الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢٠

الميزان في تفسير القرآن10%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 568

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 219960 / تحميل: 7014
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢٠

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

الجنّة من الحور و الغلمان و غيرهم و هذا هو الّذي يفيده السياق، و قيل: المراد به عشيرته المؤمنون ممّن يدخل الجنّة، و قيل المراد فريق المؤمنين و إن لم يكونوا من عشيرته فالمؤمنون إخوة. و الوجهان لا يخلوان من بعد.

قوله تعالى: ( وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ ) الظرف منصوب بنزع الخافض و التقدير من وراء ظهره، و لعلّهم إنّما يؤتون كتبهم من وراء ظهورهم لردّ وجوههم على أدبارهم كما قال تعالى:( مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى‏ أَدْبارِها ) النساء: ٤٧.

و لا منافاة بين إيتاء كتابهم من وراء ظهورهم و بين إيتائهم بشمالهم كما وقع في قوله تعالى:( وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ ) الحاقّة: ٢٥ و سيأتي في البحث الروائيّ التالي ما ورد في الروايات من معنى إيتاء الكتاب من وراء ظهورهم.

قوله تعالى: ( فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً ) الثبور كالويل الهلاك و دعاؤهم الثبور قولهم: وا ثبوراه.

قوله تعالى: ( وَ يَصْلى‏ سَعِيراً ) أي يدخل ناراً مؤجّجة لا يوصف عذابها، أو يقاسي حرّها.

قوله تعالى: ( إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً ) يسرّه ما يناله من متاع الدنيا و تنجذب نفسه إلى زينتها و ينسيه ذلك أمر الآخرة و قد ذمّ تعالى فرح الإنسان بما يناله من خير الدنيا و سمّاه فرحاً بغير حقّ قال تعالى بعد ذكر النار و عذابها:( ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ بِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ ) المؤمن: ٧٥.

قوله تعالى: ( إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ ) أي لن يرجع و المراد الرجوع إلى ربّه للحساب و الجزاء، و لا سبب يوجبه عليهم إلّا التوغّل في الذنوب و الآثام الصارفة عن الآخرة الداعية إلى استبعاد البعث.

قوله تعالى: ( بَلى‏ إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً ) ردّ لظنّه أي ليس الأمر كما ظنّه بل يحور و يرجع، و قوله:( إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً ) تعليل للردّ المذكور فإنّ الله

٣٦١

سبحانه كان ربّه المالك له المدبّر لأمره و كان يحيط به علماً و يرى ما كان من أعماله و قد كلّفه بما كلّف و لأعماله جزاء خيراً أو شرّاً فلا بدّ أن يرجع إليه و يجزي بما يستحقّه بعمله.

و بذلك يظهر أنّ قوله:( إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً ) من إعطاء الحجّة على وجوب المعاد نظير ما تقدّم في قوله:( إِنَّكَ كادِحٌ إِلى‏ رَبِّكَ ) الآية.

و يظهر أيضاً من مجموع هذه الآيات التسع أنّ إيتاء الكتب و نشر الصحف قبل الحساب كما يدلّ عليه أيضاً قوله تعالى:( وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى‏ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ) إسراء: ١٤.

ثمّ الآيات كما ترى تخصّ إيتاء الكتاب من وراء الظهر بالكفّار فيقع الكلام في عصاة المؤمنين من أصحاب الكبائر ممّن يدخل النار فيمكث فيها برهة ثمّ يخرج منها بالشفاعة على ما في الأخبار من طرق الفريقين فهؤلاء لا يؤتون كتابهم من وراء ظهورهم لاختصاص ذلك بالكفّار و لا بيمينهم لظهور الآيات في أنّ أصحاب اليمين يحاسبون حساباً يسيراً و يدخلون الجنّة، و لا سبيل إلى القول بأنّهم لا يؤتون كتاباً لمكان قوله تعالى:( وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ) الآية المفيد للعموم.

و قد تخلّص بعضهم عن الإشكال بأنّهم يؤتون كتابهم باليمين بعد الخروج من النار.

و فيه أنّ ظاهر الآيات إن لم يكن صريحها أنّ دخول النار أو الجنّة فرع مترتّب على القضاء المترتب على الحساب المترتّب على إيتاء الكتب و نشر الصحف فلا معنى لإيتاء الكتاب بعد الخروج من النار.

و احتمل بعضهم أن يؤتوا كتابهم بشمالهم و يكون الإيتاء من وراء الظهر مخصوصاً بالكفّار كما تفيده الآيات.

و فيه أنّ الآيات الّتي تذكر إيتاء الكتاب بالشمال - و هي الّتي في سورة الواقعة و الحاقّة و في معناها ما في سورة الإسراء أيضاً - تخصّ إيتاء الكتاب بالشمال بالكفّار

٣٦٢

و يظهر من مجموع الآيات أنّ الّذين يؤتون كتابهم بشمالهم هم الّذين يؤتونه من وراء ظهورهم.

و قال بعضهم من الممكن أن يؤتوا كتابهم من وراء ظهورهم و يكون قوله:( فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً ) من قبيل وصف الكلّ بصفة بعض أجزائه.

و فيه أنّ المقام لا يساعد على هذا التجوّز فإنّ المقام مقام تمييز السعداء من الأشقياء و تشخيص كلّ بجزائه الخاصّ به فلا مجوّز لإدغام جمع من أهل العذاب في أهل الجنّة.

على أنّ قوله:( فَسَوْفَ يُحاسَبُ ) إلخ وعد جميل إلهيّ و لا معنى لشموله لغير مستحقّيه و لو بظاهر من القول.

نعم يمكن أن يقال: إنّ اليسر و العسر معنيان إضافيّان و حساب العصاة من أهل الإيمان يسير بالإضافة إلى حساب الكفّار المخلّدين في النار و لو كان عسيراً بالإضافة إلى حساب المتّقين.

و يمكن أيضاً أن يقال إنّ قسمة أهل الجمع إلى أصحاب اليمين و أصحاب الشمال غير حاصرة كما يدلّ عليه قوله تعالى:( وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) الواقعة: ١١ فمدلول الآيات خروج المقرّبين من الفريقين، و مثلهم المستضعفون كما ربّما يستفاد من قوله تعالى:( وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَ إِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ) التوبة: ١٠٦.

فمن الجائز أن لا يكون تقسيم أهل الجمع إلى أصحاب اليمين و أصحاب الشمال تقسيماً حاصراً لجميعهم بل تخصيصاً لأهل الجنّة من المتّقين و أهل الخلود في النار بالذكر بتوصيفهم بإيتاء الكتاب باليمين و بالشمال لمكان الدعوة إلى الإيمان و التقوى و نظير ذلك ما في سورة المرسلات من ذكر يوم الفصل ثمّ بيان حال المتّقين و المكذّبين فحسب و ليس ينحصر الناس في القبيلين، و نظيره ما في سورة النبإ و النازعات و عبس و الانفطار، و المطفّفين و غيرها فالغرض فيها ذكر اُنموذج من أهل الإيمان و الطاعة و أهل الكفر

٣٦٣

و التكذيب و السكوت عمّن سواهم ليتذكّر أنّ السعادة في جانب التقوى و الشقاء في جانب التمرّد و الطغوى.

قوله تعالى: ( فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ ) الشفق الحمرة ثمّ الصفرة ثمّ البياض الّتي تحدث بالمغرب أوّل الليل.

قوله تعالى: ( وَ اللَّيْلِ وَ ما وَسَقَ ) أي ضمّ و جمع ما تفرّق و انتشر في النهار من الإنسان و الحيوان فإنّها تتفرّق و تنتشر بالطبع في النهار و ترجع إلى مأواها في الليل فتسكن.

و فسّر بعضهم( وسق ) بمعنى طرد أي طرد الكواكب من الخفاء إلى الظهور.

قوله تعالى: ( وَ الْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ ) أي اجتمع و انضمّ بعض نوره إلى بعض فاكتمل نوره و تبدّر.

قوله تعالى: ( لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ ) جواب القسم و الخطاب للناس و الطبق هو الشي‏ء أو الحال الّذي يطابق آخر سواء كان أحدهما فوق الآخر أم لا و المراد به كيف كان المرحلة بعد المرحلة يقطعها الإنسان في كدحه إلى ربّه من الحياة الدنيا ثمّ الموت ثمّ الحياة البرزخيّة ثمّ الانتقال إلى الآخرة ثمّ الحياة الآخرة ثمّ الحساب و الجزاء.

و في هذا الإقسام - كما ترى - تأكيد لما في قوله:( يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ ) الآية و ما بعده من نبإ البعث و توطئة و تمهيد لما في قوله:( فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) من التعجيب و التوبيخ و ما في قوله:( فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ ) إلخ من الإنذار و التبشير.

و في الآية إشارة إلى أنّ المراحل الّتي يقطعها الإنسان في مسيره إلى ربّه مترتّبة متطابقة.

قوله تعالى: ( فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ وَ إِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ ) الاستفهام للتعجيب و التوبيخ و لذا ناسب الالتفات الّذي فيه من الخطاب إلى الغيبة كأنّه لمّا رأى أنّهم لا يتذكّرون بتذكيره و لا يتّعظون بعظته أعرض عنهم إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخاطبه بقوله:( فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) إلخ.

٣٦٤

قوله تعالى: ( بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ وَ اللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ ) ( يُكَذِّبُونَ ) يفيد الاستمرار، و التعبير عنهم بالّذين كفروا للدلالة على علّة التكذيب، و الإيعاء كما قيل جعل الشي‏ء في وعاء.

و المعنى: أنّهم لم يتركوا الإيمان لقصور في البيان أو لانقطاع من البرهان لكنّهم اتّبعوا أسلافهم و رؤساءهم فرسخوا في الكفر و استمرّوا على التكذيب و الله يعلم بما جمعوا في صدورهم و أضمروا في قلوبهم من الكفر و الشرك.

و قيل: المراد بقوله:( وَ اللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ ) أنّ لهم وراء التكذيب مضمرات في قلوبهم لا يحيط بها العبارة و لا يعلمها إلّا الله، و هو بعيد من السياق.

قوله تعالى: ( فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) التعبير عن الإخبار بالعذاب بالتبشير مبنيّ على التهكّم، و الجملة متفرّعة على التكذيب.

قوله تعالى: ( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ) استثناء منقطع من ضمير( فَبَشِّرْهُمْ ) و المراد بكون أجرهم غير ممنون خلوّه من قول يثقل على المأجور.

( بحث روائي‏)

في تفسير القمّيّ: في قوله تعالى:( إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ ) قال: يوم القيامة.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي حاتم عن عليّ قال تنشقّ السماء من المجرّة.

و في تفسير القمّيّ: في قوله:( وَ إِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ وَ أَلْقَتْ ما فِيها وَ تَخَلَّتْ ) قال: تمدّ الأرض فتنشقّ فيخرج الناس منها.

و في الدرّ المنثور، أخرج الحاكم بسند جيّد عن جابر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: تمدّ الأرض يوم القيامة مدّ الأديم ثمّ لا يكون لابن آدم منها إلّا موضع قدميه.

و في الاحتجاج، عن عليّعليه‌السلام في حديث قال و الناس يومئذ على صفات و منازل فمنهم من يحاسب حساباً يسيراً و ينقلب إلى أهله مسروراً، و منهم الّذين يدخلون الجنّة بغير حساب لأنّهم لم يلبسوا من أمر الدنيا بشي‏ء و إنّما الحساب هناك على من

٣٦٥

يلبس بها ههنا، و منهم من يحاسب على النقير و القطمير و يصير إلى عذاب السعير.

و في المعاني، بإسناده عن ابن سنان عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كلّ محاسب معذّب فقال له قائل: يا رسول الله فأين قول الله عزّوجلّ:( فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً ) قال: ذلك العرض يعني التصفّح.

أقول: و روي في الدرّ المنثور، عن البخاريّ و مسلم و الترمذيّ و غيرهم عن عائشة: مثله.

و في تفسير القمّيّ، و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ ) فهو أبوسلمة عبدالله بن عبدالأسود بن هلال المخزوميّ و هو من بني مخزوم،( وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ ) فهو أخوه الأسود بن عبدالأسود المخزوميّ فقتله حمزة بن عبدالمطّلب يوم بدر.

و في المجمع: في قوله تعالى:( لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ ) و قيل: معناه شدّة بعد شدّة حياة ثمّ موت ثمّ بعث ثمّ جزاء: و روي ذلك مرفوعاً.

و عن جوامع الجامع، في الآية عن أبي عبيدة: لتركبنّ سنن من كان قبلكم من الأوّلين و أحوالهم: و روي ذلك عن الصادقعليه‌السلام .

٣٦٦

( سورة البروج مكّيّة و هي اثنتان و عشرون آية)

( سورة البروج الآيات ١ - ٢٢)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ( ١ ) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ ( ٢ ) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ( ٣ ) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ ( ٤ ) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ ( ٥ ) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ ( ٦ ) وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ ( ٧ ) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ( ٨ ) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ( ٩ ) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ( ١٠ ) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ( ١١ ) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ( ١٢ ) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ ( ١٣ ) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ( ١٤ ) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ( ١٥ ) فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ( ١٦ ) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ ( ١٧ ) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ ( ١٨ ) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ ( ١٩ ) وَاللهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ ( ٢٠ ) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ ( ٢١ ) فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ( ٢٢ )

٣٦٧

( بيان‏)

سورة إنذار و تبشير فيها وعيد شديد للّذين يفتنون المؤمنين و المؤمنات لإيمانهم بالله كما كان المشركون من أهل مكّة يفعلون ذلك بالّذين آمنوا بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيعذّبونهم ليرجعوا إلى شركهم السابق فمنهم من كان يصبر و لا يرجع بلغ الأمر ما بلغ، و منهم من رجع و ارتدّ و هم ضعفاء الإيمان كما يشير إلى ذلك قوله تعالى:( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ ) العنكبوت: ١٠، و قوله:( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى‏ حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى‏ وَجْهِهِ ) الحجّ: ١١.

و قد قدّم سبحانه على ذلك الإشارة إلى قصّة أصحاب الاُخدود، و فيه تحريض المؤمنين على الصبر في جنب الله تعالى، و أتبعها بالإشارة إلى حديث الجنود فرعون و ثمود و فيه تطييب لنفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بوعد النصر و تهديد للمشركين.

و السورة مكّيّة بشهادة سياق آياتها.

قوله تعالى: ( وَ السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ ) البروج جمع برج و هو الأمر الظاهر و يغلب استعماله في القصر العالي لظهوره على الناظرين و يسمّى البناء المعمول على سور البلد للدفاع برجاً و هو المراد في الآية لقوله تعالى:( وَ لَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَ زَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ وَ حَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ ) الحجر: ١٧، فالمراد بالبروج مواضع الكواكب من السماء.

و بذلك يظهر أنّ تفسير البروج بالبروج الاثني عشر المصطلح عليها في علم النجوم غير سديد.

و في الآية إقسام بالسماء المحفوظة بالبروج، و لا يخفى مناسبته لما سيشار إليه من القصّة ثمّ الوعيد و الوعد و سنشير إليه.

قوله تعالى: ( وَ الْيَوْمِ الْمَوْعُودِ ) عطف على السماء و إقسام باليوم الموعود و هو يوم القيامة الّذي وعد الله القضاء فيه بين عباده.

٣٦٨

قوله تعالى: ( وَ شاهِدٍ وَ مَشْهُودٍ ) معطوفان على السماء و الجميع قسم بعد قسم على ما اُريد بيانه في السورة و هو - كما تقدّمت الإشارة إليه - الوعيد الشديد لمن يفتن المؤمنين و المؤمنات لإيمانهم و الوعد الجميل لمن آمن و عمل صالحاً.

فكأنّه قيل: اُقسم بالسماء ذات البروج الّتي يدفع الله بها عنها الشياطين إنّ الله يدفع عن إيمان المؤمنين كيد الشياطين و أوليائهم من الكافرين، و اُقسم باليوم الموعود الّذي يجزي فيه الناس بأعمالهم، و اُقسم بشاهد يشهد و يعاين أعمال اُولئك الكفّار و ما يفعلونه بالمؤمنين لإيمانهم بالله و اُقسم بمشهود سيشهده الكلّ و يعاينونه إنّ الّذين فتنوا المؤمنين و المؤمنات، إلى آخر الآيتين.تين.

و من هنا يظهر أنّ الشهادة في( شاهِدٍ ) و( مَشْهُودٍ ) بمعنى واحد و هو المعاينة بالحضور، على أنّها لو كانت بمعنى تأدية الشهادة لكان حقّ التعبير( و مشهود عليه) لأنّها بهذا المعنى إنّما تتعدّى بعلى.

و على هذا يقبل( شاهِدٍ ) الانطباق على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لشهادته أعمال اُمّته ثمّ يشهد عليها يوم القيامة، و يقبل( مَشْهُودٍ ) الانطباق على تعذيب الكفّار لهؤلاء المؤمنين و ما فعلوا بهم من الفتنة و إن شئت فقل: على جزائه و إن شئت فقل: على ما يقع يوم القيامة من العقاب و الثواب لهؤلاء الظالمين و المظلومين، و تنكير( مَشْهُودٍ ) و( وَ شاهِدٍ ) على أيّ حال للتفخيم.

و لهم في تفسير شاهد و مشهود أقاويل كثيرة أنهاها بعضهم إلى ثلاثين كقول بعضهم إنّ الشاهد يوم الجمعة و المشهود يوم عرفة، و القول بأنّ الشاهد يوم النحر و المشهود يوم عرفة، و القول بأنّ الشاهد يوم عرفة و المشهود يوم القيامة، و القول بأنّ الشاهد الملك يشهد على بني آدم و المشهود يوم القيامة، و القول بأنّ الشاهد الّذين يشهدون على الناس و المشهود الّذين يشهد عليهم.

و القول بأنّ الشاهد هذه الاُمّة و المشهود سائر الاُمم، و القول بأنّ الشاهد أعضاء بني آدم و المشهود أنفسهم و القول بأنّ الشاهد الحجر الأسود و المشهود الحاجّ و القول بأنّ الشاهد الأيّام و اللّيالي و المشهود بنو آدم، و القول بأنّ الشاهد الأنبياء و المشهود

٣٦٩

محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و القول بأنّ الشاهد هو الله و المشهود لا إله إلّا الله.

و القول بأنّ الشاهد الخلق و المشهود الحقّ، و القول بأنّ الشاهد هو الله و المشهود يوم القيامة، و القول بأنّ الشاهد آدم و ذرّيّته و المشهود يوم القيامة، و القول بأنّ الشاهد يوم التروية و المشهود يوم عرفة، و القول بأنّها يوم الإثنين و يوم الجمعة، و القول بأنّ الشاهد: المقرّبون و المشهود علّيّون، و القول بأنّ الشاهد هو الطفل الّذي قال لاُمّه في قصّة الاُخدود: اصبري فإنّك على الحقّ و المشهود الواقعة، و القول بأنّ الشاهد الملائكة المتعاقبون لكتابة الأعمال و المشهود قرآن الفجر إلى غير ذلك من أقوالهم.

و أكثر هذه الأقوال - كما ترى - مبنيّ على أخذ الشهادة بمعنى أداء ما حمّل من الشهادة و بعضها على تفريق بين الشاهد و المشهود في معنى الشهادة و قد عرفت ضعفه، و أنّ الأنسب للسياق أخذها بمعنى المعاينة و إن استلزم الشهادة بمعنى الأداء يوم القيامة، و أنّ الشاهد يقبل الانطباق على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

كيف لا؟ و قد سمّاه الله تعالى شاهداً إذ قال:( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً ) الأحزاب: ٤٥، و سمّاه شهيداً إذ قال:( لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ ) الحجّ: ٧٨، و قد عرفت معنى شهادة الأعمال من شهدائها فيما مرّ.

ثمّ إنّ جواب القسم محذوف يدلّ عليه قوله:( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ ) إلى تمام آيتين، و يشعر به أيضاً قوله:( قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ ) إلخ و هو وعيد الفاتنين و وعد المؤمنين الصالحين و أنّ الله يوفقهم على الصبر و يؤيّدهم على حفظ إيمانهم من كيد الكائدين أن أخلصوا كما فعل بالمؤمنين في قصّة الاُخدود.

قوله تعالى: ( قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ ) إشارة إلى قصّة الاُخدود لتكون توطئة و تمهيداً لما سيجي‏ء من قوله:( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا ) إلخ و ليس جواباً للقسم البتّة.

و الاُخدود الشقّ العظيم في الأرض، و أصحاب الاُخدود هم الجبابرة الّذين خدّوا اُخدوداً و أضرموا فيها النار و أمروا المؤمنين بدخولها فأحرقوهم عن آخرهم

٣٧٠

نقماً منهم لإيمانهم.

فقوله:( قُتِلَ ) إلخ دعاء عليهم و المراد بالقتل اللعن و الطرد.

و قيل: المراد بأصحاب الاُخدود المؤمنون و المؤمنات الّذين اُحرقوا فيه، و قوله:( قُتِلَ ) إخبار عن قتلهم بالإحراق و ليس من الدعاء في شي‏ء. و يضعّفه ظهور رجوع الضمائر في قوله:( إِذْ هُمْ عَلَيْها ) و( هُمْ عَلى‏ ما يَفْعَلُونَ ) و( ما نَقَمُوا ) إلى أصحاب الاُخدود، و المراد بها و خاصّة بالثاني و الثالث الجبابرة الناقمون دون المؤمنين المعذّبين.

قوله تعالى: ( النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ ) بدل من الاُخدود، و الوقود ما يشعل به النار من حطب و غيره، و في توصيف النار بذات الوقود إشارة إلى عظمة أمر هذه النار و شدّة اشتعالها و أجيجها.

قوله تعالى: ( إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ ) أي في حال اُولئك الجبابرة قاعدون في أطراف النار المشرفة عليها.

قوله تعالى: ( وَ هُمْ عَلى‏ ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ ) أي حضور ينظرون و يشاهدون إحراقهم و احتراقهم.

قوله تعالى: ( وَ ما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ ) النقم بفتحتين الكراهة الشديدة أي ما كرهوا من اُولئك المؤمنين إلّا إيمانهم بالله فأحرقوهم لأجل إيمانهم.

قوله تعالى: ( الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اللهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيدٌ ) أوصاف جارية على اسم الجلالة تشير إلى الحجّة على أنّ اُولئك المؤمنين كانوا على الحقّ في إيمانهم مظلومين فيما فعل بهم لا يخفى حالهم على الله و سيجزيهم خير الجزاء، و على أنّ اُولئك الجبابرة كانوا على الباطل مجترين على الله ظالمين فيما فعلوا و سيذوقون وبال أمرهم.

و ذلك أنّه تعالى هو الله العزيز الحميد أي الغالب غير المغلوب على الإطلاق و الجميل في فعله على الإطلاق فله وحده كلّ الجلال و الجمال فمن الواجب أن يخضع

٣٧١

له و أن لا يتعرّض لجانبه، و إذ كان له ملك السماوات و الأرض فهو المليك على الإطلاق له الأمر و له الحكم فهو ربّ العالمين فمن الواجب أن يتّخذ إلهاً معبوداً و لا يشرك به أحد فالمؤمنون به على الحقّ و الكافرون في ضلال.

ثمّ إنّ الله - و هو الموجد لكلّ شي‏ء - على كلّ شي‏ء شهيد لا يخفى عليه شي‏ء من خلقه و لا عمل من أعمال خلقه و لا يحتجب عنه إحسان محسن و لا إساءة مسي‏ء فسيجزي كلّاً بما عمل.

و بالجملة إذ كان تعالى هو الله المتّصف بهذه الصفات الكريمة كان على هؤلاء المؤمنين أن يؤمنوا به و لم يكن لاُولئك الجبابرة أن يتعرّضوا لحالهم و لا أن يمسّوهم بسوء.

و قال بعض المفسّرين في توجيه إجراء الصفات في الآية: إنّ القوم إن كانوا مشركين فالّذي كانوا ينقمونه من المؤمنين و ينكرونه عليهم لم يكن هو الإيمان بالله تعالى بل نفي ما سواه من معبوداتهم الباطلة، و إن كانوا معطّلة فالمنكر عندهم ليس إلّا إثبات معبود غير معهود لهم لكن لمّا كان مآل الأمرين إنكار المعبود الحقّ الموصوف بصفات الجلال و الإكرام عبّر بما عبّر بإجراء الصفات عليه تعالى.

و فيه غفلة عن أنّ المشركين و هم الوثنيّة ما كانوا ينسبون إلى الله تعالى إلّا الصنع و الإيجاد. و أمّا الربوبيّة الّتي تستتبع التدبير و الاُلوهيّة الّتي تستوجب العبادة فكانوا يقصرونها في أربابهم و آلهتهم فيعبدونها دون الله سبحانه، فليس له تعالى عندهم إلّا أنّه ربّ الأرباب و إله الآلهة لا غير.

قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَ لَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ ) الفتنة المحنة و التعذيب،( و الَّذِينَ فَتَنُوا ) إلخ عامّ يشمل أصحاب الاُخدود و مشركي قريش الّذين كانوا يفتنون من آمن بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المؤمنين و المؤمنات بأنواع من العذاب ليرجعوا عن دينهم.

قال في المجمع: يسأل فيقال: كيف فصّل بين عذاب جهنّم و عذاب الحريق و هما واحد؟ اُجيب عن ذلك بأنّ المراد لهم أنواع العذاب في جهنّم سوى الإحراق

٣٧٢

مثل الزّقّوم و الغسلين و المقامع و لهم مع ذلك الإحراق بالنار انتهى.

قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ) وعد جميل للمؤمنين يطيّب به نفوسهم كما أنّ ما قبله وعيد شديد للكفّار الفاتنين المعذّبين.

قوله تعالى: ( إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ) الآية إلى تمام سبع آيات تحقيق و تأكيد لما تقدّم من الوعيد و الوعد، و البطش - كما ذكره الراغب - تناول الشي‏ء بصولة.

و في إضافة البطش إلى الربّ و إضافة الربّ إلى الكاف تطييب لنفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتأييد و النصر، و إشارة إلى أنّ لجبابرة اُمّته نصيباً من الوعيد المتقدّم.

قوله تعالى: ( إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَ يُعِيدُ ) المقابلة بين المبدئ و المعيد يعطي أنّ المراد بالإبداء البدء، و الافتتاح بالشي‏ء، قالوا: و لم يسمع من العرب الإبداء لكن القراءة ذلك و في بعض القراءات الشاذّة يبدأ بفتح الياء و الدال.

و على أيّ حال فالآية تعليل لشدّة بطشه تعالى و ذلك أنّه تعالى مبدئ يوجد ما يريده من شي‏ء إيجاداً ابتدائياً من غير أن يستمدّ على ذلك من شي‏ء غير نفسه، و هو تعالى يعيد كلّ ما كان إلى ما كان و كلّ حال فاتته إلى ما كانت عليه قبل الفوت فهو تعالى لا يمتنع عليه ما أراد و لا يفوته فائت زائل و إذ كان كذلك فهو القادر على أن يحمل على العبد المتعدّي حدّه، من العذاب ما هو فوق حدّه و وراء طاقته و يحفظه على ما هو عليه ليذوق العذاب قال تعالى:( وَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى‏ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَ لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها ) فاطر: ٣٦.

و هو القادر على أن يعيد ما أفسده العذاب إلى حالته الاُولى ليذوق المجرم بذلك العذاب من غير انقطاع قال تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ ) النساء: ٥٦.

و بهذا البيان يتّضح:

أوّلاً: أنّ سياق قوله:( إِنَّهُ هُوَ ) إلخ يفيد القصر أي إنّ إبداع الوجود

٣٧٣

و إعادته لله سبحانه وحده إذ الصنع و الإيجاد ينتهي إليه تعالى وحده.

و ثانياً: أنّ حدود الأشياء إليه تعالى و لو شاء أن لا يحدّ لم يحدّ أو بدّل حدّاً من آخر فهو الّذي حدّ العذاب و الفتنة في الدنيا بالموت و الزوال و لو لم يشأ لم يحدّ كما في عذاب الآخرة.

و ثالثاً: أنّ المراد من شدّة البطش - و هو الأخذ بعنف - أن لا دافع لأخذه و لا رادّ لحكمه كيفما حكم إلّا أن يحول بين حكمه و متعلّقه حكم آخر منه يقيّد الأوّل.

قوله تعالى: ( وَ هُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ) أي كثير المغفرة و المودّة ناظر إلى وعد المؤمنين كما أنّ قوله:( إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ ) إلخ ناظر إلى وعيد الكافرين.

قوله تعالى: ( ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ ) العرش عرش الملك، و ذوالعرش كناية عن الملك أي هو ملك له أن يتصرّف في مملكته كيفما تصرّف و يحكم بما شاء و المجيد صفة من المجد و هو العظمة المعنوية و هي كمال الذات و الصفات، و قوله:( فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ ) أي لا يصرفه عمّا أراده صارف لا من داخل لضجر و كسل و ملل و تغيّر إرادة و غيرها و لا من خارج لمانع يحول بينه و بين ما أراد.

فله تعالى أن يوعد الّذين فتنوا المؤمنين و المؤمنات بالنار و يعد الّذين آمنوا و عملوا الصالحات بالجنّة لأنّه ذو العرش المجيد و لن يخلف وعده لأنّه فعّال لما يريد.

قوله تعالى: ( هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ فِرْعَوْنَ وَ ثَمُودَ ) تقرير لما تقدّم من شدّة بطشه تعالى و كونه ملكاً مجيداً فعّالاً لما يريد، و فيه تسلية للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و تطييب لنفسه الشريفة بالإشارة إلى حديثهم، و معنى الآيتين ظاهر.

قوله تعالى: ( بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ ) لا يبعد أن يستفاد من السياق كون المراد بالّذين كفروا هم قوم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و في الآية إضراب عمّا تقدّم من الموعظة و الحجّة من حيث الأثر، و المعنى لا ينبغي أن يرجى منهم الإيمان بهذه الآيات البيّنات فإنّ الّذين كفروا مصرّون على

٣٧٤

تكذيبهم لا ينتفعون بموعظة أو حجّة.

و من هنا ظهر أنّ المراد بكون الّذين كفروا في تكذيب أي بظرفيّة التكذيب لهم إصرارهم عليه.

قوله تعالى: ( وَ اللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ ) وراء الشي‏ء الجهات الخارجة منه المحيطة به. إشارة إلى أنّهم غير معجزين لله سبحانه فهو محيط بهم قادر عليهم من كلّ جهة، و فيه أيضاً تطييب لنفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و عن بعضهم أنّ في قوله:( مِنْ وَرائِهِمْ ) تلويحاً إلى أنّهم اتّخذوا الله وراءهم ظهريّا، و هو مبنيّ على أخذ وراء بمعنى خلف.

قوله تعالى: ( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ) إضراب عن إصرارهم على تكذيب القرآن، و المعنى ليس الأمر كما يدّعون بل القرآن كتاب مقروّ عظيم في معناه غزير في معارفه في لوح محفوظ عن الكذب و الباطل مصون من مسّ الشياطين.

( بحث روائي‏)

في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن جابر بن عبدالله أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن( السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ ) فقال: الكواكب، و سئل عن( الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً ) فقال: الكواكب. قيل:( بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ) فقال: قصور.

و فيه، أخرج عبد بن حميد و الترمذيّ و ابن أبي الدنيا في الاُصول و ابن جرير و ابن المنذر و ابن حاتم و ابن مردويه و البيهقيّ في سننه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اليوم الموعود يوم القيامة و اليوم المشهود يوم عرفة و الشاهد يوم الجمعة. الحديث.

أقول: و روي مثله بطرق اُخرى عن أبي مالك و سعيد بن المسيّب و جبير بن مطعم عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و لفظ الأخير: الشاهد يوم الجمعة و المشهود يوم عرفة.

٣٧٥

و روي هذا اللفظ عن عبدالرزّاق و الفاريابيّ و عبد بن حميد و ابن جرير و ابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب.

و فيه، أخرج عبد بن حميد و ابن المنذر عن عليّ قال: اليوم الموعود يوم القيامة، و الشاهد يوم الجمعة، و المشهود يوم النحر.

و في المجمع، روي: أنّ رجلاً دخل مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإذا رجل يحدّث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال: فسألته عن الشاهد و المشهود فقال: نعم الشاهد يوم الجمعة و المشهود يوم عرفة، فجزته إلى آخر يحدّث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسألته عن ذلك فقال: أمّا الشاهد فيوم الجمعة و أمّا المشهود فيوم النحر.

فجزتهما إلى غلام كأنّ وجهه الدينار و هو يحدّث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت: أخبرني عن شاهد و مشهود فقال: نعم أمّا الشاهد فمحمّد و أمّا المشهود فيوم القيامة أ ما سمعت الله سبحانه يقول:( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً ) و قال:( ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَ ذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ) .

فسألت عن الأوّل فقالوا: ابن عبّاس، و سألت عن الثاني فقالوا: ابن عمرو، و سألت عن الثالث فقالوا: الحسن بن علي.

أقول: و الحديث مرويّ بطرق مختلفة و ألفاظ متقاربة و قد تقدّم في تفسير الآية أنّ ما ذكرهعليه‌السلام أظهر بالنظر إلى سياق الآيات، و إن كان لفظ الشاهد و المشهود لا يأبى الانطباق على غيره أيضاً بوجه.

و في تفسير القمّيّ: في قوله تعالى:( قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ ) قال: كان سببه أنّ الّذي هيّج الحبشة على غزوة اليمن ذو نواس و هو آخر من ملك من حمير تهوّد و اجتمعت معه حمير على اليهوديّة و سمّى نفسه يوسف و أقام على ذلك حيناً من الدهر.

ثمّ اُخبر أنّ بنجران بقايا قوم على دين النصرانيّة و كانوا على دين عيسى و حكم الإنجيل، و رأس ذلك الدين عبد الله بن بريامن فحمله أهل دينه على أن يسير إليهم و يحملهم على اليهوديّة و يدخلهم فيها فسار حتّى قدم نجران فجمع من كان

٣٧٦

بها على دين النصرانيّة ثمّ عرض عليهم دين اليهوديّة و الدخول فيها فأبوا عليه فجادلهم و عرض عليهم و حرص الحرص كلّه فأبوا عليه و امتنعوا من اليهوديّة و الدّخول فيها و اختاروا القتل.

فاتّخذ لهم اُخدوداً و جمع فيه الحطب و أشعل فيه النار فمنهم من اُحرق بالنار و منهم من قتل بالسيف و مثل بهم كلّ مثلة فبلغ عدد من قتل و اُحرق بالنار عشرين ألفاً و أفلت منهم رجل يدعى دوش ذو ثعلبان على فرس له ركضة، و اتّبعوه حتّى أعجزهم في الرمل، و رجع ذو نواس إلى صنيعه في جنوده فقال الله:( قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ - إلى قوله -الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) .

و في المجمع، و روى سعيد بن جبير قال: لمّا انهزم أهل إسفندهان قال عمر بن الخطّاب: ما هم يهود و لا نصارى و لا لهم كتاب و كانوا مجوساً فقال عليّ بن أبي طالب: بلى قد كان لهم كتاب رفع.

و ذلك أنّ ملكاً لهم سكر فوقع على ابنته - أو قال: على اُخته - فلمّا أفاق قال لها: كيف المخرج ممّا وقعت فيه؟ قالت: تجمع أهل مملكتك و تخبرهم أنّك ترى نكاح البنات و تأمرهم أن يحلّوه فجمعهم فأخبرهم فأبوا أن يتابعوه فخدّ لهم اُخدوداً في الأرض، و أوقد فيه النيران و عرضهم عليها فمن أبى قبول ذلك قذفه في النار، و من أجاب خلّى سبيله.

أقول: و روي هذا المعنى في الدرّ المنثور، عن عبد بن حميد عنهعليه‌السلام .

و عن تفسير العيّاشيّ، بإسناده عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: أرسل عليّعليه‌السلام إلى اُسقفّ نجران يسأله عن أصحاب الاُخدود فأخبره بشي‏ء فقالعليه‌السلام : ليس كما ذكرت و لكن ساُخبرك عنهم:

إنّ الله بعث رجلاً حبشيّاً نبيّاً و هم حبشيّة فكذّبوه فقاتلهم فقتلوا أصحابه فأسروه و أسروا أصحابه ثمّ بنوا له حيراً ثمّ ملؤه ناراً ثمّ جمعوا الناس فقالوا: من كان على ديننا و أمرنا فليعتزل، و من كان على دين هؤلاء فليرم نفسه في النار فجعل أصحابه يتهافتون في النار فجاءت امرأة معها صبيّ لها ابن شهر فلمّا هجمت هابت و

٣٧٧

رقّت على ابنها فنادى الصبيّ: لا تهابي و ارميني و نفسك في النار فإنّ هذا و الله في الله قليل، فرمت بنفسها في النار و صبيّها، و كان ممّن تكلّم في المهد.

أقول: و روي هذا المعنى في الدرّ المنثور، عن ابن مردويه عن عبدالله بن نجي عنهعليه‌السلام ، و روي أيضاً عن ابن أبي حاتم من طريق عبدالله بن نجي عنهعليه‌السلام قال: كان نبيّ أصحاب الاُخدود حبشيّاً.

و روي أيضاً عن ابن أبي حاتم و ابن المنذر من طريق الحسن عنهعليه‌السلام في قوله تعالى:( أَصْحابُ الْأُخْدُودِ ) قال: هم الحبشة.

و لا يبعد أن يستفاد أنّ حديث أصحاب الاُخدود وقائع متعدّدة وقعت بالحبشة و اليمن و العجم و الإشارة في الآية إلى جميعها و هناك روايات تقصّ القصّة مع السكوت عن محلّ وقوعها.

و في تفسير القمّيّ: في قوله تعالى:( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ) قال: اللوح المحفوظ له طرفان طرف على يمين العرش على جبين إسرافيل فإذا تكلّم الربّ جلّ ذكره بالوحي ضرب اللّوح جبين إسرافيل فنظر في اللّوح فيوحي بما في اللّوح إلى جبرئيل.

و في الدرّ المنثور، أخرج أبوالشيخ و ابن مردويه عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلق الله لوحاً من درّة بيضاء دفّتاه من زبرجدة خضراء كتابه من نور يلحظ إليه في كلّ يوم ثلاث مائة و ستّين لحظة يحيي و يميت و يخلق و يرزق و يعزّ و يذلّ و يفعل ما يشاء.

أقول: و الروايات في صفة اللوح كثيرة مختلفة و هي على نوع من التمثيل.

٣٧٨

( سورة الطارق مكّيّة و هي سبع عشرة آية)

( سورة الطارق الآيات ١ - ١٧)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ( ١ ) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ ( ٢ ) النَّجْمُ الثَّاقِبُ ( ٣ ) إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ( ٤ ) فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ ( ٥ ) خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ ( ٦ ) يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ( ٧ ) إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ( ٨ ) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ( ٩ ) فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ ( ١٠ ) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ( ١١ ) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ( ١٢ ) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ( ١٣ ) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ ( ١٤ ) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ( ١٥ ) وَأَكِيدُ كَيْدًا ( ١٦ ) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ( ١٧ )

( بيان‏)

في السورة إنذار بالمعاد و تستدلّ عليه بإطلاق القدرة و تؤكّد القول في ذلك، و فيها إشارة إلى حقيقة اليوم، و تختتم بوعيد الكفّار.

و السورة ذات سياق مكّيّ.

قوله تعالى: ( وَ السَّماءِ وَ الطَّارِقِ وَ ما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ ) الطرق في الأصل - على ما قيل - هو الضرب بشدّة يسمع له صوت و منه المطرقة و الطريق لأنّ السابلة تطرقها بأقدامها ثمّ شاع استعماله في سلوك الطريق ثمّ اختصّ بالإتيان ليلاً لأنّ الآتي بالليل في الغالب يجد الأبواب مغلقة فيطرقها و يدقّها ثمّ شاع الطارق

٣٧٩

في كلّ ما يظهر ليلاً، و المراد بالطارق في الآية النجم الّذي يطلع بالليل.

و الثقب في الأصل بمعنى الخرق ثمّ صار بمعنى النيّر المضي‏ء لأنّه يثقب الظلام بنوره و يأتي بمعنى العلوّ و الارتفاع و منه ثقب الطائر أي ارتفع و علا كأنّه يثقب الجوّ بطيرانه.

فقوله:( وَ السَّماءِ وَ الطَّارِقِ ) إقسام بالسماء و بالنجم الطالع ليلاً، و قوله:( وَ ما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ ) تفخيم لشأن المقسم به و هو الطارق، و قوله:( النَّجْمُ الثَّاقِبُ ) بيان للطارق و الجملة في معنى جواب استفهام مقدّر كأنّه لمّا قيل: و ما أدراك ما الطارق؟ سئل فقيل: فما هو الطارق؟ فاُجيب، و قيل: النجم الثاقب.

قوله تعالى: ( إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ ) جواب للقسم و لمّا بمعنى إلّا و المعنى ما من نفس إلّا عليها حافظ، و المراد من قيام الحافظ على حفظها كتابة أعمالها الحسنة و السيّئة على ما صدرت منها ليحاسب عليها يوم القيامة و يجزي بها فالحافظ هو الملك و المحفوظ العمل كما قال تعالى:( وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونََ ) الانفطار: ١٢.

و لا يبعد أن يكون المراد من حفظ النفس حفظ ذاتها و أعمالها، و المراد بالحافظ جنسه فتفيد أنّ النفوس محفوظة لا تبطل بالموت و لا تفسد حتّى إذا أحيا الله الأبدان أرجع النفوس إليها فكان الإنسان هو الإنسان الدنيويّ بعينه و شخصه ثمّ يجزيه بما يقتضيه أعماله المحفوظة عليه من خير أو شرّ.

و يؤيّد ذلك كثير من الآيات الدالّة على حفظ الأشياء كقوله تعالى:( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ) الم السجدة: ١١، و قوله:( اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى‏ عَلَيْهَا الْمَوْتَ ) الزمر: ٤٢.

و لا ينافي هذا الوجه ظاهر آية الانفطار السابقة من أنّ حفظ الملائكة هو الكتابة فإنّ حفظ نفس الإنسان أيضاً من الكتابة على ما يستفاد من قوله:( إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) الجاثية: ٢٩ و قد تقدّمت الإشارة إليه.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

فأحرجها قائلة: إلى الله أشكو عقوق أبنائي(٦٦٥) .

[ عبدالله بن حكيم التميمي وطلحة ]

جاء عبدالله بن حكيم يناشد طلحة فيقول له(١) : يا أبا محمد أما هذا كتبك إلينا ؟. قال طلحة: بلى قال: كتبت أمس تدعونا إلى خلع عثمان وقتله، حتى إذا قتلته أتيتنا ثائرا بدمه ! فلعمري ما هذا رأيك، ان تريد إلا هذه الدنيا، فمهلا مهلا. ولم قبلت من علي ما عرض عليك من البيعة، فبايعته طائعا راضيا، ثم نكثت بيعتك، وجئت لتدخلنا في فتنتك ؟ فقال: ان عليا دعاني إلى بيعته بعدما بايعه الناس(٢) ، فعلمت إني لو لم أقبل ما عرضه علي لم يتم لي الأمر، ثم يغري بي من معه(٦٦٦) .

[ حكيم من بني جشم ينصح أهل البصرة ]

لما انتهت عائشة بمن معها إلى المربد - مكان من البصرة - قام الجشمي يخاطب أهل البصرة وقد اجتمعوا هناك فيقول(٣) : أنا فلان بن فلان الجشمي وقد أتاكم هؤلاء القوم، فان أتوكم خائفين، فانما أتوكم من المكان الذي يأمن فيه الطير والوحش والسباع، وان كانوا أتوكم بدم عثمان فغيرنا ولي قتله، فأطيعوني أيها الناس وردوهم من حيث أقبلوا، فانكم ان لم تفعلوا لم تسلموا من الحرب الضروس، والفتنة الصماء، فحصبه من أهل البصرة أشياع الجمل(٦٦٧) .

____________________

(٦٦٥) (١) كما في ص ٥٠٠ من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدى (منه قدس).

(٢) كذب هذا الناكث، إذ كان أول مبايع لعلى، نعوذ بالله من سوء الخاتمة (منه قدس).

(٦٦٦) الغدير ج ٩ / ٩٩.

(٣) كما في أواخر ص ٤٩٨ من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدى (منه قدس)

(٦٦٧) تاريخ الطبري ج٥ / ١٧٥ (*).

٤٦١

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٤٤١: -

[ خطاب عائشة في أهل البصرة ]

ثم أقبلت عائشة على جملها عسكر، فنادت بصوت مرتفع(١) : أيها الناس أقلوا الكلام واسكتوا، فسكت الناس لها فقالت: أيها الناس ان أمير المؤمنين عثمان كان قد غير وبدل، ثم لم يزل يغسل ذلك بالتوبة حتى قتل مظلوما تائبا، وانما نقموا عليه ضربه بالسوط، وتأميره الشبان، وحمايته موضع الغمامة فقتلوه محرما في حرمة الشهر وحرمة البلد ذبحا كما يذبح الجمل، ألا وان قريشا رمت غرضها بنبالها، وأدمت أفواهها بأيديها، وما نالت بقتلها اياه شيئا، ولا سلكت به سبيلا قاصدا، أما والله ليرونها بلايا عقيمة تنبه القائم، وتقيم الجالس، وليسلطن الله عليهم قوما لا يرحمونهم، يسومونهم سوء العذاب.

أيها الناس انه ما بلغ من ذنب عثمان ما يستحل به دمه، ماصوه كما يماص الثوب الرحيض، ثم عدوا عليه فقتلوه بعد توبته، وخروجه من ذنبه، وبايعوا ابن أبي طالب بغير مشورة من الجماعة ابتزازا وغصبا، أترونني أغضب لكم من سوط عثمان ولسانه، ولا أغضب لعثمان من سيوفكم ! ألا ان عثمان قتل مظلوما فاطلبوا قتلته، فإذا ظفرتم بهم فاقتلوهم ثم اجعلوا الأمر شورى بين الرهط الذين اختارهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ولا يدخل فيهم من شرك في دم عثمان.

____________________

(١) كما في ص ٤٩٩ من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدى (منه قدس) (*).

٤٦٢

قال أهل السير والأخبار: فماج الناس واختلفوا. فمن قائل: القول ما قالت أم المؤمنين. ومن قائل يقول: ما هي وهذا الأمر انما هي امرأة مأمورة بلزوم بيتها. وارتفعت الأصوات، وكثر اللغط، حتى تضاربوا بالنعال وتراموا بالحصى، ثم تمايزوا فريقين، فريقا مع عثمان بن حنيف، وفريقا مع عائشة وأصحابها(٦٦٨) .

[ وقوف الفريقين للقتال ]

ثم أصبح الفريقان من غد، فصفا للحرب، وخرج عثمان بن حنيف(١) فناشد عائشة الله والإسلام، وأذكر طلحة والزبير بيعتهما عليا. فقالا: نطلب بدم عثمان فقال لهما: وما أنتما وذاك، أين بنوه ؟ أين بنو أعمامه الذين هم أحق به منكم ؟ كلا ولكنكما حسدتما عليا حيث اجتمع الناس عليه، وكنتما ترجوان هذا الأمر، وتعملان له، وهل كان أحد أشد على عثمان قولا منكما ؟ ! فشتماه شتما قبيحا وذكرا أمه، فقال للزبير: لولا صفية ومكانها من رسول الله، فانها أدنتك إلى الظل، وان الأمر بيني وبينك يا ابن الصعبة يعني طلحة. ثم قال: اللهم اني قد أعذرت.

ثم حمل فاقتتل الناس قتالا شديدا، ثم تحاجزوا واصطلحوا على كيفية خاصة، فصلها المؤرخون، أرجأوا فيها الأمر إلى ما بعد وصول أمير المؤمنين إلى البصرة، وأعطى الفريقان على ما كتبوه

____________________

(٦٦٨) وقريب منه في: الكامل لابن الأثير ج ٣ / ١٠٩.

(١) كما في ص ٥٠٠ من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدى (منه قدس) (*).

٤٦٣

من الصلح عهد الله وميثاقه، وأشد ما أخذه على نبي من أنبيائه من عهد وذمة وميثاق، وختم الكتاب من الفريقين(٦٦٩) .

لكن عائشة وطلحة والزبير أجمعوا على مراسلة القبائل واستمالة العرب ووجوه الناس وأهل الرئاسة والشرف، من حيث لا يشعر الأمير ابن حنيف وأصحابه، فلما استوثق لأصحاب الجمل أمرهم، خرجوا في ليلة مظلمة ذات ريح ومطر، وقد لبسوا الدروع وظاهروا فوقها بالثياب، فانتهوا، إلى المسجد وقت صلاة الفجر وقد سبقهم عثمان بن حنيف إليه وأقيمت الصلاة فتقدم عثمان ليصلي، فأخره أصحاب طلحة والزبير وقدموا الزبير، فجاءت الشرطة وحرس بيت المال فأخرجوا الزبير وقدموا عثمان، ثم غلبهم أصحاب الزبير وقدموه، فلم يزالوا كذلك حتى كادت الشمس تطلع، فصاح بهم أهل المسجد: ألا تتقون بالله يا أصحاب محمد ؟ وقد طلعت الشمس، فغلب الزبير وصلى بالناس.

فلما فرغ من صلاته صاح بأصحابه المسلحين: أن خذوا عثمان بن حنيف فلما أسر ضرب ضرب الموت ونتفت لحيته وشارباه وحاجباه وأشفار عينيه، وكل شعرة في رأسه ووجهه، وأخذوا الشرطة وحراس بيت المال وهم سبعون رجلا من المؤمنين من شيعة علي فانطلقوا بهم وبعثمان بن حنيف إلى عائشة فقالت لابان بن عثمان: اخرج إليه فاضرب عنقه فان الأنصار قتلوا أباك.

فنادى عثمان بن حنيف: يا عائشة ويا طلحة ويا زبير ان أخي سهلا خليفة علي على المدينة، وأقسم بالله ان لو قتلت ليضعن السيف في نبي أبيكم ورهطكم فلا يبقي ولا يذر. فكفوا عنه.

وأمرت عائشة الزبير أن يقتل الشرطة وحراس بيت المال وقالت له: قد بلغني الذي صنعوا بك، فذبحهم والله الزبير كما

____________________

(٦٦٩) راجع: الكامل ج ٣ / ١١٠، مروج الذهب ج ٢ / ٣٥٨ ط بيروت. (*)

٤٦٤

يذبح الغنم، ولي ذلك منهم ابنه عبدالله وهم سبعون رجلا، وبقيت منهم طائفة مستمسكين بيت المال قالوا: لا ندفعه إليكم حتى يقدم أمير المؤمنين. فسار إليهم الزبير في جيش ليلا فأوقع بهم وأخذ منهم خمسين أسيرا فقتلهم صبرا.

فكان هذا الغدر بعثمان بن حنيف، أول غدر كان في الإسلام، وكان قتل الشرطة وحراس بيت المال أول قوم ضربت أعناقهم من المسلمين صبرا، وكانوا مائة وعشرين رجلا، وقيل كانوا (كما في ٥٠١ من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدي) أربعمأة رجل(٦٧٠) .

ثم طردوا عثمان بن حنيف فلحق بعلي، فلما رآه بكى وقال له: فارقتك شيخا وجئتك أمرد. فقال علي: انا لله وانا إليه راجعون. يقولها ثلاثا(٦٧١)

وقد منيعليه‌السلام في هذه المأساة بغصة لا تساغ، كان يشكو بثه فيها وحزنه إلى الله فيقول على المنبر: " اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم، فانهم قطعوا رحمي، وصغروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي أمرا هو لي ثم قالوا: ألا ان في الحق ان تأخذه، وفي الحق أن تتركه "(٦٧٢) (ثم ذكر أصحاب الجمل فقال): " فخرجوا يجرون حرمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما تجر الأمة عند شرائها متوجهين بها إلى البصرة، فحبسا نساءهما في بيوتهما، وأبرزا حبيس رسول الله لهما ولغيرهما في جيش ما منهم رجل إلا وقد أعطاني الطاعة وسمح لي بالبيعة طائعا غير مكره فقدموا على عامل بها وخزان بيت مال المسلمين وغيرهم من أهلها، فقتلوا طائفة صبرا وطائفة غدرا. " الخطبة وهي في نهج البلاغة(٦٧٣) .

____________________

(٦٧٠) مروج الذهب ج ٢ / ٣٥٨.

(٦٧١) تاريخ الطبري ج ٥ / ١٨٦.

(٦٧٢) نهج البلاغة الخطبة - ٢١٧ -.

(٦٧٣) نهج البلاغة الخطبة - ١٧٢ - (*).

٤٦٥

[ موقف حكيم بن جبلة(١) ]

لما بلغ حكيم بن جبلة ما صنع القوم بعثمان بن حنيف وخزان بيت مال المسلمين وغيرهم خرج في ثلثمائة من عبدالقيس وكان سيدهم. فخرج القوم إليه وحملوا عائشة على جمل، فسمي ذلك اليوم يوم الجمل الأصغر، ويومها مع علي يوم الجمل الأكبر.

وتجالد الفريقان بالسيوف وأبلى حكيم وأصحابه بلاء حسنا، لكن شد رجل من الأزد من عسكر عائشة على حكيم فضرب رجل فقطعها، ووقع الأزدي عن فرسه، فجثا حكيم فأخذ رجله المقطوعة فضرب بها الأزدي فصرعه ثم دب إليه فقتله خنقا متكئا عليه حتى زهقت نفسه، فمر بحكيم إنسان وهو يجود بنفسه فقال له: من فعل بك هذا ؟ قال: وسادي فنظر فإذا الأزدي تحته.

وكان حكيم من أبطال العرب وشجعان المسلمين المستبصرين في شأن أهل البيت، وقد قتل معه ابنه الأشرف وإخوة له ثلاثة، وقتل معه أصحابه كلهم وهم ثلثمائة من عبدالقيس وكلهم من الاخيار، وربما كان بعض المقتولين يومئذ من بكر بن وائل. فلما صفت البصرة لعائشة وطلحة والزبير بعد قتل حكيم وأصحابه، وطردا ابن حنيف عنها.

اختلف طلحة والزبير في الصلاة، وأراد كل منهما أن يؤم بالناس، وخاف أن تكون صلاته خلف صاحبه تسليما له، ورضي بتقدمه ،

____________________

(١) فصله أهل السير والأخبار فراجعه في ص ٥٠١ من المجلد الثاني من شرح النهج (منه قدس) (*).

٤٦٦

فأصلحت بينهما عائشة بأن جعلت الإمامة يوما لعبد الله بن الزبير، ويوما لمحمد ابن طلحة ولما دخلوا بيت المال في البصرة ورأوا ما فيه من الأموال. قرأ الزبير - وقد استفزه الفرح -:( وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ ) فنحن أحق بها من أهل البصرة(٦٧٤) .

هذا مجمل ما كان في البصرة من الأحداث قبل وصول أمير المؤمنين إليها.

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٤٤٦: -

[ وصول علي إلى البصرة والتقاء الجمعين ]

ثم جاء علي بعدها إلى البصرة بمن معه فنهدت إليه عائشة بمن معها تذوده عنها، وكانت رابطة الجأش، مشيعة القلب فكف يده عنها وعنهم باذلا وسعه في إصلاح ذا البين على ما يرضي الله تعالى ورسوله، وبلغ في ذلك كل مبلغ من قول أو فعل.

حتى روى ابن جرير الطبري(١) وغيره من اثبات أهل السير والأخبار: ان عليا دعا إليه الزبير يومئذ فذكره بكلمة قالها النبي له بمسمع منه وهي قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " ليقاتلنك ابن عمتك هذا وهو لك ظالم "(٦٧٥) فانصرف عنه الزبير

____________________

(٦٧٤) اختلاف طلحة والزبير في الإمارة: مروج الذهب ج ٢ / ٣٥٧، تاريخ الطبري ج ٥ / ١٨٢.

(١) في خبر وقعة الجمل أواخر ص ٥١٩ من الجزء الثالث من تاريخ الأمم والملوك (منه قدس).

(٦٧٥) يوجد هذا الحديث بهذا اللفظ وقريب منه في كل من: المستدرك للحاكم ج ٣ / ٣٦٦ وصححه هو والذهبي، الأغاني لأبي الفرج ج ١٦ / ١٣١ و ١٣٢، العقد الفريد ج ٢ / ٢٧٩، مروج الذهب ج ٢ / ٣٦٣، الكامل لابن الأثير ج ٢ / ١٢٢، مطالب السئول ص ٤١، الرياض النضرة ج ٢ / ٢٧٣، مجمع الزوائد ج ٧ / ٢٣٥، =>

٤٦٧

وقال: فاني لا أقاتلك ورجع إلى ابنه عبدالله فقال: مالي في هذا الحرب بصيرة، فقال له ابنه: انك قد خرجت على بحيرة ولكنك رأيت رايات ابن أبي طالب وعرفت ان تحتها الموت فجبنت. فأحفظه ولده حتى أرعد وغصب وقال ويحك إني قد حلفت له أن لا أقاتله، فقال ابنه: كفر عن يمينك بعتق غلامك سرجس. فأعتقه وقام في الصف معهم(٦٧٦) .

وقال الطبري: وكان علي قال للزبير: أتطلب مني دم عثمان وأنت قتلته سلط الله على أشدنا عليه اليوم ما يكره(١) ، ودعا علي طلحة فقال: يا طلحة جئت بعرس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تقاتل بها وخبأت عرسك في البيت، أما بايعتني ؟. قال: بايعتك وعلى عنقي اللج، وأصر طلحة على الحرب.

وحينئذ رجع علي إلى أصحابه فقال لهم (فيما حكاه الطبري وغيره): أيكم يعرض عليهم هذا المصحف(٢) وما فيه، فان قطعت يده أخذه بيده الأخرى فان قطعت أيضا أخذه بأسنانه. قال فتى شاب: أنا. فطاف علي على أصحابه يعرض ذلك عليهم، فلم يقبله إلا ذلك الشاب. فقال له علي: أعرض عليهم هذا

____________________

=> فتح الباري لابن حجر ج ١٣ / ٤٦، المواهب اللدنية للقسطلاني ج ٢ / ١٩٥، شرح المواهب للزرقاني ج ٣ / ٣١٨ وج ٧ / ٢١٧، الخصائص الكبرى للسيوطي ج ٢ / ١٣٧، السيرة الحلبية ج ٣ / ٣١٥، شرح الشفا للخفاجي ج ٣ / ١٦٥، الغدير للأميني ج ٣ / ١٩١ وج ٩ / ١٠١، تاريخ الطبري ج ٥ / ٢٠٠ و ٢٠٤، تذكرة الخواص ص ٧٠.

(٦٧٦) تاريخ الطبري ج ٥ / ٢٠٠، الكامل في التاريخ ج ٣ / ١٢٣، مروج الذهب ج ٢ / ٣٦٣، تذكرة الخواص ص ٧٠.

(١) راجع ص ٥٢٠ من الجزء الثالث من تاريخ الأمم والملوك، وقد استجاب الله دعاء على فسلط الله على الزبير عمرو بن جرموز فقتله في ذلك اليوم (منه قدس).

(٢) تنبغي الإشارة إلى ان ابن العاص أخذ حيلة المصاحف في صفين من هذه الواقعة وأساء استخدامها كما لا يخفى (منه قدس).

٤٦٨

وقل هو بيننا وبينكم من أوله إلى آخره، والله الله في دمائنا ودمائكم. فلما جاءهم الفتى حملوا عليه وفي يده المصحف فقطعوا يديه، فأخذه بأسنانه حتى قتل، وعندئذ قال علي لأصحابه: قد طاب لكم الضراب فقاتلوهم.

ورثت أم الغلام المرسل بالمصحف بقولها فيما رواه الطبري(١) :

لاهم ان مسلما دعاهم

يتلو كتاب الله لا يخشاهم

وأمهم قائمة تراهم

يأتمرون الغي لا تناهم

قد خضبت من علق لحاهم(٦٧٧)

وبرزت ربه الجمل والهودج إلى المعركة، وقد عصفت في رأسها النخوة ونزت فيه سورة الانفة، فأدركتها حمية منكرة، وكانت أجرأ من ذي لبدة، قد جمعت ثيابها على أسد، تلهب حماسها في جيشها، فتدفعهم به إلى الموت دون جملها، وقد نظرت عن يسارها فقالت: من القوم عن يساري؟.

فأجابها صبرة بن شيمان (كما في الكامل لابن الأثير وغيره): نحن بنوك الأزد.

فقالت: يا آل غسان حافظوا اليوم على جلادكم الذي كنا نسمع به في قول القائل :

وجالد من غسان أهل حفاظها

وكعب وأوس جالدت وشبيب

فكان الأزد يأخذون بعر الجمل يشمونه ويقولون: بعر جمل أمنا ريحه ريح المسك، وقالت لمن يمينها: من القوم عن يمينى ؟. قالوا: بكر بن وائل. قالت: لكم يقول القائل :

وجاءوا إلينا في الحديد كأنهم

من العزة القعساء بكر بن وائل

____________________

(١) راجع ص ٥٢٢ من الجزء الثالث من تاريخ الأمم والملوك (منه قدس).

(٦٧٧) تاريخ الطبري ج ٥ / ٢٠٤ و ٢٠٦، تذكرة الخواص ص ٧١، مروج الذهب ج ٢ / ٣٦١ (*).

٤٦٩

انما بازائكم عبدالقيس. وأقبلت على كتيبة بين يديها فقالت: من القوم ؟ قالوا: بنو ناجية. قالت: بخ بخ سيوف أبطحية قرشية، فجالدوا جلادا يتفادى منه، فكأنما أشعلت فيهم من الحماسة نارا تلظى. وتتابع حملة اللواء على خطام جملها مستميتين يقولون :

يا أمنا يا زوجة النبي

يا زوجة المبارك المهدي

نحن بنو ضبة لا نفر

حتى نرى جما جما تخر

يخر منها العلق المحمر

وما زالت تستفز حميتهم حتى عقر الجمل، بعد ان قتل على خطامه أربعون رجلا وكانت الهزيمة بأذن الله. ولو عناية أمير المؤمنين ساعتئذ في حفظها، ووقوفه بنفسه على صونها، لكان ما كان مما أعاذها الله منه في هذه الفتنة العمياء التي شقت عصا المسلمين إلى يوم الدين، وعلى أسسها كانت صفين والنهروان ومأساة كربلا وما بعدها. حتى نكبة فلسطين، في عصرنا هذا.

لكن أخا النبي وأبا سبطيه، وقف على الجمل بنفسه، حين أطفئت الفتنة بعقره، وما ان هوى بالهودج حتى آواه - وفيه عائشة - إلى وارف من ظله منيع، وجعل معها أخاها محمدا ليقوم بمهامها في نسوة من الصالحات، ومن على محاربيه وتفضل عليهم، وأطلق الأسرى من أعدائه الألداء، واختص عائشة من الكرامة بكل ما يناسب خلقه الكريم. وفضله العميم، وحكمته البالغة وهذا كله معلوم بحكم الضرورة من كتب السير والأخبار.

وتسمى هذه الوقعة وقعة الجمل الأكبر. وكانت يوم الخميس لعشر خلون من جمادي الآخرة سنة ست وثلاثين، وتفصيل الوقعتين في كتب السير والتواريخ فلتراجع.

٤٧٠

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٤٥٠: -

وقد كانت القتلى يوم الجمل

الأكبر ثلاثة عشر ألفا من أبناء عائشة فيهم طلحة والزبير بكل أسف، واستشهد يومئذ من أولياء علي اللهم وال من والاه وعاد من عاداه - ألف أو دونه أو أكثر منه(٦٧٨) .

هذا وقد كانت أم المؤمنين من أعلم الناس بأن عليا أخو رسول الله ووليه ووارثه ووصيه(٦٧٩) وانه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله(٦٨٠) وانه

____________________

(٦٧٨) ولأجل المزيد من الاطلاع حول هذه الواقعة راجع: أحاديث أم المؤمنين عائشة ق ١ / ١٢١ - ٢٠٠، الجمل للشيخ المفيد ط الحيدرية، مروج الذهب ج ٢ / ٣٥٩ - ٣٦٠، أسد الغابة ج ٢ / ١١٤ و ١٧٨ وج ١ / ٣٨٥ وج ٤ / ٤٦ و ١٠٠ وج ٥ / ١٤٣ و ١٤٦ و ٢٨٦، الإصابة ج ١ / ٢٤٨ وج ٢ / ٣٩٥، تاريخ الطبري ج ٥ / ١٦٣، الكامل لابن الأثير ج ٣ / ١٠٥، تاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ / ١٤٩.

(٦٧٩) كما تقدم تحت رقم (٥٥١ و ٥٥٢ و ٥٥٣ و ٥٥٤).

(٦٨٠) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ١ / ١٥٧ ح ٢١٩ و ٢٢٠ و ٢٢١ و ٢٢٢ و ٢٢٧ و ٢٣٢ و ٢٣٨ و ٢٤٠ و ٢٤٢ و ٢٤٣ و ٢٤٤ و ٢٤٥ و ٢٤٦ و ٢٤٧ و ٢٤٨ و ٢٥٢ و ٢٥٣ و ٢٥٤ و ٢٥٥ و ٢٦٠ و ٢٦٢ و ٢٦٣ و ٢٦٤ و ٢٧٠ و ٢٧١ و ٢٧٣ و ٢٧٥ و ٢٧٦ و ٢٧٨ و ٢٧٩ و ٢٨٩ و ٢٩٠ ط ١، المستدرك للحاكم ج ٣ / ٣٨، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٤٥، فرائد السمطين ج ١ / ٢٥٣، مصنف ابن أبى شيبة ج ٦ / ١٥٤، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٢٣، الاستيعاب بهامش الإصابة ج ٣ / ٣٦، تاريخ بغداد ج ٨ / ٥، إحقاق الحق ج ٥ / ٤٠٠، أنساب الأشراف للبلاذري ج ٢ / ٩٣، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص ١٨١ ح ٢١٧ و ٢٢١ ط ١، السنن الكبرى للبيهقي ج ٩ / ١٠٦، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص ٥٥ و ٥٦، ينابيع المودة للقندوزي ص ٤٨ ط اسلامبول، صحيح مسلم في باب مناقب علي بن أبي طالب ج ٧ / ١٢١ ط العامرة بمصر، حلية الأولياء ج ١ / ٦٢، الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ / ١١٠ ط دار صادر، السيرة النبوية لابن هشام، البداية والنهاية ج ٤ / ١٨٦ وج ٧ / ٣٣٦، صحيح البخاري باب مناقب علي بن أبي طالب ج ٥ / ٢٣، الكامل في التاريخ ج ٢ / ١٤٩، أسد الغابة ج ٤ / ٢١، تذكرة الخواص ص ٢٥، التاريخ الكبير للبخاري ج ٤ / ٢٦٢، نزل الأبرار ص ٤٣. راجع بقية المصادر فيما تقدم تحت رق م (٤٧٤).

٤٧١

منه بمنزلة هارون من موسى إلا في النبوة(٦٨١) وقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: " اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله "(٦٨٢) ، " رحم الله عليا اللهم أدر الحق معه حيث دار "(٦٨٣) .

____________________

(٦٨١) حديث المنزلة: من الأحاديث المتواترة ولأجل الاطلاع على مصادره راجع كتاب سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص ١١٧ تحت رقم (٤٧٥) ففيه الكفاية.

(٦٨٢) حديث المولاة: ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢ / ١٣ ح ٥٠٨ و ٥١٣ و ٥١٤ و ٥٢٣ و ٥٤٤ و ٥٦٢ و ٥٦٩، كفاية الطالب ص ٦٣ ط الحيدرية وص ١٧ ط الغرى، كنز العمال ج ٦ / ٤٠٣ ط ١ وج ١٥ / ١١٥ ح ٣٣٢ و ٤٠٢ ط ٢، شواهد التنزيل للحسكاني ج ١ / ١٥٧ ح ٢١١ وص ١٩٢ ح ٢٥٠، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٠٥، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ١٥١ ط السعيدية وص ١٣٧ ط العثمانية، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص ٩٦ ط الحيدرية وص ٢٦ و ٢٧ ط مصر، الملل والنحل للشهرستاني ج ١ / ١٦٣ ط بيروت وبهامش الفصل لابن حزم ج ١ / ٢٢٠، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ٢٠٩ و ٢٨٩ ط ١ وج ٢ / ٢٨٩ وج ٣ / ٢٠٨ بتحقيق أبو الفضل، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٣٢ ط الميمنية، أنساب الأشراف للبلاذري ج ٢ / ١١٢، نظم درر السمطين للزرندي ص ١١٢، المناقب للخوارزمي ص ٨٠ و ٩٤ و ١٣٠، ينابيع المودة للقندوزي ص ٢٨٩ ط اسلامبول وص ٢٩٧ ط الحيدرية، فرائد السمطين للحمويني ج ١ / ٦٩ ح ٣٦ و ٣٩ و ٤٠، نزل الأبرار للبدخشاني ص ٥١ - ٥٤، وراجع بقية مصادر الحديث في كتاب سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص ١٨٢.

(٦٨٣) حديث: " الحق مع علي ". صحيح الترمذي ج ٥ / ٢٩٧ ح ٣٧٩٨، المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٢٤، المناقب للخوارزمي ص ٥٦، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٣ / ١١٧ ح ١١٥٩ و ١١٦٠، غاية المرام ص ٥٣٩ (باب) ٤٥، شرح النهج لابن أبى الحديد ج ٢ / ٥٧٢ ط ١ وج ١٠ / ٢٧٠ بتحقيق أبو الفضل، منتخب كنز العمال بهامش =>

٤٧٢

وقد شهدت حجة الوداع مع رسول الله فرأته يوم الموقف يشيد بفضله آمرا أمته بالتمسك بثقليه تارة وبخصوص علي أخرى، منذرا بضلال من لم يأخذ بهما معا(٦٨٤) .

ويوم الغدير رأتهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد رقى منبر الحدائج يعهد إلى علي عهده، ويوليه على الأمة بعده، بمسمع ومنظر من تلك الألوف المؤلفة قافلة من حجة الوداع، حيث تفترق بهم الطرق إلى بلادهم(٦٨٥) .

ورأته وقد نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين يقول لهم: " أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم " أخرجه كل من الإمامين أحمد في مسنده(١) والحاكم في صحيحه المستدرك، والطبراني في الكبير، ورواه الترمذي بسنده الصحيح إلى زيد بن أرقم، كما في ترجمة الزهراء من الإصابة(٦٨٦) .

____________________

=> مسند أحمد ج ٥ / ٦٢، الفتح الكبير للنبهاني ج ٢ / ١٣١، جامع الأصول لابن الأثير ج ٩ / ٤٢٠، إحقاق الحق للتستري ج ٥ / ٦٢٦، فرائد السمطين للحمويني ج ١ / ١٧٦ ح ١٣٨، الغدير ج ٣ / ١٧٩، دلائل الصدق ج ٢ / ٣٠٢، المعيار والموازنة للاسكافي المعتزلي ص ٣٥ و ١١٩، نزل الأبرار للبدخشانى ص ٥٦، راجع بقية المصادر في كتاب سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص ١٧٠ ط بيروت.

(٦٨٤) تقدم حديث الثقلين مع مصادره تحت رقم (١٥) وسوف يأتي أيضا.

(٦٨٥) الغدير للأميني ج ١ / ٩، فرائد السمطين للحمويني ج ١ / ٧٣ ح ٣٩. ولأجل المزيد من الاطلاع على هذه الحادثة مع مصادرها راجع: سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص ١٧٣ تحت رقم (٦١٥ و ٦١٦ و ٦١٧ و ٦١٨ و ٦١٩ و ٦٢٠ و ٦٢١ و ٦٢٢) ففيها مئات المصادر لهذه الواقعة المباركة. وسوف يأتي بعض منها.

(١) راجع من المسند ص ٤٤٢ من جزئه الثاني بالإسناد إلى أبى هريرة (منه قدس).

(٦٨٦) صحيح الترمذي ج ٥ / ٣٦٠ ح ٣٩٦٢، سنن ابن ماجة ج ١ / ٥٢ ح ١٤٥، =>

٤٧٣

ورأتهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ جللهم بكسائه يقول حينئذ: " أنا حرب لمن حاربهم، وسلم لمن سالمهم وعدو لمن عاداهم "(٦٨٧) إلى كثير من أمثال هذه النصوص الصحيحة التي لم يخف شئ منها على أم المؤمنين فانها عيبة الحديث حتى قيل عنها :

حفظت أربعين ألف حديث

ومن الذكر آية تنساها(٦٨٨)

وحسبها ما قد رواه أبوها أبو بكر إذ قال: رأيت رسول الله خيم

____________________

=> المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٤٩، تلخيص المستدرك للذهبي بذيل المستدرك، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص ٦٤ ح ٩٠ ط ١، أسد الغابة ج ٣ / ١١ وج ٥ / ٥٢٣ ذخائر العقبى ص ٢٥، الصواعق المحرقة ص ١١٢ ط الميمنية وص ١٨٥ ط المحمدية، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٦٦ و ١٦٩، كفاية الطالب ص ٣٣٠ و ٣٣١ ط الحيدرية وص ١٨٨ و ١٨٩ ط الغرى، ينابيع المودة للقندوزي ص ٣٥ و ١٦٥ و ١٧٢ و ١٩٤ و ٢٣٠ و ٢٦١ و ٢٩٤ و ٣٠٩ و ٣٧٠ ط اسلامبول، شواهد التنزيل للحسكاني ج ٢ / ٢٧، المناقب للخوارزمي ص ٩١، مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ / ٦١ و ٩٩، المعجم الصغير للطبراني ج ٢ / ٣، الفتح الكبير للنبهاني ج ١ / ٢٧١، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٩٢، إحقاق الحق ج ٩ / ١٦١ - ١٧٤، نزل الأبرار ص ٣٥ و ١٠٥، فرائد السمطين للحمويني ج ٢ / ٣٩، سمط النجوم ج ٢ / ٤٨٨. وقد تقدم مع مصادر أخرى تحت رقم (١٢٦).

(٦٨٧) نقل ابن حجر الهيثمي في تفسير الآية من آيات فضلهم التي وردت في الفصل الحادي عشر من صواعقه، وقد استفاض قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله حرب علي حربي وسلمه سلمى (منه قدس). الصواعق لابن حجر ص ١٤٢ و ١٨٥ ط المحمدية و ٨٥ و ١١٢ ط الميمنية، الإصابة ج ٤ / ٣٧٨، ينابيع المودة ص ٢٢٩ و ٢٩٤ و ٣٠٩ ط اسلامبول، نظم درر السمطين ص ٢٣٢ و ٢٣٩، مصابيح السنة للبغوي ج ٢ / ٢٨٠، مشكاة المصابيح ج ٣ / ٢٥٨، ذخائر العقبى ص ٢٣، الرياض النضرة ج ٢ / ٢٤٩، وقد تقدم تحت رقم (١٢٨).

(٦٨٨) هذا البيت للشيخ كاظم الأزري راجع الأزرية ص. (*)

٤٧٤

خيمة(١) وهو متكئ على قوس عربية، وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " معشر الناس أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة، حرب لمن حاربهم ولي لمن والاهم، لا يحبهم إلا سعيد الجد طيب المولد. ولا يبغضهم إلا شقي الجد ردئ المولد "(٦٨٩) .

فهل يا ترى كانت أم المؤمنين في هذا الخروج وما إليه تريد الله ورسوله والدار الآخرة، وأنها من المحسنات ؟ تبتغي بذلك الأجر والثواب الذي وعد الله به نساء نبيه إذ يقول:( وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ) (٦٩٠) .

أم كانت ترى أن بينها وبين الله هوادة، تبيح لها ما قد حرمه الله على العالمين ؟ فارتكبت بخروجها - على الإمام - ما أرتكبت آمنة من وعيده إذ يقول:( يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ

____________________

(١) لعل هذه الخيمة هي الكساء الذي جللهم به حين أوحى إليه فيهم: "( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) ". وقد فصلنا ذلك في الفصل الثاني من المطلب الأول من كلمتنا الغراء في تفضيل الزهراء، فليراجعها من أراد الشفاء من كل داء (منه قدس).

(٦٨٩) تجد هذا الحديث منقولا عن أبى بكر الصديق في كتاب عبقرية محمد للأستاذ الكبير عباس محمود العقاد بعين لفظه تحت عنوان - النبي والإمام والصحابة - فراجع (منه قدس).

وأيضا في: فرائد السمطين للحمويني ج ٢ / ٤٠ ح ٣٧٣، المناقب للخوارزمي ص ٢١١، مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ / ٤، سمط النجوم ج ٢ / ٤٨٨ راجع بقية المصادر فيما تقدم تحت رقم (١٢٨).

(٦٩٠) سورة الأحزاب: ٢٩ (*).

٤٧٥

وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ) (٦٩١) .

أم أنها يا ترى رأت خروجها ذلك الخروج، عبادة لله وقنوتا منها له ولرسوله وعملا صالحا ؟ فاستأثرت به عملا بقوله تعالى:( وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ) (٦٩٢) !

أم أنها أرادت أن تمثل التقوى والورع بخروجها دون صواحبها من نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لتستأثر من بينهن بالعمل بقوله تعالى:( يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ) (٦٩٣) .

وهل رأت بيت ابن ضبة بيتها الذي أمرها الله أن تقرأ فيه ؟ ورأت قيادتها لتلك الجيوش سرداقا ضربه طلحة والزبير عليها يصونها عن تبرج الجاهلية الأولى ؟ ويفرغها للصلاة والزكاة وطاعة الله ورسوله ؟(٦٩٤) .

ورأت أنها تكون بذلك كله نصب أمر الله ونهيه إذ يقول عزوجل:( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) (٦٩٥) .

وماذا تقول ؟ أو يقول أولياؤها ؟ في خطاب الله لها ولصاحبتها بقوله:( إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا (١) وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ

____________________

(٦٩١) سورة الأحزاب: ٣٠.

(٦٩٢) سورة الأحزاب: ٣١.

(٦٩٣) سورة الأحزاب: ٣٢.

(٦٩٤) إشارة إلى البيت الذي استقرت فيه في البصرة. راجع: شرح ابن أبى الحديد.

(٦٩٥) سورة الأحزاب: ٣٣.

(١) ثبت بهذه الآية صدور الذنب منهما، ووجوب التوبة عليهما (منه قدس) (*).

٤٧٦

وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (١) * عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ) (٦٩٦) .

وحسبهما من الله تعالى حجة عليهما، مثله العظيم، الذي ضربه لهما في سورة التحريم، أعني قوله عز من قائل:( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (٦٩٧) .

ولله قول من يقول من أبطال أهل البيت علما وعملا :

عائش ما نقول في قتالك

سلكت في مسالك المهالك

وحسبك ما أخرج البخاري

من الصحيح مومئا للدار(٢)

____________________

(١) هذه هي الغاية في الاستعداد لمكافحتهما في نصرته والدفاع عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله بحيث لو تظاهر عليه أهل الأرض في الطول والعرض، ما أعد لمكافحتهم أكثر من هذه القوة كما لا يخفى (منه قدس).

(٦٩٦) سورة التحريم: ٤ و ٥. راجع ما تقدم من مصادر تحت رقم (٦٢٠).

(٦٩٧) سورة التحريم: ٩ و ١٠. راجع: تفسير القرطبي ج ١٨ / ٢٠٢، فتح القدير للشوكاني ج ٥ / ٢٥٥.

(٢) يشير في هذا البيت إلى ما أخرجه البخاري في باب ما جاء في بيوت أزواج النبي من كتاب الجهاد والسير ص ١٢٥ من الجزء الثاني من صحيحه عن عبدالله قال: قام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأشار إلى مسكن عائشة فقال: ههنا الفتنة ههنا الفتنة حيث يطلع قرن الشيطان، ولفظه عند مسلم: خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من بيت عائشة فقال رأس الكفر من ههنا حيث يطلع قرن الشيطان. فراجعه في كتاب الفتن واشراط الساعة ص ٥٠٣ من الجزء الثاني من صحيحه (منه قدس) (*).

٤٧٧

قد قيل تبت وعلي غمضا

فلم سجدت الشكر لما قبضا "(١)

ولم ركبت البغل في يوم الحسن

تؤججين نار هاتيك الفتن(٦٩٨)

____________________

(١) اشارة إلى ما كان من أم المؤمنين، حين بلغها نعى علىعليه‌السلام من أنها سجدت لله شكرا ثم رفعت رأسها قائلة :

فألقت عصاها واستقر بها النوى

كما قر عينا بالإياب المسافر

ثم سألت: من قتله ؟. فقيل لها: رجل من مراد. فقالت :

فان يك نائيا فلقد نعاه

غلام ليس في فيه التراب

فأنكرت عليها زينب بنت أم سلمة قائلة لها، العلى تقولين هذا يا عائش ؟ !. فأجابت عائش: أنى نسيت، فإذا نسيت فذكروني ! ! (منه قدس).

(٦٩٨) كان الإمام أبو محمد الحسن الزكي سيد شباب أهل الجنة، أنذر الهاشميين قبل وفاته بفتنة يخشاها من بني أمية إذا أراد الهاشميون دفنه عند جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعهد إلى أخيه سيد الشهداء أن يتدارك الشر إذا هبت عواصفه، بدفنه في البقيع عند جدته فاطمة بنت أسد، وأقسم عليه أن لا يريق في سبيله مل‌ء محجمة من دم. فلما قضى (بأبي وأمي) نحبه، أراد الهاشميون أن يجددوا به العهد بجده رسول الله، أو أنهم أرادوا أن يدفنوه عنده إذا أمنوا الفتنة، فقامت قيامة بني أمية، وأعدوا للحرب عدتها متجهزين بجهازها، وعلى رأسهم مروان بن الحكم وسعيد بن العاص، وكان مروان ينادى يا رب هيجاء هي خير من دعة، أيدفن أمير المؤمنين (عثمان) في أقصى المدينة، ويدفن الحسن مع رسول الله. وجاؤا بعائشة وهي على بغل، تذودهم عن بيتها قائلة: لا تدخلوه بيتي.

ففي ترجمة الحسن من كتاب (مقاتل الطالبيين) لأبي الفرج الاصفهانى المروانى عن على بن طاهر بن زيد يقول: لما أرادوا دفنه، أي الحسن، ركبت عائشة بغلا واستعونت بني أمية ومروان ومن كان هناك منهم ومن حشمهم وهو قول القائل: يوما على بغل، ويوما على جمل. وذكر المسعودي ركوب عائشة البغلة الشهباء، ليومها الثاني من أهل البيت قال: فأتاها القاسم بن محمد بن أبى بكر فقال: يا عمة ما غسلنا رؤوسنا من يوم الجمل الأحمر أتريدين أن يقال: يوم البغلة الشهباء. أه‍. وفى ذلك يقول القائل: =>

٤٧٨

... ..

____________________

=>

تجملت تبغلت ولو عشت تفيلت

لك التسع من الثمن وفى الكل تصرفت

ولنا هنا أن نبحث عن الوجه في كون بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيتها تدخل فيه من تحب، وتنرود عنه من لا تحب ؟ شأن المالك يتصرف في ملكه المطلق كيف يشاء، فهل يا ترى ملكها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيته ببيع أو هبة أو نحوهما ؟ كلا. وما أظن ان أحدا قال ذلك أو توهمه.

نعم أسكنها في حجرة من حجرات داره، كما أسكن غيرها من نسائه في حجرات اخر، وكما يسكن كل رجل زوجته في بيته قياما بواجب المرأة على زوجها فان اسكانها من نفقاتها الواجبة لها عليه اجماعا وقولا واحدا. والمرأة انما تسكن في بيت زوجها. فيدها على مسكنها ليست من امارات الملك في شئ، لان المتصرف في مسكنها في الحقيقة، انما هو الرجل، حيث انه هو الذى أسكنها فيه وحيث انه كان يساكنها في نفس البيت، ولو في يومها وليلتها في أقل الفروض.

على انه لو سلمنا ان يد عائشة على حجرتها، امارة تملكها، فلم لم تكن يد الزهراء على فدك امارة على تملكها ؟ ! وشتان بين هاتين اليدين، فان يد البنت على شئ من أملاك أبيها تتصرف فيه على عهده بمنظر منه ومسمع، لمن امارات الملك بلا كلام، ولاسيما إذا كانت نازحة على بيت أبيها إلى بيت زوجها. بخلاف يد الزوجة على حجرة من حجرات دار زوجها، ونحن نحكم العرف البشرى في هذه الفرق بين هاتين اليدين.

ولعل الخليفة يومئذ وهو أبوها، ملكها بيت رسول الله بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله بولايته العامة، وهذا ليس بالبعيد، لكنا كنا نأمل منه، أن يعامل بنت رسول الله فيما كان في يدها، معاملة بنته، ولو فعل لكان ذلك أقرب إلى اجتماع الكلمة، ولم شعث الأمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم (منه قدس). هذه الأبيات. (*)

٤٧٩

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٤٥٩: -

[ الفصل الخامس ] [ تأول خالد بن الوليد ] [ المورد - (٨٦) -: ذلك ما فعله خالد بن الوليد يوم فتح مكة ]

وقد نهاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يومئذ عن القتل والقتال، كما نص عليه أهل السير والأخبار، ورواه أثبات المحدثين بأسانيدهم الصحيحة، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله له يومئذ وللزبير: " لا تقاتلا إلا من قاتلكما ".

ولكن خالدا قاتل مع ذلك وقتل نيفا وعشرين رجلا من قريش وأربعة نفر من هذيل فدخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مكة، فرأى امرأة مقتولة، فسأل حنظلة الكاتب: من قتلها ؟: قال: خالد بن الوليد. فأمره أن يدرك خالدا فينهاه أن يقتل امرأة أو وليدا، أو عسيفا - أي أجيرا -(٦٩٩) إلى آخر ما تجده من هذه القضية في " عبقرية عمر " للأستاذ العقاد ص ٢٦٦.

____________________

(٦٩٩) هذه الحادثة رواها ابن هشام في غزوة حنين في السيرة النبوية ج ١٤ ١٠٠ ولعلها قد تكررت من خالد. (*)

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568