الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢٠

الميزان في تفسير القرآن10%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 568

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 219903 / تحميل: 7011
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢٠

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

( بيان‏)

فيها تذييل لما تقدّم من الوعيد لمكذّبي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و تسجيل العذاب عليهم في الآخرة إذ المتّقون في جنّات النعيم، و تثبيت أنّهم و المتّقون لا يستوون بحجّة قاطعة فليس لهم أن يرجوا كرامة من الله و هم مجرمون فما يجدونه من نعم الدنيا استدراج و إملاء.

و فيها تأكيد أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصبر لحكم ربّه.

قوله تعالى: ( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) بشرى و بيان لحال المتّقين في الآخرة قبال ما بيّن من حال المكذّبين فيها.

و في قوله:( عِنْدَ رَبِّهِمْ ) دون أن يقال: عند الله إشارة إلى رابطة التدبير و الرحمة بينهم و بينه سبحانه و أنّ لهم ذلك قبال قصرهم الربوبيّة فيه تعالى و إخلاصهم العبوديّة له.

و إضافة الجنّات إلى النعيم و هو النعمة للإشارة إلى أنّ ما فيها من شي‏ء نعمة لا تشوبها نقمة و لذّة لا يخالطها ألم، و سيجي‏ء إن شاء الله في تفسير قوله تعالى:( ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) التكاثر: ٨، أنّ المراد بالنعيم الولاية.

قوله تعالى: ( أَ فَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ) تحتمل الآية في بادئ النظر أن تكون مسوقة حجّة على المعاد كقوله تعالى:( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) ص: ٢٨، و قد تقدّم تفسيره.

و أن تكون ردّاً على قول من قال منهم للمؤمنين: لو كان هناك بعث و إعادة لكنّا منعّمين كما في الدنيا و قد حكى سبحانه ذلك عن قائلهم:( وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُجِعْتُ إِلى‏ رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) حم السجدة: ٥٠.

ظاهر سياق الآيات التالية الّتي تردّ عليهم الحكم بالتساوي هو الاحتمال الثاني، و هو الّذي رووه أنّ المشركين لمّا سمعوا حديث البعث و المعاد قالوا: إن صحّ ما

٤١

يقوله محمّد و الّذين آمنوا معه لم تكن حالنا إلّا أفضل من حالهم كما في الدنيا و لا أقلّ من أن تتساوى حالنا و حالهم.

غير أنّه يرد عليه أنّ الآية لو سيقت لردّ قولهم، سنساويهم في الآخرة أو نزيد عليهم كما في الدنيا، كان مقتضى التطابق بين الردّ و المردود أن يقال: أ فنجعل المجرمين كالمسلمين و قد عكس.

و التدبّر في السياق يعطي أنّ الآية مسوقة لردّ دعواهم التساوي لكن لا من جهة نفي مساواتهم على إجرامهم للمسلمين بل تزيد على ذلك بالإشارة إلى أنّ كرامة المسلمين تأبى أن يساويهم المجرمون كأنّه قيل: إنّ قولكم: سنتساوى نحن و المسلمون باطل فإنّ الله لا يرضى أن يجعل المسلمين بما لهم من الكرامة عنده كالمجرمين و أنتم مجرمون.

فالآية تقيم الحجّة على عدم تساوي الفريقين من جهة منافاته لكرامة المسلمين عليه تعالى لا من جهة منافاة مساواة المجرمين للمسلمين عدله تعالى.

و المراد بالإسلام تسليم الأمر لله فلا يتّبع إلّا ما أراده سبحانه من فعل أو ترك يقابله الاجرام و هو اكتساب السيّئة و عدم التسليم.

و الآية و ما بعدها إلى قوله:( أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ) في مقام الردّ لحكمهم بتساوي المجرمين و المسلمين حالاً يوم القيامة تورد محتملات هذا الحكم من حيث منشائه في صور استفهامات إنكارية و تردّها.

و تقرير الحجّة: أنّ كون المجرمين كالمسلمين يوم القيامة على ما حكموا به إمّا أن يكون من الله تعالى موهبة و رحمة و إمّا أن لا يكون منه.

و الأوّل إمّا أن يدلّ عليه دليل العقل و لا دليل عليه كذلك و ذلك قوله:( ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) .

و إمّا أن يدلّ عليه النقل و ليس كذلك و هو قوله:( أَمْ لَكُمْ كِتابٌ ) إلخ، و إمّا أن يكون لا لدلالة عقل أو نقل بل عن مشافهة بينهم و بين الله سبحانه عاهدوه و

٤٢

واثقوه على أن يسوّي بينهما و ليس كذلك فهذه ثلاثة احتمالات.

و إمّا أن لا يكون من الله فإمّا أن يكون حكمهم بالتساوي حكماً جدّيّاً أو لا يكون فإن كان جدّيّاً فإمّا أن يكون التساوي الّذي يحكمون به مستنداً إلى أنفسهم بأن يكون لهم قدرة على أن يصيروا يوم القيامة كالمسلمين حالاً و إن لم يشإ الله ذلك و ليس كذلك و هو قوله:( سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ ) أو يكون القائم بهذا الأمر المتصدّي له شركاؤهم و لا شركاء و هو قوله:( أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ ) إلخ.

و إمّا أن يكون ذلك لأنّ الغيب عندهم و الاُمور الّتي ستستقبل الناس قدرها و قضاؤها منوطان بمشيّتهم تكون و تقع كيف يكتبون فكتبوا لأنفسهم المساواة مع المسلمين، و ليس كذلك و لا سبيل لهم إلى الغيب و ذلك قوله:( أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ) و هذه ثلاثة احتمالات.

و إن لم يكن حكمهم بالمساواة حكماً جدّيّاً بل إنّما تفوّهوا بهذا القول تخلّصاً و فراراً من اتّباعك على دعوتك لأنّك تسألهم أجراً على رسالتك و هدايتك لهم إلى الحقّ فهم مثقلون من غرامته، و ليس كذلك، و هو قوله:( أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ ) و هذا سابع الاحتمالات.

هذا ما يعطيه التدبّر في الآيات في وجه ضبط ما فيها من الترديد و قد ذكروا في وجه الضبط غير ذلك من أراد الوقوف عليه فليراجع المطوّلات.

فقوله:( ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) مسوق للتعجّب من حكمهم بكون المجرمين يوم القيامة كالمسلمين، و هو إشارة إلى تأبّي العقل عن تجويز التساوي، و محصّله نفي حكم العقل بذلك إذ معناه: أيّ شي‏ء حصل لكم من اختلال الفكر و فساد الرأي حتّى حكمتم بذلك.؟

قوله تعالى: ( أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ ) إشارة إلى انتفاء الحجّة على حكمهم بالتساوي من جهة السمع كما أنّ الآية السابقة كانت

٤٣

إشارة إلى انتفائها من جهة العقل.

و المراد بالكتاب الكتاب السماويّ النازل من عندالله و هو حجّة، و درس الكتاب قراءته، و التخيّر الاختيار، و قوله:( إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ ) في مقام المفعول لتدرسون و الاستفهام إنكاريّ.

و المعنى: بل أ لكم كتاب سماويّ تقرؤن فيه إنّ لكم في الآخرة - أو مطلقاً - لما تختارونه فاخترتم السعادة و الجنّة.

قوله تعالى: ( أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى‏ يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ ) إشارة إلى انتفاء أن يملكوا الحكم بعهد و يمين شفاهيّ لهم على الله سبحانه.

و الأيمان جمع يمين و هو القسم، و البلوغ هو الانتهاء في الكمال فالأيمان البالغة هي المؤكّدة نهاية التوكيد، و قوله:( إِلى‏ يَوْمِ الْقِيامَةِ ) على هذا ظرف مستقرّ متعلّق بمقدّر و التقدير: أم لكم علينا أيمان كائنة إلى يوم القيامة مؤكّدة نهاية التوكيد، إلخ.

و يمكن أن يكون( إِلى‏ يَوْمِ الْقِيامَةِ ) متعلّقاً ببالغة و المراد ببلوغ الأيمان انطباقها على امتداد الزمان حتّى ينتهي إلى يوم القيامة.

و قد فسّروا الإيمان بالعهود و المواثيق فيكون من باب إطلاق اللازم و إرادة الملزوم كناية، و احتمل أن يكون من باب إطلاق الجزء و إرادة الكلّ.

و قوله:( إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ ) جواب القسم و هو المعاهد عليه، و الاستفهام للإنكار.

و المعنى: بل أ لكم علينا عهود أقسمنا فيها إقساماً مؤكّداً إلى يوم القيامة إنّا سلّمنا لكم أنّ لكم لما تحكمون به.

قوله تعالى: ( سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ ) إعراض عن خطابهم و التفات إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتوجيه الخطاب لسقوطهم عن درجة استحقاق الخطاب و لذلك أورد بقية السؤالات و هي مسائل أربع في سياق الغيبة أوّلها قوله:( سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ ) و الزعيم القائم بالأمر المتصدّي له، و الاستفهام إنكاريّ.

٤٤

و المعنى: سل المشركين أيّهم قائم بأمر التسوية الّذي يدّعونه أي إذا ثبت أنّ الله لا يسوّي بين الفريقين لعدم دليل يدلّ عليه فهل الّذي يقوم بهذا الأمر و يتصدّاه هو منهم؟ فأيّهم هو؟ و من الواضح بطلانه لا يتفوّه به إلّا مصاب في عقله.

قوله تعالى: ( أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ ) ردّ لهم على تقدير أن يكون حكمهم بالتساوي مبنيّاً على دعواهم أنّ لهم آلهة يشاركون الله سبحانه في الربوبيّة سيشفعون لهم عندالله فيجعلهم كالمسلمين و الاستفهام إنكاريّ يفيد نفي الشركاء.

و قوله:( فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ ) إلخ، كناية عن انتفاء الشركاء يفيد تأكيد ما في قوله:( أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ ) من النفي.

و قيل: المراد بالشركاء شركاؤهم في هذا القول، و المعنى: أم لهم شركاء يشاركونهم في هذا القول و يذهبون مذهبهم فليأتوا بهم إن كانوا صادقين.

و أنت خبير بأنّ هذا المعنى لا يقطع الخصام.

و قيل: المراد بالشركاء الشهداء و المعنى: أم لهم شهداء على هذا القول فليأتوا بهم إن كانوا صادقين.

و هو تفسير بما لا دليل عليه من جهة اللفظ. على أنّه مستدرك لأنّ هؤلاء الشهداء شهداء على كتاب من عندالله أو وعد بعهد و يمين و قد ردّ كلا الاحتمالين فيما تقدّم.

و قيل: المراد بالشركاء شركاء الاُلوهيّة على ما يزعمون لكنّ المعنىّ من إتيانهم بهم إتيانهم بهم يوم القيامة ليشهدوا لهم أو ليشفعوا لهم عند الله سبحانه.

و أنت خبير بأنّ هذا المعنى أيضاً لا يقطع الخصام.

قوله تعالى: ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَ يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ - إلى قوله -وَ هُمْ سالِمُونَ ) يوم ظرف متعلّق بمحذوف كاذكر و نحوه، و الكشف عن الساق تمثيل في اشتداد الأمر اشتداداً بالغاً لما أنّهم كانوا يشمّرون عن سوقهم إذا اشتدّ الأمر للعمل أو للفرار قال في الكشّاف: فمعنى( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ ) في معنى يوم يشتدّ الأمر و يتفاقم، و لا كشف ثمّ و لا ساق كما تقول للأقطع الشحيح: يده مغلولة و لا يد

٤٥

ثمّ و لا غلّ و إنّما هو مثل في البخل انتهى.

و الآية و ما بعدها إلى تمام خمس آيات اعتراض وقع في البين بمناسبة ذكر شركائهم الّذين يزعمون أنّهم سيسعدونهم لو كان هناك بعث و حساب فذكر سبحانه أن لا شركاء لله و لا شفاعة و إنّما يحرز الإنسان سعادة الآخرة بالسجود أي الخضوع لله سبحانه بتوحيد الربوبيّة في الدنيا حتّى يحمل معه صفة الخضوع فيسعد بها يوم القيامة.

و هؤلاء المكذّبون المجرمون لم يسجدوا لله في الدنيا فلا يستطيعون السجود في الآخرة فلا يسعدون و لا تتساوى حالهم و حال المسلمين فيها البتّة بل الله سبحانه يعاملهم في الدنيا لاستكبارهم عن سجوده معاملة الاستدراج و الإملاء حتّى يتمّ لهم شقاؤهم فيردّوا العذاب الأليم في الآخرة.

فقوله:( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَ يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ ) معناه اذكر يوم يشتدّ عليهم الأمر و يدعون إلى السجود لله خضوعاً فلا يستطيعون لاستقرار ملكة الاستكبار في سرائرهم و اليوم تبلى السرائر(١) .

و قوله:( خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ) حالان من نائب فاعل يدعون أي حال كون أبصارهم خاشعة و حال كونهم يغشاهم الذلّة بقهر، و نسبة الخشوع إلى الأبصار لظهور أثره فيها.

و قوله:( وَ قَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَ هُمْ سالِمُونَ ) المراد بالسلامة سلامتهم من الآفات و العاهات الّتي لحقت نفوسهم بسبب الاستكبار عن الحقّ فسلبتها التمكّن من إجابة الحقّ أو المراد مطلق استطاعتهم منه في الدنيا.

و المعنى: و قد كانوا في الدنيا يدعون إلى السجود لله و هم سالمون متمكّنون منه أقوى تمكّن فلا يجيبون إليه.

و قيل: المراد بالسجود الصلاة و هو كما ترى.

قوله تعالى: ( فَذَرْنِي وَ مَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ ) المراد بهذا الحديث القرآن الكريم و قوله:( فَذَرْنِي وَ مَنْ يُكَذِّبُ ) إلخ، كناية عن أنّه يكفيهم وحده و هو غير

____________________

(١) الطارق الآية ٩.

٤٦

تاركهم و فيه نوع تسلية للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و تهديد للمشركين.

قوله تعالى: ( سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ) استئناف فيه بيان كيفيّة أخذه تعالى لهم و تعذيبه إيّاهم المفهوم من قوله:( فَذَرْنِي ) إلخ.

و الاستدراج هو استنزالهم درجة فدرجة حتّى يتمّ لهم الشقاء فيقعوا في ورطة الهلاك و ذلك بأن يؤتيهم الله نعمة بعد نعمة و كلّما اُوتوا نعمة اشتغلوا بها و فرّطوا في شكرها و زادوا نسياناً له و ابتعدوا عن ذكره.

فالاستدراج إيتاؤهم النعمة بعد النعمة الموجب لنزولهم درجة بعد درجة و اقترابهم من ورطة الهلاك، و كونه من حيث لا يعلمون إنّما هو لكونه من طريق النعمة الّتي يحسبونها خيراً و سعادة لا شرّ فيها و لا شقاء.

قوله تعالى: ( وَ أُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ) الإملاء الإمهال، و الكيد ضرب من الاحتيال، و المتين القويّ.

و المعنى: و اُمهلهم حتّى يتوسّعوا في نعمنا بالمعاصي كما يشاؤن إنّ كيدي قويّ.

و النكتة في الالتفات الّذي في( سَنَسْتَدْرِجُهُمْ ) عن التكلّم وحده إلى التكلّم مع الغير الدلالة على العظمة و أنّ هناك موكّلين على هذه النعم الّتي تصبّ عليهم صبّا، و الالتفات في قوله:( وَ أُمْلِي لَهُمْ ) عن التكلّم مع الغير إلى التكلّم وحده لأنّ الإملاء تأخير في الأجل و لم ينسب أمر الأجل في القرآن إلى غير الله سبحانه قال تعالى:( ثُمَّ قَضى‏ أَجَلًا وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ) الأنعام: ٢.

قوله تعالى: ( أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ ) المغرم الغرامة، و الإثقال تحميل الثقل، و الجملة معطوفة على قوله:( أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ ) إلخ.

و المعنى: أم تسأل هؤلاء المجرمين - الّذين يحكمون بتساوي المجرمين و المسلمين يوم القيامة - أجراً على دعوتك فهم من غرامة تحملها عليهم مثقلون فيواجهونك بمثل هذا القول تخلّصاً من الغرامة دون أن يكون ذلك منهم قولاً جدّيّاً.

قوله تعالى: ( أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ) ظاهر السياق أن يكون المراد بالغيب غيب الأشياء الّذي منه تنزل الاُمور بقدر محدود فتستقرّ في منصّة الظهور، و المراد

٤٧

بالكتابة على هذا هو التقدير و القضاء، و المراد بكون الغيب عندهم تسلّطهم عليه و ملكهم له.

فالمعنى: أم بيدهم أمر القدر و القضاء فهم يقضون كما شاؤا فيقضون لأنفسهم أن يساووا المسلمين يوم القيامة.

و قيل: المراد بكون الغيب عندهم علمهم بصحّة ما حكموا به و الكتابة على ظاهر معناه و المعنى: أم عندهم علم بصحّة ما يدّعونه اختصّوا به و لا يعلمه غيرهم فهم يكتبونه و يتوارثونه و ينبغي أن يبرزوه.

و هو بعيد بل مستدرك و الاحتمالات الاُخر المذكورة مغنية عنه.

و إنّما اُخّر ذكر هذا الاحتمال عن غيره حتّى عن قوله:( أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً ) مع أنّ مقتضى الظاهر أن يتقدّم عليه، لكونه أضعف الاحتمالات و أبعدها.

قوله تعالى: ( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَ لا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى‏ وَ هُوَ مَكْظُومٌ ) صاحب الحوت يونس النبيّعليه‌السلام و المكظوم من كظم الغيظ إذا تجرّعه و لذا فسّر بالمختنق بالغمّ حيث لا يجد لغيظه شفاء، و نهيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أن يكون كيونسعليه‌السلام و هو في زمن النداء مملوء بالغمّ نهي عن السبب المؤدّي إلى نظير هذا الابتلاء و هو ضيق الصدر و الاستعجال بالعذاب.

و المعنى: فاصبر لقاء ربّك أن يستدرجهم و يملئ لهم و لا تستعجل لهم العذاب لكفرهم و لا تكن كيونس فتكون مثله و هو مملوء غمّاً أو غيظاً ينادي بالتسبيح و الاعتراف بالظلم أي فاصبر و احذر أن تبتلي بما يشبه ابتلاءه، و نداؤه قوله في بطن الحوت:( لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) كما في سورة الأنبياء.

و قيل: اللّام في( لِحُكْمِ رَبِّكَ ) بمعنى إلى و فيه تهديد لقومه و وعيد لهم أن سيحكم الله بينه و بينهم، و الوجه المتقدّم أنسب لسياق الآيات السابقة.

قوله تعالى: ( لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَ هُوَ مَذْمُومٌ ) في مقام التعليل للنهي السابق:( لا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ ) و التدارك الإدراك و اللحوق، و فسّرت

٤٨

النعمة بقبول التوبة، و النبذ الطرح، و العراء الأرض غير المستورة بسقف أو نبات، و الذمّ مقابل المدح.

و المعنى: لو لا أن أدركته و لحقت به نعمة من ربّه و هو أنّ الله قبل توبته لطرح بالأرض العراء و هو مذموم بما فعل.

لا يقال: إنّ الآية تنافي قوله تعالى:( فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى‏ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) الصافّات: ١٤٤، فإنّ مدلوله أنّ مقتضى عمله أن يلبث في بطنه إلى يوم القيامة و مقتضى هذه الآية أنّ مقتضاه أن يطرح في الأرض العراء مذموماً و هما تبعتان متنافيتان لا تجتمعان.

فإنّه يقال: الآيتان تحكيان عن مقتضيين مختلفين لكلّ منهما أثر على حدّة فآية الصافّات تذكر أنهعليه‌السلام كان مداوماً للتسبيح مستمرّاً عليه طول حياته قبل ابتلائه - و هو قوله: كان من المسبّحين - و لو لا ذلك للبث في بطنه إلى يوم القيامة، و الآية الّتي نحن فيها تدلّ على أنّ النعمة و هو قبول توبته في بطن الحوت شملته فلم ينبذ بالعراء مذموماً.

فمجموع الآيتين يدلّ على أنّ ذهابه مغاضباً كان يقتضي أن يلبث في بطنه إلى يوم القيامة فمنع عنه دوام تسبيحه قبل التقامه و بعده، و قدّر أن ينبذ بالعراء و كان مقتضى عمله أنّ ينبذ مذموماً فمنع من ذلك تدارك نعمة ربّه له فنبذ غير مذموم بل اجتباه الله و جعله من الصالحين فلا منافاة بين الآيتين.

و قد تكرّر في مباحثنا السابقة أنّ حقيقة النعمة الولاية و على ذلك يتعيّن لقوله:( لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ ) معنى آخر.

قوله تعالى: ( فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ) تقدّم توضيح معنى الاجتباء و الصلاح في مباحثنا المتقدّمة.

قوله تعالى: ( وَ إِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ ) إن مخفّفة من الثقيلة، و الزلق هو الزلل، و الإزلاق الإزلال و هو الصرع كناية عن القتل و الإهلاك.

٤٩

و المعنى: أنّه قارب الّذين كفروا أن يصرعوك بأبصارهم لمّا سمعوا الذكر.

و المراد بإزلاقه بالأبصار و صرعة بها - على ما عليه عامّة المفسّرين - الإصابة بالأعين، و هو نوع من التأثير النفسانيّ لا دليل على نفيه عقلاً و ربّما شوهد من الموارد ما يقبل الانطباق عليه، و قد وردت في الروايات فلا موجب لإنكاره.

و قيل: المعنى أنّهم ينظرون إليك إذا سمعوا منك الذكر الّذي هو القرآن نظراً مليئاً بالعداوة و البغضاء يكادون يقتلونك بحديد نظرهم.

قوله تعالى: ( وَ يَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَ ما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ ) رميهم له بالجنون عند ما سمعوا الذكر دليل على أنّ مرادهم به رمي القرآن بأنّه من إلقاء الشياطين، و لذا ردّ قولهم بأنّ القرآن ليس إلّا ذكراً للعالمين.

و قد ردّ قولهم:( إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ) في أوّل السورة بقوله:( ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ) و به ينطبق خاتمة السورة على فاتحتها.

( بحث روائي)

في المعاني، بإسناده عن الحسين بن سعيد عن أبي الحسنعليه‌السلام في قوله عزّوجلّ:( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَ يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ ) قال: حجاب من نور يكشف فيقع المؤمنون سجّداً و تدمج أصلاب المنافقين فلا يستطيعون السجود.

و فيه، بإسناده عن عبيد بن زرارة عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن قول الله عزّوجلّ:( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ ) قال: كشف إزاره عن ساقه فقال: سبحان ربّي الأعلى.

أقول: قال الصدوق بعد نقل الحديث: قوله: سبحان ربّي الأعلى تنزيه الله سبحانه أن يكون له ساق. انتهى. و في هذا المعنى رواية اُخرى عن الحلبي عن أبي عبداللهعليه‌السلام .

و فيه، بإسناده عن معلّى بن خنيس قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : ما يعني بقوله:

٥٠

( وَ قَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَ هُمْ سالِمُونَ ) قال: و هم مستطيعون.

و في الدرّ المنثور، أخرج البخاريّ و ابن المنذر و ابن مردويه عن أبي سعيد: سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: يكشف ربّنا عن ساقه فيسجد له كلّ مؤمن و مؤمنة، و يبقى من كان يسجد في الدنيا رياء و سمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً.

و فيه، أخرج ابن مندة في الردّ على الجهمية عن أبي هريرة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ ) قال: يكشف الله عن ساقه.

و فيه، أخرج إسحاق بن راهويه في مسنده و عبد بن حميد و ابن أبي الدنيا و الطبراني و الآجريّ في الشريعة و الدارقطنيّ في الرؤية و الحاكم و صحّحه و ابن مردويه و البيهقي في البعث عن عبدالله بن مسعود عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: يجمع الله الناس يوم القيامة و ينزل الله في ظلل من الغمام فينادي منادياً أيّها الناس أ لم ترضوا من ربّكم( الّذي) خلقكم و صوّركم و رزقكم أن يولّي كلّ إنسان منكم ما كان يعبد في الدنيا و يتولّى؟ أ ليس ذلك من ربّكم عدلاً؟ قالوا: بلى.

قال: فينطلق كلّ إنسان منكم إلى ما كان يعبد في الدنيا و يتمثّل لهم ما كانوا يعبدون في الدنيا فيتمثّل لمن كان يعبد عيسى شيطان عيسى، و يتمثّل لمن كان يعبد عزيزاً شيطان عزيز حتّى يمثّل لهم الشجرة و العود و الحجر.

و يبقى أهل الإسلام جثوماً فيتمثّل لهم الربّ عزّوجلّ فيقول لهم: ما لكم لم تنطلقوا كما انطلق الناس؟ فيقولون: إنّ لنا ربّاً ما رأيناه بعد فيقول: فبم تعرفون ربّكم إن رأيتموه؟ قالوا: بيننا و بينه علامة إن رأيناه عرفناه؟ قال: و ما هي؟ قالوا: يكشف عن ساق.

فيكشف عند ذلك عن ساق فيخرّ كلّ من كان يسجد طائعاً ساجداً و يبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر يريدون السجود فلا يستطيعون. الحديث.

أقول: و الروايات الثلاث مبنيّة على التشبيه المخالف للبراهين العقليّة و نصّ الكتاب العزيز فهي مطروحة أو مؤوّلة.

و في الكافي، بإسناده عن سفيان بن السمط قال: قال أبوعبداللهعليه‌السلام : إنّ الله

٥١

إذا أراد بعبد خيراً فأذنب ذنباً أتبعه بنقمة و ذكّره الاستغفار، فإذا أراد بعبد شرّاً فأذنب ذنباً أتبعه بنعمة لينسيه الاستغفار و يتمادى بها، و هو قول الله عزّوجلّ:( سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ) بالنعم و المعاصي.

أقول: و قد تقدّم بعض روايات الاستدراج في ذيل قوله تعالى:( سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ) الآية ١٨٢ من سورة الأعراف.

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( إِذْ نادى‏ وَ هُوَ مَكْظُومٌ ) في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام : يقول: مغموم.

و فيه،: في قوله تعالى:( لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ ) قال: النعمة الرحمة.

و فيه،: في قوله تعالى:( لَنُبِذَ بِالْعَراءِ ) قال: الموضع الّذي لا سقف له.

و في الدرّ المنثور في قوله تعالى:( وَ إِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) أخرج البخاري عن ابن عبّاس أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: العين حقّ.

و فيه، أخرج أبونعيم في الحلية عن جابر أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: العين تدخل الرجل القبر و الجمل القدر.

أقول: و هناك روايات تطبق الآيات السابقة على الولاية و هي من الجري دون التفسير و لذلك لم نوردها.

٥٢

( سورة الحاقّة مكّيّة و هي اثنتان و خمسون آية)

( سورة الحاقّة الآيات ١ - ١٢)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَاقَّةُ ( ١ ) مَا الْحَاقَّةُ ( ٢ ) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ ( ٣ ) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ ( ٤ ) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ ( ٥ ) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ( ٦ ) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ( ٧ ) فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ ( ٨ ) وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ ( ٩ ) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً ( ١٠ ) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ ( ١١ ) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ( ١٢ )

( بيان‏)

السورة تذكر الحاقّة و هي القيامة و قد سمّتها أيضاً بالقارعة و الواقعة.

و قد ساقت الكلام فيها في فصول ثلاثة: فصل تذكر فيه إجمالاً الاُمم الّذين كذّبوا بها فأخذهم الله أخذة رابية، و فصل تصف فيه الحاقّة و انقسام الناس فيها إلى أصحاب اليمين و أصحاب الشمال و اختلاف حالهم بالسعادة و الشقاء، و فصل تؤكّد فيه صدق القرآن في إنبائه بها و أنّه حقّ اليقين، و السورة مكّيّة بشهادة سياق آياتها.

قوله تعالى: ( الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ ) المراد بالحاقّة القيامة الكبرى سمّيت بها لثبوتها ثبوتاً لا مردّ له و لا ريب فيه، من حقّ الشي‏ء بمعنى ثبت و تقرّر تقرّراً واقعياً.

٥٣

و( مَا ) في( مَا الْحَاقَّةُ ) استفهاميّة تفيد تفخيم أمرها، و لذلك بعينه وضع الظاهر موضع الضمير و لم يقل: ما هي، و الجملة الاستفهاميّة خبر الحاقّة.

فقوله:( الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ ) مسوق لتفخيم أمر القيامة يفيد تفخيم أمرها و إعظام حقيقتها إفادة بعد إفادة.

و قوله:( وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ ) خطاب بنفي العلم بحقيقة اليوم و هذا التعبير كناية عن كمال أهمّيّة الشي‏ء و بلوغه الغاية في الفخامة و لعلّ هذا هو المراد ممّا نقل عن ابن عبّاس: أنّ ما في القرآن من قوله تعالى:( ما أَدْراكَ ) فقد أدراه و ما فيه من قوله:( ما يُدْرِيكَ ) فقد طوى عنه، يعني أنّ( ما أَدْراكَ ) كناية و( ما يُدْرِيكَ ) تصريح.

قوله تعالى: ( كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَ عادٌ بِالْقارِعَةِ ) المراد بالقارعة القيامة و سمّيت بها لأنّها تقرع و تدكّ السماوات و الأرض بتبديلها و الجبال بتسييرها و الشمس بتكويرها و القمر بخسفها و الكواكب بنثرها و الأشياء كلّها بقهرها على ما نطقت به الآيات، و كان مقتضى الظاهر أن يقال: كذّبت ثمود و عاد بها فوضع القارعة موضع الضمير لتأكيد تفخيم أمرها.

و هذه الآية و ما يتلوها إلى تمام تسع آيات و إن كانت مسوقة للإشارة إلى إجمال قصص قوم نوح و عاد و ثمود و فرعون و من قبله و المؤتفكات و إهلاكهم لكنّها في الحقيقة بيان للحاقّه ببعض أوصافها و هو أنّ الله أهلك أمماً كثيرة بالتكذيب بها فهي في الحقيقة جواب للسؤال بما الاستفهاميّة كما أنّ قوله:( فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ ) إلخ، جواب آخر.

و محصّل المعنى: هي القارعة الّتي كذّبت بها ثمود و عاد و فرعون و من قبله و المؤتفكات و قوم نوح فأخذهم الله أخذة رابية و أهلكهم بعذاب الاستئصال.

قوله تعالى: ( فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ ) بيان تفصيليّ لأثر تكذيبهم بالقارعة، و المراد بالطاغية الصيحة أو الرجفة أو الصاعقة على اختلاف ظاهر تعبير

٥٤

القرآن في سبب هلاكهم في قصّتهم قال تعالى:( وَ أَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ ) هود: ٦٧، و قال أيضاً:( فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ) الأعراف: ٨٧، و قال أيضاً:( فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ ) حم السجدة: ١٧.

و قيل: الطاغية مصدر كالطغيان و الطغوى و المعنى: فأمّا ثمود فاُهلكوا بسبب طغيانهم، و يؤيّده قوله تعالى:( كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها ) الشمس: ١١.

و أوّل الوجهين أنسب لسياق الآيات التالية حيث سيقت لبيان كيفيّة إهلاكهم من الإهلاك بالريح أو الأخذ الرابي أو طغيان الماء فليكن هلاك ثمود بالطاغية ناظراً إلى كيفيّة إهلاكهم.

قوله تعالى: ( وَ أَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ ) الصرصر الريح الباردة الشديدة الهبوب، و عاتية من العتوّ بمعنى الطغيان و الابتعاد من الطاعة و الملاءمة.

قوله تعالى: ( سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَ ثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى‏ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ ) تسخيرها عليهم تسليطها عليهم، و الحسوم جمع حاسم كشهود جمع شاهد من الحسم بمعنى تكرار الكيّ مرّات متتالية، و هي صفة لسبع أي سبع ليال و ثمانية أيّام متتالية متتابعة و صرعى جمع صريع و أعجاز جمع عجز بالفتح فالضمّ آخر الشي‏ء، و خاوية الخالية الجوف الملقاة و المعنى ظاهر.

قوله تعالى: ( فَهَلْ تَرى‏ لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ ) أي من نفس باقية، و الجملة كناية عن استيعاب الهلاك لهم جميعاً، و قيل: الباقية مصدر بمعنى البقاء و قد اُريد به البقيّة و ما قدّمناه من المعنى أقرب.

قوله تعالى: ( وَ جاءَ فِرْعَوْنُ وَ مَنْ قَبْلَهُ وَ الْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ ) المراد بفرعون فرعون موسى، و بمن قبله الاُمم المتقدّمة عليه زماناً من المكذّبين، و بالمؤتفكات قرى قوم لوط و الجماعة القاطنة بها، و( خاطئة ) مصدر بمعنى الخطاء و المراد بالمجي‏ء بالخاطئة إخطاء طريق العبوديّة، و الباقي ظاهر.

٥٥

قوله تعالى: ( فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً ) ضمير( فَعَصَوْا ) لفرعون و من قبله و المؤتفكات، و المراد بالرسول جنسه، و الرابية الزائدة من ربا يربو ربوة إذا زاد، و المراد بالأخذة الرابية العقوبة الشديدة و قيل: العقوبة الزائدة على سائر العقوبات و قيل: الخارقة للعادة.

قوله تعالى: ( إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ ) إشارة إلى طوفان نوح و الجارية السفينة، و عدّ المخاطبين محمولين في سفينة نوح و المحمول في الحقيقة أسلافهم لكون الجميع نوعاً واحداً ينسب حال البعض منه إلى الكلّ و الباقي ظاهر.

قوله تعالى: ( لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ) تعليل لحملهم في السفينة فضمير( لِنَجْعَلَها ) للحمل باعتبار أنّه فعله أي فعلنا بكم تلك الفعلة لنجعلها لكم أمراً تتذكّرون به و عبرة تعتبرون بها و موعظة تتّعظون بها.

و قوله:( وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ) الوعي جعل الشي‏ء في الوعاء، و المراد بوعي الاُذن لها تقريرها في النفس و حفظها فيها لترتّب عليها فائدتها و هي التذكّر و الاتّعاظ.

و في الآية بجملتيها إشارة إلى الهداية الربوبيّة بكلا قسميها أعني الهداية بمعنى إراءة الطريق و الهداية بمعنى الإيصال إلى المطلوب.

توضيح ذلك أنّ من السنّة الربوبيّة العامّة الجارية في الكون هداية كلّ نوع من أنواع الخليقة إلى كماله اللّائق به بحسب وجوده الخاصّ بتجهيزه بما يسوقه نحو غايته كما يدلّ عليه قوله تعالى:( الَّذِي أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى‏ ) طه: ٥٠، و قوله:( الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَ الَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) الأعلى: ٣، و قد تقدّم توضيح ذلك في تفسير سورتي طه و الأعلى و غيرهما.

و الإنسان يشارك سائر الأنواع المادّيّة في أنّ له استكمالاً تكوينيّاً و سلوكاً وجوديّاً نحو كماله الوجوديّ بالهداية الربوبيّة الّتي تسوقه نحو غايته المطلوبة و يختصّ من بينها بالاستكمال التشريعيّ فإنّ للنفس الإنسانيّة استكمالاً من

٥٦

طريق أفعالها الاختياريّة بما يلحقها من الأوصاف و النعوت و تتلبّس به من الملكات و الأحوال في الحياة الدنيا و هي غاية وجود الإنسان الّتي تعيش بها عيشة سعيدة مؤبّدة.

و هذا هو السبب الداعي إلى تشريع السنّة الدينيّة بإرسال الرسل و إنزال الكتب و الهداية إليها( لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) النساء: ١٦٥، و قد تقدّم تفصيله في أبحاث النبوّة في الجزء الثاني من الكتاب و غيره، و هذه هداية بمعنى إراءة الطريق و إعلام الصراط المستقيم الّذي لا يسع الإنسان إلّا أن يسلكه، قال تعالى:( إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً ) الدهر: ٣، فإن لزم الصراط و سلكه حيّ بحياة طيّبة سعيدة و إن تركه و أعرض عنه هلك بشقاء دائم و تمّت عليه الحجّة على أيّ حال، قال تعالى:( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى‏ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ) الأنفال: ٤٢.

إذا تقرّر هذا تبيّن أنّ من سنّة الربوبيّة هداية الناس إلى سعادة حياتهم بإراءة الطريق الموصل إليها، و إليها الإشارة بقوله:( لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً ) فإنّ التذكرة لا تستوجب التذكّر ممّن ذكّر بها بل ربّما أثّرت و ربّما تخلّفت.

و من سنّة الربوبيّة هداية الأشياء إلى كمالاتها بمعنى إنهائها و إيصالها إليها بتحريكها و سوقها نحوه، و إليها الإشارة بقوله:( وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ) فإنّ الوعي المذكور من مصاديق الاهتداء بالهداية الربوبيّة و إنّما لم ينسب تعالى الوعي إلى نفسه كما نسب التذكرة إلى نفسه لأنّ المطلوب بالتذكرة إتمام الحجّة و هو من الله و أمّا الوعي فإنّه و إن كان منسوباً إليه كما أنّه منسوب إلى الإنسان لكنّ السياق سياق الدعوة و بيان الأجر و المثوبة على إجابة الدعوة و الأجر و المثوبة من آثار الوعي بما أنّه فعل للإنسان منسوب إليه لا بما أنّه منسوب إلى الله تعالى.

و يظهر من الآية الكريمة أنّ للحوادث الخارجيّة تأثيراً في أعمال الإنسان كما يظهر من مثل قوله:( وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى‏ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ

٥٧

السَّماءِ وَ الْأَرْضِ ) الأعراف: ٩٦ أنّ لأعمال الإنسان تأثيراً في الحوادث الخارجيّة و قد تقدّم بعض الكلام فيه.

( بحث روائي)

في الدرّ المنثور، أخرج ابن المنذر عن ابن جريح في قوله:( لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً ) قال: لاُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و كم من سفينة قد هلكت و أثر قد ذهب يعني ما بقي من السفينة حتى أدركته اُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرأوه كانت ألواحها ترى على الجوديّ.

أقول: و تقدّم ما يؤيّد ذلك في قصّة نوح في تفسير سورة هود.

و فيه، أخرج سعيد بن منصور و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن مكحول قال: لمّا نزلت( وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سألت ربّي أن يجعلها اُذن عليّ. قال مكحول: فكان عليّ يقول: ما سمعت عن رسول الله شيئاً فنسيته.

و فيه، أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم و الواحديّ و ابن مردويه و ابن عساكر و ابن النجاري عن بردة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ: إنّ الله أمرني أن اُدنيك و لا اُقصيك و أن اُعلّمك و أن تعي و حقّ لك أن تعي فنزلت هذه الآية( وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ) .

و فيه، أخرج أبونعيم في الحلية عن عليّ قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليّ إنّ الله أمرني أن اُدنيك و اُعلّمك لتعي فاُنزلت هذه الآية( وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ) فأنت اُذن واعية لعلمي.

أقول: و روي هذا المعنى في تفسير البرهان، عن سعد بن عبدالله بإسناده عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، و عن الكلينيّ بإسناده عنهعليه‌السلام ، و عن ابن بابويه بإسناده عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام .

٥٨

و رواه أيضاً عن ابن شهرآشوب عن حلية الأولياء عن عمر بن عليّ، و عن الواحديّ في أسباب النزول عن بريدة، و عن أبي القاسم بن حبيب في تفسيره عن زرّ بن حبيش عن عليّعليه‌السلام .

و قد روي في غاية المرام، من طرق الفريقين ستّة عشر حديثاً في ذلك و قال في البرهان إنّ محمّد بن العبّاس روى فيه ثلاثين حديثاً من طرق العامّة و الخاصّة.

٥٩

( سورة الحاقّة الآيات ١٣ - ٣٧)

فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ ( ١٣ ) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً ( ١٤ ) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ( ١٥ ) وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ ( ١٦ ) وَالْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَائِهَا هَا هَا هَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ( ١٧ ) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ ( ١٨ ) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ( ١٩ ) إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ( ٢٠ ) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ( ٢١ ) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ( ٢٢ ) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ( ٢٣ ) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ( ٢٤ ) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ( ٢٥ ) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ( ٢٦ ) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ( ٢٧ ) مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ ( ٢٨ ) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ( ٢٩ ) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ( ٣٠ ) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ( ٣١ ) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ ( ٣٢ ) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ ( ٣٣ ) وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ ( ٣٤ ) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ ( ٣٥ ) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ ( ٣٦ ) لَّا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ ( ٣٧ )

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

بيعقوب » قال الرّجل: يا ابن رسول الله، ما الّذي نزل بيعقوب؟ قال: « كان يعقوب النّبيعليه‌السلام ، يذبح لعياله في كلّ يوم شاة، ويقسم لهم من الطّعام مع ذلك ما يسعهم، وكان في عصره نبي من الأنبياء كريم على الله لا يؤبه له، قد أخمل نفسه ولزم السّياحة، ورفض الدّنيا فلا يشتغل بشئ منها، فإذا بلغ من الجهد توخّى دور الأنبياء وأبناء الأنبياء والصّالحين، ووقف لها وسأل ممـّا يسأل السّؤال، من غير أن يعرف به، فإذا أصاب ما يسمك رمقه مضى لمـّا هو عليه، (ولمـّا أغري)(١) ليلة بباب يعقوب وقد فرغوا من طعامهم، وعندهم منه بقيّة كثيرة، فسأل فأعرضوا عنه، فلا هم أعطوه شيئاً ولا صرفوه، وأطال الوقوف ينتظر ما عندهم، حتّى أدركه ضعف الجهد وضعف طول القيام، فخرّ من قامته قد غشي عليه، فلم يقم إلّا بعد هَوِىّ من اللّيل، فنهض لمـّا به ومضى لسبيله، فرأى يعقوب في منامه تلك اللّيلة ملكاً أتاه فقال: يا يعقوب، يقول لك ربّ العالمين: وسعت عليك في المعيشة، وأسبغت عليك النّعمة، فيعتري ببابك نبيّ من أنبيائي كريم عليّ، قد بلغ الجهد فتعرض أنت وأهلك عنه، وعندكم من فضول ما أنعمت به عليكم ما القليل منه يحييه، فلم تعطوه شيئاً ولم تصرفوه فيسأل غيركم، حتّى غشي عليه فخرّ من قامته لاصقاً بالأرض عامّة ليلته، وأنت في فراشك مستبطن متقلّب في نعمتي عليك، وكلاكما بعيني، وعزّتي وجلالي لأبتلينّك ببليّة تكون لها حديثاً في الغابرين، فانتبه يعقوبعليه‌السلام مذعوراً، وفزغ إلى محرابه فلزم البكاء والخوف حتّى أصبح، أتاه بنوه يسألونه ذهاب يوسف معهم » ثمّ ذكر أبو جعفرعليه‌السلام قصّة يوسف بطولها.

____________________________

(١) في المصدر: وأنه أعترى ذات، والظاهر أنّه أصوب إذ أن عراه وأعتراه: غشيه طالباً معروفه (لسان العرب ج ١٥ ص ٤٤).

٢٠١

[ ٨٠٣٢ ] ١٠ - عماد الدّين الطبري في بشارة المصطفى: عن أبي البقاء ابراهيم بن الحسين البصري، عن أبي طالب محمّد بن الحسن، عن أبي الحسن محمّد بن الحسين بن أحمد، عن محمّد بن وهبان الدّبيلي، عن عليّ بن أحمد بن كثير العسكري، عن أحمد بن المفضّل أبي سلمة الأصفهاني، عن أبي علي راشد بن عليّ بن وائل القرشي، عن عبدالله بن حفص المدني، عن محمّد بن إسحاق، عن سعيد بن زيد بن أرطأة، عن كميل بن زياد، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال فيما أوصاه إليه: « البركة في المال من إعطاء(١) الزكاة، ومواساة المؤمنين، وصلة الأقربين، وهم الأقربون(٢) يا كميل، زد قرابتك المؤمن على ما تعطي سواه من المؤمنين، وكن بهم أرأف وعليهم أعطف، وتصدّق على المساكين، يا كميل، لا تردّن سائلاً ولو بشقّ تمرة، أو من شطر عنب، يا كميل، الصّدقة تنمى عند الله تعالى » الخبر.

ورواه الحسن بن عليّ بن شعبة في تحف العقول(٣) ، ويوجد في بعض نسخ نهج البلاغة.

[ ٨٠٣٣ ] ١١ - الشيخ ابراهيم الكفعمي في كتاب مجموع الغرائب: عن الجواهر للشّيخ الفاضل محمّد بن محاسن البادرائي، أنّه روى: أنّ عيسىعليه‌السلام قال: من ردّ السائل محروماً، لا تغشى الملائكة بيته سبعة أيّام.

____________________________

١٠ - بشارة المصطفى ص ٢٥.

(١) في المصدر: إيتاء.

(٢) وفيه: الأقربون لنا.

(٣) تحف العقول ص ١١٥.

١١ - مجموع الغرائب:

٢٠٢

[ ٨٠٣٤ ] ١٢ - الشّيخ أبو الفتوح الرّازي في تفسيره: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « للسّائل حقّ وإن جاء على فرس ».

[ ٨٠٣٥ ] ١٣ - وعن الحسين بن عليعليهما‌السلام ، أنّ سائلاً كان يسأل يوماً، فقالعليه‌السلام : « أتدرون ما يقول؟ » قالوا: لا، يا ابن رسول الله قالعليه‌السلام : « يقول: أنا رسولكم إن أعطيتموني شيئاً أخذته وحملته إلى هناك، وإلا أرد إليه وكفّي صفر ».

[ ٨٠٣٦ ] ١٤ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « لو لا أنّ السّائلين(١) يكذبون، ما قدّس من ردّهم ».

[ ٨٠٣٧ ] ١٥ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه كان يقول: « اللّهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين » فقالت له إحدى زوجاته: لم تقول هكذا؟ قال: « لأنهم يدخلون الجنّة قبل الأغنياء بأربعين عاماً، ثمّ قال: أنظري ألّا تزجري المسكين، وإن سأل شيئاً فلا تردّيه ولو بشقّ تمرة، واحبيه وقربيه إلى نفسك، حتّى يقرّبك الله تعالى إلى رحمته ».

[ ٨٠٣٨ ] ١٦ - وروي: أنّ الله تعالى يقول يوم القيامة لبعض عباده: استطعمتك فلم تطعمني، واستقيتك فلم تسقني، واستكسيتك فلم

____________________________

١٢ - تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٢٦٧، وفي ج ٥ ص ٥٤٨، وأخرجه في البحار ج ٩٦ ص ١٧ ح ٢ عن جامع الأخبار ص ١٦٢.

١٣ - تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٢٦٧.

١٤ - تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٢٦٧.

(١) في المصدر: السؤّال.

١٥ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٢٦٦.

١٦ - تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي ج ٢ ص ٢٨١.

٢٠٣

تكسني، فيقول العبد: إلهي أنّه كان، وكيف كان؟ فيقول تعالى: العبد الفلاني الجائع استطعمك فما أطعمته، والفلاني العاري استكساك فما كسوته، فلأمنعنك اليوم فضلي كما منعته.

[ ٨٠٣٩ ] ١٧ - أبو علي محمّد بن همام في كتاب التّمحيص: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « لا يكمل المؤمن إيمانه حتّى يحتوي على مائة وثلاث خصال - إلى أن عدّصلى‌الله‌عليه‌وآله منها - لا يردّ سائلاً، ولا يبخل بنائل ».

[ ٨٠٤٠ ] ١٨ - البحار، عن الديلمي في أعلام الدين: عن أبي أمامة، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « قال الخضرعليه‌السلام : من سُئل بوجه الله عزّوجلّ فردّ سائله، وهو قادر على ذلك، وقف يوم القيامة ليس لوجهه جلد ولا لحم، (إلّا)(١) عظم يتقعقع » الخبر.

[ ٨٠٤١ ] ١٩ - محمّد بن مسعود العيّاشي في تفسيره: عن زيد الشحّام، عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، قال: « ما سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شيئاً قطّ، فقال: لا، إن كان عنده أعطاه، وإن لم يكن عنده، قال: يكون إن شاء الله ».

[ ٨٠٤٢ ] ٢٠ - القطب الراوندي في لبّ اللّباب: عن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، أنّه خرج ذات يوم معه خمسة دراهم، فأقسم عليه

____________________________

١٧ - التمحيص ص ٧٤ ح ١٧١.

١٨ - البحار ج ١٣ ص ٣٢١ ح ٥٥ عن أعلام الدين ص ١١٢.

(١) في أعلام الدين: ولا.

١٩ - تفسير العياشي ج ١ ص ٢٦١ ح ٢١٢.

٢٠ - لبّ اللباب: مخطوط.

٢٠٤

فقير فدفعها إليه، فلمّا مضى فإذا بأعرابي على جمل، فقال له: اشتر هذا الجمل، قال: « ليس معي ثمنه »، قال: اشتر نسية، فاشتراه بمائة درهم، ثمّ أتاه إنسان فاشتراه منه بمائة وخمسين درهماً نقداً، فدفع إلى البايع مائة، وجاء بخمسين إلى داره، فسألته - أي فاطمةعليها‌السلام - عن ذلك، فقال: « أتجّرت مع الله، فأعطيته واحداً فأعطاني مكانه عشرة ».

[ ٨٠٤٣ ] ٢١ - وعن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « من نهر سائلاً، نهرته الملائكة يوم القيامة ».

٢١ -( باب جواز ردّ السّائل، بعد إعطاء ثلاثة)

[ ٨٠٤٤ ] ١ - دعائم الإسلام: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه وقف به سائل وهو مع جماعة من أصحابه، فسأله فأعطاه، ثمّ جاء آخر فسأله فأعطاه ثمّ جاء الثّالث(١) فأعطاه ثمّ جاء الرّابع فقال له: « يرزقنا الله وإيّاك » ثمّ قال لأصحابه: « لو أنّ رجلاً عنده مائة ألف، ثمّ أراد ان يضعها موضعها لوجد ».

[ ٨٠٤٥ ] ٢ - محمّد بن مسعود العيّاشي في تفسيره: عن عجلان، قال: كنت عند أبي عبداللهعليه‌السلام ، فجاءه سائل، فقام إلى مكتل فيه تمر فملأ يده ثمّ ناوله، ثمّ جاء آخر فسأله، فقام فأخذ بيده

____________________________

٢١ - لب اللباب: مخطوط.

الباب - ٢١

١ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٣٥ ح ١٢٦٦.

(١) في المصدر زيادة: فسأله.

٢ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٢٨٩ ح ٥٩، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٦٩ ح ٥٩.

٢٠٥

فناوله، ثمّ جاء آخر فسأله، فقال: « رزقنا الله وإيّاك »(١) .

٢٢ -( باب عدم جواز الرّجوع في الصّدقة، وحكم صدقة الغلام)

[ ٨٠٤٦ ] ١ - دعائم الإسلام: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه قال: « إذا تصدّق الرّجل بصدقة، لم يحلّ له أن يشتريها، ولا أن يستوهبها، ولا أن يملكها، بعد أن تصدّق بها، إلّا بالميراث، فإنّها(١) إن دارت له بالميراث حلّت له ».

[ ٨٠٤٧ ] ٢ - ابن شهر آشوب في المناقب: عن كتاب الفنون، قال: نام رجل من الحاجّ في المدينة فتوهّم أنّ هميانه سرق، فخرج فرأى جعفر الصّادقعليه‌السلام ، مصلّيا ولم، يعرفه فتعلّق به وقال له: أنت أخذت همياني، قال: « ما كان فيه؟ » قال: ألف دينار، قال: فحمله إلى داره، ووزن له ألف دينار، وعاد إلى منزله ووجد هميانه، فرجع(١) إلى جعفرعليه‌السلام معتذراً بالمال فأبى قبوله، وقالعليه‌السلام : « شئ خرج من يدي لا يعود إليّ » (إلى أن)(٢)

____________________________

(١) ورد في هامش الطبعة الحجرية، منه (قدّه) ما نصّه: « هذا الخبر رواه الكليني في الكافي ج ٤ ص ٥٥ ح ٧ بإسناده عن عجلان كما في الأصل، وفيه أنهم كانوا أربعة أعطى ثلاثة منهم وردّ الرابع فالظاهر أنّه سقط في نسخة العياشي جملة أخرى، والله العالم ».

الباب - ٢٢

١ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٣٩ ح ١٢٧٥.

(١) في الطبعة الحجرية « فانهما » وما أثبتناه من المصدر.

٢ - المناقب لابن شهر آشوب ج ٤ ص ٢٧٤.

(١) في المصدر: فعاد.

(٢) ليس في المصدر.

٢٠٦

قال: فسأل(٣) الرّجل، فقيل: هذا جعفر الصّادقعليه‌السلام ، قال: لا جرم هذا فعال مثله.

[ ٨٠٤٨ ] ٣ - السيّد عليّ بن طاووس في مهج الدّعوات: نقلاً من كتاب عتيق، حدّثنا محمّد بن أحمد بن عبدالله بن صفوة، عن محمّد بن العبّاس العاصمي، عن الحسن بن عليّ بن يقطين، عن أبيه، عن محمّد بن الرّبيع الحاجب، عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام - في حديث طويل - أنّه قال: « إنّا أهل بيت لا نرجع في معروفنا » الخبر.

٢٣ -( باب استحباب التماس الدّعاء من السّائل، واستحباب دعاء السّائل لمن أعطاه)

[ ٨٠٤٩ ] ١ - دعائم الإسلام: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه قال: « لا تستخفوا بدعاء المساكين للمرضى منكم، فإنّه يستجاب لهم فيكم، ولا يستجاب لهم في أنفسهم ».

[ ٨٠٥٠ ] ٢ - الشّيخ المفيد في الاختصاص: عن القاسم، عن بريد العجلي، عن أبيه، قال: دخلت على أبي عبداللهعليه‌السلام ، فقلت له: جعلت فداك، قد كان الحال حسنة، وإنّ الأشياء اليوم متغيّرة، فقال: « إذا قدمت الكوفة فاطلب عشرة دراهم، فإن لم تصبها فبع وسادة من وسائدك بعشرة دراهم، ثمّ ادع عشرة من أصحابك واصنع لهم طعاماً، فإذا أكلوا فاسألهم فيدعوا الله لك » قال: فقدمت الكوفة فطلبت عشرة دراهم فلم أقدر عليها، حتّى بعت

____________________________

(٣) وفيه: فسأل عنه.

٣ - مهج الدعوات ص ١٩٦.

الباب - ٢٣

١ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ١٣٦ ح ٤٧٨.

٢ - الاختصاص ص ٢٤.

٢٠٧

وسادة لي بعشرة دراهم كما قال، وجعلت لهم طعاماً، ودعوت أصحابي عشرة، فلمّا أكلوا سألتهم أن يدعوا الله لي، فما مكثت حتّى مالت إليّ(١) الدّنيا.

٢٤ -( باب استحباب المساعدة على إيصال الصّدقة والمعروف إلى المستحقّ)

[ ٨٠٥١ ] ١ - الصّدوق في الخصال: عن حمزة بن محمّد العلوي(١) ، عن عليّ بن ابراهيم، عن أبيه، عن جعفر الأشعري، عن عبدالله بن ميمون القداح، عن الصّادقعليه‌السلام ، عن آبائه، عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « الدّال على الخير كفاعله ».

[ ٨٠٥٢ ] ٢ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من شفع شفاعة حسنة أو أمر بمعروف، فإن الدّال على الخير كفاعله ».

[ ٨٠٥٣ ] ٣ - القطب الرّاوندي في لبّ اللّباب: قال: روي أنّ الصّدقة لتجري على سبعين رجلاً، تكون أجر آخرهم كأوّلهم.

____________________________

(١) في المصدر عليّ.

الباب - ٢٤

١ - الخصال ص ١٣٤ ح ١٤٥.

(١) كذا في المصدر، وفي النسخة الحجرية « حمزة بن الحسن العلوي » راجع معجم رجال الحديث ج ٦ ص ٢٧٨ و ٢٨١، ومجمع الرجال ج ٧ ص ٢٣٦.

٢ - الجعفريات ص ١٧١.

٣ - لب اللباب: مخطوط.

٢٠٨

[ ٨٠٥٤ ] ٤ - ابن أبي جمهور في درر اللآلي: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « الخازن الأمين الذي يؤدّي ما ائتمن به، طيبة به نفسه فإنّه أحد المتصدّقين ».

[ ٨٠٥٥ ] ٥ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « صدقة المرأة من بيت زوجها، غير مسرفة ولا مضرّة، مع علم عدم كراهيّة، لها أجر وله مثلها، لها بما أنفقت، وله بما اكتسب، وللخازن مثل ذلك ».

٢٥ -( باب مواساة المؤمن في المال)

[ ٨٠٥٦ ] ١ - جعفر بن أحمد القمي في كتاب الغايات: عن الصّادقعليه‌السلام ، أنّه قال: « أشدّ الأعمال ثلاثة: إنصاف النّاس من نفسك، حتّى لا ترضى لهم إلّا ما ترضى به لها منهم، ومواساة الأخ في الله(١) ، وذكر الله على كلّ حال ».

[ ٨٠٥٧ ] ٢ - وعن أبي بصير، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: قلت: ما أشدّ ما عمل العباد؟ قال: « إنصاف المرء من نفسه، ومواساة المرء أخاه، وذكر الله على كلّ حال » الخبر.

[ ٨٠٥٨ ] ٣ - الصّدوق في مصادقة الإخوان: عن المفضّل بن عمر قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : « إختبر شيعتنا في خصلتين، فإن كانتا

____________________________

٤ - درر اللآلي ج ١ ص ١٤.

٥ - درر اللآلي ج ١ ص ١٥.

الباب - ٢٥.

١ - الغايات ص ٧٣.

(١) في المصدر: المال.

٢ - الغايات ص ٧٤.

٣ - مصادقة الإخوان ص ٣٦ ح ٢.

٢٠٩

فيهم (وإلّا فاغرب ثمّ اغرب)(١) ، قلت: ما هما؟ قال: المحافظة على الصّلاة(٢) ، والمواساة للإخوان وإن كان الشّئ قليلاً ».

[ ٨٠٥٩ ] ٤ - الآمدي في الغرر: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال: « المواساة أفضل الأعمال، وقال(١) : أحسن الإحسان مواساة الإخوان ».

[ ٨٠٦٠ ] ٥ - الحسين بن سعيد الأهوازي في كتاب المؤمن: عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: « يجئ أحدكم إلى أخيه، فيدخل يده في كيسه فيأخذ حاجته فلا يدفعه »، فقلت: ما أعرف ذلك فينا، قال: فقال أبو جعفرعليه‌السلام : « فلا شئ إذاً »، قلت: فالهلكة إذاً؟ قال: « إنّ القوم لم يعطوا أحلامهم بعد ».

[ ٨٠٦١ ] ٦ - الجعفريات: بإسناده عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : سيّد الأعمال ثلاث: إنصاف النّاس من نفسك ومواساة الأخ في الله، وذكرك الله تعالى في كلّ حال ».

[ ٨٠٦٢ ] ٧ - أصل من أصول القدماء: قال: دخل رجل إلى جعفر بن

____________________________

(١) في المصدر: وإلّا فأعزب ثمّ أعزب.

(٢) في المصدر: الصلوات في مواقيتهن.

٤ - درر الحكم ودرر الكلم ص ٤٧ ح ١٣٥٩.

(١) نفس المصدر ص ١٨٤ ح ١٩٧.

٥ - المؤمن ص ٤٤ ح ١٠٣.

٦ - الجعفريات ص ٢٣٠.

٧ - أصل من أصول القدماء.

٢١٠

محمّدعليهما‌السلام ، وقال: يابن رسول الله، ما المروّة؟ قال: « ترك الظّلم ومواساة الإخوان في السّعة » الخبر.

[ ٨٠٦٣ ] ٨ - دعائم الإسلام: عن أبي جعفرعليه‌السلام ، أنّه أوصى لبعض(١) شيعته فقال: يا معشر شيعتنا، اسمعوا وافهموا وصايانا وعهدنا إلى أوليائنا، اصدقوا في قولكم، وبرّوا في أيمانكم لأوليائكم واعدائكم، وتواسوا بأموالكم، وتحابّوا بقلوبكم » الخبر.

وباقي أخبار الباب، يأتي في أبواب العشرة من كتاب الحجّ.

٢٦ -( باب استحباب الإيثار على النّفس ولو بالقليل، لغير صاحب العيال)

[ ٨٠٦٤ ] ١ - الحسين بن سعيد الأهوازي في كتاب المؤمن: عن سماعة، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: سألناه عن الرّجل لا يكون عنده إلّا قوت يومه، ومنهم من عنده قوت شهر، ومنهم من عنده قوت سنة، أيعطف من عنده قوت يوم على من ليس عنده شئ؟ ومن عنده قوت شهر على من دونه؟ والسّنة(١) على نحو ذلك؟ وذلك كلّه الكفاف الذي لا يلام عليه، فقالعليه‌السلام : « هما أمران، أفضلهم(٢) فيه أحرصكم على الرّغبة فيه والأثرة على نفسه، إنّ الله عزّوجلّ

____________________________

٨ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٦٤.

(١) في المصدر: بعض، والظاهر هو الصحيح.

الباب - ٢٦

١ - المؤمن ص ٤٤ ح ١٠٢.

(١) في المصدر: ومن عنده قوت سنة على من دونه.

(٢) وفيه: أفضلكم.

٢١١

يقول:( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (٣) وإلّا لا يلام عليه، اليد العليا خير اليد السّفلى، ويبدأ بمن يعول ».

[ ٨٠٦٥ ] ٢ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال: « قد فرض الله التّحمل على الأبرار في كتاب الله »، قيل: وما التّحمل؟ قال: « إذا كان وجهك آثر من(١) وجهه التمست له، وقال في قول الله عزّوجلّ:( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (٢) وقال: لا تستأثر عليه بما هو أحوج إليه منك ».

[ ٨٠٦٦ ] ٣ - سبط الشّيخ الطّبرسي في مشكاة الأنوار: عن الصّادقعليه‌السلام ، أنّه سئل: ما أدنى حقّ المؤمن على أخيه؟ قال: « أن لا يستأثر عليه بما هو أحوج إليه منه ».

[ ٨٠٦٧ ] ٤ - وعن أنس [ قال ](١) : أنّه أهدي لرجل من أصحاب النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، رأس شاة مشوي فقال: إنّ أخي فلاناً وعياله أحوج إلى هذا حقّاً، فبعث [ به ](٢) إليه، فلم يزل يبعث به واحد بعد واحد، حتّى تداولوا بها سبعة أبيات، حتّى رجعت إلى الأوّل، فنزل( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ

____________________________

(٣) الحشر ٥٩: ٩.

٢ - المؤمن ص ٤٤ ج ١٠٤.

(١) في الطبعة الحجرية « عن » وما أثبتناه من المصدر.

(٢) الحشر ٥٩: ٩.

٣ - مشكاة الأنوار ص ١٩٢.

٤ - مشكاة الأنوار ص ١٨٨.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) أثبتناه ليستقيم المعنى.

٢١٢

نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (٣) وفي رواية: فتداولته تسعة أنفس، ثمّ عاد إلى الأوّل.

[ ٨٠٦٨ ] ٥ - الجعفريات: بإسناده عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: « ثلاثة من حقائق الإيمان: الإنفاق من الإقتار، والإنصاف من نفسك، وبذل السّلام لجميع العالم ».

[ ٨٠٦٩ ] ٦ - زيد الزرّاد في أصله: قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : نخشى أن لا نكون مؤمنين، قال: « ولم ذاك؟ » فقلت: وذلك أنّا لا نجد فينا من يكون أخوه عنده آثر من درهمه وديناره، ونجد الدّينار والدّرهم آثر عندنا من أخ قد جمع بيننا وبينه موالاة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال: « كلّا، إنّكم مؤمنون ولكن لا تكملون إيمانكم حتّى يخرج قائمنا، فعندها يجمع الله أحلامكم فتكونون مؤمنين كاملين، ولو لم يكن في الأرض مؤمنون كاملون، إذاً لرفعنا الله إليه، وأنكرتم الأرض وأنكرتم السّماء، [ بل ](١) والذي نفسي بيده، إنّ في الأرض في أطرافها مؤمنين، ما قدر الدّنيا كلّها عندهم يعدل جناح بعوضة - إلى أن قالعليه‌السلام - هم البررة بالإخوان في حال اليسر والعسر، والمؤثرون على أنفسهم في حال العسر، كذلك وصفهم الله فقال:( وَيُؤْثِرُونَ ) (٢) الآية - إلى أن

____________________________

(٣) الحشر ٥٩: ٩.

٥ - الجعفريات ص ٢٣١.

٦ - أصل زيد الزرّاد ص ٦.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) الحشر ٥٩: ٩.

٢١٣

قال - حليتهم طول السكوت بكتمان السّر، والصّلاة، والزّكاة، والحجّ، والصوم: والمواساة للإخوان في حال اليسر والعسر » الخبر.

[ ٨٠٧٠ ] ٧ - وفيه: قال زيد: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: « خياركم سمحاؤكم، وشراركم بخلاؤكم، ومن خالص الإيمان البرّ بالإخوان، وفي ذلك محبّة من الرّحمان، ومرغمة من الشّيطان، وتزحزح عن النّيران ».

[ ٨٠٧١ ] ٨ - الشّيخ الطّوسي في أماليه: بإسناده عن أبي ذر رحمه الله، عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أيّ الصّدقة أفضل؟ قال: « جهد من مقل إلى فقير (في سرّ)(١) ».

كتاب الغايات(٢) لجعفر بن أحمد القمي: مثله.

[ ٨٠٧٢ ] ٩ - وعن أبي بصير، عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال: قلت: ما أفضل الصّدقة؟ قال: « جهد المقلّ، أما سمعت الله يقول:( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (١) ويرى هيهنا فضلاً ».

[ ٨٠٧٣ ] ١٠ - محمّد بن علي بن شهر آشوب في المناقب: قال: روى جماعة عن عاصم بن كليب، عن أبيه واللّفظ له، عن أبي هريرة: أنّه جاء

____________________________

٧ - أصل زيد الزراد ص ٢.

٨ - أمالي الطوسي ج ٢ ص ١٥٣.

(١) كان في الطبعة الحجرية « محتال ».

(٢) الغايات ص ٦٨.

٩ - الغايات ص ٧٧.

(١) الحشر ٥٩: ٩.

١٠ - مناقب ابن شهر آشوب ج ٢ ص ٧٤.

٢١٤

رجل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فشكا إليه الجوع، فبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أزواجه، فقلن: ما عندنا إلّا الماء، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من لهذا الرّجل اللّيلة؟ » فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « أنا يا رسول الله » فأتى فاطمةعليها‌السلام وسألها: « ما عندك يا بنت رسول الله؟ فقالت: ما عندنا إلّا قوت الصّبية، لكنّا نؤثر ضيفنا به، فقالعليه‌السلام : يا بنت محمّد نوّمي الصّبية، واطفئي المصباح، وجعلا يمضغان بألسنتهما، فلمّا فرغا من الأكل أتت فاطمةعليها‌السلام بسراج، فوجدت الجفنة مملوّة من فضل الله، فلمّا أصبح صلى مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا سلّم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من صلاته، نظر إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام وبكى بكاءً شديداً وقال: « يا أمير المؤمنين، لقد عجب الرّب من فعلكم البارحة، إقرأ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (١) » أي مجاعة الخبر.

[ ٨٠٧٤ ] ١١ - وعن محمّد بن العتمة(١) ، عن أبيه، عن عمّه، قال: رأيت في المدينة رجلاً على ظهره قربة وفي يده صحفة، يقول: « اللّهم وليّ المؤمنين(٢) وجار المؤمنين، اقبل قرباني اللّيلة، فما أمسيت أملك سوى ما في صحفتي وغير ما يواريني، فإنّك تعلم إنّي منعت نفسي [ مع شدّة ](٣) سغبي، أطلب القربة إليك غنماً، اللّهم فلا تخلق وجهي ولا تردّ دعوتي » فأتيته حتّى عرفته فإذا هو عليّ بن أبي طالب

____________________________

(١) الحشر ٥٩: ٩.

١١ - مناقب ابن شهر آشوب ج ٢ ص ٧٦، وعنه في البحار ج ٤١ ص ٢٩.

(١) في المصدر: الصمة.

(٢) في المصدر زيادة: وإله المؤمنين.

(٣) أثبتناه من المصدر.

٢١٥

عليه‌السلام ، فأتى رجلاً فأطعمه.

[ ٨٠٧٥ ] ١٢ - الشّيخ أبو الفتوح الرّازي في تفسيره: عن شقيق بن سلمة، عن عبدالله بن مسعود، قال: صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة صلة العشاء، فقام رجل من بين الصّف، فقال: يا معاشر المهاجرين والأنصار، أنا رجل غريب فقير، وأسألكم في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاطعموني، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أيّها الحبيب لا تذكر الغربة، فقد قطعت نياط قلبي، أمّا الغرباء فأربعة، قالوا: يا رسول الله من هم؟ قال: مسجد ظهراني قوم لا يصلّون فيه، وقرآن في أيدي قوم لا يقرؤون فيه، وعالم بين قوم لا يعرفون حاله ولا يتفقّدونه، وأسير في بلاد الرّوم بين الكفّار لا يعرفون الله، ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : من الذي يكفي مؤونة هذا الرّجل؟ فيبوّئه الله في الفردوس الأعلى، فقام أمير المؤمنينعليه‌السلام وأخذ بيد السائل، وأتى به إلى حجرة فاطمةعليها‌السلام ، فقال: يا بنت رسول الله، انظري في أمر هذا الضّيف، فقالت فاطمةعليها‌السلام : يا ابن العمّ، لم يكن في البيت إلّا قليل من البرّ، صنعت منه طعاماً، والأطفال محتاجون إليه، وأنت صائم، والطّعام قليل لا يغني غير واحد، فقال: أحضريه، فذهبت وأتت بالطّعام ووضعته، فنظر إليه أمير المؤمنينعليه‌السلام فرآه قليلاً، فقال في نفسه: لا ينبغي أن آكل من هذا الطّعام، فإن أكلته لا يكفي الضيف، فمدّ يده إلى السّراج يريد أن يصلحه فأطفأه، وقال لسيّدة النّساءعليها‌السلام : تعلّلي في إيقاده، حتّى يحسن الضّيف أكله ثمّ إثتيني به، وكان أميرالمؤمنينعليه‌السلام يحرّك فمه المبارك، يري الضّيف أنّه يأكل ولا يأكل، إلى أن فرغ الضّيف من

____________________________

١٢ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ٥ ص ٢٨٩.

٢١٦

أكله وشبع، وأتت خير النّساءعليها‌السلام بالسّراج ووضعته، وكان الطّعام بحاله، فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام لضيفه: لم ما أكلت الطّعام؟ فقال: يا أبا الحسن أكلت الطّعام وشبعت، ولكنّ الله تعالى بارك فيه، ثمّ أكل من الطّعام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وسيّدة النّساء، والحسنانعليهم‌السلام ، وأعطوا منه جيرانهم، وذلك ممـّا بارك الله تعالى فيه، فلمّا أصبح أمير المؤمنينعليه‌السلام أتى إلى مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي، كيف كنت مع الضّيف؟ فقال: بحمد الله - يا رسول الله - بخير، فقال: إنّ الله تعالى تعجّب ممـّا فعلت البارحة، من إطفاء السّراج والامتناع من الأكل للضّيف، فقال: من أخبرك بهذا؟ فقال: جبرائيل، وأتى بهذه الآية في شأنك( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ) (١) الآية ».

[ ٨٠٧٦ ] ١٣ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام : أنّه رأى يوماً جماعة فقال: « من أنتم؟ » قالوا: نحن قوم متوكّلون، فقال: « ما بلغ بكم توكّلكم؟ » قالوا: إذا وجدنا أكلنا، وإذا فقدنا صبرنا، فقالعليه‌السلام : « هكذا يفعل الكلاب عندنا »، فقالوا: كيف نفعل يا أمير المؤمنين؟ فقال: « كما نفعله، إذا فقدنا شكرنا، وإذا وجدنا آثرنا ».

____________________________

(١) الحشر ٥٩: ٩.

١٣ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ٥ ص ٢٩٠.

٢١٧

٢٧ -( باب استحباب تقبيل الإنسان يده بعد الصّدقة، وتقبيل ما تصدّق به، وشمّه بعد القبض، وتقبيل يد السّائل)

[ ٨٠٧٧ ] ١ - الشّيخ في مجالسه: عن أحمد بن عبدون، عن عليّ بن محمّد بن الزّبير، عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن العبّاس بن عامر، عن أحمد بن رزق الغمشاني، عن أبي أسامة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: « كان عليّ بن الحسينعليهما‌السلام يقول: الصّدقة تطفئ غضب الرّب، قال: وكان يقبل الصّدقة قبل أن يعطيها السّائل، قيل له: ما يحملك على هذا؟ قال: فقال: لست أقبل يد السّائل، إنّما أقبل يد ربي، إنها تقع في يد ربي، قبل أن تقع في يد السّائل ».

٢٨ -( باب استحباب القرض للصّدقة، وصدقة من عليه قرض، واستحباب الزّيادة في قضاء الدين)

[ ٨٠٧٨ ] ١ - كتاب جعفر بن محمّد بن شريح الحضرمي: عن ذريح المحاربي، قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : « أتى رجل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فسأله، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من عنده سلف؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله، وأسلفه أربعة أوساق، ولم يكن له غيرها، فأعطاها السائل، فمكث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما شاء الله، ثمّ أنّ المرأة قالت لزوجها: أما

____________________________

الباب - ٢٧

١ - أمالي الطوسي ج ٢ ص ٢٨٥.

الباب - ٢٨

١ - بل كتاب محمّد بن المثنى الحضرمي ص ٨٣.

٢١٨

آن لك أن تطلب سلفك، فتقاضي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقال: سيكون ذلك، ففعل ذلك الرّجل مرّتين أو ثلاثاً، ثمّ أنّه دخل ذات يوم عند اللّيل، فقال له ابن له: جئت بشئ؟ فإنّي لم أذق شيئاً اليوم، ثمّ قال: والولد فتنة، فغدا الرّجل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: سلفي، فقال: سيكون ذلك، فقال: حتّى متى سيكون ذلك؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من عنده سلف؟ فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله، فأسلفه ثمانية أوساق، فقال الرّجل: إنّما لي أربعة، فقال له: خذها، فأعطاها إيّاه ».

[ ٨٠٧٩ ] ٢ - إبن شهر آشوب في المناقب: قال: روت الخاصّة والعامّة، عن الخدري: أنّ عليّاًعليه‌السلام أصبح ساغباً، فسأل فاطمةعليها‌السلام طعاماً، فقالت: « ما كان إلّا ما أطعمتك منذ يومين، آثرت به على نفسي وعلى الحسن والحسين » - إلى أن قال - فخرج واستقرض من النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ديناراً، فخرج يشتري به شيئاً، فاستقبله المقداد قائلاً: ما شاء الله، فناوله عليّعليه‌السلام الدينار، ثمّ دخل المسجد فوضع رأسه ونام الخبر.

وهذا الخبر، رواه جماعة من أصحابنا، بألفاظ مختلفة، أجمعها وأطولها ما رواه الشّيخ أبوالفتوح الرّازي(١) في تفسيره، وقد أخرجناه في كتابا المسمّى بالكلمة الطّيبة.

____________________________

٢ - المناقب لابن شهر آشوب ج ٢ ص ٧٦.

(١) تفسير أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٤٦٣.

٢١٩

٢٩ -( باب تحريم السّؤال من غير احتياج)

[ ٨٠٨٠ ] ١ - الشيخ الطوسي في مجالسه: عن الحسين بن إبراهيم، عن محمّد بن وهبان، عن أحمد بن إبراهيم، عن الحسن بن علي الزّعفراني، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن محمّد بن مسلم قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : « يا محمّد، لو يعلم السّائل ما في المسألة، ما سأل أحد أحداً، ولو يعلم المعطي ما في العطيّة، ما ردّ أحد أحداً - قال: ثمّ قال لي - يا محمّد، أنّه من سأل وهو بظهر(١) غنى، لقي الله مخموشاً وجهه ».

[ ٨٠٨١ ] ٢ - القطب الرّاوندي في الخرائج: روى أنّ رجلاً جاء إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: ما طعمت طعاماً منذ يومين، فقال: « عليك بالسّوق » فلمّا كان من الغد، دخل فقال: يا رسول الله، أتيت السّوق أمس فلم أصب شيئاً، فبتّ بغير عشاء، قال: « فعليك بالسّوق » فأتى بعد ذلك أيضاً، فقال: « عليك بالسّوق » فانطلق إليها، فإذا عير قد جاءت وعليها متاع فباعوه بفضل دينار، فأخذه الرّجل وجاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: ما أصبت شيئاً، قال: « بل أصبت من عير آل فلان شيئاً » قال: لا، قال: « بلى، ضرب لك فيها بسهم، وخرجت منها بدينار » قال: نعم، قال: « فما حملك على أن تكذب؟ » قال: أشهد أنّك صادق، ودعاني إلى ذلك إرادة أن أعلم، أتعلم ما يعمل النّاس؟ وأن أزداد خيراً إلى

____________________________

الباب - ٢٩

١ - أمالي الطوسي ج ٢ ص ٢٧٧.

(١) في المصدر: يظهر غنى.

٢ - الخرائج والجرايح ص ٨٠ باختلاف يسير.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568