بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 617

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 617
المشاهدات: 184947
تحميل: 6520


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 184947 / تحميل: 6520
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 13

مؤلف:
العربية

« فلو شاء اللّه لجعله » أي : المحس من نفسه رباطة جأش .

« مثله » أي : مثل أخيه الذي رأى منه فشلا ، فيجب عليه الذبّ عنه شكرا .

« إنّ الموت طالب حثيث » أي : سريع .

« لا يفوته المقيم »أينما تكونوا يدرككم الموت و لو كنتم في بروج مشيّدة .١ .

« و لا يعجزه الهارب »قل ان الموت الذي تفرّون منه فإنّه ملاقيكم .٢ .

« ان أكرم الموت القتل » فلم لا يذبّ عن أخيه خوف القتل و زاد في ( ابن ميثم ) « بالسيف »٣ .

« و الذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون علي » هكذا في ( المصرية )٤ و كلمة « علي » زائدة لعدم وجودها في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم )٥ .

« من ميتة على الفراش في غير طاعة اللّه » هكذا في ( المصرية ) أخذا من ( ابن أبي الحديد ) في قوله « في غير طاعة اللّه » حيث جعله بين قوسين كما هو دأبه في ما يأخذ منه ، و ليس في ( ابن ميثم ) ، و الظاهر زيادته لصحّة نسخة ابن ميثم و لعدم وجوده في رواية الواقدي و رواية الكليني المتقدّمتين ، و لأنّ المقام لا يقتضيه٦ .

هذا ، و قد عرفت أن رواية الواقدي « و الذي نفسي بيده لألف ضربة

____________________

( ١ ) النساء : ٧٨ .

( ٢ ) الجمعة : ٨ .

( ٣ ) ابن ميثم ٣ : ٥٥ .

( ٤ ) في الطبعة المصرية : العبارة هي « ابن ابي طالب » راجع : ٢٨٩ .

( ٥ ) ابن ابي الحديد شرح نهج البلاغة لم ترد العبارة ، ٧ : ٣٠٠ اما ابن ميثم شرح نهج البلاغة ٣ : ٥٥ .

( ٦ ) راجع المصادر المتقدمة في الهوامش ٥ ، ٦ .

٤٨١

بالسيف أهون عليّ من موتة على فراشي » .

في ( العقد ) : كانوا يتمادحون بالموت قتلا و يتهاجون بالموت على الفراش و يقولون فيه : مات حتف أنفه ، و أوّل من قاله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

و خطب ابن الزبير لمّا بلغه قتل أخيه مصعب فقال : ان يقتل فقد قتل أبوه و أخوه و عمّه ، إنّا و اللّه لا نموت حتفا و لكن تحت ظلال السيوف١ .

و قال ابن أبي الحديد روي أنّه قيل لأبي مسلم الخراساني : ان في بعض الكتب المنزلة : « من قتل بالسيف فبالسيف يقتل » فقال : القتل أحبّ إليّ من اختلاف الأطباء و النظر في الماء و مقاساة الدواء فذكر ذلك للمنصور فقال : قد أبلغناه محبته قلت : و قال المنصور له وقت قتله :

زعمت أن الدين لا يقتضى

فأستوف بالكيل أبا مجرم

سقيت كأسا كنت تسقي بها

أمرّ في الحلق من العلقم٢

و في ( الطبري ) : كان أبو مسلم قتل في دولته و حروبه ستمائة ألف صبرا٣ .

٤ الكتاب ( ١٦ ) و كان يقولعليه‌السلام لأصحابه عند الحرب :

لاَ تَشْتَدَّنَّ عَلَيْكُمْ فَرَّةٌ بَعْدَهَا كَرَّةٌ وَ لاَ جَوْلَةٌ بَعْدَهَا حَمْلَةٌ وَ أَعْطُوا اَلسُّيُوفَ حُقُوقَهَا وَ وَطِّئُوا لِلْجُنُوبِ مَصَارِعَهَا وَ اُذْمُرُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى اَلطَّعْنِ اَلدَّعْسِيِّ وَ اَلضَّرْبِ اَلطِّلَحْفِيِّ وَ أَمِيتُوا اَلْأَصْوَاتَ فَإِنَّهُ أَطْرَدُ

____________________

( ١ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ١ : ١٠١ .

( ٢ ) شرح نهج البلاغة لبن ابي الحديد ٧ : ٣٠٣ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٦ : ١٣٧ .

٤٨٢

لِلْفَشَلِ فَوَ اَلَّذِي فَلَقَ اَلْحَبَّةَ وَ بَرَأَ اَلنَّسَمَةَ مَا أَسْلَمُوا وَ لَكِنِ اِسْتَسْلَمُوا وَ أَسَرُّوا اَلْكُفْرَ فَلَمَّا وَجَدُوا أَعْوَاناً عَلَيْهِ أَظْهَرُوهُ أقول : انّما ذكره في باب الكتب و الملحق بها من العهود و الوصايا لأنّه عطفه كسابقه على قوله في ( ١٤ ) « و من وصية لهعليه‌السلام لعسكره » ، و لو كان ذكره في الأوّل أو الثالث كان له وجه أيضا .

قول المصنف : « و كان يقولعليه‌السلام » هكذا في ( المصرية )١ و مثله ابن أبي الحديد و لكن في ( ابن ميثم ) : « و كانعليه‌السلام يقول »٢ .

« لأصحابه عند الحرب » ظاهر ذيل العنوان « فو الذي . » دليل على أنّهعليه‌السلام قاله في صفين ، لأنّ معاوية هو الذي ما أسلم و لكن استسلم ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ المصنّف التقط من مواضع ، فرواه ( الكافي ) بدون ذيله ، فروى في باب ما يوصيعليه‌السلام عند القتال أنّهعليه‌السلام قال : و إذا حملتم فاحملوا فعل رجل واحد ،

و عليكم بالتحامي ، فان الحرب سجال ، لا يشتدن عليكم كرّة بعد فرّة ، و لا حملة بعد جولة ، و من ألقى إليكم السلم فاقبلوا منه ، و استعينوا بالصبر فان بعد الصبر النصر من اللّه عز و جل ان الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتّقين٣ .

قولهعليه‌السلام « لا يشتدن عليكم فرّة بعدها كرّة و لا جولة بعدها حملة » لانجبار الاولى بالثانية ، و انّما يجب أن يشتدّ عليهم فرّة بدون كرّة و جولة بدون حملة ،

ثم قد عرفت ان ( الكافي ) رواه بلفظ آخر .

« و اعطوا السيوف حقوقها » فان المقصود من حملها الضرب بها ، قال :

____________________

( ١ ) راجع الطبعة المصرية : شرح محمد عبده : ٥٣٢ ، و كذا ابن ابي الحديد ، شرح نهج البلاغة ١٥ : ١١٤ الرواية : ١٦ .

( ٢ ) ابن ميثم ٤ : ٣٨٦ الرواية ١٦ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٥ : ٤١ .

٤٨٣

بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم

و لم تكثر القتلى بها حين سلت١

أي اذا سلّوها لم يشيموها إلاّ بعد كثرة القتلى بها ، و من لا يعطي السيف حقّه يكون كمن قيل فيه :

و ما تصنع بالسيف

وضع سيفك خلخالا

« و وطئوا » هكذا في ( المصرية )٢ و نقله ابن ميثم « و وطنوا » و نسب « وطئوا » إلى رواية٣ .

« للجنوب مصارعها » فسّره بعضهم بأن المراد جنوبهم ، فيكون كناية عن أمرهم بالعزم على القتل في سبيل اللّه ، و فسّره بعضهم بأن المراد جنوب الأعداء فيكون كناية عن إحكام الضرب ليحصل هلاكهم .

« و اذ مروا » أي حثّوا ، و في ( الصحاح ) : تذامر القوم أي حثّ بعضهم بعضا ، و ذلك في الحرب٤ .

« أنفسكم على الطعن الدعسي » أي : الشديد ، فعن أبي عبيد : المداعس الصمّ من الرياح .

« و الضرب الطلخفي » بالكسر فالفتح أي : الشديد ، و مر في سابقه عن ( الإرشاد ) أنّهعليه‌السلام قال في الجمل : « و لقد وطنتم أنفسكم على الطعن الدعسي و الضرب الطلخفي »٥ .

و في ( الجمهرة ) ضرب طلخف و طلحف شديد و طلحفي و طلخفي

____________________

( ١ ) لسان العرب ٤ : ٥٧ .

( ٢ ) الطبعة المصرية : ٥٣٢ .

( ٣ ) ابن ميثم : ٤ : ٣٨٨ و الرواية ٤ : ٣٨٦ .

( ٤ ) الصحاح للجوهري : ٦٦٥ .

( ٥ ) الإرشاد للمفيد : ١٣٤ مر صفحة ١٦٣ .

٤٨٤

بالحاء و الخاء ، و الطلخف رباعي ذكره ابن دريد في الرباعي١ .

و قول ابن أبي الحديد : « اللام زائدة » غلط ، و منشأ و همه أنّ ( الصحاح ) عنون طخف ثم قال و بزيادة اللام و هو أعم٢ .

« و أميتوا الأصوات » أي : اخفوها أو اعدموها بالصمت .

« فانّه أطرد » أي : أدفع .

« للفشل » أي الجبن .

سمع أبو طاهر الجنابي ضوضاء عسكر المقتدر و دبادبهم و بوقاتهم و هم عشرون ألفا و أبو طاهر في مائة و خمسين رجلا ما كان يسمع لهم صوت حتى كأنّ الخيل ليس لها حمحمة ، فقال أبو طاهر لبعض أصحابه : ما هذا الزّجل ؟ قال : فشل قال : أجل٣ .

« فو الذي » هكذا في ( المصرية )٤ و الصواب : « و الذي » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية )٥ ، و لأنّه لا معنى للتفريع له على ما قبله .

« فلق الحبّة و برأ » أي خلق .

« النسمة » أي : الإنسان .

« ما أسلموا » للّه .

« و لكن استسلموا » للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا قهرهم يوم فتح مكّة .

« و أسرّوا الكفر فلما وجدوا أعوانا عليه » هكذا في ( المصرية )٦ و مثله ابن

____________________

( ١ ) جمهرة اللغة لابن دريد ٤ : ١١٤٢ .

( ٢ ) شرح نهج البلاغة لبن ابي الحديد : ١٥ : ١١٤ .

( ٣ ) لم نعثر عليه في كتب التاريخ و التراجم .

( ٤ ) الطبعة المصرية : ٥٣٢ .

( ٥ ) انظر ابن ابي الحديد ١٥ : ١١٤ .

( ٦ ) الطبعة المصرية : ٥٣٢ .

٤٨٥

أبي الحديد و لكن في ( ابن ميثم و الخطية ) : « عليه أعوانا » .

« أظهروه »١ في ( صفين نصر ) : قال شيخ من بكر بن وائل : كنّا مع عليعليه‌السلام بصفين فرفع عمرو بن العاص شقة خميصة سوداء في رأس رمح ،

فقال ناس : هذا لواء عقده له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فبلغ عليّاعليه‌السلام فقال : ان النبيّ أخرج هذه الشقّة و قال : من يأخذها بما فيها ؟ فقال عدوّ اللّه عمرو : و ما فيها ؟ قال : ألا تقاتل بها مسلما و لا تفر بها من كافر فأخذها و قد و اللّه فرّبها من المشركين و قاتل بها اليوم المسلمين ، و الذي فلق الحبّة ما أسلموا و لكن استسلموا و أسرّوا الكفر فلما وجدوا أعوانا رجعوا إلى عداوتهم منّا إلاّ إنّهم لم يدعوا الصلاة٢ .

و فيه قال منذر العلوي : قال محمّد بن الحنفية لمّا أتاهم اللّه من أعلى الوادي و من أسفله و ملأوا الأودية كتائب : استسلموا حتى وجدوا أعوانا٣ .

و فيه : قال حبيب بن أبي ثابت : قال رجل في صفين لعمّار : ألم يقل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : قاتلوا الناس حتى يسلموا فاذا أسلموا عصموا مني دماءهم و أموالهم قال : بلى و لكن و اللّه ما أسلموا و لكن استسلموا و أسرّوا الكفر حتى وجدوا عليه أعوانا٤ .

و ممّا يدلّ على كفر معاوية ما رواه نصر مسندا عن رجل شامي قال :

سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : شرّ خلق اللّه خمسة : إبليس ، و ابن آدم الذي قتل أخاه ،

و فرعون ذو الأوتاد ، و رجل من بني اسرائيل ردّهم عن دينهم و رجل من هذه الامة يبايع على كفره عند باب له قال الرجل : فلما رأيت معاوية يبايع عند باب

____________________

( ١ ) انظر ابن ابي الحديد ١٥ : ١١٤ .

( ٢ ) وقعة صفين ، لنصر ابن مزاحم : ٢٤١ ٢٤٢ طبعة مصر .

( ٣ ) المصدر نفسه : ٢٤٢ طبعة مصر و هو منذر الثوري .

( ٤ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ٢٤٣ طبع مصر .

٤٨٦

له ذكرت قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فلحقت بعليعليه‌السلام فكنت معه١ .

و ما رواه مسندا عن جابر الأنصاري قال : قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : يموت معاوية على غير ملّتي٢ .

و ما رواه مسندا عن الحسن البصري قال : قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : اذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقتلوه٣ .

قال الحسن : قال أبو سعيد الخدري : فلم نفعل و لم نفلح٤ .

٥ الكتاب ( ١١ ) و من وصية لهعليه‌السلام وصّى بها جيشا بعثه إلى العدوّ :

فَإِذَا نَزَلْتُمْ بِعَدُوٍّ أَوْ نَزَلَ بِكُمْ فَلْيَكُنْ مُعَسْكَرُكُمْ فِي قُبُلِ اَلْأَشْرَافِ أَوْ سِفَاحِ اَلْجِبَالِ أَوْ أَثْنَاءِ اَلْأَنْهَارِ كَيْمَا يَكُونَ لَكُمْ رِدْءاً وَ دُونَكُمْ مَرَدّاً وَ لْتَكُنْ مُقَاتَلَتُكُمْ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ أَوِ اِثْنَيْنِ وَ اِجْعَلُوا لَكُمْ رُقَبَاءَ فِي صَيَاصِي اَلْجِبَالِ وَ مَنَاكِبِ اَلْهِضَابِ لِئَلاَّ يَأْتِيَكُمُ اَلْعَدُوُّ مِنْ مَكَانِ مَخَافَةٍ أَوْ أَمْنٍ وَ اِعْلَمُوا أَنَّ مُقَدِّمَةَ اَلْقَوْمِ عُيُونُهُمْ وَ عُيُونَ اَلْمُقَدِّمَةِ طَلاَئِعُهُمْ وَ إِيَّاكُمْ وَ اَلتَّفَرُّقَ فَإِذَا نَزَلْتُمْ فَانْزِلُوا جَمِيعاً وَ إِذَا اِرْتَحَلْتُمْ فَارْتَحِلُوا جَمِيعاً وَ إِذَا غَشِيَكُمُ اَللَّيْلُ فَاجْعَلُوا اَلرِّمَاحَ كِفَّةً وَ لاَ تَذُوقُوا اَلنَّوْمَ إِلاَّ غِرَاراً أَوْ مَضْمَضَةً أقول : رواه نصر بن مزاحم في ( صفينه )٥ و ابن أبي شعبة في ( تحفه )٦

____________________

( ١ ) المصدر نفسه : ٢١٧ .

( ٢ ) بحار الأنوار ٣٣ : ١٨٧ ح ٤٦٥ ب ١٧ .

( ٣ ) بحار الأنوار ٣٣ : ١٨٦ ، ح ٤٦١ ٤٦٢ ب ١٧ .

( ٤ ) المصدر نفسه .

( ٥ ) وقعة صفين لنصر ابن مزاحم : ١٢٢ .

( ٦ ) تحف العقول لابن أبي شعبة : ١٣٠ .

٤٨٧

و الدينوري في ( طواله )١ ففي الأول : عمرو بن سعد عن يزيد بن خالد قال : ان عليّاعليه‌السلام حين أراد المسير من النخيلة دعا زياد بن النضر و شريح بن هاني و كانا على مذحج و الأشعريين بعثهما في اثنى عشر ألفا على مقدّمته شريح على طائفة و زياد على جماعة ، فأخذ شريح يعتزل بمن معه من أصحابه على حدة و لا يقرب بزياد ، فكتب زياد إليهعليه‌السلام : أما بعد فانّك و ليتني أمر الناس و ان شريحا لا يرى لي عليه طاعة و لا حقّا ، و ذلك من فعله بي استخفافا بأمرك و تركا لعهدك و كتب إليه شريح : أما بعد فان زيادا حين اشتركته في أمرك و ولّيته جندا من جنودك تنكّر و استكبر و مال به العجب و الخيلاء و الزهو إلى ما لا يرضاه الربّ تعالى ، فان رأى أمير المؤمنين أن يعزله عنّا و يبعث مكانه من يحب فليفعل فانّا له كارهون .

فكتبعليه‌السلام إليهما : أما بعد فاني قد ولّيت مقدّمتي زياد بن النضر و أمّرته عليها و شريح على طائفة منها أمير ، فان ائتما جمعكما بأس فزياد على الناس و ان افترقتما فكلّ واحد منكما أمير على الطائفة التي وليناه أمرها ، و اعلما ان مقدّمة القوم عيونهم و عيون المقدمة طلائعهم ، فاذا انتما خرجتما من بلادكما فلا تساما من توجيه الطلائع و من نقض الشعاب و الشجر و الخمر في كلّ جانب كيلا يغير كما عدو أو يكون لهم كمين ، و لا تسيرن الكتائب من لدن الصباح إلى المساء إلاّ على تعبئة ، فان دهمكم دهم أو غشيكم مكروه كنتم قد تقدّمتم في التعبئة ، و اذا نزلتم بعدوّ أو نزل بكم فليكن معسكركم في قبل الاشراف أو سفاح الجبال أو أثناء الأنهار كيما يكون ذلك ردءأ و تكون مقاتلتكم من وجه أو اثنين ، و اجعلوا رقباءكم في صياصي الجبال و بأعالي

____________________

( ١ ) الطوال للدينوري : ١٥٦ .

٤٨٨

الأشراف و مناكب الأنهار يرون لكم لئلا يأتيكم عدو من مكان مخافة أو أمن ،

و إيّاكم و التفرق ، و اذا نزلتم فانزلوا جميعا و اذا رحلتم فارحلوا جميعا ، و اذا غشيكم ليل فنزلتم فحفوا عسكركم بالرماح و الأترسة ، و رماتكم يلون ترستكم و رماحكم ، و ما أقمتم فكذلك فافعلوا كيلا تصاب لكم غفلة و لا تلفى لكم غرّة ، فما قوم حفوا عسكرهم برماحهم و ترستهم من ليل أو نهار إلاّ كانوا كأنّهم في حصون ، و احرسا عسكر كما بأنفسكما ، و إيّاكما أن تذوقوا نوما حتى تصبحا إلاّ غرارا أو مضمضة ، ثم ليكن ذلك شأنكما و دأبكما حتى تنتهيا إلى عدوّكما ، و ليكن عندي كلّ يوم خبر كما و رسول من قبلكما ، فاني و لا شي‏ء إلاّ ما شاء اللّه حثيث السير في آثار كما ، و عليكما في حربكما بالتودة و إيّاكم و العجلة إلاّ أن تمكّنكم فرصة بعد الإعذار و الحجّة ، و إيّاكما أن تقاتلا حتى أقدم عليكما إلاّ أن تبدآ أو يأتيكما أمري .

و في الثاني بعد ذكر وصيته إلى زياد بن النضر ثم أردفه بكتاب يوصيه و يحذّره ، و فيه : اعلم ان مقدّمة القوم عيونهم . .

و في الثالث : لما اجتمع إلى عليّعليه‌السلام قواصيه و انضمت إليه أطرافه تهيأ للمسير من النخيلة ، فدعا زياد بن النضر و شريح بن هاني ، فعقد لكلّ واحد منهما على ستة آلاف فارس و قال : ليس كلّ واحد منكما منفردا عن صاحبه ،

فان جمعتكما حرب فأنت يا زياد الأمير ، و اعلما أن مقدّمة القوم عيونهم و عيون المقدّمة طلائعهم .١ .

قول المصنف : « و من وصيّة لهعليه‌السلام وصّى بها جيشا » قد عرفت من رواية نصر المتقدّمة انّهعليه‌السلام كتب بالعنوان إلى رئيسي جيشه زياد بن النضر و شريح بن هاني في جعلهم مقدّمة له إلى الشام و كذا من رواية ( التحف )

____________________

( ١ ) الأخبار الطوال : ١٠٦ .

٤٨٩

المتقدّمة ، و اما رواية الدينوري المتقدّمة فالظاهر انّه أراد الاختصار و ذكر المجمل .

« بعثه إلى العدوّ » و هو معاوية و أهل الشام .

قولهعليه‌السلام « فاذا نزلتم بعدوّ أو نزل بكم فليكن معسكركم » أي مكان عسكركم .

« في قبل » أي : استقبال .

« الاشراف » أي : الأمكنة العالية قال شاعر :

كبر حتى لم يستطع ان يركب

حماره إلاّ من مكان عال

و أقود للشرف الرفيع حماري « أو سفاح الجبال » في ( الصحاح ) :١ سفح الجبل أسفله حيث يسفح فيه الماء و هو مضطجعه .

« أو أثناء الأنهار » في ( الصحاح ) : الثني من الوادي و الجبل منعطفه٢ .

« كيما يكون لكم ردءا » أي : عونا على الظفر .

« و دونكم مردا » للعدو .

« و لتكن مقاتلتكم من وجه واحد أو اثنين » لئلا يحاصركم العدو .

« و اجعلوا لكم رقباء » أي رصدا و قالوا : الاكليل رقيب الثريا اذا طلعت احداهما عشاء غابت الاخرى .

« في صياصي الجبال » أي : حصونها .

« أو بمناكب الهضاب » جمع الهضبة : الجبل المنبسط على وجه الأرض ،

و مناكبها رؤوسها .

____________________

( ١ ) الصحاح للجوهري ١ : ٣٧٥ مادة ( سفح ) .

( ٢ ) الصحاح للجوهري ٤ : ٢٢٩٤ مادة ( ثنى ) .

٤٩٠

« لئلا يأتيكم العدو من مكان مخافة أو أمن » في ( كامل المبرّد ) : كان المهلب يبثّ الاحراس في الأمن كما يبثّهم في الخوف ، و يذكي العيون في الأمصار كما يذكيها في الصحاري ، و يأمر أصحابه بالتحرّز و يخوّفهم البيات و ان بعد منهم العدو و يقول : احذروا أن تكادوا كما تكيدون و لا تقولوا غلبنا فالضرورة تفتح باب الحيلة .

و لما اجتمعت الخوارج بأرجان فنفحهم المهلب نفحة رجعوا ، فأكمن للمهلب في غمض من غموض الأرض يقرب من عسكره مائة فارس ليغتالوه ،

فسار المهلب يطوف بعسكره و يتفقّد سواده ، فوقف على جبل فقال : ان من التدبير لهذه المارقة أن تكون قد أكمنت في سفح هذا الجبل كمينا ، فبعث عشرة فوارس فاطلعوا على المكمنة ، فلما علموا انّهم قد علموا بهم قطعوا القنطرة و يئسوا من ناحيته .

قال قطري بن الفجأة و هو أحد رؤسائهم لأصحابه : المهلب من قد عرفتموه ان أخذتم بطرف ثوب أخذ بطرفه الآخر ، يمده اذا أرسلتموه و يرسله اذا مددتموه لا يبدؤكم الا أن تبدؤوه الا أن يرى فرصة فينتهزها ، فهو الليث المبر و الثعلب الرواغ و البلاء المقيم١ .

« و اعلموا ان مقدّمة القوم » في ( الصحاح ) :٢ مقدّمة الجيش بكسر الدال أوّله .

« عيونهم » في ( الصحاح ) : و العين الديدبان و الجاسوس .

« و عيون المقدّمة طلائعهم » في ( الصحاح )٣ طليعة الجيش من يبعث

____________________

( ١ ) الكامل للمبرّد ٣ : ١٠٨٢ .

( ٢ ) الصحاح للجوهري ٤ : ٢٠٠٨ مادة ( قدم ) .

( ٣ ) الصحاح للجوهري ٤ : ٢١٧٠ مادة ( عين ) .

٤٩١

ليطلع طلع العدو .

« و إيّاكم و التفرّق فاذا نزلتم فانزلوا جميعا و اذا ارتحلتم فارتحلوا جميعا » و في ( المروج ) : كانت سياسة يعقوب بن الليث الصفار انّه كان بأرض فارس و قد أباح الناس أن يرتعوا ، ثم حدث أمر أراد الرحيل من تلك الكورة ، فنادى مناديه بقطع الدواب عن الرتع ، فرؤي رجل من أصحابه قد أسرع إلى دابته و الحشيش في فمها فأخرجه من فيها مخافة أن تلوكه بعد سماعة النداء ، و أقبل على الدابة مخاطبا لها بالفارسية « دواب را از تر بريدند » يعني قطعوا الدواب عن الرطبة .

و رؤي في عسكره في ذلك الوقت رجل من قواده ذو مرتبة و الدرع الحديد على بدنه لا ثوب بينه و بين بشرته ، فقيل له في ذلك ، فقال : نادى منادي الأمير البسوا السلاح و كنت أغتسل من جنابة ، فلم يسعني التشاغل بلبس الثياب١ .

« و اذا غشيكم الليل فاجعلوا الرماح كفّة » بالضم ، فعن الأصمعي : كلّ ما استطال نحو كفة الثوب و كفّة الرمل فهو بالضمّ ، و كلّ ما استدار نحو كفّة الميزان و كفّة الصائد و كفّة اللثة فهو بالكسر .

« و لا تذوقوا النوم إلاّ غرارا » أي : قليلا ، و الأصل فيه الغرور ، و هو ما يتغرغر به من الأدوية و عن الأصمعي : يقال غارت الناقة تغار غرارا قل لبنها ،

و منه غرار النوم و هو قلته .

و قال اعرابي :

لا أذوق النوم إلاّ غرارا

مثل حسو الطير ماء الثماد

« أو مضمضة » قال المروح السلمي :

لمّا اتكأن على النمارق مضمضت

بالنوم أعينهن غير غرار

____________________

( ١ ) المروج للمسعودي ٤ : ١١٤ .

٤٩٢

و قال آخر على نقل ( الأساس ) :

يمسح بالكفين وجها أبيضا

اذا الكرى في عينه تمضمضا١

و على نقل ( الصحاح ) :

و صاحب نبهته لينهضا

اذا الكرى في عينه تمضمضا٢

و لحسان على ما في ( ديوانه ) :

ما بال عينك يا حسان لم تنم

ما ان تغمض إلا مؤثم القسم٣

٦ الكتاب ( ١٢ ) و من وصية لهعليه‌السلام لمعقل بن قيس الرياحيّ

حين أنفذه إلى الشام في ثلاثة آلاف مقدمة له :

اِتَّقِ اَللَّهَ اَلَّذِي لاَ بُدَّ لَكَ مِنْ لِقَائِهِ وَ لاَ مُنْتَهَى لَكَ دُونَهُ وَ لاَ تُقَاتِلَنَّ إِلاَّ مَنْ قَاتَلَكَ وَ سِرِ اَلْبَرْدَيْنِ وَ غَوِّرْ بِالنَّاسِ وَ رَفِّهْ فِي اَلسَّيْرِ وَ لاَ تَسِرْ أَوَّلَ اَللَّيْلِ فَإِنَّ اَللَّهَ جَعَلَهُ سَكَناً وَ قَدَّرَهُ مُقَاماً لاَ ظَعْناً فَأَرِحْ فِيهِ بَدَنَكَ وَ رَوِّحْ ظَهْرَكَ فَإِذَا وَقَفْتَ حِينَ يَنْبَطِحُ اَلسَّحَرُ أَوْ يَنْفَجِرُ اَلْفَجْرُ فَسِرْ عَلَى بَرَكَةِ اَللَّهِ فَإِذَا لَقِيتَ اَلْعَدُوَّ فَقِفْ مِنْ أَصْحَابِكَ وَسَطاً وَ لاَ تَدْنُ مِنَ اَلْقَوْمِ دُنُوَّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُنْشِبَ اَلْحَرْبَ وَ لاَ تَبَاعَدْ مِنْهُمْ تَبَاعُدَ مَنْ يَهَابُ اَلْبَأْسَ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي وَ لاَ يَحْمِلَنَّكُمْ شَنَآنُهُمْ عَلَى قِتَالِهِمْ قَبْلَ دُعَائِهِمْ وَ اَلْإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ أقول : المفهوم من كتب السير أن وصيتهعليه‌السلام إلى معقل إلى قوله « فسر

____________________

( ١ ) أساس البلاغة للزمخشري : ٤٣١ مادة ( مضض ) .

( ٢ ) الصحاح للجوهري ٢ : ١١٠٦ مادة ( مضمض ) .

( ٣ ) ديوان حسّان بن ثابت : ٣٠٠٩ .

٤٩٣

على بركة اللّه » ، و أما ما بعده « فاذا لقيت العدو . » ، فانّما وصيتهعليه‌السلام إلى الأشتر حين بعثه مددا لزياد بن النضر و شريح بن هاني و كانعليه‌السلام قدمهما من قرقيسا إلى معاوية .

اما الأول ، ففي ( صفين نصر ) عن أبي الوداك قال : ان عليّاعليه‌السلام بعث معقل بن قيس في ثلاثة آلاف و قال له : خذ على الموصل ثم نصيبين ثم القني بالرقة فإنّي موافيها و سكّن الناس و آمنهم ، و لا تقاتل إلاّ من قاتلك ، و سر البردين و غور الناس و أقم الليل و رفّه في السير ، و لا تسر أول الليل فان اللّه جعله سكنا ، أرح فيه بدنك و جندك و ظهرك ، فاذا كان السحر أو حين ينبطح الفجر فسر فخرج حتى أتى الحديثة و هي اذ ذاك منزل الناس انّما بنى مدينة الموصل بعد ذاك مروان بن محمد فاذا هم بكبشين ينتطحان و مع معقل رجل من خثعم يقال له شداد بن أبي ربيعة قتل بعد ذلك مع الحرورية ، فأخذ يقول ايه ايه فقال معقل : ما تقول ؟ فجاء رجلان نحو الكبشين فأخذ كلّ واحد كبشا ثم انصرفا .

فقال الخثعمي لمعقل : لا تغلبون و لا تغلبون قال له معقل : من أين علمت ذلك ؟ قال : أما أبصرت الكبشين أحدهما مشرق و الآخر مغرب التقيا فاقتتلا و انتطحا فلم يزل كلّ واحد منهما من صاحبه منتصفا حتى أتى كلّ واحد منهما صاحبه فانطلق به .

ثم مضوا حتى أتوهعليه‌السلام بالرقّة١ .

و أمّا الثاني فروى نصر٢ و الطبري٣ أن عليّاعليه‌السلام أرسل إلى الأشتر ان

____________________

( ١ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ١٤٨ .

( ٢ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ١٥٣ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٣ : ٥٦٤ .

٤٩٤

زيادا و شريحا ارسلا إليّ يعلماني انّهما لقيا أبا الأعور السلمي في جند من أهل الشام بسور الروم ، فنبأني الرسول انّه تركهم متوافقين ، فالنجا إلى أصحابك النجا ، فاذا أتيتهم فأنت عليهم ، و إيّاك أن تبدأ القوم بقتال إلاّ أن يبدؤوك حتى تلقاهم و تسمع منهم ، و لا يجرمنك شنآنهم على قتالهم قبل دعائهم و الاعذار إليهم مرّة بعد مرّة ، و اجعل على ميمنتك زيادا و على ميسرتك شريحا ، وقف بين أصحابك وسطا و لا تدن منهم دنو من يريد أن ينشب الحرب و لا تباعد منهم تباعد من يهاب البأس حتى أقدم إليك فاني حثيث السير إليك إن شاء اللّه١ .

قول المصنف : « و من وصيّة لهعليه‌السلام لمعقل بن قيس الرياحي » في ( الطبري ) : خرج المستورد الخارجي على المغيرة لما كان واليا على الكوفة من قبل معاوية ، فقال المغيرة لقبيصة رئيس شرطته : الصق لي بشيعة علي فأخرجهم مع معقل فان معقلا كان من رؤساء أصحابه ، فاذا بعث بشيعته الذين كانوا يعرفون فاجتمعوا جميعا استأنس بعضهم إلى بعض و تناصحوا و هم أشد استحلالا لدماء هذه المارقة و أجرأ عليهم من غيرهم ، و قد قاتلوا معهم قبل هذه المرّة إلى أن قال فمشى المستورد و معقل كلّ منهما إلى صاحبه و بيد المستورد الرمح و بيد معقل السيف ، فأشرح المستورد الرمح في صدر معقل حتى خرج السنان من ظهره ، فضربه معقل بالسيف على رأسه حتى خالط السيف أمّ الدماغ فخرّا ميتين٢ .

« حين أنفذه إلى الشام في ثلاثة آلاف » قد عرفت من رواية نصر٣

____________________

( ١ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ١٥٣ ، و تاريخ الطبري ٣ : ٥٦٤ .

( ٢ ) تاريخ الأمم و الملوك للطبري ٤ : ١٤٤ .

( ٣ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ١٦٥ طبع النجف .

٤٩٥

أنّهعليه‌السلام أنفذه من الطريق في ثلاثة آلاف من المدائن و قال له : خذ على محل الموصل ثم نصيبين ثم القني بالرّقة ، فأتاهعليه‌السلام بالرقة .

قولهعليه‌السلام « اتق اللّه الذي لا بدّ لك من لقائه »يا أيها الإنسان إنّك كادح إلى ربِّك كدحاً فملاقيه ١ .

« و لا منتهى لك دونه » ألاّ تزر وازرة وزر اُخرى و أن ليس للإنسان إلاّ ما سعى و أنّ سعيه سوف يرى ثُم يُجزاه الجزاء الأوفىو أنّ إلى ربك المنتهى ٢ .

« و سر » أمر من السير .

« البردين » أي : الغداة و العشي .

« و غور بالناس » في ( الجمهرة ) : غوّروا اذا نزلوا في الهاجرة و أراحوا٣ .

« و رفّه بالسير » أي : وسّع به عليهم من ( رفّه من خناقه ) .

« و لا تسر أوّل الليل فان اللّه جعله سكنا »فالق الإصباح و جعل الليل سكنا ٤ .

« و قدره مقاما لا ظعنا » أي : حركة .

« فأرح » أي : اعط الراحة ، قال النابغة :

و صدر أراح الليل عازب همّه .

« فيه بدنك و روّح ظهرك » قال ابن أبي الحديد : أمرهعليه‌السلام أن يريح في الليل بدنه و ظهره و هي الإبل و ( بنو فلان مظهرون ) أي : لهم ظهر ينقلون عليه كما

____________________

( ١ ) الانشقاق : ٦ .

( ٢ ) النجم : ٣٨ ٤٢ .

( ٣ ) جمهرة اللغ لابن دريد ٣ : ١٢٦٧ .

( ٤ ) الأنعام : ٩٦ .

٤٩٦

تقول منجبون أي لهم نجائب١ .

و قال الراوندي : « الظهور الخيول » و ليس بصحيح٢ .

قلت : الأظهر كون الظهر أعم من الخيل و الإبل ، فالعسكر معهم خيل يركبون عليها و إبل يحملون عليها ، فلو لم يكن الظهر هنا أعمّ لكانعليه‌السلام يقول « و روح ظهرك و خيلك » و أيضا قال في ( النهاية ) : في حديث الخيل : « و لم ينس حقّ اللّه في رقابها و لا ظهورها » حق الظهور ان يحمل عليها منقطعا به أو يجاهد عليها ، و منه الحديث الآخر : « و من حقّها إفقار ظهرها . »٣ .

اللّهم إلاّ أن يقال ان الحديثين أعم ، لأن فيهما « ظهور الخيل » و « ظهر الخيل » ، و هو غير الظهر المطلق ، كما انّه يمكن أن يقال اقتصرعليه‌السلام في ترويح الإبل لأن أتعابها أكثر بحمل الأثقال بخلاف الخيل التي يركبها الرجال .

« فاذا وقفت حين ينبطح » أي : ينبسط .

« السحر أو حين ينفجر » أي : ينشق .

« الفجر فسر على بركة اللّه ، فاذا لقيت العدوّ فقف من أصحابك وسطا » في ( عيون القتيبي )٤ : قرأت في الائين : من سنّة الحرب أن يرتاد للقلب مكانا مشرفا ، فان أصحاب الميمنة و الميسرة لا يقهرون و لا يغلبون ، و ان زالتا بعض الزوال ما ثبت القلب .

« و لا تدن من القوم دنوّ من يريد أن ينشب » أي ينشئى .

الحرب ، و لا تباعد منهم تباعد من يهاب البأس » أي : يخاف الحرب .

« حتى يأتيك أمري » و قد عرفت ان في رواية نصر « حتى اقدم عليك » .

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٥ : ٩٤ .

( ٢ ) منهاج البراعة للقطب الراوندي : عنده ٣ : ٢٥ « روح ظهرك » .

( ٣ ) النهاية لابن الأثير ٣ : ١٦٦ .

( ٤ ) العيون للقتيبي ١ : ١١٢ .

٤٩٧

« و لا يحملنّكم شنآنهم » أي : بغضهم .

« على قتالهم قبل دعائهم و الاعذار إليهم »يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين للّه شهداء بالقسط و لا يجرمنّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى . .١ .و لا يجر منّكم شنآن قوم أن صدّوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا . .٢ .

٧ الكتاب ( ١٤ ) و من وصية لهعليه‌السلام لعسكره قبل لقاء العدوّ بصفين :

لاَ تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَبْدَءُوكُمْ فَإِنَّكُمْ بِحَمْدِ اَللَّهِ عَلَى حُجَّةٍ وَ تَرْكُكُمْ إِيَّاهُمْ حَتَّى يَبْدَءُوكُمْ حُجَّةٌ أُخْرَى لَكُمْ عَلَيْهِمْ فَإِذَا كَانَتِ اَلْهَزِيمَةُ بِإِذْنِ اَللَّهِ فَلاَ تَقْتُلُوا مُدْبِراً وَ لاَ تُصِيبُوا مُعْوِراً وَ لاَ تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ وَ لاَ تَهِيجُوا اَلنِّسَاءَ بِأَذًى وَ إِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ وَ سَبَبْنَ أُمَرَاءَكُمْ فَإِنَّهُنَّ ضَعِيفَاتُ اَلْقُوَى وَ اَلْأَنْفُسِ وَ اَلْعُقُولِ إِنْ كُنَّا لَنُؤْمَرُ بِالْكَفِّ عَنْهُنَّ وَ إِنَّهُنَّ لَمُشْرِكَاتٌ وَ إِنْ كَانَ اَلرَّجُلُ لَيَتَنَاوَلُ اَلْمَرْأَةَ فِي اَلْجَاهِلِيَّةِ بِالْفَهْرِ أَوِ اَلْهِرَاوَةِ فَيُعَيَّرُ بِهَا وَ عَقِبُهُ مِنْ بَعْدِهِ قول المصنف : « و من وصيّة لهعليه‌السلام لعسكره قبل لقاء العدوّ بصفين » هكذا في ( المصرية ) :٣ و الصواب : « و من وصية لهعليه‌السلام لعسكره بصفين قبل لقاء العدو » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم )٤ .

____________________

( ١ ) المائدة : ٨ .

( ٢ ) المائدة : ٢ .

( ٣ ) الطبعة المصرية : ٥٣٠ .

( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ١٥ : ١٠٤ ، لا نرى أي اختلاف في المعنى بين العبارة التي أوردها محمد عبده و العبارة التي أوردها ابن ابي الحديد .

٤٩٨

و كيف كان ففي ( الطبري ) : أمر عليّعليه‌السلام في انسلاخ المحرم من سنة ( ٣٧ ) مرثد بن حارث الجشمي فنادى عند غروب الشمس : ألا ان أمير المؤمنين يقول لكم : « اني قد استدمتكم لتراجعوا الحق و تنيبوا إليه ، و احتججت عليكم بكتاب اللّه عز و جل فدعوتكم إليه فلم تناهوا عن طغيان و لم تجيبوا إلى حق ،

و اني قد نبذت إليكم على سواء ان اللّه لا يحبّ الخائنين » ففزع أهل الشام إلى أمرائهم و خرج معاوية و عمرو بن العاص يكتّبان الكتائب و بات عليعليه‌السلام ليلته كلّها يعبى‏ء الناس و يكتّب الكتائب و يدور في الناس يحرّضهم .

قال أبو مخنف : حدّثني عبد الرحمن بن جندب الأزدي عن أبيه أن عليّاعليه‌السلام كان يأمرنا في كلّ موطن لقينا فيه عدوّا فيقول : لا تقاتلوهم حتى يبدأوكم ، فأنتم بحمد اللّه عز و جل على حجّة ، و ترككم إيّاهم حتى يبدأوكم حجّة اخرى لكم ، فاذا قاتلتموهم فهزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا و لا تجهزوا على جريح و لا تكشفوا عورة و لا تمثّلوا بقتيل ، فاذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا و لا تدخلوا دارا إلاّ باذن و لا تأخذوا شيئا من أموالهم إلاّ ما وجدتم في عسكرهم ، و لا تهيجوا امرأة بأذي و ان شتمن أعراضكم و سببن أمراءكم و صلحاءكم ، فانّهنّ ضعاف القوى و الأنفس١ .

و رواه نصر بن مزاحم مثله و زاد : و العقول و لقد كنّا لنؤمر بالكفّ عنهنّ و انهنّ لمشركات و ان كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالهراوة أو الحديد فيعير بها عقبه من بعده٢ .

و روى ( الكافي ) في باب ما يوصيعليه‌السلام عند القتال عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه أنّهعليه‌السلام كان يأمر في كلّ موطن لقينا فيه عدوّنا فيقول : لا

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٤ : ٦ .

( ٢ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ٢٠٣ .

٤٩٩

تقاتلوا القوم حتى يبدأوكم ، فانّكم على حجّة و ترككم إيّاهم حتى يبدأوكم حجّة لكم اخرى فاذا هزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا و لا تجهزوا على جريح و لا تمثّلوا بقتيل١ .

و في حديث مالك بن أعين قال : حرّض عليعليه‌السلام الناس بصفين فقال : ان اللّه تعالى قد دلّكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم إلى أن قال و اذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا و لا تدخلوا دارا و لا تأخذوا شيئا من أموالهم إلاّ ما وجدتم في عسكرهم ، و لا تهيجوا المرأة بأذى و ان شتمن أعراضكم و سببن امراءكم و صلحاءكم ، فإنّهنّ ضعاف القوى و الأنفس و العقول ، و قد كنّا نؤمر بالكفّ عنهنّ و إنّهنّ مشركات ، و ان كان الرجل ليتناول المرأة فيعيّر بها و عقبه من بعده٢ .

قولهعليه‌السلام « لا تقاتلوهم حتى يبدأوكم فانّكم بحمد اللّه على حجّة و ترككم إيّاهم حتى يبدأوكم حجّة أخرى لكم عليهم » و كذلك ابنه الحسينعليه‌السلام يوصي أصحابه يوم الطف ، ففي ( الطبري ) : بعد ذكر إرسال عبيد اللّه بن زياد للحرّ مع ألف لإدخاله الكوفة ثم إتباعه برسول أن ينزلهعليه‌السلام على غير حصن و لا ماء :

و أخذ الحر الحسينعليه‌السلام بالنزول فقالعليه‌السلام : دعنا ننزل في هذه القرية يعني نينوى أو هذه يعني الغاضرية أو هذه يعني شفية فقال : لا و اللّه ما أستطيع ذلك ، هذا رجل قد بعث عينا عليّ فقال له زهير : يابن رسول اللّه ان قتال هؤلاء أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم ، فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به فقال الحسينعليه‌السلام : ما كنت لأبدأهم بالقتال٣ .

____________________

( ١ ) الكافي ٥ : ٣٨ ح ٣ .

( ٢ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه عن نصر بن مزاحم بحار الأنوار ٣٣ : ٣٦١ .

( ٣ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٤ : ٣٠٨ .

٥٠٠