الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢٠

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 568

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 568
المشاهدات: 212062
تحميل: 6364


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 212062 / تحميل: 6364
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 20

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

للذكر و الاُنثى.

و في تفسير القمّيّ: في قوله تعالى:( وَ سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ) قال: أبو الدحداح.

أقول: هذا ما من طرق الشيعة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

و روى الطبرسيّ في مجمع البيان، القصّة عن الواحديّ بإسناده عن عكرمة عن ابن عبّاس و فيه أنّ الأنصاريّ ساوم صاحب النخلة في نخلة في نخلته ثمّ اشتراها منه بأربعين نخلة ثمّ وهبها للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوهبها النبيّ لصاحب الدار، ثمّ روى الطبرسيّ عن عطاء أنّ اسم الرجل أبو الدحداح، و روى السيوطيّ في الدرّ المنثور، القصّة عن ابن أبي حاتم عن ابن عبّاس و ضعّفه.

و قد ورد من طرق أهل السنّة أنّ السورة نزلت في أبي بكر قال الرازي في التفسير الكبير: أجمع المفسّرون منّا على أنّ المراد منه - يعني من الأتقى - أبو بكر، و اعلم أنّ الشيعة بأسرهم ينكرون هذه الرواية، و يقولون إنّما نزلت في حقّ عليّ بن أبي طالب و الدليل عليه قوله تعالى:( وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ ) فقوله:( الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى ) إشارة إلى ما في تلك الآية من قوله:( وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ ) ثمّ أخذ الأتقى بمعنى أفضل الخلق أي أتقى الناس جميعاً و قد تقدّم الكلام فيه.

أمّا ما نسب إلى الشيعة بأسرهم من القول فالمعتمد عليه من طرقهم صحيح الحميريّ المتقدّم و ما في معناه من الروايات الدالّة على نزولها في أبي الدحداح الأنصاري.

نعم ورد في‏ رواية ضعيفة عن البرقيّ عن إسماعيل بن مهران عن أيمن بن محرز عن أبي بصير عن أبي عبداللهعليه‌السلام و فيها، و أمّا قوله:( وَ سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و من تبعه، و( الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى ) قال: ذاك أميرالمؤمنينعليه‌السلام و هو قوله:( وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ ) و قوله:( وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى‏ ) فهو رسول الله الّذي ليس لأحد عنده من نعمة تجزى و نعمته جارية على جميع الخلق صلوات الله عليه.

٤٤١

و الرواية على ضعف(1) سندها من قبيل الجري و التطبيق دون التفسير و من واضح الدليل عليه تطبيقه الموصوف على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و الوصف على عليّعليه‌السلام ثمّ الآية التالية على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و لو كانت من التفسير لفسد بذلك النظم قطعاً. هذا لو كانت الواو في قوله:( و الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى ) من الرواية و لو فرضت من الآية كانت الرواية من روايات التحريف المردودة.

و عن الحميريّ عن أحمد بن محمّد عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال، قلت: قول الله تبارك و تعالى( إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى‏ ) قال: إنّ الله يهدي من يشاء و يضلّ من يشاء.

فقلت له: أصلحك الله إن قوماً من أصحابنا يزعمون أنّ المعرفة مكتسبة و أنّهم إن ينظروا من وجه النظر أدركوه.

فأنكر ذلك و قال: ما لهؤلاء القوم لا يكتسبون الخير لأنفسهم؟ ليس أحد من الناس إلّا و يجب أن يكون خيراً ممّن هو خير منه هؤلاء بنو هاشم موضعهم موضعهم و قرابتهم قرابتهم و هم أحقّ بهذا الأمر منكم أ فترى أنّهم لا ينظرون لأنفسهم؟ و قد عرفتم و لم يعرفوا.

قال أبوجعفر: لو استطاع الناس لأحبّونا.

أقول: أمّا الهداية - و المراد بها الإيصال إلى المطلوب - فهي لله تعالى لأنّها من شؤن الربوبيّة، و أمّا الإضلال و المراد به الإضلال على سبيل المجازاة دون الإضلال الابتدائيّ الّذي لا يضاف إليه تعالى فهو الله أيضاً لكونه إمساكاً عن إنزال الرحمة و عدماً للهداية و إذا كانت الهداية له فالإمساك عنه أيضاً منسوب إليه تعالى.

____________________

(1) أيمن بن محرز مجهول.

٤٤٢

( سورة الضحى مكّيّة أو مدنيّة و هي إحدى عشرة آية)

( سورة الضحى الآيات 1 - 11)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالضُّحَىٰ ( 1 ) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ ( 2 ) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ ( 3 ) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَىٰ ( 4 ) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ( 5 ) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ ( 6 ) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ ( 7 ) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ ( 8 ) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ( 9 ) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ( 10 ) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ( 11 )

( بيان‏)

قيل: انقطع الوحي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيّاماً حتّى قالوا: إنّ ربّه ودّعه فنزلت السورة فطيّب الله بها نفسه، و السورة تحتمل المكّيّة و المدنيّة.

قوله تعالى: ( وَ الضُّحى‏ وَ اللَّيْلِ إِذا سَجى‏ ) إقسام، و الضحى - على ما في المفردات - انبساط الشمس و امتداد النهار و سمّي الوقت به، و سجو اللّيل سكونه و هو غشيان ظلمته.

قوله تعالى: ( ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَ ما قَلى) التوديع الترك، و القلى بكسر القاف البغض أو شدّته، و الآية جواب القسم، و مناسبة نور النهار و ظلمة الليل لنزول الوحي و انقطاعه ظاهرة.

قوله تعالى: ( وَ لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) في معنى الترقّي بالنسبة إلى ما تفيده الآية السابقة من كونهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما هو عليه من موقف الكرامة و العناية الإلهيّة كأنّه قيل: أنت على ما كنت عليه من الفضل و الرحمة ما دمت حيّاً في الدنيا و حياتك الآخرة خير لك من حياتك الدنيا.

٤٤٣

قوله تعالى: ( وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) تقرير و تثبيت لقوله:( وَ لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) و قد اشتمل الوعد على عطاء مطلق يتبعه رضي مطلق.

و قيل: الآية ناظرة إلى الحياتين جميعاً دون الحياة الآخرة فقط.

قوله تعالى: ( أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى‏ ) الآية و ما يتلوها من الآيتين إشارة إلى بعض نعمه تعالى العظام عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد مات أبوه و هو في بطن اُمّه ثمّ ماتت اُمّه و هو ابن سنتين ثمّ مات جدّه الكفيل له و هو ابن ثمان سنين فكفّله عمّه و ربّاه.

و قيل: المراد باليتيم الوحيد الّذي لا نظير له في الناس كما يقال: درّ يتيم، و المعنى أ لم يجدك وحيداً بين الناس فآوى الناس إليك و جمعهم حولك.

قوله تعالى: ( وَ وَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى‏ ) المراد بالضلال عدم الهداية و المراد بكونهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضالاً حالة في نفسه مع قطع النظر عن هدايته تعالى فلا هدى لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و لا لأحد من الخلق إلّا بالله سبحانه فقد كانت نفسه في نفسها ضالّة و إن كانت الهداية الإلهيّة ملازمة لها منذ وجدت فالآية في معنى قوله تعالى:( ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ ) الشورى: 52، و من هذا الباب قول موسى على ما حكى الله عنه:( فَعَلْتُها إِذاً وَ أَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ) الشعراء: 20 أي لم أهتد بهدى الرسالة بعد.

و يقرب منه ما قيل: إنّ المراد بالضلال الذهاب من العلم كما في قوله:( أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى‏ ) البقرة: 282، و يؤيّده قوله:( وَ إِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ ) يوسف: 3.

و قيل المعنى وجدك ضالاً بين الناس لا يعرفون حقّك فهداهم إليك و دلّهم عليك.

و قيل: إنّه إشارة إلى ضلاله في طريق مكّة حينما كانت تجي‏ء به حليمة بنت أبي ذؤيب من البدو إلى جدّه عبدالمطلب على ما روي.

و قيل: إشارة إلى ما روي من ضلاله في شعاب مكّة صغيراً.

٤٤٤

و قيل: إشارة إلى ما روي من ضلاله في مسيره إلى الشام مع عمّه أبي طالب في قافلة ميسرة غلام خديجة.

و قيل: غير ذلك و هي وجوه ضعيفة ظاهرة الضعف.

قوله تعالى: ( وَ وَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى) العائل الفقير الّذي لا مال له و قد كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقيراً لا مال له فأغناه الله بعد ما تزوّج بخديجة بنت خويلدعليه‌السلام فوهبت له مالها و كان لها مال كثير، و قيل المراد بالإغناء استجابة دعوته.

قوله تعالى: ( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ) قال الراغب: القهر الغلبة و التذليل معاً و يستعمل في كلّ واحد منهما، انتهى.

قوله تعالى: ( وَ أَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ ) النهر هو الزجر و الردّ بغلظة.

قوله تعالى: ( وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) التحديث بالنعمة ذكرها قولاً و إظهارها فعلاً و ذلك شكرها، و هذه الأوامر عامّة للناس و إن كانت موجّهة إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و الآيات الثلاث متفرّعة على الآيات الثلاث الّتي تسبقها و تذكر نعمه تعالى عليه كأنّه قيل: فقد وجدت ما يجده اليتيم من ذلّة اليتيم و انكساره فلا تقهر اليتيم باستذلاله في نفسه أو ماله، و وجدت مرارة حاجة الضالّ إلى الهدى و العائل إلى الغنى فلا تزجر سائلاً يسألك رفع حاجته إلى هدى أو معاش، و وجدت أنّ ما عندك نعمة أنعمها عليك ربّك بجوده و كرمه و رحمته فاشكر نعمته بالتحديث بها و لا تسترها.

( بحث روائي‏)

في تفسير القمّيّ: في قوله تعالى:( وَ الضُّحى‏ ) قال: إذا ارتفعت الشمس( وَ اللَّيْلِ إِذا سَجى‏ ) قال: إذا أظلم.

و فيه: في قوله تعالى( وَ ما قَلى) قال: لم يبغضك.

و في الدرّ المنثور: في قوله تعالى:( وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) أخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة

٤٤٥

على الدنيا( وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) .

و فيه، أخرج العسكريّ في المواعظ و ابن لآل و ابن النجّار عن جابر بن عبدالله قال: دخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على فاطمة و هي تطحن بالرحى و عليها كساء من حلّة الإبل فلمّا نظر إليها قال: يا فاطمة تعجّلي فتجرّعي مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غداً فأنزل الله( وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى‏ ) .

أقول: تحتمل الرواية نزول الآية وحدها بعد نزول بقيّة آيات السورة قبلها ثمّ الإلحاق و تحتمل نزولها وحدها ثانياً.

و فيه، أخرج ابن المنذر و ابن مردويه و أبونعيم في الحلية من طريق حرب بن شريح قال: قلت لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين: أ رأيت هذه الشفاعة الّتي يتحدّث بها أهل العراق أ حقّ هي؟ قال: إي و الله حدّثني عمّي محمّد بن الحنفيّة عن عليّ أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أشفع لاُمّتي حتّى يناديني ربّي: أ رضيت يا محمّد؟ فأقول: نعم يا ربّ رضيت.

ثمّ أقبل عليّ فقال: إنّكم تقولون يا معشر أهل العراق: إنّ أرجى آية في كتاب الله:( يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ) قلت: إنّا لنقول ذلك، قال: فكلّنا أهل البيت نقول: إنّ أرجى آية في كتاب الله( وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) الشفاعة.

و في تفسير البرهان، عن ابن بابويه بإسناده عن ابن الجهم عن الرضاعليه‌السلام في مجلس المأمون قال: قال الله تعالى لنبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى‏ ) يقول: أ لم يجدك وحيداً فآوى إليك الناس؟( وَ وَجَدَكَ ضَالًّا ) يعني عند قومك( فَهَدى) أي هداهم إلى معرفتك؟( وَ وَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى‏ ) يقول: أغناك بأن جعل دعاءك مستجاباً؟ فقال المأمون: بارك الله فيك يا ابن رسول الله.

و فيه، عن البرقيّ بإسناده عن عمرو بن أبي نصر قال: حدّثني رجل من أهل البصرة قال: رأيت الحسين بن عليّعليه‌السلام و عبدالله بن عمر يطوفان بالبيت فسألت ابن عمر فقلت: قول الله تعالى:( وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) قال: أمره أن يحدّث بما

٤٤٦

أنعم الله عليه.

ثمّ إنّي قلت للحسين بن عليّعليه‌السلام : قول الله تعالى:( وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) قال: أمره أن يحدّث بما أنعم الله عليه من دينه.

و في الدرّ المنثور، عن البيهقيّ عن الحسن بن عليّ في قوله:( وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) قال: إذا أصبت خيراً فحدّث إخوانك.

و فيه، أخرج أبو داود عن جابر بن عبدالله عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من أبلى بلاء فذكره فقد شكره و من كتمه فقد كفره، و من تحلّى بما لم يعط فإنّه كلابس ثوب زور.

٤٤٧

( سورة أ لم نشرح مكّيّة أو مدنيّة و هي ثمان آيات)

( سورة الشرح الآيات 1 - 8)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ( 1 ) وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ( 2 ) الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ ( 3 ) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ( 4 ) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ( 5 ) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ( 6 ) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ ( 7 ) وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب ( 8 )

( بيان‏)

أمر بالنصب في الله و الرغبة إليه توصّل إليه بتقدّمة الامتنان و السورة تحتمل المكّيّة و المدنيّة و سياق آياتها أوفق للمدنيّة.

و في بعض الروايات عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام أنّ الضحى و أ لم نشرح سورة واحدة، و يروى ذلك أيضاً عن طاووس و عمر بن عبد العزيز قال الرازيّ في التفسير الكبير بعد نقله عنهما و الّذي دعاهما إلى ذلك هو أنّ قوله تعالى:( أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ ) كالعطف على قوله:( أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً ) و ليس كذلك لأنّ الأوّل كان نزوله حال اغتمام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من إيذاء الكفّار فكانت حال محنة و ضيق صدر، و الثاني يقتضي أن يكون حال النزول منشرح الصدر طيّب القلب فأنّى يجتمعان انتهى.

و فيه أنّ المراد بشرح صدرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الآية جعله بحيث يسع ما يلقى إليه من الحقائق و لا يضيق بما ينزل عليه من المعارف و ما يصيبه من أذى الناس في تبليغها كما سيجي‏ء لا طيب القلب و السرور كما فسّره.

و يدلّ على ذلك‏ ما رواه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لقد سألت ربّي مسألة وددت أنّي لم أسأله قلت: أي ربّ أنّه

٤٤٨

قد كان أنبياء قبلي منهم من سخّرت له الريح و منهم من كان يحيي الموتى. قال: فقال: أ لم أجدك يتيماً فآويتك؟ قال: قلت: بلى قال: أ لم أجدك ضالاً فهديتك؟ قال: قلت: بلى أي ربّ. قال: أ لم أشرح لك صدرك و وضعت عنك وزرك؟ قال: قلت: بلى أي ربّ، و للكلام تتمّة ستوافيك في تفسير سورة الإيلاف إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى: ( أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) قال الراغب: أصل الشرح بسط اللحم و نحوه يقال: شرحت اللحم و شرّحته و منه شرح الصدر أي بسطته بنور إلهيّ و سكينة من جهة الله و روح منه قال تعالى:( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ) ( أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) ( فَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ ) انتهى.

و ترتّب الآيات الثلاث الأوّل في مضامينها ثمّ تعليلها بقوله:( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) الظاهر في الانطباق على حالهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أوائل دعوته و أواسطها و أواخرها ثمّ تكرار التعليل ثمّ تفريع آيتي آخر السورة كلّ ذلك يشهد على كون المراد بشرح صدرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسطه بحيث يسع ما يلقى إليه من الوحي و يؤمر بتبليغه و ما يصيبه من المكاره و الأذى في الله، و بعبارة اُخرى جعل نفسه المقدّسة مستعدّة تامّة الاستعداد لقبول ما يفاض عليها من جانب الله تعالى.

قوله تعالى: ( وَ وَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ) الوزر الحمل الثقيل، و إنقاض الظهر كسره بحيث يسمع له صوت كما يسمع من السرير و نحوه عند استقرار شي‏ء ثقيل عليه، و المراد به ظهور ثقل الوزر عليه ظهوراً بالغاً.

و وضع الوزر إذهاب ما يحسّ من ثقله و جملة:( وَ وَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ ) معطوفة على قوله:( أَ لَمْ نَشْرَحْ ) إلخ لما أنّ معناه قد شرحنا لك صدرك.

و المراد بوضع وزرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما يفيده السياق - و قد أشرنا إليه - إنفاذ دعوته و إمضاء مجاهدته في الله بتوفيق الأسباب فإنّ الرسالة و الدعوة و ما يتفرّع على ذلك هي الثقل الّذي حمّله إثر شرح صدره.

و قيل: وضع الوزر إشارة إلى ما وردت به الرواية أنّ ملكين نزلاً عليه و فلقاً صدره و أخرجاً قلبه و طهّراه ثمّ ردّاه إلى محلّه و ستوافيك روايته.

٤٤٩

و قيل: المراد بالوزر ما صدر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل البعثة، و قيل: غفلته عن الشرائع و نحوها ممّا يتوقّف على الوحي مع تطلّبه، و قيل: حيرته في بعض الاُمور كأداء حقّ الرسالة، و قيل: الوحي و ثقله عليه في بادئ أمره، و قيل: ما كان يرى من ضلال قومه و عنادهم مع عجزه عن إرشادهم، و قيل: ما كان يرى من تعدّيهم و مبالغتهم في إيذائه، و قيل: همّه لوفاة عمّه أبي طالب و زوجه خديجة، و قيل: الوزر المعصية و رفع الوزر عصمته، و قيل: الوزر ذنب اُمته و وضعه غفرانه.

و هذه الوجوه بعضها سخيف و بعضها ضعيف لا يلائم السياق، و هي بين ما قيل به و بين ما احتمل احتمالاً.

قوله تعالى: ( وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ ) رفع الذكر إعلاؤه عن مستوى ذكر غيره من الناس و قد فعل سبحانه به ذلك، و من رفع ذكره أن قرن الله اسمهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باسمه فاسمه قرين اسم ربّه في الشهادتين اللّتين هما أساس دين الله، و على كلّ مسلم أن يذكره مع ربّه كلّ يوم في الصلوات الخمس المفروضة، و من اللطف وقوع الرفع بعد الوضع في الآيتين.

قوله تعالى: ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) لا يبعد أن يكون تعليلاً لما تقدّم من وضع الوزر و رفع الذكر فما حمّله الله من الرسالة و أمر به من الدعوة - و ذلك أثقل ما يمكن لبشر أن يحمله - كان قد اشتدّ عليه الأمر بذلك، و كذا تكذيب قومه دعوته و استخفافهم به و إصرارهم على إمحاء ذكره كان قد اشتدّ عليه فوضع الله وزره الّذي حمّله بتوفيق الناس لإجابة دعوته و رفع ذكره الّذي كانوا يريدون إمحاءه و كان ذلك جرياً على سنّته تعالى في الكون من الإتيان باليسر بعد العسر فعلّل رفع الشدّة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما أشار إليه من سنّته، و على هذا فاللّام في( العسر ) للجنس دون الاستغراق و لعلّ السنّة سنّة تحوّل الحوادث و تقلّب الأحوال و عدم دوامها.

و عن الزمخشريّ في الكشّاف، أنّ الفاء في( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ ) إلخ فصيحة و الكلام مسوق لتسليتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالوعد الجميل.

قال: كان المشركون يعيّرون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و المؤمنين بالفقر و الضيقة حتّى

٤٥٠

سبق إلى ذهنه الشريف أنّهم رغبوا عن الإسلام لافتقار أهله و احتقارهم فذكّره سبحانه ما أنعم به عليه من جلائل النعم ثمّ قال:( إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) كأنّه قال: خوّلناك ما خوّلناك فلا تيأس من فضل الله فإنّ مع العسر الّذي أنتم فيه يسرا.

و ظاهره أنّ اللّام في العسر للعهد دون الجنس و أنّ المراد باليسر ما رزقه الله المؤمنين بعد من الغنائم الكثيرة.

و هو ممنوع فذهنه الشريفصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجلّ من أن يخفى عليه حالهم و أنّهم إنّما يرغبون عن دعوته استكباراً على الحقّ و استعلاء على الله على أنّ القوم لم يرغبوا في الإسلام حتّى بعد ظهور شوكته و إثراء المؤمنين و قد أيأس الله نبيّه من إيمان أكثرهم حيث قال:( لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى‏ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ - إلى أن قال -وَ سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) يس: 10 و الآيات مكّيّة و قال:( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) البقرة: 6 و الآية مدنيّة.

و لو حمل اليسر بعد العسر على شوكة الإسلام و رفعته بعد ضعته مع أخذ السورة مكّيّة لم يكن به كثير بأس.

قوله تعالى: ( إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) تكرار للتأكيد و التثبيت و قيل: استئناف و ذكروا أنّ في الآيتين دلالة على أنّ مع العسر الواحد يسران بناء على أنّ المعرفة إذا اُعيدت ثانية في الكلام كان المراد بها عين الاُولى بخلاف النكرة كما أنّه لو قيل: إذا اكتسبت الدرهم أو درهما فأنفق الدرهم كان المراد بالثاني هو الأوّل بخلاف ما لو قيل: إذا اكتسبت درهما فأنفق درهما و ليست القاعدة بمطّردة.

و التنوين في( يُسْراً ) للتنويع لا للتفخيم كما ذكره بعضهم، و المعيّة معيّة التوالي دون المعيّة بمعنى التحقّق في زمان واحد.

قوله تعالى: ( فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَ إِلى‏ رَبِّكَ فَارْغَبْ ) خطاب للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متفرّع على ما بيّن قبل من تحميله الرسالة و الدعوة و منّه تعالى عليه بما منّ من شرح الصدر و وضع الوزر و رفع الذكر و كلّ ذلك من اليسر بعد العسر.

و عليه فالمعنى إذا كان العسر يأتي بعده اليسر و الأمر فيه إلى الله لا غير فإذا فرغت

٤٥١

ممّا فرض عليك فأتعب نفسك في الله - بعبادته و دعائه - و ارغب فيه ليمنّ عليك بما لهذا التعب من الراحة و لهذا العسر من اليسر.

و قيل: المراد إذا فرغت من الفرائض فانصب في النوافل، و قيل: إذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء، و ما يتضمّنه القولان بعض المصاديق.

و قيل: المعنى إذا فرغت من الغزو فاجتهد في العبادة و قيل: المراد إذا فرغت من دنياك فانصب في آخرتك و قيل غير ذلك و هي وجوه ضعيفة.

( بحث روائي‏)

في الدرّ المنثور، أخرج عبدالله بن أحمد في زوائد الزهد عن اُبيّ بن كعب أنّ أبا هريرة قال: يا رسول الله ما أوّل ما رأيت من أمر النبوّة؟ فاستوى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جالساً و قال: لقد سألت أبا هريرة إنّي لفي صحراء ابن عشرين سنة و أشهرا إذا بكلام فوق رأسي و إذا رجل يقول لرجل: أ هو هو؟ فاستقبلاني بوجوه لم أرها لخلق قطّ، و أرواح لم أجدها في خلق قطّ و ثياب لم أجدها على أحد قطّ فأقبلا إليّ يمشيان حتّى أخذ كلّ واحد منهما بعضدي لا أجد لأحدهما مسّاً.

فقال أحدهما لصاحبه: أضجعه فأضجعني بلا قصر و لا هصر فقال أحدهما: أفلق صدره فحوّى أحدهما إلى صدري ففلقه فيما أرى بلا دم و لا وجع فقال له: أخرج الغلّ و الحسد فأخرج شيئاً كهيئة العلقة ثمّ نبذها فطرحها فقال له: أدخل الرأفة و الرحمة فإذا مثل الّذي أخرج شبه الفضّة ثمّ هزّ إبهام رجلي اليمنى و قال: اغد و أسلم فرجعت بها أغدو بها رقّة على الصغير و رحمة للكبير.

أقول: و في نقل بعضهم - كما في روح المعاني - ابن عشر حجج مكان قوله: ابن عشرين سنة و أشهراً، و في بعض الروايات نقل القصّة عند نزول سورة اقرأ باسم ربّك و في بعضها كما في صحيح البخاريّ و مسلم و الترمذيّ و النسائيّ نقل القصّة عند إسراء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و القصّة على أيّ حال من قبيل التمثّل بلا إشكال، و قد أطالوا البحث في توجيه

٤٥٢

ما تتضمّنه على أنّها واقعة مادّيّة فتمحّلوا بوجوه لا جدوى في التعرّض لها بعد فساد أصلها.

و فيه، أخرج أبويعلى و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و ابن حبّان و ابن مردويه و أبو نعيم في الدلائل عن أبي سعيد الخدريّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أتاني جبرئيل فقال: إنّ ربّك يقول: تدري كيف رفعت ذكرك؟ قلت: الله أعلم قال: إذا ذكرت ذكرت معي.

و فيه، أخرج عبد الرزّاق و ابن جرير و الحاكم و البيهقيّ عن الحسن قال: خرج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً مسروراً و هو يضحك و يقول: لن يغلب عسر يسرين( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) .

و في المجمع: في قوله تعالى:( فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَ إِلى‏ رَبِّكَ فَارْغَبْ ) معناه فإذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربّك في الدعاء و ارغب إليه في المسألة. قال: و هو المرويّ عن أبي جعفر و أبي عبداللهعليهما‌السلام .

٤٥٣

( سورة التين مكّيّة و هي ثمان آيات)

( سورة التين الآيات 1 - 8)

بِّسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ( 1 ) وَطُورِ سِينِينَ ( 2 ) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ( 3 ) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ( 4 ) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ( 5 ) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ( 6 ) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ( 7 ) أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ( 8 )

( بيان‏)

تذكر السورة البعث و الجزاء و تسلك إليه من طريق خلق الإنسان في أحسن تقويم ثمّ اختلافهم بالبقاء على الفطرة الاُولى و خروجهم منها بالانحطاط إلى أسفل سافلين و وجوب التمييز بين الطائفتين جزاء باقتضاء الحكمة.

و السورة مكّيّة و تحتمل المدنيّة و يؤيّد نزولها بمكّة قوله:( وَ هذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ) و ليس بصريح فيه لاحتمال نزولها بعد الهجرة و هوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكّة.

قوله تعالى: ( وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ وَ طُورِ سِينِينَ وَ هذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ) قيل: المراد بالتين و الزيتون الفاكهتان المعروفتان أقسم الله بهما لما فيهما من الفوائد الجمّة و الخواصّ النافعة، و قيل المراد بهما شجرتا التين و الزيتون، و قيل: المراد بالتين الجبل الّذي عليه دمشق و بالزيتون الجبل الّذي عليه بيت المقدس، و لعلّ إطلاق اسم الفاكهتين على الجبلين لكونهما منبتيهما و لعلّ الإقسام بهما لكونهما مبعثي جمّ غفير من الأنبياء و قيل غير ذلك.

و المراد بطور سينين الجبل الّذي كلّم الله تعالى فيه موسى بن عمرانعليه‌السلام ، و يسمّى أيضاً طور سيناء.

٤٥٤

و المراد بهذا البلد الأمين مكّة المشرّفة لأنّ الأمن خاصّة مشرّعة للحرم و هي فيه قال تعالى:( أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً ) العنكبوت: 67 و في دعاء إبراهيمعليه‌السلام على ما حكى الله عنه:( رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً ) البقرة: 126، و في دعائه ثانياً:( رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً ) إبراهيم: 35.

و في الإشارة بهذا إلى البلد تثبيت التشريف عليه بالتشخيص و توصيفه بالأمين إمّا لكونه فعيلاً بمعنى الفاعل و يفيد معنى النسبة و المعنى ذي الأمن كاللابن و التامر و إمّا لكونه فعيلاً بمعنى المفعول و المراد البلد الّذي يؤمن الناس فيه أي لا يخاف فيه من غوائلهم ففي نسبة الأمن إلى البلد نوع تجوّز.

قوله تعالى: ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) جواب للقسم و المراد بكون خلقه في أحسن تقويم اشتمال التقويم عليه في جميع شؤونه و جهات وجوده، و التقويم جعل الشي‏ء ذا قوام و قوام الشي‏ء ما يقوم به و يثبت فالإنسان و المراد به الجنس ذو أحسن قوام بحسب الخلقة.

و معنى كونه ذا أحسن قوام بحسب الخلقة على ما يستفاد من قوله بعد:( ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ ) إلخ صلوحه بحسب الخلقة للعروج إلى الرفيع الأعلى و الفوز بحياة خالدة عند ربّه سعيدة لا شقوة معها، و ذلك بما جهّزه الله به من العلم النافع و مكّنه منه من العمل الصالح قال تعالى:( وَ نَفْسٍ وَ ما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها ) الشمس: 8 فإذا آمن بما علم و زاول صالح العمل رفعه الله إليه كما قال:( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) فاطر: 10، و قال:( وَ لكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى‏ مِنْكُمْ ) الحجّ: 37. و قال:( يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ ) المجادلة: 11 و قال:( فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى) طه: 75 إلى غير ذلك من الآيات الدالّة على ارتفاع مقام الإنسان و ارتقائه بالإيمان و العمل الصالح عطاء من الله غير مجذوذ، و قد سمّاه تعالى أجرا كما يشير إليه قوله الآتي:( فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ) .

قوله تعالى: ( ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ ) ظاهر الردّ أن يكون بمعناه المعروف فأسفل منصوب بنزع الخافض، و المراد بأسفل سافلين مقام منحطّ هو أسفل من سفل

٤٥٥

من أهل الشقوة و الخسران و المعنى ثمّ رددنا الإنسان إلى أسفل من سفل من أهل العذاب.

و احتمل أن يكون الردّ بمعنى الجعل أي جعلناه أسفل سافلين، و أن يكون بمعنى التغيير و المعنى ثمّ غيّرناه حال كونه أسفل جمع سافلين، و المراد بالسفالة على أيّ حال الشقاء و العذاب.

و قيل: المراد بخلق الإنسان في أحسن تقويم ما عليه وجوده أوان الشباب من استقامة القوى و كمال الصورة و جمال الهيئة، و بردّه إلى أسفل سافلين ردّه إلى الهرم بتضعيف قواه الظاهرة و الباطنة و نكس خلقته فتكون الآية في معنى قوله تعالى:( وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ ) يس: 68.

و فيه أنّه لا يلائمه ما في قوله:( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) من الاستثناء الظاهر في المتّصل فإنّ حكم الخلق عامّ في المؤمن و الكافر و الصالح و الطالح و دعوى أنّ المؤمن أو المؤمن الصالح مصون من ذلك مجازفة.

و كذا القول بأنّ المراد بالإنسان هو الكافر و المراد بالردّ ردّه إلى جهنّم أو إلى نكس الخلق و الاستثناء منقطع.

قوله تعالى: ( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ) أي غير مقطوع استثناء متّصل من جنس الإنسان، و تفريع قوله:( فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ) عليه يؤيّد كون المراد من ردّه إلى أسفل سافلين ردّه إلى الشقاء و العذاب.

قوله تعالى: ( فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ أَ لَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ ) الخطاب للإنسان باعتبار الجنس، و قيل للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و المراد غيره، و( فَما ) استفهاميّة توبيخيّة، و( بِالدِّينِ ) متعلّق بيكذّبك، و الدين الجزاء و المعنى - على ما قيل - ما الّذي يجعلك مكذّباً بالجزاء يوم القيامة بعد ما جعلنا الإنسان طائفتين طائفة مردودة إلى أسفل سافلين و طائفة مأجورة أجراً غير ممنون.

و قوله:( أَ لَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ ) الاستفهام للتقرير و كونه تعالى أحكم الحاكمين هو كونه فوق كلّ حاكم في إتقان الحكم و حقيّته و نفوذه من غير اضطراب

٤٥٦

و وهن و بطلان فهو تعالى يحكم في خلقه و تدبيره بما من الواجب في الحكمة أن يحكم به الناس من حيث الإتقان و الحسن و النفوذ و إذا كان الله تعالى أحكم الحاكمين و الناس طائفتان مختلفتان اعتقاداً و عملاً فمن الواجب في الحكمة أن يميّز بينهم بالجزاء في حياتهم الباقية و هو البعث.

فالتفريع في قوله:( فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ) من قبيل تفريع النتيجة على الحجّة و قوله:( أَ لَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ ) تتميم للحجّة المشار إليها بما يتوقّف عليه تمامها.

و المحصّل أنّه إذا كان الناس خلقوا في أحسن تقويم ثمّ اختلفوا فطائفة خرجت عن تقويمها الأحسن و ردّت إلى أسفل سافلين و طائفة بقيت في تقويمها الأحسن و على فطرتها الاُولى و الله المدبّر لأمرهم أحكم الحاكمين، و من الواجب في الحكمة أن تختلف الطائفتان جزاء، فهناك يوم تجزى فيه كلّ طائفة بما عملت و لا مسوّغ للتكذيب به.

فالآيات - كما ترى - في معنى قوله تعالى:( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) ص: 28، و قوله:( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَ مَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ ) الجاثية: 21.

و بعض من جعل الخطاب في قوله:( فَما يُكَذِّبُكَ ) للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل( ما ) بمعنى من و الحكم بمعنى القضاء، و عليه فالمعنى إذا كان الناس مختلفين و لازم ذلك اختلاف جزائهم في يوم معدّ للجزاء فمن الّذي ينسبك إلى الكذب بالجزاء أ ليس الله بأقضى القاضين فهو يقضي بينك و بين المكذّبين لك بالدين.

و أنت خبير بأنّ فيه تكلّفاً من غير موجب.

٤٥٧

( بحث روائي‏)

في تفسير القمّيّ: في قوله تعالى:( وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ وَ طُورِ سِينِينَ وَ هذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ) التين المدينة و الزيتون بيت المقدس و طور سينين الكوفة و هذا البلد الأمين مكّة.

أقول: و قد ورد هذا المعنى في بعض الروايات عن موسى بن جعفر عن آبائهعليهم‌السلام عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و لا يخلو من شي‏ء، و في بعضها: أنّ التين و الزيتون الحسن و الحسين و الطور عليّ و البلد الأمين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و ليس من التفسير في شي‏ء.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن جابر بن عبدالله أنّ خزيمة بن ثابت و ليس بالأنصاريّ سأل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن البلد الأمين فقال: مكّة.

٤٥٨

( سورة العلق مكّيّة و هي تسع عشرة آية)

( سورة العلق الآيات 1 - 19)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ( 1 ) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ( 2 ) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ( 3 ) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ( 4 ) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ( 5 ) كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ ( 6 ) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ ( 7 ) إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ ( 8 ) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىٰ ( 9 ) عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ ( 10 ) أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَىٰ ( 11 ) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَىٰ ( 12 ) أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ ( 13 ) أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللهَ يَرَىٰ ( 14 ) كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ ( 15 ) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ( 16 ) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ ( 17 ) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ( 18 ) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب ( 19 )

( بيان‏)

أمر للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتلقّي القرآن بالوحي منه تعالى و هي أوّل سورة نزلت من القرآن، و سياق آياتها لا يأبى نزولها دفعة واحدة كما سنشير إليه، و هي مكّيّة قطعاً.

قوله تعالى: ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ ) قال الراغب: و القراءة ضمّ الحروف و الكلمات بعضها إلى بعض في الترتيل، و ليس يقال ذلك لكلّ جمع لا يقال: قرأت القوم إذا جمعتهم، و يدلّ على ذلك أنّه لا يقال: للحرف الواحد إذا تفوّه به: قراءة انتهى.

٤٥٩

و على أيّ حال، يقال: قرأت الكتاب إذا جمعت ما فيه من الحروف و الكلمات بضمّ بعضها إلى بعض في الذهن و إن لم تتلفّظ بها، و يقال: قرأته إذا جمعت الحروف و الكلمات بضمّ بعضها إلى بعض في التلفّظ، و يقال قرأته عليه إذا جمعت بين حروفه و كلماته في سمعه و يطلق عليها بهذا المعنى التلاوة أيضاً قال تعالى:( رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً ) البينة: 2.

و ظاهر إطلاق قوله:( اقْرَأْ ) المعنى الأوّل و المراد به الأمر بتلقّي ما يوحيه إليه ملك الوحي من القرآن فالجملة أمر بقراءة الكتاب و هي من الكتاب كقول القائل في مفتتح كتابه لمن أرسله إليه: اقرأ كتابي هذا و اعمل به فقوله هذا أمر بقراءة الكتاب و هو من الكتاب.

و هذا السياق يؤيّد أوّلاً ما ورد أنّ الآيات أوّل ما نزل من القرآن على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و ثانياً أنّ التقدير اقرأ القرآن أو ما في معناه، و ليس المراد مطلق القراءة باستعمال( اقرأ ) استعمال الفعل اللازم بالإعراض عن المفعول، و لا المراد القراءة على الناس بحذف المتعلّق و إن كان ذلك من أغراض النزول كما قال:( وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى‏ مُكْثٍ وَ نَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا ) إسراء: 106، و لا أنّ قوله:( بِاسْمِ رَبِّكَ ) مفعول( اقْرَأْ ) و الباء زائدة و التقدير اقرأ اسم ربّك أي بسمل.

و قوله:( بِاسْمِ رَبِّكَ ) متعلّق بمقدّر نحو مفتتحاً و مبتدئاً أو باقرأ و الباء للملابسة و لا ينافي ذلك كون البسملة المبتدأة بها السورة جزء من السورة فهي من كلام الله افتتح سبحانه بها و أمر أن يقرأ مبتدئا بها كما أمر أن يقرأ قوله:( اقْرَأْ بِاسْمِ ) إلخ ففيه تعليم بالعمل نظير الأمر بالاستثناء في قوله:( وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ‏ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ ) الكهف: 24 فافهم ذلك.

و في: قوله( رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) إشارة إلى قصر الربوبيّة في الله عزّ اسمه و هو توحيد الربوبيّة المقتضية لقصر العبادة فيه فإنّ المشركين كانوا يقولون: إنّ الله سبحانه ليس له إلّا الخلق و الإيجاد و أمّا الربوبيّة و هي الملك و التدبير فلمقرّبي

٤٦٠