الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢٠

الميزان في تفسير القرآن10%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 568

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 219978 / تحميل: 7018
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢٠

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

و يندفع بهذا الوجه الاعتراض على ما استدلّ به على المعاد من إطلاق القدرة كما سيجي‏ء، و محصّله أنّ إطلاق القدرة إنّما ينفع فيما كان ممكناً لكن إعادة الإنسان بعينه محال فإنّ الإنسان المخلوق ثانياً مثل الإنسان الدنيويّ المخلوق أوّلاً لا شخصه الّذي خلق أوّلاً و مثل الشي‏ء غير الشي‏ء لا عينه.

وجه الاندفاع أنّ شخصيّة الشخص من الإنسان بنفسه لا ببدنه و النفس محفوظة فإذا خلق البدن و تعلّقت به النفس كان هو الإنسان الدنيويّ بشخصه و إن كان البدن بالقياس إلى البدن مع الغضّ عن النفس، مثلاً لا عيناً.

قوله تعالى: ( فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ ) أي ما هو مبدأ خلقه؟ و ما هو الّذي صيّره الله إنساناً؟

و الجملة متفرّعة على الآية السابقة و ما تدلّ عليه بفحواها بحسب السياق و محصّل المعنى و إذ كانت كلّ نفس محفوظة بذاتها و عملها من غير أن تفنى أو ينسى عملها فليذعن الإنسان أن سيرجع إلى ربّه و يجزي بما عمل و لا يستبعد ذلك و لينظر لتحصيل هذا الإذعان إلى مبدإ خلقه و يتذكّر أنّه خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب و الترائب.

فالّذي بدأ خلقه من ماء هذه صفته يقدر على رجعه و إحيائه بعد الموت.

و في الإتيان بقوله:( خُلِقَ ) مبنيّاً للمفعول و ترك ذكر الفاعل و هو الله سبحانه إيماء إلى ظهور أمره، و نظيره قوله:( خُلِقَ مِنْ ماءٍ ) إلخ.

قوله تعالى: ( خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ ) الدفق تصبّب الماء و سيلانه بدفع و سرعة و الماء الدافق هو المنيّ و الجملة جواب عن استفهام مقدّر يهدي إليه قوله:( مِمَّ خُلِقَ ) .

قوله تعالى: ( يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ ) الصلب الظهر، و الترائب جمع تريبة و هي عظم الصدر.

و قد اختلفت كلماتهم في الآية و ما قبلها اختلافاً عجيباً، و الظاهر أنّ المراد بقوله:( بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ ) البعض المحصور من البدن بين جداري عظام الظهر و

٣٨١

عظام الصدر(1) .

قوله تعالى: ( إِنَّهُ عَلى‏ رَجْعِهِ لَقادِرٌ ) الرجع الإعادة، و ضمير( إِنَّهُ ) له تعالى و اكتفى بالإضمار مع أنّ المقام مقام الإظهار لظهوره نظير قوله:( خُلِقَ ) مبنيّاً للمفعول.

و المعنى أنّ الّذي خلق الإنسان من ماء صفته تلك الصفة، على إعادته و إحيائه بعد الموت - و إعادته مثل بدئه - لقادر لأنّ القدرة على الشي‏ء قدرة على مثله إذ حكم الأمثال فيما يجوز و فيما لا يجوز واحد.

قوله تعالى: ( يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ ) ظرف للرجع، و السريرة ما أسرّه الإنسان و أخفاه في نفسه، و البلاء الاختبار و التعرّف و التصفّح.

فالمعنى يوم يختبر ما أخفاه الإنسان و أسرّه من العقائد و آثار الأعمال خيرها و شرّها فيميّز خيرها من شرّها و يجزي الإنسان به فالآية في معنى قوله تعالى:( إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ ) البقرة: 284.

قوله تعالى: ( فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَ لا ناصِرٍ ) أي لا قدرة له في نفسه يمتنع بها من عذاب الله و لا ناصر له يدفع عنه ذلك أي لا قدرة هناك يدفع عنه الشرّ لا من نفسه و لا من غيره.

قوله تعالى: ( وَ السَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ وَ الْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ ) إقسام بعد إقسام لتأكيد أمر القيامة و الرجوع إلى الله.

و المراد بكون السماء ذات رجع ما يظهر للحسّ من سيرها بطلوع الكواكب بعد غروبها و غروبها بعد طلوعها، و قيل: رجعها أمطارها، و المراد بكون الأرض ذات صدع تصدّعها و انشقاقها بالنبات، و مناسبة القسمين لما اُقسم عليه من الرجوع بعد الموت و الخروج من القبور ظاهرة.

قوله تعالى: ( إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَ ما هُوَ بِالْهَزْلِ ) الفصل إبانة أحد الشيئين من

____________________

(1) و قد أورد المراغي في تفسيره في ذيل الآية عن بعض الأطباء توجيهاً دقيقاً علميّاً لهذه الآية من أراده فليراجعه.

٣٨٢

الآخر حتّى يكون بينهما فرجة، و التعبير بالفصل - و المراد الفاصل - للمبالغة كزيد عدل و الهزل خلاف الجدّ.

و الآيتان جواب القسم، و ضمير( إِنَّهُ ) للقرآن و المعنى اُقسم بكذا و كذا إنّ القرآن لقول فاصل بين الحقّ و الباطل و ليس هو كلاماً لا جدّ فيه فما يُحقّه حقّ لا ريب فيه و ما يبطله باطل لا ريب فيه فما أخبركم به من البعث و الرجوع حقّ لا ريب فيه.

و قيل: الضمير لما تقدّم من خبر الرجوع و المعاد، و الوجه السابق أوجه.

قوله تعالى: ( إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَ أَكِيدُ كَيْداً ) أي الكفّار يحتالون بكفرهم و إنكارهم المعاد احتيالاً يريدون به إطفاء نور الله و إبطال دعوتك، و احتال عليهم بعين أعمالهم بالاستدراج و الإملاء و الإضلال بالطبع على قلوبهم و جعل الغشاوة على سمعهم و أبصارهم احتيالاً أسوقهم به إلى عذاب يوم القيامة.

قوله تعالى: ( فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً ) التمهيل و الإمهال بمعنى واحد غير أنّ باب التفعيل يفيد التدريج و الإفعال يفيد الدفعة، و الرويد القليل.

و المعنى: إذا كان منهم كيد و منّي كيد عليهم بعين ما يكيدون به و الله غالب على أمره، فانتظر بهم و لا تعاجلهم انتظر بهم قليلاً فسيأتيهم ما اُوعدهم به فكلّ ما هو آت قريب.

و في التعبير أوّلاً بمهّل الظاهر في التدريج و ثانياً مع التقييد برويداً بأمهل الظاهر في الدفعة لطف ظاهر.

( بحث روائي‏)

في تفسير القمّيّ: في قوله تعالى:( إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ ) قال: الملائكة.

و فيه: في قوله تعالى:( خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ ) قال: النطفة الّتي تخرج بقوّة.

و فيه: في قوله تعالى:( يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ ) قال: الصلب الرجل

٣٨٣

و الترائب المرأة، و هو صدرها.

أقول: الرواية على إضمارها و إرسالها لا تخلو من شي‏ء.

و فيه: في قوله تعالى:( يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ ) قال: يكشف عنها.

و في المجمع، روي مرفوعاً عن أبي الدرداء قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ضمن الله خلقه أربع خصال: الصلاة، و الزكاة، و صوم شهر رمضان، و الغسل من الجنابة، و هي السرائر الّتي قال الله تعالى: يوم تبلى السرائر.

أقول: و لعلّه من قبيل ذكر بعض المصاديق كما تؤيّده الرواية التالية.

و فيه، عن معاذ بن جبل قال: سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما هذه السرائر الّتي ابتلى الله بها العباد في الآخرة؟ فقال: سرائركم هي أعمالكم من الصلاة و الصيام و الزكاة و الوضوء و الغسل من الجنابة و كلّ مفروض لأنّ الأعمال كلّها سرائر خفيّة فإن شاء الرجل قال: صلّيت و لم يصلّ و إن شاء قال: توضّيت و لم يتوضّ فذلك قوله:( يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ ) .

و في تفسير القمّيّ: في قوله تعالى:( فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَ لا ناصِرٍ ) قال: ما له من قوّة يهوي بها على خالقه، و لا ناصر من الله ينصره إن أراد به سوءا.

و فيه: في قوله تعالى:( وَ السَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ ) قال: ذات المطر( وَ الْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ ) أي ذات النبات.

و في المجمع:( إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ) يعني أنّ القرآن يفصل بين الحقّ و الباطل بالبيان عن كلّ واحد منهما، و روي ذلك عن الصادقعليه‌السلام .

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي شيبة و الدارميّ و الترمذيّ و محمّد بن نصر و ابن الأنباريّ في المصاحف عن الحارث الأعور قال: دخلت المسجد فإذا الناس قد وقعوا في الأحاديث فأتيت عليّاً فأخبرته فقال: أ و قد فعلوها؟

سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إنّها ستكون فتنة. قلت: فما المخرج منها يا رسول الله قال: كتاب الله فيه نبأ من قبلكم و خبر من بعدكم، و حكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبّار قصمه الله، من ابتغى الهوى في غيره أضلّه الله، و هو حبل الله

٣٨٤

المتين، و هو الذكر الحكيم، و هو الصراط المستقيم، هو الّذي لا تزيغ به الأهواء، و لا يشبع منه العلماء، و لا تلتبس منه الألسن، و لا يخلق من الردّ، و لا تنقضي عجائبه هو الّذي لم ينته الجنّ إذ سمعته حتّى قالوا( إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ ) . من قال به صدق، و من حكم به عدل، و من عمل به اُجر، و من دعي إليه هدي إلى صراط مستقيم.

أقول: و روي ما يقرب منه عن معاذ بن جبل عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و رواه مختصراً عن ابن مردويه عن عليّعليه‌السلام .

٣٨٥

( سورة الأعلى مكّيّة و هي تسع عشرة آية)

( سورة الأعلى الآيات 1 - 19)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ( 1 ) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ ( 2 ) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ ( 3 ) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَىٰ ( 4 ) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَىٰ ( 5 ) سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰ ( 6 ) إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ ( 7 ) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىٰ ( 8 ) فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَىٰ ( 9 ) سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ ( 10 ) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ( 11 ) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَىٰ ( 12 ) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ ( 13 ) قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ ( 14 ) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ ( 15 ) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ( 16 ) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ( 17 ) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَىٰ ( 18 ) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ ( 19 )

( بيان‏)

أمرٌ بتوحيده تعالى على ما يليق بساحته المقدّسة و تنزيه ذاته المتعالية من أن يذكر مع اسمه اسم غيره أو يسند إلى غيره ما يجب أن يسند إليه كالخلق و التدبير و الرزق و وعد لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتأييده بالعلم و الحفظ و تمكينه من الطريقة الّتي هي أسهل و أيسر للتبليغ و أنسب للدعوة.

و سياق الآيات في صدر السورة سياق مكّيّ و أمّا ذيلها أعني قوله:( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ) إلخ فقد ورد من طرق أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام و كذا من طريق أهل السنّة

٣٨٦

أنّ المراد به زكاة الفطرة و صلاة العيد و من المعلوم أنّ الصوم و ما يتبعه من زكاة الفطرة و صلاة العيد إنّما شرعت بالمدينة بعد الهجرة فتكون آيات الذيل نازلة بالمدينة.

فالسورة صدرها مكّيّ و ذيلها مدنيّ، و لا ينافي ذلك ما جاء في الآثار أنّ السورة مكّيّة فإنّه لا يأبى الحمل على صدر السورة.

قوله تعالى: ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ) أمر بتنزيه اسمه تعالى و تقديسه، و إذ علّق التنزيه على الاسم - و ظاهر اللفظ الدالّ على المسمّى - و الاسم إنّما يقع في القول فتنزيهه أن لا يذكر معه ما هو تعالى منزّه عنه كذكر الآلهة و الشركاء و الشفعاء و نسبة الربوبيّة إليهم و كذكر بعض ما يختصّ به تعالى كالخلق و الإيجاد و الرزق و الإحياء و الإماتة و نحوها و نسبته إلى غيره تعالى أو كذكر بعض ما لا يليق بساحة قدسه تعالى من الأفعال كالعجز و الجهل و الظلم و الغفلة و ما يشبهها من صفات النقص و الشين و نسبته إليه تعالى.

و بالجملة تنزيه اسمه تعالى أن يجرّد القول عن ذكر ما لا يناسب ذكره ذكر اسمه تعالى و هو تنزيهه تعالى في مرحلة القول الموافق لتنزيهه في مرحلة الفعل.

و هو يلازم التوحيد الكامل بنفي الشرك الجليّ كما في قوله:( وَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَ إِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ) الزمر: 45 و قوله:( وَ إِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى‏ أَدْبارِهِمْ نُفُوراً ) إسراء: 46.

و في إضافة الاسم إلى الربّ و الربّ إلى ضمير الخطاب تأييد لما قدّمناه فإنّ المعنى سبّح اسم ربّك الّذي اتّخذته ربّاً و أنت تدعو إلى أنّه الربّ الإله فلا يقعنّ في كلامك مع ذكر اسمه بالربوبيّة ذكر من غيره بحيث ينافي تسمّيه بالربوبيّة على ما عرّف نفسه لك.

و قوله:( الْأَعْلَى ) و هو الّذي يعلو كلّ عال و يقهر كلّ شي‏ء صفة( رَبِّكَ ) دون الاسم و يعلّل بمعناه الحكم أي سبّح اسمه لأنّه أعلى.

٣٨٧

و قيل: معنى( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ) قل: سبحان ربّي الأعلى كما عن ابن عبّاس و نسب إليه أيضاً أنّ المعنى صلّ.

و قيل: المراد بالاسم المسمّى و المعنى نزّهه تعالى عن كلّ ما لا يليق بساحة قدسه من الصفات و الأفعال.

و قيل: إنّه ذكر الاسم و المراد به تعظيم المسمّى و استشهد عليه بقول لبيد، إلى الحول ثمّ اسم السلام عليكما. فالمعنى سبّح ربّك الأعلى.

و قيل: المراد تنزيه أسمائه تعالى عمّا لا يليق بأن لا يؤوّل ممّا ورد منها اسم من غير مقتض، و لا يبقى على ظاهره إذا كان ما وضع له لا يصحّ له تعالى، و لا يطلقه على غيره تعالى إذا كان مختصّاً كاسم الجلالة و لا يتلفّظ به في محلّ لا يناسبه كبيت الخلاء، و على هذا القياس.

و ما قدّمناه من المعنى أوسع و أشمل و أنسب لسياق قوله الآتي( سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) ( وَ نُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى‏ فَذَكِّرْ ) فإنّ السياق سياق البعث إلى التذكرة و التبليغ فبدأ أوّلاً بإصلاح كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و تجريده عن كلّ ما يشعر بجليّ الشرك و خفيّه بأمره بتنزيه اسم ربّه، و وعد ثانياً بإقرائه بحيث لا ينسى شيئاً ممّا اُوحي إليه و تسهيل طريقة التبليغ عليه ثمّ اُمر بالتذكير و التبليغ فافهم.

قوله تعالى: ( الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ) خلق الشي‏ء جمع أجزائه، و تسويته جعلها متساوية بحيث يوضع كلّ في موضعه الّذي يليق به و يعطى حقّه كوضع كلّ عضو من أعضاء الإنسان فيما يناسبه من الموضع.

و الخلق و التسوية و إن كانا مطلقين لكنّهما إنّما يشملان ما فيه تركيب أو شائبة تركيب من المخلوقات.

و الآية إلى تمام أربع آيات تصف التدبير الإلهيّ و هي برهان على ربوبيّته تعالى المطلقة.

قوله تعالى: ( وَ الَّذِي قَدَّرَ فَهَدى‏ ) أي جعل الأشياء الّتي خلقها على مقادير مخصوصة و حدود معيّنة في ذواتها و صفاتها و أفعالها لا تتعدّاها و جهّزها بما يناسب

٣٨٨

ما قدّر لها فهداها إلى ما قدّر فكلّ يسلك نحو ما قدّر له بهداية ربّانيّة تكوينيّة كالطفل يهتدي إلى ثدي اُمّه و الفرخ إلى زقّ اُمّه و أبيه، و الذكر إلى الاُنثى و ذي النفع إلى نفعه و على هذا القياس.

قال تعالى:( وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ) الحجر: 21، و قال:( ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ) عبس: 20 و قال:( لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها ) البقرة: 148.

قوله تعالى: ( وَ الَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى‏ ) المرعى ما ترعاه الدوابّ فالله تعالى هو الّذي أخرجها أي أنبتها.

قوله تعالى: ( فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى‏ ) الغثاء ما يقذفه السيل على جانب الوادي من الحشيش و النبات، و المراد هنا - كما قيل - اليابس من النبات، و الأحوى الأسود.

و إخراج المرعى لتغذّي الحيوان ثمّ جعله غثاء أحوى من مصاديق التدبير الربوبيّ و دلائله كما أنّ الخلق و التسوية و التقدير و الهداية كذلك.

قوله تعالى: ( سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى‏ إِلَّا ما شاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَ ما يَخْفى‏ ) قال في المفردات: و القراءة ضمّ الحروف و الكلمات بعضها إلى بعض في الترتيل، و ليس يقال ذلك لكلّ جمع لا يقال: قرأت القوم إذا جمعتهم، و يدلّ على ذلك أنّه لا يقال للحرف الواحد إذا تفوّه به قراءة، انتهى، و قال في المجمع: و الإقراء أخذ القراءة على القارئ بالاستماع لتقويم الزلل، و القارئ التالي. انتهى.

و ليس إقراؤه تعالى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القرآن مثل إقراء بعضنا بعضاً باستماع المقري لما يقرؤه القارئ و إصلاح ما لا يحسنه أو يغلط فيه فلم يعهد من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقرأ شيئاً من القرآن فلا يحسنه أو يغلط فيه عن نسيان للوحي ثمّ يقرأ فيصلح بل المراد تمكينه من قراءة القرآن كما اُنزل من غير أن يغيّره بزيادة أو نقص أو تحريف بسبب النسيان.

فقوله:( سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى‏ ) وعدٌ منه لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يمكّنه من العلم

٣٨٩

بالقرآن و حفظه على ما اُنزل بحيث يرتفع عنه النسيان فيقرؤه كما اُنزل و هو الملاك في تبليغ الوحي كما اُوحي إليه.

و قوله:( إِلَّا ما شاءَ اللهُ ) استثناء مفيد لبقاء القدرة الإلهيّة على إطلاقها و أنّ هذه العطيّة و هي الإقراء بحيث لا تنسى لا ينقطع عنه سبحانه بالإعطاء بحيث لا يقدر بعد على إنسائك بل هو باق على إطلاق قدرته له أن يشاء إنساءك متى شاء و إن كان لا يشاء ذلك فهو نظير الاستثناء الّذي في قوله:( وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ) هود: 108 و قد تقدّم توضيحه.

و ليس المراد بالاستثناء إخراج بعض أفراد النسيان من عموم النفي و المعنى سنقرئك فلا تنسى شيئاً إلّا ما شاء الله أن تنساه و ذلك أنّ كلّ إنسان على هذه الحال يحفظ أشياء و ينسى أشياء فلا معنى لاختصاصه بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلحن الامتنان مع كونه مشتركاً بينه و بين غيره فالوجه ما قدّمناه.

و الآية بسياقها لا تخلو من تأييد لما قيل: إنّه كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا نزل عليه جبريل بالوحي يقرؤه مخافة أن ينساه فكان لا يفرغ جبريل من آخر الوحي حتّى يتكلّم هو بأوّله فلمّا نزلت هذه الآية لم ينس بعده شيئاً.

و يقرب من الاعتبار أن تكون هذه الآية أعني قوله:( سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى‏ ) نازلة أوّلاً ثمّ قوله:( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ ) القيامة: 19 ثمّ قوله:( وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى‏ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ) طه: 114.

و قوله:( إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَ ما يَخْفى) الجهر كمال ظهور الشي‏ء لحاسّة البصر كقوله:( فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً ) النساء: 153، أو لحاسّة السمع كقوله:( إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ ) الأنبياء: 110، و المراد بالجهر الظاهر للإدراك بقرينة مقابلته لقوله:( وَ ما يَخْفى‏ ) من غير تقييده بسمع أو بصر.

و الجملة في مقام التعليل لقوله:( سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) و المعنى سنصلح لك بالك

٣٩٠

في تلقّي الوحي و حفظه لأنّا نعلم ظاهر الأشياء و باطنها فنعلم ظاهر حالك و باطنها و ما أنت عليه من الاهتمام بأمر الوحي و الحرص على طاعته فيما أمر به.

و في قوله:( إِلَّا ما شاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ ) إلخ التفات من التكلّم مع الغير إلى الغيبة و النكتة فيه الإشارة إلى حجّة الاستثناء فإفاضة العلم و الحفظ للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما لا يسلب القدرة على خلافه و لا يحدّها منه تعالى لأنّه الله المستجمع لجميع صفات الكمال و منها القدرة المطلقة ثمّ جرى الالتفات في قوله:( إِنَّهُ يَعْلَمُ ) إلخ لمثل النكتة.

قوله تعالى: ( وَ نُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى‏ ) اليسرى - مؤنث أيسر - و هو وصف قائم مقام موصوفة المحذوف أي الطريقة اليسرى و التيسير التسهيل أي و نجعلك بحيث تتّخذ دائماً أسهل الطرق للدعوة و التبليغ قولاً و فعلاً فتهدي قوماً و تتمّ الحجّة على آخرين و تصبر على أذاهم.

و كان مقتضى الظاهر أن يقال: و نيسّر لك اليسرى كما قال:( وَ يَسِّرْ لِي أَمْرِي ) طه: 26 و إنّما عدل عن ذلك إلى قوله:( وَ نُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى‏ ) لأنّ الكلام في تجهيزه تعالى نفس النبيّ الشريفة و جعله إيّاها صالحة لتأدية الرسالة و نشر الدعوة. على ما في نيسّر اليسرى من إيهام تحصيل الحاصل.

فالمراد جعلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صافي الفطرة حقيقاً على اختيار الطريقة اليسرى الّتي هي طريقة الفطرة فالآية في معنى قوله حكاية عن موسى:( حَقِيقٌ عَلى‏ أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ ) الأعراف: 105.

قوله تعالى: ( فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى‏ ) تفريع على ما تقدّم من أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتنزيه اسم ربّه و وعده إقراء الوحي بحيث لا ينسى و تيسيره لليسرى و هي الشرائط الضروريّة الّتي يتوقّف عليها نجاح الدعوة الدينيّة.

و المعنى إذ تمّ لك الأمر بامتثال ما أمرناك به و إقرائك فلا تنسى و تيسيرك لليسرى فذكّر إن نفعت الذكرى.

و قد اشترط في الأمر بالتذكرة أن تكون نافعة و هو شرط على حقيقته فإنّها إذا

٣٩١

لم تنفع كانت لغواً و هو تعالى يجلّ عن أن يأمر باللّغو فالتذكرة لمن يخشى لأوّل مرّة تفيد ميلا من نفسه إلى الحقّ و هو نفعها و كذا التذكرة بعد التذكرة كما قال:( سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى‏ ) و التذكرة للأشقى الّذي لا خشية في قلبه لأوّل مرّة تفيد تمام الحجّة عليه و هو نفعها و يلازمها تجنّبه و تولّيه عن الحقّ كما قال:( يَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى‏ ) و التذكرة بعد التذكرة له لا تنفع شيئاً و لذا اُمر بالإعراض عن ذلك قال تعالى:( فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَ لَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا ) النجم: 29.

و قيل: الشرط شرط صوريّ غير حقيقيّ و إنّما هو إخبار عن أنّ الذكرى نافعة لا محالة في زيادة الطاعة و الانتهاء عن المعصية كما يقال: سله إن نفع السؤال و لذا قال بعضهم( إن ) ( إِنْ ) في الآية بمعنى قد، و قال آخرون: إنّها بمعنى إذ.

و فيه أنّ كون الذكرى نافعة مفيدة دائماً حتّى فيمن يعاند الحقّ - و قد تمّت عليه الحجّة - ممنوع كيف؟ و قد قيل فيهم:( سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللهُ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ وَ عَلى‏ سَمْعِهِمْ وَ عَلى‏ أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ ) البقرة: 7.

و قيل: إنّ في الكلام إيجازاً بالحذف، و التقدير فذكّر إن نفعت الذكرى و إن لم تنفع و ذلك لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث للتذكرة و الإعذار فعليه أن يذكّر نفع أو لم ينفع فالآية من قبيل قوله:( وَ جَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ ) النحل: 81 أي و البرد.

و فيه أنّ وجوب التذكرة عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى فيما لا يترتّب عليها أثراً أصلاً ممنوع.

و قيل: إنّ الشرط مسوق للإشارة إلى استبعاد النفع في تذكرة هؤلاء المذكورين نعياً عليهم كأنّه قيل: افعل ما اُمرت به لتوجر و إن لم ينتفعوا به.

و فيه أنّه يردّه قوله تعالى بعده بلا فصل:( سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى‏ ) .

قوله تعالى: ( سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى‏ ) أي سيتذكّر و يتّعظ بالقرآن من في قلبه شي‏ء من خشية الله و خوف عقابه.

قوله تعالى: ( يَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى‏ ) الضمير للذكرى و المراد بالأشقى بقرينة

٣٩٢

المقابلة من ليس في قلبه شي‏ء من خشية الله تعالى، و تجنّب الشي‏ء التباعد عنه، و المعنى و سيتباعد عن الذكرى من لا يخشى الله.

قوله تعالى: ( الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى) الظاهر أنّ المراد بالنار الكبرى نار جهنّم و هي نار كبري بالقياس إلى نار الدنيا، و قيل: المراد بها أسفل دركات جهنّم و هي أشدّها عذاباً.

قوله تعالى: ( ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى‏ ) ثمّ للتراخي بحسب رتبة الكلام، و المراد من نفي الموت و الحياة عنه معاً نفي النجاة نفياً مؤبّداً فإنّ النجاة بمعنى انقطاع العذاب بأحد أمرين إمّا بالموت حتّى ينقطع عنه العذاب بانقطاع وجوده و إمّا يتبدّل صفة الحياة من الشقاء إلى السعادة و من العذاب إلى الراحة فالمراد بالحياة في الآية الحياة الطيّبة على حدّ قولهم في الحرض: لا حيّ فيرجى و لا ميّت فينسى.

قوله تعالى: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ) التزكّي هو التطهّر و المراد به التطهّر من ألواث التعلّقات الدنيويّة الصارفة عن الآخرة بدليل قوله بعد( بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا ) إلخ، و الرجوع إلى الله بالتوجّه إليه تطهّر من الإخلاد إلى الأرض، و الإنفاق في سبيل الله تطهّر من لوث التعلّق الماليّ حتّى أنّ وضوء الصلاة تمثيل للتطهّر عمّا كسبته الوجوه و الأيدي و الأقدام.

و قوله:( وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ) الظاهر أنّ المراد بالذكر الذكر اللفظيّ، و بالصلاة التوجّه الخاصّ المشروع في الإسلام.

و الآيتان بحسب ظاهر مدلولهما على العموم لكن ورد في المأثور عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام أنّهما نزلتا في زكاة الفطر و صلاة العيد و كذا من طرق أهل السنّة.

قوله تعالى: ( بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا ) إضراب بالخطاب لعامّة الناس على ما يدعو إليه طبعهم البشريّ من التعلّق التامّ بالدنيا و الاشتغال بتعميرها، و الإيثار الاختيار، و قيل: الخطاب للكفّار، و الكلام على أيّ حال مسوق للعتاب و الالتفات لتأكيده.

٣٩٣

قوله تعالى: ( وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقى‏ ) عدّ الآخرة أبقى بالنسبة إلى الدنيا مع أنّها باقية أبديّة في نفسها لأنّ المقام مقام الترجيح بين الدنيا و الآخرة و يكفي في الترجيح مجرّد كون الآخرة خيراً و أبقى بالنسبة إلى الدنيا و إن قطع النظر عن كونها باقية أبديّة.

قوله تعالى: ( إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى‏ صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى‏ ) الإشارة بهذا إلى ما بين في قوله:( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ) إلى تمام أربع آيات، و قيل: هذا إشارة إلى مضمون قوله:( وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقى‏ ) .

قيل: و في إبهام الصحف و وصفها بالتقدّم أوّلاً ثمّ بيانها و تفسيرها بصحف إبراهيم و موسى ثانياً ما لا يخفى من تفخيم شأنها و تعظيم أمرها.

( بحث روائي‏)

في تفسير العيّاشيّ، عن عقبة بن عامر الجهنيّ قال: لمّا نزلت:( فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اجعلوها في ركوعكم، و لمّا نزل( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ) قال: اجعلوها في سجودكم.

أقول: و رواه أيضاً في الدرّ المنثور، عن أحمد و أبي داود و ابن ماجة و ابن المنذر و ابن مردويه عن عقبة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و في تفسير القمّيّ:( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ) قال: قل سبحان ربّي الأعلى( الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَ الَّذِي قَدَّرَ فَهَدى‏ ) قال: قدّر الأشياء بالتقدير الأوّل ثمّ هدى إليها من يشاء.

و فيه: في قوله تعالى:( وَ الَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى‏ ) قال: أي النبات. و في قوله:( غُثاءً أَحْوى‏ ) قال: يصير هشيماً بعد بلوغه و يسودّ.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس قال: كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستذكر القرآن مخافة أن ينساه فقيل له: كفيناك ذلك و نزلت:( سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى‏ ) .

٣٩٤

و في الفقيه: و سئل الصادقعليه‌السلام عن قول الله عزّوجلّ:( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ) قال قال: من أخرج الفطرة قيل له: و( ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ) قال: خرج إلى الجبانة(1) فصلّى.

أقول: و روي هذا المعنى أيضاً عن حمادّ عن جرير عن أبي بصير و زرارة عنهعليه‌السلام و رواه القمّيّ في تفسيره، مرسلاً مضمراً.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدريّ قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول:( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ) ثمّ يقسّم الفطرة قبل أن يغدو إلى المصلّى يوم الفطر.

أقول: و روي أيضاً نزول الآيتين في زكاة الفطرة و صلاة العيد بطريقين عن أبي سعيد موقوفاً، و كذا بطريقين عن ابن عمر و بطريق عن نائلة بن الأصقع و بطريقين عن أبي العالية و بطريق عن عطاء و بطريق عن محمّد بن سيرين و بطريق عن إبراهيم النخعي و كذا عن عمرو بن عوف عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و في الخصال، عن عتبة بن عمرو الليثيّ عن أبي ذرّ في حديث قلت: يا رسول الله فما في الدنيا ممّا أنزل الله عليك شي‏ء ممّا كان في صحف إبراهيم و موسى؟ قال: يا أبا ذرّ اقرأ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقى‏ إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى‏ صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى‏ ) .

أقول: يؤيّد الحديث كون الإشارة بهذا إلى مجموع الآيات الأربع كما تقدّم.

و في البصائر، بإسناده عن أبي بصير قال: قال أبوعبداللهعليه‌السلام : عندنا الصحف الّتي قال الله:( صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى‏ ) قلت: الصحف هي الألواح؟ قال: نعم.

أقول: و رواه أيضاً بطريق آخر عن أبي بصير عنهعليه‌السلام و الظاهر أنّ المراد بكون الصحف هي الألواح كونها هي التوراة المعبّر عنها في مواضع من القرآن بالألواح كقوله تعالى:( وَ كَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ ) الأعراف: 145 و قوله:( وَ أَلْقَى

____________________

(1) الجبانة: الصحراء

٣٩٥

الْأَلْواحَ ) الأعراف: 150 و قوله:( أَخَذَ الْأَلْواحَ ) الأعراف: 154.

و في المجمع، روي عن أبي ذرّ أنّه قال: قلت: يا رسول الله كم الأنبياء؟ قال: مائة ألف نبيّ و أربعة و عشرون ألفاً قلت: يا رسول الله كم المرسلون منهم؟ قال: ثلاث مائة و ثلاثة عشر و بقيّتهم أنبياء. قلت: كان آدم نبيّاً؟ قال: نعم كلّمة الله و خلقه بيده.

يا أبا ذرّ أربعة من الأنبياء عرب: هود و صالح و شعيب و نبيّك.

قلت: يا رسول الله كم أنزل الله من كتاب؟ قال: مائة و أربعة كتب اُنزل منها على آدم عشرة صحف، و على شيث خمسين صحيفة، و على اُخنوخ و هو إدريس ثلاثين صحيفة و هو أوّل من خطّ بالقلم و على إبراهيم عشر صحائف و التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان.

أقول: و روي ذلك في الدرّ المنثور، عن عبد بن حميد و ابن مردويه و ابن عساكر عن أبي ذرّ غير أنّه لم يذكر صحف آدم و ذكر لموسى عشر صحف قبل التوراة.

٣٩٦

( سورة الغاشية مكّيّة و هي ستّ و عشرون آية)

( سورة الغاشية الآيات 1 - 26)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ ( 1 ) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ ( 2 ) عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ ( 3 ) تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً ( 4 ) تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ ( 5 ) لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ ( 6 ) لَّا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ ( 7 ) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ ( 8 ) لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ ( 9 ) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ( 10 ) لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً ( 11 ) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ ( 12 ) فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ ( 13 ) وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ ( 14 ) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ ( 15 ) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ ( 16 ) أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ( 17 ) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ ( 18 ) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ( 19 ) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ( 20 ) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ ( 21 ) لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ ( 22 ) إِلَّا مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ ( 23 ) فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ ( 24 ) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ( 25 ) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم ( 26 )

( بيان‏)

سورة إنذار و تبشير تصف الغاشية و هي يوم القيامة الّذي يحيط بالناس تصفه بحال الناس فيه من حيث انقسامهم فريقين: السعداء و الأشقياء و استقرارهم فيما اُعدّ لهم من الجنّة و النار و تنتهي إلى أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يذكّر الناس بفنون من التدبير الربوبيّ

٣٩٧

في العالم الدالّة على ربوبيّته تعالى لهم و رجوعهم إليه لحساب أعمالهم.

و السورة مكّيّة بشهادة سياق آياتها.

قوله تعالى: ( هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ ) استفهام بداعي التفخيم و الإعظام، و المراد بالغاشية يوم القيامة سمّيت بذلك لأنّها تغشى الناس و تحيط بهم كما قال:( وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ) الكهف: 47، أو لأنّها تغشى الناس بأهوالها بغتة كما قيل، أو لأنّها تغشى وجوه الكفّار بالعذاب.

قوله تعالى: ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ ) أي مذلّلة بالغمّ و العذاب يغشاها، و الخشوع إنّما هو لأرباب الوجوه و إنّما نسب إلى الوجوه لأنّ الخشوع و المذلّة يظهر فيها.

قوله تعالى: ( عامِلَةٌ ناصِبَةٌ ) النصب التعب و( عامِلَةٌ ) خبر بعد خبر لوجوه، و كذا قوله:( ناصِبَةٌ ) و( تَصْلى) و( تُسْقى) و( لَيْسَ لَهُمْ ) و المراد من عملها و نصبها بقرينة مقابلتهما في صفة أهل الجنّة الآتية بقوله:( لِسَعْيِها راضِيَةٌ ) عملها في الدنيا و نصبها في الآخرة فإنّ الإنسان إنّما يعمل ما يعمل في الدنيا ليسعد به و يظفر بالمطلوب لكن عملهم خبط باطل لا ينفعهم شيئاً كما قال تعالى:( وَ قَدِمْنا إِلى‏ ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً ) الفرقان: 23 فلا يعود إليهم من عملهم إلّا النصب و التعب بخلاف أهل الجنّة فإنّهم لسعيهم الّذي سعوه في الدنيا راضون لما ساقهم إلى الجنّة و الراحة.

و قيل: المراد أنّها عاملة في النار ناصبة فيها فهي تعالج أنواع العذاب الّذي تعذّب به و تتعب لذلك.

و قيل: المراد أنّها عاملة في الدنيا بالمعاصي ناصبة في النار يوم القيامة.

قوله تعالى: ( تَصْلى‏ ناراً حامِيَةً ) أي تلزم ناراً في نهاية الحرارة.

قوله تعالى: ( تُسْقى‏ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ ) أي حارّة بالغة في حرارتها.

قوله تعالى: ( ليسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لا يُسْمِنُ وَ لا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ‏ ) قيل: الضريع نوع من الشوك يقال له: الشبرق و أهل الحجاز يسمّونه الضريع إذا يبس و هو أخبث طعام و أبشعه لا ترعاه دابّة، و لعلّ تسمية ما في النار به لمجرّد المشابهة شكلاً و خاصّة.

٣٩٨

قوله تعالى: ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ ) من النعومة فيكون كناية عن البهجة و السرور الظاهر على البشرة كما قال:( تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ) المطفّفين: 24، أو من النعمة أي متنعّمة. قيل: و لم يعطف على قوله:( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ ) إشارة إلى كمال البينونة بين حالي الفريقين.

قوله تعالى: ( لِسَعْيِها راضِيَةٌ ) اللّام للتقوية، و المراد بالسعي سعيها في الدنيا بالعمل الصالح، و المعنى رضيت سعيها و هو عملها الصالح حيث جوزيت به جزاءً حسناً.

قوله تعالى: ( فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ - إلى قوله -وَ زَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ ) المراد بعلوّها ارتفاع درجاتها و شرفها و جلالتها و غزارة عيشها فإنّ فيها حياة لا موت معها، و لذّة لا ألم يشوبها و سروراً لا غمّ و لا حزن يداخله لهم فيها فوق ما يشاؤن.

و قوله:( لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً ) أي لا تسمع تلك الوجوه في الجنّة كلمة ساقطة لا فائدة فيها.

و قوله:( فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ ) المراد بالعين جنسها فقد عدّ تعالى فيها عيوناً في كلامه كالسلسبيل و الشراب الطهور و غيرهما.

و قوله:( فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ ) السرر جمع سرير و في ارتفاعها جلالة القاعد عليها،( وَ أَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ ) الأكواب جمع كوب و هو الإبريق لا خرطوم له و لا عروة يتّخذ فيه الشراب( وَ نَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ ) النمارق جمع نمرقة و هي الوسادة و كونها مصفوفة وضعها في المجلس بحيث يتّصل بعضها ببعض على هيئة المجالس الفاخرة في الدنيا( وَ زَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ ) الزرابيّ جمع زريبة مثلّثة الزاي و هي البساط الفاخر و بثّها بسطها للقعود عليها.

قوله تعالى: ( أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ) بعد ما فرغ من وصف الغاشية و بيان حال الفريقين، المؤمنين و الكفّار عقّبه بإشارة إجماليّة إلى التدبير الربوبيّ الّذي يفصح عن ربوبيّته تعالى المقتضية لوجوب عبادته و لازم ذلك حساب الأعمال و جزاء المؤمن بإيمانه و الكافر بكفره و الظرف الّذي فيه ذلك هو الغاشية.

٣٩٩

و قد دعاهم أوّلاً أن ينظروا إلى الإبل كيف خلقت؟ و كيف صوّر الله سبحانه أرضاً عادمة للحياة فاقدة للشعور بهذه الصورة العجيبة في أعضائها و قواها و أفاعيلها فسخّرها لهم ينتفعون من ركوبها و حملها و لحمها و ضرعها و جلدها و وبرها حتّى بولها و بعرتها فهل هذا كله توافق اتّفاقيّ غير مطلوب بحياله.؟

و تخصيص الإبل بالذكر من جهة أنّ السورة مكّيّة و أوّل من تتلى عليهم الإعراب و اتّخاذ الآبال من أركان عيشتهم.

قوله تعالى: ( وَ إِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ ) و زيّنت بالشمس و القمر و سائر النجوم الزواهر بما فيها من المنافع لأهل الأرض و قد جعل دونها الهواء الّذي يضطرّ إليه الحيوان في تنفّسه.

قوله تعالى: ( وَ إِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ) و هي أوتاد الأرض المانعة من مورها و مخازن الماء الّتي تتفجّر منها العيون و الأنهار و محافظ للمعادن.

قوله تعالى: ( وَ إِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ) أي بسطت و سوّيت فصلحت لسكنى الإنسان و سهل فيها النقل و الانتقال و أغلب التصرّفات الصناعيّة الّتي للإنسان.

فهذه تدبيرات كلّيّة مستندة إليه تعالى بلا ريب فيه فهو ربّ السماء و الأرض ما بينهما فهو ربّ العالم الإنسانيّ يجب عليهم أن يتّخذوه ربّاً و يوحّدوه و يعبدوه و أمامهم الغاشية و هو يوم الحساب و الجزاء.

قوله تعالى: ( فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ ) تفريع على ما تقدّم و المعنى إذا كان الله سبحانه هو ربّهم لا ربّ سواه و أمامهم يوم الحساب و الجزاء لمن آمن منهم أو كفر فذكّرهم بذلك.

و قوله:( إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ ) بيان أنّ وظيفته - و هو رسول - التذكرة رجاء أن يستجيبوا و يؤمنوا من غير إكراه و إلجاء.

قوله تعالى: ( لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ) المصيطر - و أصله المسيطر - المتسلّط، و الجملة بيان و تفسير لقوله:( إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ ) .

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

قد أنفق بعض ماله و امتنّ به مستكثراً له بقوله:( أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً ) فنزلت الآيات و ردّ الله عليه بأنّ الفوز بميمنة الحياة لا يتمّ إلّا باقتحام عقبة الإنفاق في سبيل الله و الدخول في زمرة الّذين آمنوا و تواصوا بالصبر و المرحمة، و يتأيّد به ما سيأتي في البحث الروائيّ إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى: ( أَ يَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ ) إنكار لما هو لازم قول الإنسان:( أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً ) على طريق التكنية و محصّل المعنى أنّ لازم إخبار الإنسان بإهلاكه مالاً لبداً أنّه يحسب أنّا في غفلة و جهل بما أنفق و قد أخطأ في ذلك فالله سبحانه بصير بما أنفق لكنّ هذا المقدار لا يكفي في الفوز بميمنة الحياة بل لا بدّ له من أن يتحمّل ما هو أزيد من ذلك من مشاقّ العبوديّة فيقتحم العقبة و يكون مع المؤمنين في جميع ما هم فيه.

قوله تعالى: ( أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَ لِساناً وَ شَفَتَيْنِ وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ ) النجد الطريق المرتفع، و المراد بالنجدين طريق الخير و طريق الشرّ و سمّيا النجدين لما في سلوك كلّ منهما من الجهد و الكدح، و فسّراً بثديي الاُم و هو بعيد.

و قوله:( أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ) أي جهّزناه في بدنه بما يبصر به فيحصل له العلم بالمرئيّات على سعة نطاقها، و قوله:( وَ لِساناً وَ شَفَتَيْنِ ) أي أ و لم نجعل له لساناً و شفتين يستعين بها على التكلّم و الدلالة على ما في ضميره من العلم و يهتدي بذلك غيره على العلم بالاُمور الغائبة عن البصر.

و قوله:( وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ ) أي علّمناه طريق الخير و طريق الشرّ بإلهام منّا فهو يعرف الخير و يميّزه من الشرّ فالآية في معنى قوله تعالى:( وَ نَفْسٍ وَ ما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها ) الشمس: ٨.

و في الآيات الثلاث حجّة على قوله:( أَ يَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ ) أي على أنّه تعالى يرى أعمال عباده و يعلم ما في ضمائرهم من وجوه الأعمال و يميّز الخير من الشرّ و الحسنة من السيّئة.

٤٢١

محصّلها أنّ الله سبحانه هو الّذي يعرّف المرئيّات للإنسان بوسيلة عينيه و كيف يتصوّر أن يعرّفه أمراً و هو لا يعرفه؟ و هو الّذي يدلّ الإنسان على ما في الضمير بواسطة الكلام و هل يعقل أن يكشف له عمّا هو في حجاب عنه؟ و هو الّذي يعلّم الإنسان و يميّز له الخير و الشرّ بالإلهام و هل يمكن معه أن يكون هو نفسه لا يعلم به و لا يميّزه؟ فهو تعالى يرى ما عمله الإنسان و يعلم ما ينويه بعمله و يميّز كونه خيراً أو شرّاً و حسنة أو سيّئة.

قوله تعالى: ( فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ) الاقتحام الدخول بسرعة و ضغط و شدّة، و العقبة الطريق الصعب الوعر الّذي فيه صعود من الجبل، و اقتحام العقبة إشارة إلى الإنفاق الّذي يشقّ على منفقه كما سيصرّح به.

و قيل: الجملة دعاء على الإنسان القائل: أهلكت مالاً لبداً، و ليس بشي‏ء.

قوله تعالى: ( وَ ما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ ) تفخيم لشأنها كما مرّ في نظائره.

قوله تعالى: ( فَكُّ رَقَبَةٍ ) أي عتقها و تحريرها أو التقدير هي أي العقبة فكّ رقبة فالمراد بالعقبة نفس الفكّ الّذي هو العمل و اقتحامه الإتيان به، و الإتيان بالعمل نفس العمل.

و به يظهر فساد قول بعضهم إنّ فكّ رقبة اقتحام للعقبة لا نفس العقبة فهناك مضاف محذوف يعود إليه الضمير و التقدير و ما أدراك ما اقتحام العقبة هو - أي الاقتحام - فكّ رقبة.

و ما ذكر في بيان العقبة من فكّ الرقبة و الإطعام في يوم ذي مسغبة من مصاديق نشر الرحمة خصّ بالذكر لمكان الأهمّيّة، و قدّم فكّ الرقبة و ابتدئ به لكمال عناية الدين بفكّ الرقاب.

قوله تعالى: ( أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ ) المسغبة المجاعة، و المقربة القرابة بالنسب، و المتربة من التراب و معناها الالتصاق بالتراب من شدّة الفقر، و المعنى أو إطعام في يوم المجاعة يتيماً من ذي القربى أو

٤٢٢

مسكيناً شديد الفقر.

قوله تعالى: ( ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَ تَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ) المرحمة مصدر ميميّ من الرحمة، و التواصي بالصبر وصيّة بعضهم بعضاً بالصبر على طاعة الله و التواصي بالمرحمة وصيّة بعضهم بعضاً بالرحمة على ذوي الفقر و الفاقة و المسكنة.

و الجملة أعني قوله:( ثُمَّ كانَ ) إلخ معطوفة على قول:( اقْتَحَمَ ) و التقدير فلا اقتحم العقبة و لا كان من الّذين آمنوا إلخ و قيل فيها غير ذلك ممّا لا جدوى فيه.

قوله تعالى: ( أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ) بمعنى اليمن مقابل الشؤم، و الإشارة باُولئك إلى ما يدلّ عليه السياق السابق أي الّذين اقتحموا العقبة و كانوا من الّذين آمنوا و تواصوا بالصبر و المرحمة أصحاب اليمن لا يرون ممّا قدّموه من الإيمان و عملهم الصالح إلّا أمراً مباركاً جميلاً مرضيّاً.

و قيل: المراد بالميمنة جهة اليمين و أصحاب الميمنة هم الّذين يؤتون كتابهم بيمينهم، و مقابلة الميمنة بالمشأمة لا تلائمه.

قوله تعالى: ( وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ ) الآيات الآفاقيّة و الأنفسية آيات و أدلّة عليه تعالى تدلّ على توحّده في الربوبيّة و الاُلوهيّة و سائر ما يتفرّع عليه و ردّها كفر بها و الكفر بها كفر بالله و كذا القرآن الكريم و آياته، و كذا ما نزل و بلّغ من طريق الرسالة.

و الظاهر أنّ المراد بالآيات مطلقها، و المشأمة خلاف الميمنة.

قوله تعالى: ( عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ ) أي مطبقة.

( بحث روائي‏)

في المجمع: في قوله:( وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ ) قيل: معناه و أنت محلّ بهذا البلد و هو ضدّ المحرم، و المراد أنت حلال لك قتل من رأيت من الكفّار، و ذلك حين اُمر بالقتال يوم فتح مكّة فأحلّها الله له حتّى قاتل و قتل، و قد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لم يحلّ لأحد قبلي و لا يحلّ لأحد بعدي و لم يحلّ لي إلّا ساعة من نهار. عن ابن عبّاس

٤٢٣

و مجاهد و عطاء.

و فيه: في الآية و قيل: لا اُقسم بهذا البلد و أنت حلال منتهك الحرمة مستباح العرض لا تحترم فلا تبقى للبلد حرمة حيث هتكت: عن أبي مسلم و هو المرويّ عن أبي عبداللهعليه‌السلام .

قال: كانت قريش تعظّم البلد و تستحلّ محمّداً فيه فقال:( لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ ) يريد أنّهم استحلّوك فيه و كذّبوه و شتموك، و كانوا لا يأخذ الرجل منهم فيه قاتل أبيه و يتقلّدون لحاء شجر الحرم فيأمنون بتقلّدهم إيّاه فاستحلّوا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لم يستحلّوه من غيره فعاب الله ذلك عليهم.

و فيه: في قوله تعالى:( وَ والِدٍ وَ ما وَلَدَ ) قيل: آدم و ما ولد من الأنبياء و الأوصياء و أتباعهم. عن أبي عبداللهعليه‌السلام .

أقول: و المعاني السابقة مرويّة من طرق أهل السنّة في أحاديث موقوفة، و روى القمّيّ في تفسيره الأخيرتين بالإرسال و الإضمار.

و في تفسير القمّيّ:( يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً ) قال: اللبد المجتمع و في المجمع: في الآية قيل: هو الحارث بن نوفل بن عبد مناف و ذلك أنّه أذنب ذنبا فاستفتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأمره أن يكفّر فقال: لقد ذهب مالي في الكفّارات و النفقات منذ دخلت في دين محمّد، عن مقاتل.

و في المجمع: أنّه قيل لأميرالمؤمنينعليه‌السلام : إنّ اُناسا يقولون في قوله:( وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ ) أنّهما الثديان فقال: لا، هما الخير و الشرّ.

و في اُصول الكافي، بإسناده عن حمزة بن محمّد عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن قول الله تعالى:( وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ ) قال: نجد الخير و الشرّ.

أقول: و روي في الدرّ المنثور، هذا المعنى بطرق عن عليّعليه‌السلام و أنس و أبي أمامة و غيرهم عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و رواه القمّيّ في تفسيره، مرسلاً مضمراً.

و في الكافي، بإسناده عن جعفر بن خلّاد قال: كان أبوالحسن الرضاعليه‌السلام إذا أكل اُتي بصحفة فتوضع قرب مائدته فيعمد إلى أطيب الطعام ممّا يؤتى به فيأخذ من كلّ

٤٢٤

شي‏ء شيئاً فيضع في تلك الصحفة ثمّ يأمر بها للمساكين ثمّ يتلو هذه الآية( فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ) .

ثمّ يقول: علم الله عزّوجلّ أنّه ليس كلّ إنسان يقدر على عتق رقبة فجعل لهم السبيل إلى الجنّة.

و في المجمع، و روي مرفوعاً عن البراء بن عازب قال: جاء أعرابيّ إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا رسول الله علّمني عملاً يدخلني الجنّة قال: إن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة، أعتق النسمة و فكّ الرقبة، فقال أ و ليسا واحداً؟ قال: لا، عتق الرقبة أن يتفرّد بعتقها و فكّ الرقبة أن يعين في ثمنها، و الفي‏ء على ذي الرحم الظالم.

فإن لم يكن ذلك فأطعم الجائع و اسق الظمآن و أمر بالمعروف و أنه عن المنكر فإن لم تطق ذلك فكفّ لسانك إلّا من خير.

و في تفسير القمّيّ: في قوله تعالى:( أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ ) قال: لا يقيه من التراب شي‏ء.

٤٢٥

( سورة الشمس مكّيّة و هي خمس عشرة آية)

( سورة الشمس الآيات ١ - ١٥)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ( ١ ) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا ( ٢ ) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا ( ٣ ) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ( ٤ ) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ( ٥ ) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا ( ٦ ) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ( ٧ ) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ( ٨ ) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ( ٩ ) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ( ١٠ ) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا ( ١١ ) إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا ( ١٢ ) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ نَاقَةَ اللهِ وَسُقْيَاهَا ( ١٣ ) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا ( ١٤ ) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا ( ١٥ )

( بيان‏)

تذكر السورة أنّ فلاح الإنسان - و هو يعرف التقوى و الفجور بتعريف إلهيّ و إلهام باطنيّ - أن يزكّي نفسه و ينميها إنماءً صالحاً بتحليتها بالتقوى و تطهيرها من الفجور، و الخيبة و الحرمان من السعادة لمن يدسّيها، و يستشهد لذلك بما جرى على ثمود من عذاب الاستئصال لمّا كذّبوا رسولهم صالحاً و عقروا الناقة، و في ذلك تعريض لأهل مكّة، و السورة مكّيّة بشهادة من سياقها.

قوله تعالى: ( وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها ) في المفردات: الضحى انبساط الشمس و امتداد النهار و سمّي الوقت به انتهى. و الضمير للشمس، و في الآية إقسام بالشمس و انبساط ضوئها على الأرض.

قوله تعالى: ( وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها ) عطف على الشمس و الضمير لها و إقسام بالقمر

٤٢٦

حال كونه تاليا للشمس، و المراد بتلوّه لها إن كان كسبه النور منها فالحال حال دائمة و إن كان طلوعه بعد غروبها فالإقسام به من حال كونه هلالاً إلى حال تبدّره.

قوله تعالى: ( وَ النَّهارِ إِذا جَلَّاها ) التجلية الإظهار و الإبراز، و ضمير التأنيث للأرض، و المعنى و اُقسم بالنهار إذا أظهر الأرض للأبصار.

و قيل: ضمير الفاعل في( جَلَّاها ) للنهار و ضمير المفعول للشمس، و المراد الإقسام بحال إظهار النهار للشمس فإنّها تنجلي و تظهر إذا انبسط النهار، و فيه أنّه لا يلائم ما تقدّمه فإنّ الشمس هي المظهرة للنهار دون العكس.

و قيل: الضمير المؤنّث للدنيا، و قيل: للظلمة، و قيل: ضمير الفاعل لله تعالى و ضمير المفعول للشمس، و المعنى و اُقسم بالنهار إذا أظهر الله الشمس، و هي وجوه بعيدة.

قوله تعالى: ( وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشاها ) أي يغطي الأرض، فالضمير للأرض كما في( جَلَّاها ) و قيل: للشمس و هو بعيد فالليل لا يغطّي الشمس و إنّما يغطّي الأرض و ما عليها.

و التعبير عن غشيان الليل الأرض بالمضارع بخلاف تجلية النهار لها حيث قيل:( وَ النَّهارِ إِذا جَلَّاها وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشاها ) للدلالة على الحال ليكون فيه إيماء إلى غشيان الفجور الأرض في الزمن الحاضر الّذي هو أوائل ظهور الدعوة الإسلاميّة لما تقدّم أنّ بين هذه الأقسام و بين المقسم بها نوع اتّصال و ارتباط، هذا مضافاً إلى رعاية الفواصل.

قوله تعالى: ( وَ السَّماءِ وَ ما بَناها وَ الْأَرْضِ وَ ما طَحاها ) طحو الأرض و دحوها بسطها، و( ما ) في( وَ ما بَناها ) و( ما طَحاها ) موصولة، و الّذي بناها و طحاها هو الله تعالى و التعبير عنه تعالى بما دون من لإيثار الإبهام المفيد للتفخيم و التعجيب فالمعنى و اُقسم بالسماء و الشي‏ء القوي العجيب الّذي بناها و اُقسم بالأرض و الشي‏ء القويّ العجيب الّذي بسطها.

و قيل: ما مصدريّة و المعنى و اُقسم بالسماء و بنائها و الأرض و طحوها، و السياق

٤٢٧

- و فيه قوله:( وَ نَفْسٍ وَ ما سَوَّاها فَأَلْهَمَها ) إلخ - لا يساعده.

قوله تعالى: ( وَ نَفْسٍ وَ ما سَوَّاها ) أي و اُقسم بنفس و الشي‏ء ذي القدرة و العلم و الحكمة الّذي سوّاها و رتّب خلقتها و نظم أعضاءها و عدّل بين قواها.

و تنكير( نَفْسٍ ) قيل: للتنكير، و قيل: للتفخيم و لا يبعد أن يكون التنكير للإشارة إلى أنّ لها وصفاً و أنّ لها نبأ.

و المراد بالنفس النفس الإنسانيّة مطلقاً و قيل: المراد بها نفس آدمعليه‌السلام و لا يلائمه السياق و خاصّة قوله:( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها ) إلّا بالاستخدام على أنّه لا موجب للتخصيص.

قوله تعالى: ( فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها ) الفجور - على ما ذكره الراغب - شقّ ستر الديانة فالنهي الإلهيّ عن فعل أو عن ترك حجاب مضروب دونه حائل بين الإنسان و بينه و اقتراف المنهيّ عنه شقّ للستر و خرق للحجاب.

و التقوى - على ما ذكره الراغب - جعل النفس في وقاية ممّا يخاف، و المراد بها بقرينة المقابلة في الآية بينها و بين الفجور التجنّب عن الفجور و التحرّز عن المنافي و قد فسّرت في الرواية بأنّها الورع عن محارم الله.

و الإلهام الإلقاء في الروع و هو إفاضته تعالى الصور العمليّة من تصوّر أو تصديق على النفس.

و تعليق الإلهام على عنواني فجور النفس و تقواها للدلالة على أنّ المراد تعريفه تعالى للإنسان صفة فعله من تقوى أو فجور وراء تعريفه متن الفعل بعنوانه الأوّليّ المشترك بين التقوى و الفجور كأكل المال مثلاً المشترك بين أكل مال اليتيم الّذي هو فجور و بين أكل مال نفسه الّذي هو من التقوى، و المباشرة المشتركة بين الزنا و هو فجور و النكاح و هو من التقوى و بالجملة المراد أنّه تعالى عرّف الإنسان كون ما يأتي به من فعل فجوراً أو تقوى و ميّز له ما هو تقوى ممّا هو فجور.

و تفريع الإلهام على التسوية في قوله:( وَ ما سَوَّاها فَأَلْهَمَها ) إلخ للإشارة إلى أنّ إلهام الفجور و التقوى و هو العقل العملي من تكميل تسوية النفس فهو من نعوت

٤٢٨

خلقتها كما قال تعالى:( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ) الروم: ٣٠.

و إضافة الفجور و التقوى إلى ضمير النفس للإشارة إلى أنّ المراد بالفجور و التقوى الملهمين الفجور و التقوى المختصّين بهذه النفس المذكورة و هي النفس الإنسانيّة و نفوس الجنّ على ما يظهر من الكتاب العزيز من كونهم مكلّفين بالإيمان و العمل الصالح.

قوله تعالى: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها ) الفلاح هو الظفر بالمطلوب و إدراك البغية، و الخيبة خلافه، و الزكاة نموّ النبات نموّاً صالحاً ذا بركة و التزكية إنماؤه كذلك، و التدسّي - و هو من الدسّ بقلب إحدى السينين ياء - إدخال الشي‏ء في الشي‏ء بضرب من الإخفاء، و المراد بها بقرينة مقابله التزكية: الإنماء على غير ما يقتضيه طبعها و ركّبت عليه نفسها.

و الآية أعني قوله:( قَدْ أَفْلَحَ ) إلخ جواب القسم، و قوله:( وَ قَدْ خابَ ) إلخ معطوف عليه.

و التعبير بالتزكية و التدسّي عن إصلاح النفس و إفسادها مبتن على ما يدلّ عليه قوله:( فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها ) على أنّ من كمال النفس الإنسانيّة أنّها ملهمة مميّزة - بحسب فطرتها - للفجور من التقوى أي أنّ الدين و هو الإسلام لله فيما يريده فطريّ للنفس فتحلية النفس بالتقوى تزكية و إنماء صالح و تزويد لها بما يمدّها في بقائها قال تعالى:( وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى‏ وَ اتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ ) البقرة: ١٩٧ و أمرها في الفجور على خلاف التقوى.

قوله تعالى: ( كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها ) الطغوى مصدر كالطغيان، و الباء للسببيّة.

و الآية و ما يتلوها إلى آخر السورة استشهاد و تقرير لما تقدّم من قوله( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها ) إلخ.

قوله تعالى: ( إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها ) ظرف لقوله:( كَذَّبَتْ ) أو لقوله:( بِطَغْواها )

٤٢٩

و المراد بأشقى ثمود هو الّذي عقر الناقة و اسمه على ما في الروايات قدار بن سالف و قد كان انبعاثه ببعث القوم كما تدلّ عليه الآيات التالية بما فيها من ضمائر الجمع.

قوله تعالى: ( فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ناقَةَ اللهِ وَ سُقْياها ) المراد برسول الله صالحعليه‌السلام نبيّ ثمود، و قوله:( ناقَةَ اللهِ ) منصوب على التحذير، و قوله:( وَ سُقْياها ) معطوف عليه.

و المعنى فقال لهم صالح برسالة من الله: احذروا ناقة الله و سقياها و لا تتعرّضوا لها بقتلها أو منعها عن نوبتها في شرب الماء، و قد فصّل الله القصّة في سورة هود و غيرها.

قوله تعالى: ( فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها ) العقر إصابة أصل الشي‏ء و يطلق على نحر البعير و القتل، و الدمدمة على الشي‏ء الإطباق عليه يقال: دمدم عليه القبر أي أطبقه عليه و المراد شمولهم بعذاب يقطع دابرهم و يمحو أثرهم بسبب ذنبهم.

و قوله:( فَسَوَّاها ) الظاهر أنّ الضمير لثمود باعتبار أنّهم قبيلة أي فسوّاها بالأرض أو هو تسوية الأرض بمعنى تسطيحها و إعفاء ما فيها من ارتفاع و انخفاض.

و قيل: الضمير للدمدمة المفهومة من قوله:( فَدَمْدَمَ ) و المعنى فسوّى الدمدمة بينهم فلم يفلت منهم قويّ و لا ضعيف و لا كبير و لا صغير.

قوله تعالى: ( وَ لا يَخافُ عُقْباها ) الضمير للدمدمة أو التسوية، و الواو للاستئناف أو الحال.

و المعنى: و لا يخاف ربّهم عاقبة الدمدمة عليهم و تسويتهم كما يخاف الملوك و الأقوياء عاقبة عقاب أعدائهم و تبعته، لأنّ عواقب الاُمور هي ما يريده و على وفق ما يأذن فيه فالآية قريبة المعنى من قوله تعالى:( لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ ) الأنبياء: ٢٣.

و قيل: ضمير( لا يَخافُ ) للأشقى، و المعنى و لا يخاف عاقر الناقة عقبى ما صنع بها.

و قيل: ضمير( لا يَخافُ ) لصالح و ضمير( عُقْباها ) للدمدمة و المعنى و لا يخاف صالح عقبى الدمدمة عليهم لثقته بالنجاة و ضعف الوجهين ظاهر.

٤٣٠

( بحث روائي‏)

في تفسير القمّيّ: في قوله تعالى:( وَ نَفْسٍ وَ ما سَوَّاها ) قال: خلقها و صورها.

و في المجمع، و روى زرارة و حمران و محمّد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبداللهعليهما‌السلام في قوله تعالى:( فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها ) قال: بيّن لها ما يأتي و ما يترك، و في قوله تعالى:( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها ) قال: قد أفلح من أطاع( وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها ) قال: قد خاب من عصى.

و في الدرّ المنثور، أخرج أحمد و مسلم و ابن جرير و ابن المنذر و ابن مردويه عن عمران بن حصين أنّ رجلاً قال: يا رسول الله أ رأيت ما يعمل الناس اليوم و يكدحون فيه شي‏ء قد قضي عليهم و مضى عليهم في قدر قد سبق؟ أو فيما يستقبلون به نبيّهم و اتّخذت عليهم به الحجّة؟ قال: بل شي‏ء قضي عليهم.

قال: فلم يعملون إذا؟ قال: من كان الله خلقه لواحدة من المنزلتين هيّأه لعملها و تصديق ذلك في كتاب الله:( وَ نَفْسٍ وَ ما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها ) .

أقول: قوله: أو فيما يستقبلون إلخ الظاهر أنّ الهمزة فيه للاستفهام و الواو للعطف و المعنى و هل في طاعتهم لنبيّهم قضاء من الله و قدر قد سبق؟ و قوله: فلم يعملون إذا، أي فما معنى عملهم و استناد الفعل إليهم.؟

و قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كان الله إلخ معناه أنّ وجوب صدور الفعل حسنة أو سيّئة منهم بالنظر إلى القضاء و القدر السابقين لا ينافي إمكان صدوره بالنظر إلى الإنسان و اختياره، و قد اتّضح ذلك في الأبحاث السابقة من الكتاب مراراً.

و فيه، أخرج ابن أبي حاتم و أبوالشيخ و ابن مردويه و الديلميّ عن جويبر عن الضحّاك عن ابن عبّاس: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول:( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها ) الآية أفلحت نفس زكّاها الله و خابت نفس خيبّها الله من كلّ خير.

أقول: انتساب التزكية و التخييب إليه تعالى بوجه لا ينافي انتسابهما بالطاعة و المعصية إلى الإنسان.

٤٣١

و إنّما ينتسب إلى الله سبحانه من الإضلال ما كان على طريق المجازاة كما قال:( وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ ) البقرة: ٢٦.

و في المجمع، و قد صحّت الرواية بالإسناد عن عثمان بن صهيب عن أبيه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ بن أبي طالب: من أشقى الأوّلين؟ قال: عاقر الناقة. قال: صدقت فمن أشقى الآخرين؟ قال: قلت: لا أعلم يا رسول الله. قال: الّذي يضربك على هذه فأشار إلى يافوخة.

أقول: و روي فيه هذا المعنى أيضاً عن عمّار بن ياسر.

و في تفسير البرهان: و روى الثعلبيّ و الواحديّ بإسنادهما عن عمّار و عن عثمان بن صهيب و عن الضحّاك و روى ابن مردويه بإسناده عن جابر بن سمرة و عن عمّار و عن ابن عديّ أو عن الضحّاك و روى الخطيب في التاريخ، عن جابر بن سمرة و روى الطبريّ و الموصلي و روى أحمد عن الضحّاك عن عمّار أنّه قال: قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليّ أشقى الأوّلين عاقر الناقة و أشقى الآخرين قاتلك، و في رواية من يخضب هذه من هذا.

٤٣٢

( سورة الليل مكّيّة و هي إحدى و عشرون آية)

( سورة الليل الآيات ١ - ٢١)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ ( ١ ) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ ( ٢ ) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ ( ٣ ) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ ( ٤ ) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ ( ٥ ) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ ( ٦ ) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ ( ٧ ) وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ ( ٨ ) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ ( ٩ ) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ ( ١٠ ) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ ( ١١ ) إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ ( ١٢ ) وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَىٰ ( ١٣ ) فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّىٰ ( ١٤ ) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى ( ١٥ ) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ ( ١٦ ) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ( ١٧ ) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ ( ١٨ ) وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ ( ١٩ ) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَىٰ ( ٢٠ ) وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ ( ٢١ )

( بيان‏)

غرض السورة الإنذار و تسلك إليه بالإشارة إلى اختلاف مساعي الناس و أنّ منهم من أنفق و اتّقى و صدّق بالحسنى فسيمكّنه الله من حياة خالدة سعيدة و منهم من بخل و استغنى و كذّب بالحسنى فسيسلك الله به إلى شقاء العاقبة، و في السورة اهتمام و عناية خاصّة بأمر الإنفاق المالي.

و السورة تحتمل المكّيّة و المدنيّة بحسب سياقها.

٤٣٣

قوله تعالى: ( وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى‏ ) إقسام بالليل إذا يغشى النهار على حدّ قوله تعالى:( يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ ) الأعراف: ٥٤، و يحتمل أن يكون المراد غشيانه الأرض أو الشمس.

قوله تعالى: ( وَ النَّهارِ إِذا تَجَلَّى ) عطف على الليل، و التجلّي ظهور الشي‏ء بعد خفائه، و التعبير عن صفة الليل بالمضارع و عن صفة النهار بالماضي حيث قيل:( يَغْشى) و( تَجَلَّى ) تقدّم فيه وجه في تفسير أوّل السورة السابقة.

قوله تعالى: ( وَ ما خَلَقَ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثى‏ ) عطف على الليل كسابقه، و( ما ) موصولة و المراد به الله سبحانه و إنّما عبّر بما، دون من، إيثاراً للإبهام المشعر بالتعظيم و التفخيم و المعنى و اُقسم بالشي‏ء العجيب الّذي أوجد الذكر و الاُنثى المختلفين على كونهما من نوع واحد.

و قيل: ما مصدريّة و المعنى و اُقسم بخلق الذكر و الاُنثى و هو ضعيف.

و المراد بالذكر و الاُنثى مطلق الذكر و الاُنثى أينما تحقّقاً، و قيل: الذكر و الاُنثى من الإنسان، و قيل: المراد بهما آدم و زوجته حوّاء، و أوجه الوجوه أوّلها.

قوله تعالى: ( إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ) السعي هو المشي السريع، و المراد به العمل من حيث يهتمّ به، و هو في معنى الجمع، و شتّى جمع شتيت بمعنى المتفرّق كمرضى جمع مريض.

و الجملة جواب القسم و المعنى اُقسم بهذه المتفرّقات خلقاً و أثراً إنّ مساعيكم لمتفرّقات في نفسها و آثارها فمنها إعطاء و تقوى و تصديق و لها أثر خاصّ بها، و منها بخل و استغناء و تكذيب و لها أثر خاصّ بها.

قوله تعالى: ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطى‏ وَ اتَّقى‏ وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى‏ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) تفصيل تفرّق مساعيهم و اختلاف آثارها.

و المراد بالإعطاء إنفاق المال لوجه الله بقرينة مقابلته للبخل الظاهر في الإمساك عن إنفاق المال و قوله بعد:( وَ ما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى ) .

٤٣٤

و قوله:( وَ اتَّقى‏) كالمفسّر للإعطاء يفيد أنّ المراد هو الإعطاء على سبيل التقوى الدينيّة.

و قوله:( وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى‏ ) الحسنى صفة قائمة مقام الموصوف و الظاهر أنّ التقدير بالعدة الحسنى و هي ما وعد الله من الثواب على الإنفاق لوجهه الكريم و هو تصديق البعث و الإيمان به و لازمه الإيمان بوحدانيّته تعالى في الربوبيّة و الاُلوهيّة، و كذا الإيمان بالرسالة فإنّها طريق بلوغ وعده تعالى للثواب.

و محصّل الآيتين أن يكون مؤمناً بالله و رسوله و اليوم الآخر و ينفق المال لوجه الله و ابتغاء ثوابه الّذي وعده بلسان رسوله.

و قوله:( فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى‏ ) التيسير التهيئة و الإعداد و اليسرى الخصلة الّتي فيها يسر من غير عسر، و توصيفها باليسر بنوع من التجوّز فالمراد من تيسيره لليسرى توفيقه للأعمال الصالحة بتسهيلها عليه من غير تعسير أو جعله مستعدّاً للحياة السعيدة عند ربّه و دخول الجنّة بسبب الأعمال الصالحة الّتي يأتي بها، و الوجه الثاني أقرب و أوضح انطباقاً على ما هو المعهود من مواعد القرآن.

قوله تعالى: ( وَ أَمَّا مَنْ بَخِلَ وَ اسْتَغْنى‏ وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى‏ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى‏ وَ ما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى ) البخل مقابل الإعطاء، و الاستغناء طلب الغنى و الثروة بالإمساك و الجمع، و المراد بالتكذيب بالحسنى الكفر بالعدّة الحسنى و ثواب الله الّذي بلّغه الأنبياء و الرسل و يرجع إلى إنكار البعث.

و المراد بتيسيره للعسرى خذلانه بعدم توفيقه للأعمال الصالحة، بتثقيلها عليه و عدم شرح صدره للإيمان أو إعداده للعذاب.

و قوله:( وَ ما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى ) التردّي هو السقوط من مكان عال و يطلق على الهلاك فالمراد سقوطه في حفرة القبر أو في جهنّم أو هلاكه.

و( ما ) استفهاميّة أو نافية أي أيّ شي‏ء يغنيه ماله إذا مات و هلك أو ليس يغني عنه ماله إذا مات و هلك.

٤٣٥

قوله تعالى: ( إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى‏ وَ إِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَ الْأُولى) تعليل لما تقدّم من حديث تيسيره لليسرى و للعسرى أو الإخبار به بأوجز بيان، محصّله أنّا إنّما نفعل هذا التيسير أو نبيّن هذا البيان لأنّه من الهدى و الهدى علينا لا يزاحمنا في ذلك شي‏ء و لا يمنعنا عنه مانع.

فقوله:( إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى‏ ) يفيد أنّ هدى الناس ممّا قضى سبحانه به و أوجبه على نفسه بمقتضى الحكمة و ذلك أنّه خلقهم ليعبدوه كما قال:( وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات: ٥٦ فجعل عبادته غاية لخلقهم و جعلها صراطاً مستقيماً إليه كما قال:( إِنَّ اللهَ رَبِّي وَ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ ) آل عمران: ٥١، و قال:( وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللهِ ) الشورى: ٥٣ و قضى على نفسه أن يبيّن لهم سبيله و يهديهم إليه بمعنى إراءة الطريق سواء سلكوها أم تركوها كما قال:( وَ عَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَ مِنْها جائِرٌ ) النحل: ٩، و قال:( وَ اللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ) الأحزاب: ٤ و قال:( إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً ) الإنسان: ٣ و لا ينافي ذلك قيام غيره تعالى بأمر هذا المعنى من الهدى بإذنه كالأنبياء كما قال تعالى:( وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) الشورى: ٥٢، و قال:( قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى‏ بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي ) يوسف: ١٠٨.

و قد تقدّم لهذه المسألة بيان عقلي في مباحث النبوّة في الجزء الثاني من الكتاب.

هذا في الهداية بمعنى إراءة الطريق و أمّا الهداية بمعنى الإيصال إلى المطلوب - و المطلوب في المقام الآثار الحسنة الّتي تترتّب على الاهتداء بهدى الله و التلبّس بالعبوديّة كالحياة الطيّبة المعجّلة في الدنيا و الحياة السعيدة الأبديّة في الآخرة - فمن البيّن أنّه من قبيل الصنع و الإيجاد الّذي يختصّ به تعالى فهو ممّا قضى به الله و أوجبه على نفسه و سجّله بوعده الحقّ قال تعالى:( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَ لا يَشْقى‏ ) طه: ١٢٣، و قال:( مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‏ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل: ٩٧، و قال:( وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً

٤٣٦

وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلًا ) النساء: ١٢٢.

و لا ينافي انتساب هذا المعنى من الهداية إليه تعالى بنحو الأصالة انتسابه إلى غيره تعالى بنحو التبع بتخلّل الأسباب بينه تعالى و بين ما ينسب إليه من الأثر بإذنه.

و معنى الآية - إن كان المراد بالهدى إراءة الطريق - أنّا إنّما نبيّن لكم ما نبيّن لأنّه من إراءة طريق العبوديّة و إراءة الطريق علينا، و إن كان المراد به الإيصال إلى المطلوب أنّا إنّما نيسّر هؤلاء لليسرى من الأعمال الصالحة أو من الحياة السهلة الأبديّة و دخول الجنّة لأنّه من إيصال الأشياء إلى غاياتها و علينا ذلك.

و أمّا التيسير للعسرى فهو ممّا يتوقّف عليه التيسير لليسرى( لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَ يَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى‏ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ ) الأنفال: ٣٧ و قد قال سبحانه في القرآن الّذي هو هدى للعالمين:( وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً ) إسراء: ٨٢.

و يمكن أن يكون المراد به مطلق الهداية أعمّ من الهداية التكوينيّة الحقيقيّة و التشريعيّة الاعتباريّة - على ما هو ظاهر إطلاق اللفظ - فله تعالى الهداية الحقيقيّة كما قال:( الَّذِي أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى‏ ) طه: ٥٠، و الهداية الاعتباريّة كما قال:( إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً ) الإنسان: ٣.

و قوله:( وَ إِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَ الْأُولى) أي عالم البدء و عالم العود فكلّ ما يصدق عليه أنّه شي‏ء فهو مملوك له تعالى بحقيقة الملك الّذي هو قيام وجوده بربّه القيّوم و يتفرّع عليه الملك الاعتباري الّذي من آثاره جواز التصرّفات.

فهو تعالى يملك كلّ شي‏ء من كلّ جهة فلا يملك شي‏ء منه شيئاً فلا معارض يعارضه و لا مانع يمنعه و لا شي‏ء يغلبه كما قال:( وَ اللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ) الرعد: ٤١ و قال:( وَ اللهُ غالِبٌ عَلى‏ أَمْرِهِ ) يوسف: ٢١، و قال:( وَ يَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ ) إبراهيم: ٢٧.

قوله تعالى: ( فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَ تَوَلَّى )

٤٣٧

تفريع على ما تقدّم أي إذا كان الهدى علينا فأنذرتكم نار جهنّم و بذلك يوجّه ما في قوله:( فَأَنْذَرْتُكُمْ ) من الالتفات عن التكلّم مع الغير إلى التكلّم وحده أي إذا كان الهدى مقضيّة محتومة فالمنذر بالأصالة هو الله و إن كان بلسان رسوله.

و تلظّى النار تلهّبها و توهّجها، و المراد بالنار الّتي تتلظّى جهنّم كما قال تعالى:( كَلَّا إِنَّها لَظى) المعارج: ١٥.

و المراد بالأشقى مطلق الكافر الّذي يكفر بالتكذيب و التولّي فإنّه أشقى من سائر من شقي في دنياه فمن ابتلي في بدنه شقي و من اُصيب في ماله أو ولده مثلاً شقي و من خسر في أمر آخرته شقي و الشقيّ في أمر آخرته أشقى من غيره لكون شقوته أبديّة لا مطمع في التخلص منها بخلاف الشقوة في شأن من شؤن الدنيا فإنّها مقطوعة لا محالة مرجوّة الزوال عاجلاً.

فالمراد بالأشقى هو الكافر المكذّب بالدعوة الحقّة المعرض عنها على ما يدلّ عليه توصيفه بقوله:( الَّذِي كَذَّبَ وَ تَوَلَّى ) و يؤيّده إطلاق الإنذار، و أمّا الأشقى بمعنى أشقى الناس كلّهم فممّا لا يساعد عليه السياق البتّة.

و المراد بصلي النار اتّباعها و لزومها فيفيد معنى الخلود و هو ممّا قضى الله به في حقّ الكافر، قال تعالى:( وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) البقرة: ٣٩.

و بذلك يندفع ما قيل: إنّ قوله:( لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى ) ينفي عذاب النار عن فسّاق المؤمنين على ما هو لازم القصر في الآية، وجه الاندفاع أنّ الآية إنّما تنفي عن غير الكافر الخلود فيها دون أصل الدخول.

قوله تعالى: ( وَ سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى) التجنيب التبعيد، و ضمير( سَيُجَنَّبُهَا ) للنار، و المعنى سيبعد عن النار الأتقى.

و المراد بالأتقى من هو أتقى من غيره ممّن يتّقي المخاطر فهناك من يتّقي ضيعة النفوس كالموت و القتل و من يتّقي فساد الأموال و من يتّقي العدم و الفقر فيمسك عن

٤٣٨

بذل المال و هكذا و منهم من يتّقي الله فيبذل المال، و أتقى هؤلاء الطوائف من يتّقي الله فيبذل المال لوجهه و إن شئت فقل يتّقي خسران الآخرة فيتزكّى بالإعطاء.

فالمفضّل عليه للأتقى هو من لا يتّقي بإعطاء المال و إن اتّقى سائر المخاطر الدنيويّة أو اتّقى الله بسائر الأعمال الصالحة.

فالآية عامّة بحسب مدلولها غير خاصّة و يدلّ عليه توصيف الأتقى بقوله:( الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ ) إلخ و هو وصف عامّ و كذا ما يتلوه، و لا ينافي ذلك كون الآيات أو جميع السورة نازلة لسبب خاصّ كما ورد في أسباب النزول.

و أمّا إطلاق المفضّل عليه بحيث يشمل جميع الناس من طالح أو صالح و لازمه انحصار المفضّل في واحد مطلقاً أو واحد في كلّ عصر، و يكون المعنى و سيجنّبها من هو أتقى الناس كلّهم و كذا المعنى في نظيره: لا يصلاها إلّا أشقى الناس كلّهم فلا يساعد عليه سياق آيات صدر السورة، و كذا الإنذار العامّ الّذي في قوله:( فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى ) فلا معنى لأن يقال: أنذرتكم جميعاً ناراً لا يخلد فيها إلّا واحد منكم جميعاً و لا ينجو منها إلّا واحد منكم جميعاً.

و قوله:( الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى ) صفة للأتقى أي الّذي يعطي و ينفق ماله يطلب بذلك أن ينمو نماءً صالحاً.

و قوله:( وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى) تقرير لمضمون الآية السابقة أي ليس لأحد عنده من نعمة تجزى تلك النعمة بما يؤتيه من المال و تكافأ و إنّما يؤتيه لوجه الله و يؤيّد هذا المعنى تعقيبه بقوله:( إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى‏ ) .

فالتقدير من نعمة تجزى به، و إنّما حذف الظرف رعاية للفواصل، و يندفع بذلك ما قيل: إنّ بناء( تُجْزى) للمفعول لأن القصد ليس لفاعل معيّن.

قوله تعالى: ( إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى‏ ) استثناء منقطع و المعنى و لكنّه يؤتي ماله طلباً لوجه ربّه الأعلى و قد تقدّم كلام في معنى وجه الله تعالى و في معنى الاسم الأعلى.

قوله تعالى: ( وَ لَسَوْفَ يَرْضى‏ ) أي و لسوف يرضى هذا الأتقى بما يؤتيه ربّه

٤٣٩

الأعلى من الأجر الجزيل و الجزاء الحسن الجميل.

و في ذكر صفتي الربّ و الأعلى إشعار بأنّ ما يؤتاه من الجزاء أنعم الجزاء و أعلاه و هو المناسب لربوبيّته تعالى و علوّه، و من هنا يظهر وجه الالتفات في الآية السابقة في قوله:( وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) من سياق التكلّم وحده إلى الغيبة بالإشارة إلى الوصفين: ربّه الأعلى.

( بحث روائي‏)

في الكافي، بإسناده عن محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : قول الله عزّوجلّ:( وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى) ( وَ النَّجْمِ إِذا هَوى) و ما أشبه ذلك؟ فقال: إنّ لله عزّوجلّ أن يقسم من خلقه بما شاء، و ليس لخلقه أن يقسموا إلّا به.

أقول: و رواه في الفقيه، بإسناده عن عليّ بن مهزيار عن أبي جعفر الثانيعليه‌السلام .

و في تفسير القمّيّ: في قوله تعالى:( وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى) قال: حين يغشى النهار و هو قسم.

و عن الحميريّ في قرب الإسناد، عن أحمد بن محمّد عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال: سمعته يقول: في تفسير( وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى‏ ) إنّ رجلاً كان لرجل في حائطه نخلة فكان يضرّ به فشكى ذلك إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدعاه فقال: أعطني نخلتك بنخلة في الجنّة فأبى فسمع ذلك رجل من الأنصار يكنّى أبا الدحداح فجاء إلى صاحب النخلة فقال: بعني نخلتك بحائطي فباعه فجاءه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا رسول الله قد اشتريت نخلة فلان بحائطي فقال رسول الله: لك بدلها نخلة في الجنّة.

فأنزل الله تعالى على نبيّه:( وَ ما خَلَقَ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثى‏ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى فَأَمَّا مَنْ أَعْطى) يعني النخلة( وَ اتَّقى‏ وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى) هو ما عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى ‏ - إلى قوله -تَرَدَّى ) .

أقول: و رواه القمّيّ في تفسيره، مرسلاً مضمراً، و قوله: الزوجين تفسير منهعليه‌السلام

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568