمير للخلائق.

و ظاهر كلامه أنّ للعرش اليوم حملة من الملائكة قال تعالى:( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ) المؤمن: 7 و قد وردت الروايات أنّهم أربعة، و ظاهر الآية أعني قوله:( وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ ) أنّ الحملة يوم القيامة ثمانية و هل هم من الملائكة أو من غيرهم؟ الآية ساكتة عن ذلك و إن كان لا يخلو السياق من إشعار ما بأنّهم من الملائكة.

و من الممكن - كما تقدّمت الإشارة إليه - أن يكون الغرض من ذكر انشقاق السماء و كون الملائكة على أرجائها و كون حملة العرش يومئذ ثمانية بيان ظهور الملائكة و السماء و العرش للإنسان يومئذ، قال تعالى:( وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) الزمر: 75.

قوله تعالى: ( يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى‏ مِنْكُمْ خافِيَةٌ ) الظاهر أنّ المراد به العرض على الله كما قال تعالى:( وعُرِضُوا عَلى‏ رَبِّكَ صَفًّا ) الكهف: 48، و العرض إراءة البائع سلعته للمشتري ببسطها بين يديه، فالعرض يومئذ على الله و هو يوم القضاء إبراز ما عند الإنسان من اعتقاد و عمل إبرازاً لا يخفى معه عقيدة خافية و لا فعلة خافية و ذلك بتبدّل الغيب شهادة و السرّ علناً قال:( يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ ) الطارق: 9، و قال:( يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى‏ عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْ‏ءٌ ) المؤمن: 16.

و قد تقدّم في أبحاثنا السابقة أنّ ما عدّ في كلامه تعالى من خصائص يوم القيامة كاختصاص الملك بالله، و كون الأمر له، و أن لا عاصم منه، و بروز الخلق له و عدم خفاء شي‏ء منهم عليه و غير ذلك، كلّ ذلك دائميّة الثبوت له تعالى، و إنّما المراد ظهور هذه الحقائق يومئذ ظهوراً لا ستر عليه و لا مرية فيه.

٦٢

فالمعنى: يومئذ يظهر أنّكم في معرض على علم الله و يظهر كلّ فعلة خافية من أفعالكم.

قوله تعالى: ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ ) قال في المجمع، هاؤم أمر للجماعة بمنزلة هاكم، تقول للواحد: هاء يا رجل، و للاثنين: هاؤما يا رجلان، و للجماعة: هاؤم يا رجال، و للمرأة: هاء يا امرأة بكسر الهمزة و ليس بعدها ياء، و للمرأتين: هاؤما، و للنساء: هاؤنّ. هذه لغة أهل الحجاز.

و تميم و قيس يقولون: هاء يا رجل مثل قول أهل الحجاز، و للاثنين: هاءا، و للجماعة: هاؤا، و للمرأة: هائي، و للنساء هاؤنّ.

و بعض العرب يجعل مكان الهمزة كافاً فيقول: هاك هاكما هاكم هاك هاكما هاكنّ، و معناه: خذ و تناول، و يؤمر بها و لا ينهى. انتهى.

و الآية و ما بعدها إلى قوله:( الْخاطِؤُنَ ) بيان تفصيليّ لاختلاف حال الناس يومئذ من حيث السعادة و الشقاء، و قد تقدّم في تفسير قوله تعالى:( فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ ) إسراء: 71 كلام في معنى إعطاء الكتاب باليمين، و الظاهر أنّ قوله:( هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ ) خطاب للملائكة، و الهاء في( كِتابِيَهْ ) و كذا في أواخر الآيات التالية للوقف و تسمّى هاء الاستراحة.

و المعنى: فأمّا من اُوتي كتابه بيمينه فيقول للملائكة: خذوا و اقرأوا كتابيه أي إنّها كتاب يقضي بسعادتي.

قوله تعالى: ( إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ ) الظنّ بمعنى اليقين، و الآية تعليل لما يتحصّل من الآية السابقة و محصّل التعليل إنّما كان كتابي كتاب اليمين و قاضياً بسعادتي لأنّي أيقنت في الدنيا أنّي ساُلاقي حسابي فآمنت بربّي و أصلحت عملي.

قوله تعالى: ( فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ ) أي يعيش عيشة يرضاها فنسبة الرضا إلى العيشة من المجاز العقليّ.

٦٣

قوله تعالى: ( فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ - إلى قوله -الْخالِيَةِ ) أي هو في جنّة عالية قدراً فيها ما لا عين رأت و لا اُذن سمعت و لا خطر على قلب بشر.

و قوله:( قُطُوفُها دانِيَةٌ ) القطوف جمع قطف بالكسر فالسكون و هو ما يجتنى من الثمر و المعنى: أثمارها قريبة منه يتناوله كيف يشاء.

و قوله:( كُلُوا وَ اشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ ) أي يقال لهم: كلوا و اشربوا من جميع ما يؤكل فيها و ما يشرب حال كونه هنيئاً لكم بما قدّمتم من الإيمان و العمل الصالح في الدنيا الّتي تقضّت أيّامها.

قوله تعالى: ( وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وَ لَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ ) و هؤلاء هم الطائفة الثانية و هم الأشقياء المجرمون يؤتون صحيفة أعمالهم بشمالهم و قد مرّ الكلام في معناه في سورة الإسراء، و هؤلاء يتمنّون أن لو لم يكونوا يؤتون كتابهم و يدرون ما حسابهم يتمنّون ذلك لما يشاهدون من أليم العذاب المعدّ لهم.

قوله تعالى: ( يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ ) ذكروا أنّ ضمير( لَيْتَها ) للموتة الاُولى الّتي ذاقها الإنسان في الدنيا.

و المعنى: يا ليت الموتة الاُولى الّتي ذقتها كانت قاضية عليّ تقضي بعدمي فكنت انعدمت و لم اُبعث حيّاً فأقع في ورطة العذاب الخالد و اُشاهد ما اُشاهد.

قوله تعالى: ( ما أَغْنى‏ عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ ) كلمتا تحسّر يقولهما حيث يرى خيبة سعيه في الدنيا فإنّه كان يحسب أنّ مفتاح سعادته في الحياة هو المال و السلطان يدفعان عنه كلّ مكروه و يسلّطانه على كلّ ما يحبّ و يرضى فبذل كلّ جهده في تحصيلهما و أعرض عن ربّه و عن كلّ حقّ يدعى إليه و كذّب داعيه فلمّا شاهد تقطّع الأسباب و أنّه في يوم لا ينفع فيه مال و لا بنون ذكر عدم نفع ماله و بطلان سلطانه تحسّراً و توجّعاً و ما ذا ينفع التحسّر.؟

قوله تعالى: ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ - إلى قوله -فَاسْلُكُوهُ ) حكاية أمره تعالى الملائكة بأخذه و إدخاله النار، و التقدير يقال للملائكة خذوه إلخ، و( فَغُلُّوهُ ) أمر من الغلّ بالفتح

٦٤

و هو الشدّ بالغلّ الّذي يجمع بين اليد و الرجل و العنق.

و قوله:( ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ) أي أدخلوه النار العظيمة و ألزموه إيّاها.

و قوله:( ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ ) السلسلة القيد، و الذرع الطول، و الذراع بُعد ما بين المرفق و رأس الأصابع و هو واحد الطول و سلوكه فيه جعله فيه، و المحصّل ثمّ اجعلوه في قيد طوله سبعون ذراعاً.

قوله تعالى: ( إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ وَ لا يَحُضُّ عَلى‏ طَعامِ الْمِسْكِينِ ) الحضّ التحريض و الترغيب، و الآيتان في مقام التعليل للأمر بالأخذ و الإدخال في النار أي إنّ الأخذ ثمّ التصلية في الجحيم و السلوك في السلسلة لأجل أنّه كان لا يؤمن بالله العظيم و لا يحرّض على طعام المسكين أي يساهل في أمر المساكين و لا يبالي بما يقاسونه.

قوله تعالى: ( فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ - إلى قوله -الْخاطِؤُنَ ) الحميم الصديق و الآية تفريع على قوله:( إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ ) إلخ، و المحصّل: أنّه لمّا كان لا يؤمن بالله العظيم فليس له اليوم ههنا صديق ينفعه أي شفيع يشفع له إذ لا مغفرة لكافر فلا شفاعة.

و قوله:( وَ لا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ ) الغسلين الغسالة و كأنّ المراد به ما يسيل من أبدان أهل النار من قيح و نحوه و الآية عطف على قوله في الآية السابقة:( حَمِيمٌ ) و متفرّع على قوله:( وَ لا يَحُضُّ ) إلخ، و المحصّل: أنّه لمّا كان لا يحرّض على طعام المسكين فليس له اليوم ههنا طعام إلّا من غسلين أهل النار.

و قوله:( لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ ) وصف لغسلين و الخاطؤن المتلبّسون بالخطيئة و الإثم.

٦٥

( بحث روائي)

في الدرّ المنثور، في قوله تعالى:( وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ ) أخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يحمله اليوم أربعة و يوم القيامة ثمانية.

أقول: و في تقييد الحاملين في الآية بقوله:( يَوْمَئِذٍ ) إشعار بل ظهور في اختصاص العدد بالقيامة.

و في تفسير القمّيّ، و في حديث آخر قال: حمله ثمانية أربعة من الأوّلين و أربعة من الآخرين فأمّا الأربعة من الأوّلين فنوح و إبراهيم و موسى و عيسى، و أمّا الأربعة من الآخرين فمحمّد و عليّ و الحسن و الحسينعليهم‌السلام .

أقول: و في غير واحد من الروايات أنّ الثمانية مخصوصة بيوم القيامة، و في بعضها أنّ حملة العرش - و العرش العلم - أربعة منّا و أربعة ممّن شاء الله.

و في تفسير العيّاشيّ، عن أبي بصير عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إنّه إذا كان يوم القيامة يدعى كلّ اُناس بإمامه الّذي مات في عصره فإن أثبته اُعطي كتابه بيمينه لقوله:( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ‏ ) فمن اُوتي كتابه بيمينه فاُولئك يقرؤن كتابهم، و اليمين إثبات الإمام لأنه كتابه يقرؤه - إلى أن قال - و من أنكر كان من أصحاب الشمال الّذين قال الله:( وَ أَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ فِي سَمُومٍ وَ حَمِيمٍ وَ ظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ ) إلخ.

أقول: و في عدّة من الروايات تطبيق قوله:( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ ) إلخ، على عليّعليه‌السلام ، و في بعضها عليه و على شيعته، و كذا تطبيق قوله:( وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ ) إلخ، على أعدائه، و هي من الجري دون التفسير.

و في الدرّ المنثور، أخرج الحاكم و صحّحه عن أبي سعيد الخدريّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لو أنّ دلوا من غسلين يهراق في الدنيا لأنتن بأهل الدنيا.

و فيه، أخرج البيهقيّ في شعب الإيمان عن صعصعة بن صوحان قال: جاء أعرابي

٦٦

إلى عليّ بن أبي طالب فقال: كيف هذا الحرف: لا يأكله إلّا الخاطون؟ كلّ و الله يخطو. فتبسّم عليّ و قال: يا أعرابيّ( لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ ) قال: صدقت و الله يا أميرالمؤمنين ما كان الله ليسلم عبده.

ثمّ التفت عليّ إلى أبي الأسود فقال: إنّ الأعاجم قد دخلت في الدين كافّة فضع للناس شيئاً يستدلّون به على صلاح ألسنتهم فرسم لهم الرفع و النصب و الخفض.

و في تفسير البرهان، عن ابن بابويه في الدروع الواقية في حديث عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : و لو أنّ ذراعاً من السلسلة الّتي ذكرها الله في كتابه وضع على جميع جبال الدنيا لذابت عن حرّها.

٦٧

( سورة الحاقّة الآيات 38 - 52)

فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ ( 38 ) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ ( 39 ) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ( 40 ) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ ( 41 ) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ ( 42 ) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ( 43 ) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ ( 44 ) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ( 45 ) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ( 46 ) فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ( 47 ) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ ( 48 ) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ ( 49 ) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ ( 50 ) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ ( 51 ) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ( 52 )

( بيان‏)

هذا هو الفصل الثالث من آيات السورة يؤكّد ما تقدّم من أمر الحاقّة بلسان تصديق القرآن الكريم ليثبت بذلك حقّيّة ما أنبأ به من أمر القيامة.

قوله تعالى: ( فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ وَ ما لا تُبْصِرُونَ ) ظاهر الآية أنّه إقسام بما هو مشهود لهم و ما لا يشاهدون أي الغيب و الشهادة فهو إقسام بمجموع الخليقة و لا يشمل ذاته المتعالية فإنّ من البعيد من أدب القرآن أن يجمع الخالق و الخلق في صفّ واحد و يعظّمه تعالى و ما صنع تعظيماً مشتركاً في عرض واحد.

و في الإقسام نوع تعظيم و تجليل للمقسم به و خلقه تعالى بما أنّه خلقه جليل جميل لأنّه تعالى جميل لا يصدر منه إلّا الجميل و قد استحسن تعالى فعل نفسه و أثنى

٦٨

على نفسه بخلقه في قوله:( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلَقَهُ ) الم السجدة: 7، و قوله:( فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) المؤمنون: 14 فليس للموجودات منه تعالى إلّا الحسن و ما دون ذلك من مساءة فمن أنفسها و بقياس بعضها إلى بعض.

و في اختيار ما يبصرون و ما لا يبصرون للأقسام به على حقّيّة القرآن ما لا يخفى من المناسبة فإنّ النظام الواحد المتشابك أجزاؤه الجاري في مجموع العالم يقضي بتوحّده تعالى و مصير الكلّ إليه و ما يترتّب عليه من بعث الرسل و إنزال الكتب و القرآن خير كتاب سماويّ يهدي إلى الحقّ في جميع ذلك و إلى طريق مستقيم.

و ممّا تقدّم يظهر عدم استقامة ما قيل: إنّ المراد بما تبصرون و ما لا تبصرون الخلق و الخالق فإنّ السياق لا يساعد عليه، و كذا ما قيل: إنّ المراد النعم الظاهرة و الباطنة، و ما قيل: إنّ المراد الجنّ و الإنس و الملائكة أو الأجسام و الأرواح أو الدنيا و الآخرة أو ما يشاهد من آثار القدرة و ما لا يشاهد من أسرارها فاللفظ أعمّ مدلولاً من جميع ذلك.

قوله تعالى: ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ) الضمير للقرآن، و المستفاد من السياق أنّ المراد برسول كريم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو تصديق لرسالته قبال ما كانوا يقولون إنّه شاعر أو كاهن.

و لا ضير في نسبة القرآن إلى قوله فإنّه إنّما ينسب إليه بما أنّه رسول و الرسول بما أنّه رسول لا يأتي إلّا بقول مرسلة، و قد بيّن ذلك فضل بيان بقوله بعد:( تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ) .

و قيل: المراد برسول كريم جبريل، و السياق لا يؤيّده إذ لو كان هو المراد لكان الأنسب نفي كونه ممّا نزلت به الشياطين كما فعل في سورة الشعراء.

على أنّ قوله بعد:( وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ ) و ما يتلوه إنّما يناسب كونهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو المراد برسول كريم.

قوله تعالى: ( وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ ) نفي أن يكون القرآن

٦٩

نظماً ألّفه شاعر و لم يقل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شعراً و لم يكن شاعراً.

و قوله:( قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ ) توبيخ لمجتمعهم حيث إنّ الأكثرين منهم لم يؤمنوا و ما آمن به إلّا قليل منهم.

قوله تعالى: ( وَ لا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ ) نفي أن يكون القرآن كهانة و النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كاهنا يأخذ القرآن من الجنّ و هم يُلقونه إليه.

و قوله:( قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ ) توبيخ أيضاً لمجتمعهم.

قوله تعالى: ( تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ) أي منزل من ربّ العالمين و ليس من صنع الرسول نسبه إلى الله كما تقدّمت الإشارة إليه.

قوله تعالى: ( وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ - إلى قوله -حاجِزِينَ ) يقال: تقوّل على فلان أي اختلق قولاً من نفسه و نسبه إليه، و الوتين - على ما ذكره الراغب - عرق يسقي الكبد و إذا انقطع مات صاحبه، و قيل: هو رباط القلب.

و المعنى:( وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا ) هذا الرسول الكريم الّذي حمّلناه رسالتنا و أرسلناه إليكم بقرآن نزّلناه عليه و اختلق( بَعْضَ الْأَقاوِيلِ ) و نسبه إلينا( لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ) كما يقبض على المجرم فيؤخذ بيده أو المراد قطعنا منه يده اليمنى أو المراد لانتقمنا منه بالقوّة كما في رواية القمّيّ( ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ ) و قتلناه لتقوّله علينا( فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ‏ ) تحجبونه عنّا و تنجونه من عقوبتنا و إهلاكنا.

و هذا تهديد للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على تقدير أن يفتري على الله كذباً و ينسب إليه شيئاً لم يقله و هو رسول من عنده أكرمه بنبوّته و اختاره لرسالته.

فالآيات في معنى قوله:( لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَ ضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً ) إسراء: 75، و كذا قوله في الأنبياء بعد ذكر نعمه العظمى عليهم:( وَ لَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ) الأنعام: 88.

فلا يرد أنّ مقتضى الآيات أنّ كلّ من ادّعى النبوّة و افترى على الله الكذب أهلكه الله و عاقبه في الدنيا أشدّ العقاب و هو منقوض ببعض مدّعي النبوّة من الكذّابين.

٧٠

و ذلك أنّ التهديد في الآية متوجّه إلى الرسول الصادق في رسالته لو تقوّل على الله و نسب إليه بعض ما ليس منه لا مطلق مدّعي النبوّة المفتري على الله في دعواه النبوّة و إخباره عن الله تعالى.

قوله تعالى: ( وَ إِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ) يذكّرهم كرامة تقواهم و معارف المبدأ و المعاد بحقائقها، و يعرّفهم درجاتهم عند الله و مقاماتهم في الآخرة و الجنّة و ما هذا شأنه لا يكون تقوّلاً و افتراء فالآية مسوقة حجّة على كون القرآن منزّهاً عن التقوّل و الفرية.

قوله تعالى: ( وَ إِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ وَ إِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ ) ستظهر لهم يوم الحسرة.

قوله تعالى: ( وَ إِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) قد تقدّم كلام في نظيرتي الآيتين في آخر سورة الواقعة، و السورتان متّحدتان في الغرض و هو وصف يوم القيامة و متّحدتان في سياق خاتمتهما و هي الإقسام على حقّيّة القرآن المنبئ عن يوم القيامة، و قد ختمت السورتان بكون القرآن و ما أنبأ به عن وقوع الواقعة حقّ اليقين ثمّ الأمر بتسبيح اسم الربّ العظيم المنزّه عن خلق العالم باطلاً لا معاد فيه و عن أن يبطل المعارف الحقّة الّتي يعطيها القرآن في أمر المبدأ و المعاد.

٧١

( سورة المعارج مكّيّة و هي أربع و أربعون آية)

( سورة المعارج الآيات 1 - 18)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ( 1 ) لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ ( 2 ) مِّنَ اللهِ ذِي الْمَعَارِجِ ( 3 ) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ( 4 ) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ( 5 ) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ( 6 ) وَنَرَاهُ قَرِيبًا ( 7 ) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ ( 8 ) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ ( 9 ) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا ( 10 ) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ ( 11 ) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ ( 12 ) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ ( 13 ) وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ ( 14 ) كَلَّا إِنَّهَا لَظَىٰ ( 15 ) نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ ( 16 ) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ ( 17 ) وَجَمَعَ فَأَوْعَىٰ ( 18 )

( بيان‏)

الّذي يعطيه سياق السورة أنّها تصف يوم القيامة بما اُعدّ فيه من أليم العذاب للكافرين. تبتدئ السورة فتذكر سؤال سائل سأل عذاباً من الله للكافرين فتشير إلى أنّه واقع ليس له دافع قريب غير بعيد كما يحسبونه ثمّ تصف اليوم الّذي يقع فيه و العذاب الّذي اُعدّ لهم فيه و تستثني المؤمنين الّذين قاموا بوظائف الاعتقاد الحقّ و العمل الصالح.

٧٢

و هذا السياق يشبه سياق السور المكّيّة غير أنّ المنقول عن بعضهم أنّ قوله:( وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ) مدني و الاعتبار يؤيّده لأنّ ظاهره الزكاة و قد شرّعت بالمدينة بعد الهجرة، و كون هذه الآية مدنيّة يستتبع كون الآيات الحافّة بها الواقعة تحت الاستثناء و هي أربع عشرة آية (قوله:إِلَّا الْمُصَلِّينَ - إلى قوله -فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ‏ ) مدنيّة لما في سياقها من الاتّحاد و استلزام البعض للبعض.

و مدنيّة هذه الآيات الواقعة تحت الاستثناء تستدعي ما استثنيت منه و هو على الأقل ثلاث آيات (قوله:إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً - إلى قوله -مَنُوعاً ).

على أنّ قوله:( فَما لِلَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ ) متفرّع على ما قبله تفرّعاً ظاهراً و هو ما بعده إلى آخر السورة ذو سياق واحد فتكون هذه الآيات أيضاً مدنيّة.

و من جهة اُخرى مضامين هذا الفصل من الآيات تناسب حال المنافقين الحافّين حول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن اليمين و عن الشمال عزين و هم الرادّون لبعض ما أنزل الله من الحكم و خاصّة قوله:( أَ يَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ ) إلخ، و قوله:( عَلى‏ أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ ) إلخ على ما سيجي‏ء، و موطن ظهور هذا النفاق المدينة لا مكّة، و لا ضير في التعبير عن هؤلاء بالّذين كفروا فنظير ذلك موجود في سورة التوبة و غيرها.

على أنّهم رووا أنّ السورة نزلت في قول القائل:( اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) الأنفال: 32 و قد تقدّم في تفسير الآية أنّ سياقها و الّتي بعدها سياق مدنيّ لا مكّي. لكنّ المرويّ عن الصادقعليه‌السلام أنّ المراد بالحقّ المعلوم في الآية حق يسمّيه صاحب المال في ماله غير الزكاة المفروضة.

و لا عبرة بما نسب إلى اتّفاق المفسّرين أنّ السورة مكّيّة على أنّ الخلاف ظاهر و كذا ما نسب إلى ابن عبّاس أنّها نزلت بعد سورة الحاقّة.

قوله تعالى: ( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ) السؤال بمعنى الطلب و الدعاء، و لذا عدّي بالباء كما في قوله:( يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ ) الدخان: 55 و قيل: الفعل مضمّن معنى الاهتمام و الاعتناء و لذا عدّي بالباء، و قيل: الباء زائدة للتأكيد،

٧٣

و مآل الوجوه واحد و هو طلب العذاب من الله كفراً و عتوّاً.

و قيل: الباء بمعنى عن كما في قوله:( فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً ) الفرقان: 59، و فيه أنّ كونها في الآية المستشهد بها بمعنى عن ممنوع. على أنّ سياق الآيات التالية و خاصّة قوله:( فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا ) لا يلائم كون السؤال بمعنى الاستفسار و الاستخبار.

فالآية تحكي سؤال العذاب و طلبه عن بعض من كفر طغياناً و كفراً، و قد وصف العذاب المسؤل من الأوصاف بما يدلّ على إجابة الدعاء بنوع من التهكّم و التحقير و هو قوله:( واقِعٍ ) و قوله:( لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) .

و المعنى سأل سائل من الكفّار عذاباً للكافرين من الله سيصيبهم و يقع عليهم لا محالة و لا دافع له أي إنّه واقع عليهم سأل أو لم يسأل ففيه جواب تحقيريّ و إجابة لمسؤله تهكّماً.

قوله تعالى: ( لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) للكافرين متعلّق بعذاب و صفة له، و كذا قوله:( لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) و قد مرّت الإشارة إلى معنى الآية.

قوله تعالى: ( مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ ) الجارّ و المجرور متعلّق بقوله:( دافِعٌ ) أي ليس له دافع من جانب الله و من المعلوم أنّه لو اندفع لم يندفع إلّا من جانب الله سبحانه، و من المحتمل أن يتعلّق بقوله:( بِعَذابٍ ) .

و المعارج جمع معرج و فسّروه بالمصاعد و هي الدرجات و هي مقامات الملكوت الّتي يعرج إليها الملائكة عند رجوعهم إلى الله سبحانه على ما يفسّره قوله بعد:( تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ ) إلخ فله سبحانه معارج الملكوت و مقاماتها المترتّبة علوّاً و شرفاً الّتي تعرج فيها الملائكة و الروح بحسب قربهم من الله و ليست بمقامات وهميّة اعتباريّة.

و قيل: المراد بالمعارج الدرجات الّتي يصعد فيها الاعتقاد الحقّ و العمل الصالح قال تعالى:( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) الفاطر 10، و قال:( وَ لكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى‏ مِنْكُمْ ) الحجّ: 37.

و قيل: المراد به مقامات القرب الّتي يعرج إليها المؤمنون بالإيمان و العمل

٧٤

الصالح قال تعالى:( هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ وَ اللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ ) آل عمران: 163 و قال:( لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ ) الأنفال: 4 و قال:( رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ ) المؤمن: 15.

و الحقّ أنّ مآل الوجهين إلى الوجه الأوّل، و الدرجات المذكورة حقيقيّة ليست بالوهميّة الاعتباريّة.

قوله تعالى: ( تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) المراد بهذا اليوم يوم القيامة على ما يفيده سياق الآيات التالية.

و المراد بكون مقدار هذا اليوم خمسين ألف سنة على ما ذكروا أنّه بحيث لو وقع في الدنيا و انطبق على الزمان الجاري فيها كان مقداره من الزمان خمسين ألف سنة من سني الدنيا.

و المراد بعروج الملائكة و الروح إليه يومئذ رجوعهم إليه تعالى عند رجوع الكلّ إليه فإنّ يوم القيامة يوم بروز سقوط الوسائط و تقطّع الأسباب و ارتفاع الروابط بينها و بين مسبّباتها و الملائكة وسائط موكّلة على اُمور العالم و حوادث الكون فإذا تقطّعت الأسباب عن مسبّباتها و زيّل الله بينهم و رجع الكلّ إلى الله عزّ اسمه رجعوا إليه و عرجوا معارجهم فحفّوا من حول عرش ربّهم و صفّوا قال تعالى:( وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ) الزمر 75، و قال:( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا ) النبأ: 38.

و الظاهر أنّ المراد بالروح الروح الّذي هو من أمره تعالى كما قال:( قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) إسراء: 85 و هو غير الملائكة كما هو ظاهر قوله تعالى:( يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ ) النحل: 2.

فلا يعبأ بما قيل: إنّ المراد بالروح جبرئيل و إن اُطلق عليه الروح الأمين و روح القدس في قوله:( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى‏ قَلْبِكَ ) الشعراء: 194 و قوله:( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ ) النحل: 103 فإنّ المقيّد غير المطلق.

قوله تعالى: ( فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا ) لمّا كان سؤال السائل للعذاب عن تعنّت

٧٥

و استكبار و هو ممّا يشقّ تحمّله أمر نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصبر و وصفه بالجميل - و الجميل من الصبر ما ليس فيه شائبة الجزع و الشكوى - و علّله بأنّ اليوم بما فيه من العذاب قريب.

قوله تعالى: ( إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَ نَراهُ قَرِيباً ) ضميراً( يَرَوْنَهُ ) و( نَراهُ ) للعذاب أو ليوم القيامة بما فيه من العذاب الواقع و يؤيّد الأوّل قوله فيما بعد:( يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ ) إلخ.

و المراد بالرؤية الاعتقاد بنوع من العناية المجازيّة و رؤيتهم ذلك بعيداً ظنّهم أنّه بعيد من الإمكان فإنّ سؤال العذاب من الله سبحانه استكباراً عن دينه و ردّاً لحكمه لا يجامع الإيمان بالمعاد و إن تفوّه به السائل، و رؤيته تعالى ذلك قريباً علمه بتحقّقه و كلّ ما هو آت قريب.

و في الآيتين تعليل أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصبر الجميل فإنّ تحمّل الأذى و الصبر على المكاره يهون على الإنسان إذا استيقن أنّ الفرج قريب و تذكّر ذلك فالكلام في معنى قولنا فاصبر على تعنّتهم و استكبارهم في سؤالهم العذاب صبراً جميلاً لا يشوبه جزع و شكوى فإنّا نعلم أنّ العذاب قريب على خلاف ما يستبعدونه، و علمنا لا يتخلّف عن الواقع بل هو نفس الواقع.

قوله تعالى: ( يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ ) المهل المذاب من المعدنيّات كالنحاس و الذهب و غيرهما، و قيل: درديّ الزيت، و قيل: عكر القطران(1) .

و الظرف متعلّق بقوله:( واقِعٍ ) على ما يفيده السياق.

قوله تعالى: ( وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ ) العهن مطلق الصوف، و لعلّ المراد المنفوش منه كما في قوله تعالى:( وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ) القارعة: 5.

و قيل: هو الصوف الأحمر، و قيل: المصبوغ ألواناً لأنّ الجبال ذات ألوان مختلفة فمنها جدد بيض و حمر و غرابيب سود(2) .

____________________

(1) أي ردية و خبيثه‏.

(2) كما في الآية من سورة فاطر.

٧٦

قوله تعالى: ( وَ لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً ) الحميم القريب الّذي تهتمّ بأمره و تشفق عليه.

إشارة إلى شدّة اليوم فالإنسان يومئذ تشغله نفسه عن غيره حتّى أنّ الحميم لا يسأل حميمه عن حاله لاشتغاله بنفسه.

قوله تعالى: ( يُبَصَّرُونَهُمْ ) الضميران للأحماء المعلوم من السياق و التبصير الإراءة و الإيضاح أي يُرى و يوضح الأحماء للأحماء فلا يسألونهم عن حالهم اشتغالاً بأنفسهم.

و الجملة مستأنفة في معنى الجواب عن سؤال مقدّر كأنّه لمّا قيل: لا يسأل حميم حميماً سئل فقيل: هل يرى الأحماء يومئذ أحماءهم؟ فاُجيب: يبصّرونهم و يمكن أن يكون( يُبَصَّرُونَهُمْ ) صفة( حَمِيماً ) .

و من ردي‏ءً التفسير قول بعضهم: إنّ معنى قوله:( يُبَصَّرُونَهُمْ ) يبصّر الملائكة الكفّار، و ما قيل: إنّ المعنى يبصّر المؤمنون أعداءهم من الكفّار و ما هم فيه من العذاب فيشمتون بهم، و ما قيل: إنّ المعنى يبصّر أتباع الضلالة رؤساءهم. و هي جميعاً وجوه لا دليل عليها.

قوله تعالى: ( يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَ صاحِبَتِهِ وَ أَخِيهِ وَ فَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ ) قال في المجمع: المودّة مشتركة بين التمنّي و بين المحبّة يقال: وددت الشي‏ء أي تمنّيته و وددته أي أحببته أودّ فيهما جميعاً. انتهى، و يمكن أن يكون استعماله بمعنى التمنّي من باب التضمين.

و قال: و الافتداء الضرر عن الشي‏ء ببدل منه انتهى، و قال: الفصيلة الجماعة المنقطعة عن جملة القبيلة برجوعها إلى اُبوّة خاصّة عن اُبوّة عامّة. انتهى، و ذكر بعضهم أنّ الفصيلة عشيرته الأقربين الّذين فصل عنهم كالآباء الأدنين.

و سياق هذه الآيات سياق الإضراب و الترقّي بالنسبة إلى قوله:( وَ لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً ) فيفيد أنّ المجرم يبلغ به شدّة العذاب إلى أن يتمنّى أن يفتدي من العذاب بأحبّ أقاربه و أكرمهم عليه بنيه و صاحبته و أخيه و فصيلته و جميع من في الأرض ثمّ ينجيه الافتداء فيودّ ذلك فضلاً عن عدم سؤاله عن حال حميمه.

٧٧

و المعنى( يَوَدُّ ) و يتمنّى( الْمُجْرِمُ ) و هو المتلبّس بالأجرام أعمّ من الكافر( لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ ) و هذا هو الّذي يتمنّاه، و الجملة قائمة مقام مفعول يودّ.( بِبَنِيهِ ) الّذين هم أحبّ الناس عنده( وَ صاحِبَتِهِ ) الّتي كانت سكنا له و كان يحبّها و ربّما قدّمها على أبويه( وَ أَخِيهِ ) الّذي كان شقيقه و ناصره( وَ فَصِيلَتِهِ ) من عشيرته الأقربين( الَّتِي تُؤْوِيهِ ) و تضمّه إليها( وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ) من اُولي العقل( ثُمَّ يُنْجِيهِ ) هذا الافتداء.

قوله تعالى: ( كَلَّا إِنَّها لَظى‏ نَزَّاعَةً لِلشَّوى‏ تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلَّى وَ جَمَعَ فَأَوْعى) كلّا للردع، و ضمير( إِنَّها ) لجهنّم أو للنار و سمّيت لظى لكونها تتلظّى و تشتعل، و النزّاعة اسم مبالغة من النزع بمعنى الاقتلاع، و الشوى الأطراف كاليد و الرجل يقال: رماه فأشواه أي أصاب شواه كذا قال الراغب، و إيعاء المال إمساكه في وعاء.

فقوله:( كَلَّا ) ردع لتمنّيه النجاة من العذاب بالافتداء و قد علّل الردع بقوله:( إِنَّها لَظى) إلخ و محصّله أنّ جهنّم نار مشتعلة محرقة للأطراف شأنها أنّها تطلب المجرمين لتعذّبهم فلا تصرف عنهم بافتداء كائناً ما كان.

فقوله:( إِنَّها لَظى‏ ) أي نار صفتها الاشتعال لا تنعزل عن شأنها و لا تخمد، و قوله:( نَزَّاعَةً لِلشَّوى‏ ) أي صفتها إحراق الأطراف و اقتلاعها لا يبطل ما لها من الأثر فيمن تعذّبه.

و قوله:( تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلَّى وَ جَمَعَ فَأَوْعى‏ ) أي تطلب من أدبر عن الدعوة الإلهيّة إلى الإيمان بالله و أعرض عن عبادته تعالى و جمع المال فأمسكه في وعائه و لم ينفق منه للسائل و المحروم.

و هذا المعنى هو المناسب لسياق الاستثناء الآتي و ذكر الصلاة و الإنفاق فيه.

٧٨

( بحث روائي‏)

في المجمع، حدّثنا السيّد أبوالحمد قال: حدّثنا الحاكم أبوالقاسم الحسكاني و ساق السند عن جعفر بن محمّد الصادق عن آبائهعليهم‌السلام قال: لما نصب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا و قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، طار ذلك في البلاد فقدم على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النعمان بن الحارث الفهريّ.

فقال: أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلّا الله و أنّك رسول الله و أمرتنا بالجهاد و الحجّ و الصوم و الصلاة و الزكاة فقبلناها ثمّ لم ترض حتّى نصبت هذا الغلام فقلت: من كنت مولاه فعليّ مولاه، فهذا شي‏ء منك أو أمر من عند الله؟ فقال: و الله الّذي لا إله إلّا هو إنّ هذا من الله.

فولى النعمان بن الحارث و هو يقول: اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء فرماه الله بحجر على رأسه فقتله و أنزل الله تعالى:( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ) .

أقول: و هذا المعنى مروي بغير طريق من طرق الشيعة، و قد ردّ الحديث بعضهم بأنّه موضوع لكون سورة المعارج مكّيّة، و قد عرفت الكلام في مكّيّة السورة.

و في الدرّ المنثور، أخرج الفاريابيّ و عبد بن حميد و النسائيّ و ابن أبي حاتم و الحاكم و صحّحه و ابن مردويه عن ابن عبّاس في قوله:( سَأَلَ سائِلٌ ) قال هو النضر بن الحارث قال: اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء.

و فيه، أخرج ابن أبي حاتم عن السدّيّ: في قوله:( سَأَلَ سائِلٌ ) قال. نزلت بمكّة في النضر بن الحارث و قد قال:( اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ) الآية و كان عذابه يوم بدر.

أقول: و هذا المعنى مرويّ أيضاً عن غير السدّيّ، و في بعض رواياتهم أنّ

٧٩

القائل:( اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ) الآية هو الحارث بن علقمة رجل من عبد الدار، و في بعضها أنّ سائل العذاب هو أبوجهل بن هشام سأله يوم بدر و لازمه مدنيّة السورة و المعتمد على أيّ حال نزول السورة بعد قول القائل:( اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ) الآية و قد تقدّم كلام في سياق الآية.

و في أمالي الشيخ، بإسناده إلى أبي عبداللهعليه‌السلام في حديث: ألا فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا فإنّ في القيامة خمسين موقفاً كلّ موقف مثل ألف سنة ممّا تعدّون ثمّ تلا هذه الآية( فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) .

أقول: و روي هذا المعنى في روضة الكافي، عن حفص بن غياث عنهعليه‌السلام .

و في المجمع، روى أبوسعيد الخدريّ قال: قيل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أطول هذا اليوم فقال: و الّذي نفس محمّد بيده إنّه ليخفّ على المؤمن حتّى يكون أخفّ عليه من صلاة مكتوبة يصلّيها في الدنيا.

أقول: و رواه في الدرّ المنثور، عن عدّة من الجوامع عن أبي سعيد عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ ) قال: الرصاص الذائب و النحاس كذلك تذوب السماء.

و فيه، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام : في قوله تعالى:( يُبَصَّرُونَهُمْ ) يقول: يعرّفونهم ثمّ لا يتساءلون.

و فيه في قوله تعالى:( نَزَّاعَةً لِلشَّوى‏ ) قال: تنزع عينه و تسودّ وجهه.

و فيه في قوله تعالى:( تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلَّى ) قال: تجرّه إليها.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568