بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 617

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 617
المشاهدات: 184911
تحميل: 6520


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 184911 / تحميل: 6520
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 13

مؤلف:
العربية

المذهب ، وجدناهم يبغضونه مرّة ، و يحقرونه مرّة ، و يبغضون بفضل بغضه ولده ، و يحتقرون بفضل احتقارهم له رهطه و يضيفون إليه من نوادر اللؤم ما لم يبلغه ، و من غرائب البخل ما لم يفعله ، و حتى ضاعفوا عليه من سوء الثناء بقدر ما ضاعفوا للجواد من حسن الثناء١ .

و في ( تاريخ بغداد ) عن إسحاق الموصلي : دخلت على الرشيد يوما فقال : أنشدني من شعرك ، فأنشدته :

و آمرة بالبخل قلت لها اقصري

فذلك شي‏ء ما إليه سبيل

أرى الناس خلاّن الجواد و لا أرى

بخيلا له في العالمين خليل

و من خير حالات الفتى لو علمته

إذا نال خيرا أن يكون ينيل

عطائى عطاء المكثرين تكرّما

و مالي كما قد تعلمين قليل

و إني رأيت البخل يزري بأهله

و يحقر يوما أن يقال بخيل

إلى أن قال : فقال الرشيد : يا فضل ، أعطه مائة ألف درهم للّه در أبيات تأتينا بها ، ما أحسن فصولها و أثبت أصولها فقلت : كلامك أجود من شعري .

قال : أحسنت يا فضل ، أعطه مائة ألف أخرى .

هذا ، و كان عباس بن محمد عمّ أبي الرشيد مكينا عنده ، و كان أراد أن يخطب إليه ابنته ، فجاءه يوما و قال له : هجاني ربيعة الرقي ، فغضب و أمر بإحضاره و قال له : أتهجو عمّي ؟ فقال : قد مدحته بقصيدة ما قيل مثلها في أحد من الخلفاء ، فإن رأيت أن تأمره بإحضارها ، فأمره فتلكّأ فعزم عليه فعلم أنّه أخطأ ، فأحضرت فنظر الرشيد فيها فقال : صدق ربيعة ثم قال للعباس : بم أثبته ؟ فسكت و تغيّر لونه قال ربيعة : بدينارين فظنّ الرشيد أنّه قال ذلك موجدة قال له : بحياتي كم أثابك ؟ قال : و حياتك بدينارين فغضب الرشيد

____________________

( ١ ) البخلاء للجاحظ ٢ : ٩٧ ٩٨ من رسالة أبي العاص الثقفي ، نسخة دار الكتب المصرية .

٣٠١

و قال للعباس : فضحت آباءك و فضحتني و نفسك فنكس رأسه ، فأمر الرشيد بإعطائه ثلاثين ألف درهم و خلعة و حمله على بغلة ، و قال له : بحياتي لا تذكره في شعرك تصريحا أو تلويحا و فتر عمّا كان همّ به من التزويج إليه و اطرحه بعد و لا يزال ربيعة بعده يعبث به في حضرة الرشيد ، فجاء العباس يوما إلى الرشيد ببرنية غالية و قال : هذه غالية صنعتها لك بيدي اختير عنبرها من بحر عمان و مسكها من مفاوز التبت و بانها من ثغر تهامة ، فالفضائل كلّها مجموعة فيها ، و النعت يقصر عنها فاعترضه ربيعة فقال : ما رأيت أعجب منك ، إنّ تعظيمك هذا عند من تجبى إليه خزائن الأرض و تذلّ له جبابرة الملوك و تتحفه ببدائع ممالكها حتى كأنّك قد فقت به ما عنده ، أو أبدعت له ما لا يعرفه ،

لا تخلو فيه من ضعف عقل أو قصر همّة ، أنشدتك أيّها الخليفة إلاّ جعلت حظي من كلّ جائزة سنتي هذه الغالية حتى أو فيها حقّها فقال : ادفعوها إليه فدفعت إليه فأدخل يده فيها و أخرج ملئها و حلّ سراويله و أدخل يده فلطّخ بها استه و أخذ حفنة اخرى فطلى بها ذكره و أنثييه و أخرج حفنتين فطلى بها إبطيه ، ثم قال للرشيد : تأمر غلامي يدخل إليّ ؟ فأدخل فدفع إليه البرنية غير مختومة و قال له : اذهب بها إلى جاريتي فلانة و قل لها : طيّبي بها حرّك و استك حتى أجي‏ء الساعة و أنيكك ، فأخذها الغلام و مضى ، فضحك الرشيد حتى غشي عليه ، و كاد العباس يموت غيظا١ .

« و الجبن منقصة » في ( الظرائف ) : يقال : الشجاع محبب حتى إلى عدوّه ،

و الجبان مبغض حتى إلى اللّه٢ ، و قال الشاعر :

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد ١ : ١٠ .

( ٢ ) الظرائف و الطرائف للثعلبي : ٦٧ .

٣٠٢

يفرّ الجبان من أبيه و أمه

و يحمي شجاع القوم من لا يناسبه١

و لمّا قال المتنبي :

يرى الجبناء أنّ الجبن عقل

و تلك خديعة الطبع اللئيم

و كلّ شجاعة في المرء تغني

و لا مثل الشجاعة في الحكيم٢

قيل له أنّى يكون الشجاع حكيما و هما على طرفي النقيض ؟ قال : هذا علي ابن أبي طالب شجاع و حكيم٣ .

« و الفقر يخرس الفطن عن حجّته » .

في ( كامل المبرد ) قال أعرابي من باهلة :

سأعمل نص العيص حتى يكفّني

غنى المال يوما أو غنى الحدثان

فللموت خير من حياة يرى لها

على الحر بالإقلال و سم هو ان

متى يتكلّم يلغ حكم كلامه

و إن لم يقل قالوا عديم بيان

كأن الغنى عن أهله بورك الغنا

بغير لسان ناطق بلسان٤

و قيل :

إذا قلّ مال المرء قلّ حياؤه

و ضاقت عليه أرضه و سماؤه

و أصبح لا يدري و إن كان حازما

أقدّامه خير له أم وراؤه٥

و قال صالح بن عبد القدوس :

____________________

( ١ ) المصدر نفسه .

( ٢ ) المصدر نفسه .

( ٣ ) المصدر نفسه .

( ٤ ) الكامل في الأدب لأبي العباس المبرد ١ : ٢١٧ ، و ذكره الجاحظ في البيان و التبيان ١ : ٢٣٤ بلفظ العيس ( بدلا من العيص ) و ذكره ابن أبي الحديد ١٨ : ٨٨ ، و ذكره ابن قتيبة في عيون الأخبار ١ : ٢٣٩ .

( ٥ ) الظرائف و اللطائف : ٥٢ .

٣٠٣

بلوت امور الناس سبعين حجّة

و جرّبت صرف الدهر في العسر و اليسر

فلم أر بعد الدين خيرا من الغنى

و لم أر بعد الكفر شرّا من الفقر١

و في ( كامل المبرد ) : لمّا ولى عبيد اللّه بن زياد حارثة بن بدر رامهرمز ،

و سرق ، قال له أنس بن أبي أنيس :

أحار بن بدر قد وليت إمارة

فكن جرزا فيها تخون و تسرق

و لا تحقرن يا حار شيئا وجدته

فحظّك من ملك العراقين سرق

و باه تميما بالغنى إنّ للغنى

لسانا به المرء الهيوبة ينطق٢

و في ( بيان الجاحظ ) : قال عروة بن الورد :

ذريني للغنى أسعى فإنّي

رأيت الناس شرّهم الفقير

و أهونهم و أحقرهم لديهم

و ان أمسى له نسب و خير

و يقصي في الندى أو يزدريه

حليلته و ينهره الصغير

و يلفى ذو الغنى و له جلال

يكاد فؤاد صاحبه يطير

قليل ذنبه و الذنب جم

و لكن للغنى ربّ غفور٣

و في ( عيون القتيبي ) : قال النمر بن تولب :

فالمال فيه تجلّة و مهابة

و الفقر فيه مذلّة و قبوح

و لآخر :

رزقت لبا و لم ارزق مروّته

و ما المروة إلاّ كثرة المال

إذا أردت مساماة يقعدني

عمّا ينوه باسمي رقّة الحال

____________________

( ١ ) الظرائف و اللطائف : ٥٢ .

( ٢ ) الكامل للمبرد ١ : ٢٧٢ .

( ٣ ) البيان للجاحظ ١ : ٢٣٤ .

٣٠٤

و لآخر :

يغطي عيوب المرء كثرة ماله

يصدّق فيما قال و هو كذوب

و يزري بعقل المرء قلة ماله

يحمقه الأقوام و هو لبيب١

و قال حسان :

ربّ حلم أضاعه عدم المال

و جهل غطى عليه النعيم٢

« و المقل غريب في بلدته » قال ابن أبي الحديد : يقال : مالك نورك ، فإن أردت أن تنكسف ففرّقه و أتلفه و قال خلف الأحمر : لا تظني أنّ الغريب هو النائي ، و لكنّما الغريب المقلّ٣ .

قلت : و قال الشاعر :

ألم تر بيت الفقر يهجر أهله

و بيت الغنى يهدى له و يزار٤

و قال أيضا :

إذا ما قلّ ما لك كنت فردا

و أي الناس زوار المقلّ٥

و قال أيضا :

و من يكن له نشب يحبب

و من يفتقر يعش عيش ضرّ

و يجنب سر النجى و لكن

أخا المال محضر كلّ سر٦

و قال أيضا :

____________________

( ١ ) العيون للقتيبي ١٢ : ٢٣٩ .

( ٢ ) المصدر نفسه ١ : ٢٤٠ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٨٨ .

( ٤ ) عيون الأخبار ١ : ٢٤٢ .

( ٥ ) المصدر نفسه ١ : ٢٤٢ .

( ٦ ) المصدر نفسه ١ : ٢٤٢ ، و الشعر لزيد بن عمرو بن نفيل .

٣٠٥

و لم أر مثل الفقر أوضع للفتى

و لم أر مثل المال أرفع للرذل١

و لابن فارس :

قد قال فيما مضى حكيم

ما المرء إلاّ بأصغريه

فقلت قول امرى‏ء لبيب

ما المرء إلاّ بدرهميه

من لم يكن معه درهماه

لم تلتفت عرسه إليه

و كان من ذلّه حقيرا

تبول سنوره عليه

و لآخر :

فلو كنت ذا مال لقرّب مجلسي

و قيل إذا أخطأت أنت رشيد

رأيت الغنى قد صار في الناس سؤددا

و كان الفتى بالمكرمات يسود

و إن قلت لم يسمع مقالي و إنني

لمبدى‏ء حق بينهم و معيد

« و في العجز آفة » في ( عيون القتيبي ) قال أبو المعافي :

و إن التواني أنكح العجز بنته

و ساق إليها حين زوّجها مهرا

فراشا وطيئا ثم قال لها اتكي

قصاراهما لا بد أن يلدا الفقرا٢

و قال الأصمعي : دخلت على هارون الرشيد و بين يديه بدرة ، فقال : إن حدثتني بحديث في العجز فأضحكتني ، و هبتك هذه البدرة فقلت : نعم ، بينا أنا في صحاري الأعراب في يوم شديد البرد و الريح و إذا بأعرابي قاعد على أجمة و هو عريان قد احتملت الريح كساءه فألقته على الأجمة ، فقلت : يا أعرابي ما

____________________

( ١ ) ديوان المعاني ١ : ١٤١ ، و نهاية الارب ٣ : ٢٣٦ .

( ٢ ) عيون القتيبي ١ : ٢٤٤ .

٣٠٦

أجلسك ههنا على هذه الحالة ؟ فقال : جارية و عدتها يقال لها سلمى أنا منتظر لها فقلت : و ما يمنعك من أخذ كسائك ؟ فقال : العجز يوقفني عن أخذه فقلت له :

فهل قلت في سلمى شيئا ؟ فقال : نعم فقلت : أسمعني للّه أبوك فقال : لا أسمعك حتى تأخذ كسائي و تلقيه عليّ فأخذته و ألقيته عليه فأنشا يقول :

لعلّ اللّه أن يأتي بسلمى

فيبطحها و يلقيني عليها

و يأتي بعد ذاك سحاب مزن

تطهرنا و لا نسعى إليها

فضحك الرشيد حتى استلقى على ظهره و قال : أعطوه البدرة١ .

و في ( ديوان معاني العسكري ) : و أكسل بيت سمعناه عن يحيى بن سعيد الأموي لبعضهم :

سألت اللّه أن يأتي بسلمى

و كان اللّه يفعل ما يشاء

فيأخذها و يطرحها بجنبي

و يرقدها و قد كشف الغطاء

و يأخذني و يطرحني عليها

و يرقدها و قد قضي القضاء

و يرسل ديمة سحبا علينا

فيغسلنا و لا يلقى عناء٢

« و الصبر شجاعة » لأنّه من قوّة القلب ، قال الشاعر :

تصبّر و لا تبد التضعضع للعدى

و لو قطّعت في الجسم منك البواتر

سرور الأعادي أن تراك بذلّة

و لكنّها تغتمّ إذ أنت صابر٣

و في ( مقاتل الطالبيين ) : اخذ عمرو بن شداد من أصحاب ابراهيم بن عبد اللّه ابن الحسن بعد قتله ، فأتى به ابن دعلج من قبل المنصور فأمر بقطع يده ، فمدّها فقطعت ، ثم مدّ اليسرى فقطعت ، ثم رجله اليمنى فقطعت ، ثم

____________________

( ١ ) المصدر نفسه ٣ : ٣٠٠ .

( ٢ ) ديوان معاني العسكري ١ : ١٩٧ .

( ٣ ) الظرائف و الطرائف للثعلبي : ٥٩ .

٣٠٧

مدّ اليسرى فقطعت و ما يقربه أحد و لا يمسّه ثم قال له : مدّ عنقك فمدّها فضربه ضارب بسيف كليل فلم يصنع شيئا ، فقال : اطلبوا سيفا صارما فعجل الضارب فنبا فلم يصنع شيئا فقال عمر : و سيف أصرع من هذا فسلّ ابن دعلج سيفا كان عليه فدفعه إلى رجل فضربه ، و قال ابن دعلج لعمرو بن شداد :

أنت و اللّه الصارم١ .

و في ( الطبري ) : قال ابن إسحاق : لما انهزم المشركون في حنين أدرك رجل من المسلمين دريد بن الصمة فأخذ بخطام جمله و هو يظنّ أنّه امرأة و ذلك أنّه كان في شجار له ، فأناخ به و إذا هو شيخ كبير فقال له : ما ذا تريد بي ؟

قال : أقتلك قال : و من أنت ؟ قال : ربيعة بن رفيع السلمي ثم ضربه بسيفه فلم يغن شيئا فقال : بئسما سلحتك امك ، خذ سيفي هذا من مؤخر الرحل في الشجار ثم اضرب به و ارفع عن العظام و اخفض عن الدماغ فإنّي كذلك كنت أقتل الرجال ، ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنّك قتلت دريدا فربّ يوم و اللّه قد منعت نساءك فزعمت بنو سليم أنّ ربيعة قال : لما ضربته فوقع تكشّف الثوب عنه فإذا عجانه و بطون فخذيه مثل القرطاس عن ركوب الخيل أعراء ، فلما رجع إلى أمه أخبرها بقتله فقالت : و اللّه لقد أعتق أمّهات لك ثلاثا٢ .

« و الزهد ثروة » قال تعالى :لكيلا تأسوا على ما فاتكم و لا تفرحوا بما آتاكم .٣ قالوا : جمع تعالى في هاتين الكلمتين ، و قال الشاعر :

إذا ما شئت أن تحيا حلوة المحيا

فلا تحسد و لا تحقد و لا تأسف على الدنيا٤

____________________

( ١ ) مقاتل الطالبيين : ٢٢٠ .

( ٢ ) تاريخ الملوك و الامم للطبري ٢ : ٣٥٠ .

( ٣ ) الحديد : ٢٣ .

( ٤ ) الظرائف و الطرائف للثعلبي : ٣٥ .

٣٠٨

« و الورع جنة » :و إن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثُمّ ننجي الّذين اتّقوا و نذر الظالمين فيها جثيا ١ .

و في الخبر : « الصوم جنّة من النار »٢ و وجهه أنّ الصوم علّة للورع و التقوى قال تعالى : .كُتِب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلهم لعلّكم تتّقون ٣ و الورع جنّة و سبب السبب سبب .

٤ الحكمة ( ١٤٩ ) و قالعليه‌السلام :

هَلَكَ اِمْرُؤٌ لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَهُ أقول : قال الشعبي كما روى ( الخصال ) : إنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام تكلّم بتسع كلمات ارتجلهن ارتجالا فقأن عيون البلاغة و أيتمن جواهر الحكمة و قطعن جميع الأنام عن اللحاق بواحدة منهن ، ثلاث منها في المناجاة و ثلاث منها في الحكمة و ثلاث منها في الأدب إلى أن قال : و أما اللاتي في الحكمة فقال : « قيمة كلّ امرى‏ء ما يحسنه » و « ما هلك امرؤ عرف قدره »٤ .

و لفظ الخبر مع العنوان مختلف لكن المعنى واحد ، و صدق الشعبي في كون كلمتهعليه‌السلام مما ليس له قيمة ، فمن لم يعرف قدره بالنسبة إلى الدنيا أو الآخرة هلك ، أمّا الآخرة فمعلوم و أمّا الدّنيا فلأنّه يعمل عملا لم يكن له أن يعمله أو يتكلّم بكلام لم يكن له أن يقوله .

و في ( الأغاني ) : قال المهدي يوما لمروان بن أبي حفصة : أين ما تقوله

____________________

( ١ ) مريم : ٧١ ٧٢ .

( ٢ ) الكافي ٢ : ١١٩ الرواية ( ٥ ) .

( ٣ ) البقرة : ١٨٣ .

( ٤ ) الخصال : ١٨٦ .

٣٠٩

فينا من قولك في أبينا :

له لحظات عن حفافي سريره

اذا كرها فيها عقاب و نائل

فاعترضه آدم بن عبد العزيز فقال : هيهات أن يقول هذا و لا ابن هرمة كما قال الأخطل فينا :

شمس العداوة حتى يستقاد لهم

و أعظم الناس أحلاما إذا قدروا١

فغضب المهدي حتى استشاط و قال : كذب و اللّه ابن النصرانية العاض بظر امّه ، و كذبت يا عاض بظر امّك ، و اللّه لو لا أن يقال إنّي خفرت بك لفرقتك من أكثرك شعرا ، خذوا برجل ابن الفاعلة فأخرجوه على تلك الحالة و جعل المهدي و هو يجر يشتمه و يقول : يابن الفاعلة أراها في رؤوسكم و نفوسكم .

و في ( المقاتل ) : كان الرشيد يسأل عمّن له ذكر و نباهة من آل أبي طالب ،

فذكر له عبد اللّه بن الحسن بن علي الأصغر المعروف بابن الأفطس ، فوجّه من أخذه و ادخل عليه فقال له : بلغني أنّك تجمع الزيدية و تدعوهم إلى الخروج معك قال : و اللّه ما أنا من هذه الطبقة ، أنا غلام نشأت بالمدينة و في صحاريها أسعى على قدمي و أتصيّد بالبواشق ، ما هممت بغير ذلك قط قال : صدقت و لكنّي انزلك دارا و اوكل بك رجلا واحدا يكون معك و لا يحجبك أحدا يدخل عليك فقال : نشدتك باللّه في دمي ، فو اللّه لئن فعلت ذلك بي لأوسوسن و ليذهبن عقلي فلم يقبل ذلك منه و حبسه فلم يزل يحتال لأن تصل رقعة إلى الرشيد حتى قدر على ذلك فأنفذ إليه رقعة مختومة فيها كلّ كلام قبيح و كلّ شتم شنيع ، فلما قرأها طرحها و قال : قد ضاق صدر هذا الفتى فهو يتعرّض للقتل و ما يحملني فعله على ذلك ثم دعا جعفر بن يحيى فأمره أن يحوله إليه

____________________

( ١ ) الأغاني ٨ : ٣٠١ ، كذا ورد في ديوان الاخطل : ١٠٦ .

٣١٠

و يوسع عليه في محبسه ، فلما كان يوم عيد و هو يوم نيروز قدمه جعفر بن يحيى فضرب عنقه و غسل رأسه و جعله في منديل و أهداه إلى الرشيد مع هدايا فقبلها و قدمت إليه ، فلما نظر إلى الرأس أفظعه و قال له : ويحك لم فعلت هذا ؟ قال : لإقدامه على ما كتب به إلى الخليفة و بسط لسانه بما بسط فقال له :

ويحك قتلك إيّاه بغير أمري أعظم من فعله ثم أمر بغسله و دفنه فلما كان من أمره ما كان في جعفر قال لمسرور إذا أردت قتله فقل له : هذا بعبد اللّه بن حسن بن حسن ابن عمي الذي قتلته بغير أمري فقال مسر و له ذلك عند قتله١ .

٥ الحكمة ( ٣٦٣ ) و قالعليه‌السلام :

مِنَ اَلْخُرْقِ اَلْمُعَاجَلَةُ قَبْلَ اَلْإِمْكَانِ وَ اَلْأَنَاةُ بَعْدَ اَلْفُرْصَةِ أما أصل « الخرق » ففي ( الكافي ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : لو كان الخرق خلقا يرى ما كان شي‏ء من خلق اللّه تعالى أقبح منه .

و عن أبي جعفرعليه‌السلام : من قسم له الخرق حجب عنه الايمان٢ .

و أمّا المعاجلة فقال تعالى :يا أيّها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تُصيبوا قوماً بجهالةٍ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ٣ و قال تعالى حاكيا عن سليمان : .سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ٤ و قال :

و كان الإنسان عجولا ٥ ، و قال :خُلِقَ الإنسان من عجلٍ سأُريكم آياتي

____________________

( ١ ) مقاتل الطالبيين : ٣٢٨ .

( ٢ ) الكافي ٢ : ٣٢١ ح ٢ .

( ٣ ) الحجرات : ٦ .

( ٤ ) النمل : ٢٧ .

( ٥ ) الاسراء : ١١ .

٣١١

فلا تستعجلون ١ ، و أمّا الأناة بعد الفرصة فقالوا : الفرصة تمر مر السحاب .

و قيل لأبي العيناء : لا تعجل فإنّ العجلة من الشيطان فقال : لو كانت من الشيطان لما قال كليم اللّه تعالى :و عجلت إليك ربّ لترضى ٢ ، يقال : الآفات في التأخيرات٣ ، و قال شاعر :

كم من مضيع فرصة قد أمكنت

لغد و ليس غد له بموات

حتى إذا فاتت و فات طلابها

ذهبت عليها نفسه حسرات٤

أيضا :

و إنّ فرصة أمكنت في العدا

فلا تبد فعلك إلاّ بها

فان لم تلج بابها مسرعا

أتاك عدوك من بابها

و إيّاك من ندم بعدها

و تأميل اخرى و أنّى بها٥

و بالجملة : العجلة قبل الإمكان ، و التأنّي بعد الإمكان كلاهما مذمومان و هما من الخرق كما قالعليه‌السلام ، و قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : من تأنّى أصاب أو كاد ، و من تعجّل أخطأ أو كاد٦ و قال القطامي :

قد يدرك المتأني بعض حاجته

و قد يكون من المستعجل الزلل

و ربما فات قوما بعض نجحهم

من التأني و كان الحزم لو عجلوا٧

____________________

( ١ ) الأنبياء : ٣٧ .

( ٢ ) طه : ٨٤ .

( ٣ ) الظرائف : ٦٥ .

( ٤ ) الظرائف للثعلبي : ٦٥ .

( ٥ ) الظرائف للثعلبي : ٦٥ ، و هو لابن المعتز .

( ٦ ) الظرائف : ٦٥ .

( ٧ ) ذكره الثعلبي في الظرائف : ٦٥ ، و البيهقي في المحاسن و المساوى‏ء ٢ : ١٣٢ ، و كذا نهج البلاغة ٧ : ٨٧ ، و كذا في ديوان القطامي : ٢ .

٣١٢

٦ الحكمة ( ٣٧٨ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْبَخِيلُ جَامِعٌ لِمَسَاوِئِ اَلْعُيُوبِ وَ هُوَ زِمَامٌ يُقَادُ بِهِ إِلَى كُلِّ سُوءٍ أقول : هكذا في ( المصرية )١ و لكن في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) « البخل جامع . » و هو الصحيح٢ .

« البخل جامع لمساوى‏ء العيوب » عنهعليه‌السلام : إذا لم يكن للّه في عبد حاجة ابتلاه بالبخل٣ .

و في خبر : لا يجتمع الشحّ و الإيمان في قلب عبد أبدا٤ .

و في ( الجهشياري ) : كان محمد بن يحيى البرمكي قبيح البخل ، فدخل يوما أبو الحارث جمير و كان يألفه على أبيه فقال له أبوه : صف لي مائدة محمد فقال هي فتر في فتر و صحافه منقورة من حب الخشخاش و بين نديمه و بين الرغيف نقدة جوزة قال : فمن يحضره ؟ قال : الكرام الكاتبون قال : فمن يأكل معه ؟ قال : الذباب فقال : سوءة له أنت خاص به و ثوبك مخرق قال : و اللّه ما أقدر على إبرة منه أخيطه بها ، و لو ملك محمد بيتا من بغداد إلى النوبة مملوا إبرا ثم جاءه جبرئيل و ميكائيل و معهما يعقوب النبي يضمنان له عنه إبره و يسألانه إعارته إيّاها ليخيط بها قميص يوسف الذي قدّ من دبر ما فعل٥ و قال الشاعر :

____________________

( ١ ) الطبعة المصرية المصححة بلفظ « البخل » : ٧٤٧ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٣١٦ .

( ٣ ) الكافي ٤ : ٤٤ ح ٢٢ ، و كذا الفقيه ٢ : ٦٣ ح ١٧١٧ .

( ٤ ) بحار الأنوار للمجلسي ٧٣ : ٣٠٢ ح ١٠ .

( ٥ ) الجهشياري : ٢٤٢ .

٣١٣

خير من البخل للفتى عدمه

و من بنين أعقة عقمه

و روى الخطيب١ عن أبي العيناء قال : قال الفضل بن سهل رأيت جملة البخل سوء الظنّ باللّه تعالى ، و جملة السخاء حسن الظنّ باللّه تعالى قال عز و جل :الشيطان يعدكم الفقر . . ٢ و قال عز و جل :. . و ما أنفقتم من شي‏ء فهو يخلفه . . ٣ .

« و هو زمام يقاد به إلى كلّ سوء » عنهعليه‌السلام لرجل سمعه يقول : « الشحيح أعذر من الظالم » : كذبت ، إنّ الظالم يتوب و يستغفر اللّه و يردّ الظلامة على أهلها ،

و الشحيح إذا شحّ منع الزكاة و الصدقة و صلة الرحم و إقراء الضيف و النفقة في سبيل اللّه و أبواب البرّ ، و حرام على الجنّة أن يدخلها شحيح٤ .

٧ الحكمة ( ٤٥٤ ) و قالعليه‌السلام :

مَا لاِبْنِ آدَمَ وَ اَلْفَخْرُ أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ وَ آخِرُهُ جِيفَةٌ وَ لاَ يَرْزُقُ نَفْسَهُ وَ لاَ يَدْفَعُ حَتْفَهُ أقول : لما سمع الصاحب بن عبادة قول المتنبي :

أيّ محل أرتقي

أي عظيم أتّقي

و كلّ ما خلق اللّه

و ما لم يخلق

محتقر في همّتي

كشعرة في مفرقي٥

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ١٢ : ٣٤٢ ٣٤٣ .

( ٢ ) البقرة : ٢٦٨ .

( ٣ ) سبأ : ٣٩ .

( ٤ ) الكافي ٤ : ٤٤ الرواية ١ .

( ٥ ) المتنبي : ١٧٤ .

٣١٤

قال : قبيح بمن أوّله نطفة مذرة ، و آخره جيفة قذرة ، و هو فيما بينهما حامل بول و عذرة أن يقول مثل هذا الكلام الذي لا تسعه معذرة .

« ما لابن آدم و الفخر » في ( نسب قريش مصعب الزبيري ) : كان علي بن يزيد بن ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب أشدّ الناس فخرا ، و يضرب به المثل للشي‏ء إذا كان ثقيلا فيقال « أثقل من فخر ابن ركانة »١ .

و ممن أفرط في الفخر قابوس بن و شمكير فقال في وصف نفسه كما في ( ديوان معاني العسكري ) ملك عنان الدهر فهو طوع قياده و تبع مراده ،

ينتظر أمره ليمتثل و يرقب نهيه ليعتزل ، تضاءلت الأرض تحت قدمه فصارت له في الانقياد كبعض خدمه ، إذا رأت منه هشاشة أعشبت ، و إن أحسّت منه بجفوة أجدبت ، خيله الغرمات و الأوهام ، و أنصاره الليالي و الأيام ، من هرب منه أدركه بمكائدها ، و من طلبه وجده في مراصدها ، تعرض رفاهية العيش بإعراضه ، و تنقبض الأرزاق بانقباضه ، أضاء نجم الإقبال إذا أقبل ، و أهّل هلال المجد إذا تهلل ، تحقر في عينه الدّنيا ، و ترى تحته السماء العليا ، قد ركب عنق الفلك و استوى على ذات الحبك ، تبرّجت له البروج و تكوكبت لعبادته الكواكب ،

و استجارت بعزّته المجرة ، و آثرت لمحاسنه أوضاع الثريا ، لو شاء عقد الهواء و جسم الهباء ، و فصل تراكيب الأشياء ، و ألف بين النار و الماء ، و أخمد ضياء الشمس و القمر ، و كفاهما عناء السير و السفر ، و سد مناخر الرياح الزعازع ،

و أطبق أجفان البروق اللوامع و قطع ألسنة الرعود بسيف الوعيد ، و نظم صوب الغمام نظم الفريد ، و قضى ما يراه على القضاء النازل ، و رفع عن الأرض سطوة الزلازل ، و عرض الشيطان بمعرض الإنسان ، و كحل العيون بصور الغيلان ، و أنبت العشب على البحار ، و ألبس الليل ضوء النهار ،

____________________

( ١ ) نسب قريش لمصعب الزبيري : ٩٦ .

٣١٥

و مهاجرة من هذه قدرته ضلال ، و منابذة من هذه سورته خبال ، و من له هذه المعجزات يشترى رضاه بالنفس و الحياة ، و من يأتي بهذه الآيات يبتغى هواه بالصوم و الصلاة ، و من لم يتعلّق بحبل منه كان بهيما لاشية به ، و من لم يأو منه إلى ظلّ ظليل ظل صريعا لا عصمة له ، لو علمت أنّ الأرض ، لا تسف تراب قدمي لما وضعت عليها جانبا ، و أنّ السماء لا تتوق إلى تقبيل هامتي لما رفعت إليها طرفا١ الخ .

قبّحه اللّه قبّحه ما أسفهه ، ما أسفهه ، و لنعم ما قال الصاحب فيه ، لقب نفسه شمس المعالي و كان كسوفها .

و في ( المعجم ) لم يكن قابوس يعرف حدّا في التأديب غير ضرب الأعناق ، فتبرّم به عسكره و كان خرج إلى قصر بناه و سمّاه شه آباد فتعاهدوا أن يتسلقوا عليه و يغتالوه ، و قد واطأهم على الأمر جميع من كان معه في الحصن ، فتعذّر عليهم الصعود إليه ، فنعوه إلى الناس ، فانتهت اصطبلاته و سيقت دوابّه و بغاله ، و قلّدوا ابنه الأمر ، فخرج قابوس إلى بسطام مع خزائنه فحصره ابنه و امتنع هو عليه ، ثم أمكن من نفسه عند الضرورة فقبض عليه و حمل إلى بعض القلاع و ذكر أنّه اغتيل .٢ .

و ممّن فخر عضد الدولة فقال في نفسه :

عضد الدولة و ابن ركنها

ملك الأملاك غلاّب القدر

و في ( اليتيمة )٣ :يحكى أنّ عضد الدولة لما احتضر لم ينطق لسانه إلاّ بتلاوة ما أغنى عنّي ماليه هلك عنّي سلطانيه ٤ .

____________________

( ١ ) ديوان معاني العسكري ١ : ٨٦ ٨٧ .

( ٢ ) المعجم ١٦ : ٢٣٢ .

( ٣ ) اليتيمة ٢ : ٢٥٩ .

( ٤ ) الحاقّة : ٢٨ ٢٩ .

٣١٦

و من الفخورين جذيمه الأبرش ، كان مع برصه لا ينادم أحدا ذهابا بنفسه و كان يقول : أنا أعظم من أن أنادم إلاّ الفرقدين ، فكان يشرب كأسا و يصبّ لكلّ واحد من الفرقدين كأسا في الأرض ، فلما أتاه مالك و عقيل بابن اخته الذي استهوته الشياطين ، قال لهما : احتكما فقالا له : منادمتك فنادماه أربعين سنة يحادثانه فيها و ما أعادا عليه حديثا١ .

هذا ، و في ( ديوان المعاني ) : أفخر بيت قالته العرب قول جرير :

إذا غضبت عليك بنو تميم

حسبت الناس كلّهم غضابا٢

و قول الفرزدق :

ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا

و إن نحن أو مأنا إلى الناس و قّفوا٣

و في ( نسب قريش ابن بكار ) : جلس محمّد بن هشام المخزومي إذ كان على مكّة في الحجر ، فاختصم إليه عيسى بن عبد اللّه و عثمان بن أبي بكر الحميديان أي : من ولد حميد بن زهير بن الحارث بن أسد فقال محمّد : أنا ابن الوحيد لأقضين فيكما بقضاء يتحدّث به أهل القريتين قضاء مغيريا فقال عثمان : صه صه حبوا أتدري من الرجل معك ؟ أزهر لزهر المتسربل المجد معه إزاره و رداؤه و قال عيسى : نوّهت بما جد لما جد بكر لبكر ، و اللّه ما أنا بنافخ كير و لا ضارب زير لو ثقبت قدماي لانتثرت منهما بطحاء مكّة ، أنا بن زهير دفين الحجر فقال محمّد : قوموا كنتم و حشا في الجاهلية و ما استأنستم في الإسلام٤ .

« أوّله نطفة و آخره جيفة » في ( العيون ) : قال الأحنف : عجبت لمن جرى في

____________________

( ١ ) عيون الأخبار ١ : ٢٧٤ .

( ٢ ) ديوان المعاني : ٧٦ .

( ٣ ) ديوان الفرزدق : ٣٢ .

( ٤ ) نسب قريش : ٤٤٧ ٤٤٨ .

٣١٧

مجرى البول مرّتين كيف يتكبّر١ ، و قال شاعر :

يا مظهر الكبر إعجابا بصورته

انظر خلاءك إنّ النتن تثريب

لو فكّر الناس فيما في بطونهم

لما استشعر الكبر شبّان و لا شيب

هل في ابن آدم غير الرأس مكرمة

و هو لخمس من الأقذار مضروب

أنف يسيل و اذن ريحها سهك

و العين مرمصة و الثغر ملعوب

يابن التراب و مأكول التراب غدا

أقصر فإنّك مأكول و مشروب٢

« لا يرزق نفسه » و ما في ( المصرية ) : « و لا يرزق نفسه »٣ تحريف .

في ( العيون ) : قال المدائني : رأيت مولى باهلة يطوف بين الصفا و المروة على بغلة ثمّ رأيته بعد ذلك راجلا في سفر ، فقلت له : أراجل في هذا الموضع ؟ قال : نعم إنّي ركبت حيث يمشي الناس فكان حقّا على اللّه أن يرجلني حيث يركب الناس٤ .

« و لا يدفع حتفه » أي :موته الذين قالوا لإخوانهم و قعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين ٥ ،يقولون لو كان لنا من الأمر شي‏ء ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم . . ٦ .

و في الخبر : إذا جزع أحد من أهل الميت يقول له ملك الموت : فادرأ عن نفسك الموت إن كنت صادقا .

____________________

( ١ ) العيون ١ : ٢٧٢ .

( ٢ ) العيون ١ : ٢٧٣ .

( ٣ ) الطبعة المصرية المصححة « لا يرزق نفسه » : ٧٦١ .

( ٤ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٢٧٣ .

( ٥ ) آل عمران : ١٦٨ .

( ٦ ) آل عمران : ١٥٤ .

٣١٨

و قال ابن قتيبة : قال لي رجل : سمعت رجلا ينشد :

ألا رب ذي أجل قد حضر

طويل التمني قليل الفكر

إذا هزّ في المشي أعطافه

تبينت في منكبيه البطر١

فغدوت عليه لأكتب تمام القصيدة ، فوجدته قد مات .

٨ الحكمة ( ٤٦١ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْغِيبَةُ جُهْدُ اَلْعَاجِزِ قالوا : و شرّ عداوة المرء السباب .

و قالوا : الغيبة إدام كلاب النار٢ .

و قال ابن أبي الحديد : قيل للأحنف : من أشرف الناس ؟ قال : من إذا حضر هابوه و إذا غاب اغتابوه٣ .

٩ الخطبة ( ١٣٨ ) و من كلام لهعليه‌السلام في النهي عن غيبة الناس :

وَ إِنَّمَا يَنْبَغِي لِأَهْلِ اَلْعِصْمَةِ وَ اَلْمَصْنُوعِ إِلَيْهِمْ فِي اَلسَّلاَمَةِ أَنْ يَرْحَمُوا أَهْلَ اَلذُّنُوبِ وَ اَلْمَعْصِيَةِ وَ يَكُونَ اَلشُّكْرُ هُوَ اَلْغَالِبَ عَلَيْهِمْ وَ اَلْحَاجِزَ لَهُمْ عَنْهُمْ فَكَيْفَ بِالْعَائِبِ اَلَّذِي عَابَ أَخًا وَ عَيَّرَهُ أَ مَا ذَكَرَ مَوْضِعَ سَتْرِ اَللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ ذُنُوبِهِ مِمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ اَلذَّنْبِ اَلَّذِي عَابَهُ بِهِ وَ كَيْفَ يَذُمُّهُ

____________________

( ١ ) العيون ١ : ٢٧٣ .

( ٢ ) بحار الأنوار ٧٥ : ٢٤٨ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ١٧٩ .

٣١٩

بِذَنْبٍ قَدْ رَكِبَ مِثْلَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَكِبَ اَلذَّنْبَ بِعَيْنِهِ فَقَدْ عَصَى اَللَّهَ فِيمَا سِوَاهُ مِمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ وَ اَيْمُ اَللَّهِ لَئِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَاهُ فِي اَلْكَبِيرِ وَ عَصَاهُ فِي اَلصَّغِيرِ لَجُرْأَتُهُ عَلَى عَيْبِ اَلنَّاسِ أَكْبَرُ يَا عَبْدَ اَللَّهِ لاَ تَعْجَلْ فِي عَيْبِ أَحَدٍ بِذَنْبِهِ فَلَعَلَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ وَ لاَ تَأْمَنْ عَلَى نَفْسِكَ صَغِيرَ مَعْصِيَةٍ فَلَعَلَّكَ مُعَذَّبٌ عَلَيْهِ فَلْيَكْفُفْ مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ عَيْبَ غَيْرِهِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ عَيْبِ نَفْسِهِ وَ لْيَكُنِ اَلشُّكْرُ شَاغِلاً لَهُ عَلَى مُعَافَاتِهِ مِمَّا اُبْتُلِيَ بِهِ غَيْرُهُ أقول : قول المصنّف : « في النهي عن غيبة الناس » قال الجوهري : اغتابه اغتيابا إذا وقع فيه ، و الاسم الغيبة ، و هو ان يتكلّم خلف إنسان مستور بما يغمّه لو سمعه ، فإن كان صدقا فهو غيبة ، و إن كذبا سمّي بهتانا١ .

و في ( الكافي ) : عن أبي الحسنعليه‌السلام : من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه ممّا عرفه الناس لم يغتبه ، و من ذكره بما هو فيه مما لا يعرفه الناس اغتابه٢ .

و عن الصادقعليه‌السلام : الغيبة أن تقول في أخيك ممّا ستره اللّه عليه ، أما الأمر الظاهر مثل الحدّة و العجلة فلا٣ .

قولهعليه‌السلام : « و إنما ينبغي لأهل العصمة » أي : من عصمه اللّه بلطفه من معصيته .

« و المصنوع إليهم » أي : المنعم عليهم من اللّه تعالى في السلامة من الذنوب و العيوب .

« أن يرحموا أهل الذنوب و المعصية » حيث أعدّوا لأنفسهم العقوبة و لمثلهم يحق الترحّميا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلاّ

____________________

( ١ ) الصحاح للجوهري ١ : ١٩٦ ، مادة ( غيب ) .

( ٢ ) الكافي ٢ : ٣٥٨ ح ٦ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ٣٥٨ ح ٧ .

٣٢٠