بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٧

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 621

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 621
المشاهدات: 99140
تحميل: 8073


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 99140 / تحميل: 8073
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 7

مؤلف:
العربية

به في سبيل المطعم. و زعم ارسطو أنّ الحمام يعيش ثمان سنين( ١) .

فيه: و في التأريخ أن المسترشد لما حبس رأى في منامه كأن على يده حمامة مطوّقة، فأتاه آت فقال له: خلاصك في هذا. فقيل له: بما أوّلته؟ فقال:

ببيت أبي تمام:

هنّ الحمام فإن كسرت عيافة

من حائهن فانهنّ حمام

فقتل بعد أيام سنة (٥٢٩).

و عن سفيان الثوري: كان اللعب من عمل قوم لوط.

و عن إبراهيم النخعي: من لعب بالحمام الطيّارة لم يمت حتى يذوق ألم الفقر.

و في (مسند البزاز): إنّ اللَّه تعالى أمر العنكبوت فنسجت على وجه الغار و أرسل حمامتين وحشيتين فوقفتا على فم الغار، و ان ذلك ممّا صدّ المشركين عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و إنّ حمام الحرم من نسل تينك الحمامتين( ٢) .

قلت: بل الصحيح في حمام الحرم ما رواه (الكافي) عن الصادقعليه‌السلام قال: أصل حمام الحرم بقية حمام كان لإسماعيل بن إبراهيمعليهما‌السلام اتّخذها كان يأنس بها.

و عنهعليه‌السلام : لما قال له رجل بلغني أنّ عمر رأى حماما يطير و رجل تحته يعدو، فقال شيطان يعدو تحته شيطان، ما كان اسماعيلعليه‌السلام عندكم؟ فقيل:

صديق، فقال: إن بقية حمام الحرم من حمام إسماعيلعليه‌السلام ( ٣) .

هذا، و روى عنهعليه‌السلام : يستحب أن تتخذ طيرا مقصوصا تأنس به مخافة

____________________

(١) حياة الحيوان ١: ٢٥٦ ٢٥٩، و ما نقله من عيون ابن قتيبة ٢: ٩١، و النقل بتصرف يسير.

(٢) حياة الحيوان ١: ٢٥٩ و النقل بتصرف يسير.

(٣) الكافي ٦: ٥٤٦ و ٥٤٨ ح ٣ و ١٨.

١٤١

الهوامّ.

و عنهعليه‌السلام : شكا رجل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الوحشة، فأمره أن يتخذ في بيته زوج حمام.

و عنهعليه‌السلام : ليس من بيت فيه حمام إلاّ لم يصب أهل ذلك البيت آفة من الجنّ، إن سفهاء الجنّ يعبثون في البيت فيعبثون بالحمام و يتركون الإنسان.

و عنهعليه‌السلام : احتفر أمير المؤمنينعليه‌السلام بئرا فرموا فيها، فأخبر بذلك فجاء حتى وقف عليها فقال: لتكفّن أو لأسكننّها الحمام. ثم قال أبو عبد اللَّهعليه‌السلام : ان حفيف أجنحتها تطرد الشياطين( ١) .

و في (حياة حيوان الدميري): كان هارون يعجبه الحمام و اللعب به،

فأهدي له حمام و عنده أبو البختري القاضي، فروى له أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال «لا سبق إلاّ في خف أو حافر أو جناح» وضع «أو جناح» للرشيد، فأعطاه جائزة سنيّة، فلما خرج قال: تاللَّه لقد علمت أنّه كذب على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( ٢) .

«و هذا نعام» في (الصحاح): النّعامة من الطير يذكر و يؤنث، و النّعام اسم جنس مثل حمام و حمامة( ٣) .

و في (حياة حيوان الدميري): قال الجاحظ: و الفرس يسمّونها (أشتر مرغ) و تأويله بعير و طائر، قال:

و مثل نعامة تدعى بعيرا

تعاصينا إذا ما قيل طيري

فإن قيل احملي قالت فإنّي

من الطير المرفّه في الوكور

و تزعم الأعراب أنّ النعامة ذهبت تطلب قرنين فقطعوا أذنيها فلذلك

____________________

(١) الكافي ٦: ٥٤٦ و ٥٤٨ ح ٣ و ٦ و ٥ و ١٧.

(٢) حياة الحيوان ١: ٢٦٠.

(٣) صحاح اللغة ٥: ٢٠٤٣، مادة (نعم).

١٤٢

سمّيت بالظليم.

و النّعام عند المتكلّمين على طبائع الحيوان ليست بطائر و ان كانت تبيض و لها جناح و ريش، و يجعلون الخفّاش طيرا و ان كان يحبل و يلد و له أذنان بارزتان و ليس له ريش لوجود الطيران فيه، و هم يسمّون الدّجاجة طيرا و ان كانت لا تطير.

و من أعاجيبها أنّها تضع بيضها طولا بحيث لو مد عليها خيط لاشتمل على قدر بيضها، و لم تجد لشي‏ء منه خروجا عن الآخر، ثمّ أنّها تعطي كلّ بيضة منها نصيبها من الحضن إذ كان كلّ بدنها لا يشتمل على عدد بيضها،

و هي تخرج لعدم الطعم، فإن وجدت بيض نعامة اخرى تحضنه و تنسى بيضها، و يضرب بها المثل في ذلك، قال ابن هرمة:

فاني و تركي الأكرمين

و قدحي بكفي زنادا شحاحا

كتاركة بيضها بالعراء

و ملبسة بيض اخرى جناحا

و يقال: إنّها تقسّم بيضتها أثلاثا، فمنه ما تحضنه و منه ما تجعل صفاره غذاء و منه ما تفتحه و يجعله في الهواء حتى يتعفن و يتولد منه دود، فتغذي به فراخها إذا خرجت. و النعام من الحيوان الذي يراوح و يعاقب الذكر الانثى في الحضن، و كلّ ذي رجلين إذا انكسرت له احداهما استعان بالاخرى في نهوضه ما خلا النّعامة فانّها تبقى في مكانها جاثمة حتى تهلك جوعا، قال الشاعر:

إذا انكسرت رجل النعامة لم تجد

على اختها نهضا و لا باستها حبوا

و ليس للنعام حاسة السمع و لكن له شمّ بليغ، فهو يدرك بأنفه ما يحتاج فيه إلى السمع، فربما شمّ رائحة القناص من بعد، و لذلك تقول العرب «أشمّ من نعامة» كما تقول «أشم من ذرّة».

قال ابن خالويه: ليس في الدنيا حيوان لا يسمع و لا يشرب الماء أبدا إلاّ

١٤٣

النعام و لا مخ له، و متى دميت رجل واحدة له لم ينتفع بالباقية، و الضب أيضا لا يشرب و لكنه يسمع. و من حمقها أنّها إذا أدركها القنّاص أدخلت رأسها في كثيث رمل تقدّر أنّها قد استخفت منه، و هي قوية البصر على ترك الماء، و أشدّ ما يكون عدوها إذا استقبلت الريح، و كلّما اشتدّ عصوفها كانت أشدّ عدوا،

و يبتلع العظم الصلب و الحجر و المدر و الحديد فتذيبه كالماء.

قال الجاحظ: من زعم أنّ جوف النّعام إنّما يذهب الحجارة لفرط الحرارة فقد أخطأ، و لكن لا بد مع الحرارة من غزائر، اخر، بدليل أنّ القدر يوقد عليها الأيام و لا تذهب الحجارة، و كما ان جوف الكلب و الذئب يذيبان العظم و لا يذيبان نوى التمر، و كما أن الإبل تأكل الشوك و تقتصر عليه و إن كان شديدا كشجر ام غيلان و تلقيه روثا، و إذا أكلت الشعير ألقته صحيحا، و إذا رأت النعامة في اذن صغير لؤلؤة أو حلقة اختطفتها، و النعام تبتلع الجمر فيطفئها جوفه، و لا يكون الجمر عاملا في إحراقه، و في ذلك أعجوبتان:

إحداهما: التغذّي بما لا يتغذّى به، و الثانية: الاستمراء و الهضم، و هذا غير منكر لأن السمندر يبيض و يفرخ في النار و أعلم حمزة يوم بدر بريش نعامة.

و قالوا: «مثل النعامة لا طير و لا جمل» يضرب لمن لم يحكم له بخير و لا شرّ.

و قالوا «أروى من النعامة» لأنّها لا تشرب الماء، فإن رأته شربته عبثا.

و قالوا «ركب جناح نعامة» يضرب لمن جدّ في أمر.

و قالوا «تكلم فلان فجمع بين الأروى و النعامة» إذا تكلّم بكلمتين مختلفتين، لأن الأروى يسكن الجبال و النعامة تسكن الفيافي.

و قالوا «أحمق من نعامة» و «أجبن من نعامة».

و مرارته سمّ ساعة، و ذرقه إذا أحرق و سحق و طلي على السعفة أبرأها من وقته، و قشر بيضه إذا طرح في الخلّ بعد ما يخرج جميع ما فيه تحرّك في

١٤٤

الخل و زال من موضعه الى آخر، و إذا عمل من الحديد الذي يأكله و يخرج منه سكين أو سيف لم يكلّ و لم يقم له شي‏ء( ١ ) ، و في اللسان قال الشاعر:

إن بني و قدان قوم سك

مثل النّعام و النّعام صك

سك أي: صمّ( ٢) .

«دعا كلّ طائر باسمه» الظاهر أنّه مأخوذ من قوله تعالى: و علّم آدم الأسماء كلّها( ٣) .

و عن (تفسير العياشي): سئلعليه‌السلام عن الآية ماذا علّم آدم؟ قال:

الأرضين و الجبال و الشعاب و الأودية. ثم نظر إلى بساط تحته فقال: و هذا البساط مما علّمه( ٤) .

و في أصل عبد الملك بن حكيم عن الصادقعليه‌السلام : اهدي للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ناحية فارس خوخ، فوضع بين يديه، فقال لأبي بكر: أي شي‏ء هذا؟ قال: ما أعرفه، ثم قال لعمر فقال ما أعرفه، ثم قال لعثمان فقال ما أعرفه، ثم قال لعليّعليه‌السلام فقال له: بأبي أنت و امّي تسمّيه أهل فارس الخوخ. فقال عمر: ما علّم عليّ ما يسمّيه أهل فارس، فوضع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده على علي و قال لعمر: إليك عنه، فإنّ اللَّه تعالى قد علّمه الأسماء التي علّمها أباه آدم( ٥) .

و الظاهر أنّ المراد بالاسم المسمّى، لقوله تعالى بعد ما مرّ:

ثمّ عرضهم على الملائكة( ٦ ) و المراد بالمسمّى الحقائق و إلاّ فكلّ

____________________

(١) حياة الحيوان ٢: ٣٥٥ ٣٥٩ و النقل بتصرف يسير.

(٢) أورده لسان العرب ١٠: ٤٣٩ و ٤٥٧، مادة (سك و صك).

(٣) البقرة: ٣١.

(٤) تفسير العياشي ١: ٣٢ ح ١١.

(٥) اصل عبد ملك بن حكيم: ١٠٠ و النقل بتصرف يسير.

(٦) البقرة: ٣١.

١٤٥

أهل لغة يدعون طائرا باسم.

كما إنّ الظاهر أنّ المراد بقولهعليه‌السلام «دعا» الإرادة بوجوده، قال تعالى:

إنّما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون( ١ ) ، و ليس المراد الدعاء الظاهري كما في قوله تعالى: ثمّ ادعهن يأتينك سعيا( ٢) .

هذا، و في (المعجم) لتنيس موسم يكون فيه من أنواع الطيور ما لا يكون في موضع آخر، و هي مائة و نيف و ثلاثون صنفا و هي: السلوى، القبج،

المملوح، النصطفير، الزرزور، الباز الرومي، الصفري، الدبسي، البلبل، السقاء،

القمري، الفاختة، النواح، الزريق، النوبي، الزاغ، الهدهد، الحسيني، الجرادي،

الابلق، الراهب، الخشاف، البزين، السلسلة، در داري، الشماص، البصبص،

الأخضر، الأبهق، الأزرق، الخضير، أبو الحناء، أبو كلب، أبو دنيار، وارية الليل،

وارية النهار، برقع ام علي، برقع ام حبيب، الدوري، الزنجي، الشامي، شقراق،

صدر النحاس، البلسطين، الستة الخضراء، الستة السوداء، الاطروش،

الخرطوم، ديك الكرم، الضريس، الرقشة الحمراء، الرقشة الزرقاء، الكسر جوز، الكسر لوز، السماني، ابن المرعة، اليونسة، الوروار، الصردة، الحصية الحمراء، القبرة، المطوق، السقسق، السلار، المرغ، السكسكة، الارجوجة،

الخوخة، فرد قفص، الاورث، السلونية، السهكة، البيضاء، اللبس، العروس،

الوطواط، العصفور، الروب، اللفات، الجرين، القليلة، العسر، الأحمر، الأزرق،

البشريز، البون، البرك، البرمسي، الحصاري، الزجاجي، البج، الحمر، الرومي،

الملاعقي، البط، الصني، الغرناق، الاقرح البلوى، السطرف، البشروش، وز الفرط، أبو قلمون، أبو قير، أبو منجل، البجع الكركي، الغطاس، البلجوب،

____________________

(١) يس: ٨٢.

(٢) البقرة: ٢٦٠.

١٤٦

البطميس، البجوية، الرقادة، الكروان البحري، الكروان الحرحي، القرلّي،

الخروطة، الحلف، الأرميل، القلقوس، اللدد، العقعق، البوم، الورشان، القطا،

الدراج، الحجل، البازي، الصردي، الصقر، الهام، الغراب، الابهق، الباشق،

الشاهين، العقاب، الحداء، الرخمة، و يصل إليه طير كثير لا يعرف اسمه صغار و كبار( ١) .

و يمكن أن يكون قوله «دعا كلّ طائر باسمه» من يكون اسمها حكاية صوتها، كما في القطاة فقالوا «أصدق من قطاة» لأنّها إذا صوتت عرفت،

و قالوا «أنسب من قطاة» أيضا لذلك، و يقال لها لذلك الصادقة، قال أبو وجرة السعدي:

ما زلن ينسبن وهنا كلّ صادقة

باتت تباشر عرما غير أزواج

و في (أمثال الميداني) في «أصدق من قطاة» الضمير في «ما زلن» راجع إلى الاتن التي وردت الماء، و معنى «ينسبن كلّ صادقة» اثارتها القطا عن أماكنها حتى قالت قطا قطا، و جعل الفعل لهن مجازا( ٢) .

قلت: و في الفارسية يقال لها «كغا»، و هو أيضا حكاية صوته و اختلاف التعبير من اختلاف الطبع( ٣ ) . و قيل في القطا «حذاء مدبرة سكاء مقبلة للماء في النحر منها نوطة عجب». قال ابن الأعرابي: قيل لها حذاء لقصر ذنبها و سكاء لأنّه لا اذن لها( ٤) .

«و كفل له برزقه» في (توحيد المفضل): فكّر في حوصلة الطائر و ما قدر له، فان مسلك الطعام إلى القانصة ضيق، لا ينفذ فيه الطعام إلاّ قليلا قليلا، فلو

____________________

(١) معجم البلدان ٢: ٥٢.

(٢) مجمع الأمثال ١: ٤١٢.

(٣) لم أجد كلمة «كغا» في معاجم اللغة الفارسية و لعلّه كان لغة أهل تستر أو موضع آخر.

(٤) جاء هذا في لسان العرب ٧: ٤٣٠، مادة (نوط)، نقلا عن ابن سيدة.

١٤٧

كان الطائر لا يلقط حبّة ثانية حتى تصل الاولى إلى القانصة لطال عليه، و متى كان يستوفي طعمه فإنّما يختلسه اختلاسا لشدّة الحذر، فجعلت له الحوصلة كالمخلاة المعلقة أمامه ليوعي فيها ما أدرك من الطعم بسرعة، ثم تنفذه إلى القانصة على مهل. و في الحوصلة أيضا خلّة اخرى، فإنّ من الطائر ما يحتاج إلى أن يزقّ فراخه فيكون ردّه للطعم من قرب، أسهل عليه( ١) .

«و أنشأ السحاب الثقال» و هو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلّت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميّت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كلّ الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلّكم تذكّرون( ٢) .

«فأهطل» أي: تتابع و أدام «ديمها» مطرها الذي ليس فيه رعد، و لا برق، قال امرؤ القيس:

ديمة هطلاء فيها و طف

طبق الأرض تحرّى و تدر(٣)

«و عدد قسمها» في (توحيد المفضل): فكّر في الصحو و المطر كيف يتعاقبان على هذا العالم بما فيه صلاحه، و لو دام أحدهما عليه كان في ذلك فساده، ألا ترى أنّ الأمطار إذا توالت عفنت البقول و الخضر و استرخت أبدان الحيوان و حصر الهواء، فأحدث ضروبا من الأمراض و فسدت الطرق و المسالك و إنّ الصحو إذا دام جفّت الأرض و احترق النبات و غيض ماء العيون و الأودية، فأضرّ ذلك بالنّاس و غلب اليبس على الهواء، فأحدث ضروبا اخرى من الأمراض، فإذا تعاقبا على العالم هذا التعاقب اعتدل الهواء و دفع كلّ واحد منهما عادية الآخر، فصلحت الأشياء و استقامت( ٤) .

____________________

(١) توحيد المفضل: ١١٦ و النقل بتصرف يسير.

(٢) الاعراف: ٥٧.

(٣) أورده لسان العرب ١٢: ٢١٤، مادة (دوم).

(٤) توحيد المفضل: ١٤٨، و النقل بتصرف يسير.

١٤٨

«فبلّ الأرض بعد جفوفها» بابعاد الشمس عنها و إنزال المطر عليها أو لم يَرَ الذين كفروا أنّ السماوات و الأرض كانتا رتقا ففتقناهما و جعلنا من الماء كلّ شي‏ء حيّ أفلا يؤمنون( ١) .

و في (توحيد المفضل): تأمّل نزول المطر على الأرض و التدبّر في ذلك،

فانّه جعل ينحدر عليها من علو ليغشى ما غلظ و ارتفع منها فيرويها، و لو كان أنّما يأتيها من بعض نواحيها لما علا المواضع المشرفة منها و يقلّ ما يزرع في الأرض. ألا ترى أنّ الذي يزرع سيحا أقل من ذلك فالأمطار هي التي تطبق الأرض و ربما تزرع هذه البراري الواسعة و سفوح الجبال و ذراها فتغل الغلة الكثيرة، و بها يسقط عن الناس في كثير من البلدان مؤنة سياق الماء من موضع إلى موضع و ما يجري في ذلك بينهم من التشاجر و التظالم حتى يستأثر بالماء ذوو العز و القوّة و يحرمه الضعفاء.

ثم إنّه حين قدّر أن ينحدر على الأرض انحدارا جعل ذلك قطرا شبيها بالرش ليغور في قعر الأرض فيرويها، و لو كان يسكبه انسكابا كان ينزل على وجه الأرض فلا يغور فيها، ثمّ كان يحطم الزروع القائمة إذا اندفق عليها فصار ينزل نزولا رقيقا فينبت الحب المزروع و يحيي الأرض و الزرع القائم،

و في نزوله أيضا مصالح اخرى فإنّه يلين الأبدان و يجلو كدر الهواء، فيرتفع الوباء الحادث من ذلك و يغسل ما يسقط على الشجر و الزرع من الداء المسمّى باليرقان الى أشباه هذا من المنافع( ٢) .

«و أخرج نبتها بعد جدوبها» أي: قحطها.

و في (توحيد المفضل): و لو أن ملكا من الملوك قسم في أهل مملكته

____________________

(١) الأنبياء: ٣٠.

(٢) توحيد المفضل: ١٤٩ و النقل بتصرف يسير.

١٤٩

قناطير من ذهب و فضة، ألم يكن سيعظم عندهم و يذهب له به الصوت، فأين هذا من مطرة رواء يعمّ به البلاد و يزيد في الغلات أكثر من قناطير الذهب و الفضة في أقاليم الأرض كلّها، أفلا ترى المطرة الواحدة ما أكبر قدرها و أعظم النعمة على الناس فيها و هم عنها ساهون، و ربما عاقت عن أحدهم حاجة لا قدر لها فيتذمر و يسخط ايثارا للخسيس قدره على العظيم نفعه جميلا محمود العاقبة و قلّة معرفة لعظيم الغناء و المنفعة فيها( ١) .

____________________

(١) المصدر السابق.

١٥٠

الفصل الثامن عشر في العلوم مذمومها و ممدوحها

١٥١

١٥٢

١ - الخطبة (٧٧) و من كلام لهعليه‌السلام قاله لبعض أصحابه لما عزم على المسير إلى الخوارج، فقال له: يا أمير المؤمنين، إن سرت في هذا الوقت خشيت ألا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم. فقالعليه‌السلام :

أَ تَزْعُمُ أَنَّكَ تَهْدِي إِلَى اَلسَّاعَةِ اَلَّتِي مَنْ سَارَ فِيهَا صُرِفَ عَنْهُ اَلسُّوءُ وَ تُخَوِّفُ مِنَ اَلسَّاعَةِ اَلَّتِي مَنْ سَارَ فِيهَا حَاقَ بِهِ اَلضُّرُّ فَمَنْ صَدَّقَكَ بِهَذَا فَقَدْ كَذَّبَ؟ اَلْقُرْآنَ؟ وَ اِسْتَغْنَى عَنِ اَلاِسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ فِي نَيْلِ اَلْمَحْبُوبِ وَ دَفْعِ اَلْمَكْرُوهِ وَ تَبْتَغِي فِي قَوْلِكَ لِلْعَامِلِ بِأَمْرِكَ أَنْ يُولِيَكَ اَلْحَمْدَ دُونَ رَبِّهِ لِأَنَّكَ بِزَعْمِكَ أَنْتَ هَدَيْتَهُ إِلَى اَلسَّاعَةِ اَلَّتِي نَالَ فِيهَا اَلنَّفْعَ وَ أَمِنَ اَلضُّرَّ ثم أقبلعليه‌السلام على الناس فقال أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِيَّاكُمْ وَ تَعَلُّمَ اَلنُّجُومِ إِلاَّ مَا يُهْتَدَى بِهِ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ فَإِنَّهَا تَدْعُو إِلَى اَلْكَهَانَةِ وَ اَلْمُنَجِّمُ كَالْكَاهِنِ وَ اَلْكَاهِنُ كَالسَّاحِرِ وَ اَلسَّاحِرُ

١٥٣

كَالْكَافِرِ وَ اَلْكَافِرُ فِي اَلنَّارِ سِيرُوا عَلَى اِسْمِ اَللَّهِ قال الخوئي: مستند هذا الكلام روي مختلفا، منها قول ابن أبي الحديد في خطبة (٣٦): روى ابن ديزيل قال: عزم عليّعليه‌السلام على الخروج من الكوفة الى الحرورية، و كان في أصحابه منجم، فقال له: لا تسر في هذه الساعة، و سر على ثلاث ساعات مضين من النهار، فانّك ان سرت في هذه الساعة أصابك و أصاب أصحابك أذى و ضرر شديد، و ان سرت في الساعة التي أمرتك بها ظفرت بمطلوبك و ظهرت و أصبت ما طلبت. فقال له عليعليه‌السلام : أتدري ما في بطن فرسي هذه أ ذكر هو أم انثى؟ قال: ان حسبت علمت. فقال: من صدّقك بهذا فقد كذّب القرآن، قال اللَّه تعالى: انّ اللَّه عنده علم الساعة و ينزّل الغيث و يعلم ما في الأرحام...( ١) .

ثم قال: ان محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان يدّعي علم ما ادّعيت علمه، أ تزعم انّك تهدي إلى الساعة التي يصيب النفع من سار فيها و صرفته عن الساعة التي يحيق السوء بمن سار فيها، فمن آمن بك في هذا لم آمن عليه أن يكون كمن اتخذ من دون اللَّه ضدّا و ندا، اللّهم لا طير إلاّ طيرك و لا ضير إلاّ ضيرك و لا إله غيرك. ثم قال: نخالف و نسير في الساعة التي نهيتنا عنها.

ثم أقبل على الناس و قال: أيّها الناس إيّاكم و تعلّم النجوم إلا ما يهتدى به في ظلمات البر و البحر، إنما المنجم كالكاهن و الكاهن كالكافر و الكافر في النار، أما و اللَّه لئن بلغني انك تعمل بالنجوم لأخلدنك في السجن أبدا ما بقيت و لأحرمنك العطاء ما كان لي من سلطان.

ثم سار في الساعة التي نهاه عنها المنجم فظفر بأهل النهر، ثم قال: لو سرنا في الساعة التي أمرنا بها المنجّم لقال الناس سار في تلك الساعة فظفر

____________________

(١) لقمان: ٣٤.

١٥٤

و ظهر، أما انّه ما كان لمحمّد منجّم و لا لنا من بعده حتى فتح اللَّه علينا بلاد كسرى و قيصر، أيّها الناس توكلوا على اللَّه وثقوا به فانّه يكفي ممّن سواه.

قال: و منها ما في (البحار) عن (مجالس الصدوق) و عن (نجوم ابن طاووس) عن (عيون جواهر الصدوق) باسناده عن نصر بن مزاحم باسناده عن عبد اللَّه بن عوف قال: لمّا أراد أمير المؤمنينعليه‌السلام المسير الى النهروان أتاه منجم فقال له: لا تسر في هذه الساعة و سر في ثلاث ساعات مضين من النهار. فقالعليه‌السلام : و لم ذلك؟ قال: لأنّك ان سرت في هذه الساعة أصابك و أصاب أصحابك أذى و ضرّ شديد، و ان سرت في الساعة التي أمرتك ظفرت و ظهرت و أصبت ما طلبت فقالعليه‌السلام له: أ تدري ما في بطن هذه الدابة أ ذكر أم انثى؟ قال: ان حسبت علمت. قالعليه‌السلام : من صدّقك على هذا القول كذّب بالقرآن، قال تعالى ان اللَّه عنده علم الساعة و ينزّل الغيث و يعلم ما في الأرحام و ما تدري نفس ماذا تكسب غدا و ما تدري نفس بأيّ أرض تموت( ١ ) ما كان محمّد يدّعي ما ادّعيت، أ تزعم انّك تهدي الى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء، و الساعة التي من سار فيها حاق به الضر، و من صدّقك بهذا استغنى بقولك عن الاستعانة باللَّه عزّ و جلّ في ذلك الوجه و أحوج إلى الرغبة إليك في دفع المكروه عنه و ينبغي له أن يوليك الحمد دون ربه عز و جل،

فمن آمن لك بهذا فقد اتخذك من دون اللَّه ضدّا و ندا.

ثم قال: اللهمّ لا طير إلاّ طيرك و لا ضير إلاّ ضيرك و لا خير إلاّ خيرك، بل نكذّبك و نخالفك و نسير في الساعة التي نهيت عنها.

قال: و منها ما فيه و في الاحتجاج عن سعيد بن جبير قال: استقبل أمير المؤمنينعليه‌السلام دهقان من دهاقين الفرس فقال لهعليه‌السلام بعد التهنئة: تناحست

____________________

(١) لقمان: ٣٤.

١٥٥

النجوم الطالعات و تناحست السعود بالنحوس، و إذا كان مثل هذا اليوم وجب على الحكيم الاختفاء، و يومك هذا صعب قد انقلب فيه كوكبان و انقدحت من برجك النيران و ليس الحرب لك بمكان.

فقالعليه‌السلام : ويحك يا دهقان المنبّئ بالآثار المحذّر من الأقدار، ما قصّة صاحب الميزان و قصّة صاحب السرطان، و كم المطالع من الأسد و الساعات من المحركات، و كم بين السراري و الدراري؟ قال: سأنظر و أو مأبيده الى كمه و أخرج منه اسطرلابا ينظر فيه فتبسمعليه‌السلام و قال: أتدري ما حدث البارحة؟ وقع بيت بالصين، و انفرج برج ماجين، و سقط سور سرنديب،

و انهزم بطريق الروم بأرمينية، و فقد ديان اليهود بأيلة، و هاج النمل بوادي النمل، و هلك ملك افريقية، أ كنت عالما بهذا؟ قال: لا. فقالعليه‌السلام : البارحة سعد سبعون ألف عالم، و ولد في كلّ عالم سبعون ألفا، و الليلة يموت مثلهم و هذا منهم و أو مأبيده إلى سعد بن مسعدة الحارثي و كان جاسوسا للخوارج في عسكره فظن انّه يقول خذوه فأخذ بنفسه فمات.

فخر الدهقان ساجدا فقالعليه‌السلام : ألم أروك من عين التوفيق؟ قال: بلى.

قال: أنا و صاحبي لا شرقي و لا غربي، نحن ناشئة القطب و أعلام الفلك، أما قولك «انقدحت من برجك النيران» فكان الواجب أن تحكم به لي لا علي، أما نوره و ضياؤه فعندي و أما حريقه و لهيبه فذهب عنّي، فهذه مسألة عميقة أحسبها ان كنت حاسبا.

قال: و فيه عن ابن رستم الطبري مسندا عن قيس بن سعد قال: كنت كثيرا اساير أمير المؤمنينعليه‌السلام إذا سار إلى وجه من الوجوه، فلما قصد أهل النهروان و صرنا بالمدائن خرج اليه قوم من دهاقينهم معهم براذين قد جاءوا بها هدية إليه فقبلها، و كان فيمن تلقاه دهقان يدعى سر سفيل و كانت الفرس تحكم برأيه فيما مضى، فلما بصر بهعليه‌السلام قال له: لترجع عمّا قصدت. قال:

١٥٦

و لم؟ قال: تناحست النجوم الطوالع، فنحس أصحاب السعود و سعد أصحاب النحوس، و لزم الحكيم في مثل هذا اليوم الاختفاء و الجلوس، و ان يومك هذا مميت قد اقترن فيه كوكبان قتالان، و شرف فيه بهرام في برج الميزان،

و انقدحت من برجك النيران، و ليس الحرب لك بمكان.

فتبسمعليه‌السلام و قال: أيها الدهقان المنبّئ بالأخبار و المحذر من الأقدار، ما نزل البارحة في آخر الميزان و أي نجم حل في السرطان؟ قال: سأنظر ذلك و أخرج من كمّه اسطرلابا و تقويما. فقالعليه‌السلام : أنت مسيّر الجاريات؟ قال: لا.

قال: فأنت تقضي على الثابتات؟ قال: لا. قال: فأخبرني عن طول الأسد و تباعده عن الطوالع و المراجع و ما للزهرة من التوابع و الجوامع. قال: لا علم لي بذلك.

قال: فما بين السراري الى الدراري، و ما بين الساعات إلى المعجزات، و كم قدر شعاع المبدرات، و كم يحصل الفجر من الغدوات؟ قال: لا علم لي بذلك.

قال: فهل علمت أن الملك انتقل اليوم من بيت الى بيت بالصين، و انقلب برج ماجين، و احترق دور بالزنج، و طفح جب سرنديب، و تهدّم حصن الأندلس، و هاج نمل الشح، و انهزم مراق الهندي، و فقد ديان اليهود بأيلة،

و هزم بطريق الروم برومية، و عمي راهب عمورية، و سقطت شرفات القسطنطينية، أ فعالم أنت بهذه الحوادث و ما الذي أحدثها شرقيها أو غربيها من الفلك؟ قال: لا علم لي بذلك.

قال: و بأي الكواكب تقضي في أعلى القطب و بأيّها تنحس من تنحس.

قال: لا علم لي بذلك. قال: فهل علمت أنّه سعد اليوم اثنان و سبعون عالما في كلّ عالم سبعون عالما منهم في البر و منهم في البحر و بعض في الجبال و بعض في الغياض و بعض في العمران و ما الذي أسعدهم. قال: لا علم لي بذلك.

قال: يا دهقان أظنّك حكمت على اقتران المشتري و زحل لما استنارا لك

١٥٧

في الغسق، و ظهر تلألؤ شعاع المريخ و تشريقه في السحر، و قد سار فاتصل جرمه بجرم تربيع القمر، و ذلك دليل على استحقاق ألف ألف من البشر كلّهم يولدون اليوم و الليلة و يموت مثلهم و يموت هذا و أشار الى جاسوس في عسكره لمعاوية فإنّه منهم. فلما قالعليه‌السلام ذلك ظن الرجل انّه قال خذوه، فأخذ شي‏ء بقلبه فمات لوقته. فقالعليه‌السلام : ألم أرك عين التقدير في غاية التصوير؟

قال: بلى أنا و صحبي هؤلاء لا شرقيون و لا غربيون، انما نحن ناشئة القطب،

و ما زعمت انه انقدح البارحة من برجي النيران فقد كان يجب أن تحكم لي به لأن نوره و ضياءه عنده و لهبه ذاهب عنه، يا دهقان هذه قصة عجيبة فاحسبها و ولدها ان كنت عالما بالأكوار و الأدوار. فقال: لو علمت ذلك لعلمت تحصى عقود القصب في هذه الأجمة.

و مضىعليه‌السلام فهزم أهل النهروان فقال الدهقان: ليس هذا العلم مما في أيدي زماننا، هذا علم مادته في السماء( ١) .

قلت: الأصل في الأولين واحد، و في الأخيرين واحد، و انما مستند العنوان الأولان دون الأخيرين، فانّهما و ان تضمنا نهي منجم لهعليه‌السلام عن السير لما أراد النهروان، لكن مضمونهما غير مضمونه، كما لا يخفى.

و مما هو مستنده غير ما مر ما رواه سبط ابن الجوزي في تذكرته عن عكرمة عن ابن عباس و عن الشعبي عن أبي أراكة ان أمير المؤمنينعليه‌السلام لما انصرف من الأنبار أو الكوفة لقتال الخوارج بالنهروان كان معه مسافر بن عوف ابن الأحمر و كان ينظر في النجوم فقال لعليّعليه‌السلام : لا تسر في هذه

____________________

(١) نقله الخوئي في شرحه ٢: ٢١٥ ٢١٨، و ما عن ابن أبي الحديد في شرحه ٢: ٢٦٩ و ما عن أمالي الصدوق ففيه:

٣٣٨ ح ١٦ المجلس ٦٤، و ما عن فرج المهموم ففيه: ٥٧، و رواه في بحار الأنوار ٥٨: ٢٢٣ ح ٤، و ما عن الاحتجاج ففيه ١: ٢٣٩، و ما عن ابن رستم الطبري فرواه عنه في فرج المهموم: ١٠٢.

١٥٨

الساعة و سر في ثلاث ساعات من النهار. قال: و لم؟ قال: لأنّك ان سرت الساعة أصابك و من معك بلاء و شدّة، و ان سرت في الساعة الثالثة ظفرت.

فقالعليه‌السلام : اللَّه لا إله إلاّ هو و على اللَّه فليتوكل المؤمنون، قال اللَّه تعالى لنبيّه:

قل لا أملك لنفسي نفعا و لا ضرّا إلاّ ما شاء اللَّه و لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير و ما مسّني السوء( ١ ) و سمعت رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول:

من صدّق منجما أو كاهنا فكأنما كذّب ما انزل على محمّد و في رواية فقد كفر و سمعته يقول انما أخاف على امتي اثنين التصديق بالنجوم و التكذيب بالقدر.

إلى أن قال: من صدقك بهذا القول كذّب بالقرآن، قال اللَّه تعالى: انّ اللَّه عنده علم الساعة( ٢ ) ، و ما كان محمّد يدّعي ما ادّعيت علمه، فمن صدقك في قولك كان كمن اتخذ من دون اللَّه اندادا، اللّهمّ لا طائر إلاّ طائرك و لا خير إلاّ من عندك و لا إله غيرك.

ثم قال: يا ابن الأحمر نكذّبك و نخالفك و نسير في الساعة التي نهيت عنها، ثم أقبل على الناس و قال: إيّاكم و تعلّم النجوم إلاّ ما تهتدون به في ظلمات البر و البحر، المنجم كافر و الكافر في النار، يا ابن الأحمر و اللَّه لئن بلغني انّك بعدها تنظر في النجوم و تعمل فيها لأجلدنّك جلد المفتري،

و لأخلدنك في الحبس ما بقيت و بقيت، و لأحرمنك العطاء ما عشت و كان لي سلطان. ثم سارعليه‌السلام في الساعة التي نهاه عن السير فيها فظفر بالخوارج و أبادهم.

ثم قال: فتحنا بلاد كسرى و قيصر و تبّع و حمير و جميع البلدان بغير

____________________

(١) الأعراف: ١٨٨.

(٢) لقمان: ٣٤.

١٥٩

قول منجم، أيّها الناس توكّلوا على اللَّه و اتقوه و اعتمدوا عليه، ألا ترون انّه لو سرنا في الساعة التي أشار إليها المنجم لقال الناس انما ظفرنا بقول المنجم،

فثقوا باللَّه و اعلموا أن هذه النجوم مصابيح جعلت زينة، و رجوما للشياطين،

و يهتدى بها في ظلمات البر و البحر، و المنجمون أضداد الرسل يكذبون بما جاءوا به من عند اللَّه لا يرجعون إلى قرآن و لا شرع، انما يتسترون بالإسلام ظاهرا و يستهزؤن بالنبيين باطنا، فهم الذين قال اللَّه فيهم: و ما يؤمن أكثرهم باللَّه إلاّ و هم مشركون( ١) .

و في رواية: ان ابن احمر قال لهعليه‌السلام : لا تسر في هذه الساعة. قال: و لم؟

قال: لأن القمر في العقرب. فقالعليه‌السلام : قمرنا أو قمرهم( ٢) .

و في (أنساب البلاذري): في مسيرهعليه‌السلام إلى النهروان و أتاه مسافر بن عفيف الأزدي، فقال: لا تسر في هذه الساعة. فقال له: و لم، أتدري ما في بطن هذه الفرس؟ قال: ان نظرت علمت. فقالعليه‌السلام : ان من صدّقك في هذا القول يكذّب بكتاب اللَّه، لأن اللَّه يقول في كتابه ان اللَّه عنده علم الساعة و ينزّل الغيث و يعلم ما في الأرحام و ما تدري نفس ماذا تكسب غدا و ما تدري نفس بأيّ أرض تموت( ٣ ) . و تكلّم في ذلك بكلام كثير و قال: لئن بلغني انّك تنظر في النجوم لأخلدنك في الحبس مادام لي سلطان، فو اللَّه ما كان محمّد بمنجم و لا كاهن( ٤) .

قول المصنف: (و من كلام لهعليه‌السلام قاله لبعض أصحابه) قد عرفت من رواية سبط ابن الجوزي انّه كان مسافر بن عوف بن احمر، و مقتضى رواية

____________________

(١) يوسف: ١٠٦.

(٢) تذكرة الخواص: ١٥٨.

(٣) لقمان: ٣٤.

(٤) انساب الأشراف ٢: ٣٦٨.

١٦٠