تطوّر البحث الدّلالي

تطوّر البحث الدّلالي50%

تطوّر البحث الدّلالي مؤلف:
الناشر: دار المؤرخ العربي
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 107

  • البداية
  • السابق
  • 107 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45886 / تحميل: 6788
الحجم الحجم الحجم
تطوّر البحث الدّلالي

تطوّر البحث الدّلالي

مؤلف:
الناشر: دار المؤرخ العربي
العربية

١

٢

٣

٤

« ثبت الكتاب »

تمهيد وتحديد

٩ ـ ١٢

مكانة البحث الدلالي في المنظور النقدي بلاغياً ولغوياً / التفكير في العلاقة الدلالية جملي / التبادر الذهني يحدث دفعة واحدة / مصطلح البحث الدلالي مصطلح نقدي أوروبي معاصر / معالم هذا البحث في التحديث والتراثية / استبعاد السبق المنطقي والعرض الأصولي عن مهمة البحث / استقرار المنهج الأصولي عند الأستاذ الأعظم ولدى الإمام الخوئي / صلتي برئيس جامعة النجف الدينية تابعت إنجاز هذا البحث.

الفصل الأول

١٣ ـ ٢٤

( نظرية البحث الدلالي عند المحدثين )

ميشال بريال مؤسس علم الدلالة الفرنسي / أوجدن وريتشاردز في نظرية معنى المعنى في النقد الإنكليزي / مفهوم الدلالة لدى الأوروبيين / صلة اللغة بالفكر والصورة بالصوت / تصورنا للمصطلح الدلالي بظاهرتيه : الحسية والمعنوية / كشف الفروق المميزة للدلالة بين النظرية والتطبيق / إيجاد صيغة المصطلح الدلالي في حدود الفهم العربي والأوروبي المشترك / آراء علماء الفريقين في اطار الدلالة للخلوص إلى المؤدى / عدم وضوح رؤية الدلالة / العناية بالجانب التأريخي للألفاظ مقترنة بالجانب النفسي / طه حسين أجمل المعيار القديم والحديث لدلالة الألفاظ / روح الدلالة عند العرب / الجواري يستلهم الدلالة من القرآن العظيم / جميل سعيد يكتشف روح الدلالة في لغة الشعر الجاهلي.

٥

الفصل الثاني

٢٥ ـ ٤٤

( أصالة البحث الدلالي عند العرب )

الجهود المبكرة لعلماء العروبة والإسلام في تأصيل البحث الدلالي / البحث الدلالي سبق علمي للعرب والمسلمين / الخليل بن أحمد والجاحظ ذهبا إلى هذا المنهج / ابن جنّي نظر للمصطلح الدلالي من الواقع اللغوي والصوتي في التراث / الشريف الرضي صاحب منهج تطبيقي في الدلالة / تبلور الظاهرة الدلالية عند الثعالبي / عبد القاهر أصّل موضوع الدلالة وخطط لمفاهيمه / ابن الأثير وحازم القرطاجني والسيوطي في جهودهم النظرية والتنظيرية في علم الدلالة وتوابعها.

الفصل الثالث

٤٥ ـ ٦٤

( تطبيقات البحث الدلالي في القرآن الكريم )

لغة القرآن ذات طابع دلالي خاص / نشاط اللغة العربية في القرآن مستمد من سمات بلاغية متجانسة تؤكد المعاني الثانوية فضلاً عن المعاني اللغوية الأولية / تطبيقات البحث الدلالي كشفت اختيار القرآن اللفظ المناسب في الموقع المناسب من العبارة القرآنية / ثلاث ظواهر قرآنية متميزة في دلالة الألفاظ بالمعنى الاصطلاحي الدقيق / التناسق القرآني مع مقتضيات الأحوال / الألفاظ في القرآن منضمة إلى المعاني دون تمايز / الخطاب بألفاظ القرآن إلى سكان الأرض لكشف الأسرار العلوية بحسب الذائقة الفطرية / تحليل نقدي لظواهر الألفاظ في القرآن / الوقوف عند جهود الخطابي فيما أورده من افتراضات وفيما أثبته من تطبيق دلالي لألفاظ القرآن / دقة الخطابي فيما أجمله من إفاضات في هذا المجال على سنن العرب الأقحاح.

الفصل الرابع

٦٥ ـ ٩١

( معجم العلماء الدلاليين من العرب والأوروبيين )

طبيعة هذا المعجم الأحصائية / التزامه بطريقة الألفباء

٦

المعجمية / الأسس الأولية التي قام عليها المعجم / الاعتذار عن السهو بالنسبة للمحدثين / الدلاليون العرب القدامى / الدلاليون العرب المحدثون / الدلاليون الأوروبيون.

٥ ـ خاتمة البحث

٩٢ ـ ٩٤

نتائج كل فصل من الفصول السابقة التي توصلنا إليها.

٦ ـ المصادر والمراجع

٩٥ ـ ٩٨

أ ـ العربية

ب ـ الأجنبية

٧ ـ ثبت الآيات القرآنية

٩٩ ـ ١٠١

الواردة في الكتاب بحسب ترتيب المصحف.

٧

٨

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد وتحديد :

في منظور النقد البلاغي واللغوي يحتل البحث الدلالي ذروة التأصيل الفني حيث تتبلور الدلالة بلاغياً ولغوياً ونقدياً جملة واحدة ، وذلك عند التفاصيل الدقيقة التي تجعل الدال علامة يرمز إليها بالأشكال ، والمدلول إمارة يؤكد عليها بالمعاني ، والعلاقة القائمة بينهما نتيجة محورية تتمخض عن التقائهما.

إن التفكير في استنباط هذه العلاقة التي هي جوهر الدلالة يجب أن يحدث جملياً دون تردد ، ومتى تم لنا هذا كانت الدلالة المتصورة ذهنياً حصيلة عملية فورية لاقتران الدال بالمدلول ، أو اللفظ بالمعنى ، أو الشكل بالمادة ، أو الاطار بالمحتوى بمختلف التعبيرات المختلفة المنطوق ، والمتحدة المفهوم ويمكن تجسيد هذا المنظار في ضوء ما نجده في التصور الأولي للحرف (أ) في اللغة العربية عند الذهن وذلك حين يرسم هذا الأمر دالاً بشكله على هيئته الذهنية ، وهو نفسه في اللغة الانكليزية يرتسم شكلياً على هذا النحو (A) حينما نتصوره بهذه اللغة دون سواها.

والتبادر الذهني لهذه الرموز عند نطقها يحدث دفعة واحدة عند تصور أشكالها في الخارج بحيث لا يلتبس التصور للحرف نفسه ، ولا يختلط بغيره من الحروف في كل من اللغتين.

البحث الدلالي الحق هو ذلك البحث الذي يخلص إلى نتائج النظرية والتطبيق في دلالة الألفاظ بحيث لا ينفصل التصور الذهني المجرد عن الشكل المادي الخارجي ، وهذه المهمة هي المنعطف الهادف لمسيرة البحث الدلالي المتطورة عند العرب والأوروبيين.

٩

ومصطلح البحث الدلالي من المصطلحات النقدية المعاصرة في منهج التحديث الأوروبي ولهذا فقد كان طبيعياً وموضوعياً أن نستعرض بعض ملامح هذا البحث بلغته المحدثة ، والتي يمكن لمحها عند المقارنة الجادة بين الموروث الدلالي عند العرب والمسلمين ـ قبل أن يتحقق مفهومه في الدرس النقدي الجديد ـ وبين معطيات الفكر الأوروبي الحديث والعربي المعاصر.

وانطلاقاً من هذه الحقيقة العلمية فقد فضلت أن أشير إلى أن دراسات المحدثين في هذا الميدان تستأهل الاهتمام المبكر بغية تخطيط البحث نظرياً وموقفاً ، ولدى عرضه سيتجلى التجديد في مجال الأسلوب ، والبقاء على الموقف الأم في التراث الاسلامي عند العرب ، وستجري تطبيقات البحث بالوقوف عملياً عند طائفة مختارة من الزخم القرآني لغوياً ونقدياً في لمحات خاطفة على سبيل الأنموذج والمثال ، ونكون بذلك قد أجرينا المقارنة العلمية الكاشفة من جهة ، ودللنا على تطور البحث من جهة أخرى ونظّرنا له بالقرآن الكريم تطبيقاً.

وفي ضوء هذا التخطيط الأولي كانت معالم البحث متسعةً لثلاثة فصول على النحو الآتي : ـ

الفصل الأول : نظرية البحث الدلالي عند المحدثين.

الفصل الثاني : أصالة البحث الدلالي عند العرب المسلمين.

الفصل الثالث : تطبيقات البحث الدلالي في القرآن الكريم.

ولقد رأيت من المفيد حقاً ـ بعد هذه الفصول ـ أن أخصص فصلاً إضافياً قائماً بذاته ، لمعجم تقريبي إحصائي بأسماء أبرز الدلاليين العالميين من النقاد والبلاغيين ، قدامى ومحدثين ، تسهيلاً لمهمة الباحث الأكاديمي حينما يتناول نظرية الدلالة لدى « السمانتيكيين » في الموضوع على وجه التفصيل لأوجه الإشارة والتمثيل كما هو في طبيعة هذا البحث في النظرية والتطبيق.

وتبقى محاور هذا البحث المركزية متمثلة بالتحديث أولاً ، وبالتراثية ثانياً ، وبالتنظير القرآني أخيراً ، وليس في البحث مسح إحصائي لهذه

١٠

المحاور بقدر ما فيه من لمح لتطور البحث الدلالي نظرياً ، مع احتفاظ الفكر الإسلامي والعربي بحق الابتداع للموضوع ، والابتكار في منهجية البحث ، مما يلقي نوعاً من التوجه نحو الجهود المبتكرة للدلالة اللغوية في ضوء النقد البلاغي في أرقى مقاييسه الفنية رؤية ومعاصرة.

ولما كانت هذه المهمة في البحث مهمة نقدية وبلاغية ولغوية فقد أبعدنا السبق المنطقي ، والعرض الأصولي للمسألة ولسنا بصدد الخلط بين مفهوم الدلالة عند المناطقة باعتبارها تضمينة أو التزامية أو مطابقية ، وبين المفهوم البلاغي المتشابك للدلالة كما فعل الخطيب القزويني ( ت : ٧٣٩ ه‍ ) تبعاً لأبي يعقوب السكاكي ( ت : ٦٢٦ ه‍ ).

ولسنا نريد إضافة شيء على ما أفاده علماء الأصول في مباحث الألفاظ باعتبارها تشخص صغريات أصالة حجية الظهور في الأمر والنهي ، والمفاهيم ، والعام والخاص ، والمطلق والمقيد ، والتعارض على وجه.

فهذه كلها مباحث أصولية وعليها مسحة دلالية ، لا شك في هذا ، ولكنها مباحث تتعلق بالألفاظ خالصة من حيث إفادتها أحكاماً شرعية معينة ، بل هي ضوابط أساسية فيما يستفيده المجتهد لدى عملية الاستنباط ، وبناء الحكم على أصل من دلالة اللفظ المتبادرة إليه فيما يحتمله لسان الشارع المقدس. ولسنا بأزاء بيان هذا الأصل أو الخوض فيه ، فضلاً إلى أن السبق المنطقي والعرض الأصولي ، وأن تعلقاً بالبحث هامشياً ، إلا أنهما من المباحث المستفيضة التي كتبت ودوّنت وطوّرت ونضجت واستقرت بمنهج ثابت في المنطق وأصول الفقه لا سيما عند الأستاذ الأعظم الشيخ مرتضى الأنصاري ( ت : ١٢٨١ ه‍ ) والتعرض لهما حديث عنهما لا عن النقد البلاغي. كما هي الحال في محاضرات زعيم الحوزة العلمية الإمام الأكبر السيد أبو القاسم الخوئي١ وإفاضاته الأصولية المتطورة.

إذن : هذا العرض بعيد عن المفاهيم المقحمة بالنقد والبلاغة نتيجة تأثير البيئة الكلامية ، وسيطرة المنطق ، وسيرورة علم الأصول ، وإنما هو كشف دلالي لصميم المخزون التراثي من النقد البلاغي في ضوء المتغيرات الأوروبية المتواجدة. ومن خلال التطبيق القرآن العظيم.

١١

وقد أفدت من صلتي العلمية بالأستاذ الحجة السيد محمد كلانتر رئيس جامعة النجف الأشرف متابعته في إنجاز هذا البحث على وجه السرعة لأنه يتسم بالأصالة فيما أفاض ، فكان له ما أراد. فإن كان الأمر كذلك فبفضل من الله تعالى وحده ، وإن كانت الأخرى فما لا يدرك كله ، لا يترك كله.

وفقنا الله جميعاً لاستقراء الحقائق من ينابيعها الأولى.

وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم عليه توكلت وإليه أنيب ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

النجف الأشرف

الدكتور محمد حسين علي الصغير

أستاذ في جامعة الكوفة

١٢

١٣

١٤

نظرية البحث الدلالي عند المحدثين :

يرى علماء الدلالة المحدثون إن اللغوي الفرنسي ميشال بريال (M.Breal ) يعتبر مؤسس علم الدلالة المتعارف عليه اليوم ، وهو الذي وجه الاهتمام لدراسة المعاني بذاتها ، وقد اقترنت أهمية ريال هذه بمحاولة الناقدين اللغويين الإنكليزيين : أوجدن (C.K.OGden ) وريتشاردز (I.A.Richards ) الذين حوّلا مسار الدلالة بكتابهما المشترك : معنى المعنى (The meaning of meaning ) الصادر عام ١٩٢٣(١) . وذلك بتساؤلهما الحثيث عن ماهية المعنى من حيث هو عمل متزاوج من اتحاد وجهي الدلالة : أي الدال والمدلول ، فوجّها العناية بالعلاقة التي تربط مكونات الدلالة التي يجب أن تبدأ من الفكرة أو المحتوى الفعلي الذي تستدعيه الكلمة والذي يومي إلى الشيء(٢) .

فالدلالة لدى هؤلاء مجتمعين ـ كما يبدو ـ عبارة عن اتحاد شامل بإطار متكامل بين الدال والمدلول غير قابل للتجزئة والفصل.

وفي ضوء هذا الفهم الأولي للدلالة أخذت البحوث تشق طريقها إلى استكناه مفهوم الدلالة ومصطلحها لدى المحدثين من العرب والأوروبيين حين لمسوا أن التعميم الفضفاض غير كافٍ لإعطاء صيغة علمية أو فنية متميزة تنهض بالاصطلاح مستوياً على قدميه. ومن هنا حاولوا جعل الدال والمدلول قسيمين أساسيين لمفهوم الدلالة.

________________

(١) طبع هذا الكتاب طبعة منقحة في لندن ، ١٩٥٦ م.

(٢) ظ. د. موريس أبو ناصر ، مدخل إلى علم الدلالة الألسني ، الفكر العربي المعاصر ، آذار ، ١٩٨٢+ كمال محمد بشر ، دراسات في علم اللغة : ٢ / ١٥٩.

١٥

يستوقفنا الدكتور بسام بركة ، في تقسيمه وتعقيبه حين يقول : « أما الدال فهو الصورة الصوتية التي تنطبع مباشرة في ذهن السامع ، وهو بعبارة أخرى : الإدراك النفسي للكلمة الصوتية ، وأما المدلول فهو الفكرة التي تقترن بالدال »(١) .

ويهمنا من هذا المنحنى التأكيد على صلة اللغة بالفكر فيما يوحيه من علاقة مباشرة قد تكون ضرورية بين عناصر الأشارات المتولدة في الذهن نتيجة لاقتران الدال والمدلول خلف الدلالة ، في حين يقول بعض الدارسين العرب : « لا تقتصر دلالة الكلمة على مدلولها فقط ، وإنما تحتوي على كل المعاني التي قد نتخذها ضمن السياق اللغوي. وذلك لأن الكلمات ، في الواقع ، لا تتضمن دلالة مطلقة بل تتحقق دلالتها في السياق الذي ترد فيه ، وترتبط دلالة الجملة بدلالة مفرداتها »(٢) .

ومع تقويمنا للنصين السابقين واعتدادنا بهما فإن بالأمكان أن نتصور ـ بكل تواضع وسماح ـ أن للألفاظ ظاهرتين متلازمتين تتمم إحداهما الأخرى :

الظاهرة الأولى : ظاهرة حسية ، باعتبار الألفاظ أصواتاً تنطلق بها الأوتار الصوتية من داخل الجهاز الصوتي ـ ابتداءً من أقصى الحلق وانتهاءً بانطباق الشفتين لتتصل بالأسماع ، وتصل إلى الآذان.

الظاهرة الثانية : ظاهرة معنوية ، باعتبار الألفاظ رموزاً تشتمل على أصواتها لدى انطباقها على مسمياتها ، وإن كانت غيرها.

وتأسيساً على هذه الرؤية يتحقق لنا لمس إطارين حيّين للألفاظ بعامة : ـ

إطار خارجي ، يتمثل بالصوت اللساني لكل لفظ ، وإطار داخلي يحمل لنا الصورة الذهنية لذلك الصوت.

________________

(١) د. بسام بركة ، اللغة والفكر بين علم النفس وعلم اللسانية ( بحث ). ظ : المصادر.

(٢) د. ميشال زكريا ، المكون الدلالي في القواعد التوليدية والتحويلية ( بحث ). ظ : المصادر.

١٦

والإطار الخارجي ، وهو الظاهرة الحسية ، يمثل الشكل.

والإطار الداخلي ، وهو الظاهرة المعنوية ، يمثل المضمون.

ويراد بالشكل هنا ـ كما هو مفهوم من السياق ـ مادة اللفظ الصوتية أو الوترية ، وبالمضمون دلالة اللفظ الانطباقية أو المعنوية.

ولتنظير هذا الفهم نرى أن دلالة أي لفظ من الألفاظ على معناه المحدد له ، ترتبط فيما يوحيه هذا اللفظ في الأذهان من انصراف وتبادر إلى مشخصاته الخارجية إن كان عيناً ، أو ما يرمز إليه في التصور الذهني إن كان معنىً ، بحيث يكسبه هذا وذاك دلالته عند التطبيق الخارجي الذي لا يلتبس بمفهوم آخر في الأدراك حتى يعود رمزاً له ، أو علاقة تشير إليه ، وفي هذا الضوء تشترك الرموز الصوتية لأي لفظ في الدلالة عليه لتشكل أصلاً في كيانه بتصوره جملي دفعة واحدة سواء أكان الاستعمال على جهة الحقيقة اللغوية ، أم على جهة الاستعمال المجازي إذ مناسبة الصلة بين الاستعمالين الحقيقي والمجازي قائمة على إرادة المعنى المحدد دون التباس أو إيهام لتوافر القرينة الدالة على ذلك.

وفيما نرى فلعل استيفن أولمان أستاذ علم اللغة بجامعة ليدز بإنكلترا قد صاغ دلالة الألفاظ بإطار موجز واضح ، فاللفظ عنده : الصيغة الخارجية للشكل ، والمدلول : الفكرة التي يستدعيها اللفظ(١) .

وقد أوجد بهذا مقارنة سليمة بين المصطلحين ، فلاحظ أن بينهما علاقة متبادلة ، فليس اللفظ وحده هو الذي يستدعي المدلول ، بل إن المدلول أيضاً قد يستدعي اللفظ ، وهذه العلاقة المزدوجة هي القوة التي تربط الدال بالمدلول ، أي الصيغة الخارجية للكلمة بالمحتوى الداخلي لها.

وقد أيد هذا المذهب اللغوي الفرنسي ( أندريه مارتينيه ) فذهب أن اللفظ لا يمكن له أن يمثل الوحدة العضوية الصغرى في الكلام ، لأن اللغة الأنسانية تقوم بإزاء تلفظ مزدوج مركب من اللفظ المكوَّن من مجموعات

________________

(١) ظ. ستيفن أولمان ، دور الكلمة في اللغة : ٦٤.

١٧

صوتية ومن المدلول في إعطاء المعنى ، فاللفظ دال ، ومعنى ذلك اللفظ مدلول(١) .

ومضافاً إلى اقتناعنا بهذا المنهج فإن المحدثين من علماء الدلالة الأوروبين ، مقتنعون أيضاً ولكن بصعوبة تحديد الكلمة في شتى اللغات ، غير أنهم مجموعون أن الأساس الصوتي وحده لا يصلح لتحديد معالم الكلمات وأنه لا بد أن تشترك معه الكلمة أو وظيفتها اللغوية ليمكن تحديدها.

وقد اتضح للعالم المشهور ساپير (sapir ) أن تحليل الكلام إلى عناصر أو وحدات ذات دلالة ، يقسم هذا الكلام إلى مجموعات صوتية منها ما ينطبق على الكلمة ، ومنها ما ينطبق على جزء من الكلمة ، ومنها ما ينطبق على كلمتين أو أكثر(٢) .

وطبيعي أن مفهوم ساپير لهذه الدلالات ينطبق على الأحداث والأسماء والحروف ، ودلالة الإضافة في وحدة المضاف ، والمضاف إليه مما يعني تغايراً حقيقياً بين مفهومه ومفهوم القدامى العائلين : « الكلمة قول مفرد ، أو لفظ مفرد »(٣) .

فهل أل التعريف من هذا القول ؟ وهل الباء كحرف جر من هذا اللفظ ؟ وهل الضمائر المتصلة كالتاء منه على وجه ما ؟ وهي مع اندماجها في الأفعال هل تشكل قولاً مفرداً أم قولين ؟ أو لفظاً مفرداً أم لفظين ؟

إن استقلالية الألفاظ في اللغة العربية تعني الفصل في الدلالة ، فلكل من الأفعال والأسماء والحروف والضمائر دلالات خاصة.

ومع هذا التغاير ، فإن الفهم النحوي للكلمات عند القدامى يختلف عن المفهوم النقدي والبلاغي عندهم في الدلالات.

وقد كشف الأستاذ مطاع صفدي عمق الفروق بين النظرية والتطبيق

________________

(١)Mrtinet, Elements de Linguitigue General, Paris. ١٩٧٠. p.١٦.

(٢) ظ. إبراهيم أنيس. دلالة الألفاظ : ٤٢ وما بعدها.

(٣) ابن هشام ، شذور الذهب : ١٢.

١٨

في المجال الدلالي فرأى : أن الأهمية المميزة للدلالة ، إنها لدى تطبيقها على حقل ما لا يتوقف عند حد تفكيك بنيته ، ولكنها عندما تنجح في هذه المهمة ، وتكشف مدلوله ، تتغير علاقته بالوعي ، يصبح خطاباً آخر بمستويات من الدلالة ذات أنساق متناظرة ، تضفي على منظر الخطاب عمقاً استراتيجياً جديداً.

لذلك فإن الباحثيين في نظرية الدلالة ، محتاجون دائماً إلى ممارسة نظرياتهم عبر الخطابات والنصوص التي يطبقون عليها مناهجهم الدلالية لأن هذا التطبيق ذاته لا يبرهن على نجوع المنهج فحسب وإنما يطوّره ، يعطي الخطاب من ذاته ، ويأخذ منه الحس الحي بعمقه العضوي الجديد.

إن خصب الدلالة حقق شكلية التداخل المنهجي بين العلوم الإنسانية وجعلها تعكس ظلالها بعضها على بعض ، حولها إلى مرايا لبعضها ، وغني عن البيان أن تقدم العلوم الإنسانية لا يزال مرتبطاً إلى ما لا نهاية بالكشوف المنهجية ، وأهم هذه الكشوف التي ساهمت في نهضتها هي المناهج المساعدة على استنباط أجهزة الإنتاج المعرفية لموضوع البحث وللخطاب العلمي المفسر للموضوع في وقت واحد(١) .

ومع اتساع هذا العرض في الاستدلال ، فقد يراد بهذا التعبير مشاركة الدلالة في إرساء مناهج المعرفة الإنسانية ضمن تعدد خصائصها الفنية ، وبرامجها في التنقل بين حقول الحضارة المختلفة تراثية وحداثة في آن واحد.

والذي يهمنا من هذا المنظور هو المنهج النقدي الذي يرتبط بالدلالة تكوناً جمالياً.

ويقول الدكتور عناد غروان ـ وهو يتحدث عن طبيعة هذا المنهج في وجهاته الجمالية المتنوعة ـ :

« فقد يكون المنهج شكلياً يهتم بالبنية الشكلية ـ العضوية والتجريدية ـ للتجربة الأدبية أو قد يكون تحليلياً قائماً على تحليل عناصر التركيب الأدبي

________________

(١) ظ : مطاع صفدي ، نظرية الدلالة وتطبيقاتها ، الفكر العربي المعاصر : آذار ١٩٨٢.

١٩

وخصائصه البيانية والبلاغية ، أو قد يكون منهجاً تقنياً فنياً جديداً يدرس هذه التجربة أو تلك على أساس كونها ظواهر حضارية إنسانية تخضع لمثل جديدة في تقدير قيمتها النقدية ـ الفنية الجمالية ـ التي تخلق الإعجاب والتقدير في طبيعة العمل الأدبي بالنسبة للقارئ والمتذوق »(١) .

واحسب أن التطور الدلالي هو من النوع الأخير ، لأن الحركة النقدية المعاصرة التي اهتمت بالمنطق السمانتيكي ( علم الدلالة ) وعلاقته بالرمز تارة وبالصورة الفنية تارة أخرى ، وبالخيال غيرهما تذهب إلى قيمة الدلالة باعتبارها كائناً حضارياً متطوراً يمثل قوة الإدراك في حياة الألفاظ والمعاني ، وإن اهتمت بالخصائص البيانية والبلاغية في توجيه مسيرتها النقدية.

على أن المحدثين من الأوروبيين يختلفون في أولوية الدلالة بين اللفظ والمعنى وينقسمون في ذلك إلى مدرستين نقديتين « المدرسة التحليلية » التي ترى أن المعنى يمكن تحليله إلى عناصره ووحداته الأساسية و « المدرسة العملية » التي ترى أن الكلمة ترمز إلى فكرة أو إشارة وأخيراً إلى مجمل المعنى العام في الجملة أو التعبير. وتدرس هذه المدرسة الكلمات ذاتها مرتبطة بحدثها وعلاقتها العملية مع غيرها دونما اهتمام مباشر بالمعنى قبل الكلمة(٢) .

وهذه النظرة التي ترجمها لنا عن الأوروبيين الدكتور عناد غزوان يحللها بقوله : ـ

« واختلاف المدرستين يعود إلى مدى اهتمامهما بالقارئ ، السامع قبل المتكلم ، أو بالمتكلم قبل السامع ، فعلاقة اللغة بالفكر ليست من القضايا البسيطة لتداخلهما من جهة ، لأنهما روح الحضارة الإنسانية من جهة أخرى فما ينشأ عن هذه العلاقة من غموض أو وضوح من إشارة أو رمز ، من صواب أو خطأ ، من حقيقة أو مجاز يتوقف على قدرة اللغة في توصيل فكرها إلى الآخرين وفي الإفصاح عن تلك التجربة الأدبية ، وهنا

________________

(١) عناد غزوان ، التحليل النقدي والجمالي للأدب : ٢٩.

(٢) ظ. عناد غزوان ، المصدر السابق : ٣٢ بتصرف.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

والضابط ما ذكرناه من اعتبار الاسم كالمقيس عليه ، وعلف الاُمّهات لا يسري إلى الأولاد.

ويبعد ما قيل في غنم مكّة ، لأنّها لو كانت متولّدة من جنسين لم يكن لها نسل كالسِّمع المتولّد من الذئب والضبع(١) ، وكالبغال.

وقال الشافعي : لا تجب سواء كانت الاُمّهات من الظباء أو الغنم ، لأنّه متولّد من وحشي أشبه المتولّد من وحشيّين.

ولأنّ الوجوب إنّما يثبت بنصّ أو إجماع أو قياس ، والكلّ منفي هنا ، لاختصاص النصّ والإِجماع بالإِيجاب في بهيمة الأنعام من الأزواج الثمانية وليست هذه داخلة في اسمها ولا حكمها ولا حقيقتها ولا معناها ، فإنّ المتولّد بين شيئين ينفرد باسمه وجنسه وحكمه عنهما كالبغل فلا يتناوله النصّ ، ولا يمكن القياس ، لتباعد ما بينهما واختلاف حكمهما ، فإنه لا يجزئ في هدي ولا اُضحية ولا دية(٢) ، ولا نزاع معنا إذا لم يبق الاسم.

وقال أبو حنيفة ومالك : إن كانت الاُمّهات أهليةً وجبت الزكاة وإلّا فلا ، لأنّ ولد البهيمة يتبع اُمّه في الاسم والملك فيتبعها في الزكاة ، كما لو كانت الفحول معلوفةً(٣) . ونمنع التبعيّة في الاسم.

____________________

(١) اُنظر : الصحاح ٣ : ١٢٣٢.

(٢) المجموع ٥ : ٣٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٥ ، المغني ٢ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٥.

(٣) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٣٠ ، المغني ٢ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٥ ، المجموع ٥ : ٣٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٥.

٨١

الفصل الثالث

في زكاة الغنم‌

الزكاة واجبة في الغنم بإجماع علماء الإِسلام.

قالعليه‌السلام : ( كلّ صاحب غنم لا يؤدّي زكاتها بطح لها يوم القيامة بقاع قرقر تمشي عليه فتطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها كلّما انقضى آخرها عاد أولها حتى يقضي الله بين الخلق في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة )(١) .

إذا ثبت هذا فإنّ شرائط الزكاة هنا كما هي في الإِبل والبقر بالإِجماع ، نعم تختلف في مقادير النصب ، والضأن والمعز جنس واحد بإجماع العلماء ، والظباء مخالف للغنم إجماعاً.

مسألة ٥٢ : أول نصاب الغنم : أربعون ، فلا زكاة فيما دونها‌ ، فإذا بلغت أربعين ففيها شاة.

الثاني : مائة وإحدى وعشرون فلا شي‌ء في الزائد على الأربعين حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين ففيه شاتان.

الثالث : مائتان وواحدة ، فلا زكاة في الزائد حتى تبلغ مائتين وواحدة ففيه ثلاث شياه ، والكلّ بالإِجماع.

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٦٨٢ / ٢٦ ، سنن أبي داود ٢ : ١٢٤ / ١٦٥٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٨١.

٨٢

وحكي عن معاذ أنّ الفرض لا يتغيّر بعد المائة وإحدى وعشرين حتى تبلغ مائتين واثنتين وأربعين ليكون مثلَي مائة وإحدى وعشرين فيكون فيها ثلاث شياه(١) .

والإِجماع على خلافه ، على أنّ الراوي لها الشعبي وهو لم يلق معاذاً(٢) .

الرابع : ثلاثمائة وواحدة وفيه روايتان : إحداهما : أنّه كالثالث ثلاث شياه ، فلا يتغيّر الفرض بعد مائتين وواحدة حتى تبلغ أربعمائة فتجب في كلّ مائة شاة ، وبه قال المفيد والسيد المرتضى(٣) ، وهو قول أكثر الفقهاء ، والشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين(٤) .

لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتابه للسُّعاة : ( إنّ في الغنم السائمة إذا بلغت أربعين شاةٌ إلى مائة وعشرين ، فإذا زادت ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين ، فإذا زادت ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة ، فإذا زادت ففي كلّ مائةٍ شاة )(٥) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٦٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥.

(٢) معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي أبو عبد الرحمن من أعيان الصحابة ، شهد بدراً وما بعدها ، مات بالشام سنة ١٨.

والشعبي هو : عامر بن شراحيل أبو عمرو ، مات بعد المائة وله نحو من ثمانين.

اُنظر : اُسد الغابة ٤ : ٣٧٨ ، الاستيعاب بهامش الإِصابة ٣ : ٣٥٥ - ٣٦٠ ، وتهذيب التهذيب ٥ : ٥٩ / ١١٠ و ١٠ : ١٧٠ / ٣٤٩.

(٣) المقنعة : ٣٩ ، جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ١٢٣.

(٤) المجموع ٥ : ٤١٧ - ٤١٨ ، فتح العزيز ٥ : ٣٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٥٢ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٢ ، الشرح الصغير ١ : ٢٠٩ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٨ ، اللباب ١ : ١٤٢ ، المغني ٢ : ٤٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥.

٨٣

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « ليس فيما دون الأربعين شي‌ء ، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة ، فإذا كثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة »(١) .

الثانية(٢) : أنّها إذا زادت على ثلاثمائة وواحدة ففيها أربع شياه ، ثم لا يتغيّر الفرض حتى تبلغ خمسمائة ، وهو اختيار الشيخ -(٣) رحمه‌الله - وأحمد في الرواية الاُخرى ، وبه قال النخعي والحسن بن صالح بن حي(٤) .

لقول الباقرعليه‌السلام في الشاة : « في كلّ أربعين شاةً شاةٌ ، وليس فيما دون الأربعين شاةً شي‌ء حتى تبلغ عشرين ومائة ، فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة ، فإذا زاد على عشرين ومائة ففيها شاتان ، وليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين ، فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك ، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه ، ثم ليس فيها أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة ، فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه ، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة ، فإن تمّت أربعمائة كان على كلّ مائة شاة شاة »(٥) .

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل ثلاثمائة حدّاً للوقص وغايةً له(٦) ؛

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ / ٦٢.

(٢) أي : الرواية الثانية.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٩ ، الخلاف ٢ : ٢١ ، المسألة ١٧.

(٤) المغني ٢ : ٤٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥ - ٥١٦.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٢ / ٦١ ، وفيها عن الإِمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام .

(٦) اُنظر : سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٦.

٨٤

فتجب أن يتعقّبه النصاب كالمائتين.

إذا ثبت هذا ، فلا خلاف في أنّ في أربعمائة أربع شياه ، وفي خمسمائة خمس ، وهكذا بالغاً ما بلغت.

* * *

٨٥

الفصل الرابع

في الأشناق‌

الشّنق بفتح النون : ما بين الفرضين(١) ، والوقص قال الفقهاء : بسكون القاف(٢) .

وقال بعض أهل اللغة : بفتحه(٣) ، لأنّه يجمع على ( أوقاص ) و ( أفعال ) جمع ( فَعَلْ ) لا جمع ( فَعْلْ ) فإنّ ( فَعْلاً ) يجمع على ( أفْعُل ).

وقد جاء - كما قال الفقهاء - هول وأهوال ، وحوْل وأحوال ، وكبْر وأكبار ، وبالجملة فهو ما بين النصابين(٤) أيضاً.

قال الأصمعي : الشنق يختص بأوقاص الإِبل ، والوقص بالبقر والغنم(٥) .

وبعض الفقهاء يخصّ الوقص بالبقر أيضاً ، ويجعل ناقص الغنم والنقدين والغلّات عفواً ، وكلّ ذلك لفظي.

وقيل : الوقص ما بين الفرضين كما بين الثلاثين إلى الأربعين في البقر ،

____________________

(١) الصحاح ٤ : ١٥٠٣.

(٢) المجموع ٥ : ٣٩٢ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٤ : ١٩٣.

(٣ و ٤ ) الصحاح ٣ : ١٠٦١.

(٥) المجموع ٥ : ٣٩٢ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٤ : ١٩٣.

٨٦

والشنق ما دون الفريضة كالأربع من الإِبل(١) .

مسألة ٥٣ : ما نقص عن النصاب الأول لا شي‌ء فيه‌ إجماعاً ، وكذا ما بين النصابين عند علمائنا ، وإنّما تتعلّق الزكاة بالنصاب خاصّة - وبه قال الشافعي في كتبه القديمة والجديدة ، وأبو حنيفة ، والمزني(٢) - لأنّه عدد ناقص عن نصاب إذا بلغه وجبت فيه الزكاة ، فلا تتعلّق به كالأربع.

ولقول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وليس فيما بين الثلاثين إلى الأربعين شي‌ء حتى يبلغ أربعين - إلى أن قالاعليهما‌السلام - وليس على النيّف شي‌ء ، ولا على الكسور شي‌ء »(٣) .

وقال الشافعي في الإِملاء : تتعلّق الزكاة بالنصاب وبما زاد عليه من الوقص ، وبه قال محمد بن الحسن.

لقولهعليه‌السلام : ( فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض )(٤) .

ولأنّه حقّ يتعلّق بنصاب فوجب أن يتعلّق به وبما زاد عليه إذا وجد معه ولم ينفرد بحكم كالقطع في السرقة(٥) .

والنصّ أقوى من المفهوم والقياس.

فعلى قولنا ، لو ملك خمسين من الغنم وتلفت العشرة الزائدة قبل‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٥٤.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، المجموع ٥ : ٣٩١ و ٣٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧ - ٣٨ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٩٩ ، اللباب ١ : ١٤١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤ / ٥٧.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٦ / ١٥٦٧ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ - ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٤ / ١٧٩٩ ، سنن النسائي ٥ : ١٩ و ٢٨ ، مسند أحمد ١ : ١١ و ٢ : ١٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥.

(٥) فتح العزيز ٥ : ٥٤٨ و ٥٥٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨.

٨٧

التمكّن من الأداء بعد الحول لم يسقط هنا شي‌ء ، لأنّ التالف لم تتعلّق الزكاة به ، ولو تلف عشرون سقط ربع الشاة ، لأنّ الاعتبار بتلف جزء من النصاب ، وإنّما تلف من النصاب ربعه.

فروع :

أ - لو تلف بعض النصاب قبل الحول فلا زكاة ، وبعده وبعد إمكان الأداء يجب جميع الفرض ، لأنّه تلف بعد تفريطه في التأخير فضمن ، وإن تلف بعد الحول وقبل إمكان الأداء سقط عندنا من الزكاة بقدر التالف.

وللشافعي قولان بناءً على أنّ إمكان الأداء شرط في الوجوب أو الضمان ، فعلى الأول لا شي‌ء ، لنقصه قبل الوجوب(١) .

ب - لو كان معه تسع من الإِبل فتلف أربع قبل الحول أو بعده وبعد الإِمكان وجبت الشاة(٢) ، وبه قال الشافعي(٣) .

وإن كان بعد الحول وقبل الإِمكان فكذلك عندنا.

وعند الشافعي كذلك على تقدير أن يكون الإِمكان شرطاً في الوجوب ، لأنّ التالف قبل الوجوب إذا لم ينقص به النصاب لا حكم له ، وعلى تقدير أن يكون من شرائط الضمان فكذلك إن لم تتعلّق بمجموع النصاب والوقص ، وإن تعلّقت بهما سقط قدر الحصّة أربعة أتساع الشاة(٤) .

وقال بعضهم - على هذا التقدير - : لا يسقط شي‌ء ، لأنّ الزيادة لمـّا لم تكن شرطاً في وجوب الشاة لم يسقط شي‌ء بتلفها وإن تعلّقت بها ، كما لو شهد ثمانية بالزنا ورجع أربعة بعد قتله لم يجب عليهم شي‌ء ، ولو رجع خمسة وجب‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٥ ، الوجيز ١ : ٨٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٧ - ٥٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢.

(٢) في نسخة « ط » : الزكاة.

(٣ و ٤ ) المجموع ٥ : ٣٧٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

٨٨

عليهم الضمان ، لنقص ما بقي من العدد المشترط(١) .

ج - لو ذهب خمس من التسع قبل الحول فلا زكاة ، وإن كان بعده وقبل إمكان الأداء سقط خمس الشاة ، وبه قال الشافعي على تقدير أنّ الإِمكان من شرائط الضمان وتعلّق الزكاة بالنصاب.

وعلى تقدير كونه شرطاً في الوجوب فكقبل الحول لنقص النصاب قبل الوجوب.

وعلى تقدير كونه شرطاً في الضمان وتعلّق الزكاة بالمجموع تسقط خمسة أتساع الشاة(٢) .

د - لو كان معه خمس وعشرون وأوجبنا بنت المخاض فيه فتلف منها خمسة قبل إمكان الأداء وجب أربعة أخماس بنت مخاض - وبه قال الشافعي على تقدير كونه شرطاً في الضمان(٣) ، وأبو يوسف ومحمد(٤) - لأنّ الواجب بحؤول الحول بنت مخاض ، فإذا تلف البعض لم يتغيّر الفرض ، بل كان التالف منه ومن المساكين.

وقال أبو حنيفة : تجب أربع شياه(٥) . فجعل التالف كأنّه لم يكن.

قال الشيخ : لو كان معه ستّ وعشرون فهلك خمس قبل الإِمكان فقد هلك خُمس المال إلّا خُمس الخُمس فيكون عليه أربعة أخماس بنت مخاض إلّا أربعة أخماس خُمسها ، وعلى المساكين خُمس بنت مخاض إلّا أربعة أخماس خُمسها(٦) .

ه- حكم غير الإِبل حكمها في جميع ذلك ، فلو تلف من نصاب الغنم‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٧٥ و ٣٩٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

(٢) المجموع ٥ : ٣٧٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

(٣) المجموع ٥ : ٣٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨ - ٣٩.

(٤ و ٥ ) حلية العلماء ٣ : ٣٩.

(٦) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٤‌

٨٩

شي‌ء سقط من الفريضة بنسبته.

وهل الشاتان في مجموع النصاب الثاني أو في كلّ واحد شاة؟

احتمالان(١) ، فعلى الأول لو تلف شي‌ء بعد الحول بغير تفريط نقص من الواجب في النصب بقدر التالف ، وعلى الثاني يوزّع على ما بقي من النصاب الذي وجب فيه التالف.

مسألة ٥٤ : لا تأثير للخلطة عندنا في الزكاة‌ سواء كانت خلطة أعيان أو أوصاف ، بل يزكّى كلٌّ منهما زكاة الانفراد ، فإن كان نصيب كلّ منهما نصاباً وجب عليه زكاة بانفراده.

وإن كان المال مشتركاً كما لو كانا مشتركين في ثمانين من الغنم بإرث أو شراء أو هبة فإنّه يجب على كلّ واحد منهما شاة بانفراده.

ولو كانا مشتركين في أربعين فلا زكاة هنا ، وبه قال أبو حنيفة والثوري(٢) ، لقولهعليه‌السلام : ( إذا لم تبلغ سائمة الرجل أربعين فلا شي‌ء فيها )(٣) .

وقال : ( ليس على المرء في ما دون خمس ذود من الإِبل صدقة )(٤) ولم يفصّل.

وقالعليه‌السلام : « في أربعين شاةً شاةٌ »(٥) .

____________________

(١) ورد في النُسخ الخطية : احتمال. وما أثبتناه من الطبعة الحجرية هو الصحيح.

(٢) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٤ ، المجموع ٥ : ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩١ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٣.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، مسند أحمد ١ : ١٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥ ، و ١٠٠ بتفاوت يسير.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٥ / ٩٨٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ / ٦٢٦ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٤ و ١٠٧ و ١٢٠.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥ و ٥٧٨ / ١٨٠٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٨ / ١٥٦٨ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، وسنن البيهقي ٤ : ١١٦.

٩٠

فإذا ملكا ثمانين وجب شاتان.

ولأنّ ملك كلّ واحد منهما ناقص عن النصاب فلا تجب عليه الزكاة ، كما لو كان منفرداً.

وقال الشافعي : الخلطة في السائمة تجعل مال الرجلين كمال الرجل الواحد في الزكاة سواء كانت خلطة أعيان أو أوصاف بأن يكون ملك كلّ منهما متميّزاً عن الآخر ، وإنّما اجتمعت ماشيتهما في المرعى والمسرح - على ما يأتي(١) - سواء تساويا في الشركة أو اختلفا بأن يكون لرجل شاة ولآخر تسعة وثلاثون ، أو يكون لأربعين رجلاً أربعون شاةً لكلّ منهم شاة ، وبه قال عطاء والأوزاعي والليث وأحمد وإسحاق(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا يجمع بين متفرّق ولا يفرّق بين مجتمع )(٣) أراد إذا كان لجماعة لا يجمع بين متفرّق فإنّه إذا كان للواحد يجمع للزكاة وإن تفرّقت أماكنه ، وقوله : ( ولا يفرّق بين مجتمع ) يقتضي إذا كان لجماعة لا يفرّق ، ونحن نحمله على أنّه لا يجمع بين متفرّق في الملك ليؤخذ منه الزكاة زكاة رجل واحد فلا يفرّق بين مجتمع في الملك فإنّ الزكاة تجب على الواحد وإن تفرّقت أمواله.

وقال مالك : تصحّ الخلطة إذا كان مال كلّ واحد منهما نصاباً(٤) .

____________________

(١) يأتي في المسألة اللاحقة (٥٥).

(٢) المجموع ٥ : ٤٣٢ - ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٩ - ٣٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٦٠ - ٦١ ، الاُم ٢ : ١٤ ، مختصر المزني : ٤٣ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٤ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٦ / ١٨٠١ و ٥٧٧ / ١٨٠٥ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨٣ ، مسند أحمد ١ : ١٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٠٥.

(٤) المدوّنة الكبرى ١ : ٣٣١ و ٣٣٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٧ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢ ، المجموع ٥ : ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩١ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧.

٩١

وحكى بعض الشافعيّة عن الشافعي وجها آخر : أنّ العبرة إنّما هي بخلطة الأعيان دون خلطة الأوصاف(١) .

مسألة ٥٥ : قد بيّنا أنّه لا اعتبار بالخلطة بنوعيها‌ - خلافاً للشافعي ومن تقدّم(٢) - فلا شرط عندنا وعند أبي حنيفة ، لعدم الحكم.

أمّا الشافعي فقد شرط فيها أموراً :

الأول : أن يكون مجموع المالين نصاباً.

الثاني : أن يكون الخليطان معاً من أهل فرض الزكاة ، فلو كان أحدهما ذمّيّاً أو مكاتباً لم تؤثّر الخلطة ، وزكّى المسلم والحرّ كما في حالة الانفراد ، وهذان شرطان عامّان ، وفي اشتراط دوام الخلطة السنة؟ ما يأتي.

وتختصّ خلطة الجوار باُمور :

الأول : اتّحاد المسرح ، والمراد به المرعى.

الثاني : اتّحاد المراح ، وهو مأواها ليلاً.

الثالث : اتّحاد المشرع وهو أن يرد غنمهما ماءً واحداً من نهر أو عين أو بئر أو حوض.

وإنّما شرط(٣) اجتماع المالين في هذه الاُمور ليكون سبيلها سبيل مال المالك [ الواحد ](٤) وليس المقصود أن لا يكون لها إلّا مسرح أو مرعى أو مراح واحد بالذات ، بل يجوز تعدّدها لكن ينبغي أن لا تختص ماشية هذا بمسرح ومراح ، وماشية الآخر بمسرح ومراح.

الرابع : اشتراك المالين في الراعي أو الرعاة - على أظهر الوجهين عنده - كالمراح.

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٣٩٠ - ٣٩١ ، المجموع ٥ : ٤٣٣.

(٢) تقدّم ذكرهم في المسألة السابقة (٥٤).

(٣) في نسختي « ن وف » : شرطوا.

(٤) زيادة يقتضيها السياق.

٩٢

الخامس : اشتراكهما في الفحل ، فلو تميّزت ماشية أحدهما بفحولة ، وماشية الآخر باُخرى فلا خلطة - على أظهر الوجهين - عنده.

السادس : اشتراكهما في موضع الحلب ، فلو حلب هذا ماشيته في أهله ، والآخر في أهله فلا خلطة(١) .

وهل يشترط الاشتراك في الحالب والمحلب؟ أظهر الوجهين عنده عدمه ، كما لا يشترط الاشتراك في الجازّ وآلات الجزّ(٢) .

وإن شرط الاشتراك في المحلب فهل يشترط خلط اللبن؟ وجهان ، أصحهما عنده : المنع ، لأدائه إلى الربا عند القسمة إذ قد يكثر لبن أحدهما(٣) .

وقيل : لا ربا كالمسافرين يستحب خلط أزوادهم وإن اختلف أكلهم(٤) .

وربما يفرّق بأنّ كلّ واحد يدعو غيره إلى طعامه فكان إباحةً ، بخلافه هنا.

وهل يشترط نيّة الخلطة؟ وجهان عندهم : الاشتراط ، لأنّه معنى يتغيّر به حكم الزكاة تخفيفاً كالشاة في الثمانين ، ولو لا الخلطة لوجب شاتان ، وتغليظاً كالشاة في الأربعين ، ولولاها لم يجب شي‌ء فافتقر إلى النيّة ، ولا ينبغي أن يغلظ عليه من غير رضاه ، ولا أن ينقص حقّ الفقراء إذا لم يقصده.

والمنع ، لأنّ تأثير الخلطة لخفّة المؤونة باتّحاد المرافق وذلك لا يختلف‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٣٤ - ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٢ - ٣٩٤ ، الاُم ٢ : ١٣ ، مختصر المزني : ٤٣ ، المغني ٢ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٨ - ٥٣٠.

(٢) المجموع ٥ : ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٧ - ٣٩٨.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٨ - ٣٩٩.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٥ - ٤٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٩.

٩٣

بالقصد وعدمه(١) .

وهل يشترط وجود الاختلاط في أول السنة واتّفاق أوائل الأحوال؟

قولان(٢) .

وفي تأثير الخلطة في الثمار والزرع ثلاثة أقوال له : القديم : عدم التأثير ، وبه قال مالك وأحمد في رواية.

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( والخليطان ما اجتمعا في الحوض والفحل والرعي )(٣) وإنّما تتحقّق في المواشي.

والجديد : عدمه(٤) ، وتأثير خلطة الشيوع دون الجوار(٥) ، فعلى الجديد تؤثّر ، لحصول الاتّفاق باتّحاد العامل والناطور(٦) والنهر الذي تسقى منه.

وقال بعض أصحاب مالك : لا يشترط من هذه الشروط شي‌ء سوى الخلطة في المرعى ، وأضاف بعض أصحابه إليه الاشتراك في الراعي أيضاً(٧) ، والكلّ عندنا باطل.

فروع على القول بشركة الخلطاء :

أ - إذا اختلطا خلطة جوار ولم يمكن أخذ مال كلّ منهما من ماله كأربعين لكُلٍّ عشرون ، أخذ الساعي شاةً من أيّهما كان ، فإن لم يجد الواجب إلّا في‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٩ - ٤٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ٦١.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٤٠٢ - ٤٠٣.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ١٠٤ / ١ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٦ وفيهما : ( الراعي ) بدل ( الرعي ).

(٤) أي عدم عدم التأثير الملازم للثبوت.

(٥) المجموع ٥ : ٤٥٠ ، فتح العزيز ٥ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٧١ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٣٤٣ ، بلغة السالك ١ : ٢١٠ - ٢١١ ، المغني ٢ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤٤.

(٦) الناطور : حافظ الزرع والثمر والكرم. لسان العرب ٥ : ٢١٥ « نطر ».

(٧) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٣٧ و ١٣٨ ، المغني ٢ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٣١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢.

٩٤

مال أحدهما أخذ منه.

وإن أمكن أخذ ما يخصّ كلّ [ واحد ](١) منهما لو انفرد فوجهان : أن يأخذ من كلّ منهما حصّة ماله ليغنيهما عن التراجع ، وأن يأخذ من عرض المال ما يتّفق ، لأنّهما مع الخلطة كمال واحد ، والمأخوذ زكاة جميع المال(٢) .

فعلى هذا لو أخذ من كلّ منهما حصّة ماله بقي التراجع بينهما ، فإذا أخذ من هذا شاةً ، ومن هذا اُخرى رجع كلٌّ منهما على صاحبه بنصف قيمة ما اُخذ منه.

ولو كان بينهما سبعون من البقر أربعون لأحدهما ، وثلاثون للآخر ، فالتبيع والمسنّة واجبان على الشيوع ، على صاحب الأربعين أربعة أسباعهما ، وعلى صاحب الثلاثين ثلاثة أسباعهما.

فإن أخذهما من صاحب الأربعين رجع على صاحب الثلاثين بثلاثة أسباعهما وبالعكس.

ولو أخذ التبيع من صاحب الأربعين والمسنّة من الآخر رجع صاحب الأربعين بقيمة ثلاثة أسباع التبيع على الآخر ، والآخر بقيمة أربعة أسباع المسنّة على الأول.

وإن أخذ المسنّة من صاحب الأربعين والتبيع من الآخر رجع صاحب الأربعين بقيمة ثلاثة أسباع المسنّة على الآخر ، والآخر عليه بقيمة أربعة أسباع التبيع ، هذا كلّه في خلطه الجوار.

أمّا خلطة الأعيان فالأخذ منه يقع على حسب ملكهما ، فلو كان لهما ثلاثمائة من الإِبل فعليهما ستّ حقاق ولا تراجع.

ولو كان لأحدهما ثلاثمائة وللآخر مائتان فله عشر حقاق بالنسبة ، وهذا‌

____________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) الوجهان للشافعية ، راجع فتح العزيز ٥ : ٤٠٨.

٩٥

يأتي على مذهبنا.

ب - لو ورثا أو ابتاعا شائعاً وأداما الخلطة زكّيا - عندهم - زكاة الخلطة ، وكذا لو ملك كلٌّ منهما دون النصاب ثم خلطا وبلغ النصاب(١) .

ولو انعقد الحول على مال كلّ منهما منفرداً ثم طرأت الخلطة ، فإن اتّفق الحولان بأن ملكا غرّة المحرّم وخلطا غرّة صفر ، ففي الجديد : لا يثبت حكم الخلطة في السنة الاُولى - وبه قال أحمد - لأنّ الأصل الانفراد ، والخلط عارض فيغلب حكم الحول المنعقد على الانفراد ، وتجب على كلّ منهما شاة إذا جاء المحرّم(٢) .

وفي القديم - وبه قال مالك - ثبوت حكم الخلطة نظراً إلى آخر الحول ، فإنّ الاعتبار في قدر الزكاة بآخر الحول ، فيجب على كلّ منهما نصف شاة إذا جاء المحرّم(٣) .

ولو اختلف الحولان ، فملك أحدهما غرّة المحرّم والآخر غرّة صفر وخلطا غرّة ربيع ، فعلى الجديد ، إذا جاء المحرّم فعلى الأول شاة ، وإذا جاء صفر فعلى الثاني شاة.

وعلى القديم ، إذا جاء المحرّم فعلى الأول نصف شاة ، وإذا جاء صفر فعلى الثاني نصف شاة.

ثم في سائر الأحوال يثبت حكم الخلطة على القولين ، فعلى الأول عند غرّة كلّ محرّم نصف شاة ، وعلى الثاني عند غرّة كلّ صفر كذلك ، وبه قال مالك وأحمد(٤) .

وقال ابن سريج : إنّ حكم الخلطة لا يثبت في سائر الأحوال ، بل‌

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٤٤١.

(٢ و ٣ ) المجموع ٥ : ٤٤٠ ، الوجيز ١ : ٨٣ ، فتح العزيز ٥ : ٤٤٣ - ٤٤٦ ، المغني ٢ : ٤٧٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٩.

(٤) فتح العزيز ٥ : ٤٤٧ - ٤٤٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٠ - ٤٤١.

٩٦

يزكّيان زكاة الانفراد أبداً(١) .

ولو انعقد الحول على الانفراد في حق أحد الخليطين دون الآخر كما لو ملك أحدهما غرّة المحرّم والآخر غرّة صفر ، وكما ملك خلطا ، فإذا جاء المحرّم فعلى الأول شاة في الجديد ، ونصف شاة في القديم(٢) .

وأمّا الثاني فإذا جاء صفر فعليه نصف شاة - في القديم - وفي الجديد ، وجهان : شاة ، لأنّ الأول لم يرتفق بخلطته فلا يرتفق هو بخلطة الأول ، وأظهرهما : نصف شاة ، لأنّه كان خليطاً في جميع الحول ، وفي سائر الأحوال يثبت حكم الخلطة على القولين إلّا عند ابن سريج(٣) .

ولو طرأت خلطة الشيوع على الانفراد كما لو ملك أربعين شاة ، ثم باع بعد ستّة أشهر نصفها مشاعاً ، فالظاهر أنّ الحول لا ينقطع ، لاستمرار النصاب بصفة الاشتراك ، فإذا مضت ستّة أشهر من وقت البيع فعلى البائع نصف شاة ولا شي‌ء على المشتري إن أخرج البائع واجبة من المشترك ، لنقصان النصاب.

وإن أخرجها من غيره ، وقلنا : الزكاة في الذمة ، فعليه أيضاً نصف شاة عند تمام حوله ، وإن قلنا : تتعلّق بالعين ففي انقطاع حول المشتري قولان : أرجحهما : الانقطاع ، لأنّ إخراج الواجب من غير النصاب يفيد عود الملك بعد الزوال لا أنّه يمنع الزوال(٤) .

ج - إذا اجتمع في ملك الواحد ماشية مختلطة ، واُخرى من جنسها منفردة كما لو خلط عشرين شاة بمثلها لغيره وله أربعون ينفرد [ بها ](٥) ففيما يخرجان الزكاة؟ قولان مبنيّان على أنّ الخلطة خلطة ملك أي يثبت حكم الخلطة في‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ٨٣ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٤٩.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ - ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٣.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ - ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٤.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٢ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٩ - ٤٦٢.

(٥) زيادة يقتضيها السياق.

٩٧

كلّ ما في ملكه ؛ لأنّ الخلطة تجعل مال الاثنين كمال الواحد ، ومال الواحد يضمّ بعضه إلى بعض وإن تفرّقت أماكنه ، فعلى هذا كان صاحب الستّين خلط جميع ماله بعشرين ، فعليه ثلاثة أرباع شاة ، وعلى الآخر ربعها.

أو أنّها خلطة عين أي يقتصر حكمها على عين المخلوط ، لأنّ خفّة المؤونة إنّما تحصل في القدر المخلوط وهو السبب في تأثير الخلطة ، فعلى صاحب العشرين نصف شاة ، لأنّ جميع ماله خليط عشرين ، وفي أربعين شاة ، فحصّة العشرين نصفها(١) .

وفي صاحب الستّين وجوه : أصحّها عنده : أنه يلزمه شاة ، لأنّه اجتمع في ماله الاختلاط والانفراد فغلّب حكم الانفراد ، كما لو انفرد بالمال في بعض الحول فكأنّه منفرد بجميع الستّين ، وفيها شاة.

والثاني : يلزمه ثلاثة أرباع شاة ، لأنّ جميع ماله ستّون ، وبعضه مختلط حقيقةً ، وملك الواحد لا يتبعّض حكمه فيلزم إثبات حكم الخلطة للباقي ، فكأنّه خلط جميع الستّين بالعشرين ، وواجبها شاة حصّة الستّين ثلاثة أرباعها.

الثالث : يلزمه خمسة أسداس شاة ونصف سدس جمعاً بين اعتبار الخلطة والانفراد ، ففي الأربعين حصّتها من الواجب لو انفرد بالكلّ وهو شاة حصّة الأربعين ثُلثا شاة ، وفي العشرين حصّتها من الواجب لو خلط الكلّ وهي ربع شاة لأنّ الكلّ ثمانون ، وواجبها شاة.

الرابع : أنّ عليه شاة وسدس شاة من ذلك نصف شاة في العشرين المختلطة ، كما أنّه واجب خليطه في ماله ، وثُلثا شاة في الأربعين المنفردة وذلك حصة الأربعين لو انفرد بجميع ماله.

الخامس : أنّ عليه شاة في الأربعين ونصف شاة في العشرين ، كما لو‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٦٩ - ٤٧٠.

٩٨

كانا لمالكين(١) .

ولو خلط عشرين بعشرين لغيره ولكلّ منهما أربعون منفردة ، إن قلنا بخلطة الملك فعليهما شاة ، لأنّ الكلّ مائة وعشرون

وإن قلنا بخلطة العين فوجوه : أصحها : أنّ على كلّ منهما شاة.

الثاني : ثلاثة أرباع ، لأنّ كلّاً منهما يملك ستّين بعضها خليط عشرين فيغلب حكم الخلطة في الكلّ ، والكلّ ثمانون ، حصّة ستّين ما قلنا.

الثالث : على كلّ منهما خمسة أسداس شاة ونصف سدس جمعاً بين الاعتبارين ، فيقدّر كلّ واحد منهما كأنّه منفرد بالستّين ، وفيها شاة ، فحصّة الأربعين منها ثُلثا شاة ، ثم يقدّر أنّه خلط جميع الستّين بالعشرين والمبلغ ثمانون ، وفيها شاة ، فحصّة العشرين منها ربع شاة.

وقيل : على كلّ واحد خمسة أسداس شاة بلا زيادة تجب في العشرين بحساب ما لو كان جميع المالين مختلطاً وهو مائة وعشرون وواجبها شاة ، فحصة العشرين سدس شاة وفي الأربعين ثُلثا شاة(٢) .

الرابع : على كلّ منهما شاة وسدس شاة ، نصف شاة في العشرين المختلطة قصراً لِحكم الخلطة على الأربعين ، وثُلثا شاة في الأربعين المنفردة.

الخامس : على كلّ واحد شاة ونصف شاة ، شاة للأربعين المنفردة ، ونصف للعشرين المختلطة(٣) .

د - لو خالط الشخص ببعض ماله واحداً وببعضه آخر ولم يتشارك الآخران بأن يكون له أربعون فخلط منها عشرين بعشرين لرجل لا يملك غيرها ،

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٤٤ ، الوجيز ١ : ٨٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧١ - ٤٧٣.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٤٧٤.

(٣) المجموع ٥ : ٤٤٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٣ - ٤٧٥.

٩٩

وعشرين بعشرين لآخر كذلك ، فإن قلنا بخلطة الملك فعلى صاحب الأربعين نصف شاة ، لأنّه خليطهما ومبلغ الأموال ثمانون ، وحصّة الأربعين منها النصف ، وكلّ واحد من خليطيه يضمّ ماله إلى جميع مال صاحب الأربعين.

وهل يضمّه إلى مال الآخر؟ وجهان : الضمّ ، لينضمّ الكلّ في حقّهما كما انضمّ في حق صاحب الأربعين ، فعلى كلّ واحد منهما ربع شاة.

والعدم ، لأنّ كلّاً منهما لم يخالط الآخر بماله بخلاف صاحب الأربعين فإنه خالط لكلِّ واحد منهما ، فعلى كلّ واحد ثُلث شاة.

وإن قلنا بخلطة العين فعلى كلّ من الآخَرَين نصف شاة ، لأنّ مبلغ ماله وما خالط ماله أربعون(١) .

وفي صاحب الأربعين وجوه :

أحدها : تلزمه شاة تغليباً للانفراد وإن لم يكن منفرداً حقيقةً لكن ما لم يخالط به أحدهما فهو منفرد عنه فيعطى حكم الانفراد ، ويغلب حتى يصير كالمنفرد بالباقي أيضاً ، وكذا بالإِضافة إلى الخليط الثاني فكأنّه لم يخالط أحداً.

الثاني : يلزمه نصف شاة ، تغليباً للخلطة ، فإنّه لا بدّ من إثبات حكم الخلطة حيث وجدت حقيقةً ، واتّحاد المال يقتضي ضمّ أحد ماليه إلى الآخر ، فكلّ المال ثمانون ، فكأنّه خلط أربعين بأربعين.

الثالث : يلزمه ثُلثا شاة جمعاً بين اعتبار الخلطة والانفراد ، بأن يقال : لو كان جميع ماله مع [ مال ](٢) زيد لكان المبلغ ستّين وواجبها شاة ، حصّة العشرين الثُلث ، وكذا يفرض في حقّ الثاني فيجتمع عليه ثُلثان(٣) .

مسألة ٥٦ : قد بيّنا أنّه إذا ملك أربعين وجب عليه الشاة وإن تعدّدت‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٤٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٦ - ٤٧٧.

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

(٣) المجموع ٥ : ٤٤٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٧ - ٤٧٨.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107