زواج أم كلثوم الزواج اللّغز

زواج أم كلثوم الزواج اللّغز0%

زواج أم كلثوم الزواج اللّغز مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 171

زواج أم كلثوم الزواج اللّغز

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الشهرستاني
تصنيف: الصفحات: 171
المشاهدات: 65517
تحميل: 6115

توضيحات:

زواج أم كلثوم الزواج اللّغز
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 171 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 65517 / تحميل: 6115
الحجم الحجم الحجم
زواج أم كلثوم الزواج اللّغز

زواج أم كلثوم الزواج اللّغز

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ما أتيته من صلة أبي بكر في أهله، وخطبتك أُمّ كلثوم.

فقال: قد كان ذاك.

قال: إلاّ أنك يا أمير المؤمنين رجلٌ شديد الخلق على أهلك، وهذه صبية حديثة السن، فلا تزال تنكر عليها الشيء فتضربها، فتصيح، فيغمّك ذلك وتتألّم له عائشة، ويذكرون أبا بكر فيبكون عليه، فتجدّد لهم المصيبة - مع قرب عهدها - في كلّ يوم.

فقال له: متى كنت عند عائشة، واصدقني؟!

فقال: آنفاً.

فقال عمر: أشهد أنهم كرهوني، فضمنتَ لهم أن تصرفني عمّا طلبتُ، وقد أعفيتهم.

فعاد إلى عائشة فأخبرها بالخبر، وأمسك عمر من معاودة خطبتها(١) .

قال المدائني: وخطب [ عمر ] أُمَّ أبان بنت عتبة بن ربيعة، فكرهته وقالت: يغلق بابه، ويمنع خيره، ويدخل عابساً ويخرج عابساً(٢) .

وجاء فيأُسد الغابة عن الحسن: أن عمر بن الخطّاب خطب إلى قوم من قريش فردوه، وخطب إليهم المغيرة بن شعبة

____________________

(١) أعلام النساء، كحالة ٤: ٢٥٠.

(٢) تاريخ الطبري ٢: ٣٧٠، الكامل في التاريخ ٣: ٤٥١، ٤٥٥، البداية والنهاية ٧: ١٥٧. وفي المعارف لابن قتيبة: ١٧٥ والبدء والتاريخ ٥: ٧٩: أن عمر خطب أُمّ كلثوم بنت أبي بكر، وذلك بعد وفاة أبي بكر، خطبها من عائشة فأنعمت له بها، لكنّ أُمّ كلثوم كرهته، فاحتالت حتى أمسك عنها، فتزوجها طلحة بن عبيد الله فولدت له زكريا وعائشة... إلخ.

وانظر كذلك كنز العمال ١٣: ٦٢٦ "ح" ٣٧٥٩٠،عن ابن عساكر ٢٥: ٩٦، والروضة الفيحاء في تواريخ النساء: ٣٠٣.

٦١

فزوّجوه(١) .

فكلّ الّذين ردّوا عمر علّلوا ذلك بأنّه خشن العيش، يدخل عابساً ويخرج عابساً، وينظر إلى النساء نظرة جاهلية، ويتعامل معهن كأنّهن عبيد، وإليك ما يؤكد صحّة مقولة القوم القرشيين، الذين خطب منهم عمر فردوه، حيث:

قد أخرج ابن ماجه القزويني عن الأشعث بن قيس أنّه قال: ضفت عمر ليلةً، فلمّا كان في جوف الليل قام إلى امرأته يضربها، فحجزت بينهما، فلما أوى إلى فراشه قال لي: يا أشعث!! احفظ عنّي شيئاً سمعته من رسول الله: لا يُسأل الرجل فيم يضرب امرأته، ولا تنم إلاّ وتراً، ونسيت الثالثة(٢) .

وقد مرّ عليك قبل قليل ما قالته أمّ أبان بنت عتبة بن ربيعة حينما خطبها عمر بن الخطّاب بعد أن مات عنها يزيد بن أبي سفيان، فقالت: لا يدخل إلاّ عابساً ولا يخرج إلاّ عابساً، يغلق بابه ويقلّ خيره(٣) .

وما قالته أُمّ كلثوم بنت أبي بكر حينما خطبها عمر " فقالت أُمّ كلثوم: لا حاجة لي فيه. فقالت لها عائشة: ترغبين عن أمير المؤمنين؟! قالت: نعم، إنّه خشن العيش شديد على النساء... "(٤) .

____________________

(١) أُسد الغابة في معرفة الصحابة ٤: ٦٥.

(٢) سُنن ابن ماجه ١: ٦٩٣، مسند أحمد ١: ٢٠. كنز العمال ١٦: ٤٩٨ و ٤٨٣ ح ٤٥٥٦٦.

(٣) عيون الأخبار ٤: ١٧، تاريخ الطبري ٥: ١٧، الكامل لابن الأثير ٣: ٥٥.

(٤) تاريخ الطبري ٥: ١٧. الكامل في التاريخ ٣: ٥٥ البداية والنهاية ٧: ٥٧، و ٩٣ وج ٦: ٣٦٥.

٦٢

وروى عليّ بن يزيد: أن عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل كانت تحت عبد الله بن أبي بكر، فمات عنها واشترط عليها أن لا تتزوّج بعده، فتبتلت وجعلت لا تتزوج، وجعل الرجال يخطبونها وجعلت تأبى.

فقال عمر لوليها: اذكرني لها، فذكره لها، فأبت على عمر أيضاً.

فقال عمر: زوّجنيها، فزوجه إياها.

فأتاها عمر، فدخل عليها، فعاركها حتّى غلبها على نفسها، فنكحها، فلمّا فرغ قال: أفُ، أُف، أفُ، أففّ بها، ثمّ خرج من عندها وتركها لا يأتيها، فأرسلت إليه مولاة لها أن تعال فإنّي سأتهيأ لك(١) .

هذا وقد حمل محبّو الخليفة الخبر الأخير على أنّه أراد بيان حكم شرعي، وهو: عدم جواز التبتل في النكاح، أو عدم جواز أخذ المال على أن لا تتزوج، في حين نعلم أنّ عاتكة كانت ثيّباً، والمرأة الثيّب هي مالكة لأمرها، ولا ولاية لأحد عليها، وعلى فرض ثبوت الولاية عليها، يجب أن يُجمع رضاها إلى رضا وليّها.

لكن النص السابق يشير وبوضوح إلى أن عاتكة لم ترضّ بهذا النكاح، وأنّ عمر أكرهها على ذلك وتجاوز عليها بدون أذنها لأنّه "دخل عليها فعاركها حتّى غلبها على نفسها، فنكحها، فلما فرغ قال: أُف، أُف، أُف... " .

على أنّ خبر ابن سعد في الطبقات يدل على أنّ عمر بن الخطّاب كان طامعاً فيها، راغباً بها، لا أنّه فعل ذلك كي يوضّح حكماً شرعياً وهو حرمة التبتّل، لأنه كان قد طلبها قبل ذلك من وليّها فقال " اذكرني لها، فذكره

____________________

(١) الطبقات الكبرى لابن سعد ٨: وعنه في كنز العمال ١٣: ٦٣٣.

٦٣

لها، فأبت على عمر أيضاً ".

وهو يشير إلى ما قلناه، ويوضّح بأنّ وراء نكاح عاتكة شيئاً آخر غير ما يبرّره علماء مدرسة الخلفاء.

فهو لو كان يريد الوقوف أمام التبتل أو تشريع شيء جديد للزمه أن يحقّق ذلك بشكل آخر غير المغالبة ونكاحها بنفسه ثمّ قوله: أُف، أُف، أُف.

وأريد هنا أن أُنبه إلى بعض المفارقات في نصوص التزويج عن عمر وعليّ، وهي بنظري تسيء إلى عمر بن الخطّاب أكثر من أن تخدمه ; لأنّها تؤكّد على أنّ الإمام عليّاً شارك الآخرين بالرأي، فاستشار الإمامين الحسن والحسين(١) وعقيلاً(٢) وعمّه العباس(٣) في تزويجه أُمّ كلثوم.

في حين نرى عمر يكتفي في نكاح عاتكة بإذن أبيها ولا ينظر إلى رضاها ولا إلى إذن إخوانها وأخواتها.

إنّ عمر لو كان حقّاً يريد الزواج مباركاً من عاتكة لكان عليه أن يرسل إليها بعض النساء من أهل بيته بعد العقد برضاها ليأتوا بها إلى عِشّ الزوجية بإعزاز وإكرام لا أن يغالبها ويعاركها، إذ إنّ هذا الفعل لا يصدر إلاّ من رعاع الناس، فكيف بخليفة المسلمين!

نحن وإن كنّا لا نقبل بتلك الروايات القائلة بأنّ الإمام أمير المؤمنين

____________________

(١) ذخائر العقبى: ١٦٩ و ١٧٠، سيرة ابن إسحاق: ٢٤٨، الذرية الطاهرة: ١٥٩، حياة الصحابة ٢: ٥٢٧، كنز العمال ١٦: ٥٣٢، مجمع الزوائد ٤: ٢٧٢، السنن الكبرى ٧: ٦٤.

(٢) المعجم الكبير ٣: ٤٤ و ٤٥، مجمع ٤: ٢٧١، ٢٧٢، ذخائر العقبى: ١٧٠ الذرية الطاهرة: ١٦٠.

(٣) ذخائر العقبى: ١٧٠، الذرية الطاهرة: ١٦٠

٦٤

زوّج عمر بعد أن استشار الإمام الحسن والحسين وعقيلاً والعباس، لكنّا نؤكّد أنّ هذه النصوص مختلقة على لسان هذا أو ذاك، وهي تسيء بالدرجة الكبرى للخليفة وأتباعه.

وعليه، فالنصوص السابقة وضّحت لنا بأنّ النساء لم يكنّ يرغبن في التزويج بعمر بن الخطّاب، فلو جمعت تلك النصوص إلى نصّ الطبري في تزويج أُمّ كلثوم بنت أبي بكر، لعرفت أن الجميع كانوا يهابونه، ويخافون بطشه، وحتّى عائشة بنت أبي بكر - زوجة الرسول - فإنّها كانت تخافه وتهابه، ولمّا امتنعت أختها أُمّ كلثوم من الزواج من عمر استولى عليها الخوف، فأرسلت إلى عمرو بن العاص - أو إلى المغيرة بن شعبة - تستعين بهما لحلّ المشكلة.

ولو تدبّرت وتعمّقت في كلام عمرو بن العاص لعرفت أنّه هو الآخر كان يهاب عمر ويخاف بطشه، إذ لينه في الخطاب وأُسلوبه في الاستعطاف ليشير إلى أنّ عمرو بن العاص أراد أن يستعطف الخليفة من خلال أخيه أبي بكر فقال له:

"... ولكنّها حدثه، نشأت في كنف أُمّ المؤمنين في لين ورفق، وفيك غلظة، ونحن نهابك، وما نقدر أن نردك عن خلق من أخلاقك، فكيف بها إن خالفتك في شيء فسطوت بها كنت قد خلفت أبا بكر في ولده بغير ما يحق عليك ".

انظر إلى كلام عمرو بن العاص ومخطّطه الجديد، وهو الداهية، كيف أراد بتلك الكلمات الخفيفة أن يخلق شيئاً من الرقّة المشوبة بالحسّ السياسي ليزجّها زجّاً في قساوة عمر بن الخطّاب، وأن يستبدل أمّ كلثوم بنت أبي بكر بأمّ كلثوم بنت عليّ؟! لأنّه لو حقّق ذلك لما خاف على بنت

٦٥

عليّ بن أبي طالب كما كان يخاف على بنت أبي بكر، بل لو سطا عمر على أُمّ كلثوم بنت عليّ لآذى علياً، وكان في ذلك سرور لأمثال: عمرو بن العاص و... ولا أدري كيف بعمرو بن العاص وعمر بن الخطّاب يخافان أن يخلفا أبا بكر في ولده بغير ما يحقّ عليهما، ولا يخافان رسول الله في بنته وبنت بنته؟!

وعلى أي شيء يمكن حمل هذه النفسية؟

وهل إنّ ذكر هذه النصوص والمواقف في كتب القوم تعدُّ ميزة لأصحاب رسول الله؟

بل كيف بأُمِّ كلثوم بنت عليّ لو خالفت عمر، وقد وقفت على عدم إِطاقة أمثال عمرو بن العاص أن يردّوه عن خلق من أخلاقه؟!

نعم، إن عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة قد استغلا علاقة عمر السياسية بأبي بكر، ونفذا من هذه النافذة إلى فكره وعقله، كي يبعداه عن هذا الزواج، خوفاً من سطوته على أُمّ كلثوم بنت أبي بكر؟

فقال له المغيرة: إلاّ أنّك يا أمير المؤمنين رجل شديد الخلق على أهلك، وهذه صبية، حديثة السّن، فلا تزال تنكر عليها الشيء فتضربها، فتصيح، فيغمك ذلك وتتألم له عائشة، ويذكرون أبا بكر، فيبكون عليه، فتجدّد لهم المصيبة في كلّ يوم.

وقد مرّ عليك كلام عمرو بن العاص: ولكنّها حدثة، نشأت تحت كنف أُمّ المؤمنين في لين ورفق وفيك غلظة...

ولمّا عاتب عمر بن الخطّاب عمراً بقوله:

" فكيف بعائشة وقد كلمتها.

٦٦

قال [ عمرو بن العاص ]: أنا لك بها، وأدلّك على خير منها أُمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب... ".

فكلام عمرو بن العاص: " أدلّك على خير منها " لم يأت اعتقاداً منه بكون أُمّ كلثوم بنت عليّ هي خير من أُمّ كلثوم بنت أبي بكر، وإن كان ذلك من المسلّمات عند المسلمين، لأنّها أقرب قرابة وألصق رحماً برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل في كلامه إشارة إلى أن أُمّ كلثوم بنت عليّ هي خير من بنت أبي بكر لتعهّد الخدمة في بيت عمر، لأنّه لو ضربها أو سطا بها لكان في ذلك سرور لمخالفي عليّ بن أبي طالب وأعدائه، أمثال: معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، و...

فعمرو بن العاص حينما اقترح على عمر بأن يأخذ أمّ كلثوم بنت عليّ كان يعلم بأنّها أرقّ وأوجب حقّاً من أُمّ كلثوم بنت أبي بكر، وهي لا يمكنها أن تتحمل ما لا يتحمله داهية مثل عمرو بن العاص لقوله: "... وما نقدر أن نردك عن خلق من أخلاقك فكيف بها إن خالفتك في شيء فسطوت بها... ".

وبعد كلّ هذا، فقد اتضح لك بأنّ هذا الاقتراح من عمرو بن العاص لم يأت عن حُسن نية، بل جاء عن سوء نية!

نعم، إنّ ابن العاص أطرّ حقده الدفين ضدّ عليّ وبنيه بإطار الناصح الأمين إذ قال: " أنا لك بها وأدلّك على خير منها "، لكنّ هذا الأمر لا ينطلي على المتدبّر الحكيم، بل إنّ الباحث المحقّق - بل كلّ مطالع في النصوص - يعرف بأنّ عمرو بن العاص كان الموجّه والمنظر لعمر بن الخطّاب للدخول إلى بيت وحرم عليّ بن أبي طالب، أي أنّه رسم لعمر المنهج وأعطى له المبرّر كي يصل إلى هذا الزواج، وبذلك خدم سيّده ونال

٦٧

من عدوه في آن واحد.

ونحن حينما قلنا قبل قليل بأنّ الجميع كانوا يهابون عمر بن الخطّاب ويخافون بطشه، لا نعني بذلك عدم إمكان أن ينجو أحد من قراره، فقد نجت أُمّ أبان بنت عتبة، وأُمّ كلثوم بنت أبي بكر، وأُمّ سلمة المخزومية(١) ، والقوم من قريش الذين خطب منهم عمر بن الخطّاب فردّوه.

لكنّ هذا الأمر لا يمكن تصوّره واحتماله في مخالف سياسي لعمر بن الخطّاب كعليّ بن أبي طالب، وخصوصاً لمّا علمنا بأنّ أُصول هذا المخطط رسمه عمرو بن العاص أو المغيرة بن شعبة وأمثالهما، ممّن يبغون من وراء مثل تلك المناورات هدفاً، بل أهدافاً سياسية.

نعم، إن أُمّ كلثوم بنت أبي بكر نجت - إن صحّت نجاتها - من الزواج من عمر بمسعى عمرو بن العاص أو المغيرة بن شعبة، مع وقوفنا على خوف عائشة من عقبى مخالفة اختها لهذا الزواج ; لقولها لأمّ كلثوم " ترغبين عن أمير المؤمنين!! ".

هذا، ومن الطبيعي أن لا تكون منزلة عليّ بن أبي طالب وفاطمة الزهراء عند عمر بن الخطّاب كمنزلة أبي بكر بن أبي قحافة وعائشة بنته؟! وهذا هو الذي جعل الداهيتين!! يدعوانه على الإقدام على الزواج من بنت عليّ وأن يترك بنت أبي بكر.

____________________

(١) حيث أقدم عليها بعد وفاة زوجها عقيب غزوة أحد فردّته ، انظر مسند أحمد ٦: ٣١٣ ، والسنن الكبرى للنسائي ٣: ٢٨٦ ، وتاريخ بغداد ١١ : ٣٥٥

٦٨

قول عمر بين الحقيقة والادّعاء:

ولو تدبّرت في نصوص زواج عمر من أُمّ كلثوم، لرأيتها ذات مرامي سياسية أكثر من كونها ذات أبعاد اعتقادية أو عاطفية؟ ولرأيت أنّه لم يكن يبغي من زواجه من أُمّ كلثوم النسب والقرابة والصهر من رسول الله، بقدر ما كان يهدف في ذلك إلى أمور أخرى.

فلو كان عمر يريد القرابة حقّاً وكان يعتبر نفسه الوحيد " على ظهر الأرض يرصد من حسن صحابتها ما لا يرصده أحد " فهل يأتي حُسن صحبته لها بالكشف عن ساقها، أو ضمها إلى صدره، أو تقبيلها، أو...

وهل أنّ أُمّ كلثوم بنت عليّ كانت من الإماء والوصائف اللواتي يُبتغى منهنّ غلظ السوق وصحّة الأبدان ليكُنّ أبلغ في المتعة وأقدر على الخدمة؟!

أم أنّها كانت كريمة بني هاشم، وبنت رسول الله وعليّ الكرار وفاطمة البتول، وهي الحرّة الأبيّة التي ادّعى عمر أنّه يريد أن يتقرب بزواجه منها إلى الله ورسوله!!

وهل حقّاً أن عمر رصد بفعلته هذه ما لا يرصده أحد من الرجال؟!

وما يعني كلامه آنف الذكر إذاً لو قسناه مع ما فعله معها حسب النصوص المارة؟! وعلى أي شيء يدل؟

ولو أحبّ عمر أن يحفظ رسول الله في ولده، وأراد التزويج ببنت فاطمة وعليّ، فهل يجوز له اختيار الزواج بهذه الصورة المشينة؟

بل هل يصحّ تزيين عليّ بنته وإرسالها إلى رجل أجنبي طامع فيها؟

وعلى فرض أنّ عليّاً كان موافقاً على هذا الزواج ; فإن التزيين يأت مع لحاظ كونها مؤهّلة للزواج، وأنّ ذلك من شأن النساء لا الرجال، ولذلك

٦٩

كلّف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله النساء بتجهيز فاطمة الزهراء والإصلاح من شأنها لعليعليه‌السلام . وإذا كان عليٌّ غير راغب في تزويج ابنته لعمر - وفق النصوص - فهل يصحّ أن يزيّن ابنته ويرسلها إليه؟!

وبنظرنا أنّ عمر بن الخطّاب لو كان يريد القرابة ونيل شفاعة الرسول في الآخرة حقاً، لما أقدم على زواجه من طفلة صغيرة لم تبلغ الحلم، بهذا الشكل المزري! لقد روى المسوّر بن محزمة أنّ رسول الله قال: فاطمة شجنة مني يبسطني ما يبسطها، ويقبضني ما قبضها، وأنّه ينقطع يوم القيامة الأنساب والأسباب إلاّ سببي نسبي(١) . ألا يكون في فعل عمر هذا - مع أُمّ كلثوم، ومواقفه الأخرى من فاطمة - ما يقبض ويغضب الله ورسوله وفاطمة؟؟

وقد يكون في كلام الرسول الأعظم ، الذي سيأتي بعد قليل ، تعريضاً - إن لم يكن تصريحاً - به وبأمثاله الذين أساءوا إلى القربى والعترة وخانوا رسول الله:

فعن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله يقول:

ما بال رجال يقولون إنّ رحم رسول الله لا تنفع قومه، بلى والله إنّها موصولة في الدنيا والآخرة، وإنّي يا أيّها الناس فرطكم على

____________________

(١) مسند أحمد ٤: ٣٣٢، مستدرك على الصحيحين ٣: ١٥٨، وفيه زيادة: وصهري، الجامع الصغير ٢: ٢٠٨ ح ٥٨٣٤، السنن الكبرى للبيهقي ٧: ٦٤، فضل آل البيت للمقريزي: ٦٤.

٧٠

الحوض، فإذا جئتم قال رجل: يا رسول الله أنا فلان بن فلان، وقال آخر: أنا فلان بن فلان، فأقول: أما النسب فقد عرفته، ولكنّكم أحدثتم بعدي وأرتددتم القهقرى (رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح)(١) .

بل إلى أي مدى يمكن تصحيح ما قاله علماء مدرسة الاجتهاد والرأي وأنصار الخلفاء لتبرير فعلة عمر بن الخطّاب، من أنّه لم يقصد من تقبيله لها وضمّها إلى صدره، أو كشفه عن ساقها، الريبة والجنس و... لأنّها لم تكن في سنّ من يُطمع فيها، ولم تبلغ بعد، والخليفة أجل وأكرم من هذا الفعل القبيح(٢) .

فلو صحّ ذلك، فماذا نقول عمّا أدركته السيدة أُمّ كلثوم من فعل وقصد عمر، حين تعامله معها، وهي المعنية بالأمر؟

وهل أنّ فهم أعلام العامّة - وبعد ألف عام - هو الأقرب إلى الصواب، أم فهم السيدة أُمّ كلثوم، وهي المعنية بالأمر، والعارفة بلحن وقصد عمر بن الخطّاب في الخِطاب؟!

وعلى أي شيء يدل قولها لأبيها " أرسلتني إلى شيخ سوء ".

____________________

(١) مجمع الزوائد ١٠: ٣٦٤، مستدراك الحاكم ٤: ٧٥، مسند أحمد ٣: ١٨، مسند أبي يعلى ٢: ٤٣٤، وغيرها.. وفي المعجم الأوسط ٥: ٢٠٣ ما بال أقوام يزعمون أن رحمي لا تنفع، ليس كما زعموا، أني لأشفع واشفع حتّى من اشفع له ليشفع حتّى إن إبليس ليتطاول في الشفاعة والتوصية.

(٢) قال ابن حجر ٢: ٤٥٧: وتقبيله وضمّه لها على جهة الإكرام ; لأنّها لصغرها لم تبلغ حداً يشتهى حتى يحرم ذلك، ولولا صغرها لما بعث بها أبوها. (انظر ملحقات إحقاق الحق ١٨: ٥٥١ والصوارم المهرقة: ٢٢٠).

٧١

أو قولها لعمر نفسه: " لو لم تكن أمير المؤمنين للطمت عينيك ".

ألا تدل هذه الفقرات على أنّ الصبية البريئة (أُمّ كلثوم) قد فهمت مطامع غريزية في نفس عمر بن الخطّاب، حاول تبريرها والإغماض عنها والتعتيم عليها بعض الكتّاب والمؤرخين؟

فرضان في تحديد سنّ أُمّ كلثوم:

وهل تساءلت أخي القارئ عن سنّ هذه الطفلة في ذلك التاريخ؟

وهل كانت ممّا يطمع فيها أم لا؟

فلو قبلنا بولادتها في آخر عهد رسول الله، يكون عمرها حينما أرسلها الإمام عليّ - حسب نصّ الطبري وغيره - في حدود السابعة من العمر؟

أمّا لو قلنا بولادتها في السنة السادسة من الهجرة، فيكون عمرها حين الزواج إحدى عشرة سنة، وهي ممّا يُطمع فيها، ويصحّ الزواج منها(١) .

وبنظرنا أنّ كلا الفرضين يسيئان إلى الخليفة عمر بأضعاف ما يسيئان إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب.

فلو قلنا ببلوغها وأن الإمام عليّاً أرسلها بعد البلوغ، فذلك مخالف للشرع الأقدس، فضلاً عن أنّ غيرة الإنسان العربي تأبى أن يزيّن رجل ابنته ويرسلها إلى من يطمع فيها، ثم يستمع بعد ذلك إلى نقل البنت وهي تحكي عن الرجل، وأنه كشف عن ساقها، وقبلها، وضمها إلى صدره.

____________________

(١) سير أعلام النبلاء ٣: ٥٠٠.

٧٢

فألف ضربة على جسد مسلم غيور، كعلي بن أبي طالب، أهون من القول بهذا الكلام المزري! هذاأولاً .

وثانياً : أنّ تأكيد الإمام عليّعليه‌السلام على صغر سنها واستهجان الناس لهذا الزواج(١) من قبل عمر خير دليل على عدم صحة كلام الذهبي، لأن الإمام والناس في ذلك العصر هم أعرف ببلوغ أُمّ كلثوم وصلاحيتها للزواج، أم لا.

أمّا لو قلنا بأنها كانت صبية(٢) - حسبما قالته المصادر - فهي الأخرى لا تتفق، لأنّ التزيين ليس من مهامّ الرجال، بل هي من مهمّة النساء فقط، وهو يكون - حسبما عرفت - بعد حصول الموافقة على التزويج، وبعد وقوع العقد، لا مع الكراهية، وقبل العقد، على أنّها لو كانت صبية لا يُرغب في مثلها فلا معنى لتزيينها وإرسالها لمَن يرغب في نكاحها مزينة، ناهيك عن أنّ الكشف عن ساق الصبية يدل على انحطاط فاعِله بلا ريب.

فأسالك بالله: هل تقبل نفسك مثل هذا التصرّف - أي الكشف عن الساق والتقبيل والضمّ إلى الصدر قبل العقد والزواج - من شيخ في السابعة والخمسين من عمره، أو التاسعة والخمسين، مع صبية في السابعة من العمر " لم تبلغ بعد " بهذا الشكل المزري! وخصوصاً لو عرفنا بأنّ هذا الرجل كانت له زوجة بل زوجات(١) وهو بمنزلة جدّ هذه الصبية.

____________________

(١) مناقب الإمام عليّ لابن المغازلي: ١١٠، وانظر تاريخ بغداد ٦: ١٨٢ كذلك.

(٢) مر عليك كلام الإمام عليّ "أنها لم تبلغ" أو (لأنها صغيرة) أو (أنها صبية) إلى غيرها من النصوص الدالة على صغرها.

(٣) مثل زينب بنت مظعون الجمحية، وأُمّ حكيم بنت الحارث بن هشام المخزومية (تزوّجها بعد استشهاد خالد بن سعيد بن العاص بموقعة مرج الصفر ببلاد الشام) ، وفاطمة بنت الوليد بن المغيرة (تزوّجها بعد وفاة زوجها بطاعون عمراس) ، وجميلة بنت ثابت الأنصارية. هذا وقد ذكر عبد السلام بن محسن آل عيسى في كتابه "دراسة نقدية لمرويات عمر " (١: ٢٢٣ ٢٤١ ط السعودية) اسم ١٤ امرأة تزوّجها عمر وأسماء بعض اللواتي خطبهن.

٧٣

فعمر هو أبو حفصة، وحفصة زوجة رسول الله، فيكون هو والِدُ زوجة جدّ هذه الصبية، وهو رسول الله محمّد المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرينَ.

فنحن لو قبلنا هذه النصوص وأردنا الاستدلال بها على التزويج للزمنا قبول تواليه الفاسدة، وإن لم نقبلها فانتفى التزويج والاستدلال به.

ولنا أنّ نتأمل فيما نسب إلى الإمام عليّ في تلك النصوص وقوله لأُمّ كلثوم: " إنّه زوجكِ " ألم يكن نسبة هذا القول إلى عليّ هو للازدراء به وتصحيح موقف عمر، والوصول إلى الأمرين معاً؟ فلو قبلنا شرعية النظر قبل الزواج، فهل التقبيل والكشف عن الساق والضمّ إلى الصدر بريبة هو ممّا جوّزه الشرع كذلك؟

نعم، يمكن تصحيح جزء من ذلك لو تنزلّنا وقلنا بصحّة صدور خبر التزويج، وثبوت رضى الإمام عليّ بذلك، لكن الأمر لم يكن كذلك، لأنّ النصوص تشير إلى عدم رضاه وعدم رضا أهل بيته كعقيل(١) و... بهذا الزواج.

وعلى فرض صحّة الخبر، فالإمام أرسلها إليه، لقناعته بأنّ عمر لو

____________________

(١) مجمع الزوائد ٤: ٢٧١ عن المعجم الكبير للطبراني ٣: ٤٤ وفيه قول عمر: ويح عقيل! سفيه أحمق.

٧٤

رآها بهذا السّن والصغر لاشمأزَّ من اقتراحه، وممّن اقترح عليه التزويج بها، ولَما رضى بالتزويج بطفلة، كأُمّ كلثوم، لم تبلغ الحلم بعد؟ ولا أدري كيف تصدق صدور هذه النصوص على لسان الإمام عليّ بن أبي طالب، وهو المسلم الغيور والعربي الأبي؟ وتصحيح مقولته: " إنه زوجك "؟

بل يتردّد السؤال على خاطري بشكل آخر: كيف يمكن الجمع بين كراهة الإمام عليّ في تزويج أُمّ كلثوم لعمر، وبين تزيينه لها وأرسالها له؟! إنها من المتناقضات حقاً.

بل كيف يمكن تصديق هذا الأمر، وكلاهما في المدينة؟! إذ كان يمكن لعمر أن يراها في طريقه إلى دار الإمارة أو بالعكس، ولو تصوّر أنّ هناك عسراً في مشاهدتها في بيت عليّ بن أبي طالب، أو في طريقه إلى دار الإمارة أو السوق، فإنّه كان بإمكانه إرسال ابنته حفصة، أو غيرها من أُمّهات المؤمنين وسائر النساء للإطلاع عليها ووصفها له، وذلك هو الدأب الذي كان وما زال عليه المسلمون في الخطبة.

وهل أنّ هذه النقاط تعتبر نقاط قوة في زواج عمر من أُمّ كلثوم، أم هي نقاط ضعف؟

أترك القارئ والسامع للحكم على النصوص بالوضع أو الكذب، أو الصحة والسقم، أو أي شيء آخر يرتضيه.

٧٥

كلام المغيرة بن شعبة في مكّة:

وأنتقل به إلى كلام المغيرة بن شعبة في مكّة وكيفية تعريضه بالخليفة عمر! وأنّه أراد بقوله إيقافنا وإيقاف الآخرين على حقائق كثيرة في هذا السياق، وهي خافية لحد هذا اليوم على الكثير من الناس، لكنّ قبل أن نأتي بكلامه نذكر خبره حينما كان أميراً على الكوفة من قبل عمر بن الخطّاب، كمقدمة لما نريد قوله: فقد كان المغيرة يخرج كلّ يوم في نصف النهار من دار الإمارة ويلقاه أبو بكرة فيقول: أين يذهب الأمير؟ فيقول: في حاجة. فيقول: إنّ الأمير يُزار ولا يزور. وكان يذهب إلى امرأة يقال لها أُمّ جميل بنت عمرو، وزوجها: الحجاج بن عتيك بن الحارث الجشمي.

فبينما أبو بكرة في غرفة مع إخوته - وهم: نافع، وزياد، وشبل بن معبد، والجميع أولاد سمية فهم أخوة لأُمّ - وكانت أُمّ جميل المذكورة في غرفة أخرى قبالة هذه الغرفة، فضربت الريح باب غرفة أُمّ جميل ففتحته، ونظر القوم فإذا هم بالمغيرة مع المرأة على هيئة الجماع، فقال أبو بكرة: هذه بلية قد ابتليتم بها فانظروا، فنظروا حتّى أثبتوا.

فنزل أبو بكرة فجلس حتّى خرج عليه المغيرة من بيت المرأة، فقال له: إنّه قد كان من أمرك ما قد علمت فاعتزلنا.

قال: وذهب المغيرة ليصلّي بالناس الظهر، ومضى أبو بكرة، فقال: لا والله تصلّي بنا وقد فعلت ما فعلتَ.

فقال النّاس: دعوه فليصلّ، فإنّه الأمير، واكتبو بذلك إلى عمر.

فكتبوا إليه فأمرهم أن يقدموا عليه جميعاً، المغيرة والشهود، فلمّا

٧٦

قدموا عليه جلس عمر فدعا بالشهود والمغيرة.

فتقدّم أبو بكرة، فقال له [ عمر ]: رأيته بين فخذيها؟

قال: نعم، والله لكأني أنظر إلى تشريم جدري بفخذيها.

فقال له المغيرة: قد ألطفت في النظر.

فقال أبو بكرة: لم آلُ أن أُثبت ما يخزيك الله به.

فقال عمر: لا والله، حتّى تشهد لقد رأيته يلج فيها ولوج المِرُوَد في المكحلة.

فقال: نعم، أشهد على ذلك.

فقال: فاذهب عنك مغيرة ذهب ربعك.

ثمّ دعا نافعاً، فقال: علامَ تشهد؟

قال: على مثل شهادة أبي بكرة، قال: لا، حتّى تشهد أنّه ولج فيها ولوج الميل في المكحلة.

قال: نعم، حتّى بلغ قذذه - وهي ريش السهم -.

قال له عمر: اذهب مغيرة فقد ذهب نصفك.

ثمّ دعا الثالث، فقال له: على ما تشهد؟

فقال: على مثل شهادة صاحبي.

فقال له عمر: اذهب عنك مغيرة ذهب ثلاثة أرباعك.

ثمّ كتب إلى زياد - وكان غائباً - فقدم، فلما رآه جلس له في المسجد واجتمع عنده رؤوس المهاجرين والأنصار، فلمّا رآه مقبلاً قال: إني أرى رجلاً لا يخزي الله على لسانه رجلاً من المهاجرين، ثمّ إنّ عمر رفع رأسه إليه فقال: ما عندك يا سلح الحُباري؟ فقيل: إنّ المغيرة قام إلى زياد فقال: لا مخبأَ لعطر بعد عروس.

فقال له المغيرة: يا زياد! اذكر الله تعالى، واذكر موقف يوم القيامة، فإنّ

٧٧

الله تعالى وكتابه ورسوله وأمير المؤمنين قد حقنوا دمي، إلاّ أن تتجاوز إلى ما لم ترَ ممّا رأيت، فلا يحملنّك سوء منظر رأيتَهُ على أن تتجاوز إلى ما لم ترَ، فوالله لو كنت بين بطني وبطنها لما رأيت أن يسلك ذكري فيها.

قال: فدمعت عينا زياد واحمرَّ وجهه وقال: يا أمير المؤمنين! أمّا أن أحقّ ما أَحقَّ القومُ فليس عندي، ولكنيّ رأيت مجلساً، وسمعت نفساً حثيثاً وانتهازاً، ورايته مستبطنها.

فقال عمر: رأيته يدخل كالميل في المكحلة.

قال: لا، رأيته رافعاً رجليها، فرأيت خصيته تتردّد إلى بين فخذيها، ورأيت حفزاً شديداً، وسمعت نَفَساً عالياً.

فقال عمر: رأيت يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة؟

فقال: لا.

فقال عمر: الله أكبر، قم إليهم فاضربهم.

فقام إلى أبي بكرة فضربه ثمانين ضربة، وضرب الباقين، وأعجبه قول زياد، ودرأ الحد عن المغيرة.

فقال أبو بكرة بعد أن ضُرِبَ: أشهد أنّ المغيرة فَعَلَ كذا وكذا، فهمَّ عمر أن يضربه حدّاً ثانياً، فقال له عليّ بن أبي طالب: إن ضربته فارجم صاحبك، فتركه، واستتاب عمر أبا بكرة فقال: إنما تستتيبني لتقبل شهادتي؟

فقال: أجل.

فقال: لا أشهد بين اثنين ما بقيتُ في الدنيا.

٧٨

فلمّا ضُربوا الحدَّ قال المغيرة: الله أكبر، الحمدُ لله الذي أخزاكم.

فقال عمر: بل أخزى الله مكاناً رأوك فيه.

وأخرج ابن شيبة في كتاب "أخبار البصرة ": أن أبا بكرة لمّا جُلِد، أمرت أُمُّه بشاة فذبحت وجعلت جلدها على ظهره، فكان يقال: إنّ ذاك من ضرب شديد.

وحكى عبد الرحمن ابن أبي بكرة: أنّ أباه حلف أن لا يكلّم زياداً ما عاش، فلمّا مات أبو بكرة أوصى أن لا يصلي عليه زياد، وأن يصلّي عليه أبو برزة الأسلمي، وكان النبيّ آخى بينهما، وبلغ ذلك

زياداً، فخرج إلى الكوفة وحفظ المغيرة بن شعبة ذلك لزياد وشكره.

ثمّ إن أمّ جميل وافقت عمر بن الخطّاب بالموسم، والمغيرة هناك، فقال له عمر [ معرّضاً به ]: أتعرف هذه المرأة يا مغيرة؟

قال: نعم، هذه أُمّ كلثوم بنت عليّ [ معرّضاً بعمر لتفكيره بها وإصراره على الزواج منها ].

فقال عمر: أتتجاهل عَلَيَّ؟ والله ما أظنّ أبا بكرة كذب عليك، وما رأيتكَ إلاّ خفت أن أُرمى بحجارة من السماء(١) .

وهذا النص يرشدنا إلى أُمور كثيرة، منها مكان وتاريخ هذه المقولة، فهي في مكّة أيام موسم الحج، وقد تكون قبل الزواج المدّعى لعمر من أُمّ كلثوم.

وسواء كان هذا الكلام من المغيرة قبل التزويج أم بعده، ففيه تعريض بعمر بن الخطّاب والإمام عليّ بن أبي طالب معاً، لأنّ تشبيه أمّ كلثوم بنت

____________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٢: ٢٣٨، وفيات الأعيان ٦: ٣٦(٤) ٣٦٧، والمتن منه ، وهو أيضاً في الإيضاح لابن شاذان: ٥٥٢، والصراط المستقيم ٣: ٢٤٨.

٧٩

عليّ بأُمّ جميل الفاحشة! فيه ما لا يخفى من الانتقاص لأمير المؤمنين كما أنّ في كلامه أكبر التعريض بعمر بن الخطّاب، لأنّ المشاجرة كانت بين عمر بن الخطّاب والمغيرة بن شعبة. فلمّا عرّض عمر بالمغيرة أراد المغيرة أن يجيبه بأنك لم تكن بأقل منّي في مثل هذه الأمور، لتفكيرك الدائم في أُمّ كلثوم بنت عليّ مع أنّها صغيرة وبمنزلة حفيدتك. فإنّ إصرارك الزائد على التزويج بها يشكّك الجميع في حسن نواياك ومقاصدك التي تدعيها، لأنك لو أردت التزويج بها، فإنّ ذلك سوف لن يكون إلاّ بالقوة والإكراه، خصوصاً حينما كان غطاؤك ودعواك هو الحصول على القربى. فلو كنت مُحّقاً فيما تدّعيه لكان عليك أن تحقّقه بالعقد فقط دون الدخول والإيلاد، وأن تكتفي بسببيتك من خلال ابنتك حفصة لرسول الله إذ بذلك حُزت السبب والصلة معاً.

كانت هذه قراءة سريعة لما في كتب الجمهور، وهي ترجع الأمر إلى طلب عمر الجنس بدعوى القربى، وإن كان ورائها أمور سياسية أخرى، وهي إن صحّت تسجّل ظلامة أُخرى لأهل البيت تضاف إلى قائمة الظالمين.

فلو أراد الباحث دراسة مسألة الزواج من أُمّ كلثوم كان عليه دراسة ظروف هذا الزواج وملابساته، إذ إنّ فتح هذا الملف سيكلّف الخليفة وأنصاره الكثير، حيث وقفت على بعض أهدافه، وقد تكون هناك أهداف سياسية أخرى سيقف عليها المطالع في مطاوي كلمات الشيعة.

٨٠