بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٧

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 621

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 621
المشاهدات: 99190
تحميل: 8073


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 99190 / تحميل: 8073
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 7

مؤلف:
العربية

فقولهعليه‌السلام : «فيه تبيان كل شي‏ء» اشارة الى الآية، لا انه آية كما جعله (المصرية)، و الأصل في الوهم (ابن أبي الحديد) كما يأتي كلامه.

قال الباقرعليه‌السلام : إذا حدثتكم بشي‏ء فاسألوني انه أين من كتاب اللَّه تعالى. ثم قال في حديثه: ان اللَّه تعالى نهى عن القيل و القال، و افساد المال،

و كثرة السؤال. فقيل له: يا ابن رسول اللَّه أين هذا من كتاب اللَّه تعالى؟ قال:

قوله عز و جل: لا خير في كثير من نجواهم الا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس( ١ ) ، و قال: و لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل اللَّه لكم قياما( ٢ ) ، و قال تعالى: لا تسألوا عن اشياء ان تبدلكم تسؤكم( ٣) .

«و ذكر» اللَّه تعالى «ان الكتاب» أي: القرآن «يصدّق بعضه بعضا و انه لا اختلاف فيه» بخلاف باقي الكتب «فقال سبحانه و لو كان من عند غير اللَّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا» و الآية ٨٢ من النساء و قبله أفلا يتدبرون القرآن.

هذا و قال ابن أبي الحديد في شرح كلامهعليه‌السلام من قوله «و الههم واحد الى لوجدوا فيه اختلافا كثيرا»: و تلخيص الاحتجاج من خمسة أوجه:

الأوّل انه لمّا كان الاله واحدا، و الرسول واحدا، و الكتاب واحدا، وجب أن يكون الحكم في الواقعة واحدا، كالملك الذي يرسل الى رعيته رسولا بكتاب يأمرهم فيه بأوامر يقتضيها ملكه و امرته، و لا يجوز أن تتناقض، و الا لنسب الى السفه و الجهل.

الثاني لا يخلو الاختلاف الذي ذهب إليه المجتهدون اما أن يكون

____________________

(١) النساء: ١١٤.

(٢) النساء: ٥.

(٣) أخرجه الكليني في الكافي ١: ٦٠، ح ٥. و الآية ١٠١ من سورة المائدة.

٣٤١

مأمورا به أو منهيا عنه، و الاول باطل، لانه ليس في الكتاب و السنة ما يمكن الخصم أن يتعلق به في كونه مأمورا به، و الثاني حق و يلزم منه تحريم الاختلاف.

الثالث اما أن يكون دين الاسلام ناقصا أو تاما، فان كان الاول و كان اللَّه قد استعان بالمكلفين على اتمام شريعة ناقصة أرسل بها رسوله فهو كفر،

و ان كان الثاني فاما أن يكون الرسول قد قصّر في التبليغ أن يكون قد أبلغه على كماله، فان كان الاول فهو كفر، و ان كان الثاني فقد بطل الاجتهاد، لان الاجتهاد انما هو فيما لم يتبين، و ما بيّن فلا مجال للاجتهاد فيه.

الرابع الاستدلال بقوله تعالى: ما فرّطنا في الكتاب من شي‏ء( ١ ) و قوله: «فيه تبيان كل شي‏ء» و قوله سبحانه: و لا رطب و لا يابس إلا في كتاب مبين( ٢) .

الخامس قوله تعالى: و لو كان من عند غير اللَّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا( ٣ ) ، فجعل الاختلاف دليلا على أنه ليس من عند اللَّه، لكنه من عنده تعالى بالادلة القاطعة على صحة النبوة، فوجب ألا يكون فيه اختلاف.

قال ابن أبي الحديد بعد ما مر: و اعلم أن هذه الوجوه هي التي تتعلق بها الامامية، و نفاة القياس و الاجتهاد في الشرعيات، و قد تكلم عنها أصحابنا في كتبهم، و قالوا انهعليه‌السلام كان يقيس و يجتهد، و ادعوا اجماع الصحابة على صحة الاجتهاد و القياس، و دفعوا صحّة هذا الكلام المنسوب في هذا الكتاب إليهعليه‌السلام ، و قالوا انه من رواية الامامية، و هو معارض بما ترويه الزيدية عنه

____________________

(١) الانعام: ٣٨.

(٢) الانعام: ٥٩.

(٣) النساء: ٨٢.

٣٤٢

و عن أبنائهعليهم‌السلام في صحة القياس و الاجتهاد، و مخالطة الزيدية لأئمّة أهل البيت كمخالطة الامامية لهم، و معرفتهم بأقوالهم و أحوالهم و مذاهبهم كمعرفة الامامية، لا فرق بين الفئتين في ذلك، و الزيدية قاطبتها، جاروديتها،

و صالحيتها تقول بالقياس و الاجتهاد، و ينقلون في ذلك نصوصا عن أهل البيت، و إذا تعارضت الروايتان تساقطتا الخ( ١) .

قلت: أما ما قاله من دفع أصحابه أن تكون هذه الجمل من كلامهعليه‌السلام و انه من رواية الامامية فهب انه كلام أعرأبي أو رجل من الامامية، أليس دليلا عقليا و برهانا قطعيا لا يحتاج قائله الى العصمة، و كون مطلق كلامه الحجة،

فهي نظير قوله تعالى: لو كان فيهما آلهة الا اللَّه لفسدتا( ٢) .

و أما ما ذكره من أن اصحابه ادعوا اجماع الصحابة على صحة الاجتهاد و القياس، فهو نظير ادعائهم اجماع الامة على بيعة أبي بكر ببيعة عمر و أبي عبيدة المتواطئين معه، و قد قال النظام: نحن لا نزعم ان أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أطبقوا على الرأي، و لما كان فيهم عمر و عثمان، و معهم سلطان الرعية و الرهبة، شاع لهم ذلك في الدنيا، و انقادت لهم العوامّ، و جاز للباقين السكوت على التقية، و انهم قد علموا أنه غير مقبول منهم و لا مسموع منهم( ٣) .

و أما ما ذكره من أن الزيدية رووا عنهمعليهم‌السلام صحة القياس و الاجتهاد،

و الزيدية كالامامية كانوا مخالطين لهم، فكلام باطل، فالزيدية كالعامة أعداء الائمةعليهم‌السلام ، و الامامية كانوا يتقون منهم كما كانوا يتقون من العامة، و هذا أمر واضح لا مرية فيه لمن له اطلاع عن الفريقين، قال الصادقعليه‌السلام كما في

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٩٠.

(٢) الانبياء: ٢٢.

(٣) نقله عنه الشريف المرتضى في الفصول المختارة ٣: ١٨٩.

٣٤٣

خبر عمر بن يزيد: الزيدية هم النصاب، و قالعليه‌السلام : لا تصدق عليهم بشي‏ء، و لا تسقهم من الماء ان استطعت( ١) .

و قال أبو بصير: ذكر أبو عبد اللَّهعليه‌السلام كثير النوا، و سالم بن أبي حفصة،

و ابا الجارود و هم من رؤساء الزيدية فقال: هم كذّابون مكذّبون، كفار عليهم لعنة اللَّه، يأتونا فيخبرون انهم يصدقونا و ليس كذلك، و يسمعون حديثنا و يكذبون به( ٢) .

و في (رجال الكشي): ان الصادقعليه‌السلام قال لأبي الجارود بمنى في فسطاطه رافعا صوته كان أبي و اللَّه امام أهل الأرض حيث مات لا يجهله إلاّ ضالّ، و قال له في العام المقبل مثل ذلك، فقيل له بعد ذلك بالكوفة: أما سمعت ما قال لك أبو عبد اللَّه مرتين؟ فقال: انما يعني أباه عليا( ٣) .

و فيه: قيل للصادقعليه‌السلام : ان سالم بن أبي حفصة يروي عنك انك تتكلم على سبعين وجها لك عن كلها المخرج. فقال: ما يريد سالم مني، يريد أن أجي‏ء بالملائكة فما جاء بها النبيون، و لقد قال إبراهيم اني سقيم( ٤ ) و ما كان سقيما و ما كذب، و قال: بل فعله كبيرهم هذا( ٥ ) و ما فعله الكبير و ما كذب، و لقد قال يوسف: انكم لسارقون( ٦ ) و ما كانوا سارقين و ما كذب( ٧ ) الى غير ذلك من الاخبار.

____________________

(١) اختيار معرفة الرجال ٢٢٨: ٤٠٩.

(٢) اختيار معرفة الرجال ٢٣٠: ٤١٦.

(٣) اختيار معرفة الرجال ٢٣٠: ٤١٧.

(٤) الصافات: ٨٩.

(٥) الانبياء: ٦٣.

(٦) يوسف: ٧٠.

(٧) اختيار معرفة الرجال ٢٣٤: ٤٢٥.

٣٤٤

و كيف شرّك الزيدية مع الامامية مع اختلاف مبناهما، فالامامية انما قالوا بنفي القياس و الاجتهاد لوجود امام معصوم في كل عصر يعلم جميع الاحكام مثل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالالهام من اللَّه تعالى، و الزيدية غير قائلين بذلك،

فلا بد أن يقولوا بها كالعامة.

و لم يكن النقل عنهعليه‌السلام بالقول بالقياس و الاجتهاد منحصرا بالزيدية،

فقد قال بنسبتهما إليه النظام على ما حكى عنه تلميذه الجاحظ، فقال: اختلف قول علي في امهات الأولاد، فقال بشي‏ء، ثم رجع عنه، و قد حكي عن عبيدة السلماني انه قال: سألت عليا عن بيع امّهات الأولاد، فقال: كان رأيي و رأي عمر الا يبعن، و انا الآن أرى أن يبعن. فقلت: رأيك مع رأي عمر أحب الينا من رأيك وحدك.

و قضى فى الجد بقضايا مختلفة، و ندم أيضا على احراق المرتد بعد الذي كان بلغه من فتيا ابن عباس، و ودى رجلا جلده في الخمر ثمانين فمات،

و قال انما وديته لان هذا شي‏ء جعلناه بيننا، و رأى الرجم على مولاة حاطب فلما سمع قول عثمان تابعه، و نازعه زيد بن ثابت في المكاتب فأفحمه، و قال في امر الحكمين:

لقد عثرت عثرة لا انجبر

سوف اكيس بعدها و استمر

و اجمع الرأي الشتيت المنتشر

(١) و ننقل في الجواب كلام شيخنا محمد بن محمد بن النعمان المفيد، ففيه مقنع و كفاية في الباب، قال بعد خبر بيع أمهات الاولاد هذا خبر قد أطبق الفقهاء و نقاد الآثار على بطلانه، و من صححه منهم فلم يثق بهذه الحكاية من عنده و قال تخرصها ليتجمل بالكذب فيما ادعاه، لان امير المؤمنينعليه‌السلام كان

____________________

(١) نقله عنه الشريف المرتضى في الفصول المختارة ٢: ١٦٧ ١٧١.

٣٤٥

أعظم في نفوس المهاجرين و الانصار من أن يقدموا عليه في حكم حكم به هذا الاقدام، فكيف بعبيدة مع صغر سنّه في الحال وضعة قدره، و لم يكن عبيدة و لا أضرابه من الذين يتجاسرون على الإمامعليه‌السلام بهذا المقال، و لو كان عبيدة صادقا لما أخل ذلك بما قلنا من عصمتهعليه‌السلام من قبل انه كان رأيه في أيام عمر الا يخالفه في الفتيا خوفا من انتشار الكلمة و وقوع الفساد، و ذلك هو الذي توجبه الحكمة في تدبير الدين و استصلاح الأنام، فلما أفضى الأمر إليه زال ما كان يخافه فيما سلف من اظهار الخلاف، فحكم بما لم يزل يعتقده، كما كان رأي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في عام الحديبية امضاء أحكام الكفار و الكفّ عن حربهم، ثم زالت العلة الموجبة لذلك عام الفتح، فرأى حربهم و خلاف ما كان رآه قبل.

فأما اعتراض عبيدة في قوله بالردّ، فهو نظير ردّ الخوارج عليه في التحكيم، و حرب طلحة و الزبير و معاوية اهل الشام لهعليه‌السلام ، و لم يخل ذلك بكمال عصمتهعليه‌السلام ، كما لم يقدح خلاف المشركين للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و ردّهم عليه و حربهم له في نبوّته و عصمته. و من اعتمد على ما اعتمد عليه الجاحظ و استاده و اشياعهما في هذا الباب فقد وضح جهله و بان عجزه( ١) .

و قال و في الجواب عن قوله بقضائه في الجد مختلفا بأنه تخرص منه لاخفاء به، فلا يحفظ عنهعليه‌السلام في الجد الاقول واحد، و لم يختلف من أهل النقل عنه في ذلك اثنان، و من اعتمد على البهت هان امره( ٢ ) . قلت: لعله غلط فيما سمعه من عمر فنسبه إليهعليه‌السلام .

و قال في الجواب عن خبر الاحراق بأنه من أطرف شي‏ء سمع و أعجبه،

و ذلك أن ابن عباس أحد تلامذته و الآخذين العلم منه، و هو الذي كان يقول:

____________________

(١) الفصول المختارة ٢: ١٦٨.

(٢) الفصول المختارة ٢: ١٦٩.

٣٤٦

يجلس أمير المؤمنينعليه‌السلام بيننا كأحدنا يداعبنا و يبسطنا، و اللَّه ما ملأت طرفي قط منه هيبة له، فكيف يجوز من مثل ما وصفناه التقدم عليهعليه‌السلام في الفتيا،

و اظهار الخلاف عليه في الدين، لا سيما في الحال التي هو مظهر له فيها الاتباع و التعظيم و التبجيل.

و قال: و كيف يكون ما حكاه إبراهيم النظام من ندمهعليه‌السلام على احراق المرتدّ حقا، و قد احرق في آخر زمانه الأحد عشر الذين ادعوا الربوبية فيه،

افتراه ندم على ندمه الأول، كلا و لكن الناصبة تتعلق بالهباء المنثور( ١) .

قلت: انما ندم أبو بكر على احراقه الفجاة السلمى، و تمنى وقت موته ترك ذلك( ٢ ) ، فنسب فعله إليهعليه‌السلام كما نسب اختلاف آراء عمر في الجد إليهعليه‌السلام بدون موافقة موافق أو مخالف له.

و قال في خبر وديه من مات في الحد بأنه شي‏ء لم يسمع به الا من هذه الجهة، و لا رواه أحد من أهل الآثار، فكيف و هوعليه‌السلام كان يقول «من ضربناه حدا في حق من حقوق اللَّه، فمات، فلا دية له علينا، و من ضربناه حدّا في حق من حقوق المخلوقين، فمات، فديته علينا» و لا خلاف أن حد الخمر من حقوق اللَّه تعالى خاصة، و لكني أظن ان النظام أراد أن يدخل حد القذف، فغلط بحد الخمر لاتفاقهما في العدد( ٣) .

قلت: انما روت الخاصة و العامة وقوع مثل ذلك عن عمر، و لفظ العامة فيه هكذا: استدعى عمر امرأة ليسألها عن امر و كانت حاملا فلشدة هيبته ألقت ما في بطنها، فأجهضت به جنينا ميتا، فاستفتى أكابر الصحابة في ذلك،

____________________

(١) الفصول المختارة ٢: ١٦٩.

(٢) رواه الطبري في تاريخه ٢: ٦١٨، سنة ١٣ و المسعودي في المروج ٢: ٣٠١ و الجوهري في السقيفة: ٤٠.

(٣) الفصول المختارة ٢: ١٦٩.

٣٤٧

فقالوا: لا شي‏ء عليك، انما انت مؤدب. فقال له عليعليه‌السلام : ان كانوا راقبوك فقد غشّوك، و ان كان هذا جهد رأيهم فقد اخطأوا، عليك غرة يعني عتق رقبة فرجع عمر و الصحابة الى قوله( ١ ) . و كأن النظام التزم ان يشركهعليه‌السلام في عيوبهم.

و قال في قوله تابع عثمان و أفحمه زيد في المكاتب، هذا كذب ظاهر، لان الاتفاق حاصل على أنهعليه‌السلام كان أعلم القوم، و انهم كانوا يرجعون إليه، و لا يرجع الى احد منهم، و كيف يكون ما رواه حقا، و الخبر المستفيض عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال: «علي اقضاكم»، و ليس يصح أن يكون اقضى الامة من أفحمه زيد بن ثابت في المكاتب، فان كان قد أفحمه على ما قال النظام، فقد أكذب النبي في قوله، و ليس المكاتب من الفرائض في شي‏ء، فيتعلق بالخبر الذي يروونه «زيد أفرضكم»، مع أن الاجماع موجود على مذهبهعليه‌السلام في الرجم و المكاتب خلاف قول عثمان و زيد، و هذا دليل على بطلان ما ادعاه( ٢) .

و قال في الجواب عن شعر الحكمين: انه لا ينضاف إليه بالضرورة، لأنّا نعلم بالضرورة انهعليه‌السلام كان يظهر التدين بصوابه في التحكيم، و تضليل من خطأه في ذلك، حتى قتل اربعة آلاف على تخطئتهم له في التحكيم، فكيف يسوغ من عاقل أن يضرب الرقاب على قول قيل فيه، و هو يشهد به على نفسه،

هذا ما لا يتوهمه الا مؤف العقل غير معدود في جملة المكلفين، و كيف يصح ذلك مع أن الخوارج انما ساموه ان يعترف لهم بالخطأ فيما صنعه في باب الحكمين ليرجعوا الى ولايته، فردّ عليهم ذلك، و وجّه بابن عباس لمناظرتهم فيه، و لو كان قد قال هذا الشعر كما حكاه إبراهيم لكان الغاية في بغية القوم

____________________

(١) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ١: ١٧٤ و المفيد في الارشاد: ١٠٩.

(٢) الفصول المختارة ٢: ١٧٢.

٣٤٨

منه، و لرضوا به، و لدخلوا في ولايته، اذ صريحه شهادة منه على نفسه بالخطأ، و الندم على صنعه.

قال: و الذي يدل على بطلان جميع ما حكاه هذا الرجل عنه أنه لو كان له اصل لكان أوكد الحجج لاعدائه من الخوارج و غيرهم، ممن رأى حربه بالبصرة أو صفين، و من قعد عن نصرته، و لشيعة عثمان خاصة، حتى كانوا يحتجّون به عليه في المقامات، و يشنعون به على رؤوس الجماعات، و قد احطنا علما باحتجاج جميع من خالفه، أو قعد عنه أو نازعه و حاربه، فلم نجد فيه أنهم قالوا له: تناقضت أحكامك، و اختلفت آراؤك، و لا فضل لك في العلم،

لان زيدا نازعك فأفحمك، و عثمان خالفك فأسكتك، و تحكم بشي‏ء ثم تندم عليه، و تخطئ في أمر و تعترف بخطئك فيه، ثم تقيم عليه، بل وجدنا جماعة من ذكرنا معترفين بفضلهعليه‌السلام في العلم و الشجاعة و الحكم و القرابة بالنبي و الزهد، و انما كان بعضهم يتعلق عليه بايوائه قتلة عثمان و هم أهل البصرة و الشام و بعضهم بتحكيم الرجال و هم اهل النهروان و بعضهم بقتال أهل القبلة و هم المعتزلة للقتال و قد اجتهدت بنو امية السفيانية و المروانية في نحت مثالب لهعليه‌السلام ، فلم يحفظ عن أحد منهم في سلطانه سقط له في العلم، و لا تجهيل في الاحكام، و اكثر ما كانوا يخبطون به في ذلك، و يشبهون على الاغفال خذلانه لعثمان، و نصرته لقتلته، و الاستبداد بالامر دون الرجال، و ما أشبه ذلك، و لو كان شي‏ء مما حكاه إبراهيم عنهعليه‌السلام محفوظا لنشره من ذكرناه، و في عدول الكافة عنه سيما الخوارج و قد جرت بينه و بينهم المناظرات دليل على وقاحة إبراهيم و بهته و عناده الخ( ١) .

قلت: و لا سيما الراوي عن الجاحظ، و لعله هو الاصل في الافتراء، فان

____________________

(١) الفصول المختارة ٢: ١٧١.

٣٤٩

مثله منه كثير، كما لا يخفى على من راجع كتابيه المروانية و العثمانية، و قد نقضهما و بيّن كثيرا من افتراءاته جمع من علمائهم و منهم الاسكافي، و قد صرح المسعودي بأن الجاحظ كان يصنف الكتب فاذا لم ير اقبالا عليها ينسبها الى ابن المقفع و سهل خازن كتب حكمة المأمون لاشتهارهما في التصنيف( ١) .

ثم كيف ينسب ابن أبي الحديد الى اهل البيتعليهم‌السلام القول بالرأي و قد سئل الباقرعليه‌السلام عن الحديث يرسله و لا يسنده، فقال: إذا حدّثت الحديث و لم اسنده، فسندي فيه «أبي عن جدي عن أبيه عن جده رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن جبرئيل عن اللَّه عز و جل»( ٢) .

و قال سالم بن أبي حفصة و كان من الزيدية البترية لما هلك أبو جعفر محمد بن علي قلت لأصحابي: انتظروني حتى أدخل على أبي عبد اللَّه جعفر ابن محمد، فأعزيه بأبيه، فدخلت عليه، فعزيته به: ثم قلت: انّا للَّه و انّا إليه راجعون،

ذهب و اللَّه من كان يقول «قال رسول اللَّه»، فلا يسأل عمن بينه و بينه، لا و اللَّه لا يرى مثله، فسكت أبو عبد اللَّه ساعة، ثم قال: قال اللَّه تعالى: «ان من عبادي من يتصدق بشق تمرة، فأربيها له كما يربى أحدكم فلوه حتى أجعلها له مثل جبل أحد»، فخرجت الى اصحابي، فقلت لهم: ما رأيت أعظم من هذا: كنا نستعظم قول أبي جعفر «قال رسول اللَّه» بلا واسطة، فقال أبو عبد اللَّه «قال اللَّه» بلا واسطة( ٣) .

و بالجملة الوجوه الخمسة في كلامهعليه‌السلام لعدم جواز الاختلاف في

____________________

(١) التنبيه و الاشراف: ٦٦.

(٢) رواه المفيد في اماليه: ٤٢، ح ١٠، مجلس ٥.

(٣) رواه المفيد في اماليه: ٣٥٤، ح ٧، مجلس ٤٢ و أبو علي الطوسي في اماليه ١: ١٢٥، جزء ٥.

٣٥٠

الدين براهين عقلية تبطل كل نحلة و ملة من الفرق الاسلامية الا الامامية.

«و ان القرآن ظاهره أنيق» أي: حسن معجب «و باطنه عميق» قال الباقرعليه‌السلام : ما يستطيع أحد يدعي انه عنده جميع القران كله ظاهره و باطنه غير الاوصياء( ١) .

و عنهعليه‌السلام : ظهر القرآن الذين نزل القرآن فيهم، و بطنه الذين عملوا بمثل اعمالهم( ٢ ) . و في معنى الظهر و البطن، و التنزيل و التأويل كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في غزواته يقاتل على ظاهر القرآن و تنزيله، و كان امير المؤمنينعليه‌السلام يقاتل في حروبه الجمل و صفين و النهروان على باطن القران و تأويله.

و في (صفين نصر) في حديث قتل عمار و قال عمار حين نظر الى راية عمرو بن العاص: و اللَّه ان هذه الراية قاتلتها ثلاث عركات، و ما هذه بأرشدهن، ثم قال:

نحن ضربناكم على تنزيله

فاليوم نضربكم على تأويله

ضربا يزيل الهام عن مقيله

و يذهل الخليل عن خليله

أو يرجع الحق الى سبيله

ثم استسقى و قد اشتد ظمأه فاتته امرأة طويلة اليدين بضياح من لبن، فقال حين شرب:

الجنة تحت الاسنة

اليوم القى الاحبه

محمدا و حزبه( ٣)

«لا تفنى عجائبه» هكذا في (المصرية) و فيها سقط، ففي (ابن أبي الحديد

____________________

(١) اخرجه الكليني في الكافي ١: ٢٢٨، ح ٢.

(٢) اخرجه الصدوق في معاني الاخبار: ٢٥٩، ح ١.

(٣) وقعة صفين: ٣٤٠ و ٣٤١.

٣٥١

و ابن ميثم و الخطية)( ١ ) «لا تفنى عجائبه و لا تنقضي غرائبه».

و في (الكافي) عن ابن السكيت قال للهاديعليه‌السلام : لم بعث اللَّه موسى بالعصا و آلة السحر، و عيسى بآلة الطب، و محمّدا بالكلام و الخطب؟ فقالعليه‌السلام له: كان الغالب على أهل عصر موسى السحر، فأتاهم من عند اللَّه بما لم يكن في وسعهم، و كان عيسى في وقت قد ظهرت فيه الزمانات، و احتاج الناس الى الطب، فأتاهم من عند اللَّه بما لم يكن عندهم مثله من احياء الموتى، و ابراء الاكمه و الابرص، و كان الغالب على عصر محمد الخطب و الكلام الفصيح و الشعر، فأتاهم من عند اللَّه من مواعظه و حكمه ما ابطل به قولهم، و أثبت به الحجّة عليهم. فقال ابن السكّيت: تاللَّه ما رأيت مثلك قط، فما الحجة على الخلق اليوم؟ فقالعليه‌السلام : العقل يعرف به الصادق على اللَّه فتصدقه، و الكاذب على اللَّه فتكذبه. فقال ابن السكيت: هذا و اللَّه هو الجواب( ٢) .

و في (العيون): سأل رجل ابا عبد اللَّهعليه‌السلام : ما بال القرآن لا يزداد عند النشر و الدرس الاغضاضة؟ فقال: ان اللَّه تعالى لم ينزله لزمان دون زمان، و لا لناس من دون ناس، فهو في كل زمان جديد، و عند كل قوم غض الى يوم القيامة( ٣) .

«و لا تكشف الظلمات الا به» روى (الكافي): أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال في خطبته بمنى أو مكة: ما جاءكم عني يوافق القرآن فأنا قلته، و ما جاءكم عني لا يوافق القرآن فلم أقله. و ان الصادقعليه‌السلام قال: كل حديث لا يوافق كتاب اللَّه فهو زخرف( ٤) .

____________________

(١) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٨٨، لكن في شرح ابن ميثم ١: ٣٢٠ مثل المصرية.

(٢) الكافي ١: ٢٤، ح ٢٠.

(٣) عيون الاخبار للصدوق ٢: ٨٥، ح ٣٢.

(٤) الكافي ١: ٦٩، ح ٣ ٥.

٣٥٢

٧ - الحكمة (٢٠٥) و قالعليه‌السلام :

كُلُّ وِعَاءٍ يَضِيقُ بِمَا جُعِلَ فِيهِ إِلاَّ وِعَاءَ اَلْعِلْمِ فَإِنَّهُ يَتَّسِعُ أقول: و نظيره قولهعليه‌السلام أيضا كما رواه أبو هلال العسكري في (صناعته) كل شي‏ء يعز إذا نزر ما خلا العلم فانه يعز إذا غزر.

في (المروج): ان الاسكندر لما قتل فورا من ملوك الهند، و انقاد إليه جميعهم، بلغه أن في أقاصي أرضهم ملكا ذا حكمة و سياسة يقال له كند الى أن قال فكتب كند الى الاسكندر: ان عنده فيلسوفا يخبره بمراده قبل أن يسأله لحدة مزاجه، و حسن قريحته، و اعتدال بنيته، و اتساعه في علمه، و ان الاسكندر أراد اختبار الفيلسوف، فدعا بقدح، فملأه سمنا، و أدهقه، و لم يجعل للزيادة عليه سبيلا، و دفعه الى رسول له، و قال له: امض به الى الفيلسوف، و لا تخبره بشي‏ء، فلما رود الرسول بالقدح قال الفيلسوف بصحة فهمه: لامر ما بعث هذا الملك بهذا السمن الي، و أجال فكره، ثم دعا بنحو ألف ابرة، فغرز أطرافها في السمن، و انفذها الى الاسكندر الى أن قال بعد ذكر التلاقي بينهما قال الاسكندر للفيلسوف: ما بالك حين أنفذت اليك قدحا مملوءا سمنا غرزت فيه ابرا و رددته الي؟ فقال الفيلسوف: علمت أيها الملك انك تقول ان قلبي قد امتلأ علما كامتلاء هذا الاناء من السمن، فليس لاحد من الحكماء فيه مستزاد، فأخبرت الملك ان علمي يستزيد في علمه و يدخل فيه دخول هذه الابر في هذا الاناء( ١) .

هذا، و شبه علم عند عالم سوء بمتاع جيد في وعاء سوء، ففي كتاب زيد

____________________

(١) مروج الذهب ١: ٣٢٤ ٣٢٩ و النقل بتلخيص.

٣٥٣

الزراد عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ان لنا أوعية نملؤها علما و حكما و ليست لها بأهل، و ما نملؤها إلا لتنقل الى شيعتنا، فانظروا الى ما في الأوعية، فخذوها، ثم صفّوها من الكدر تأخذونها بيضاء نقية صافية، و اياكم و الأوعية، فانها وعاء سوء فتنكبوها.

و عن أبي عبد اللَّهعليه‌السلام : ذهب العلم و بقي غبرات العلم في أوعية سوء،

فاحذروا باطنها فان في باطنها الهلاك، و عليكم بظاهرها فان في ظاهرها النجاة( ١) .

٨ - الحكمة (٣٣٨) و قالعليه‌السلام :

اَلْعِلْمُ عِلْمَانِ مَطْبُوعٌ وَ مَسْمُوعٌ وَ لاَ يَنْفَعُ اَلْمَسْمُوعُ إِذَا لَمْ يَكُنِ اَلْمَطْبُوعُ أقول: و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تقسيمه من حيث آخر، ففي كنز الكراجكي قال النبي: العلم علمان، علم في القلب، فذلك العلم النافع، و علم في اللسان، فذلك حجّة على العباد( ٢ ) ، كما أنّ عنهعليه‌السلام : تقسيم العقل كالعلم، ففي مطالب سؤول ابن طلحة الشافعي قال عليعليه‌السلام : العقل عقلان، عقل الطبع، و عقل التجربة،

و كلاهما يؤدي الى المنفعة( ٣) .

و كيف كان فالمراد بالعلم المطبوع في العنوان العقل، و بالعلم المسموع ظاهره، و معلوم أنّه ما دام لم يكن للانسان عقل لم ينفعه ما اكتسبه من العلم.

____________________

(١) أصل زيد الزراد: ٤.

(٢) كنز الفوائد: ٢٣٩.

(٣) مطالب السؤول: ٤٩.

٣٥٤

قالوا: أراد رجل أن يتعلم من الخليل علم العروض، و اشتغل عليه مدة،

فأعياه، فقال له: كيف تقطع بيت عمرو بن معد يكرب:

إذا لم تستطع شيئا

فدعه و جاوزه الى ما تستطيع

فترك الحضور، فعجب الخليل من فهمه مراده.

و قيل لحكيم: متى يكون الأدب شرّا من عدمه. قال: إذا كثر الأدب،

و نقصت القريحة.

٩ - الحكمة (٩٢) و قالعليه‌السلام :

أَوْضَعُ اَلْعِلْمِ مَا وُقِفَ عَلَى اَللِّسَانِ وَ أَرْفَعُهُ مَا ظَهَرَ فِي اَلْجَوَارِحِ وَ اَلْأَرْكَانِ أقول: هكذا في (المصرية) في العدد، و هو محرف عن موضعه، ففي (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية) هذا قبل حكمة (٩١) «ان هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان».

و كيف كان فهذا نظير ما مر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : العلم علمان، علم في القلب،

فذلك العلم النافع، و علم في اللسان، فذلك حجة على العباد( ١) .

أما علم وقف على اللسان، فكونه أوضع علم لأن صاحبه كالكلاب و القردة، و الحمير و البعير، قال تعالى: و اتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين. و لو شئنا لرفعناه بها و لكنه أخلد الى الأرض و اتبع هواه فمثله كمثل الكلب

____________________

(١) كنز الفوائد: ٢٣٩.

٣٥٥

ان تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث( ١) .

و في الخبر عن الصادقعليه‌السلام : كان لموسى جليس قد وعى علما كثيرا،

فاستأذنه لزيارة أقاربه، فقالعليه‌السلام : ان اللَّه قد حملك علما فلا تضيعه. فقال: لا يكون إلا خيرا، و مضى، فطالت غيبته، فسأل موسى عنه، فلم يخبره عنه أحد،

فسأل جبرئيل عنه، فقال له: هو ذا على الباب قد مسخ قردا في عنقه سلسلة،

ففزع موسى و قال: يا ربّ صاحبي و جليسي، فأوحى إليه لو دعوت حتى تنقطع ترقوتاك ما استجيب لك فيه، اني حمّلته علما، فضيعه و ركن الى غيره( ٢) .

و قال تعالى: مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذّبوا بآيات اللَّه( ٣ ) أي: كذبوه عملا، و ان صدقوه لسانا، و قال الشاعر:

زوامل للأشعار لا علم عندهم

بجيدها إلا كعلم الأباعر

لعمرك ما يدري البعير إذا غدا

بأوساقه أو راح ما في الغرائر

و كيف لا يكون ذاك العلم أوضع علم، و صاحبه اسوأ حالا من الجاهل،

و عن الصادقعليه‌السلام : يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد( ٤ ) . و عن الباقرعليه‌السلام في قوله تعالى: فكبكبوا فيها هم و الغاوون( ٥ ) هم قوم و صفوا عدلا بألسنتهم، ثم خالفوه الى غيره( ٦) .

____________________

(١) الاعراف: ١٧٥ و ١٧٦.

(٢) رواه الشهيد الثاني في منية المريد عنه البحار ٢: ٤٠ ح ٧٠.

(٣) الجمعة: ٥.

(٤) أخرجه الكليني في الكافي ١: ٤٧ ح ١، و القمي في تفسيره ٢: ١٤٦.

(٥) الشعراء: ٩٤.

(٦) أخرجه الكليني في الكافي ١: ٤٧ ح ٤، و الأهوازي في الزهد: ٦٨ ح ١٨١.

٣٥٦

و في الخبر: ان أهل النار ليتأذون من ريح العالم التارك لعلمه( ١) .

و قال عيسىعليه‌السلام : ويل لعلماء السوء، كيف تلظى عليهم النار( ٢) .

و أما كون علم ظهر في الجوارح و الأركان أرفع علم فلأنه الذي قال تعالى في صاحبه: يرفع اللَّه الذين آمنوا منكم و الذين أوتوا العلم درجات( ٣ ) و قال الصادقعليه‌السلام فيه: ان العلماء ورثة الأنبياء، و ذلك ان الأنبياء لم يورثوا دينارا و لا درهما، و انما ورثوا أحاديث، فمن أخذ منها أخذ بحظ وافر( ٤) .

و قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في صاحب ذلك العلم: اللّهم ارحم خلفائي، اللّهم ارحم خلفائي، اللّهم ارحم خلفائي. قيل: و من هم؟ قال: الذين يتعلمون حديثي و سنتي، ثم يعلّمونها امتي( ٥) .

و قال الصادقعليه‌السلام : من تعلم العلم، و عمل به، و علّم للَّه، دعي في ملكوت السماوات عظيما، فقيل: تعلم للَّه، و عمل للَّه، و علّم للَّه( ٦) .

و عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : يا طالب العلم، ان العلم ذو فضائل كثيرة،

فرأسه التواضع، و عينه البراءة من الحسد، و اذنه الفهم، و لسانه الصدق،

و حفظه الفحص، و قلبه حسن النية، و عقله معرفة الأشياء و الامور، و يده الرحمة، و رجله زيارة العلماء، و همّته السلامة، و حكمته الورع، و مستقره

____________________

(١) أخرجه الكليني في الكافي ١: ٤٤ ح ١.

(٢) أخرجه الكليني في الكافي ١: ٤٧ ح ٢.

(٣) المجادلة ١١.

(٤) أخرجه الكليني في الكافي ١: ٣٢ ح ٢، و الصفار في البصائر: ٣٠ و ٣١ ح ١ و ٣.

(٥) أخرجه الصدوق في معاني الأخبار: ٣٧٤ ح ١، و الفقيه ٤: ٣٠٢ ح ٩٥، و أماليه: ١٥٢ ح ٤، مجلس ٣٤، و عيون الأخبار ٢: ٣٦ ح ٩٤، و الخطيب في شرح أصحاب الحديث: ٣٠ ح ٥٨، و الطبراني في المعجم الأوسط و الرامهرمزي في المحدث الفاضل و ابن النجار في تاريخه، عنهم كنز العمال ١٠: ٢٢٩ ح ٢٩٢٠٨.

(٦) أخرجه الكليني في الكافي ١: ٣٥ ح ٩، و القمي في تفسيره ٢: ١٤٦.

٣٥٧

النجاة، و قائدة العافية، و مركبه الوفاء، و سلاحه لين الكلمة، و سيفه الرضا،

و قوسه المداراة، و جيشه محاورة العلماء، و ماله الأدب، و ذخيرته اجتناب الذنوب، و زاده الموادعة، و دليله الهدى، و رفيقه محبة الأخيار( ١) .

١٠ - الحكمة (٣٦٦) و قالعليه‌السلام :

اَلْعِلْمُ مَقْرُونٌ بِالْعَمَلِ فَمَنْ عَلِمَ عَمِلَ وَ اَلْعِلْمُ يَهْتِفُ بِالْعَمَلِ فَإِنْ أَجَابَهُ وَ إِلاَّ اِرْتَحَلَ عَنْهُ أقول: نسبه باب استعمال (علم الكافي) الى الصادقعليه‌السلام ، رواه عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن إسماعيل بن جابر عنهعليه‌السلام ، و زاد بعد «فمن علم عمل» «و من عمل علم»( ٢ ) ، و كيف كان فالزيادة ساقطة من النهج لاقتضاء الكلام لها.

«العلم مقرون بالعمل فمن علم عمل» روى (الخصال): ان رجلا جاء الى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: ما حق العلم؟ قال: الانصات له. قال: ثم مه؟ قال: الاستماع له.

قال: ثم مه؟ قال: الحفظ له. قال: ثم مه؟ قال: العمل به. قال: ثم مه؟ قال: نشره( ٣) .

و روى (العيون) عنهعليه‌السلام : الدنيا كلّها جهل إلا مواضع العلم، و العلم كلّه حجّة إلاّ ما عمل به، و العمل كلّه رياء إلاّ ما كان مخلصا، و الاخلاص على خطر حتى ينظر العبد بما يختم له( ٤) .

و روى (كنز الكراجكي) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : من ازداد في العلم رشدا، فلم

____________________

(١) أخرجه الكليني في الكافي ١: ٤٨ ح ٢، و ابن شعبة في تحف العقول: ٢٠٠.

(٢) الكافي ١: ٤٤ ح ٢.

(٣) الخصال ١: ٢٨٧ ح ٤٣، و الكافي ١: ٤٨ ح ٤.

(٤) عيون الأخبار للصدوق ١: ٢١٩ ح ٢٥.

٣٥٨

يزدد في الدنيا زهدا، لم يزدد من اللَّه إلاّ بعدا( ١) .

و روى (المنية) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : العلم الذي لا يعمل به كالكنز الذي لا ينفق منه، أتعب صاحبه نفسه في جمعه، و لم يصل الى نفعه( ٢) .

«و العلم يهتف» أي: يصيح «بالعمل فان أجابه و إلا ارتحل عنه» في (تفسير القمي و الكافي): ان رجلا جاء الى علي بن الحسينعليه‌السلام ، فسأله عن مسائل، ثم عاد ليسأل عن مثلها، فقالعليه‌السلام : مكتوب في الانجيل لا تطلبوا علم ما لا تعلمون، و ما عملتم بما علمتم، فان العلم إذا لم يعمل به لم يزدد من اللَّه إلا بعدا( ٣) .

١١ - الحكمة (٩٨) و قالعليه‌السلام :

اِعْقِلُوا اَلْخَبَرَ إِذَا سَمِعْتُمُوهُ عَقْلَ رِعَايَةٍ لاَ عَقْلَ رِوَايَةٍ فَإِنَّ رُوَاةَ اَلْعِلْمِ كَثِيرٌ وَ رُعَاتَهُ قَلِيلٌ «اعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل رعاية» و يعبر عنه بالدراية «لا عقل رواية».

و في (كنز الكراجكي) عنهعليه‌السلام : عليكم بالدرايات لا بالروايات، همّة السفهاء الرواية، و همّة العلماء الدراية( ٤) .

«فان رواة العلم كثير و رعاته قليل» في (الكافي) عن الصادقعليه‌السلام : رواة الكتاب كثير، و رعاته قليل، و كم من مستنصح للحديث مستغش للكتاب،

فالعلماء يحزنهم ترك الرعاية، و الجهّال يحزنهم حفظ الرواية، فراع يرعى

____________________

(١) كنز الفوائد: ٢٣٩.

(٢) لم يوجد في منية المريد بل رواه ابن فهد في عدة الداعي عنه البحار ٢: ٣٧ ح ٥٥.

(٣) تفسير القمي عنه البحار ٢: ٢٨ ح ٦، و الكافي ١: ٤٤ ح ٤.

(٤) كنز الفوائد: ١٩٤.

٣٥٩

حياته، و راع يرعى هلكته، فعند ذلك اختلف الراعيان، و تغاير الفريقان( ١) .

و أكثر رواة العامة كما قالعليه‌السلام غير أهل دراية، روى الكشي عن ميمون بن عبد اللَّه قال: أتى قوم أبا عبد اللَّهعليه‌السلام يسألونه الحديث و كانوا لا يبالون ممن أخذوا فقال لرجل منهم: هل سمعت من غيري؟ قال: نعم. قال:

فحدثني ببعض. فقال: حدثني سفيان الثوري عن جعفر بن محمد قال: النبيذ كلّه حلال إلا الخمر الى أن قال فقالعليه‌السلام له: هذا الذي تحدث عنه و تذكر اسمه جعفر بن محمد هل تعرفه؟ قال: لا. قال: هل سمعت منه شيئا قط؟ قال:

لا. قال: فهذه الأحاديث عندك حق؟ قال: نعم أحاديث أهل مصرنا منذ دهر لا يمترون فيها. فقالعليه‌السلام له: لو رأيت هذا الرجل الذي تحدّث عنه فقال لك هذه الأحاديث التي ترويها عني كذب لا أعرفها و لم أحدث بها، هل كنت تصدقه؟

قال: لا. قال: و لم؟ قال: لأنّه شهد على قوله رجال لو شهد أحدهم على عنق رجل لجاز قوله الخبر( ٢) .

هذا، و في الكافي عنهعليه‌السلام قال: إذا حدثتم بحديث فاسندوه الى الذي حدثكم، فان كان حقا فلكم و ان كان كذبا فعليه( ٣) .

١٢ - الحكمة (٣٧٢) و قالعليه‌السلام لجابر بن عبد اللَّه الأنصاريّ:

يَا؟ جَابِرُ؟ قِوَامُ اَلدِّينِ وَ اَلدُّنْيَا بِأَرْبَعَةٍ عَالِمٍ مُسْتَعْمِلٍ عِلْمَهُ وَ جَاهِلٍ لاَ يَسْتَنْكِفُ أَنْ يَتَعَلَّمَ وَ جَوَادٍ لاَ يَبْخَلُ بِمَعْرُوفِهِ وَ فَقِيرٍ لاَ يَبِيعُ آخِرَتَهُ

____________________

(١) الكافي ١: ٤٩ ح ٦.

(٢) اختيار معرفة الرجال: ٣٩٣ ح ٧٤١.

(٣) الكافي ١: ٥٢ ح ٧.

٣٦٠