بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 617

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 617
المشاهدات: 184940
تحميل: 6520


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 184940 / تحميل: 6520
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 13

مؤلف:
العربية

حمامك » قال : فاذا طاب حمامي فأي شي‏ء لي ؟ قال : طهر ما طاب منك و طاب ما طهر منك١ .

هذا ، و في ( الصحاح ) : كانت العرب تقول في الجاهلية اذا ولد لأحدهم بنت : « هنيئا لك النافجة » أي المعظمة لمالك لأنّك تأخذ مهرها فتضمّه إلى مالك فينفج٢ .

و قال ابن أبي الحديد كانت تحية الجاهلية : « أبيت اللعن » فنهى عنها و جعل عوضها « سلام عليكم »٣ .

قلت : انما كان « أبيت اللعن » عندهم تحية الملوك ، و السلام تحية لجميع الناس فكيف يكون بدلا عنه ؟

« و لكن قل شكرت الواهب و بورك لك في الموهوب و بلغ أشدّه و رزقت بره » في حديث الأربعمائة ، عنهعليه‌السلام في أمر الدين و الدّنيا : اذا هنّأتم الرجل عن مولود ذكر فقولوا : بارك اللّه لك في هبته و بلغ أشده و رزقت بره٤ .

و في ( كامل المبرّد ) : يروى عن عليعليه‌السلام أنّه افتقد عبد اللّه بن عباس فقال :

ما باله لم يحضر ؟ فقالوا : ولد له مولود فأتاه فهنأه فقال : « شكرت الواهب و بورك لك في الموهوب » ما سمّيته ؟ قال : أو يجوز أن أسميه حتى تسميه ؟

فأمر به فأخرج إليه فأخذه و حنكه و دعا له ثم ردّه إليه و قال له : « خذ إليك أبا الأملاك ، قد سمّيته عليّا و كنيته أبا الحسن » فلما قام معاوية قال لابن عباس ليس لكم اسمه و كنيته قد كنيته أبا محمد فجرت عليه٥ هذا ، و في ( اليتيمة ) :

____________________

( ١ ) الكافي ٦ : ٥٠٠ ح ٢١ .

( ٢ ) الصحاح ١ : ٣٤٥ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٧٠ .

( ٤ ) حديث الأربعمائة :

( ٥ ) الكامل ، للمبرّد ٢ : ٥٧٢ ٥٧٣ .

٤٦١

كتب بعض العلوية إلى الصاحب : رزقت مولودا فسمّه و كنّه فوقع في رقعته « أسعدك اللّه بالفارس الجديد و الطالع السعيد ، فقد و اللّه ملأ العين قرّة و النفس مسرة و الاسم علي ليعلي اللّه ذكره و الكنية أبو الحسن ليحسن اللّه أمره ، فانّي ارجو له فضل جدّه و سعادة جدّه ، و قد بعثت لتعويذه دينارا من مائة مثقال قصدت به مقصد الفال رجاء أن يعيش مائة عام و يخلص خلاص الذهب الأبزر من نوب الأيام ، و السلام »١ .

و قيل لأعرابي و لد له ولد : جعله اللّه برّا تقيّا فقال : لا بل جبّارا عصيّا يخافه أعداؤه و يؤمله أصدقاؤه .

____________________

( ١ ) يتيمة الدهر ٣ : ٢٣١ .

٤٦٢

الفصل الثامن و الاربعون في آداب الحرب

٤٦٣

١ الخطبة ( ١١ ) و من كلام له ع لابنه ؟

محمد بن الحنفية ؟ لما أعطاه الراية ؟ يوم الجمل ؟ تَزُولُ اَلْجِبَالُ وَ لاَ تَزُلْ عَضَّ عَلَى نَاجِذِكَ أَعِرِ اَللَّهَ جُمْجُمَتَكَ تِدْ فِي اَلْأَرْضِ قَدَمَكَ اِرْمِ بِبَصَرِكَ أَقْصَى اَلْقَوْمِ وَ غُضَّ بَصَرَكَ وَ اِعْلَمْ أَنَّ اَلنَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ قول المصنّف : « و من كلام لهعليه‌السلام » و في نسخة ( ابن ميثم ) « و من كلامهعليه‌السلام »١ .

« لابنه محمد بن الحنفية » اشتهر بالنسبة إلى امّه خولة الحنفية قال ابن أبي الحديد هي بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة قال قوم : إنّها من سبايا الردة في أيام أبي بكر على

____________________

( ١ ) في شرح نهج البلاغة لبن ميثم ١ : ٢٨٦ ، « و من كلام له » .

٤٦٤

يد خالد بن الوليد في ارتداد بني حنيفة و ادّعاء مسيلمة النبوّة١ .

و قال المدائني : إنّها من سبابا اليمن في أيام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في ارتداد زبيد مع عمرو بن معديكرب ، و كانت زبيد سبتها من بني حنيفة فصارت في سهم عليعليه‌السلام ، فقال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن ولدت منك غلاما فسمّه باسمي و كنّه بكنيتي٢ .

و قال البلاذري في ( تاريخ أشرافه ) : ان بني أسد أغارت على بني حنيفة في أيام أبي بكر فسبوها و قدموا بها المدينة فباعوها من عليعليه‌السلام ، و بلغ قومها خبرها فقدموا على علي و أخبروه بموضعها منهم فأعتقها و تزوجها٣ .

قلت : و في ( المروج ) : عن كتاب أخبار النوفلي : قال الوليد بن هشام المخزومي : خطب ابن الزبير فنال من عليعليه‌السلام ، فبلغ ذلك ابنه محمّد بن الحنفية فجاء و وضع له كرسي قدامه فعلاه و قال : يا معشر قريش شاهت الوجوه أينتقص عليّعليه‌السلام و أنتم حضور ، ان عليّا كان سهما صائبا أحد مرامي اللّه على أعدائه ، يقتلهم لكفرهم و يهوعهم مآكلهم ، فثقل عليهم فرموه بصرفة الأباطيل فان تكن لنا في الأيام دولة ننثر عظامهم و نحسر عن أجسادهم و الأبدان يومئذ بالية ، . و سيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون فعاد ابن الزبير إلى خطبته و قال : عذرت بني الفواطم يتكلّمون ، فما بال ابن الحنيفة ؟ فقال محمد : يا ابن ام رومان و ما لي لا أتكلّم ، أليست فاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله حليلة أبي و ام اخوتي ، أو ليست فاطمة بنت أسد بن هاشم

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٤٤ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٤٤ .

( ٣ ) تاريخ الاشراف ، للبلاذري ٢ : ٢٠١ .

٤٦٥

جدّتي ، أو ليست فاطمة بنت عمرو بن عائذ جدّة أبي ، أما و اللّه لو لا خديجة بنت خويلد ما تركت في بني أسد عظما إلاّ هشّمته١ « لما أعطاه الراية يوم الجمل » قال ابن أبي الحديد لما تقاعس محمد يوم الجمل عن الحملة و حمل عليعليه‌السلام بالراية فضعضع أركان عسكر الجمل ، دفع إليه الراية و قال له : امح الاولى بالاخرى و هذه الأنصار معك و ضمّ إليه خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين في جمع منهم من أهل بدر ، فحمل حملات كثيرة أزال بها القوم عن مواقفهم و أبلى بلاء حسنا ، فقال خزيمة لعليّعليه‌السلام : أما إنّه لو كان غير محمد اليوم لا فتضح ، و لئن كنت خفت عليه الجبن و هو بينك و بين حمزة و جعفر لما خفناه عليه ، و ان كنت أردت أن تعلمه الطعان فطالما علّمته الرجال .

و قالت الأنصار : يا أمير المؤمنين لو لا ما جعل اللّه تعالى للحسن و الحسينعليهما‌السلام لما قدمنا على محمّد أحدا من العرب فقال عليعليه‌السلام : أين النجم من الشمس و القمر ، أما إنّه قد أغنى و أبلى و له فضله و لا ينقصه فضل صاحبيه عليه ، و حسب صاحبكم ما انتهت به نعمة اللّه تعالى إليه فقالوا : إنّا و اللّه ما نجعلها كالحسن و الحسينعليهما‌السلام و لا نظلمهما له و لا نظلمه لفضلهما عليه حقه فقال عليعليه‌السلام : اين يقع ابني من ابني النبي ؟ فقال خزيمة :

محمّد ما في عودك اليوم و صمة

و لا كنت في الحرب الضروس معردا

أبوك الذي لم يركب الخيل مثله

علي و سمّاك النبيّ محمّدا

فلو كان حقّا من أبيك خليفة

لكنت و لكن ذاك ما لا يرى بدا

____________________

( ١ ) المروج ٣ : ٨٩ دار المعرفة و الآية ( ٢٢٧ ) من سورة الشعراء .

٤٦٦

و أنت بحمد اللّه أطول غالب

لسانا و انداها بما ملكت يدا

و أقربها من كلّ خير تريده

قريش و أوفاها بما قال موعدا

و أطعنهم صدر الكمي برمحه

و أكساهم للهام عضبا مهندا

سوى أخويك السيدين كلاهما

امام الورى و الداعيان إلى الهدى

أبى اللّه أن يعطي عدوّك مقعدا

من الأرض أو في اللوح مرقى و مصعدا١

 قلت : و في ( المروج ) : جاء ذو الشهادتين إلى عليعليه‌السلام فقال له : لا تنكس اليوم رأس محمّد واردد إليه رأيته فدعا به و ردّ عليه الراية و قال :

اطعنهم طعن أبيك تحمد

لا خير في الحرب اذا لم توقد

بالمشرفي و القنا المشرد٢ قولهعليه‌السلام « تزول الجبال و لا تزل » الأصل في كلامهعليه‌السلام قوله تعالى :إنّ اللّهَ يُحِبُّ الّذينَ يُقاتِلُونَ في سَبيلِهِ صَفّاً كأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مرصوص ٣ .

قال ابن أبي الحديد في أخبار صفين : ان بني عك و كانوا مع أهل الشام حملوا في يوم حجرا و عقلوا أنفسهم بعمائمهم و تحالفوا أنّا لا نفرّ حتى يفرّ هذا الحكر أي الحجر تبدل عك الجيم كافا٤ .

____________________

( ١ ) نهج ١ : ٢٤٥ .

( ٢ ) المروج ٢ : ٣٦٧ .

( ٣ ) الصف : ٤ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٥ : ١٨٤ ، و كذلك وقعة صفين : ٣٢٩ ، لنصر بن مزاحم .

٤٦٧

قلت : و في ( الأغاني ) : كان عوف بن مالك عمّ المرقش الأكبر من فرسان بكر ابن وائل و هو القائل يوم قصة : يا لبكر بن وائل أ في كلّ يوم فرارا ،

محلوفي لا يمرّ بي رجل من بكر منهزما إلاّ ضربته بسيفي و برك يقاتل فسمي يومئذ المبرك .

« عض على ناجذك » في ( الصحاح ) : الناجذ : آخر الأضراس ، و للإنسان أربعة نواجذ في أقصى الأسنان بعد الارحاء ، و يسمّى ضرس الحلم لأنّه ينبت بعد البلوغ و كمال العقل ، يقال « ضحك حتى بدت نواجذه » : اذا استغرب فيه١ .

و في ( الأساس ) : أبدى ناجذه اذا بالغ في ضحكه أو غضبه قال بشر :

اذا ما الحرب أبدت ناجذيها

غداة الروع و التقت الجموع٢

و بينعليه‌السلام وجه أمره بالعض على الناجذ في موضع آخر بكونه أنبى للسيوف عن الهام قالوا : لأن عظام الرأس تصلب حينئذ .

« أعر اللّه جمجمتك » في ( الصحاح ) : الجمجمة عظم الرأس المشتمل على الدماغ٣ .

قال ابن أبي الحديد يمكن أن يكون في كلامهعليه‌السلام اشعار انّه لا يقتل في تلك الحرب ، لأن العارية مردودة ، و لو قال له « بع اللّه جمجمتك » لكان ذلك اشعارا له بالشهادة٤ .

قلت : بل أعلمه ببقاء أجله ، ففي المروج بعثعليه‌السلام إلى ابنه محمد و كان صاحب رايته احمل على القوم ، فأبطأ كان بإزائه قوم من الرماة ينتظر نفاد سهامهم ، فأتاهعليه‌السلام فقال له : هلاّ حملت ؟ فقال : لا أجد متقدّما إلاّ على سهم أو

____________________

( ١ ) الصحاح للجوهري ٢ : ٥٧١ ، مادة ( نجذ ) .

( ٢ ) الأغاني ، راجع ترجمة هاشم الفند الزماني ٢٤ : ٩٣ ٩٥ .

( ٣ ) الصحاح للجوهري ٤ : ١٨٩١ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٤٢ .

٤٦٨

سنان ، و انّي لمنتظر نفاد سهامهم ثم أحمل فقالعليه‌السلام : احمل بين الأسنة فان للموت عليك جنة١ .

« تد » من وتد يتد .

« في الأرض قدمك » أي : اجعل قدمك ثابتة كالوتد قال الشاعر :

لاقت على الماء جذيلا واتدا

و كان لا يخلفها المواعدا

قال تعالىيا أَيُّها الّذِينَ آمَنُوا إذا لَقِيْتُم فِئَةً فاثبتوا وَ اذْكُروا اللّه كثيراً لَعلَّكُمْ تُفْلِحُوْن ٢ .

« ارم ببصرك أقصى القوم » في ( العقد ) : قال عليعليه‌السلام : من أكثر النظر في العواقب لم يشجع٣ .

« و غض بصرك » في ( العقد ) : كان قتيبة بن مسلم يقول لأصحابه : اذا غزوتم فأطيلوا الأظفار و قصّوا الشعر ، و الحظوا الناس شزرا و كلّموهم رمزا و اطعنوهم و خزا٤ .

و كان ابو مسلم يقول لقواده : اشعروا قلوبكم الجرأة ، فأنا من اسباب الظفر٥ .

« و اعلم أنّ النصر من عند اللّه سبحانه » في ( العقد ) :٦ كتب أنو شيروان إلى مرازبته : عليكم بأهل السخاء و الشجاعة فإنّهم أهل حسن الظنّ باللّه٧ .

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٣٦٦ .

( ٢ ) الأنفال : ٤٥ .

( ٣ ) العقد الفريد ابن عبد ربه ١ : ٩٧ .

( ٤ ) المصدر نفسه ١ : ١٣٤ .

( ٥ ) المصدر نفسه ١ : ١٣٤ .

( ٦ ) المصدر نفسه ١ : ١٣٤ .

( ٧ ) المصدر نفسه ١ : ١٠٠ .

٤٦٩

في ( المروج ) : حمل محمد بن الحنفية فسكن بين الرماح و النشاب ،

فوقف فأتاه عليعليه‌السلام فضربه بقائم سيفه و قال : أدركك عرق من أمك و أخذ الرأية و حمل و حمل الناس معه ، فما كان القوم إلاّ كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف١ .

و في ( جمل المفيد ) : قال محمد بن عبد اللّه بن عمر بن دينار : قال عليعليه‌السلام لابنه محمد : خذا الراية و امض و هو خلفه فناداه يا أبا القاسم فقال : يا بنيّ لا يستفزنك ما ترى قد حملت الراية و أنا أصغر منك فما استفزني عدوّي ، و ذلك أنّني لم أبارز أحدا إلاّ حدثتني نفسي بقتله ، فحدّث نفسك بعون اللّه تعالى بظهورك ، و لا يخذلك ضعف النفس فان ذلك أشدّ ألخذلان قال : يا أباه أرجو أن أكون كما تحب قال : فالزم رايتك ، فان اختلفت الصفوف فقف مكانك و بين أصحابك ، فان لم تبن من أصحابك فاعلم أنّهم سيرونك قال محمد : و واللّه اني لفي وسط أصحابي و صاروا كلّهم خلفي و ما بيني و بين القوم أحد يردّهم عني و أنا اريد أن أتقدّم في وجوه القوم ، فما شعرت إلاّ بأبي خلفي قد جرّد سيفه و هو يقول : لا تقدم حتى أكون أمامك فتقدّم بين يدي يهرول و معه طائفة من أصحابه ، فضرب الذين في وجهه فنظرت إليه يفرج الناس يمينا و شمالا و يسوقهم أمامه ، فأردت أن أجول فكرهت خلافه حتى انتهى إلى الجمل و حوله أربعة آلاف مقاتل من بني ضبة و الأزد و تميم و غيرهم و صاح :

اقطعوا البطان فأسرع محمد بن أبي بكر فقطعه و اطلع الهودج٢ .

و قال ابن جريح : لمّا ردّ عليعليه‌السلام الراية إلى ابنه محمد قال له : احسن حملها و توسّط أصحابك و لا تخفض عاليها و اجعلها مستشرفة يراها

____________________

( ١ ) المروج ٢ : ٣٦٦ .

( ٢ ) الجمل للمفيد : ١٩٦ .

٤٧٠

أصحابك ففعل فقال عمّار لمحمّد : ما أحسن ما حملت الرأية اليوم فقال له عليعليه‌السلام : بعد ما ذا فقال عمّار : ما العلم إلاّ بالتعلّم١ .

و عن المدائني و الواقدي : زحف عليعليه‌السلام بنفسه نحو الجمل و دفع الراية إلى ابنه محمد و قال : أقدم بها حتى تركزها في عين الجمل و لا تقفن دونه ، فتقدّم فرشقته السهام ، فأنفذ إليه عليعليه‌السلام يستحثه ، فلما أبطأ عليه جاء بنفسه من خلفه فوضع يده اليسرى على منكبه الأيمن و قال له : اقدم لا أمّ لك .

فكان محمّد اذا ذكر ذلك يبكي و يقول : لكأني أجد ريح نفسه في قفاي ، و اللّه لا أنسى ذلك أبدا فتناول الراية منه بيده اليسرى و ذو الفقار مشهور في يده اليمنى ، ثم حمل فغاص في عسكر الجمل ثم رجع و قد انحنى سيفه فأقامه بركبته فقال له بنوه و أصحابه و الأشتر و عمّار : نحن نكفيك ، فلم يجب أحدا منهم و لا ردّ إليهم بصره و ظلّ ينحط و يزأر زئير الأسد حتى فرّقه من حوله و تبادروه و انّه لطامح بصره نحو عسكر البصرة لا يبصر من حوله و لا يردّ حوارا ثم دفع الراية إلى محمّد ، ثم حمل حملة ثانية وحده فدخل وسطهم فضربهم بالسيف قدما قدما و الرجال تفرّ من بين يديه و تنحاز عنه يمنة و شامة ، حتى خضّب الأرض بدماء القتلى ، ثم رجع و قد انحنى سيفه فأقامه بركبته فأعصوصب به أصحابه و ناشدوه اللّه في نفسه و في الإسلام و قالوا :

انّك ان تصب يذهب الدين فقال : و اللّه ما أريد بما ترون إلاّ وجه اللّه و الدّار الآخرة ثم قال لمحمّد : هكذا اصنع يابن الحنفية فقال الناس : من الذي يستطيع يا أمير المؤمنين ما تستطيعه .

و روى الواقدي كما في ( جمل المفيد ) عن ابن الحنفية قال : فالتقينا و أبي خلفي بين كتفي يقول : يا بني تقدّم فقلت : ما أجد متقدّما إلاّ على الأسنة ،

____________________

( ١ ) الجمل للمفيد : ١٩٢ .

٤٧١

فغضب و قال : أقول لك تقدّم و تقول هكذا ، ثق باللّه و تقدّم بين يدي على الأسنة .

و تناول الرواية مني ، و تقدّم يهرول بها فأخذتني حدّه فلحقته و قلت : أعطنيها .

فأعطانيها و قد عرفت ما وصف لي ، ثم تقدّم بين يدي و جرّد سيفه فرمقت لضربه و اذا يورد السيف و يصدره و لا أرى فيه دما يسرع اصداره فيسبق الدم إلى أن قال و صاح : يا ابن أبي بكر اقطع البطان فقطعه و تلقوا الهودج فكأن و اللّه الحرب جمرة صبّ عليها الماء١ .

٢ الحكمة ( ٢٣٣ ) و قالعليه‌السلام لابنه الحسن :

لاَ تَدْعُوَنَّ إِلَى مُبَارَزَةٍ وَ إِنْ دُعِيتَ إِلَيْهَا فَأَجِبْ فَإِنَّ اَلدَّاعِيَ بَاغٍ وَ اَلْبَاغِيَ مَصْرُوعٌ أقول : رواه المبرد في ( كامله )٢ ، و روى ( الكافي ) نظيره ، روى في باب ( طلب مبارزته ) أنّ رجلا دعا بعض بني هاشم إلى البراز ، فأبى أن يبارزه ، فقال له عليعليه‌السلام : ما منعك أن تبارزه قال : كان فارس العرب و خشيت أن يغلبني .

فقالعليه‌السلام : انّه بغى عليك ، و لو بارزته لغلبته ، و لو بغى جبل على جبل لهد الباغي٣ .

و في ( صفين نصر ) بعد ذكر قتل جمع كثير من أهل الشام أنّ ابرهة بن الصباح الحميري و كان من رؤساء أصحاب معاوية قام فقال : ويلكم يا معشر أهل اليمن و اللّه اني لأظن ان اللّه قد اذن لفنائكم ، و يحكم خلوا بين هذين

____________________

( ١ ) الجمل للمفيد : ١٩١ .

( ٢ ) لم نعثر عليه في الكامل في الأدب لكنّه موجود في العقد الفريد ١ : ١٠٢ .

( ٣ ) الكافي في الكليني ٥ : ٣٤ ح ٢ .

٤٧٢

الرجلين فليقتتلا فأيّهما قتل صاحبه ملنا معه جميعا فبلغ ذلك عليّاعليه‌السلام فقال :

صدق ابرهة ، و اللّه ما سمعت بخطبة منذ وردت أهل الشام أنا بها أشدّ سرورا منّي بهذه و بلغ معاوية كلام ابرهة فتأخّر آخر الصفوف و قال لمن حوله : انّي لأظن ابرهة مصابا في عقله فأقبل أهل الشام يقولون : و اللّه ان ابرهة لأفضلنا دينا و رأيا و بأسا ، و لكن معاوية كره مبارزة علي .

فبرز عروة بن داود الدمشقي فقال : يا أبا الحسن ان كان معاوية كره مبارزتك فهلم إليّ ، فتقدّم إليه عليعليه‌السلام ، فقال له أصحابه : ذر هذا الكلب فانّه ليس لك بخطر فقالعليه‌السلام : و اللّه ما معاوية اليوم بأغيظ لي منه دعوني و إيّاه ثم حمل عليه فضربه فقطعه قطعتين سقطت إحداهما يمنة و الاخرى يسرة فارتجّ العسكران لهول الضربة ثم قالعليه‌السلام « يا عروة اذهب فأخبر قومك ، أما و الذي بعث محمّدا بالحقّ لقد عاينت النار و أصبحت من النادمين » و قال عبد اللّه ابن عبد الرحمن الأنصاري :

عرو يا عرو قد لقيت حماما

إذ تقحمت في حما اللهوات

أعليّا لك الهوان تنادي

ضيغما في أياطل الحومات

ليس للّه فارس كأبي الشبلين

ما أن يهوله المقلقات

مؤمنا بالقضاء محتسبا

بالخير يرجو الثواب بالسابقات

ليس يخشى كريهة في لقاه

لا و لا ما يجي‏ء بالآفات

فلقد ذقت في الجحيم نكالا

و ضراب المقامع المحميات

يابن داود قد وقيت ابن هند

ان يكون القتيل بالمقفرات

و حمل ابن عم لعروة على عليعليه‌السلام فألحقه بعروة و معاوية واقف على التلّ يبصر و يشاهد ، فقال : تبا لهذه الرجال و قبحا ، أما فيهم من يقتل هذا مبارزة أو غيلة أو في اختلاط الفيلق و ثوران النقع فقال له الوليد بن عقبة :

٤٧٣

ابرز إليه أنت فإنّك أولى الناس بمبارزته فقال : و اللّه لقد دعاني إلى البراز حتى استحييت من قريش ، و إنّي و اللّه لا أبرز إليه و ما جعل العسكر إلاّ وقاية للرئيس و قال معاوية لبسر بن أرطاة : أتقوم لمبارزته ؟ فقال : ما أحد أحقّ بها منك ، و إذ أبيتموه فأنا له ، و كان أتى بسرا من الحجاز ابن عم له يخطب ابنته فقال له : اني سمعت أنّك وعدت من نفسك أن تبارز عليا فما يدعوك إلى ذلك ؟

قال : الحياء خرج مني شي‏ء فأنا أستحي أن أرجع عنه .

فغدا عليعليه‌السلام منقطعا من خيله و معه الأشتر ، فاستقبله بسر و ناداه :

ابرز إلى أبا حسن ، فانحدر إليه عليعليه‌السلام على تؤدة غير مكترث به حتى اذا قاربه طعنه و هو دارع ، فألقاه إلى الأرض فقصد بسر أن يكشفها ليستدفع بأسته ، فانصرف عنه عليعليه‌السلام مستدبرا له ، فعرفه الأشتر حين سقط فقال لهعليه‌السلام : هذا بسر عدوّ اللّه و عدوّك فقالعليه‌السلام دعه عليه لعنة اللّه أبعد أن فعلها و كان قبله عمرو بن العاص فعل ذلك فقال النضر بن الحارث :

أفي كلّ يوم فارس تندبونه

له عورة وسط العجاجة بادية

يكفّ بها عنه علي سنانه

و يضحك منها في الخلاء معاوية

بدت أمس من عمرو فقنع رأسه

و عورة بسر مثلها حذ و حاذية

فقولا لعمرو و ابن ارطاة أبصرا

سبيلكما لا تلقيا الليث ثانية

و لا تحمدا إلا الحيا و خصاكما

هما كانتا و اللّه للنفس واقية١

هذا ، و في ( الطبري ) في غزوة احد : قال طلحة بن عثمان صاحب لواء المشركين : يا معشر أصحاب محمّد انّكم تزعمون أنّ اللّه يعجلنا بسيوفكم إلى النار و يعجلكم بسيوفنا إلى الجنّة ، فهل منكم أحد يعجله اللّه بسيفي إلى الجنّة أو يعجّلني بسيفه إلى النار فقام إليه عليعليه‌السلام فقال : و الذي نفسي بيده لا

____________________

( ١ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ٤٥٧ .

٤٧٤

أفارقك حتى اعجلك أو تعجّلني فضربه فقطع رجله فسقط فانكشفت عورته فقال : أنشدك اللّه و الرحم يابن عم فتركه فكبّر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و قال له : ما منعك أن تجهز عليه ؟ قال : ان ابن عمّي ناشدني حين انكشفت عورته فاستحييت منه١ .

ثم مورد كلامهعليه‌السلام فيمن دعا شخصا خالصا إلى المبارزة بكونه باغيا مصروعا دون من دعا إلى المبارزة عاما فيمكن ألا يكون بمصروع .

و في ( صفين نصر ) : ذكر صعصعة ان كريب بن الصباح من آل ذي يزن و لم يكن في أهل الشام أشهر منه شدّة بالبأس برز و نادى من يبارز ، فبرز إليه المرتفع بن وضاح الزبيدي فقتل المرتفع ثم نادى من يبارز ، فبرز إليه الحارث بن جلاح فقتله ، ثم نادى من يبارز فبرز إليه عائذ بن مسروق الهمداني فقتل عائذا ، ثم رمى بأجسادهم بعضها فوق بعض ثم قام عليها بغيا و اعتداء ،

ثم نادى هل من مبارز ، فبدر إليه عليّعليه‌السلام ثم ناداه : ويحك يا كريب إنّي احذّرك و أدعوك إلى سنّة اللّه و سنّة رسوله ، ويحك لا يدخلك ابن آكلة الأكباد النار .

فأجاب : ما أكثر ما سمعنا هذه المقالة منك فلا حاجة لنا فيها ، أقدم اذا شئت من يشتري سيفي و هذا أثره فقال عليعليه‌السلام : لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه ثم مشى إليه ،

فلم يمهله ان ضربه ضربة خر منها قتيلا يتشحط في دمه .

ثم نادىعليه‌السلام من يبارز فبرز إليه الحارث بن وداعة الحميري فقتله ثم نادى من يبارز ، فبرز إليه المطاع بن المطلب العبسي فقتله ثم نادى من يبارز ،

فلم يبرز إليه أحد فنادى : يا معشر المسلمين الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْر الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قصاص فَمَن اعْتَدى عَليْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُم وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ مَعَ المُتّقِين٢ .

____________________

( ١ ) تاريخ الملوك للطبري ٢ : ١٩٤ .

( ٢ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ٣١٥ و الآية ( ١٩٤ ) من سورة البقرة .

٤٧٥

هذا ، و في ( صفين نصر ) : مرّ عليعليه‌السلام و معه بنوه نحو الميسرة و النبل يمرّ بين عاتقه و منكبيه ، و ما من بنيه أحد إلاّ يقيه بنفسه و يكره عليّ ذلك إلى أن قال فبصر به أحمر مولى أبي سفيان أو بعض بني اميّة فقال عليّ : و ربّ الكعبة قتلني اللّه إن لم أقتلك فأقبل نحوهعليه‌السلام ، فخرج إليه كيسان مولى علي علي فقتله مولى بني امية ، ثم خالط عليّا ليضربه بالسيف فانتهزه عليعليه‌السلام ، فوقع يده في جيب درعه فجذبه ثم حمله على عاتقه و رجلاه تختلفان على عنقه ثم ضرب به الأرض فكسر منكبه و عضده و شد ابناه الحسين و محمد عليه فضرباه و عليعليه‌السلام ينظر إليهما حتى قتلاه ، ثم أقبلا إلى أبيهما و الحسنعليه‌السلام معه قائم قال : يا بني ما منعك أن تفعل كما فعل أخواك ؟

قال : كفياني يا أمير المؤمنين١ .

و في ( الطبري ) : لمّا لحلق الحر بالحسينعليه‌السلام قال يزيد بن سفيان التميمي : لو أنّي رأيته حين خرج لأتبعته السنان ثم لما حمل الحر عليهم قال الحصين بن تميم ليزيد : هذا الحر الذي كنت تتمنى ؟ قال : نعم فخرج إليه و قال له : هل لك يا حر في المبارزة ؟ قال : نعم فبرز له فكأنّما كانت نفسه في يده فما لبثه حين خرج إليه أن قتله٢ .

و في ( الأغاني ) في وقعة دولاب قال سلامة الباهلي : لمّا قتلت نافع بن الأزرق رئيس الأزارقة فإذا أنا برجل ينادي و أنا واقف في خميس بني تميم يعرض عليّ المبارزة ، و جعل يطلبني و أنا أنتقل من خميس إلى خميس و ليس يزايلني ، فصرت إلى رحلي ثم رجعت فدعاني ، فلما أكثر خرجت إليه فاختلفنا ضربتين فضربته فصرعته و نزلت فأخذت رأسه و سلبته ، فإذا هي أمرأته قد

____________________

( ١ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ٢٤٩ .

( ٢ ) تاريخ الملوك و الامم للطبري : ٤ : ٣٣٠ .

٤٧٦

رأتني حين قتلته فخرجت لتثأربه١ .

و في ( عيون القتيبي ) و غيره : قال أبو الأغر التميمي : اني لو اقف يوم صفين إذ نظرت إلى العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب و هو على فرس أدهم و كأن عينيه عينا أفعى ، فبينا هو يلين من عريكته إذ هتف به هاتف من أهل الشام يقال له عرّار بن أدهم : يا عباس هلم إلى البراز فبرز إليه العباس فقتله إلى أن قال فقال له عليعليه‌السلام : ألم أنهك و حسنا و حسينا و عبد اللّه بن جعفر أن تخلوا مراكزكم و تبارزوا أحدا قال : ان ذلك لكذلك قال فما عدا مما بدأ قال : أفأدعى إلى البراز فلا أجيب جعلني اللّه فداك ؟ قال : نعم طاعة إمامك أولى بك من إجابة عدوّك ، ودّ معاوية أن لا يبقى من بني هاشم نافخ ضرمة إلاّ طعن في نيطه إطفاء لنور اللّه ثم رفع يديه و قال : اللّهم اشكر للعباس مقامه و اغفر ذنبه فاني قد غفرت له٢ .

و مما ينخرط في هذا الباب من ان من دعا غيره إلى المبارزة يكون باغيا و الباغي مصروع هالك ، قصّة عمرو بن الليث الصفار مع اسماعيل بن أحمد الساماني ، ففي ( الكامل ) : سار عمرو في سنة ( ٢٨٧ ) إلى إسماعيل فأرسل إليه إسماعيل أنّك و ليت دنيا عريضة و انّما في يدي ما وراء النهر و أنا في ثغر فاقنع بما في يدك و اتركني في هذا الثغر فأبى فذكر له شدّة العبور بنهر بلخ فقال : لو شئت أن اسكره ببدر الأموال لفعلت فنزل بلخ فسار اسماعيل نحوه و أخذ عليه النواحي ، فصار عمرو كالمحاصر فندم على ما فعل ، فاقتتلوا فلم يكن بينهم كثير قتال حتى انهزم عمرو فولّى هاربا و مر في طريقه بأجمة فقال لعامّة من معه : امضوا في الطريق و سار هو و نفر يسير في الأجمة ، فوحلت به

____________________

( ١ ) الأغاني ٦ : ١٤٤ .

( ٢ ) العيون للقتيبي ١ : ١٨٠ .

٤٧٧

دابته فمضى من معه و جاء أصحاب اسماعيل فأخذوه أسيرا ، فسيّره اسماعيل إلى المعتضد فحبس حتى قتل١ .

٣ الخطبة ( ١٢١ ) و من كلام لهعليه‌السلام قاله لأصحابه في ساعة الحرب :

وَ أَيُّ اِمْرِئٍ مِنْكُمْ أَحَسَّ مِنْ نَفْسِهِ رَبَاطَةَ جَأْشٍ عِنْدَ اَللِّقَاءِ وَ رَأَى مِنْ أَحَدٍ مِنْ إِخْوَانِهِ فَشَلاً فَلْيَذُبَّ عَنْ أَخِيهِ بِفَضْلِ نَجْدَتِهِ اَلَّتِي فُضِّلَ بِهَا عَلَيْهِ كَمَا يَذُبُّ عَنْ نَفْسِهِ فَلَوْ شَاءَ اَللَّهُ لَجَعَلَهُ مِثْلَهُ إِنَّ اَلْمَوْتَ طَالِبٌ حَثِيثٌ لاَ يَفُوتُهُ اَلْمُقِيمُ وَ لاَ يُعْجِزُهُ اَلْهَارِبُ إِنَّ أَكْرَمَ اَلْمَوْتِ اَلْقَتْلُ وَ اَلَّذِي نَفْسُ ؟ اِبْنِ أَبِي طَالِبٍ ؟ بِيَدِهِ لَأَلْفُ ضَرْبَةٍ بِالسَّيْفِ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ مِيتَةٍ عَلَى اَلْفِرَاشِ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اَللَّهِ أقول : رواه الواقدي مع تأخير و تقديم و زيادات ، ففي ( جمل المفيد ) : روى الواقدي عن عبد اللّه بن عمر بن عليعليه‌السلام عن أبيه قال : لمّا سمع أبي أصوات الناس يوم الجمل و قد ارتفعت قال لابنه محمد : ما يقولون ؟ قال : يقولون يا ثارات عثمان فشدّ عليه ، و أصحابه يقولون له : ارتفعت الشمس و هو يقول لهم : الصبر أبلغ حجّة ثم قام خطيبا يتوكأ على قوس عربية و قال بعد الحمد و الصلاة : أما بعد ، فان الموت طالب حثيث لا يفوته الهارب و لا يعجزه فأقدموا و لا تنكلوا ، و هذه الأصوات التي تسمعونها من عدوّكم فشل و اختلاف ، إنّا كنّا نؤمر في الحرب بالصمت ، فعضّوا على الناجذ و اصبروا لوقع السيوف ،

فوالذي نفسي بيده لألف ضربة بالسيف أهون عليّ من موتة على فراشي ،

فقاتلوهم صابرين محتسبين ، فان الكتاب معكم و السنّة معكم و من كانا معه

____________________

( ١ ) الكامل لابن الأثير ٧ : ٥٠١ ٥٠٢ .

٤٧٨

فهو القوي أصدقوهم ، فأي امرئ أحسّ من نفسه شجاعة و اقداما و صبرا عند اللقاء فلا يبطرنه و لا يرى ان له فضلا على من دونه ، و ان رأى من أخيه فشلا و ضعفا فليذبّ عنه كما يذبّ عن نفسه ، فان اللّه لو شاء لجعله مثله .١ .

و روى صدره ( إرشاد المفيد ) مع زيادات فقال : لمّا دخلعليه‌السلام البصرة حرّض أصحابه على الجهاد و قال في جملة كلامه : انهدّوا إليهم و كونوا أشدّاء عليهم و القوهم صابرين تعلمون أنّكم منازلوهم و مقاتلوهم و لقد و طّنتم أنفسكم على الطعن الدعسي و الضرب الطلحفي و مبارزة الأقران و أي امرئ منكم إلى قوله « فلو شاء اللّه لجعله مثله » مع اختلاف يسير٢ .

و روى ذيله ( الكافي ) مع زيادات فقال : علي بن ابراهيم عن أبيه عن ابن محبوب رفعه انّهعليه‌السلام خطب يوم الجمل إلى أن قال أيّها الناس ان الموت لا يفوته المقيم و لا يعجزه الهارب ، ليس عن الموت محيص و من لم يقتل يمت ان أكرم الموت القتل٣ .

قول المصنف : « و من كلام لهعليه‌السلام » لو كان قال « و من خطبة لهعليه‌السلام » كان أيضا صحيحا لما عرفت من رواية الكليني و الواقدي من كون كلامهعليه‌السلام خطبة .

« قال لأصحابه في ساعة الحرب » هكذا في ( المصرية )٤ و مثله ( ابن أبي الحديد )٥ لكن في ( ابن ميثم ) : « قال لأصحابه وقت الحرب » و هو الأصح حيث ان نسخته بخط مصنّفه مع انّه يصدقه ( الخطية ) و كيف كان فلو كان قال « قبل

____________________

( ١ ) الجمل للمفيد : ١٥٠ ١٥١ و هي رواية الواقدي .

( ٢ ) الإرشاد ، للمفيد : ١٣٤ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٣ ح ٤ .

( ٤ ) الطبعة المصرية : ٢٨٩ .

( ٥ ) شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد ٧ : ٣٠٠ رواية ( ١٢٢ ) .

٤٧٩

الحرب » أو « لمّا أراد الحرب » حيث ان في رواية الواقدي بعد ذكر الخطبة « ثم دعاعليه‌السلام بدرعه فلبسه » كان أحسن١ .

و كيف كان فقد عرفت أن المراد حرب الجمل و لم يتفطنّ له الشّراح حتى قال الخوئي : لم أظفر بعد على انّه أيّ حرب .

قولهعليه‌السلام « و أي امرئ منكم أحسّ » أي : وجد و الأصل فيه سمع حسّه .

« من نفسه رباطة جأش » الأصل في الجأش الهمز٢ ، و في ( الصحاح ) : يقال « فلان رابط الجأش » و الجأش الرواع إذا اضطرب عند الفزع ، أي يربط نفسه عن الفرار لشجاعته .

« عند اللقاء » أي : لقاء العدو في الحرب .

« و رأى من أحد من أخوانه فشلا » أي : جبنا .

« فليذب » أي : يدفع العدو .

« عن أخيه بفضل نجدته » أي : زيادة شجاعته .

« كما يذبّ عن نفسه » العدوّ لأن مقصد الكلّ واحد إقامة الدين و تقويته .

و في ( الطبري ) في وقعة الطف : قاتل عمرو بن خالد الصيداوي و جابر بن الحارث السلماني و سعد مولى عمر بن خالد و مجمع بن عبد اللّه العائذي في أوّل القتال ، فشدّوا مقدمين بأسيافهم على عسكر ابن سعد ، فلما و غلوا عطفوا عليهم فأخذوا يحوزونهم و قطعوهم من أصحابهم غير بعيد ، فحمل عليهم العباس بن علي فاستنقذهم ، فجاؤوا قد جرحوا ، فلما دنا منهم عدوّهم شدّوا بأسيافهم فقتلوا في أوّل الأمر في مكان واحد٣ .

____________________

( ١ ) الجمل : ١٥٠ ١٥١ و هي رواية الواقدي .

( ٢ ) شرح منهاج البراعة لحبيب اللّه الخوئي ٨ : ١٥١ .

( ٣ ) تاريخ الملوك و الأمم للطبري ٤ : ٣٤٠ .

٤٨٠