زواج أم كلثوم الزواج اللّغز

زواج أم كلثوم الزواج اللّغز0%

زواج أم كلثوم الزواج اللّغز مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 171

زواج أم كلثوم الزواج اللّغز

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الشهرستاني
تصنيف: الصفحات: 171
المشاهدات: 65531
تحميل: 6115

توضيحات:

زواج أم كلثوم الزواج اللّغز
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 171 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 65531 / تحميل: 6115
الحجم الحجم الحجم
زواج أم كلثوم الزواج اللّغز

زواج أم كلثوم الزواج اللّغز

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

تمهيد

٢١

٢٢

إنّ قضية تزويج أُمّ كلثوم ابنة الإمام عليّ بن أبي طالب من عمر بن الخطّاب من الأمور التي تُثار بين الحين والآخر، على شبكات الإنترنيت والصحف والمجلاّت، وهي ليست بالقضيّة الجديدة، بل هي من القضايا القديمة، وقدّ أُثيرت لأوّل مرّة في عهد الإمامين الباقر والصادق واستمرت حتّى يومنا هذا.

وبما أنّ المسألة ترتبط بالتاريخ من جهة، والفقه والعقائد من جهة أُخرى، فقد التزمنا دراسة هذه القضية مع ملابساتها الاجتماعية والتاريخية بقدر ما يسعنا الوقت في هذه العجالة.

لكن قبل بيان حقيقة الأمر لا بُدّ من الإشارة إجمالاً إلى الأقوال المذكورة في هذه المسألة، كي يكون القارئ على بصيرة من ذلك، منبهين على أن هذه الدراسة هي محاولة علمية بسيطة رجونا طرحها في الوسط الجامعي والمثقف، ولا نبغي من ورائه إثارة الفتنة بين المسلمين، لأنا أحوج ما نكون إلى الوحدة الإسلامية ، فالمطروح هو إيقاف الآخرين على وجهة نظر علماء مدرسة أهل البيت في هذه المسألة خدمة للعلم وتبييناً للحقيقة، وإليك الآن

٢٣

والأقوال فيها ثمانية:

أربعة منها من مختصّات الشيعة.

والقول الخامس والسادس والسابع قال بها بعض الشيعة وبعض العامّة.

أمّا القول الثامن فهو المشهور عند أبناء العامّة.

٢٤

أمّا الأقوال الأربعة التي قالت بها الشيعة، فهي:

القول الأوّل: عدم وقوع التزويج بين عمر وأُمّ كلثوم.

وقد ذهب إلى هذا الرأي الشيخ المفيد (ت ٤١٣) في المسائل السروية (المسألة العاشرة)، وكذا في المسائل العكبرية (المسألة الخامسة عشر)، وله رسالة بهذا الصدد طبعت على انفصال ضمن منشورات مؤتمر الشيخ المفيد.

هذا، وقد كذّب خبر التزويج علماء آخرون كالسيد مير ناصر حسين اللكهنوي الهندي في كتابه (إفحام الأعداء والخصوم بتكذيب ما افتروه على سيدتنا أُمّ كلثوم)، والشيخ محمّد جواد البلاغي في كتابه (تزويج أُمّ كلثوم بنت أمير المؤمنين وإنكار وقوعه) وغيرهم.

القول الثاني: وقوع التزويج لكنّه كان عن إكراه.

مستدلّين بنصوص متعددة، ذكروها في كتبهم.

وقد ذهب إلى هذا الرأي السيّد المرتضى (ت ٤٣٦) في كتابه الشافي،

٢٥

وتنزيه الأنبياء، والمجموعة الثالثة من رسائله(١) .

وفي بعض روايات وأقوال الكليني (ت ٣٢٩) في الكافي(٢) ، والكوفي (ت ٣٥٢) في الاستغاثة(٣) ، والقاضي النعمان (ت ٣٦٣) في شرح الأخبار(٤) ، والطوسي (٤٦٠) في تمهيد الأصول والاقتصاد(٥) ، والطبرسي (ت ٥٤٨) في إعلام الورى(٦) ، والمجلسي (ت ١١١١) في مرآة العقول وبحار الأنوار(٧) وغيرهم(٨) ما يشير إلى ذلك.

القول الثالث: إنّ المتزوج منها لم تكن ابنتهعليه‌السلام بل كانت ربيبته.

وهي ابنة أسماء بنت عميس زوجة الإمام عليّ بن أبي طالب، أي أنّها

____________________

(١) الشافي ٣: ٢٧٢ ، وتلخيص الشافي ٢: ١٦٠. وتنزيه الأنبياء: ١٩١ ومجموعة رسائل السيّد المرتضى ٣: ١٤٩ و ١٥٠. وانظر بحار الأنوار ٤٢: ١٠٧، والصوارم المهرقة: ٢٠(١) ٢٠٢، والصراط المستقيم ٣: ١٣٠.

(٢) الكافي ٥: ٣٤٦ / ح ١ و ٢.

(٣) الاستغاثة ٨٠ - ٨٢، وعنه في مستدرك الوسائل ١٤: ٤٤(٣) ٤٤٤.

(٤) شرح الأخبار ٢: ٥٠٧.

(٥) تمهيد الأصول: ٣٨(٦) ٣٨٧، والاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد: ٣٤٠ - ٣٤١.

(٦) إعلام الورى ١: ٣٩٧، وعنه في بحار الأنوار ٤٢: ٩٣.

(٧) مرآة العقول ٢٠: ٤٢، بحار الأنوار ٤٢: ١٠٩.

(٨) أنظر: كلام ابن شهرآشوب في المناقب ٣: ١٦٢، والإربلي في كشف الغمة: ١٠، والمقدّس الأردبيلي في حديقة الشيعة: ٢٧٧، والقاضي نور الله التستري في مجالس المؤمنين: ٧٦ و ٨٢ ٨٥ ومصائب النواصب ٢: ٣(٦)٥٢، و ١: ٣٥٧، والشيخ عباس القمّي في منتهى الآمال ١: ١٨٦.

٢٦

ابنة أبي بكر، وأخت محمّد بن أبي بكر، وبذلك تكون أُمّ كلثوم ربيبة الإمام عليّ وليست ببنته.

(انظر هذا الكلام عند الشيخ النقدي في الأنوار العلوية: ٤٢٦)

قال السيّد شهاب الدين المرعشي في تعليقاته علىإحقاق الحق : ثم ليُعلم أنّ أُمّ كلث-وم التي تزوّجها الثاني كانت بنت أسماء وأخت محمّد هذا، فهي ربيبة مولانا أمير المؤمنين ولم تكن بنته، كما هو المشهور بين المؤرخين والمحدثين، وقد حقّقنا ذلك، وقامت الشواهد التاريخية في ذلك، واشتبه الأمر على الكثير من الفريقين، وإني بعد ما ثبت وتحقّق لديّ أنّ الأمر كان كذلك، استوحشت التصريح به في كتاباتي ; لزعم التفرد في هذا الشأن، إلى أن وقفت على تأليف في هذه المسألة للعلاّمة المجاهد السيّد ناصر حسين الموسوى الكنوي أبان عن الحقّ وأسفر وسمّى كتابه (إفحام الخصوم في نفي ت-زويج أُمّ كلثوم ) (١) .

وقالرحمه‌الله في مكان آخر: أسماء بنت عميس تزوّجها جعفر بن أبي طالب، فولدت له عوناً وجعفراً، ثمّ تزوّجها أبو بكر، فوُلد له منها عدة أولاد، منهم: أُمّ كلثوم، وهي التي ربّاها أمير المؤمنين وتزوّجها الثاني، فكانت ربيبتهعليه‌السلام وبمنزلة إحدى بناته، وكانعليه‌السلام يخاطب محمّداً بابني وأمّ كلثوم هذه ببنتي، فمن ثمّ سرى الوهم إلى عدة من المحدثين والمؤرخين، فكم لهذه الشبهة من نظير؟! ومنشأ توهُّم أكثرهم هو الاشتراك في الاسم والوصف، وأن مولانا عليّاًعليه‌السلام تزوّجها بعد موت أبي بكر(١) .

____________________

(١) إحقاق الحق ٢: ٣٧٦.

(٢) إحقاق الحق ٣: ٣١٥ بتصرف.

٢٧

القول الرابع: إن علياً زوّج عمر بن الخطّاب جنّية تشبه أُمّ كلثوم.

إذ الثابت عند الشيعة أنّ للنبي والإمام سلطةً على الجن بإذن الله، كما كان لسليمانعليه‌السلام سلطة عليهم(٢) ، وأن وقوع الشبه ليس ببعيد، فقد شُبِّه على الظلمة عيسى بن مريم بيهوذا فقتل وصلب.

هذا ما رواه القطب الراوندي (ت ٥٧٣) في كتابهالخرائج والجرائح (٣) .

هذه هي الأقوال المختصة بالشيعة.

____________________

(١) انظر سورة ص الآيات: ٣٥ إلى ٤٠ مثلاً.

(٢) الخرائج والجرائح ٢: ٨٢(٥) ٨٢٧، وعنه المجلسي في بحار الأنوار ٤٢: ٨٨، ١٠٦ ومرآة العقول ٢١: ١٩٨. وانظر المجدي في أنساب الطالبيين: ١٧، ومستدرك سفينة البحار ٢: ١٢١، ومدينة المعاجز ٣: ٢٠٣، والصراط المستقيم للبياضي ٣: ١٣٠ وغيرها.

(٣) انظر المبسوط في الإمامة : ١٢٠

٢٨

وأمّا الأقوال التي ذهب إليها بعض الشيعة وبعض العامّة فهي:

القول الخامس: إنكار وجود بنت لعلي اسمها أُمّ كلثوم.

لأن أُمّ كلثوم كنية لزينب الصغرى(١) أو الكبْرى(٢) أو لرقية(٣) ، أمّا وجود بنت اسمها: أُمّ كلثوم، فلم يعرف عند المحققين، إذ لو كان ذلك لعُرف تاريخ ولادتها، ومكان دفنها وبما أنّ الأخبار خالية من ذلك، فإن هذا يشير إلى التشكيك في وجودها.

وقد ذهب إلى هذا الرأي جمع من العامّة والشيعة، فقد نقل عن الدميري أنه قال: أعظم صداق بلغنا خبره صداق عمر لمّا تزوج زينب بنت عليّ، فإنّه أصدقها أربعين ألف دينار(٤) .

ومعنى كلام الدميري: أنّ زينب هو اسم لأم كلثوم، وذلك لاشتهار

____________________

(١) انظر الإرشاد للمفيد ١: ٣٥٤، وعنه في بحار الأنوار ٤٢: ٧٤، وهذا هو الرأي المشهور عند المؤرخين.

(٢) وهو ما يفهم من شعر الشيخ إبراهيم بن يحيى العاملي والسيّد عبد الرزاق المقرم الآتي وغيرهم.

(٣) المجدي في أنساب الطالبين للعمري: ١٧، عمدة الطالب لابن عنبة: ٦٣ ينابيع المودة: (٣) ١٤٧، ملحقات إحقاق الحق ١٠: ٤٢٦.

(٤) التراتيب الإدارية ٢: ٤٠٥ عن المختار الكتبي في الأجوبة المهمة.

٢٩

تزويج عمر بأم كلثوم لا بزينب.

وروى البيهقي عن قثم مولى آل العباس، قال: جمع عبد الله بن جعفر بين ليلى بنت مسعود النهشلية، وكانت امرأة عليّرضي‌الله‌عنه ، وبين أُمّ كلثوم بنت عليّ لفاطمةعليها‌السلام (١) ومعنى كلامه: أنّ أُمّ كلثوم هي زينب، لأنّها كانت زوجته على القطع واليقين ولم يثبت طلاقه لها ; حيث ماتت وهي عنده.

وقد كت-ب الشيخ إبراهيم بن يحيى بن محمّد العاملي (ت ١٢١٤ ه-) على جدار مقام السيّدة زينب بدمشق هذه الأبيات لاعتقاده بأنّ زينب هي أُمّ كلثوم:

مقام لعمرو الله ضم كريمة

زكا الفرع منه البرية والأصلُ

لها المصطفى جَدٌّ، وحيدرة أَبٌ

وفاطمةٌ أمٌّ وفاروقهم بَعْلُ(٢)

ومن الشيعة الإمامية: السيّد عبد الرزاق المقرم في بعض كتبه ك- (نوادر الأثر )

____________________

(١) السنن الكبرى للبيهقي ٧: ١٦٧، الطبقات الكبرى لابن سعد ٨: ٤٦٥. وقال ابن حجر في فتح الباري عن ابن مهران أنه قال: جمع عبد الله بن جعفر بين زينب بنت عليّ وامرأة علي ليلى بنت مسعود.

وقد حاول الزهري الجمع بين الروايتين - في زينب وأُمّ كلثوم - بأنّه تزوجهما واحدة بعد الأخرى مع بقاء ليلى في عصمته (انظر فتح الباري ٩: ١٢٧ وتهذيب التهذيب ٨: ٣٢٤ ترجمة قثم بن لؤلو).

لكنّ جمعه باطل بنظرنا ; وذلك لصغر سن أُمّ كلثوم عن زينب عندهم، ولأنّ عبد الله الذي هو أكبر أولاد جعفر كان قد تزوج بزينب - أكبر بنات عليّ - أولاً ، ولم يثبت تطليقه لها حتى ماتت عنده، ومن المعلوم بأنّ الشرع لا يجيز الجمع بين الأختين، فتأمل.

(٢) انظر أعيان الشيعة ٥: ٥١٤.

٣٠

(المخطوط) ، والسيّدة سكينة: ٣٨، وعدة مواضع من كتابهمقتل الحسين .

والشيخ المامقاني فيتنقيح المقال إذ قال: أُمّ كلثوم بنت أمير المؤمنين هذه كنية لزينب الصغرى، وقد كانت مع أخيها الحسين بكربلاء، وكانت [ذهبت] مع السجاد إلى الشام، ثم إلى المدينة. وهي جليلة القدر، فهيمة بليغة، وخطبتها في مجلس ابن زياد بالكوفة معروفة، وفي الكتب مسطورة، وإني أعتبرها من الثقات والمشهور بين الأصحاب أنه تزوّجها عمر بن الخطّاب غصباً، كما أصر السيّد المرتضى وصمّم عليه في رسالة عملها في هذه المسألة، وهو الأصحّ، للأخبار المستفيضة(١) .

القول السادس: أنّ أُمّ كلثوم لم تكن من بنات فاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل كانت من أُمّ ولد.

وقد ذهب إلى هذا الرأي بعض أعلام العامّة والشيعة كذلك:

ففي تاريخ مواليد الأئمة(١) ونور الأبصار(٢) ونهاية الأرب(٣) :... وكان

____________________

(١) انظر كتاب السيّدة سكينة : ٣٨

(٢) انظر تنقيح المقال - ط قديم - (الفصل الثاني في الكنى) ٣: ٧٣.

(٣) وقد اعترض السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة ٣: (٤) ٥، (ما بدأ ب-: أُم) على ما قاله الشيخ الطريحي في "تكملة الرجال" بقوله: فما في تكملة الرجال من الجزم بأن زينب الصغرى المكنَّاة أُمّ كلثوم هي زوجة عمر في غير محله، بل هي غيرها.

(٤) مواليد الأئمّة : ١٥

٣١

له زينب الصغرى، وأُمّ كلثوم الصغرى من أُمّ ولد.

القول السابع: تزويجها من عمر، لكنّ عمر مات ولم يدخل بها.

وإلى هذا ذهب بعض أعلام الشيعة وبعض العامّة. فقد قال النوبختي - من أعلام القرن الثالث الهجري - من الشيعة الإمامية في كتابه "الإمامة ": أُمّ كلثوم كانت صغيرة ومات عنها عمر قبل أن يدخل بها(١) .

وقال الشيخ جعفر النقدي في الأنوارالعلوية :... فروي أنّه [ أي عمر ] لمّا دخل عليها كان ينظر شخصها من بعيد، وإذا دنا منها ضُرِبَ حجاب بينها وبينه فاكتفى بالمصاهرة(٢) .

وقال أبو الحسن العمري في (المجدي في أنساب الطالبيين ): وآخرون من أهلنا يزعمون أنّه لم يدخل بها(٣) .

وقال الزرقاني المالكي (ت ١١٢٢ ه-) في شرح المواهب اللدنية: وأُمّ كلثوم زوجة عمر بن الخطّاب، مات عنها قبل بلوغها(٤) .

هذا، ولم يذكر المسعودي أُمّ كلثوم بنت عليّ في أمهات أولاد عمر في كتابهمروج الذهب ، بل - في المقابل - عدّ عبد الله وعبيد الله وحفصة وزيداً

____________________

(١) البحار ٤٢: ٩١، مناقب آل أبي طالب ٣: ٨٩.

(٢) الأنوار العلوية: ٤٣٥.

(٣) المجدي في أنساب الطالبيين : ١٧

(٤) شرح المواهب اللدنية ٧: ٩

٣٢

وعاصماً من أُمّ واحدة(١) . وقد ذكر الطبري أسماء أولاد عمر فقال: وزيد الأصغر وعبيد الله قتلا يوم صفين مع معاوية، وأمهما: أُمّ كلثوم بنت جرول بن مالك بن مسيب بن ربيعة، وكان الإسلام فرّق بين عمر وأُمّ كلثوم بنت جرول(٢) .

القول الثامن: وهو المشهور عند العامّة.

فملخَّصه: إنّ عمر تزوج بأم كلثوم ودخل بها وأولدها زيداً ورقية.

ونحنُ وإن كان المنهج العلمي يدعونا إلى دراسة الأقوال الثمانية كلّها ثم الوقوف على ضوء ذلك على الرأي المختار.

لكنّ دراسة تلك الأقوال تستدعي الدراسة الوافية لها والترجيح بينها، وهو ممّا يحتاج إلى مزيد وقت لا نمتلكه الآن، فاكتفينا بالتعليق على القول الأخير، على أمل أن نلتقي مع القُرّاء في دراسة شاملة عن هذه القضية، آملين أن نكون قد قدمنا شيئاً في هذا المضمار، مشيرين إلى أن عملنا سيكون في ثلاثة جوانب:

محاور البحث

(١) الجانب التاريخي:

وفيه نبيّن ملابسات القول الثامن تاريخياً وعقائدياً واجتماعياً، ونناقش النصوص التاريخية الواردة فيه على وجه التحديد، وهل أن هذا القول يمسّ عقائد الشيعة الإمامية، أم أنّه يمسّ العامّة، أم أنّه لا يمس

____________________

(١) مروج الذهب ٢: ٣٣٠.

(٢) تاريخ الطبري ٣: ٢٦٩، الكامل في التاريخ ٢: ٤٥٠، البداية والنهاية ٧: ١٥٦.

٣٣

أيّاً منهما، أو أنه يمسهما معاً؟

(٢) الجانب الفقهي:

وفيه بيان لكيفية دخول الروايات الداعمة للرأي الثامن في كتب الفقه والحديث الشيعية، ومدى حجية تلك الأحاديث ودلالتها.

(٣) الجانب العقائدي:

وفيه نبحث عن الإشكاليات المطروحة في هذا الزواج، وأن القول بالتزويج لا يمسّ بعقائد الشيعة بقدر ما يمس بأصول الفكر الآخر، لأنّ لازم هذا القول هو خروج عمر بن الخطّ-اب عن الموازين الأخلاقيّة والضوابط العرفية المتعارف عليها في المجتمعات الإسلاميّة.

وعليه فنحن لسنا - وحسبما أكدّنا - بصدد ترجيح رأي على آخر، أو تبني رأي تاسع في المسألة، بل كلّ ما في الأمر هو بيان ملابسات القول الأخير - أي الثامن - ومحاكمة النصوص فيه، وكيفية تداخل النصوص بين الطائفتين، ومدى تأثيرها على الأصول والمفاهيم عند الفريقين، لا اعتقاداً منا بصحّة تلك الأخبار سنداً أو دلالة، بل إلزاماً للآخرين القائلين بوقوع هذا التزويج ليس أكثر من ذلك.

مؤكدين للقارئ العزيز بأنّ عملنا هذا ما هو إلاّ محاولة بسيطة في هذا السياق، وإجابة لأشهر الأقوال وأكثرها شيوعاً على شبكات الإنترنيت. إذ لم نحقّق بعد كلّ جوانب هذه المسألة للخروج بالنتيجة المطلوبة.

وإليك الآن بعض النصوص في تزويج عمر بن الخطّاب من أُمّ كلثوم، أتينا بها من كتب السير والتاريخ في مدرسة الخلفاء، لتكون مقدمة لما نبغي الوصول إليه.

٣٤

نصوص في التزويج

٣٥

٣٦

قول ابن سعد

ترجم ابن سعد لأُم كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب فيالطبقات الكبرى ، فقال:

تزوّجها عمر بن الخطّاب وهي جارية لم تبلغ، فلم تزل عنده إلى أن قُتل، وولدت له: زيد بن عمر ورُقيّة بنت عمر

إلى أن يقول: أخبرنا أنس بن عياض الليثي، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه: أنّ عمر بن الخطّاب خطب إلى عليّ بن أبي طالب ابنته أمّ كلثوم.

فقال عليّ: إنّما حبست بناتي على بني جعفر.

فقال عمر: أنكحنيها يا عليّ، فوالله ما على ظهر الأرض رجل يرصد من حسن صحابتها ما أرصد.

فقال عليّ: قد فعلت.

فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين بين القبر والمنبر، وكانوا يجلسون ثَمّ عليّ وعثمان والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف، فإذا كان الشيء يأتي عمر من الآفاق جاءهم فأخبرهم ذلك واستشارهم فيه.

فجاء عمر فقال: رفئّوني. فرفّؤوه وقالوا: بمن يا أمير المؤمنين؟ قال: بابنة عليّ بن أبي طالب. ثمّ أنشأ يخبرهم فقال: إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: كلّ نسب وسبب منقطع يوم القيامة إلاّ نسبي وسببي، وكنت قد صحبته

٣٧

فأحببت أن يكون هذا أيضاً(١) .

قول ابن حجر

وفيه أيضاً:

قال محمّد بن عمر وغيره: لمّا خطب عمر بن الخطّاب إلى عليّ ابنته أمّ كلثوم قال: يا أمير المؤمنين!! إنّها صبيّة.

فقال: إنّك والله ما بك ذلك، ولكن قد علمنا ما بك. فأمر عليّ بها فصُنّعت، ثمّ أمر ببرد، فطواه وقال: انطلقي بهذا إلى أمير المؤمنين فقولي: أرسلني أبي يقرئك السلام، ويقول إن رضيت البُرد فأمسكه، وإن سخطته فردّه.

فلمّا أتت عمر قال: بارك الله فيك وفي أبيك قد رضينا.

قال فرجعت إلى أبيها فقالت:

ما نشر البُرد ولا نظر إلا إليّ. فزوّجها إيّاه فولدت له غلاماً يقال له زيد(١) .

وفيالإصابة، وغوامض الأسماء المبهمة ، والنص للأوّل:

عن ابن أبي عمر المقدسي، حدثني سفيان، عن عمرو، عن محمّد بن عليّ: إن

____________________

(١) الطبقات الكبرى ٨: ٤٦٣. رفئوني، أي قولوا لي: بالرفاء والبنين، وهذا كان من رسوم الجاهلية، وقد نهى عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . فقد روى الكليني في الكافي ٢: ١٩ بإسناده عن البرقي رفعه قال: لمّا زوّج رسول الله فاطمةعليها‌السلام قالوا: بالرفاء والبنين، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا، بل على الخير والبركة. وفي مسند أحمد ٣: ٤٥١ بسنده عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن محمّد بن عقيل، قال: تزوج عقيل بن أبي طالب فخرج علينا، فقلنا: بالرفاء والبنين. فقال: مه، لا تقولوا ذلك فإن النبي قد نهانا عن ذلك وقال: قولوا: بارك الله لك، وبارك الله عليك، وبارك لك فيها.

(٢) الطبقات الكبرى ٨: ٤٦٤، المنتظم ٤: ٢٣٧، تاريخ بن عساكر ١٩: ٤٨٦.

٣٨

عمر خطب إلى عليّ ابنته أُمّ كلثوم فذكر له صغرها، فقيل له: إنه ردك، فعاوده فقال له عليّ: أَبعثُ بها إليك، فإن رضيتَ فهي امرأتك، فأرسل بها إليه فكشف عن ساقيها.

فقالت: مه، لولا أنك أمير المؤمنين للطمت عينك(١) .

قول ابن الجوزي

وفيالمنتظم لابن الجوزي وتاريخ دمشق لابن عساكر، والنصّ للأول:

أنبأنا الحسين بن محمّد بن عبد الوهاب بإسناده عن الزبير بن بكّار، قال: كان عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه خطب أمّ كلثوم إلى عليّ بن أبي طالب.

فقال له عليّ: صغيرة.

فقال له عمر: زوّجنيها يا أبا الحسن، فإني أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد.

فقال له عليّ: أنا أبعثها إليك، فإن رضيتَها زوّجتكها.

فبعثها إليه ببرد وقال لها: قولي: هذا البرد الذي قلت لك.

فقالت ذلك لعمر: فقال: قولي قد رضيته رضي الله عنك، ووضع يده على ساقها وكشفها.

فقالت له: أتفعل هذا؟! لولا أنّك أمير المؤمنين لكسرت أنفك، ثمّ خرجت، وجاءت أباها فأخبرته الخبر، وقالت: بعثتني إلى شيخ سوء.

فقال: مهلا يا....(٢) .

____________________

(١) الإصابة في تمييز الصحابة ٨: ٤٦٥، غوامض الأسماء المبهمة ٢: ٧٨٧.

(٢) المنتظم ٤: ٢٣٧، تاريخ دمشق لابن عساكر ١٩: ٤٨٢، الطبقات الكبرى ٨: ٤٦٤، مختصر تاريخ دمشق ٩: ١٥(٩) ١٦٠، الفتوحات الإسلامية ٢: ٤٥٥، شرح نهج البلاغة ١٢: ١٠٦، سير أعلام النبلاء ٣: ٥٠١، الاستيعاب ٤: ١٩٥(٤) ١٩٥٥، المستدرك على الصحيحين ٣: ١٥٣ ح ٤٦٨٤.

٣٩

رواية الطبري

وفي روايةالطبري : أنّ عليّاً أرسل ابنته إلى عمر فقال لها: انطلقي إلى أمير المؤمنين فقولي له: إن أبي يقرئك السلام، ويقول لك قد قضيتُ حاجتك التي طلبت، فأخذها عمر فضمّها إليه، فقال: إنّي خطبتها إلى أبيها فزوّجنيها.

قيل: يا أمير المؤمنين، ما كنت تريد إليها؟ إنها صبية صغيرة.

فقال: إني سمعت رسول الله يقول: كلّ سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي...(١) .

قول الخطيب

وذكرالخطيب البغدادي بإسناده عن عقبة بن عامر الجهني: خطب عمر بن الخطّاب إلى عليّ بن أبي طالب ابنته من فاطمة، وأكثر تردده إليه، فقال: يا أبا الحسن ، ما يحملني على كثرة تردّدي إليك إلاّ حديث سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: كلّ سبب وص-هر منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي. فأحببت أن يكون لي منكم أهل البيت سبب وصهر.

فقام عليّ فأمر بابنته من فاطمة فزُيِّنت، ثم بعث بها إلى أمير المؤمنين عمر، فلمّا رآها قام إليها فأخذ بساقها، وقال: قولي لأبيك قد رضيتُ قد رضيتُ قد رضيت فلما جاءت الجارية إلى أبيها، قال لها: ما قال لك أمير المؤمنين؟! قالت: دعاني وقبلّني فلمّا قمت أخذ بساقي وقال: قولي لأبيك قد رضيت، فأنكحها إيّاه، فولدت له: زيد بن عمر بن الخطّاب فعاش

____________________

(١) ذخائر العقبى: ١٦٩ عن الدولابي في الذرية الطاهرة: ١١٤، سيرة ابن إسحاق: ٢٣٣.

٤٠