بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 617

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 617
المشاهدات: 184913
تحميل: 6520


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 184913 / تحميل: 6520
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 13

مؤلف:
العربية

و كانت الخوارج تسمّيه الساحر ، لأنّهم كانوا يدبّرون أمرا فيجدونه سبقهم إلى نقضه ، و تمثّل كل من قطري رئيس الخوارج و الحجاج في شأن المهلب بأبيات لقيط الأيادي :

ما زال يحلب هذا الدهر أشطره

يكون متبعا طورا و متبعا

حتى استمرت على شزر سريرته

مستحكم الرأي لا قحما و لا ضرعا

و من آرائه في التدبير على الخوارج : أنّ رجلا حدادا من الأزارقة كان يعمل نصالا مسمومة فيرمي بها أصحاب المهلب ، فرفع ذلك إليه فقال : أنا أكفيكموه ، فوجّه رجلا من أصحابه بكتاب و ألف درهم إلى عسكر قطري فقال : الق هذا الكتاب في عسكره و احذر على نفسك ففعل ، و كان في الكتاب « أما بعد ، فإنّ نصالك قد وصلت إليّ و قد وجهت إليك بألف درهم فاقبضها و زدنا من هذه النصال » فوقع الكتاب و الدراهم إلى قطري فدعا بالرجل فقال :

ما هذا الكتاب ؟ قال : لا أدري قال : فهذه الدراهم ؟ قال : ما أعلم فأمر به فقتل ،

فجاءه عبد ربه الصغير مولى بني قيس بن ثعلبة فقال له : أقتلت رجلا على غير ثقة و لا تبيّن فقال له : ما حال هذه الدراهم ؟ فقال : يجوز أن يكون أمرها كذبا و يجوز أن يكون حقّا فقال له قطري : قتل رجل في صلاح الناس غير منكر ،

و للامام أن يحكم بما رآه صالحا ، و ليس للرعية أن تعترض عليه فتنكر له عبد ربه و جماعة و لم يفارقوه .

فبلغ ذلك المهلب فدسّ إليه رجلا نصرانيا فقال له : إذا رأيت قطريا فاسجد له ، فإذا نهاك فقل سجدت لك ففعل فقال له قطري : إنّما السجود للّه .

فقال له : ما سجدت إلاّ لك فقال له رجل من الخوارج :إنّكم و ما تعبدون من دون اللّه حصب جهنّم أنتم لها واردون ١ فقال قطري : إنّ هؤلاء النصارى قد

____________________

( ١ ) الأنبياء : ٩٨ .

٥٨١

عبدوا عيسى ابن مريم فما ضرّ ذلك عيسى شيئا فقام رجل من الخوارج إلى النصراني ، فقتله ، فأنكر ذلك عليه قطري و قال : أقتلت ذمّيا ؟ فاختلفت الكلمة ،

فبلغ ذلك المهلب فوجّه إليهم رجلا يسألهم عن شي‏ء تقدم به إليه ، فأتاهم الرجل فقال : أرأيتم رجلين خرجا مهاجرين إليكم فمات أحدهما في الطريق و بلغكم الآخر فامتحنتموه فلم يجز المحنة فقال بعضهم : أمّا الميت فمؤمن من أهل الجنّة و أمّا الآخر الذي لم يجز المحنة فكافر حتى يجيزها و قال قوم آخرون : بل هما كافران حتى يجيزا المحنة ، فكثر الاختلاف ، فخرج قطري إلى حدود اصطخر فأقام شهرا و القوم في اختلافهم١ .

و من أمثالهم « زاحم بعود أودع » و العود المسن من الإبل و الشاء ، قال الكرماني في ( أمثاله )٢ : أي لا تستعن إلاّ بأهل السن و التجربة في الامور .

و قال الشاعر :

حنى الشيب ظهري فاستمرت عزيمتي

و لو لا انحناء القوس لم ينفذ السهم٣

و قال ابن المعتز :

و ما ينتقص من شباب الرجال

يزد في نهاها و ألبابها٤

و قال البحتري في خضر بن أحمد :

و مصيب مفاصل الرأي ان حارب

كانت آراؤه من جنوده٥

و قال المتنبي كما في ( ابن أبي الحديد ) :

____________________

( ١ ) ذكر وقعة المهلب ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة ٤ : ١٩٥ ١٩٧ .

( ٢ ) الأمثال للميداني ١ : ٣٣٣ .

( ٣ ) نهج ٢٠ : ١٩١ .

( ٤ ) ديوان ابن المعتز : ٣١ .

( ٥ ) البحتري ٢ : ١٦٧ .

٥٨٢

الرأي قبل شجاعة الشجعان

هو أوّل و هي المحلّ الثاني

فإذا هما اجتمعا لنفس مرّة

بلغت من العلياء كلّ مكان

و لربما طعن الفتى أقرانه

بالرأي قبل تطاعن الأقران

لو لا العقول لكان أدنى ضيغم

أدنى إلى شرف من الإنسان١

قول المصنّف : « و روي » هكذا في ( المصرية )٢ و ابن ميثم ) و لكن في ( ابن أبي الحديد )٣ « و يروى » .

« من مشهد الغلام » قد عرفت أنّ الجاحظ رواه « من جلد الشاب » .

و كيف كان فنظير قولهعليه‌السلام هذا قوله « وصول مقل خير من جاف مكثر » .

هذا ، و كما أنّ رأي الشيخ خير من جلد الشاب ، قالوا : قضاء الحوائج عند الشبّان أسرع منها عند الشيوخ .

و في ( عيون ابن قتيبة ) : قال عثمان بن عطا : قضاء الحوائج عند الشباب أسهل منها عند الشيوخ ، ثم قرأ شاهدا قول يوسف لإخوته .لا تثريب عليكم اليوم يغفر اللّه لكم .٤ و قول يعقوب لهم .سوف استغفر لكم ربّي إنّه هو الغفور الرحيم ٥ ٦ .

قال البحتري في محمد بن يوسف :

علم الروم أنّ غزوك ما كان

عقابا لهم و لكن فناء

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ٢٣٧ ، و ٢٠ : ٤٣ .

( ٢ ) الطبعة المصرية : ٦٧٥ رواية ٨٦ ، ابن ميثم شرح نهج البلاغة ٥ : ٢٨٤ حكمة ٧٨ .

( ٣ ) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ١٨ : ٢٣٧ رواية ٧٣ .

( ٤ ) يوسف : ٩٢ .

( ٥ ) يوسف : ٩٨ .

( ٦ ) عيون الأخبار ٣ : ١٣٤ .

٥٨٣

بسباء سقاهم البين صرفا

و بقتل نسوا لديه السباء

يوم فرّقت من كتائب آرائك

جندا لا يأخذون عطاء

بين حزب يفلق الهام انصافا

و طعن يفرج الغماء

و بود العدو لو تضعف الجيش

عليهم و تصرف الآراء١

____________________

( ١ ) ديوان البحتري ٢ : ٣٠١ .

٥٨٤

الفصل التاسع و الاربعون في ذمّ أهل الشام و مدح أهل الكوفة

٥٨٥

ذكر في ( ١١ ) من فصل أخبارهعليه‌السلام بالغيوب ذمّ البصرة و أهلها ، و كذلك في ١٢ منه و في ( ١٤ ) منه مدح الكوفة و أهلها و في ( ١٢ ) من فصل عثمان مدح أهلها .

١ الخطبة ( ٢٣٦ ) و من خطبة لهعليه‌السلام في شأن الحكمين و ذم أهل الشام :

جُفَاةٌ طَغَامٌ عَبِيدٌ أَقْزَامٌ جُمِعُوا مِنْ كُلِّ أَوْبٍ وَ تُلُقِّطُوا مِنْ كُلِّ شَوْبٍ مِمَّنْ يَنْبَغِي أَنْ يُفَقَّهَ وَ يُؤَدَّبَ وَ يُعَلَّمَ وَ يُدَرَّبَ وَ يُوَلَّى عَلَيْهِ وَ يُؤْخَذَ عَلَى يَدَيْهِ لَيْسُوا مِنَ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ وَ لاَ مِنَ اَلَّذِينَ تَبَوَّؤُا اَلدَّارَ وَ اَلْإِيمانَ ٢ ٦ ٥٩ : ٩ أَلاَ وَ إِنَّ اَلْقَوْمَ اِخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ أَقْرَبَ اَلْقَوْمِ مِمَّا يُحِبُّونَ وَ إِنَّكُمُ اِخْتَرْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ أَقْرَبَ اَلْقَوْمِ مِمَّا تَكْرَهُونَ وَ إِنَّمَا عَهْدُكُمْ ؟ بِعَبْدِ اَللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ؟ بِالْأَمْسِ يَقُولُ إِنَّهَا فِتْنَةٌ فَقَطِّعُوا أَوْتَارَكُمْ وَ شِيمُوا سُيُوفَكُمْ فَإِنْ كَانَ صَادِقاً فَقَدْ أَخْطَأَ بِمَسِيرِهِ غَيْرَ مُسْتَكْرَهٍ وَ إِنْ كَانَ

٥٨٦

كَاذِباً فَقَدْ لَزِمَتْهُ اَلتُّهْمَةُ فَادْفَعُوا فِي صَدْرِ ؟ عَمْرِو بْنِ اَلْعَاصِ ؟ ؟ بِعَبْدِ اَللَّهِ بْنِ اَلْعَبَّاسِ ؟ وَ خُذُوا مَهَلَ اَلْأَيَّامِ وَ حُوطُوا قَوَاصِيَ اَلْإِسْلاَمِ أَ لاَ تَرَوْنَ إِلَى بِلاَدِكُمْ تُغْزَى وَ إِلَى صَفَاتِكُمْ تُرْمَى أقول : روى صدره ابن قتيبة في ( خلفائه )١ و الكليني في ( رسائله )٢ و الثقفي في كتابه ، ففي الأول : إنّ حجر بن عدي و عمرو بن الحمق و غيرهما قاموا إلى عليعليه‌السلام ٣ و قالوا : بيّن لنا قولك في أبي بكر و عمر و عثمان فقال عليعليه‌السلام : أو قد تفرغتم لهذا و هذه مصر قد افتتحت و شيعتي فيها قد قتلت ، إنّي مخرج إليكم كتابا أنبئكم فيه ما سألتموني عنه إلى أن قال في كتابهعليه‌السلام بعد ذكر الثلاثة و طلحة و الزبير ثم نظرت بعد ذلك في أهل الشام فإذا هم أعراب و أحزاب ، و أهل طمع جفاة تجمّعوا من كلّ أوب ممّن كان ينبغي أن يؤدّب و يولّى عليه و يؤخذ على يديه ، ليسوا من المهاجرين و لا الأنصار و التابعين بإحسان .

و في الثاني : نظرت إلى أهل الشام فإذا هم بقية الأحزاب و ذئاب طمع ممن ينبغي له أن يؤدّب و يحمل على السنّة ، ليسوا من المهاجرين و لا الأنصار و لا التابعين بإحسان ، فدعوتهم إلى الطاعة و الجماعة فأبوا إلاّ فراقي و شقاقي ،

ثم نهضوا في وجه المسلمين ينضحونهم بالنبل و يشجرونهم بالرماح . .

و في الثالث : ثم إنّي نظرت في أمر أهل الشام فإذا أعراب أحزاب و أهل طمع جفاة طغاة ، يجتمعون من كلّ أوب ممّن كان ينبغي أن يؤدّب و يولّى عليه و يؤخذ على يديه ، ليسوا من المهاجرين و لا الأنصار و لا التابعين بإحسان ،

____________________

( ١ ) الخلفاء لابن قتيبة : ١٥٤ .

( ٢ ) لا وجود لكتاب رسائل الائمة للكليني ، و قد نقل العلامة الكليني رسائل للائمة سندا لهذا الكتاب عن طريق السيد ابن طاووس في كتاب كشف المحجة : راجع ٥٠ : ١٥٥ في بحار الأنوار .

( ٣ ) كتاب الثقفي .

٥٨٧

فسرت إليهم . .

قول المصنّف : « و من خطبة لهعليه‌السلام » حكم بكون الكلام من خطبتهعليه‌السلام الأخير ، و أما الأوّلان و ان ذكرا تفصيلا بأنّهم سألوه عن الثلاثة فكتب لهم كتابا منه ما مر ، إلاّ أنّ في الثاني أنّ عبيد اللّه بن أبي رافع خطب بكتابهعليه‌السلام و بالجملة هو من خطبة لهعليه‌السلام إلاّ أنّه كتبها ليقرأها على الناس بعض أصحابه لمقام ذمه للمتقدّمين .

« في شأن الحكمين و ذمّ أهل الشام » ليس في تلك الخطبة ما نقله من قوله « ألا . » في الحكمين ، فلا بدّ أنّه نقله من موضع آخر و جمعه مع ذاك الكلام بالمناسبة .

و في ( اشتقاق أبي بكر الأنباري ) : قال أهل الأثر : سميت الشام شاما لأنّ قوما من كنعان بن حام خرجوا عند التفريق فتشاموا إليها أي أخذوا ذات الشمال .

قولهعليه‌السلام « جفاة » أي : أهل الجفاء .

« طغام » أي : أوغاد و رذال .

« عبيد أقزام » أي : سفلة ، قال الشاعر :

حصنوا أمّهم من عبدهم

تلك أفعال القزام الوكعة١

« جمعوا من كلّ أوب » أي : ناحية لما استولى يزيد بن المهلب على البصرة في خلعه يزيد بن عبد الملك و جاءه مسلمة بن عبد الملك و العباس بن الوليد في جنود أهل الشام لحربه قال : أتياكم في برابرة و صقالبة و جرامقة و أقباط و أنباط و أخلاط ، أقبل إليكم الفلاحون و الأوباش كأشلاء اللحم و في ( لطائف الثعالبي ) : إنّ أهل الشام مخصوصون من جميع البلدان

____________________

( ١ ) لسان العرب ١٥ : ٣٨٥ .

٥٨٨

طاعة السلطان ، و يقال : إنّ « الطّائين » من خصائص الشام يعني الطاعة و الطاعون و لم تزل الشام كثير الطواعين حتى صارت تواريخ ، و منها كانت تمتدّ إلى العراق و غيرها١ .

« و تلقطوا » أي : أخذوا ، و في ( الصحاح ) : تلقط فلان التمر أي التقطه من ههنا و ههنا ، و الألقاط من الناس : القليل المتفرقون٢ .

« من كل شوب » أي : خلط ، قال الشاعر :

من معشر كحلت باللؤم أعينهم

قفر الأكف لئام غير صياب

[ و قال آخر : ]

إن ينتسب ينسب إلى عرق و رب

أهل خزومات و شحاح و صخب٣

و قال آخر :

أبيت أهوى في شياطين ترن

مختلف نجراهم حن و جن

هذا ، و في ( المعجم ) : طلب المنصور رجالا يجعلهم بوّابين له ، فقيل له : لا يضبطهم إلاّ قوم لئام الأصول أنذال النفوس صلاّب الوجوه و لا تجدهم إلاّ في رقيق اليمامة فاشتري له مائتا غلام٤ .

في ( تفسير القمي ) : قيل لأمير المؤمنينعليه‌السلام معاوية في مائة ألف من أهل الشام فقالعليه‌السلام : لا تقولوا من أهل الشام و لكن قولوا من الشؤم ، هم من أبناء مصر لعنوا على لسان داودعليه‌السلام فجعل منهم القردة و الخنازير٥ .

و في ( صفين نصر ) : حرّض عليعليه‌السلام الناس لقتال أهل الشام فقال :

____________________

( ١ ) لا وجود له في الظرائف و اللطائف و لا في مخطوطة اللطائف للثعالي .

( ٢ ) الصحاح ٢ : ١١٥٧ ١١٥٨ مادة ( لقط ) .

( ٣ ) لسان العرب ١١ : ٢٥٢ .

( ٤ ) لا وجود له في المعجم .

( ٥ ) تفسير القمي ٢ : ٢٦٨ .

٥٨٩

سيروا إلى أعداء السنن و القرآن ، سيروا إلى بقية الأحزاب و قتلة المهاجرين و الأنصار فقام أربد الفزاري فقال : أتريد أن تسير بنا إلى إخواننا من أهل الشام فنقتلهم لك كما سرت بنا إلى إخواننا من أهل البصرة فقتلناهم كلا فقام الأشتر و قال : من لهذا ؟ فهرب فلحق في مكان من السوق تباع فيه البراذين ،

فوطؤوه بأرجلهم و ضربوه بأيديهم و نعالهم حتى قتل فقال عليعليه‌السلام : قتيل عمية ، لا يدرى من قتله ، ديته من بيت المال فقال علاقة التيمي :

أعوذ بربي أن تكون منيتي

كما مات في سوق البراذين أربد

تعاوره همدان خفق نعالهم

إذا رفعت عنه يد وضعت يد١

و في ( صفين نصر ) : لما كتبت صحيفة الصلح في التحكيم بين عليعليه‌السلام و معاوية و أهل الشام ، قيل لعليعليه‌السلام : أتقرّ أنّهم مؤمنون مسلمون ؟ فقال : ما أقرّ لمعاوية و لا لأصحابه أنّهم مؤمنون و لا مسلمون و لكن يكتب معاوية ما شاء٢ .

و في ( الاستيعاب ) : قام عبد اللّه بن بديل يوم صفين فقال : ألا إنّ معاوية ادّعى ما ليس له و نازع الأمر أهله و جادل بالباطل ليدحض به الحق و صال عليكم بالأحزاب و الأعراب و زيّن لهم الضلالة و زرع في قلوبهم حبّ الفتنة و لبّس عليهم الأمر ، و أنتم و اللّه على الحق على نور من ربكم ، فقاتلوا الطغاة الجفاة ، قاتلوهم يعذّبهم اللّه بأيديكم و يشف صدور قوم مؤمنين ، قاتلوا الفئة الباغية الذين نازعوا الأمر أهله و قد قاتلتموهم مع رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فو اللّه ما هم في هذه بأزكى و لا أتقى و لا أبرّ٣ .

____________________

( ١ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ٩٤ .

( ٢ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ٥٠٩ .

( ٣ ) الاستيعاب ، لابن عبد البر ١ : ٣٥١ في ترجمة عبد اللّه بن بديل .

٥٩٠

و في ( مروج المسعودي ) : دخل صعصعة على معاوية فقال له معاوية :

يابن صوحان إنّك لذو معرفة بالعرب و بحالها فسأله عن أهل البصرة و أهل الكوفة و أهل الحجاز ، ثم أمسك معاوية فقال له صعصعة : سل يا معاوية و إلاّ أخبرتك بما تحيد عنه قال : و ما ذاك يابن صوحان ؟ قال : أهل الشام قال :

فأخبرني عنهم قال : أطوع الناس لمخلوق و أعصاهم للخالق ، عصاة الجبّار و خلفة الأشرار ، فعليهم الدمار و لهم سوء الدار فقال معاوية : يابن صوحان إنّك لحامل مديتك منذ أزمان ، و لكن حلم ابن أبي سفيان يردّ عنك فقال صعصعة : بل أمر اللّه و قدره ، إنّ أمر اللّه كان قدرا مقدورا١ .

و في ( الطبري ) : لما خلع يزيد بن المهلب يزيد بن عبد الملك و خرج بالبصرة مرّ الحسن البصري على الناس و قد اصطفوا و نصبوا الرايات و الرماح ينتظرون خروج ابن المهلب و يقولون إنّه يدعونا إلى سنّة العمرين .

فقال الحسن : إنّما كان ابن المهلب بالأمس يضرب أعناق هؤلاء الذين ترون ثم يسرح بها إلى بني مروان يريد رضاهم ، فلما غضب غضبة نصب قصبا ثم وضع عليها خرقا و قال : إنّي خالفتهم فخالفوهم ، فقال له ناس من أصحابه :

و اللّه لكأنّك راض عن أهل الشام فقال : أنا راض عن أهل الشام قبّحهم اللّه و برحهم ، أليس هم الذين أحلّوا حرم الرسول ، يقتلون أهله ثلاثة أيام و ثلاث ليال ، قد أباحوهم لأنباطهم و أقباطهم ، يحملون الحرائر ذوات الدين ، لا ينتهون عن انتهاك حرمه ، ثم خرجوا إلى بيت اللّه الحرام فهدموا الكعبة و أوقدوا النيران بين أحجارها و أستارها ، عليهم لعنة اللّه و سوء الدار٢ .

« ممّن ينبغي أن يفقّه » في ( رحلة ابن بطوطة ) : نزلت في خارج مدينة

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٤٣ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٨٠ ، نسخة دار الكتب العلمية .

٥٩١

( صور ) من بلاد الشام على قرية معمورة على بعض المياه أريد الوضوء ،

فأتى بعض أهل تلك القرية فبدأ يغسل رجليه ثم غسل وجهه ، فأخذت عليه في فعله فقال : إنّ البناء انما ابتدأه من الأساس١ .

« و يؤدّب و يعلم و يدرب » أي : يعوّد .

« و يولّى عليه و يؤخذ على يديه » في ( المروج ) : دخل رجل من أهل الكوفة في منصرفهم عن صفين على بعير له إلى دمشق ، فتعلّق به رجل منهم فقال :

هذه ناقتي أخذت مني بصفين فارتفع أمرهما إلى معاوية ، فأقام الدمشقي خمسين رجلا بيّنة يشهدون أنّها ناقته ، فقضى معاوية على الكوفي و أمره بتسليم البعير إليه فقال الكوفي : إنّه جمل و ليس بناقة فقال معاوية : هذا حكم قد مضى و دسّ إلى الكوفي بعد تفرّقهم فأحضره و سأله عن ثمن بعيره ، فدفع إليه ضعفه و برّه و أحسن إليه و قال له : أبلغ عليّا أنّي اقابله بمائة ألف ما فيهم من يفرّق بين الناقة و الجمل .

و لقد بلغ من طاعتهم له أنّه صلّى بهم عند مسيرهم إلى صفين الجمعة في يوم الأربعاء ، و أعاروه رؤوسهم عند القتال و حملوه بها ، و ركنوا إلى قول عمرو بن العاص أنّ عليّا هو الذي قتل عمّار بن ياسر حين أخرجه لنصرته ثم ارتقى بهم الأمر في طاعته إلى أن جعلوا لعن عليعليه‌السلام سنّة ينشأ عليها الصغير و يهلك الكبير٢ .

و ذكر بعض الأخباريين أنّه قال لرجل من زعماء أهل الشام و أهل الرأي و العقل منهم : من أبو تراب هذا الذي يلعنه الإمام على المنبر ؟ قال : أراه لصّا

____________________

( ١ ) رحلة ابن بطوطة : ٣٥ .

( ٢ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٣١ .

٥٩٢

من لصوص الفتن١ .

و فيه : و قد كان عبد اللّه بن علي حين خرج في طلب مروان إلى الشام وجّه إلى السفاح أشياخا من أهل الشام من أرباب النعم و الرئاسة ، فحلفوا للسفاح أنّهم ما علموا للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قرابة و لا أهل بيت يرثونه غير بني امية حتى و لّيتم الخلافة٢ .

و فيه : لما أرسل عبد الملك الحجاج لقتال ابن الزبير بمكّة أقام بالطائف شهورا ثم زحف إلى مكّة فحاصر ابن الزبير بها و كتب إلى عبد الملك أنّي قد ظفرت بأبي قبيس ، فلما ورد كتابه على عبد الملك كبر عبد الملك فكبّر من في داره و اتصل التكبير بمن في جامع دمشق فكبّروا و اتصل ذلك بأهل الأسواق ،

ثم سألوا عن الخبر فقيل لهم : إنّ الحجاج حاصر ابن الزبير بمكة و ظفر بأبي قبيس فقالوا : لا نرضى حتى يحمل أبا قبيس الترابي الملعون إلينا مكبّلا على رأسه برنس على جمل يمرّ بنا في الأسواق٣ .

و في ( الطبري ) بعد ذكر قتل عمّار في صفين قال أبو عبد الرحمن السلمي : فلما كان الليل قلت : لأدخلن إلى أهل الشام حتى أعلم هل بلغ منهم قتل عمّار ما بلغ منّا و كنّا إذا توادعنا من القتال تحدّثوا إلينا و تحدّثنا إليهم ، فركبت فرسي ثم دخلت فإذا أنا بأربعة معاوية و أبو الأعور السلمي و عمرو بن العاص و ابنه عبد اللّه بن عمرو و هو خير الأربعة يتسايرون ، فأدخلت فرسي بينهم مخافة أن يفوتني ما يقول أحد الشقين فقال عبد اللّه لأبيه : يا أبه قتلتم هذا الرجل في يومكم هذا و قد قال فيه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ما قال قال : و ما قال ؟

____________________

( ١ ) مروج الذهب ٣ : ٤١ ٤٢ ، دار المعرفة .

( ٢ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٣٣ .

( ٣ ) مروج الذهب ٣ : ١٢٠ ، دار المعرفة .

٥٩٣

قال : ألم تكن معنا و نحن نبني المسجد و الناس ينقلون حجرا حجرا و لبنة لبنة و عمّار ينقل حجرين حجرين و لبنتين لبنتين فغشي عليه فأتاه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يمسح التراب عن وجهه و يقول : و يحك يابن سمية الناس ينقلون حجرا حجرا و لبنة لبنة و أنت تنقل حجرين حجرين و لبنتين لبنتين رغبة منك في الأجر ،

و أنت ويحك مع ذلك تقتلك الفئة الباغية ، فدفع عمرو بن العاص صدر فرسه ثم جذب معاوية إليه فقال : يا معاوية أما تسمع ما يقول عبد اللّه ؟ قال : و ما يقول ؟

فأخبره الخبر فقال معاوية : انّك شيخ أخرق و لا تزال تحدّث الحديث و أنت تدحض في قولك ، أو نحن قتلنا عمّارا ، انّما قتل عمّارا من جاء به قال أبو عبد الرحمن السلمي : فما أدري من كان أعجب هو أو هم١ .

و في ( المروج ) : قال المستكفي العباسي : ذكروا أنّ الحجاج كان قد اجتبى قوما من أهل العراق وجد عندهم من الكفاية ما لم يجد عند مختصّيه من أهل الشام فشقّ ذلك عليهم و تكلّموا فيه ، فبلغ إليه كلامهم فركب في جماعة من الفريقين و أو غل بهم في الصحراء ، فلاح لهم من بعد قطار إبل ،

فدعا برجل من أهل الشام فقال له : أمض فاعرف ما هذه الأشباح و استقص أمرها فلم يلبث أن جاء و أخبره أنّها إبل ، فقال : أمحمّلة هي أم غير محمّلة ؟

قال : لا أدري و لكن أعود و أتعرّف ذلك و قد كان الحجاج أتبعه برجل من أهل العراق و أمره بمثل ما كان أمر الشامي فلما رجع العراقي أقبل عليه الحجاج و أهل الشام يسمعون فقال : ما هي ؟ قال : إبل قال : و كم عددها ؟ قال : ثلاثون .

قال : و ما تحمل ؟ قال : زيتا قال : و من أين صدرت ؟ قال : من موضع كذا قال :

و من ربّها ؟ قال : فلان فالتفت إلى أهل الشام فقال :

____________________

( ١ ) تاريخ الامم ٤ : ٣٨ .

٥٩٤

ألام على عمرو و لو مات أو نأى

لقلّ الذي يغني غناءك يا عمرو١

و في ( عيون ابن قتيبة ) : مات رجل من جند أهل الشام ، فحضر الحجاج جنازته و كان عظيم القدر فصلّى و جلس على قبره و قال : لينزل قبره بعض إخوانه ، فنزل نفر منهم فقال أحدهم و هو يسوّي عليه أرحمك اللّه أبا فلان إن كان ما علمتك لتجيد الغناء و تسرع إلى ربّ الكأس ، و لقد وقعت موقع سوء لا تخرج منه إلى الدكة فما تمالك الحجاج أن ضحك فأكثر و كان لا يكثر الضحك في جد و لا هزل ثم قال له : لا أم لك هذا موضع هذا ؟ قال : أصلح اللّه الأمير فرسي :

حبيس لو سمعه يتغني

يا لبيني أوقدي النارا

لانتشر الأمير على سعنه و كان الميت يلقب سعنه و كان من أوحش خلق اللّه صورة فقال الحجاج : إنّا للّه ، أخرجوه عن القبر ثم قال : ما أبين حجّة أهل العراق في جهلكم يا أهل الشام ، و لم يبق أحد حضر القبر إلاّ استفرغ ضحكا٢ .

هذا ، و وصف أبو أحمد العسكري رجلا لئيما فقال : حقير فقير نذل رذل غثّ رثّ لئيم زنيم ، أشحّ من كلب و أذلّ من نقد و أجهل من بغل ، سريع إلى الشرّ بطي‏ء عن الخير ، مغلول عن الحمد مكتوف عن البذل ، جواد بشتم الأعراض سخي بضرب الأبشار ، لجوج حقود خرق نزق عسر نكد شكس شرس دعيّ زنيم ، يعتزى إلى أنباط سقاط أهل لؤم أعراق و دقة أخلاق ، و ينتمي إلى أخبث البقاع ترابا و أمرّها شرابا و أكمدها ثيابا ، فهو كما قال تعالى .و الذي خبث

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٤ : ٢٦٣ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ٥ .

٥٩٥

لا يخرج إلاّ نكداً .١ ثم كما قال الشاعر :

نبطي آباؤه لم يلده

ذو صلاح و لم يلد ذا صلاح

معشرا شبّهوا القرود و لكن

خالفوها في خفّة الأرواح

و في ( العقد ) : دخل عدي بن أرطاة الشامي على شريح القاضي ، فقال له :

أين أنت ؟ قال : بينك و بين الجدار قال : إنّي رجل من أهل الشام قال : نائي المحل سحيق الدار قال : قد تزوجت عندكم قال : بالرفاء و البنين قال : ولد لي غلام قال : ليهنك الفارس قال : و أردت أن أرحلها قال : الرجل أحقّ بأهله قال :

و شرطت لها دارها قال : الشرط أملك قال : فاحكم الآن بيننا قال : قد فعلت .

قال : على من قضيت ؟ قال : على ابن امّك قال : بشهادة من ؟ قال : بشهادة ابن اخت خالتك يريد إقراره٢ .

و في ( خلفاء القتيبي ) : بعث يزيد عبد اللّه بن مسعدة الفزاري إلى المدينة ،

فخطب الناس و قال : أهل الشام جند اللّه الأعظم و خير الخلق فقام الحارث بن مالك و قال : لعمر اللّه لنحن خير من أهل الشام ، ما نقمت من أهل المدينة إلاّ لأنّهم قتلوا أباك و هو يسرق لقاح النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنسيت طعنة أبي قتادة است أبيك بالرمح فخرج منه جعموص مثل هذا و أشار إلى ساعده ثم جلس٣ .

« ليسوا من المهاجرين و الأنصار و لا من الذين » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : « و لا الذين » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) .

« تبوؤا الدار و الإيمان » هكذا في ( المصرية ) أخذا من ابن أبي الحديد حيث جعل « و الإيمان » بين قوسين كما هو دأبه فيما يأخذه منه ، لكن الظاهر زيادته

____________________

( ١ ) الأعراف : ٥٨ .

( ٢ ) العقد الفريد ٣ : ١٠ .

( ٣ ) لم نعثر عليه في تاريخ الخلفاء لابن قتيبة .

٥٩٦

حيث قال ابن ميثم في نسخة الرضي « تبوؤا الدار » فقط و في سائر النسخ « و الإيمان » ، و لا معنى لكلامه فإنّ النهج للرضي فلا معنى لجعل نسخه من خطه هكذا و في نسخة غيره من خطه بطريق آخر ، لكن ما لم تتحقق نسخ يكون المتبع ما في نسخة ( ابن ميثم ) التي بخط المصنف .

و في ( صفين نصر ) : برز عوف بن مجزأة المرادي فارس أهل الشام يوم صفين و قال :

بالشام أمن ليس فيه خوف

بالشام عدل ليس فيه حيف

بالشام جود ليس فيه سوف

فخرج إليه عكبر الأسدي فارس أهل الكوفة و قال :

الشام محل و العراق ممطر

بها إمام طاهر مطهر

و الشام فيها أعور و معور١

« ألا و إنّ القوم اختاروا لأنفسهم أقرب القوم مما يحبّون ، و إنّكم اخترتم لأنفسكم أقرب القوم مما تكرهون » في ( صفين نصر ) : لمّا أراد الناس عليّاعليه‌السلام على أن يضح حكمين قال لهم : إنّ معاوية لم يكن ليضع لهذا الأمر أحدا هو أوثق برأيه و نظره من عمرو بن العاص ، و إنّه لا يصلح للقرشي إلاّ مثله ،

فعليكم بعبد اللّه بن عباس فارموه ، فإنّ عمرا لا يعقد عقدة إلاّ حلّها عبد اللّه و لا يحلّ عقدة إلاّ عقدها و لا يبرم أمرا إلاّ نقضه و لا ينقض أمرا إلاّ أبرمه فقال الأشعث : لا و اللّه لا يحكم فينا مضريان حتى تقوم الساعة ، و لكن اجعله رجلا من أهل اليمن إذ جعلوا رجلا من مضر فقال عليعليه‌السلام : إنّي أخاف أن يخدع يمينكم ، فان عمرا ليس من اللّه في شي‏ء حتى إذا كان له في أمر هواه فقال الأشعث : و اللّه لأن يحكما ببعض ما نكره و أحدهما من أهل اليمن أحبّ إلينا من

____________________

( ١ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ٤٥٠ .

٥٩٧

أن يكون ما نحبّ في حكمهما و هما مضريان فقالعليه‌السلام : قد أبيتم إلاّ أبا موسى ؟ قالوا : نعم ، قال : فاصنعوا ما أردتم فبعثوا إلى أبي موسى و قد اعتزل بعرض من الشام .١ .

و في ( خلفاء ابن قتيبة ) : قال الأحنف لعليعليه‌السلام : إنّ أبا موسى رجل يماني و قومه مع معاوية إلى أن قال فقالعليه‌السلام : إنّ الأشعث و القراء أتوني بأبي موسى فقالوا : ابعث هذا فقد رضيناه و لا نريد سواه و اللّه بالغ أمره .٢ .

و منه يظهر أنّ جميع أفعالهم كان بمقتضى أغراضهم لا الديانة .

« و إنّما عهدكم بعبد اللّه بن قيس » قال ابن أبي الحديد : قال ابن عبد البر : لما قتل عثمان عزل عليعليه‌السلام أبا موسى عن الكوفة ، فلم يزل واجدا لذلك على عليعليه‌السلام و حتى جاء منه ما قال حذيفة فيه ، فقد روى لحذيفة فيه كلاما كرهت ذكره٣ .

قال ابن أبي الحديد الكلام الذي أشار إليه ابن عبد البر أنّ أبا موسى ذكر عند حذيفة بالدين فقال حذيفة : أما أنتم ، و أمّا أنا فأشهد أنّه عدوّ للّه و لرسوله و حرب لهما في الحياة الدّنيا و يوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم و لهم اللعنة و لهم سوء الدار و كان حذيفة عارفا بالمنافقين أسرّ إليه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمرهم و أعلمه أسماءهم٤ .

و قال : و روي ان عمّارا سئل عن أبي موسى فقال : لقد سمعت فيه من حذيفة قولا عظيما ، سمعته يقول صاحب البرنس الأسود ثم كلح كلوحا

____________________

( ١ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ٥٠٠ .

( ٢ ) خلفاء ابن قتيبة : ١٣١ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٣ : ٣١٤ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٣ : ٣١٤ .

٥٩٨

علمت منه انّه كان ليلة العقبة بين ذلك الرهط١ .

و قال : و روي عن سويد بن غفلة قال : كنت مع أبي موسى على شاطى‏ء الفرات في خلافة عثمان ، فروى لي خبرا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال سمعته يقول : إنّ بني اسرائيل اختلفوا فلم يزل الاختلاف بينهم حتى بعثوا حكمين ضالّين ضلاّ و أضلاّ من اتبعهما و لا ينفكّ أمر امتي حتى يبعثوا حكمين يضلاّن و يضلاّن من تبعهما فقلت له : احذر يا أبا موسى أن تكون أحدهما ، فخلع قميصه و قال :

أبرأ إلى اللّه من ذلك كما أبرأ من قميصي هذا٢ .

قال : و قال أبو محمد بن متويه من المعتزلة في كتابه ( الكفاية ) : أما أبو موسى فانّه عظم جرمه بما فعله و أدّى ذلك إلى الضرر الذي لم يخف حاله ،

و كان عليعليه‌السلام يقنت عليه و على غيره فيقول : « اللّهم العن معاوية أوّلا و عمرا ثانيا و أبا أعور السلمي ثالثا و أبا موسى الأشعري رابعا »٣ .

قلت : صدق إنّ فعل أبي موسى أدّى إلى الضرر الذي لم يخف حاله ، إلاّ ان فعل أبي موسى أيضا كان من فعل أركان سقيفتهم و كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا قنت عليهم في تخلّفهم عن جيش اسامة .

و في ( مسترشد محمد بن جرير بن رستم الطبري الإمامي ) مخاطبا للعامّة : و من علمائكم أبو موسى الأشعري و قد شهد عليه حذيفة بن اليمان أنّه منافق رواه جرير بن عبد الحميد العيني٤ .

و في ( المروج ) : كان أبو موسى الأشعري يحدّث قبل وقعة صفين و يقول : إنّ الفتن لم تزل في بني اسرائيل ترفعهم و تخفضهم حتى بعثوا

____________________

( ١ ) المصدر نفسه ١٣ : ٣١٥ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٣ : ٣١٥ .

( ٣ ) المصدر نفسه .

( ٤ ) المسترشد : ١١ .

٥٩٩

حكمين إلى أن قال فقال له سويد بن غفلة : إيّاك إن أدركت ذلك الزمان أن تكون أحد الحكمين قال : أنا ؟ قال : نعم أنت فكان يخلع قميصه و يقول : لا جعل اللّه لي اذن في السماء مصعدا و لا في الأرض مقعدا فلقيه سويد بعد ذلك فقال :

يا أبا موسى أتذكر مقالتك ؟ قال : سل ربّك العافية١ .

و في ( أمالي المفيد ) مسندا عن سلمان قال : قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : تفترق امتي ثلاث فرق ، فرقة على الحق لا ينقص الباطل منه شيئا يحبوني و يحبون أهل بيتي ، مثلهم كمثل الذهب الجيد كلّما أدخلته النار فأوقدت عليه لم يزده إلاّ جودة إلى أن قال و فرقة مدهدة على ملّة السامري لا يقولون لا مساس لكنّهم يقولون لا قتال ، إمامهم عبد اللّه بن قيس الأشعري٢ « بالأمس » و المراد أيام الجمل .

« يقول إنّها فتنة » و قد كانعليه‌السلام في ذاك الوقت أخبره بعمله في هذا الوقت و هو حكمه الباطل عليهعليه‌السلام .

ففي ( مروج المسعودي ) : كاتب عليعليه‌السلام لما أراد البصرة من الربذة أبا موسى الأشعري ليستنفر الناس ، فثبطهم أبو موسى و قال : إنّما هي فتنة .

فنمى ذلك إلى عليعليه‌السلام ، فولّى على الكوفة قرضة بن كعب الأنصاري و كتب إلى أبي موسى : اعتزل عملنا يابن الحائك ، فما هذا أوّل يومنا منك و إنّ لك فيها لهنات و هنيات٣ .

« فقطعوا أوتاركم » جمع الوتر بفتحتين واحد أوتار القوس .

« و شيموا سيوفكم » و المراد بشيموا هنا الأغماد و إن قيل إنّه من الأضداد .

____________________

( ١ ) مروج الذهب ، للمسعودي ٢ : ٣٩٢ .

( ٢ ) أمالي المفيد : ٣٠ .

( ٣ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٣٥٨ .

٦٠٠