بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٧

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 621

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 621
المشاهدات: 99209
تحميل: 8081


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 99209 / تحميل: 8081
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 7

مؤلف:
العربية

و لا يروا مكانه و لا تناله أيديهم( ١) .

(بيان) النغف: دود يكون في أنوف الابل و الشاة و في النواة.

و روى الصدوق: ان رجلا قال للصادقعليه‌السلام : بلغنا أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال:

«أيما رجل ترك دينارين فهما كي بين عينيه». فقالعليه‌السلام : أولئك قوم كانوا أضيافا على النبي، فإذا أمسى قال لأصحابه: يا فلان اذهب فعش هذا، فإذا أصبح قال: يا فلان اذهب فغد هذا، فلم يكونوا يخافون أن يصبحوا بغير غداء و لا عشاء، فجمع رجل منهم دينارين، فقال النبي فيه هذه المقالة، و للرجل أن يأخذ ما يكفيه و يكفي عياله من السنة الى السنة( ٢) .

و روى (سنن أبي داود): أن رجلا سأل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن المباشرة للصائم، فرخص له، و أتاه آخر فنهاه، فاذا الذي رخص له شيخ، و الذي نهاه شاب( ٣) .

و في الفقيه عن خالد بياع القلانس قلت للصادقعليه‌السلام : رجل أتى أهله و عليه طواف النساء. قال: عليه بدنة، ثم جاءه آخر، فسأله، فقال: عليه بقرة، ثم جاءه آخر، فسأله، فقال: عليه شاة. فقلت له بعد ما قاموا: كيف قلت: عليه بدنة؟

قال: أنت موسر عليك بدنة، و على الوسط بقرة، و على الفقير شاة( ٤) .

و في (التهذيب) عنهعليه‌السلام ذكر أبو الخطاب فلعنه ثم قال: انه لم يكن يحفظ شيئا، حدثته أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله غابت له الشمس في مكان كذا و كذا، و صلّى المغرب بالشجرة، و بينهما ستة أميال، فأخبرته بذلك

____________________

(١) المصدر السابق.

(٢) أخرجه الصدوق في معاني الأخبار: ١٥٢ ح ١.

(٣) سنن ابي داود ٢: ٣١٢ ح ٢٣٨٧.

(٤) الفقيه ٢: ٢٣١ ح ٧٥.

٢٨١

في السفر، فوضعه في الحضر( ١) .

و روى الصدوق ان رجلا سأل الصادقعليه‌السلام عمّا يحلّ من مال الابن.

فقال: قوته بغير سرف. فقال الرجل: فقول النبي: «انما أنت و مالك لأبيك» كيف؟ فقالعليه‌السلام : جاء رجل بأبيه الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و قال: ان أبي هذا قد ظلمني ميراثي من امي. فأخبره الأب أنّه قد أنفقه عليه و على نفسه. فقال له: أنت و مالك لأبيك، و لم يكن عند الرجل شي‏ء، أو كان النبي يحبس الأب بالابن( ٢) .

و قال الباقرعليه‌السلام : انما نهى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن أكل لحوم الحمر من أجل ظهورها مخافة أن يفنوها، و ليست الحمير بحرام، قال تعالى: قل لا أجد فى ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه( ٣ ) الآية( ٤) .

«و كلام عام فيسمعه من لا يعرف ما عنى اللَّه سبحانه» كلمة «سبحانه» أخذتها (المصرية) عن (ابن أبي الحديد)، و ليست في (ابن ميثم)( ٥) .

«به و لا ما عنى رسول اللَّه» هكذا في (المصرية) و فيها سقط، و الأصل «به رسول اللَّه» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٦) .

«فيحمله السامع و يوجهه على غير معرفة بمعناه و ما قصد به و ما خرج من أجله» في (المروج): روى أبو مسعود البدري: ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «لا يبقى على وجه الأرض بعد مائة أحد إلاّ مات»، و استفاضت روايته، فجزع الأكثر،

فأفضى ذلك الى عليعليه‌السلام ، فقال: صدق أبو مسعود فيما قاله و ذهب عنه

____________________

(١) التهذيب ٢: ٢٥٨ ح ٦٥.

(٢) أخرجه الصدوق في الفقيه ٣: ١٠٩ ح ٢.

(٣) الأنعام: ١٤٥.

(٤) أخرجه الصدوق في علل الشرائع ٢: ٥٦٣ ح ٢.

(٥) توجد الكلمة في شرح ابن أبي الحديد ١١: ٣٩ و شرح ابن ميثم ٤: ٢١.

(٦) كذا في شرح ابن ميثم ٤: ٢١، لكن في شرح ابن أبي الحديد ١١: ٣٩ مثل المصرية.

٢٨٢

المراد بذلك، و انما مراد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انّه لا يبقى على وجه الأرض أحد بعد رأس مائة ممن رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ مات( ١) .

و صدقعليه‌السلام ، فكان آخر من مات ممن رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا الطفيل الكناني مات سنة مائة، و كان يقول ما بقي على وجه الأرض عين تطرف ممن رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله غيري.

و في خبر آخر أنّهعليه‌السلام قال له لما روي ذلك: «أخطأت استك الحفرة،

و غلطت في أوّل ظنّك، انما عنى من حضره يومئذ، و هل الرخاء إلا بعد المائة( ٢) .

قلت: و الظاهر انّهعليه‌السلام أشار في قوله «و هل الرخاء إلا بعد المائة» الى تزلزل أمر بني امية الذين كان الناس منهم في غاية الشدّة، فبعد سنة مائة قام مبلغوا العباسيين و دعاتهم.

و روى (الكافي): أن الناس كانوا اذا مرت عليهم جنازة يقومون، سمعوا ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مرت عليه جنازة فقام، و كان الحسينعليه‌السلام يوما جالسا، فمرت جنازة، فقام الناس و لم يقمعليه‌السلام ، و قال: انما مرت جنازة يهودي على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقام لأنّه كره أن يعلو رأسه جنازة يهودي( ٣) .

و روت العامة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مر على شاة مهزولة ميتة، فقال: «ما كان على أهلها إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا باهابها»، فقالوا لروايتهم بطهارة اهاب الشاة الميتة، فقال الصادقعليه‌السلام : تلك الشاة المهزولة الميتة كانت شاة سودة بنت زمعة زوجته، فقال ما قال، و مراده بكلامه أنّهم لم لم يذكوها حتى

____________________

(١) رواه أحمد بطريقين في مسنده ١: ٩٣ و جمع آخر و لكن لم اظفر عليه في مروج الذهب.

(٢) رواه الاسكافي في النقض عنه شرح ابن أبي الحديد ٤: ٧٦ و أحمد في مسنده ١: ١٤٠، و الحاكم في المستدرك ٤:

٤٩٨.

(٣) الكافي ٣: ١٩٢ ح ٢.

٢٨٣

ينتفعوا بأهابها اذ كان لحمها لا ينتفع به لهزالها، و ليس مرادهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما توهموا( ١) .

و روى (سنن أبي داود) عن أبي بكرة: ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: لا يقولن أحدكم اني صمت رمضان كلّه، قمته كلّه. و قال: لا أدري أكره التزكية، أو قال لا بد من نومة أو رقدة( ٢) .

و أقول: لم يردصلى‌الله‌عليه‌وآله واحدا مما قال، و انما أراد لا تقتصروا على قول «رمضان» بل قولوا «شهر رمضان»، لأن رمضان اسم من أسماء اللَّه تعالى كما نبّه على ذلك أهل بيتهعليهم‌السلام ( ٣) .

و روى (سنن أبي داود) عن غالب بن أبجر قال: أصابتنا سنة، فلم يكن في مالي شي‏ء أطعم أهلي، و قد كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حرم لحوم الحمر الأهلية،

فأتيت النبي و قلت له ذلك، فقال: اطعم أهلك من سمين حمرك، انما حرمتها من أجل جوال القرية يعني الجلاّلة( ٤) .

و روى (سنن أبي داود) في باب الصلاة بجمع عن عمر: كان أهل الجاهلية لا يفيضون حتى يروا الشمس على ثبير، فخالفهم النبي، فدفع قبل طلوع الشمس( ٥) .

قلت: سمع أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خالف أهل الجاهلية في الافاضة و لم يعرف مرادهصلى‌الله‌عليه‌وآله . روى الصدوق و الشيخ عن معاوية بن عمار عن الصادقعليه‌السلام

____________________

(١) رواه الكليني في الكافي ٦: ٢٥٩ ح ٧، و الطوسي في التهذيب ٩: ٧٩ ح ٧٠.

(٢) سنن أبي داود ٢: ٣١٩ ح ٢٤١٥.

(٣) روى هذا الكليني في الكافي ٤: ٦٩ ح ٢، و الصدوق في الفقيه ٢: ١١٢ ح ١١، و معاني الأخبار: ٣١٥ ح ١ عن الباقرعليه‌السلام و رواه الصدوق في فضائل الأشهر الثلاثة: ٩٨ ح ٨٤ عن الرضاعليه‌السلام .

(٤) سنن أبي داود ٣: ٣٥٦ ح ٣٨٠٩.

(٥) سنن أبي داود ٢: ١٩٤ ح ١٩٣٨.

٢٨٤

قال: كان أهل الجاهلية يقولون اشرق ثبير كيما نغير، و انما أفاض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خلاف أهل الجاهلية، كانوا يفيضون بايجاف الخيل و ايضاع الابل، فأفاض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خلاف ذلك بالسكينة و الوقار و الدعة( ١) .

و انما في بعض الأخبار أفضلية الافاضة قبل الطلوع بقليل إذا لم يجز وادي محسر، و ان لم يعمل به إلا بعض اصحابنا و قد اجمعوا على الجواز بعده( ٢) .

فإن قيل: أي ربط لنقل فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مع قول أهل الجاهلية؟ قلت: انما ربطه انهم قالوا «كيما نغير» أي: نسرع في السير بالايجاف و الايضاع،

فخالفهم النبي في ذلك لا في انتظار اشراق ثبير بالشمس كما توهمه عمر.

و عنون (ميزان الذهبي) لسعدة بن اليسع و قال: روى عن جعفر عن أبيه ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كسا عليّاعليه‌السلام بردة يقال لها «السحاب»، فأقبل و هي عليه، فقال النبي: هذا علي قد أقبل في السحاب. قال جعفر: فحرفها هؤلاء و قالوا علي في السحاب.

و قيل للصادقعليه‌السلام : ان العامة رووا ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ان العرش اهتز لموت سعد بن معاذ. فقالعليه‌السلام : أراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالعرش السرير الذي كان عليه( ٣) .

و قيل للصادقعليه‌السلام : ان العامة رووا ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «حدّث عن بني اسرائيل و لا حرج». قالعليه‌السلام : نعم. قيل فنتحدث بما نسمع و لا حرج علينا؟

فقال: لا كيف و قد قالوا: «كفى بالمرء كذبا أن يحدّث بكل ما سمع»، و انما مراد

____________________

(١) أخرجه الصدوق في العلل ١: ٤٤٤ ح ١، و الطوسي في التهذيب ٥: ١٩٢ ح ١٤.

(٢) راجع وسائل الشيعة ١٠: ٤٧ ٥٢ الأبواب ١٥ ١٧، و المختلف: ٣٠٠.

(٣) أخرجه الصدوق في معاني الأخبار: ٣٨٨ ح ٢٥.

٢٨٥

النبي أن ما حكى القرآن انّه كان في بني إسرائيل فحدّث انه كان في هذه الامة و لا حرج( ١) .

قلت: و صدقعليه‌السلام ، ففي الأخبار المستفيضة ان بني اسرائيل لو كانوا دخلوا جحر ضب لدخلته هذه الامة( ٢ ) ، و بنو اسرائيل افتتنوا بعد غيبة موسى،

و عبدوا العجل، و أرادوا قتل خليفته هارون، فلا بد بمقتضى تلك الأخبار المتواترة و ذاك الخبر وقوع مثله في هذه الامة بعده، و الى ذلك أشار أمير المؤمنينعليه‌السلام لما جاؤوا به لبيعة أبي بكر و هددوه بالقتل، فلاذعليه‌السلام بقبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و قال: يا ابن أمّ ان القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني، كما روى ذلك ابن قتيبة في خلفائه( ٣) .

و نظيره ما رواه (الكافي) عن محمد بن مارد قال: قلت لأبي عبد اللَّهعليه‌السلام :

حديث روي لنا انك قلت: «اذا عرفت فاعمل ما شئت». فقال: قد قلت ذلك. قلت:

و ان زنوا، أو سرقوا، أو شربوا الخمر. فقال لي: انا للَّه و إنّا إليه راجعون، و اللَّه ما أنصفونا أن نكون أخذنا بالعمل، و وضع عنهم. انما قلت اذا عرفت فاعمل ما شئت من قليل الخير أو كثيره، فإنّه يقبل منك( ٤) .

و قال عباد بن صهيب للصادقعليه‌السلام : أنتم أفضل أم أبو ذر و قد قال النبي فيه «ما أظلّت الخضراء و لا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر»؟

فقالعليه‌السلام : ان أبا ذر كان في قوم من الصحابة، فتذاكروا فضائل الامة، فقال أبو ذر: أفضلهم علي بن أبي طالب صدّيقهم، و فاروقهم، و هو قسيم الجنة

____________________

(١) أخرجه الصدوق في معاني الأخبار: ١٥٨ ح ١.

(٢) أخرجه البخاري في صحيحه ٤: ٢٦٤، و مسلم في صحيحه ٤: ٢٠٥٤ ح ٦، و ابن ماجة في سننه ٢: ١٣٢٣ ح ٣٩٩٤ و غيرهم.

(٣) الامامة و السياسة ١: ١٣.

(٤) الكافي ٢: ٤٦٤ ح ٥.

٢٨٦

و النار، و حجة اللَّه على الامة، فما بقي أحد منهم إلا أعرض عنه بوجهه، و أنكر على أبي ذر قوله و كذّبه، فذهب أبو امامة الباهلي من بينهم الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ،

فأخبره بقول أبي ذر، و اعراضهم عنه، و تكذيبهم له، فقال النبي: ما أظلّت الخضراء و لا أقلّت الغبراء يعني منكم يا ابا امامة على ذي لهجة أصدق من أبي ذر.

و قالعليه‌السلام لعباد: نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد، كما ان شهر رمضان لا يقاس به شهر، و ان كان من الأربعة الحرم أي: شهر غيره فان فيه ليلة العمل فيها أفضل من ألف شهر( ١) .

قلت: و صدقعليه‌السلام ، الخبر لا يستفاد منه أفضلية أبي ذر من أهل بيتهعليهم‌السلام ، حيث انّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال بالإضافة الى خصمائه من الصحابة، و انما يستفاد منه حقيقة أمر خلفائهم، فلما قال أبو ذر لعثمان و هو ابن عفان بن أبي العاص اني سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «اذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا مال اللَّه دولا، و عباده خولا، و دينه دغلا» و كذّبه عثمان، صدقه أمير المؤمنينعليه‌السلام بالحديث المتفق عليه من النبي فيه: «ما أظلت الخضراء» الخبر( ٢) .

و روى سنن ابي داود عن أبي مرة مولى ام هاني انّه دخل مع عبد اللَّه بن عمرو بن العاص على أبيه، فقرب اليهما طعاما، فقال: اني صائم. فقال: كل فهذه الأيام التي كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يأمرنا بافطارها، و ينهانا عن صيامها، قال مالك: و هي أيام التشريق( ٣ ) . قلت: انما نهىصلى‌الله‌عليه‌وآله عن صيام تلك الأيام لمن كان

____________________

(١) أخرجه الصدوق في علل الشرائع ١: ١٧٧ ح ٢، و النقل بتصرف في العبارة.

(٢) الحديثان مشهوران و القصة رواها الواقدي كما في شرح ابن أبي الحديد ٨: ٢٥٨.

(٣) سنن أبي داود ٢: ٣٢٠ ح ٢٤١٨.

٢٨٧

بمنى، لا لمن كان في سائر الأمصار.

و قال ابراهيم بن هاشم القمي: قالت امرأة لأبي عبد اللَّهعليه‌السلام : اني كنت أقعد في نفاسي عشرين يوما حتى أفتوني بثمانية عشر. فقالعليه‌السلام لم أفتوك بثمانية عشر يوما؟ فقال رجل: للحديث الذي روى ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لأسماء بنت عميس حين نفست بمحمد بن أبي بكر ذلك. فقال: ان أسماء سألت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و قد أتى بها ثمانية عشر يوما، و لو سألته قبل ذلك لأمرها أن تغتسل، و تفعل ما تفعله المستحاضة( ١) .

قلت: و مرادهعليه‌السلام بعد العشرة.

و قد لا يتدبر السامع في السؤال فلا يفهم الجواب. روى الشيخ عن أبي بصير أن رجلا سأل الصادقعليه‌السلام عن التكبير على الجنائز، فقال: خمس تكبيرات، ثم دخل آخر، فسأله عن الصلاة على الجنائز، فقال: أربع صلوات،

فقال الأوّل لهعليه‌السلام : سألتك فقلت خمسا، و سألك هذا فقلت أربعا. فقالعليه‌السلام : انّك سألتني عن التكبير، و سألني هذا عن الصلاة( ٢) .

و مرادهعليه‌السلام بالصلاة الدعاء، فبين الخمس تكبيرات أربعة أدعية.

و نظير توجيه السامع كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على غير معرفة بمعناه، و ما قصد به، و ما خرج من أهله، توجيه السامع كلام الامام كذلك، فروى الشيخ عن الصفار عن العبيدي عن عثمان بن عيسى عن سماعة عن الصادقعليه‌السلام قلت له: رجل قطع بعض لسان انسان، فأفصح ببعض، و لم يفصح ببعض.

قال: يقرأ المعجم، فما أفصح به طرح من الدية، و ما لم يفصح به لزم الدية. قلت:

كيف هو؟ قال: على حساب الجمل ألف ديته واحد، و الباء اثنان، و الجيم ثلاثة،

____________________

(١) رواه الشيخ الحر في وسائل الشيعة ٢: ٦١٤ ح ١١، و المسؤول عنه الباقرعليه‌السلام .

(٢) أخرجه الطوسي في التهذيب ٣: ٣١٨ ح ١٢، و الاستبصار ١: ٤٧٦ ح ١١.

٢٨٨

و الدال أربعة، و الهاء خمسة، و الواو ستة، و الزاي سبعة، و الحاء ثمانية، و الطاء تسعة، و الياء عشرة، و الكاف عشرون، و اللام ثلاثون، و الميم أربعون،

و النون خمسون، و السين ستون، و العين سبعون، و الفاء ثمانون، و الصاد تسعون، و القاف مائة، و الراء مائتان، و الشين ثلاثمائة، و التاء أربعمائة و كلّ حرف تزيد بعد هذا من «الف ب ت ث» زدت له مائة درهم.

ثم قال: ما تضمن الخبر من الحساب يشبه ان يكون من كلام بعض الرواة من حيث سمعوا انّه قال «يفرق ذلك على حروف الجمل» ظنوا انّه على ما يتعارفه الحسّاب من ذلك، و لم يكن القصد ذلك، و انما كان القصد أن يقسم على الحروف كلها أجزاء متساوية، و يجعل لكلّ حرف جزء من جملتها( ١) .

و نظيره قول الصادقعليه‌السلام : «الام و البنت سواء»، و مراده انّه اذا ملك امرأة و بنتها، فله وطي أيهما شاء، فتحرم الاخرى.

و الشاهد على ان مرادهعليه‌السلام ذلك ان أحمد بن محمد بن عيسى رواه في نوادره في باب الجمع بين الام و البنت في الملك، و توهم الشيخ أو مشايخ قبله غير ذلك، فرواه الشيخ و قال: يعني اذا تزوج المرأة، ثم طلقها قبل أن يدخل بها،

فانه ان شاء تزوج امها، و ان شاء ابنتها، و هو شاذ الخ( ٢) .

و على ما عرفت فليس بشاذ.

و روى الكشي عن الرضاعليه‌السلام قيل له: ان ابن بكير روى ان الصادقعليه‌السلام سئل أيام خروج محمد بن عبد اللَّه عن الخروج، فقال: اسكنوا ما سكنت السماء و الأرض. فقال: ابن بكير اذا كان هكذا فما من خروج و ما من قائم. فقالعليه‌السلام :

____________________

(١) أخرجه الطوسي في التهذيب ١٠: ٢٦٣ ح ٧٦، و الاستبصار ٤: ٢٩٣ ح ٦.

(٢) الحديث أخرجه أحمد بن محمد بن عيسى في النوادر: ٩٩ و ١٠٠ ح ٢٣٩ و ٢٤١ في باب «الرجل تموت امرأته أو يطلقها قبل أن يدخل بها فيتزوج امها أو ابنتها» و ما ذكره الشارح في نقد الحديث مقتبس من كلام الشيخ الحر في الوسائل ١٤: ٣٥٦.

٢٨٩

انما قال الصادق اسكنوا ما سكنت السماء من النداء، و الأرض في الخسف بالجيش، و ليس على ما تأوله ابن بكير( ١) .

و في الكافي في باب صومهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد روايته عن سماعة و عن الحلبي عن الصادقعليه‌السلام انّهصلى‌الله‌عليه‌وآله صام شعبان، فأما الذي جاء في صوم شعبان انه سئلعليه‌السلام عنه فقال: ما صامه النبي و لا أحد من آبائي. قال ذلك لأن قوما قالوا ان صيامه فرض مثل شهر رمضان و ان الكفارة في افطاره كالكفارة في افطار شهر رمضان، أي: ما صاموه فرضا تكذيبا لهم( ٢) .

هذا، و قد يحمل فعلهصلى‌الله‌عليه‌وآله على غير مراده، ففي سنن أبي داود مسندا عن عائشة قالت: ما سبح النبي سبحة الضحى قط، و اني لأسبّحها، و ان كان النبي ليدع العمل و هو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم( ٣) .

فان ما قالته مغالطة، فانهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يداوم على المسنونات لئلا يظن كونها فرائض، و اما عدم فعلهصلى‌الله‌عليه‌وآله لصلاة مخصوصة أبدا، كما أقرت به، فدليل على عدم مشروعيتها، لا عدم وجوبها. ٢ «و ليس كلّ أصحاب رسول اللَّه من» هكذا في (المصرية) و كلمة «من» زائدة، فليست في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٤) .

«كان يسأله و يستفهمه حتى ان كانوا ليحبون ان يجي‏ء الاعرابي و الطارئ» هكذا في (المصرية) و الصواب: «أو الطارئ» كما في (ابن أبي الحديد و ابن

____________________

(١) رواه عن طريق الكشي أبو علي الطوسي في أماليه ٢: ٢٦ جزء ١٤ و رواه أيضا الصدوق في معاني الأخبار: ٢٦٦ ح ١.

(٢) الكافي ٤: ٩٠ و ٩١.

(٣) سنن أبي داود ٢: ٢٨ ح ١٢٩٣.

(٤) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١١: ٣٩ لكن في شرح ابن ميثم ٤: ٢١ مثل المصرية.

٢٩٠

ميثم و الخطية)( ١ ) . و في (القاموس): «طرا طروا»: اتى من مكان بعيد( ٢ ) ، و في الجمهرة: «طرأت على القوم» إذا قدمت عليهم أو نزلت بهم و هم لا يعلمون فانا طارئ.

«فيسأله حتى يسمعوا» رووا ان عمر خطب الناس فقال: اني لعلّي أنهاكم عن أشياء تصلح لكم، و آمركم بأشياء لا تصلح لكم، و ان من آخر القرآن نزولا آية الربا، و انه قد مات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و لم يبيّنها لنا( ٣) .

قلت: فإذا كان اعترف بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يبين له آية الربا، و لا يدري الصلاح و الفساد فيما يأمر و يزجر، فلم منع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الوصيّة و قال يكفينا كتاب اللَّه، و قد اعترف أيضا بعدم تبين ما قاله تعالى في القرآن انّه بينه من قوله في آخر سورة النساء: يستفتونك قل اللَّه يفتيكم في الكلالة الى يبيّن اللَّه لكم أن تضلوا و اللَّه بكلّ شي‏ء عليم( ٤) .

بل لم يعرف لفظ القرآن فضلا عن معناه، فروى الثعلبي في تفسيره في قوله تعالى: و السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار و الذين اتبعوهم بإحسان( ٥ ) يروى ان عمر بن الخطاب قرأ «و الأنصار» برفع الراء، و قرأ «الذين» بغير واو، فقال له ابي بن كعب انما هو «و الأنصار و الذين» بالواو فعاودوه مرارا، فقال أبي: و اللَّه لقد قرأتها على النبي «و الذين اتبعوهم باحسان»، و انك يومئذ تبيع القرص ببقيع الغرقد. فقال: صدقت حفظتم

____________________

(١) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١١: ٣٩، و شرح ابن ميثم ٤: ٢١ مثل المصرية.

(٢) القاموس المحيط ٤: ٣٥٦، مادة (طرا).

(٣) أخرجه ابن ماجة في سننه ٢: ٧٦٤ ح ٢٢٧٦، و أحمد في مسنده ١: ٣٦ و ٤٩.

(٤) النساء: ١٧٦.

(٥) التوبة: ١٠٠.

٢٩١

و نسينا، و تفرغتم و شغلنا، و شهدتم و غبنا. ثم قال عمر لابي: أفيهم الأنصار؟

قال: نعم و لم يستأمر الخطاب و لا ابنه. فقال عمر: كنت أظن انا قد رفعنا درجة لا يبلغها أحد بعدنا( ١) .

و كيف قال «يكفينا كتاب اللَّه و الرجل يهجر»، و كان كثيرا ما يسأل باقي الصحابة عمّا قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففي الجمع بين الصحيحين قال أبو أوفى:

سألني عمر بن الخطاب عمّا قرأ به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم العيد، فقلت: اقتربت الساعة، و ق و القرآن المجيد( ٢) .

و في (تاريخ بغداد): سأل عمر الناس بمنى عن الدية، فقال الضحاك بن سفيان: كتب الي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها( ٣) .

و في (الجمع بين الصحيحين) في مسند أبي سعيد الخدري ان أبا موسى استأذن عليه عمر ثلاثا فلم يأذن له، فقال له عمر: فما حملك على ما صنعت؟ قال: كنّا نؤمر بهذا. قال: لتقيمن على هذا بينة أو لأفعلن. فشهد له أبو سعيد الخدري بذلك عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال عمر: خفي هذا عليّ من أمر النبي،

ألهاني عنه الصفق بالأسواق( ٤) .

و رووا ان عمر خرج الى الشام حتى اذا كان ببعض الطريق لقيه امراء الأجناد، فأخبروه ان الوباء قد وقع بالشام، فقال لابن عباس: ادع لي

____________________

(١) رواه عن الثعلبي ابن طاووس في عين العبرة: ١٧ و عن جمع آخر السيوطي في الدر المنثور ٣: ٢٦٩.

(٢) نقله عن الجمع بين الصحيحين ابن طاووس في الطرائف ٢: ٤٧٥، و الحديث أخرجه مسلم في صحيحه ٢: ٦٠٧ ح ١٤ و ١٥ و المسؤول عنه أبو واقد الليثي و يعني بالسورتين القمر و ق.

(٣)

(٤) نقله عن الجمع بين الصحيحين ابن طاووس في الطرائف ٢: ٤٧٦، و الحديث أخرجه البخاري في صحيحه ٤: ٨٨،

و منسلم في صحيحه ٣: ١٦٩٤ و ١٦٩٥ ح ٣٣ ٣٥، عن أبي سعيد لكن لفظ ابن طاووس الى حديث عبيد بن عمير عن أبي موسى الذي أخرجه مسلم في صحيحه ٣: ١٩٦٥ ح ٣٦ أقرب من حديث ابي سعيد.

٢٩٢

المهاجرين، فدعاهم، فسألهم، فاختلفوا، فجاء عبد الرحمن بن عوف، فقال: اني سمعت من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، و إذا وقع بأرض و أنتم بها فلا تخرجوا منها فرارا منه( ١) .

«و كان لا يمر بي من ذلك شي‏ء إلا سألت عنه و حفظته» قال الشاعر:

أتاك المرجفون برجم غيب

و جئتك بعد بالأمر المبين

صحيح ما اقول بفضل خبر

و لا أقضي‏بمشتبه الظنون

فمن يك قد أتاك بزور قول

فإني قد أتيتك باليقين

و كيف لا و قد قال تعالى فيه: و تعيها اذن واعية( ٢ ) و قال النبي: أنا مدينة العلم و علي بابها( ٣ ) ، و ان عنده علم ظاهر القرآن و باطنه( ٤ ) ، و لما قالعليه‌السلام أعلم كلّ آية نزلت في قريش، قيل له: فما آيتك؟ قال: قوله تعالى:

أفمن كان على بيّنة من ربه و يتلوه شاهد منه( ٥ ) فالنبي على بيّنة و أنا شاهد منه( ٦) .

و قال ابن أبي الحديد: كانعليه‌السلام مخصوصا من دون الصحابة بخلوات كان يخلو بها مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يطّلع الناس على ما يدور بينهما، و كان كثير السؤال للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن معاني القرآن و معاني كلامه، و إذا لم يسأل ابتدأه النبي بالتعليم و التثقيف، و لم يكن أحد من أصحاب النبي كذلك، بل كانوا أقساما،

____________________

(١) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ١٢: ٧٧.

(٢) الحاقة: ١٢.

(٣) أخرجه جمع منهم الحاكم في المستدرك ٣: ١٢٦ و ١٢٧ و الكلابي في مسنده كما في منتخبه: ٤٢٦ ح ٢.

(٤) رواه الكنجي في كفاية الطالب: ٢٩٢ عن ابن مسعود موقوفا.

(٥) هود: ١٧.

(٦) رواه ابن المغازلي في مناقبه: ٢٧٠ ح ٣١٨، و ابن أبي حاتم و ابن مردويه و أبو نعيم في المعرفة عنهم الدر المنثور ٣:

٣٢٤.

٢٩٣

منهم من يهابه أن يسأله، و هم الذين كانوا يحبون ان يجي‏ء الاعرابي أو الطارئ، فيسأله و هم يسمعون، و منهم من كان بليدا بعيد الفهم قليل الهمّة في النظر و البحث، و منهم من كان مشغولا عن طلب العلم و المعاني بعبادة أو دنيا، و منهم المقلّد الذي يرى أن فرضه السكوت و ترك السؤال، و منهم المبغض الشانئ الذي ليس للدين عنده من الموقع ما يضيع وقته بالسؤال عن دقائقه و غوامضه، و انضاف الى الأمر الخاص بعليّعليه‌السلام ذكاؤه و فطنته،

و طهارة طينته و اشراق نفسه وضوؤها، و اذا كان المحل قابلا متهيئا، و كان الفاعل مؤثرا موجودا، و الموانع مرتفعة حصل الأثر على أتم ما يمكن، فلذلك كان علي كما قال الحسن البصري ربانيّ هذه الامة و ذا فضلها، و لذا تسميه الفلاسفة امام الأئمة و حكيم العرب( ١) .

قلت: و من الخلوات التي قال خلوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله معهعليه‌السلام يوم الطائف،

فأغضب الرجلين و غيرهما من نظرائهما. روى الترمذي مسندا عن جابر قال:

دعا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا يوم الطائف فانتجاه طويلا، فقال الناس: لقد طال نجواه مع ابن عمه، فبلغ ذلك النبي فقال: ما انتجيته و لكن اللَّه انتجاه. قال الترمذي:

معناه ان اللَّه أمرني أن أنتجي معه( ٢) .

و كان هذا حال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله معهعليه‌السلام الى حين وفاته. روى أحمد ابن حنبل مسندا عن ام سلمة قالت: و الذي يحلف به ان كان علي ابن ابي طالبعليه‌السلام لأقرب الناس عهدا بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مرض النبي مرض موته، فلما كان اليوم الذي قبض فيه دعا عليا، فناجاه طويلا و سارّه كثيرا ثم قبض( ٣) .

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١١: ٤٨.

(٢) سنن الترمذي ٥: ٦٣٩ ح ٣٧٢٦.

(٣) مسند أحمد ٦: ٣٠٠ و النقل بتصرف في اللفظ.

٢٩٤

ثم انه لم يذكر ان ائمته من أي قسم من الصحابة، فان أو لهم آسى حين احتضاره كما في الخلفاء على امور، منها انه ليت سأل النبي عن ميراث بنت الأخ و العمة، فإن في نفسه من ذاك شيئا( ١ ) ، و لم يكونوا ممن يهابوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ان يسألوه، فلما توفي عبد اللَّه بن ابي و سأل ابنه النبيّ أن يصلّى عليه، فتقدّم للصلاة، جاء الثاني، فجذبه من خلفه و قال له كما رووا ألم ينهك اللَّه أن تصلّي على المنافقين؟ فقال النبي له: اني خيّرت فاخترت( ٢) .

و من المضحك انهم قالوا ان عمر قال للنبي: ألم ينهك اللَّه عن الصلاة على المنافقين، ثم قالوا: أنزل اللَّه تعالى تصديقا لعمر و لا تصلّ على أحد منهم( ٣) .

و لم يكونوا من قسم المقلدة الذين يرون فرضهم السكوت و ترك السؤال، فاعترض الثاني على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في قبوله صلح الحديبية، مع تصريح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنه صلاح رآه اللَّه تعالى بكونه دنية في الدين( ٤) .

و كيف كانوا من ذاك القسم و كانوا يجتهدون في مقابل اللَّه تعالى، فقال الثاني: متعتان كانتا على عهد رسول اللَّه، و أنا أنهى عنهما، و اعاقب عليهما( ٥) .

فبقي ان يكونوا داخلين في الأقسام الباقية، اما من البليدين فقال تعالى:

و فاكهة و أبا. متاعا لكم و لأنعامكم( ٦ ) فلم يفهم الأول المراد من الابّ، مع

____________________

(١) رواه ابن قتيبة في الامامة و السياسة ١: ١٨، و الطبري في تاريخه ٢: ٦١٩، سنة ١٣، و الجوهري في السقيفة: ٣٩ و غيرهم.

(٢) رواه مسلم في صحيحه ٤: ٢١٤١ ح ٣ و ٤.

(٣) التوبة: ٨٤.

(٤) أخرجه البخاري في صحيحه ٢: ٢٠٥، و مسلم في صحيحه ٣: ١٤١١ ح ٩٤.

(٥) رواه ابو صالح كاتب الليث و الطحاوي عنهما منتخب كنز العمال ٦: ٤٠٤ و غيرهما.

(٦) عبس: ٣٢.

٢٩٥

قوله تعالى بأنّه متاع لأنعامهم( ١ ) ، و لما شكت امرأة زوجها الى الثاني لم يفهم مرادها، حتى دله كعب بن سور القاضي( ٢ ) ، و أعطى الهرمزان الأمان، و لم يشعر حتى ذكر ذلك له أنس و غيره( ٣ ) ، و أما من المشغولين بطلب الدنيا فمرة أنه قال لابي «تفرغتم و شغلنا»( ٤ ) ، و قال لأبي سعيد الخدري «خفي هذا علي من أمر النبي ألهاني عنه الصفق بالأسواق»( ٥ ) ، الا انهم لم يكونوا من المبغضين بالوصف الذي ذكر من عدم حضورهم لصرف وقتهم بسؤال الدين، لأنّهم كانوا من الأول ممّن يحب الرئاسة على المسلمين.

هذا، و السؤال واجب. و في بديع ابن المعتز عنهعليه‌السلام : «العلم قفل مفتاحه السؤال» «فهذه» الامور التي ذكرت «وجوه ما عليه الناس في اختلافهم» في أحاديثهم «و عللهم» أي: عيوبهم «في رواياتهم» من كذب بعضهم متعمدا، و وهم بعضهم لا قصدا، و عدم فهم بعضهم المراد بلادة.

هذا، و أما اختلاف أحاديث الشيعة فيزاد فيها على العلل الثلاث التقية،

فروى العيون عن الرضاعليه‌السلام في خبر أنا لم نرخص فيما لم يرخص فيه رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، و لا نأمر بخلاف ما أمر به رسول اللَّه، إلاّ لعلّة خوف ضرورة الخبر( ٦) .

____________________

(١) رواه ابو عبيد في فضائله و عبد بن حميد في مسنده عنهما الدر المنثور ٦: ٣١٧، و الجاحظ في كتاب الفتيا و الثعلبي في تفسيره عنهما مناقب السروي ٢: ٣٥٧.

(٢) رواه ابن عبد البر في الاستيعاب ٣: ٣٠٣ و ٣٠٥ و ابن أبي شيبة في المصنف و الزبير بن بكار في المؤفقيات و ابن دريد في الأخبار المنشورة عنهم الاصابة ٣: ٣١٥.

(٣) رواه الطبري في تاريخه ٣: ١٨٣، سنة ١٧، و البلاذري في فتوح البلدان: ٣٧٤، و الثقفي و ابن أبي شيبة و علي بن حجر عنهم الاصابة ٣: ٦١٨.

(٤) رواه ابن طاووس في عين العبرة: ١٧، عن الثعلبي و السيوطي في الدر المنثور ٣: ٢٦٩ عن جمع.

(٥) رواه مسلم في صحيحه ٣: ١٦٩٥ ح ٣٦.

(٦) عيون الأخبار الصدوق ٢: ١٩ ح ٤٥.

٢٩٦

و لذا قالوا في الجمع بين الحديثين المختلفين بالأخذ بالحديث المخالف للعامة، و روى العلل عن الصادقعليه‌السلام قال: أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما تقوله العامة؟ ان عليّاعليه‌السلام لم يكن يدين اللَّه بدين إلا خالف عليه الامة الى غيره إرادة لإبطال أمره، و كانوا يسألونه عن الشي‏ء الذي لا يعلمونه، فإذا أفتاهم جعلوا له ضدا من عندهم ليلتبسوا على الناس( ١) .

و من علل الحديث ان لا ينقل صدر الحديث أو ذيله الدالاّن على المراد، فيحمل على غير ما اريد به، فالكلام لا يصحّ الاستناد اليه إلا بعد تمامه، فلو لم يراع ذلك يكون نظير ما قالوا ان المخبل السعدي و الزبرقان بن بدر توافقا للمهاجاة، و اجتمع الناس عليهما، فابتدأ المخبل،

فقال:

نبئت ان الزبرقان يسبني

سفها و يكره ذو الخرير خصالي

الى أن أراد انشاده:

و أبوك بدر كان مشترط الخصى

و أبي الجواد ربيعة بن قبال

فلما بلغ الى قوله «و أبي» انقطع عليه كلامه اما بشرق أو انقطاع نفس،

فما علم الناس ما يريد أن يقوله بعد قوله «و أبي»، فسبقه الزبرقان قبل أن يتم و يبين، فقال: صدقت و ما في ذاك ان كان شيخانا قد اشتركا في صنعه، فغلبه الزبرقان، و ضحكوا من قوله، و تفرقوا و انقطع بالمخبل قوله، فترى جعل «و أبي» لعدم تمام الكلام عطفا على «و أبوك»، فيكون الخبر «كان مشترط الخصى» لهما مع انّه كلام مستأنف.

____________________

(١) علل الشرائع ٢: ٥٣١ ح ١.

٢٩٧

٣ - الخطبة (١٧) و من كلام لهعليه‌السلام فى صفة من يتصدّى للحكم بين الأمة و ليس لذلك بأهل:

إنَّ أَبْغَضَ اَلْخَلاَئِقِ إِلَى اَللَّهِ رَجُلاَنِ رَجُلٌ وَكَلَهُ اَللَّهُ إِلَى نَفْسِهِ فَهُوَ جَائِرٌ عَنْ قَصْدِ اَلسَّبِيلِ مَشْغُوفٌ بِكَلاَمِ بِدْعَةٍ وَ دُعَاءِ ضَلاَلَةٍ فَهُوَ فِتْنَةٌ لِمَنِ اِفْتَتَنَ بِهِ ضَالٌّ عَنْ هَدْيِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مُضِلٌّ لِمَنِ اِقْتَدَى بِهِ فِي حَيَاتِهِ وَ بَعْدَ وَفَاتِهِ حَمَّالٌ خَطَايَا غَيْرِهِ رَهْنٌ بِخَطِيئَتِهِ وَ رَجُلٌ قَمَشَ جَهْلاً مُوضِعٌ فِي جُهَّالِ اَلْأُمَّةِ عَادٍ فِي أَغْبَاشِ اَلْفِتْنَةِ عَمٍ بِمَا فِي عَقْدِ اَلْهُدْنَةِ قَدْ سَمَّاهُ أَشْبَاهُ اَلنَّاسِ عَالِماً وَ لَيْسَ بِهِ بَكَّرَ فَاسْتَكْثَرَ مِنْ جَمْعٍ مَا قَلَّ مِنْهُ خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ حَتَّى إِذَا اِرْتَوَى مِنْ آجِنٍ وَ اِكْتَنَزَ مِنْ غَيْرِ طَائِلٍ جَلَسَ بَيْنَ اَلنَّاسِ قَاضِياً ضَامِناً لِتَخْلِيصِ مَا اِلْتَبَسَ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنْ نَزَلَتْ بِهِ إِحْدَى اَلْمُبْهَمَاتِ هَيَّأَ لَهَا حَشْواً رَثًّا مِنْ رَأْيِهِ ثُمَّ قَطَعَ بِهِ فَهُوَ مِنْ لَبْسِ اَلشُّبُهَاتِ فِي مِثْلِ نَسْجِ اَلْعَنْكَبُوتِ لاَ يَدْرِي أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ فَإِنْ أَصَابَ خَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْطَأَ وَ إِنْ أَخْطَأَ رَجَا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَصَابَ جَاهِلٌ خَبَّاطُ جَهَالاَتٍ عَاشٍ رَكَّابُ عَشَوَاتٍ لَمْ يَعَضَّ عَلَى اَلْعِلْمِ بِضِرْسٍ قَاطِعٍ يُذْرِي اَلرِّوَايَاتِ إِذْرَاءَ اَلرِّيحِ اَلْهَشِيمَ لاَ مَلِي‏ءٌ وَ اَللَّهِ بِإِصْدَارِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ وَ لاَ هُوَ أَهْلٌ لِمَا فُوِّضَ إِلَيْهِ لاَ يَحْسَبُ اَلْعِلْمَ فِي شَيْ‏ءٍ مِمَّا أَنْكَرَهُ وَ لاَ يَرَى أَنَّ مِنْ وَرَاءِ مَا بَلَغَ مَذْهَباً لِغَيْرِهِ وَ إِنْ أَظْلَمَ أَمْرٌ اِكْتَتَمَ بِهِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ جَهْلِ نَفْسِهِ تَصْرُخُ مِنْ جَوْرِ قَضَائِهِ اَلدِّمَاءُ وَ تَعَجُّ مِنْهُ اَلْمَوَارِيثُ

٢٩٨

إِلَى اَللَّهِ أَشْكُو مِنْ مَعْشَرٍ يَعِيشُونَ جُهَّالاً وَ يَمُوتُونَ ضُلاَّلاً لَيْسَ فِيهِمْ سِلْعَةٌ أَبْوَرُ مِنَ اَلْكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلاَوَتِهِ وَ لاَ سِلْعَةٌ أَنْفَقُ بَيْعاً وَ لاَ أَغْلَى ثَمَناً مِنَ اَلْكِتَابِ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَ لاَ عِنْدَهُمْ أَنْكَرُ مِنَ اَلْمَعْرُوفِ وَ لاَ أَعْرَفُ مِنَ اَلْمُنْكَرِ أقول: قال ابن قتيبة في (عيون أخباره): حدّثني علي بن محمد، عن إسماعيل بن إسحاق الأنصاري عن عبد اللَّه بن لهيعة عن عبد اللَّه بن هبيرة عن عليعليه‌السلام قال: ذمتي رهينة و أنا به زعيم لمن صرحت له العبر، لا يهلك على التقوى زرع قوم و لا يظمأ على التقوى سنخ أصل، ألا و ان أبغض خلق اللَّه الى اللَّه: رجل قمش جهلا غارا بأغباش الفتنة عمياء بما في عقد الهدنة، سمّاه أشباهه من الناس عالما و لم يعن في العلم يوما سالما، بكّر فاستكثر ما قلّ منه فهو خير مما كثر، حتى اذا ارتوى من آجن و اكتنز من غير طائل قعد بين الناس قاضيا لتخليص ما التبس على غيره، ان نزلت به احدى المبهمات هيأ حشوا رثا من رأيه، فهو من قطع الشبهات في مثل غزل العنكبوت، لا يعلم اذا أخطأ لأنّه لا يعلم ءأخطأ أم أصاب، خباط عشوات، ركاب جهالات، لا يعتذر مما لا يعلم فيسلم و لا يعض في العلم بضرس قاطع يذرو الرواية ذرو الريح الهشيم، تبكي منه الدماء و تصرخ منه المواريث و يستحل بقضائه الفرج الحرام، لا ملي‏ء و اللَّه بأصدار ما ورد عليه و لا أهل لما قرّظ به.

و قال ابن أبي الحديد نقله ابن قتيبة في (غريبه)( ١) .

و رواه باب البدع و الرأي من كتاب العقل و الجهل من الكافي مسندا و مرفوعا و مرسلا هكذا.

محمد بن يحيى عن بعض أصحابه و علي بن إبراهيم عن هارون بن

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٨٥.

٢٩٩

مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللَّهعليه‌السلام ، و علي بن ابراهيم عن أبيه عن ابن محبوب رفعه عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: ان من أبغض الخلائق الى اللَّه تعالى لرجلين: رجل و كله اللَّه الى نفسه، فهو جائر عن قصد السبيل،

مشغوف بكلام بدعة، قد لهج بالصوم و الصلاة، فهو فتنة لمن افتتن به، ضال عن هدى من كان قبله، مضل لمن اقتدى به في حياته و بعد موته، حمّال خطايا غيره رهن بخطيئته، و رجل قمش جهلا في جهال الناس، عان بأغباش الفتنة،

قد سمّاه أشباه الناس عالما، و لم يغن فيه يوما سالما، بكّر فاستكثر ما قل منه خير مما كثر، حتى اذا ارتوى من آجن و اكتنز من غير طائل جلس بين الناس قاضيا ضامنا لتخليص ما التبس على غيره، و ان خالف قاضيا سبقه لم يأمن من ان ينقض حكمه من يأتي بعده كفعله بمن كان قبله، و ان نزلت به احدى المبهمات المعضلات هيألها حشوا من رأيه ثم قطع به، فهو من لبس الشبهات في مثل غزل العنكبوت، لا يدري أصاب أم أخطأ، لا يحسب العلم في شي‏ء مما أنكر و لا يرى أن وراء ما بلغ فيه مذهبا، ان قاس شيئا بشي‏ء لم يكذّب نظره،

و ان أظلم عليه امر اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه لكيلا يقال له لا يعلم ثم جسر فقضى، فهو مفتاح عشوات ركاب شبهات خباط جهالات لا يعتذر مما لا يعلم فيسلم و لا يعض في العلم بضرس قاطع فيغنم، يذري الروايات ذرو الريح الهشيم، تبكي منه المواريث و تصرخ منه الدماء، يستحل بقضائه الفرج الحرام و يحرم بقضائه الفرج الحلال، لا ملي‏ء باصدار ما ورد عليه و لا هو أهل لما منه فرط من ادعائه علم الحق( ١) .

و في (ارشاد المفيد): و من كلامهعليه‌السلام في أهل البدع و من قال في الدين برأيه و خالف طريق أهل الحق في مقاله ما رواه ثقات أهل النقل عند العامة

____________________

(١) الكافي ١: ٥٤ ح ٦.

٣٠٠