بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 617

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 617
المشاهدات: 184884
تحميل: 6520


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 184884 / تحميل: 6520
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 13

مؤلف:
العربية

كانوا به يستهزئون ١ .

« و يكون الشكر هو الغالب عليهم » حيث عصمهم اللّه تعالى و لم يتيسر لهم أسباب المعصية مثل أولئك .الحمد للّه الذي هدانا لهذا و ما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا اللّه . . ٢ ،. . لو لا أن منّ اللّه علينا لخسف بنا . . ٣ .

« و الحاجز » أي : المانع .

« لهم عنهم : أي : عن أهل الذنوب بترك ذمّهم .

و مع ذلك فالغيبة من الكبائر ، و يكفي في ذمّها قوله تعالى :. . و لا يغتب بعضكم بعضا أيحبّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكر هتموه . . ٤ .

و قال ابن أبي الحديد : قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في خطبته في حجّة الوداع : أيّها الناس إنّ دماءكم و أموالكم و أعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا٥ .

و سمع علي بن الحسينعليهما‌السلام رجلا يغتاب آخر فقال : لكلّ شي‏ء إداما و إدام كلاب النار الغيبة٦ .

و في حديث ابن عباس : إنّ رجلين من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اغتابا بحضرته رجلا و النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يمشي و هما معه فمر على جيفة فقال لهما : انهشا منها فقالا : أو ننهش الجيفة فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله لهما : ما أصبتما من

____________________

( ١ ) يس : ٣٠ .

( ٢ ) الأعراف : ٤٣ .

( ٣ ) القصص : ٨٢ .

( ٤ ) الحجرات : ١٢ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٦٢ .

( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٦٢ ، و هو حديث طويل ذكره المجلسي في بحار الأنوار ٧٥ : ٢٤٦ ح ٨ .

٣٢١

أخيكما أنتن من هذه١ .

و في حديث البراء بن عازب : خطبنا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى أسمع العواتق في خدورهن : ألا لا تغتابوا المسلمين و لا تتبعوا عوراتهم ، فإنّه من اتبع عورة أخيه يتتبع اللّه عورته ، و من يتتبع اللّه عورته يفضحه في جوف بيته٢ .

و في حديث أنس : قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم صوم : إنّ فلانة و فلانة كانتا تأكلان اليوم شحم امرأة مسلمة يعني بالغيبة فلتقيئا فقاءت كلّ واحدة منهما علقة دم٣ .

و روى جابر و أبو سعيد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إيّاكم و الغيبة فإنّ الغيبة أشدّ من الزنا ، إنّ الرجل يزني فيتوب اللّه عليه ، و إنّ صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر صاحبه .٤ .

و روى ( الكافي ) عن نوف البكالي قال : أتيت أمير المؤمنينعليه‌السلام و هو في رحبة مسجد الكوفة فقلت له : عظني فقال : اجتنب الغيبة فإنّها إدام كلاب النار ، يا نوف كذب من زعم أنّه ولد من حلال و هو يأكل لحوم الناس بالغيبة٥ .

و عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الآكلة في جوفه٦ .

و عن الصادقعليه‌السلام : من قال في مؤمن ما رأته عيناه و سمعته أذناه فهو

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٦١ .

( ٢ ) الكافي ٢ : ٣٥٤ ح ٢ ، و ذكره ابن أبي الحديد ٩ : ٦٠ .

( ٣ ) الفقيه ٣ : ٨٥ ح ٣٣٨٤ ، ذكره ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٩ : ٦١ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٦١ ، و كذا بحار الأنوار ٧٥ : ٢٢٢ ح ١ .

( ٥ ) ذكره المجلسي في بحار الأنوار عن الأمالي ٧٥ : ٢٤٨ ح ١٣ باب ٦٦ .

( ٦ ) الكافي للكليني ٢ : ٣٥٦ ح ١ .

٣٢٢

من الذين قال تعالى إنّ الّذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم١ .

و قال ابن أبي الحديد : و روي أن أبا بكر و عمر ذكرا رجلا عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال أحدهما : إنّه لنؤوم ، ثم اخرج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله خبزا فقارا فطلبا منه أدما فقال :

قد ائتد متما قال : ما نعلمه ؟ قال : بلى أكلتما من لحم صاحبكما٢ .

قال ابن أبي الحديد : كان أحدهما قائلا و الآخر مستمعا ، و المستمع لا يخرج من إثم الغيبة إلاّ بأن ينكر٣ .

و بلغ الحسن أنّ رجلا اغتابه ، فأهدى إليه طبقا من رطب ، فجاء الرجل معتذرا و قال : اغتبتك و أهديت لي ؟ قال : إنّك أهديت إليّ حسناتك فأردت أن أكافئك٤ .

« فكيف بالعائب الذي عاب أخاه » يعني إذا كان العائب أخاه سالما مما عابه كان فعل قبيحا ، فكيف إذا كان مثله و في ( العيون ) : كان رجل من المتزمتين لا يزال يعيب النبيذ و شربه فإذا وجده سرّا شربه ، فقال فيه بعض جيرانه :

و عيابة للشرب لو أنّ امّه

تبول نبيذا لم يزل يستبيلها٥

« و عيره ببلواه » أي : بابتلائه .

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : من عيّر مؤمنا بذنب لم يمت حتى يركبه و عنهعليه‌السلام من لقي أخاه بما يؤنبه أنّبه اللّه تعالى في الدّنيا و الآخرة٦ .

____________________

( ١ ) بحار الأنوار ٧٥ : ٢٤٠ ح ٢ ، و الآية ١٩ من سورة النور .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٦٨ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٦٩ .

( ٤ ) بحار الأنوار ٧٥ : ٢٤٣ الرواية ( ٤ ) الباب ٦٦ .

( ٥ ) العيون ٢ : ١٩ .

( ٦ ) الكافي ٢ : ٣٥٦ ح ٣ .

٣٢٣

« اما ذكر موضع ستر اللّه عليه من ذنوبه ممّا » هكذا في ( المصرية )١ و الصواب « ما » كما في ( ابن أبي الحديد٢ و ابن ميثم و الخطية ) .

« هو أعظم من الذنب الّذي عابه به » في الخبر لو لا منّ اللّه تعالى على عباده بالستر عليهم لما دفن الناس كثيرا منهم لشنائع أعمالهم .

و في ( الكافي ) في خبر في إقرار امرأة بالزنا عند أمير المؤمنينعليه‌السلام و أمره بجمع الناس لحدّها : « أيّها النّاس إنّ إمامكم خارج بهذه المرأة إلى هذا الظهر ليقيم عليها الحد ، فعزم عليكم لما خرجتم و أنتم متنكرون و معكم أحجاركم لا يتعرّف أحد منكم إلى أحد حتى تنصرفوا إلى منازلكم » فلما أصبح أمير المؤمنينعليه‌السلام بكرة خرج بالمرأة و خرج الناس متنكرين متلثمين بعمائمهم و بأرديتهم و الحجارة في أيديهم و في أكمامهم ، حتى انتهى بها و الناس معه إلى الظهر بالكوفة ، فأمر لها أن يحفر حفيرة ثم دفنها فيها ثم ركب بغلته و أثبت رجليه في غزر الركاب ثم وضع إصبعيه السبابتين في اذنيه ثم نادى بأعلى صوته : أيّها الناس إنّ اللّه عز و جل عهد إلى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه لا يقيم الحدّ من له عليه حد ، فمن كان له عليه مثل ما له عليها فلا يقيم الحد .

فانصرف الناس يومئذ كلّهم ما خلا أمير المؤمنين و الحسن و الحسينعليهم‌السلام .٣ .

« فإن لم يكن ركب الذنب بعينه فقد عصى اللّه في ما سواه مما هو أعظم منه » في ( الكافي ) عن أبي جعفرعليه‌السلام : كفى بالمرء عيبا أن يتعرّف من عيوب الناس ما يعمى عليه من أمر نفسه ، أو يعيب على الناس أمرا هو فيه لا يستطيع

____________________

( ١ ) الطبعة المصرية المصححة : ٣١٠ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٥٩ ، النسخة الخطية ورد النص بلفظ « أما » بخلاف ما ذكره العلامة لأن اعتماد العلامة على شرح ابن ميثم على اعتبار أنّه بخط المصنّف .

( ٣ ) الكافي ٧ : ١٨٥ ح ١ .

٣٢٤

التحوّل عنه إلى غيره ، أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه١ .

و قال الشاعر :

اسكت و لا تنطق فإنّك خياب

كلك ذو عيب و أنت عياب

و قال أيضا :

كل عياب له منظرَّ

مشتمل الثوب على العيب

و في ( كامل المبرّد ) : كان أبو الهندي غلب عليه الشراب على كرم منصبه ، فجلس إليه رجل يعرف ببرزين المناقير و كان أبوه صلب في خرابة و الخرابة عندهم سرق الإبل خاصة فأقبل يعرض لأبي الهندي بالشراب ،

فلما أكثر عليه قال أبو الهندي : أحدهم يرى القذى في عين أخيه و لا يرى الجذع في است أبيه٢ .

« و ايم اللّه لئن لم يكن عصاه في الكبير و عصاه في الصغير لجرأته على عيب الناس أكبر » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه و هدم مروته ليسقطه من أعين الناس أخرجه اللّه تعالى من ولايته إلى ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان٣ .

« يا عبد اللّه لا تعجل على عيب أحد فلعلّه مغفور له ، و لا تأمن على صغير معصيتك فلعلّك معذّب عليه » في الخبر : أنّ اللّه تعالى يحبّ العبد أن يطلب إليه في الجرم العظيم ، و يبغض العبد أن يستخف بالجرم الصغير ، فلعلّ الأول استغفر من كبير ذنبه و لا ذنب مع الاستغفار ، و هو أصرّ على صغير ذنبه و لا صغيرة مع الإصرار ، و مما لا يغفر ذنب تستصغره٤ .

____________________

( ١ ) الكافي ٢ : ٤٦٠ ح ٣ .

( ٢ ) الكامل للمبرّد ٢ : ٧٥٤ .

( ٣ ) الكافي ٢ : ٣٥٨ ح ١ .

( ٤ ) الكافي ٢ : ٤٢٧ ح ٦ .

٣٢٥

« فليكفف من علم منكم عيب غيره لما يعلم من عيب نفسه ، و ليكن شاغلا له على معافاته مما ابتلي به غيره » في الخبر : التقى حكيمان فقال أحدهما للآخر :

إنّي لأحبك في اللّه فقال له الآخر : لو علمت مني ما أعلمه من نفسي لأبغضتني في اللّه ، فقال له صاحبه : لو علمت منك ما تعلم من نفسك لكان لي في ما أعلمه من نفسي شغل١ .

و في ( الكافي ) : خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال : أيّها الناس إنّ الذّنوب ثلاثة ذنب مغفور و ذنب غير مغفور و ذنب يرجى لصاحبه و يخاف عليه : أمّا الذنب المغفور فعبد عاقبه اللّه تعالى على ذنبه في الدّنيا و اللّه تعالى أكرم من أن يعاقب عبده مرتين ، و أمّا الذنب الذي لا يغفره اللّه فظلم العباد بعضهم لبعض .

إنّ اللّه تعالى إذا برز للخليقة أقسم قسما على نفسه فقال : و عزّتي و جلالي لا يجوز في ظلم ظالم و لو كفا بكف و لو مسحة بكفّ لو نطحة ما بين القرناء و الجماء فيقتص للعباد بعضهم من بعض حتى لا يبقى لأحد على أحد مظلمة ثم يبعثهم اللّه للحساب ، و أمّا الذنب الثالث فذنب ستره اللّه تعالى على خلقه و رزقه التوبة منه فأصبح خائفا من ذنبه راجيا لربّه٢ .

١٠ الحكمة ( ٢١٢ ) و قالعليه‌السلام :

عُجْبُ اَلْمَرْءِ بِنَفْسِهِ أَحَدُ حُسَّادِ عَقْلِهِ أقول : روى ميمون بن علي عن الصادقعليه‌السلام قال : قال أمير

____________________

( ١ ) لم نعثر عليه .

( ٢ ) الكافي ٢ : ٤٤٣ ح ١ .

٣٢٦

المؤمنينعليه‌السلام : إعجاب المرء بنفسه دليل على ضعف عقله١ .

في ( المروج ) : قال العروضي مؤدب الراضي : قيل لقتيبة بن مسلم و كان على خراسان من قبل الحجاج و كان محاربا للترك لو وجهت فلانا أحد أصحابه إلى الحرب ؟ فقال : إنّه رجل عظيم الكبر ، و من عظم كبره اشتدّ عجبه و لم يشاور أحدا و كان من الخذلان قريبا ، و ما تكبّر أحد على صاحب حرب إلاّ كان منكوبا لا و اللّه حتى يكون أسمع من فرس و أبصر من عقاب و أهدى من قطاة و أحذر من عقعق و أشدّ إقداما من أسد و أوثب من فهد و أحقد من جمل و أروغ من ثعلب و أسخى من ديك و أشحّ من ظبي و أحرس من كركي و أحفظ من كلب و أصبر من ضب و أجمع من النمل ، و إنّ النفس إنّما تسمح بالعناية على قدر الحاجة و تتحفّظ على قدر الخوف و تطمع على قدر السبب ،

و قد قيل على وجه الدهر ليس لمعجب رأي و لا لمتكبّر صديق٢ .

أيضا : تنازع أهل السير في كيفية قتل عبد الملك عمرو بن سعيد الأشدق : فمنهم من رأى أنّ عبد الملك قال لحاجبه أتستطيع إذا دخل عمرو أن تغلق الباب ؟ قال : نعم قال : فافعل و كان عمرو رجلا عظيم الكبر لا يرى لأحد عليه فضلا و لا يلتفت و هو يظن أنّ أصحابه قد دخلوا معه كما كانوا يدخلون ،

فعاتبه عبد الملك طويلا و قد كان وصّى صاحب حرسه أبا الزعزعة بأن يضرب عنقه فكلّمه عبد الملك و أغلظ له القول فقال : يا عبد الملك أتستطيل عليّ كأنّك ترى عليّ فضلا ، إن شئت نقضت العهد بيني و بينك ثم نصبت لك الحرب فقال عبد الملك : قد شئت ذلك فقال : و أنا قد فعلت فقال عبد الملك : يا أبا الزعزعة شأنك به فالتفت عمرو إلى أصحابه فلم يرهم في الدار ، فدنا من عبد

____________________

( ١ ) الكافي ١ : ٢٧ الرواية ٣١ .

( ٢ ) المروج ٤ : ٢٣٧ .

٣٢٧

الملك فقال : ما يدنيك ؟ قال : ليمسّني رحمك فضربه أبو الزعزعة فقتله .

و قيل إنّ عمرا لما خرج من منزله يريد عبد الملك عثر بالبساط ، فقالت له امرأته : أنشدك اللّه ألا تأتيه فقال : دعيني عنك فو اللّه لو كنت نائما ما أيقظني .

و قالوا : كانت نخوة عمارة بن حمزة في الغاية ، فأراد المنصور أن يعبث به ، فخرج يوما من عنده فأمر بعض الخدم أن يقطع حمائل سيفه لينظر أيأخذه أم يتركه ، ففعل ذلك فسقط السيف فمضى عمارة لوجهه و لم يلتفت .

و كان إذا أخطأ تكبّر عن الرجوع و يقول : نقض و إبرام في ساعة واحدة ؟ الخطأ أهون عليّ من هذا١ .

١١ الحكمة ( ١٦٧ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْإِعْجَابُ يَمْنَعُ مِنَ اَلاِزْدِيَادِ و ما في ( المصرية )٢ : « يمنع الازدياد » تحريف .

في ( المروج ) : ذكر ابن رآب عن عيسى بن علي قال : ما زال المنصور يشاورنا في جميع اموره حتى امتدحه ابن هرمة بقوله :

إذا ما أراد الدهر ناجي ضميره

فناجى ضميرا غير مختلف العقل

و لم يشرك الاذنين في سر أمره

إذا انتقضت بالإصبعين قوى الحبل٣

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٤ : ٢٣٧ .

( ٢ ) النسخة المصرية المصححة كما جاء عند المصنف : ٦٩٨ .

( ٣ ) المروج ٣ : ٢٨٩ .

٣٢٨

١٢ الحكمة ( ٢٢٥ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْعَجَبُ لِغَفْلَةِ اَلْحُسَّادِ عَنْ سَلاَمَةِ اَلْأَجْسَادِ قالوا : تذكر قوم من ظرفاء البصرة الحسد ، فقال رجل منهم : إنّ الناس ربما حسدوا على الصلب فأنكروا عليه ذلك ثم جاءهم بعد أيام فقال : إنّ الخليفة أمر بصلب الأحنف و مالك بن مسمع و حمدان الحجام فقالوا : هذا الخبيث يعنون حمدان يصلّب مع هذين الرئيسين يعنون الأحنف و مالك فقال : ألم أقل لكم إنّ الناس يحسدون على الصلب١ .

و حكي أنّ امرأة قالت لزوجها و كان أصلع لست أحسد إلاّ شعرك حيث فارقك و استراح منك .

و في ( تاريخ بغداد ) : عن الأصمعي قال : مررت بأعرابية تمدح غزلها و هي تقول :

رأيتك بعد اللّه تجبر فاقتي

إذا ما جفاني الأقربون تعود

دراهم بيض لا تزال ترى لنا

و ثوب إذا ما شئت مثل حديد

فلو كنت عبدا يستغل حسدنني

و أنت على كسب العبيد تزيد٢

و في ( كنايات الجرجاني ) : حكى بعضهم أنّه قال للمأمون : أنت أحسد الناس فغضب من ذلك فقال له : تحسد على المكارم فلا تدع لأحد مكرمة إلاّ سبقت إليها فأعجبه ذلك و وصله٣ .

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣١٧ .

( ٢ ) تاريخ بغداد ٦ : ١٧٩ ، و الشعر لأبي بكر الحسن العلاف .

( ٣ ) كنايات الجرجاني : ٧٠ .

٣٢٩

و في ( الطبري ) : انصرف أبو أحمد أبو المعتضد من الجبل إلى العراق في سنة ( ٢٧٨ ) و قد اشتد به وجع النقرس حتى لم يقدر على الركوب ، فاتخذ له سرير عليه قبة ، فكان يقعد عليه و معه خادم يبرّد رجله بالأشياء الباردة حتى بلغ من أمره أنّه كان يضع عليها الثلج ، ثم صارت علّة رجله داء الفيل و كان يحمل سريره أربعون حمّالا يتناوب عليه عشرون عشرون ، و ربما اشتد به أحيانا فيأمرهم أن يضعوه ، فذكر أنّه قال يوما للذين يحملونه : قد ضجرتم بحملي و ددت أنّي أكون كواحد منكم أحمل على رأسي و آكل و أنا في عافية ،

و قال : أطبق دفتري على مائة ألف مرتزق ما أصبح فيهم أسوأ حالا مني١ .

هذا ، و مما يناسب المقام من الأدب قول بعضهم : فلان جسد كلّه حسد ،

و عقد كلّه حقد و قالوا : كلّ نعمة محسود عليها إلاّ التواضع .

هذا ، واضح أنّ مرادهعليه‌السلام من قوله : « العجب لغفلة الحسّاد عن سلامة الأجساد » أن الناس يحسدون غيرهم على رؤية مال أو جاه عندهم و هما من نعم اللّه تعالى ، و سلامة الأجساد لو لم تكن فوق المال و الجاه فليست بدونهما ،

فكيف غفلوا عن حسدهم عليها ؟

و لم يفهم ابن أبي الحديد مرادهعليه‌السلام فخبط فقال : إنّما لم يحسد الحاسد على صحّة الجسد لأنّه صحيح الجسد فقد شارك في الصحّة و ما شارك الإنسان غيره لا يحسده عليه٢ .

فترى شرحه بما يكون ردّا عليهعليه‌السلام مع أنّه أتى بتعليل عليل ، فالحاسد يحسد غيره على المال و الجاه و إن كان هو ذا مال و جاه .

و قال ابن أبي الحديد أيضا : و يجوز أن يريد تعجّبهعليه‌السلام من غفلة

____________________

( ١ ) تاريخ الطبري ٨ : ١٥٦ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٤٩ .

٣٣٠

الحسّاد على أنّ الحسد مقتضى سقمهم١ .

و هو أيضا خبط ، فإنّ ما قاله إنّما هو معنى قولهعليه‌السلام الآخر « صحة الجسد من قلّة الحسد » الآتي ، لا هذا القول .

١٣ الحكمة ( ٢٥٦ ) و قالعليه‌السلام :

صِحَّةُ اَلْجَسَدِ مِنْ قِلَّةِ اَلْحَسَدِ في ( العيون ) : قال الشعبي : الحسود منغص بما في يد غيره .

و قال بزرجمهر : ما رأينا أشبه بالمظلوم من الحاسد .

و قال الأحنف : لا راحة لحسود٢ .

و كان يقال : ستة لا يخلون من الكآبة : طالب مرتبة لا يبلغها قدره ،

و مخالط الادباء بغير أدب ، و رجل افتقر بعد غنى ، و غني يخاف على ماله التوى ، و حقود و حسود٣ .

و قال الأصمعي : رأيت أعرابيا قد أتت له مائة و عشرون سنة ، فقلت له :

ما أطول عمرك ؟ فقال : تركت الحسد فبقيت٤ .

و قال زيد بن الحكم الثقفي :

تملأت من غيظ علي فلم يزل

بك الغيظ حتى كدت بالغيظ تنشوي

و ما برحت نفس حسود غشيتها

تذيبك حتى قيل هل أنت مكتوي

و قال النطاسيون إنّك مشعر

سلالا لا بل أنت من حسد دوي

____________________

( ١ ) المصدر نفسه .

( ٢ ) عيون الأخبار ٢ : ١٠ .

( ٣ ) ( ٥ ) عيون الأخبار ٢ : ١١ ، شرح نهج البلاغة ١ : ٣١٧ .

( ٤ ) المصدر نفسه .

٣٣١

بدا منك غش طالما قد كتمته

كما كتمت داء ابنها أم مدوي

جمعت و فحشا غيبة و نميمة

خلالا ثلاثا لست عنها بمرعوي

و قوله « و فحشاء » من تقدم المعطوف ضرورة ، و الأصل جمعت غيبة و فحشاء و نميمة١ .

و روى أبو الفرج أنّه أنشد لبشّار قول حمّاد عجرد :

أخي كفّ عن لومي فإنّك لا تدري

بما فعل الحبّ المبرح في صدري

الأدبيات فطرب ثم قال : ويلكم لمن هذه الأبيات أحسن و اللّه قالوا : حماد عجرد قال : أوه و اللّه و كلتموني بقية يومي بهمّ طويل ، و اللّه لا أطعم بقية يومي طعاما و لا أصوم غمّا بما يقول النبطي ابن الزانية مثل هذا٢ .

١٤ الحكمة ( ٤٦ ) و قالعليه‌السلام :

سَيِّئَةٌ تَسُوءُكَ خَيْرٌ مِنْ حَسَنَةٍ تُعْجِبُكَ أقول : في خبر : صام رجل أربعين سنة ثم دعا اللّه تعالى في حاجة فلم يستجب له ، فرجع إلى نفسه فقال : منك أتيت فكان اعترافه أفضل من صومه .

و قيل لرابعة الفيسية : هل عملت عملا قط ترين أنّه يقبل منك ؟ قالت : إن كان شي‏ء فخوفي من أن يردّ عليّ٣ .

و في ( الكافي ) عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : بينا موسىعليه‌السلام جالس إذ أقبل إبليس و عليه برنس ذو ألوان ، فلما دنا منه خلع البرنس و سلّم عليه ، فقال له موسى :

____________________

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ١١ .

( ٢ ) الأغاني ١٤ : ٣٦٢ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٩٥ .

٣٣٢

و من أنت ؟ قال : أنا ابليس قال : لا قرّب اللّه دارك قال : إنّي جئت لأسلّم عليك لمكانك من اللّه تعالى فقال له موسىعليه‌السلام : فما هذا البرنس ؟ قال : به اختطف قلوب بني آدم فقال له : ما الذنب الذي إذا فعله ابن آدم استحوذت عليه ؟ فقال :

إذا أعجبته نفسه استكثر عمله و صغر في عينه ذنبه١ .

و عن الصادقعليه‌السلام : إنّ اللّه تعالى علم أنّ الذنب خير للمؤمن من العجب ،

و لو لا ذلك ما ابتلى مؤمنا بذنب٢ .

و عنهعليه‌السلام : إنّ الرجل ليذنب الذنب فيندم عليه و يعمل العمل فيسّره ذلك فيتراخ عن حاله تلك ، فلأن يكون على حاله تلك خير له ممّا دخل فيه٣ .

و عنهعليه‌السلام : أتى عالم عابدا فقال له : كيف صلاتك ؟ فقال : مثلي يسأل عن صلاته و أنا أعبد اللّه منذ كذا و كذا قال : فكيف بكاؤك ؟ قال : أبكي حتى تجري دموعي قال : فإنّ ضحكك و أنت خائف أفضل من بكائك و أنت مدلّ إنّ المدلّ لا يصعد من عمله شي‏ء٤ .

و عنهعليه‌السلام دخل رجلان المسجد أحدهما عابد و الآخر فاسق ، فخرجا من المسجد و الفاسق صدّيق و العابد فاسق ، و ذلك أنّ العابد دخل المسجد مدلاّ بعبادته فكرته في ذلك ، و الفاسق دخل و فكرته في التندّم على فسقه و كان يستغفر اللّه تعالى من ذنوبه٥ .

و عنهعليه‌السلام : قال تعالى لداود : بشّر المذنبين و أنذر الصدّيقين قال : كيف ذلك يا ربّ ؟ قال تعالى : بشّر المذنبين أنّي أقبل التوبة و أعفو عن المذنب ، و أنذر الصدّيقين ألاّ يعجبوا بأعمالهم فليس عبد أنصبه للحساب إلاّ هلك٦ .

____________________

( ١ ) الكافي ٢ : ٣١٤ ح ٨ .

( ٢ ) الكافي ٢ : ٣١٣ .

( ٣ ) الكافي ٢ : ٣١٣ .

( ٤ ) الكافي ٢ : ٣١٣ .

( ٥ ) الكافي ٣ : ٣١٤ ح ٦ .

( ٦ ) الكافي ٣ : ٣١٤ الرواية ( ٢ ) .

٣٣٣

و في ( الحلية ) عن وهيب بن الورد : بلغنا أنّ عيسىعليه‌السلام مرّ هو و رجل من حواريه بلصّ في قلعة له ، فلما رآهما اللص قال لنفسه : هذا روح اللّه و كلمته و هذا حواريه و من أنت يا شقي ؟ لصّ قطعت الطريق و أخذت الأموال و سفكت الدماء ثم هبط إليهما نادما على ما كان منه ، فلما لحقهما قال لنفسه : تريد أن تمشي معهما لست بذلك بأهل امش خلفهما كما يمشي المذنب مثلك فالتفت إليه الحواري فعرفه فقال في نفسه : انظر إلى هذا الخبيث و مشيه و راءنا فاطّلع اللّه على ما في قلوبهما من ندامة اللّص و من ازدراء الحواري إيّاه و تفضيله نفسه ، فأوحى اللّه تعالى إلى عيسى أن مر الحواري و اللص أن يستأنفا العمل ،

أمّا اللص فقد غفرت له ما مضى لندامته و توبته ، و أمّا الحواري فقد حبط عمله لعجبه بنفسه و ازدرائه هذا التائب١ .

و فيه : عن محمد بن النضر : بلغني أنّ عابدا يعبد ثلاثين سنة و يعبد آخر عشرين ، فأظلّت صاحب الثلاثين غمامة و استظلّ صاحب العشرين في ظلّه ،

فقال له صاحب الثلاثين : لو لا أنا ما أظلتك قال : فانحازت إلى صاحب العشرين و بقي صاحب الثلاثين لا غمامة له٢ .

و عنه : انّ عابدا من بني اسرائيل عبد اللّه ثمانين سنة ، فكان له مصلّى لا يجترئ أحد منهم أن يقوم مقامه إعظاما له ، فقدم رجل غريب فنظر إلى موضع خال فقام يصليّ فيه إذ جاء العابد فقام إلى جنبه فغمزه بمنكبه ينحيه عن موضعه ، فأوحى تعالى إلى نبيّه أن مر فلانا يستأنف العمل أي : لعجبه .

و فيه : قال أبو تراب النخشبي : قال حاتم الأصم : العجب أشدّ من الرياء عليك ، و مثلهما أن يكون كلبك في البيت كلب عقور و كلب آخر خارج البيت

____________________

( ١ ) الحلية ٨ : ١٤٧ .

( ٢ ) الحلية ٨ : ٢٢٣ .

٣٣٤

فأيّهما أشدّ عليك الداخل معك أو الخارج ؟ قال : العجب داخل فيك و الرياء يدخل عليك١ .

و عن ( تنبيه خواطر ورام ) : روى أنّ عابدا من بني اسرائيل كان يأوي إلى جبل ، فقيل في النوم : ائت فلان الإسكاف فاسأله أن يدعو لك فأتاه فسأله عن عمله فأخبره أنّه يصوم النهار و يكتسب فيتصدّق ببعضه و يطعم عياله بعضه فرجع و قال : إنّ هذا لحسن و لكن ليس كالتفرّغ في العبادة فأتي في النوم ثانيا أن يأتيه فأتاه فسأله عن عمله فقال الإسكاف : ما رأيت أحدا من الناس إلاّ وقع في نفسي أنّه سينجو و أهلك أنا فقال العابد : هذه العبادة٢ .

١٥ الحكمة ( ٦٠ ) و قالعليه‌السلام :

اَللِّسَانُ سَبُعٌ إِنْ خُلِّيَ عَنْهُ عَقَرَ أي : جرح في ( الحلية ) : قيل لقيس بن سكن : ألا تتكلّم ؟ قال : لساني سبع من السباع أخاف أن أدعه فيعقرني٣ .

و في ( الموشى ) عن ثعلب : كان بكر بن عبد اللّه المزني يقلّ الكلام ، فقيل له في ذلك فقال : لساني سبع إن تركته أكلني و أنشد :

لسان الفتى سبع عليه شذاية٤

فإلاّ يزع من غربه فهو آكله

و ما الغيّ إلاّ منطق متبرع

سواء عليه حق أمر و باطله٥

____________________

( ١ ) الحلية لأبي نعيم ٨ : ٧٦ ٧٧ .

( ٢ ) تنبيه الخواطر ، لورام ١ : ٢٠٩ .

( ٣ ) الحلية ١٠ : ١٤٠ .

( ٤ ) شذاية : أي حدة .

( ٥ ) الموشي : ٨ .

٣٣٥

و لبعضهم :

حتف امرى‏ء لسانه

في جدّه أو لعبه

بين اللها مقتله

ركب في مركبه

و رب ذي مزح أميتت

نفسه في سببه١

و لا مرى‏ء القيس :

إذا المرء لم يخزن عليه لسانه

فليس على شي‏ء سواه بخزان٢

و قيل : أجرح جوارح الإنسان لسانه أيضا : اللسان سبع صغير الجرم كبير الجرم٣ .

و في ( الأغاني ) : عن الزبير بن بكار عن عمّه و غيره أنّ سبب قتل بني امية أنّ السفاح أنشد قصيدة مدح بها ، فأقبل على بعضهم فقال : أين هذا مما مدحتم به ؟ فقال : هيهات لا يقول فيكم أحد و اللّه مثل قول ابن قيس الرقيات فينا :

ما نقموا من بني امية إلاّ

أنّهم يحلمون إن غضبوا

و إنّهم معدن الملوك و لا

تصلح إلاّ عليهم العرب

فقال : يا ماص كذا و كذا من أمّه أو أن الخلافة لفي نفسك بعد ، فأخذوا فقتلوا و دعا بالغداء حين قتلوا و أمر ببساط فبسط عليهم و جلس فوقه يأكل و هم يضطربون تحته ، فلما فرغ من الأكل قال : ما أعلمني أكلت أكلة قط أهنأ لنفسي و لا أطيب منها فلما فرغ قال : جروا بأرجلهم فألقوا في الطريق يلعنهم الناس أمواتا كما لعنوهم أحياء ، فرأيت الكلاب تجر بأرجلهم و عليهم

____________________

( ١ ) الموشى : ١٠ .

( ٢ ) امرى‏ء القيس : ١٧٣ .

( ٣ ) الطرائف : ٦٥ .

٣٣٦

سراويلات الوشى حتى انتنوا ، ثم حفرت لهم بئر فألقوا فيها .

أيضا : كان الحارث بن أبي ربيعة على البصرة أيام ابن الزبير ، فخاصم إليه رجل من بني تميم يقال له مرّة بن محكان رجلا فلما أراد إمضاء الحكم عليه أنشأ مرة يقول :

أحار تثبت في القضاء فإنّه

إذا ما إمام جار في الحكم أقصدا

و إنّك موقوف على الحكم فاحتفظ

و مهما تصبه اليوم تدرك به غدا

فإني مما أدرك الأمر بالأنا

و أقطع في رأس الأمير المهندا١

فلمّا ولّي مصعب دعاه فأنشده الأبيات فقال : أما و اللّه لأقطعن السيف في رأسك قبل أن تقطعه في رأسي ، و أمر به فحبس ثم دس إليه فقتله .

أيضا : كان عند المهدي رجل من بني مروان فأتى بعلج ، فأمر المرواني بضرب عنقه ، فأخذ السيف و قام فضربه فنبا السيف عنه ، فرمى به المرواني و قال : لو كان من سيوفنا ما نبا فسمع المهدي الكلام فغاظه حتى تغيّر لونه و بان فيه ، فقام يقطين فأخذ السيف و حسر عن ذراعيه ثم ضرب العلج فرمى برأسه ثم قال للمهدي : إنّ هذه سيوف الطاعة لا تعمل إلاّ في أيدي الأولياء و لا تعمل في أيدي أهل المعصية ثم قام أبو دلامة فقال للمهدي : قد حضرني بيتان أفأقو لهما ؟ قال : قل فأنشده :

أيّها ذا الامام سيفك ماض

و بكفّ الوليّ غير كهام

فإذا ما نبا بكفّ علمنا

أنّها كف مبغض للإمام

فسرى عن المهدي ، فقام عن مجلسه و أمر بقتل المرواني فقتل٢ .

أيضا : قال المدائني : قال المهدي يوما و بين يديه مروان بن أبي حفصة :

____________________

( ١ ) الأغاني ٢٢ : ٣٢٢ .

( ٢ ) الأغاني ١٠ : ٢٧٣ .

٣٣٧

أين ما تقوله فينا من قولك في أبي :

له لحظات عن حفا في سريره

اذا كرها فيها عقاب و نائل

فاعترضه آدم بن عمر بن عبد العزيز فقال : هيهات و اللّه أن يقول هذا ،

و لا ابن هرمة كما قال الأخطل فينا :

شمس العداوة حتى يستقاد لهم

و أعظم الناس أحلاما إذا قدروا١

فغضب المهدي حتى استشاط و قال : كذب و اللّه ابن النصرانية العاض بظر امّه و كذبت يا عاض بظر امك ، و اللّه لو لا أن يقال خفرت لعرفتك ، خذوا برجل ابن الفاعلة فاخرجوه و هو يجر .

أيضا : كان عبد اللّه بن موسى الهادي معربدا و كان قد أحفظ المأمون مما يعربد عليه إذا شرب معه فأمر بأن يحبس في منزله فلا يخرج ، و أقعد على بابه حرسا ثم تذمّم من ذلك فصرف الحرس عن بابه ثم نادمه فعربد عليه أيضا و كلّمه بكلام أحفظه ، فأمر المأمون خادما من خواصّ خدمه فسمّه٢ .

أيضا : قال عمارة بن بلال بن جرير : ما هاجيت شاعرا قط إلاّ كفيت مؤنته في سنة أو أقلّ من سنة إما بموت أو قتل و إما أفحمه حتى هاجني أبو الرديني العكلي فقال :

أتوعدني لتقتلني نمير

متى قتلت نمير من هجاها٣

فلقيته بنو نمير فقتلوه ، فقتلت به بنو عكل و هم يومئذ ثلاثمائة رجل أربعة آلاف رجل من بني نمير و قتلت لهم شاعرين رأس الكلب و شاعرا آخر .

____________________

( ١ ) ديوان الأخطل : ١٠٦ .

( ٢ ) الأغاني ١٠ : ١٩٧ .

( ٣ ) الأغاني ٢٤ : ٢٤٦ ، و هو عمّار بن عقيل بن بلال ، و اللفظ هو « أتوعدني ، بدلا من « أيو عدني » .

٣٣٨

و في ( عيون القتيبي ) اجتمع ملك فارس و ملك الهند و ملك الروم و ملك الصين فكلّهم قالوا كلمة واحدة : قال أحدهم إذا تكلّمت بالكلمة ملكتني و لم أملكها ، و قال الآخر : قد ندمت على ما قلت و لم أندم على ما لم أقل ، و قال آخر :

أنا على ردّ ما لم أقل أقدر مني على ردّ ما قلت ، و قال آخر : ما حاجتي إلى أن أتكلّم بكلمة إن وقعت عليّ ضرتني و إن لم تقع عليّ لم تنفعني١ .

قلت : ما قالوه غالبي حيث إنّ الكلام خطأه أكثر من صوابه .

أيضا : قال ابن إسحاق : النسناس خلق باليمن لأحدهم عين و يد و رجل يقفز بها و أهل اليمن يصطادونهم ، فخرج قوم في صيدهم فرأوا ثلاثة نفر منهم فأدركوا واحدا فعقروه و ذبحوه و توارى اثنان في الشجر ، فقال الذي ذبحه : إنّه لسمين ، فقال أحد الاثنين : انّه أكل ضروا فأخذوه و ذبحوه ، فقال الذي ذبحه : ما أنفع الصمت ؟ قال الثالث : فها أنا الصميت فأخذوه و ذبحوه٢ .

و في خطبة زياد لمّا وليّ البصرة من قبل معاوية و كان قبل و اليها من قبلهعليه‌السلام فليشتمل كلّ امرى‏ء منكم على ما في صدره و لا تكون لسانه شفرة تجري على أوداجه .

هذا و كلامهعليه‌السلام قريب من كلام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله « البلاء موكل بالمنطق »٣ .

فأخذه شاعر فقال :

احفظ لسانك أن تقول فتبتلي

إنّ البلاء موكل بالمنطق٤

و قال ابن هرمة :

و امسك بأطراف الكلام فإنّه

نجاتك ممّا خفت أمرا مجمجما

____________________

( ١ ) عيون الأخبار للقتيبي ٢ : ١٧٩ .

( ٢ ) عيون الأخبار ٢ : ١٧٦ .

( ٣ ) من لا يحضره الفقيه ٤ : ٣٧٩ ح ٥٧٩٧ الباب ٢ .

( ٤ ) المحاسن ٢ : ٦٣ .

٣٣٩

فلست على رجع الكلام بقادر

إذ القول عن زلاّته فارق الفما

و كائن ترى من وافر العرض صامتا

و آخر أردى نفسه إن تكلّما

و قال آخر :

يموت الفتى من عثرة بلسانه

و ليس يموت المرء من عثرة الرجل

فعثرته من فيه ترمي برأسه

و عثرته بالرجل تبرا على مهل١

هذا ، و قالوا : كان حسان بن ثابت يضرب بلسانه روثة أنفه من طوله و كان يقول : و اللّه لو وضعته على شعر لحلقه أو على صخرة لفلقه و الظاهر أنّه قاله استعارة ، أي : من حدّة شعره في هجاه .

و في ( المروج ) : كان الأمين في نهاية الشدّة و القوّة إلاّ انّه كان عاجز الرأي غير مفكّر في أمره ، و حكي أنّه اصطبح يوما و قد كان خرج أصحاب اللبابيد و الحراب على البغال و هم الذين كانوا يصطادون السباع إلى سبع كان بلغهم خبره بناحية كوثى و القصر ، فاحتالوا في السبع إلى أن أتوا به في قفص من خشب على جمل بختي فحط بباب القصر و ادخل فمثل في صحن القصر و الأمين مصطبح فقال : خلوا عنه و شيلوا باب القفص فقيل له : إنّه سبع هائل أسود و حش فقال : خلوا عنه فشالوا باب القفص فخرج سبع أسود له شعر عظيم مثل الثور فزأر و ضرب بذنبه الأرض فتهارب الناس و غلقت الأبواب في وجهه ، و بقي الأمين وحده جالسا موضعه غير مكترث بالأسد ،

فقصده الأسد حتى دنا منه فضرب الأمين بيده إلى مرفقة أرمنيه ، فامتنع منه بها و مد السبع يده إليه فجذبها الأمين و قبض على أصل اذنيه و غمزه ثم هزّه و دفع به إلى خلف فوقع السبع ميّتا على مؤخره ، و تبادر الناس الأمين فإذا أصابعه و مفاصل يديه قد زالت عن مواضعها ، فأتى بمجبّر فردّ عظام أصابعه

____________________

( ١ ) المحاسن و الأضداد للبيهقي ٢ : ٦١ .

٣٤٠