بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 617

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 617
المشاهدات: 184929
تحميل: 6520


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 184929 / تحميل: 6520
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 13

مؤلف:
العربية

١ الحكمة ( ١١ ) قالعليه‌السلام :

أَعْجَزُ اَلنَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اِكْتِسَابِ اَلْإِخْوَانِ وَ أَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ « أعجز الناس من عجز عن اكتساب الاخوان » نظيره ما في ( العلل ) ، قال الأصبغ : كان أمير المؤمنينعليه‌السلام إذا أراد أن يوبّخ الرجل يقول له : « و اللّه لأنت أعجز من تارك الغسل يوم الجمعة ، فإنّه لا يزال في همّ إلى الجمعة الاخرى »١ .

و كذا ما عنهعليه‌السلام : أسوأ الناس حالا من لم يثق بأحد لسوء ظنّه و لم يثق به أحد لسوء فعله٢ .

و في ( الظرائف و اللطائف ) :

____________________

( ١ ) العلل : ٢٨٥ ح ٢ .

( ٢ ) بحار الأنوار ٧٨ : ٩٣ ح ١٠٤ من حديث مفصل الباب ١٦ .

٤٠١

تكثّر من الاخوان ما استطعت انّهم

عماد اذا ما استنجدتهم و ظهير

و ما يكثر ألف خل و صاحب

و ان عدوا واحدا لكثير١

الصديق عمدة الصديق و عدّته ، و نصرته و عقدته ، و ربيعه و زهرته ،

و مشتريه و زهرته ، و لقاء الصديق روح الحياة ، و فراقه اسم الممات ، و الحاجة إلى الأخ المعين كالحاجة إلى الماء المعين٢ .

و قال ابن أبي الحديد قال الشاعر :

أخاك أخاك إنّ من لا أخا له

كساع إلى الهيجا بغير سلاح

و إنّ ابن عم المرء فاعلم جناحه

و هل ينهض البازي بغير جناح

لعمرك ما مال الفتى بذخيرة

و لكن اخوان الصفاء الذخائر٣

و كان أيوب السختياني اذا بلغه موت أخ له يقول : كأنّما سقط عضو منّي .

و قال جعفر بن محمدعليهما‌السلام : لكلّ شي‏ء حلية و حلية الرجل أودّاؤه٤ .

و في الخبر : لما قتل بمؤتة جعفر بكى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و قال : المرء كثير بأخيه٥ .

« و أعجز منه من ضيّع من ظفر به منهم » نظيره ما في ( تاريخ بغداد ) ان شعيب بن حرب أراد أن يتزوج بأمرأة فقال لها : اني سيّى‏ء الخلق .

قالت : و أسوأ خلقا منك من أحوجك إلى أن تكون سيّى‏ء الخلق فقال : أنت

____________________

( ١ ) الظرائف و اللطائف : ٧٥ .

( ٢ ) الظرائف و اللطائف : ٧٦ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١١٣ .

( ٤ ) الكافي ٢ : ٦١٥ ح ٩ .

( ٥ ) بحار الأنوار ٢١ : ٥٧ ح ٨ الباب ٢٤ .

٤٠٢

اذن امرأتي١ .

٢ الحكمة ( ٢٣٩ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ أَطَاعَ اَلتَّوَانِيَ ضَيَّعَ اَلْحُقُوقَ وَ مَنْ أَطَاعَ اَلْوَاشِيَ ضَيَّعَ اَلصَّدِيقَ « مَنْ أَطَاعَ اَلتَّوَانِيَ ضَيَّعَ اَلْحُقُوقَ » أبو المعافي :

ان التواني أنكح العجز بنته

و ساق إليها حين زوّجها مهرا

فراشا و طيئا ثم قال لها اتّكي

فقصر كما عندي لأن تلدا الفقرا٢

قيل لمّا قتل الصغد سعيد بن عثمان و كان عبد الرحمن بن ارطان بن سيحان معه في الدار فلم ينصره :

ان المؤاكل لم تصدق مودته

و فرعنه ابن ارطاة بن سيحانا

و قال البحتري في اسماعيل بن شهاب :

ازرى به من غدره بصديقه

و عقوقه لأخيه ما ازرى به

في كلّ يوم وقفة بفنائه

تخزي الشريف وردة عن بابه

اسمع لغضبان تثبت ساعة

فبداك قبل هجائه بعتابه

اللّه يسهر في مديحك ليله

متململا و تنام دون ثوابه

يقظان ينتخب الكلام كأنّه

جيش لديه يريد أن يلقى به

فأتى به كالسيف رقرق صيقل

ما بين قائم سنخه و ذبابه

و حجبته حتى توهّم انّه

هاج اتاك بشتمه و سبابه

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد ٩ : ٢٤٠ .

( ٢ ) ربيع الأبرار للزمخشري ٣ : ٦١٠ .

٤٠٣

و اذا الفتى صحب التباعد و اكتسى

كبرا عليّ فلست من أصحابه١

« و من أطاع الواشي ضيّع الحقوق » في ( الأغاني ) : كان الحرث بن مارية الغساني ملك الشام مكرّما لزهير بن جناب الكلبي ينادمه و يحادثه ، فقدم على الملك رجلان من بني نهد بن زيد يقال لهما سهل و حزن ابنا رزاح و كان عندهما حديث من أحاديث العرب ، فاجتباهما الملك و نزلا بالمكان الأثير منه فحسدهما زهير فقال : أيّها الملك و اللّه هما عين لذي القرنين يعني المنذر الأكبر عليك و هما يكتبان إليه بعورتك و خلل ما يريان منك قال : كلا فلم يزل به زهير حتى أوغر صدره ، و كان اذا ركب يبعث إليهما ببعيرين يركبان معه فبعث إليهما بناقة واحدة فعرفا الشّرّ ، فلم يركب أحدهما و توقف فقال له الآخر :

فإلاّ تجللها يعالوك فوقها

و كيف توقى ظهر ما أنت راكبه

فركبها مع أخيه ، و مضى بهما فقتلا ثم بحث عن أمرهما فوجده باطلا ،

فطرد زهيرا و شتمه٢ .

٣ الحكمة ( ٣٨ ) و قالعليه‌السلام لابنه الحسن :

يَا بُنَيَّ اِحْفَظْ عَنِّي أَرْبَعاً وَ أَرْبَعاً لاَ يَضُرُّكَ مَا عَمِلْتَ مَعَهُنَّ أَغْنَى اَلْغِنَى اَلْعَقْلُ وَ أَكْبَرَ اَلْفَقْرِ اَلْحُمْقُ وَ أَوْحَشَ اَلْوَحْشَةِ اَلْعُجْبُ وَ أَكْرَمَ اَلْحَسَبِ حُسْنُ اَلْخُلُقِ يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ وَ مُصَادَقَةَ اَلْأَحْمَقِ فَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْفَعَكَ فَيَضُرَّكَ وَ إِيَّاكَ وَ مُصَادَقَةَ اَلْبَخِيلِ فَإِنَّهُ يَقْعُدُ عَنْكَ أَحْوَجَ مَا تَكُونُ إِلَيْهِ

____________________

( ١ ) ديوان البحتري ٢ : ١٣٨ .

( ٢ ) الأغاني لأبي الفرج الإصفهاني ٥ : ١١٨ .

٤٠٤

وَ إِيَّاكَ وَ مُصَادَقَةَ اَلْفَاجِرِ فَإِنَّهُ يَبِيعُكَ بِالتَّافِهِ وَ إِيَّاكَ وَ مُصَادَقَةَ اَلْكَذَّابِ فَإِنَّهُ كَالسَّرَابِ يُقَرِّبُ عَلَيْكَ اَلْبَعِيدَ وَ يُبَعِّدُ عَلَيْكَ اَلْقَرِيبَ قول المصنّف : « و قالعليه‌السلام لابنه الحسن » و في ( الكافي ) :١ إنّ السجادعليه‌السلام وصّى ابنه الباقرعليه‌السلام بهذه الأربعة الأخيرة ، و زاد : و إيّاك و مصاحبة القاطع لرحمه ، فإنّي وجدته ملعونا في كتاب اللّه في ثلاثة مواضع ،

قال عز و جل :فهل عسيتم إن تولّتيم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم اللّه فأصمّهم و أعمى أبصارهم ٢ ، .الذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه و يقطعون ما أمر اللّه به أن يوصل و يفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة و لهم سوء الدار ٣ ،الذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه و يقطعون ما أمر اللّه به أن يوصل و يفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون ٤ .

قولهعليه‌السلام : « احفظ عني أربعا و أربعا » لم يقلعليه‌السلام ثمانيا لأنّ الكلّ ليست من واد واحد بل أربع منها من واد و أربع من واد .

« لا يضرّك ما عملت معهن » هو دليل على أهمية تلك الأربع و تلك الأربع :

« أغنى الغنى العقل » روى ( الكافي ) عن الباقرعليه‌السلام : لما خلق اللّه تعالى العقل استنطقه ثم قال له : أقبل فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، ثم قال : و عزّتي و جلالي ما خلقت خلقا هو أحبّ إليّ منك و لا أكملتك إلاّ فيمن أحب ، أما إنّي إيّاك آمر و إيّاك أنهى و إيّاك اعاقب و إيّاك اثيب٥ .

____________________

( ١ ) الكافي ٢ : ٣٧٦ ح ٧ .

( ٢ ) محمّد : ٢٢ ٢٣ .

( ٣ ) الرعد : ٢٥ .

( ٤ ) البقرة : ٢٧ .

( ٥ ) الكافي ١ : ١٠ ح ١ .

٤٠٥

« و أكبر الفقر الحمق » روى ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : إنّ الثواب على قدر العقل ، ان رجلا من بني إسرائيل كان يعبد اللّه في جزيرة من جزائر البحر خضراء نضرة كثيرة الشجر ظاهرة المياه ، و ان ملكا من الملائكة مر به فقال :

يا ربّ أرني ثواب عبدك هذا فأراه اللّه فاستقلّه ، فأوحى إليه ان اصحبه فأتاه في صورة انسي فقال له : من أنت ؟ رجل عابد بلغني مكانك و عبادتك في هذا المكان فأتيتك لأعبد اللّه معك ، فكان معه يومه ذلك فلما أصبح قال له : ان مكانك لنزه و ما يصلح إلاّ للعبادة فقال العابد : ان لمكاننا هذا عيبا قال :

و ما هو ؟ قال : ليس لربّنا بهيمة ، فلو كان له حمار لرعيناه في هذا الموضع فان هذا الحشيش يضيع فأوحى تعالى إلى الملك : انّما اثيبه على قدر عقله١ .

و عن ( مناقب ابن الجوزي ) : قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : لا يزال العقل و الحمق يتغالبان على الرجل إلى ثمانية عشر سنة ، فاذا بلغها غلب عليه أكثرهما فيه٢ .

و في ( عيون القتيبي ) : قال أعرابي : لو صوّر الحمق لأضاء معه الليل يعني تكون ظلمة الليل بالنسبة إليه مضيئة٣ .

و في كتاب ( كليلة و دمنة ) : الأدب يذهب عن العاقل السكر و يزيد الأحمق سكرا ، كما أن النهار يزيد كلّ ذي بصر بصرا و يزيد الخفافيش سوء بصر٤ .

____________________

( ١ ) الكافي ١ : ١١ ح ٨ .

( ٢ ) ذكره المجلسي في بحار الأنوار ١ : ٩٦ ح ٢٩ ، أما كتاب مناقب الامام علي لابن الجوزي فهو غير موجود ، و يبدو أنه كان موجودا في عهد المجلسي حيث ذكر في ٧٨ : ٦٤٠ : أقول وجدت في مناقب ابن الجوزي مفصلا في كلام أمير المؤمنينعليه‌السلام و أحببت إيراده .

( ٣ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٣ : ٢٨٠ .

( ٤ ) نقلها في كليلة و دمنة و رفعه ابن قتيبة في عيون الأخبار ٣ : ٢٨١ ، و يبدو أن العلاّمة التستري نقلها من عيون الاخبار .

٤٠٦

و في ( مجالس الشيخ ) مسندا عن الباقرعليه‌السلام قال : أردت سفرا فأوصى اليّ أبي فقال : و إيّاك أن تصاحب الأحمق أو تخالطه ، ان الأحمق هجنة ، غائبا كان أو حاضرا ، ان تكلّم فضحه حمقه و ان سكت قصر به عيه ، و ان عمل أفسد ،

و ان استرعى أضاع ، لا علمه من نفسه يغنيه و لا علم غيره ينفعه ، لا يطيع ناصحه و لا يستريح مقارنه ، تودّ امّه انّها ثكلته و امرأته انّها فقدته ، و يودّ جاره بعد داره ، و جليسه الوحدة من مجالسته ، ان كان أصغر من في المجلس أعيى من فوقه و ان كان أكبرهم أفسد من دونه١ .

هذا ، و قالوا : أرسل عجل بن لجيم فرسا له في حلبة فجاء سابقا ، فقيل له سمّه يعرف به ، فقام ففقأ عينه و قال : قد سمّيته أعور ، فقال شاعر :

رمتني بنو عجل بداء أبيهم

و أيّ عباد اللّه أنوك من عجل

أليس أبوهم عار عين جواده

فأضحت به الأمثال تضرب بالجهل٢

و قالوا : قال أبو كعب القاص في قصصه : إنّ النبيّ قال : في كبد حمزة ما علمتم فادعوا اللّه أن يطعمنا من كبد حمزة و قال مرّة في قصصه : اسم الذئب الذي أكل يوسف كذا و كذا فقيل له : ان يوسف لم يأكله الذئب فقال : فهذا اسم الذئب الذي لم يأكل يوسف٣ .

و قالوا : خرج الخليفة يوم عيد إلى المصلّي و الطبول تضرب بين يديه و الأعلام تخفق على رأسه ، فقال رجل : اللّهم لا طبل إلاّ طبلك فقيل له : لا تقل

____________________

( ١ ) المجالس للشيخ ٢ : ٢٢٦ .

( ٢ ) عيون الأخبار ٢ : ٤٣ .

( ٣ ) عيون الأخبار ٢ : ٤٦ .

٤٠٧

هكذا فليس للّه طبل فبكى و قال : أرأيتم يجي‏ء هو وحده لا يضرب بين يديه طبل و لا ينصب على رأسه علم ، فإذن هو دون الأمير .

« و أوحش الوحشة العجب » روى ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : ان عيسىعليه‌السلام كان من شرائعه السيح في البلاد ، فخرج في بعض سيحه و معه رجل من أصحابه قصير و كان كثير اللزوم لعيسى ، فلما انتهى عيسىعليه‌السلام إلى البحر قال : « بسم اللّه » بصحّة يقين منه ، فمشى على ظهر الماء فقال الرجل القصير حين نظر إلى عيسىعليه‌السلام جازه « بسم اللّه » بصحّة يقين منه ، فمشى على ظهر الماء و لحق بعيسى ، فدخله العجب بنفسه فقال : هذا عيسى روح اللّه يمشي على الماء و أنا أمشي على الماء ، فما فضله عليّ فرمس في الماء فاستغاث بعيسىعليه‌السلام فتناوله فأخرجه ثم قال له : ما قلت يا قصير ؟ قال : قلت كذا و دخلني عجب فقالعليه‌السلام له : لقد وضعت نفسك في غير الموضع الذي وضعك اللّه فيه فمقتك فتب إلى اللّه تعالى١ .

« و أكرم الحسب حسن الخلق » روى ( الكافي ) أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لبني عبد المطلب : إنّكم لن تسعوا الناس بأموالكم فالقوهم بطلاقة و حسن البشر٢ .

و عن الصادقعليه‌السلام : هلك رجل على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأتى الحفارين فاذا بهم لم يحفروا شيئا و شكوا ذلك إلى النبي فقالوا : ما يعمل حديدنا في الأرض فكأنما يضرب به في الصفاء فقال : و لم ، ان كان صاحبكم حسن الخلق إيتوني بقدح من ماء ، فأتوه به فأدخل يده فيه ثم رشّه على الأرض رشّا ثم قال :

احفروا فحفروا فكأنّما كان رملا يتهايل عليهم٣ .

____________________

( ١ ) الكافي ٦ : ٣٠٦ ح ٣ .

( ٢ ) الكافي ٢ : ١٠٣ ح ١ .

( ٣ ) بحار الأنوار ٧١ : ٣٧٦ ح ٨ الباب ٩ .

٤٠٨

و عنهعليه‌السلام : اذا خالطت الناس فان استطعت ألاّ تخالط أحدا من الناس إلا كانت يدك العليا عليه فافعل ، فان العبد يكون فيه بعض التقصير من العباد و يكون له حسن الخلق فيبلغه اللّه بحسن خلقه درجات الصائم القائم١ .

و في خبر : ان قوما لم يكن بأس في أحسابهم سلبوها لسوء خلقهم ،

و ان قوما لم يكونوا ذوي أحساب اعطوا لحسن خلقهم .

« يا بني إيّاك و مصادقة الأحمق فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك » في ( الكامل ) :

كان أبو الحسن بن الفرات يقول : ان المقتدر يقتلني فصحّ قوله فمن ذلك انّه عاد من عنده يوما و هو مفكّر كثير الهمّ ، فقيل له في ذلك فقال : كنت عند المقتدر فما خاطبته في شي‏ء من الأشياء إلاّ قال لي : نعم قلت له الشي‏ء و ضدّه ، في كلّ ذلك يقول : نعم فقيل له : هذا لحسن ظنّه بك و ثقته بما تقول و اعتماده على شفقتك فقال : لا و اللّه و لكنّه أذن لكلّ قائل ، و ما يؤمني أن يقال له مر بقتل الوزير فيقول : نعم و اللّه إنّه قاتلي :

اتّق الأحمق أن تنصحه

انما الأحمق كالثوب الخلق

كلّما رقعت منه جانبا

حرّكته الريح و هنا فانخرق

أو كصدع في زجاج بيّن

أو كفتق و هو يعيى من رتق

و اذا جالسته في مجلس

أفسد المجلس منه بالخرق

و اذا نهنهته كي يرعوي

زاد جهلا و تمادى في الحمق

و قال آخر :

فان النوك للاحساب غول

و أهون دائه داء العياء

و من ترك العواقب مهملات

فأيسر سعيه سعي العناء

فلا تثقن بالنوكي لشي‏ء

و لو كانوا بني ماء السماء

____________________

( ١ ) الكافي ٢ : ١٠١ ح ٢٤ .

٤٠٩

و ليسوا قابلي أدب فدعهم

و كن من ذاك منقطع الرجاء١

و من أمثالهم « أنت شولة الناصحة » قال ابن السكيت : كانت ( شوله ) أمة لعدوان ، رعناء و كانت تنصح لمواليها فتعود نصيحتها و بالا عليها لحمقها٢ و في ( الأغاني ) : كان الوليد بن يزيد يوما جالسا و عنده عمر الوادي و أبو رقية و كان ضعيف العقل ، و كان يمسك المصحف على ام الوليد فقال الوليد لعمر الوادي ، و قد غنّاه صوتا : أحسنت و اللّه أنت جامع لذتي و أبو رقية مضطجع و هم يحسبونه نائما ، فرفع رأسه إلى الوليد فقال له : و انا جامع لذات امّك فغضب الوليد و همّ به فقال له عمر الوادي : ما يعقل أبو رقية و هو صاح فكيف و هو سكران فأمسك عنه٣ .

« و إيّاك و مصادقة البخيل فإنّه يقعد » و نقل الطبعة ( المصرية )٤ « يبعد » غلط .

« عنك أحوج ما تكون إليه » ألّف سهل بن هارون متولي خزانة حكمة المأمون رسالة في مدح البخل و أرسلها إلى الحسن بن سهل ، فوقع الحسن عليها : لقد مدحت ما ذمّ اللّه و حسنت ما قبّح ، و ما يقوم صلاح لفظك بفساد معناك ، و قد جعلنا ثواب عملك سماع قولك فما نعطيك شيئا٥ .

« و إيّاك و مصادقة الفاجر فانّه يبيعك بالتافة » أي : الحقير اليسير .

كان ابراهيم الصولي صديقا لابن الزيات ، فولّى ابن الزيات الوزارة و الصولي على الأهواز ، فقصده ابن الزيات و وجّه إليه بأبي الجهم و أمره

____________________

( ١ ) الكامل للمبرد : ٨ : ١٥٣ ١٥٤ .

( ٢ ) إصلاح المنطق لابن السكّين : ٣٢٢ .

( ٣ ) الأغاني ٧ : ٨٦ .

( ٤ ) الطبعة المصرية : ٦٦٧ الحكمة ( ٣٨ ) .

( ٥ ) ذكرها الجاحظ في أول رسائل البخلاء الجزء الاول .

٤١٠

بكشفه فتحامل عليه تحاملا شديدا ، فكتب إليه يشكو أبا الجهم و يقول : هو كافر لا يبالي ما عمل و كتب إليه :

و كنت أخي بإخاء الزمان

فلما نبا حربت حربا عوانا

و كنت أذم إليك الزمان

فأصبحت فيك أذم الزمانا

و كنت اعدّك للنائبات

فما أنا أطلب منك الأمانا١

ثم وقف الواثق على تحامله عليه ، فرفع يده عنه و أمره أن يقبل منه ما رفعه و يرد إلى الحضرة مصونا ، فلما أحسن بذلك بسط في ابن الزيات و هجاه هجاء كثيرا فقال :

قدرت فلم تضرر عدوا بقدرة

و سمت بها إخوانك الذلّ و الرغما

و كنت مليّا بالتي قد يعافها

من الناس من يأبى الدنية و الذما٢

و قال :

دعوتك في بلوى ألمّت صروفها

فأوقدت من ضغن عليّ سعيرها

و اني إذا أدعوك عند ملمّة

كداعية بين القبور نصيرها

و في ( الأغاني ) : قال بشار :

و ما تحرّك أير فامتلا شبقا

الا تحرك عرق في است

ثم قال : في است من و مر به تسنيم بن الحواري فسلّم عليه فقال « في است تسنيم » فقال له : أي شي‏ء ويلك ؟ فقال : لا تسل فقال : قد سمعت ما أكره فاذكر لي سببه فأنشده البيت فقال : ويلك أي شي‏ء حملك على هذا ؟ قال : سلامك عليّ قال : لا سلّم اللّه عليك و لا عليّ إن سلّمت عليك

____________________

( ١ ) الأغاني ١٠ : ٥٧ .

( ٢ ) الأغاني ١٠ : ٥٧ .

٤١١

بعدها و بشّار يضحك١ .

« و إيّاك و مصادقة الكذّاب ، فإنّه كالسراب يقرّب عليك البعيد و يبعّد عليك القريب » السراب : الذي تراه نصف النهار كأنّه ماء .

في ( المناقب ) : كتب ملك الروم إلى معاوية يسأله عن خصال ، فكان فيما سأله : أخبرني عن لا شي‏ء فتحيّر فقال عمرو بن العاص : وجّه فرسا فارها إلى عسكر علي ليباع ، فاذا قيل للذي معه : بكم ؟ يقول : بلا شي‏ء ، فعسى أن تخرج المسألة فجاء الرجل إلى عسكر أمير المؤمنين فمرعليه‌السلام به و معه قنبر فقال : يا قنبر ساومه فقال : بكم الفرس قال : بلا شي‏ء قال : يا قنبر خذ منه قال : اعطني لا شي‏ء فأخرجه إلى الصحراء و أراه السراب فقال : و كيف ؟ قال : أما سمعت اللّه تعالى يقول . يحسبه الظمآن ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا .٢ .

٤ الحكمة ( ٦٥ ) و قالعليه‌السلام :

فَقْدُ اَلْأَحِبَّةِ غُرْبَةٌ في ( العيون ) : قال أيوب السختياني : اذا بلغ موت أخ لي فكأنّما سقط عضو مني و في الخبر « المرء كثير بأخيه » و قال :

لعمرك ما مال الفتى بذخيرة

و لكن اخوان الثقات الذخائر٣

و قال ابن أبي الحديد قال الشاعر :

فلا تحسبي ان الغريب الذي نأى

و لكن من تناين عنه غريب

____________________

( ١ ) الأغاني ٤ : ١٤٢ ، بيت الشعر الذي يبدأ ب « و ما تحرك » غير كامل و لفظ ( است ) مضاف ، و بعده عدة نقاط . .

( ٢ ) المناقب ٢ : ٣٨٣ و الآية ( ٣٩ ) من سورة النور .

( ٣ ) العيون ٣ : ١ .

٤١٢

اذا ما مضى القرن الذي كنت فيهم

و خلفت في قرن أنت غريب١

و مثله قولهعليه‌السلام : « الغريب من ليس له حبيب » .

٥ الحكمة ( ١٣٤ ) و قالعليه‌السلام :

لاَ يَكُونُ اَلصَّدِيقُ صَدِيقاً حَتَّى يَحْفَظَ أَخَاهُ فِي ثَلاَثٍ فِي نَكْبَتِهِ وَ غَيْبَتِهِ وَ وَفَاتِهِ أقول : في ( كامل المبرد ) : قال عليعليه‌السلام ثلاثة لا يعرفون إلاّ في ثلاث : لا يعرف الشجاع إلاّ في الحرب ، و لا الحليم إلاّ عند الغضب ، و لا الصديق إلاّ عند الحاجة٢ .

و عن الصادقعليه‌السلام : الصداقة محدودة ، فمن لم تكن فيه تلك الحدود فلا تنسبه إلى كمال الصداقة ، و من لم يكن فيه شي‏ء من تلك الحدود فلا تنسبه إلى شي‏ء من الصداقة ، أوّلها : أن تكون سريرته و علانيته لك واحدة ، و الثانية : أن يرى زينك زينه و شينك شينه ، و الثالثة : لا يغيّره عنك مال و لا ولاية ، و الرابعة : أن لا يمنعك شيئا مما تصل إليه مقدرته ، و الخامسة : لا يسلّمك عند النكبات٣ .

و عنهعليه‌السلام : من غضب عليك ثلاث مرّات فلم يقل فيك شرّا فاتخذه لنفسك صديقا٤ .

و في ( العيون ) : قال علي كرّم اللّه وجهه :

أخوك الذي ان أحوجتك ملمة

من الدهر لم يبرح لها الدهر واجما

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢١٠ .

( ٢ ) الكامل في الأدب للمبرد ١ : ١٨٤ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ١٣٩ ح ٦ ، و شروع الحديث : لا تكون الصداقة إلاّ بحدودها . .

( ٤ ) بحار الأنوار ، ٧٤ : ١٧٣ ح ٢ الباب ١١ .

٤١٣

و ليس أخوك الحق من إن تشعبت

عليك أمور ظل يلحاك لائما١

« و لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ أخاه في نكبته » قال الشاعر :

احذر مودة ما ذق

شاب المرارة بالحلاوة

يحصي الذنوب عليك

أيام الصداقة للعداوة٢

و قال آخر :

سعيد بن عثمان بن عفان لا يرى

لصاحبه قرضا عليه و لا فرضا

و في ( نسب قريش ابن بكار ) : قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر بعد ظفره : من لقي أبا البختري و هو ابن هاشم بن الحارث بن أسد بن عبد العزى فلا يقتله .

و كان ممّن قام في الصحيفة و كان يدخل الطعام على بني هاشم في الشعب .

فقال المجذر بن زياد : فلقيته فقلت : ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمرنا أن لا نقتلك فقال : أنا و زميلي و معه رجل فقلت : لا فقال :

لا يسلم ابن حرّة زميله

حتى يموت أو يرى سبيله

فقتلهما٣ و في ( صداقة التوحيدي ) : قال الاسكندر لديوجانس : بم يعرف الرجل أصدقاءه ؟ قال : بالشدائد ، لأن كلّ أحد في الرخاء صديق٤ .

و في ( وزراء الجهشياري ) : طلبت دولة العباسية عبد الحميد الكاتب كاتب الاموية و كان صديقا لابن المقفع ففاجأهما الطلب و هما في بيت ،

فقال الذين دخلوا عليهما : أيكما عبد الحميد فقال كلّ واحد منهما : أنا خوفا من أن ينال صاحبه بمكروه و خاف عبد الحميد أن يسرعوا إلى ابن المقفع فقال :

____________________

( ١ ) عيون الأخبار لبن قتيبة ٣ : ٥٠ .

( ٢ ) المصدر نفسه ٣ : ١٠٧ .

( ٣ ) لمصعب بن الزبير نسب قريش : ٢١٣ و قد سها العلاّمة التستري في ذكر اسم المؤلف الأصلي لكتاب نسب قريش .

( ٤ ) الصداقة للتوحيدي : ٧٠ .

٤١٤

ترفقوا فإنّ فيّ علامات و كلوا بنا بعضكم و يمضي بعض يذكر تلك العلامات لمن وجه بكم ففعلوا ذلك ، و أخذوا عبد الحميد١ .

أيضا : كانت بين ابن المقفع و عمارة بن حمزة مؤدّة ، فأنكر أبو جعفر على عمارة في وقت من الأوقات شيئا و نقله إلى الكوفة و كان ابن المقفع اذ ذاك بها فكان يأتيه فيزوره ، فبينا هو ذات يوم عنده إذ ورد على عمارة كتاب و كيله بالبصرة يعلمه أنّ ضيعة مجاورة لضيعته لا تصلح ان ملكها غيره و ان أهلها قد بذلوا له ثلاثين ألف درهم و انّه ان لم يبتاعها فالوجه ان يبيع ضيعته .

فقرأ عمارة الكتاب و قال : ما أعجب هذا ، و كيلنا يشير علينا بالابتياع مع الاضاقة و الإملاق و نحن إلى البيع أحوج و كتب إلى وكيله ببيع ضيعته و الانصراف إليه ، و سمع ابن المقفع الكلام و انصرف إلى منزله و أخذ سفتجة إلى الوكيل بثلاثين الف درهم و كتب إليه على لسان عمارة اني قد كتبت إليك ببيع ضيعتي ، ثم حضرني مال و قد أنفذت إليك سفتجة فابتع الضيعة المجاورة لك و لا تبع ضيعتي و أقم مكانك و أنفذ الكتاب بالابتياع مع رسول قاصد ، فورد على الوكيل و قد باع الضيعة ، ففسخ البيع و ابتاع الضيعة المجاورة ، و كتب إلى عمارة يذكر الأمر و انّه قد صارت لك ضيعة نفيسة فلما قرأ عمارة الكتاب أكثر التعجب و لم يعرف السبب و سأل عمّن حضر عند ورود كتاب الوكيل ، فقيل له : ابن المقفع ، فعلم أنّه من فعله ، فلما صار إليه بعد أيّام و تحدّثا قال عمارة له : بعثت بتلك الثلاثين ألف درهم إلى الوكيل و كنّا إليها ههنا أحوج ، قال : فان عندنا فضلا و بعث إليه بثلاثين ألفا أخرى٢ .

و حكى ان سفيان لمّا أمر بتقطيع ابن المقفع و طرحه في التنور يعني

____________________

( ١ ) الوزراء للجهشياري : ٨٠ .

( ٢ ) الوزراء و الكتّاب للجهشياري : ١٠٩ ١١٠ .

٤١٥

من طرف المنصور قال له : و اللّه لتقتلني و تقتل بقتلي ألف نفس و لو قتل مائة مثلك ما وفوا بواحد ، ثم قال :

اذا ما مات مثلي مات شخص

يموت بموته خلق كثير

و أنت تموت وحدك ليس يدري

بموتك لا الصغير و لا الكبير١

و في ( تاريخ بغداد ) : قال محمد بن عبد الرحمن أبو جعفر الصيرفي :

بعث إليّ الحكم بن موسى أنّه يحتاج إلى نفقة ، و لم يك عندي إلاّ ثلاثة آلاف درهم ، فوجّهت بها إليه ، فلما صارت في قبضته وجّه إليه خلاد بن أسلم أنّه يحتاج إلى نفقة ، فوجّه بها كلّها إليه و احتجت أنا إلى نفقة فوجّهت إلى خلاد أنّي أحتاج إلى نفقة فوجّه بها كلّها إليّ ، فلما رأيتها مصرورة في خرقتها و هي الدراهم بعينها أنكرت ذلك ، فبعثت إلى خلاد : ما قصة هذه الدراهم ؟ فاخبرني ان الحكم بن موسى بعث بها إليه ، فوجّهت إلى الحكم منها بألف و وجهت إلى خلاّد منها بألف و أخذت منها ألفا٢ .

و في ( المروج ) : عن الواقدي قال : كان لي صديقان أحدهما هاشمي و كنّا كنفس واحدة ، فنالتني ضيقة شديدة و حضر العيد ، فقالت امرأتي : أما نحن في أنفسنا فنصبر على البؤس و الشدّة ، و أما صبياننا هؤلاء فقد قطعوا قلبي رحمة لهم ، لأنّهم يرون صبيان الجيران قد تزيّنوا في عيدهم و أصلحوا ثيابهم و هم على هذه الحال من الثياب الرثة ، فلو احتلت بشي‏ء تصرفه في كسوتهم .

فكتبت إلى صديقي الهاشمي أسأله التوسعة عليّ لما حضر العيد ، فوجّه إليّ كيسا مختوما ذكر أن فيه ألف درهم ، فما استقر قراره إذ كتب إليّ الصديق

____________________

( ١ ) الوزراء و الكتّاب : ١١٠ .

( ٢ ) تاريخ بغداد ، لم نعثر عليه في ترجمة محمّد بن عبد الرحمن الصيرفي ٢ : ٣١٢ و ترجمة الحكم ابن موسى القنطري ٨ : ٢٢٦ .

٤١٦

الآخر يشكو مثل ما شكوت إلى صاحبي ، فوجّهت إليه الكيس بحاله و خرجت إلى المسجد ، فأقمت فيه ليلي مستحييا من امرأتي ، فلما دخلت عليها استحسنت ما كان مني و لم تعنفني عليه ، فبينا أنا كذلك إذ وافى صديقي الهاشمي و معه الكيس كهيئته فقال لي : اصدقني عمّا فعلت في ما وجهت إليك .

فعرفته الخبر فقال : إنّك وجهت إليّ و ما أملك على الأرض ، إلاّ ما بعثت به إليك .

و كتبت إلى صديقنا المواساة فوجّه بكيسي بخاتمي فتواسينا الألف أثلاثا ،

و أخرجنا إلى المرأة قبل ذلك مائة درهم ، و نمى الخبر إلى المأمون فدعاني فشرحت له الخبر ، فأمر لنا بسبعة آلاف دينار لكل واحد ألفا دينار و للمرأة ألف دينار١ .

و في ( كامل المبرد ) : لبعضهم :

فتى غير محجوب الغنى عن صديقه

و لا مظهر الشكوى إذا النعل زلّت

رأى خلّتي من حيث يخفى مكانها

فكانت قذى عينيه حتى تجلّت٢

و في ( المعجم ) للصولي :

و لكن عبد اللّه لمّا حوى الغني

و صار له من بين اخوانه مال

رأى خلّة منهم تسدّ بماله

فساهمهم حتى استوت بهم الحال٣

« و غيبته » لا كما في اللسان قال ابن بري : قال بجير بن عنمة الطائي :

و ان مولاي ذو يعاتبني

لا أحنة عنده و لا جرمه

ينصرني منك غير معتذر

يرمي و رائي بأمسّهم و املمه

و قال الآخر :

____________________

( ١ ) المروج : ٣٣ ٣٤ .

( ٢ ) الكامل للمبرّد ١ : ١٨٤ .

( ٣ ) المعجم ١ : ١٦٧ .

٤١٧

أنّى يكون أخا أو ذا محافظة

من كنت في غيبه مستشعرا وجلا

إذا تغيّب لم تبرح تظنّ به

سوءا و تسأل عمّا قال أو فعلا

و قيل :

و ليس أخي من ودّني رأي عينه

و لكن أخي من ودّني و هو غائب

و قيل :

و ليس محبّا من يدوم وداده

مع الوصل لكن من يدوم مع الصدّ

هذا ، و في ( الحلية ) : خرج أبو تراب الرملي سنة من مكّة فقال لأصحابه :

خذوا اسم طريق الجادة حتى آخذ طريق تبوك فقالوا له : الحرّ شديد قال : لا بدّ و لكن إذا دخلتم رملة فانزلوا عند فلان صديق لي فنزلوا عليه فشوى لهم أربع قطع لحم ، فلما وضع بين أيديهم جاءت الحدأة فأخذت قطعة منها فقلنا : لم يكن رزقنا فأكلنا الباقي ، فلما كان بعد يومين خرج أبو تراب من المفازة ، فقلنا :

هل وجدت في الطريق شيئا فقال : لا إلاّ يوم كذا رمى إليّ حدأة بقطعة شواء حار فقلنا له : قد تغذينا منه فانّه من عندنا أخذت الحدأة فقال : كذا كانت الصداقة١ .

في المروج : ذكر للمنصور تدبير هشام في حرب كانت له ، فبعث إلى رجل ينزل رصافة هشام يسأله عن تلك الحرب ، فقدم عليه فقال له : أنت صاحب هشام قال : نعم قال : فأخبرني كيف فعل في حرب دبّرها سنة كذا و كذا قال : فعل رضي اللّه عنه فيها كذا و كذا ، و فعل رحمه اللّه كذا و كذا فأغاظ ذلك المنصور فقال له : قم عليك غضب اللّه تطأ بساطي و تترحّم على عدوّي .

فقام الشيخ و هو يقول : ان لعدوّك قلادة في عنقي لا ينزعها إلاّ غاسلي فأمر برده و قال له : كيف ؟ قال : انّه كفاني الطلب وصان وجهي عن السؤال فلم أقف

____________________

( ١ ) الحلية ١٠ : ١٦٤ ١٦٥ .

٤١٨

على باب عربي و لا عجمي ، أفلا يجب عليّ أن أذكره إلاّ بخير فقال المنصور :

بلى و اللّه ، للّه أمّ نهضت عنك ، أشهد أنّك نهيض حرّة١ .

و قال المدائني : قال المنصور صحبت رجلا ضريرا إلى الشام و كان يريد مروان بن محمد بشعر قال فيه إلى أن قال و حججت في سنة ( ١٤١ ) فنزلت في جبلي زرور في الرمل أمشي لنذر كان عليّ ، فإذا أنا بالضرير ،

فأومأت إلى من كان معي فتأخروا و دنوت منه فأخذت بيده ، فقال : من أنت ؟

قلت : رفيقك إلى الشام في أيام بني امية و أنت متوجه إلى مروان ، فتنفّس و أنشأ يقول :

آمت نساء بني اميّة منهم

و بناتهم بمضيعة أيتام

نامت جدودهم و أسقط نجمهم

و النجم يسقط و الجدود تنام

خلت المنابر و الأسرّة منهم

فعليهم حتى الممات سلام

فقلت له : كم أعطاك مروان ؟ قال : أغناني فلا أسأل بعده أحدا إلى أن قال فقلت : أنا أبو جعفر المنصور فقال : اعذر فإنّ ابن عمّك محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله قال « جبلت النفوس على حبّ من أحسن إليها و بغض من أساء إليها » فهممت به ثم تذكرت الصحبة فأطلقته٢ .

و في ( الأغاني ) : في أبي الأسد : لما مات ابراهيم الموصلي قيل لأبي الأسد و كان صديقه ألا ترثيه فقال :

تولّى الموصلي فقد تولّت

بشاشات المزاهر و القيان

و أي فلاحة بقيت فتبقى

حياة الموصلي على الزمان

ستبكيه المزاهر و الملاهي

و يسعدهن عاتقة الدنان

____________________

( ١ ) المروج ٣ : ٢٨٥ .

( ٢ ) مروج الذهب ٣ : ٢٨٥ .

٤١٩

و تبكيه الغوية اذ تولّى

و لا تبكيه تالية القرآن

فقيل له : ويحك فضحته و قد كان صديقك فقال : هذه فضيحة عند من لا يعقل ، أمّا من يعقل فلا ، و بأي شي‏ء كنت أذكره و أرثيه أ بالفقه أم بالزهد أم بالقراءة ، و هل يرثى إلاّ بهذا و شبهه١ .

٦ الحكمة ( ٢١٨ ) و قالعليه‌السلام :

حَسَدُ اَلصَّدِيقِ مِنْ سُقْمِ اَلْمَوَدَّةِ في ( الطرائف ) : قال بعض الحكماء لا ينفع العلاج في أربعة : العداوة إذا خالطها الحسد و المرض إذا خالطه الهرم ، و الفقر إذا خالطه الكسل ، و الشحّ إذا خالطه الكبر٢ .

و قال ابن أبي الحديد الإنسان لا يحسد نفسه قيل لحكيم : ما الصديق ؟

فقال : انسان هو أنت إلاّ أنّه غيرك٣ .

و من أدعية الحكماء : اللّهم اكفني بوائق الثقات ، و احفظني من كيد الأصدقاء٤ .

و للمثقب العبدي :

فإمّا أن تكون أخي بحقّ

فأعرف منك غثّي من سميني

و إلاّ فاطرحني و اتركني

عدوّا أتّقيك و تتقيني٥

____________________

( ١ ) الأغاني ١٤ : ١٤٠ ١٤١ .

( ٢ ) الظرائف و الطرائف : ٧٨ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٣٩ .

( ٤ ) المصدر نفسه : ١٩ : ٣٩ .

( ٥ ) المصدر نفسه ١٠ : ١١٠ ، ذكره أيضا ابن قتيبة : ٢٥٠ ، دار الكتب العلمية .

٤٢٠