بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٧

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 621

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 621
المشاهدات: 99211
تحميل: 8081


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 99211 / تحميل: 8081
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 7

مؤلف:
العربية

بِدُنْيَاهُ فَإِذَا ضَيَّعَ اَلْعَالِمُ عِلْمَهُ اِسْتَنْكَفَ اَلْجَاهِلُ أَنْ يَتَعَلَّمَ وَ إِذَا بَخِلَ اَلْغَنِيُّ بِمَعْرُوفِهِ بَاعَ اَلْفَقِيرُ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ يَا؟ جَابِرُ؟ مَنْ كَثُرَتْ نِعَمُ اَللَّهِ عَلَيْهِ كَثُرَتْ حَوَائِجُ اَلنَّاسِ إِلَيْهِ فَمَنْ قَامَ لِلَّهِ فِيهَا بِمَا يَجِبُ فِيهَا عَرَّضَهَا لِلدَّوَامِ وَ اَلْبَقَاءِ وَ مَنْ لَمْ يَقُمْ فِيهَا بِمَا يَجِبُ عَرَّضَهَا لِلزَّوَالِ وَ اَلْفَنَاءِ أقول: رواه ابن بابويه في (توحيده) مسندا عن الأصبغ مع اختلاف و زيادة و نقصان هكذا: قال لما جلس عليعليه‌السلام في الخلافة و بايعه الناس خرج الى المسجد متعمما بعمامة النبي الى أن قال ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني، فقام إليه رجل من أقصى المسجد متوكئا على عصاه فلم يزل يتخطى الناس حتى دنا منه، فقال لهعليه‌السلام : دلّني على عمل إذا عملته نجاني اللَّه من النار. قال له: اسمع يا هذا ثم افهم ثم استيقن قامت الدنيا بثلاثة: بعالم ناطق مستعمل لعلمه، و بغني لا يبخل بماله على أهل دين اللَّه، و بفقير صابر،

فإذا كتم العالم علمه، و بخل الغني، و لم يصبر الفقير، فعندها الويل و الثبور،

و عندها يعرف العارفون باللَّه ان الدار قد رجعت الى بدئها أي: الكفر بعد الايمان أيها السائل فلا تغترّن بكثرة المساجد و جماعة أقوام أجسادهم مجتمعة و قلوبهم شتى، ايها الناس انما الدنيا ثلاثة، زاهد و راغب و صابر، فأما الزاهد فلا يفرح بشي‏ء من الدنيا أتاه و لا يحزن على شي‏ء منها فاته، و أما الصابر فيتمناها بقلبه، فان أدرك منها شيئا صرف عنها نفسه لما يعلم من سوء عاقبتها، و اما الراغب فلا يبالي من حل أصابها أم من حرام. فقال لهعليه‌السلام :

فما علامة المؤمن في ذلك الزمان. قال: ينظر الى ما أوجب اللَّه عليه من حق فيتولاه و ينظر الى ما خالفه فيتبرء منه و ان كان حميما قريبا. قال: صدقت و اللَّه يا أمير المؤمنين. ثم غاب الرجل فلم نره، فطلبه الناس فلم يجدوه،

٣٦١

فتبسمعليه‌السلام و قال: مالكم هذا أخي الخضر( ١) .

و رواه في (خصاله) في الصحيح عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال أمير المؤمنين: قوام الدنيا بأربعة: بعالم ناطق مستعمل له، و بغني لا يبخل بفضله على أهل دين اللَّه، و بفقير لا يبيع آخرته بدنياه، و بجاهل لا يتكبر عن طلب العلم. فإذا كتم العالم علمه، و بخل الغني بماله، و باع الفقير آخرته بدنياه،

و استكبر الجاهل عن طلب العلم، رجعت الدنيا الى ورائها القهقرى،

فلا يغرنّكم كثرة المساجد، و أجساد قوم مختلفة قلوبهم. قيل له: كيف العيش في ذلك الزمان؟ فقال: خالطوهم بالبرانية يعني في الظاهر و خالفوهم في الباطن، و للمرء ما اكتسب، و هو مع من أحب، و انتظروا مع ذلك الفرج من اللَّه عز و جل( ٢) .

قول المصنف (و قالعليه‌السلام لجابر بن عبد اللَّه الأنصاري) أقول: قد عرفت من خبر التوحيد انّهعليه‌السلام قال ذلك للخضر، و أما خبر الخصال فساكت عن المسؤول له، فلا بد أن المصنف وقف عليه في خبر آخر.

و كيف كان ففي ذيل الطبري: شهد جابر العقبة في السبعين من الأنصار الذين بايعوا النبي عندها، و كان أصغرهم يومئذ، و أراد شهود بدر،

فخلفه أبوه على اخواته و كن تسعا، و خلفه أيضا حين خرج الى احد، و شهد جابر باقي المشاهد.

و روي عنه ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله غزا سبعا و عشرين غزوة، و غزوت معه ست عشرة غزوة، و لم أقدر أن أغزو حتى قتل أبي باحد، فكان أوّل غزوة غزوتها معه حمراء الأسد.

____________________

(١) التوحيد: ٣٠٦.

(٢) الخصال ١: ١٩٧ ح ٥.

٣٦٢

مات جابر سنة (٧٤) و هو ابن (٩٤)، و كان قد ذهب بصره( ١ ) . و في تاريخه: ولى عبد الملك سنة (٧٤) الحجاج المدينة، فاستخف بأصحاب النبي،

و ختم في أعناقهم، و رئي جابر مختوما في يده( ٢) .

قولهعليه‌السلام «يا جابر قوام الدين و الدنيا» هكذا في (المصرية) أخذا من (ابن أبي الحديد)، و الصواب: ما في (ابن ميثم): (يا جابر قوام الدنيا)( ٣ ) «بأربعة عالم مستعمل» هكذا في (المصرية)، و الصواب: (يستعمل) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٤ ) (علمه) في (الكافي) عن الصادقعليه‌السلام : من تعلم العلم، و عمل به،

و علّم للَّه، دعي في ملكوت السماوات عظيما، فقيل: تعلّم للَّه، و عمل للَّه،

و علّم للَّه( ٥) .

«و جاهل لا يستنكف ان يتعلم» في (الكافي) عن السجادعليه‌السلام : أوحى اللَّه تعالى الى دانيال ان أمقت عبيدي اليّ الجاهل المستخف بحق أهل العلم، التارك للإقتداء بهم، و أن أحب عبيدي إليّ التقي الطالب للثواب الجزيل، اللازم للعلماء،

القابل عن الحكماء( ٦) .

«و جواد لا يبخل» الصواب: ما في روايتي الصدوق «و غني لا يبخل»( ٧ ) فالغني قد يبخل، و قد لا يبخل، و اما الجواد فلا يمكن بخله.

«بمعروفه» قد عرفت ان رواية (التوحيد) «بماله»، و رواية (الخصال)

____________________

(١) منتخب ذيل المذيل: ٢٩.

(٢) تاريخ الطبري ٥: ٣٥، سنة ٧٤.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٩: ٣٠٣، و شرح ابن ميثم ٥: ٤٢٦.

(٤) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٩: ٣٠٣، لكن في شرح ابن ميثم ١: ٤٢٦ مثل المصرية.

(٥) الكافي ١: ٣٥ ح ٦.

(٦) الكافي ١: ٣٥ ح ٥.

(٧) التوحيد: ٣٠٦، و الخصال ١: ١٩٧.

٣٦٣

«بفضله»( ١ ) ، أي: بفضل ماله، و هما أحسن.

في (الكافي) عن الصادقعليه‌السلام : ان من بقاء المسلمين و بقاء الاسلام ان تصير الأموال عند من يعرف فيها الحق، و يصنع فيها المعروف، و ان من فناء الاسلام و فناء المسلمين أن تصير الأموال في أيدي من لا يعرف فيها الحق،

و لا يصنع فيها المعروف.

و عن أبي جعفرعليه‌السلام ان اللَّه تعالى جعل للمعروف أهلا من خلقه حبب اليهم فعاله، و وجّه لطلاّب المعروف الطلب اليهم، و يسّر لهم قضاءه كما يسّر الغيب للأرض المجدبة ليحييها و يحيي به أهلها، و ان اللَّه تعالى جعل للمعروف أعداءا من خلقه بغّض إليهم المعروف، و بغّض اليهم فعاله، و حظر على طلاّب المعروف الطلب اليهم، و حظر عليهم قضاءه كما حظر الغيث على الأرض المجدبة ليهلكها و يهلك أهلها( ٢) .

«و فقير لا يبيع آخرته بدنياه» في (الكافي) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال تعالى: ان من أغبط أوليائي عندي رجلا خفيف الحال، ذا حظ من صلاة، أحسن عبادة ربه بالغيب، و كان غامضا في الناس جعل رزقه كفافا، فصبر عليه و عجلت منيته، فقلّ تراثه و قلّ بواكيه.

و عن الصادقعليه‌السلام : جاء رجل موسر نقي الثوب الى النبي، فجلس، فجاء رجل معسر درن الثوب، فجلس الى جنب النبي بجنب الموسر، فقبض الموسر ثيابه من تحت فخذيه، فقال له النبي: أخفت أن يمسك من فقره شي‏ء؟ قال: لا. قال: فخفت أن يصيبه من غناك شي‏ء؟ قال: لا. قال: فخفت أن يوسخ ثيابك؟ قال: لا. قال: فما حملك على ما صنعت؟ فقال: ان لي قرينا يزين

____________________

(١) المصدر السابق.

(٢) الكافي ٤: ٢٥ ح ١ و ٢.

٣٦٤

لي كلّ قبيح، و يقبّح لي كلّ حسن، و قد جعلت له نصف مالي. فقال النبي للمعسر: أتقبل؟ قال: لا. قال الرجل: و لم؟ قال: أخاف أن يدخلني ما دخلك( ١) .

«فاذا ضيّع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم» في (الكافي) عن الصادقعليه‌السلام : ان العالم إذا لم يعمل بعلمه زلّت موعظته عن القلوب كما يزل المطر عن الصفا.

و عنهعليه‌السلام : قصم ظهري رجلان: عالم متهتّك، و جاهل متنسك، هذا ينفّر الناس بتهتكه، و هذا يضلّ الناس بتنسكه.

و عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : ان أهل النار ليتأذون من ريح العالم التارك لعلمه.

و قال عيسى بن مريمعليه‌السلام : ويل لعلماء السوء كيف تلظى عليهم النار.

و عنهمعليهم‌السلام : يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد( ٢) .

«و إذا بخل الغني بمعروفه باع الفقير آخرته بدنياه» في (الكافي) عن الصادقعليه‌السلام : يأتي على الناس زمان من سأل الناس عاش، و من سكت مات( ٣) .

«يا جابر من كثرت نعم اللَّه عليه كثرت حوائج الناس إليه» لامتحان شكره «فمن قام للَّه فيها بما يجب فيها» هكذا في (المصرية)، و لكن في (ابن أبي الحديد):

(فمن قام بما يجب للَّه فيها)، و في (ابن ميثم) و كذا (الخطية) (فان أقام بما يجب

____________________

(١) الكافي ٢: ١٤٠ ح ١ و: ٢٦٢ ح ١١.

(٢) الكافي ١: ٤٤ ح ١ و ٣، لكن الحديث الثاني لم يوجد فيه بل رواه الشهيد الثاني في منية المريد: ٧٤، و الصدوق في الخصال ١: ٦٩ ح ١٠٣.

(٣) الكافي ٤: ٤٦ ح ١.

٣٦٥

للَّه فيها)( ١ ) «عرّضها للدوام و البقاء» هكذا في (المصرية)، و الصواب: (عرض نعمة اللَّه لدوامها) كما في (ابن أبي الحديد) و كذا (ابن ميثم)( ٢) .

«و من لم يقم فيها بما يجب عرّضها للزوال و الفساد» هكذا في (المصرية)،

و الصواب: (و من ضيّع ما يجب للَّه فيها عرّض نعمته لزوالها) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٣ ) ، و لكن في نسخة الثاني (و ان ضيع).

و كيف كان ففي (الكافي) عن أبي جعفرعليه‌السلام : ان الشمس لتطلع و معها أربعة أملاك: ملك ينادي يا صاحب الخير أتمّ و أبشر، و ملك ينادي يا صاحب الشر انزع و اقصر، و ملك ينادي اعط منفقا خلفا و آت ممسكا تلفا، و ملك ينضحها بالماء و لو لا ذلك اشتعلت الأرض.

و عن الرضاعليه‌السلام : ان النعم كالابل المعتقلة في عطفها على القوم ما أحسنوا جوارها، فإذا أساؤوا معاملتها نفرت عنهم.

و عن الصادقعليه‌السلام : من عظمت عليه النعمة اشتدت مؤنة الناس عليه،

فان هو قام بمؤنتهم اجتلب زيادة النعمة عليه من اللَّه، و ان لم يفعل فقد عرض النعمة لزوالها( ٤) .

١٣ - الحكمة (٤٥٧) و قالعليه‌السلام :

مَنْهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ طَالِبُ عِلْمٍ وَ طَالِبُ دُنْيَا أقول: روى الكافي عن سليم بن قيس عنهعليه‌السلام قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(١) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٩: ٣٠٣، لكن في شرح ابن ميثم ٥: ٤٢٦ مثل المصرية.

(٢) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٩: ٣٠٣، لكن في شرح ابن ميثم ٥: ٤٢٧ مثل المصرية.

(٣) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٩: ٣٠٣، لكن في شرح ابن ميثم ٥: ٤٢٧ مثل المصرية.

(٤) الكافي ٤: ٤٢ ح ١ و: ٣٨ ح ١ و: ٣٧ ح ١.

٣٦٦

منهومان لا يشبعان طالب دنيا و طالب علم، فمن اقتصر من الدنيا على ما أحل اللَّه له سلم، و من تناولها من غير حلّها هلك، الا ان يتوب و يراجع، و من أخذ العلم من أهله و عمل به نجا، و من أراد به الدنيا فهي حظّه( ١) .

«منهومان» أي: مولعان «لا يشبعان» و في الخبر: أربعة لا يشبعن من أربعة: الأرض من المطر، و العين من النظر، و الانثى من الذكر، و العالم من العلم( ٢) .

«طالب علم» روى الخطيب عن عبد الرحمن بن يوسف بن خراش انّه شرب بوله في طلب الحديث خمس مرات، قال: أحسبه فعل ذلك في السفر عند عدم الماء.

و عن محمد بن جعفر بن رميس القصري قال: بعت صف الحدادين ببغداد بثلاثة آلاف دينار، فأنفقتها كلّها على الحديث.

و في (عيون القتيبي): قيل لبزر جمهر: بم أدركت ما أدركت من العلم؟

قال: ببكور كبكور الغراب، و حرص كحرص الخنزير، و صبر كصبر الحمار.

و حكي عن أبي ريحان البيروني: ان بعض العلماء دخل عليه و هو يجود بنفسه، فقال له في تلك الحال: كيف قلت لي يوما حساب الجدات؟ فقال: أفي هذه الحال. فقال: أودّع الدنيا و أنا عالم بها خير من أن اخليها و أنا جاهل بها،

فذكرها له و خرج، فسمع الصراخ عليه.

و قال أبو الجوائز:

رويت و ما رويت من الرواية

و كيف و ما انتهيت الى نهاية

و للأعمال غايات تناهى

و ان طالت و ما للعلم غاية

____________________

(١) الكافي ١: ٤٦ ح ١.

(٢) أخرجه الصدوق في الخصال ١: ٢٢١ ح ٤٧ و ٤٨.

٣٦٧

و قال ابن أبي الحديد: مات الجاحظ و الكتاب على صدره، و كان أبو علي في النزع و هو يملي على ابنه أبي هاشم مسائل في علم الكلام، و كان القاضي أحمد بن أبي دؤاد يأخذ الكتاب في خفه و هو راكب، فإذا جلس في دار الخليفة اشتغل بالنظر فيه الى ان يجلس الخليفة، و ما فارق الكتاب قط إلا في الخلاء.

و أعرف انا في زماننا من مكث نحو خمس سنين لا ينام إلا وقت السحر صيفا و شتاءا مكبا على كتاب، و كانت و سادته التي ينام عليها الكتاب( ١) .

«و طالب دنيا» في (الكافي) عن أبي جعفرعليه‌السلام : مثل الحريص على الدنيا مثل دودة القز، كلّما ازدادت من القز على نفسها لفا كان أبعد لها من الخروج حتى تموت غما( ٢) .

و عن أبي عبد اللَّهعليه‌السلام : مر عيسى على قرية قد مات أهلها و طيرها و دوابها، فقال: أما إنهم لم يموتوا إلا بسخط، و لو ماتوا متفرقين لتدافنوا. فقال الحواريون: يا روح اللَّه ادع اللَّه أن يحييهم لنا فيخبرونا ما كانت أعمالهم فنجتنبها. فدعا عيسى ربه، فنودي من الجو نادهم، فقام عيسى بالليل على شرف من الأرض، فقال: يا أهل هذه القرية، فأجابه منهم مجيب: لبيك يا روح اللَّه. فقال: و يحكم ما كانت أعمالكم؟ قال: عبادة الطاغوت، و حب الدنيا مع خوف قليل، و أمل بعيد، و غفلة في لهو. فقال: كيف كان حبكم للدنيا؟ قال:

كحب الصبي لامه، إذا أقبلت علينا فرحنا، و إذا أدبرت عنّا حزنا الخبر( ٣) .

و قال ابن أبي الحديد: كان في القرآن آية أنزلت ثم رفعت: لو كان لابن آدم و اديان من ذهب لابتغى لهما ثالثا، و لا يملأ عين ابن آدم إلاّ

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٢٠: ١٧٤.

(٢) الكافي ٢: ١٣٤ ح ٢٠.

(٣) الكافي ٢: ٣١٨ ح ١١.

٣٦٨

التراب، و يتوب اللَّه على من تاب( ١) .

١٤ - الحكمة (٤٧٨) و قالعليه‌السلام :

مَا أَخَذَ اَللَّهُ عَلَى أَهْلِ اَلْجَهْلِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا حَتَّى أَخَذَ عَلَى أَهْلِ اَلْعِلْمِ أَنْ يُعَلِّمُوا أقول: في (تفسير الطبرسي) عن الثعلبي باسناده عن الحسن بن عمارة قال: أتيت الزهري بعد أن ترك الحديث، فقلت: أرأيت أن تحدثني. فقال: أما علمت اني تركت الحديث. فقلت: اما ان تحدثني و اما أن احدثك. فقال: حدثني.

فقلت: حدّثني الحكم بن عيينة عن نجم الجزار قال: سمعت علياعليه‌السلام يقول: ما أخذ اللَّه على أهل الجهل ان يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا فحدثني بأربعين حديثا( ٢) .

و في (الكافي) عن الصادقعليه‌السلام في كتاب عليّعليه‌السلام : ان اللَّه تعالى لم يأخذ على الجهّال عهدا بطلب العلم حتى أخذ على العلماء عهدا ببذل العلم للجهّال،

لأن العلم كان قبل الجهل( ٣) .

و في (المروج): دخل أبو حازم الأعرج على سليمان بن عبد الملك،

فقال له سليمان: عظني و أوجز. فقال له: نزه ربك، و عظمه ان يراك حيث ما نهاك، أو يفقدك حيث أمرك به. فبكى سليمان، فقال له بعض جلسائه:

أسرفت عليه. فقال له أبو حازم: اسكت، فان اللَّه تعالى أخذ الميثاق على

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٢٠: ١٧٤.

(٢) مجمع البيان ٢: ٥٥٢.

(٣) الكافي ١: ٤١ ح ١.

٣٦٩

العلماء ليبيننه للناس و لا يكتمونه( ١) .

و مرادهعليه‌السلام بالأخذ على العالم التعليم قبل الأخذ على الجاهل التعلم فيما إذا كان الجاهل قابلا و أهلا لا مطلقا، فروى (الكافي) ان رجلا قال لأبي جعفرعليه‌السلام ان الحسن البصري يزعم ان الذين يكتمون العلم يؤذي ريح بطونهم أهل النار. فقالعليه‌السلام : فهلك اذن مؤمن آل فرعون، ما زال العلم مكتوما منذ بعث اللَّه تعالى نوحا، فليذهب الحسن يمينا و شمالا، فو اللَّه ما يوجد العلم إلا هاهنا.

و روي ان عيسىعليه‌السلام قام خطيبا في بني اسرائيل فقال: لا تحدثوا بالحكمة الجهّال فتظلموها، و لا تمنعوها أهلها فتظلموهم( ٢) .

هذا، و في (أذكياء ابن الجوزي) عن الحميدي قال: كنّا عند سفيان بن عيينة، فحدثنا بحديث زمزم انّه لما شرب له، فقام رجل من المجلس، ثم عاد فقال لسفيان: أليس الحديث الذي حدثتنا أن زمزم لما شرب له بصحيح؟ قال:

بلى. فقال: اني قد شربت الآن دلوا من زمزم على أن تحدثني بمائة حديث. فقال له سفيان: أقعد فحدثه بمائة حديث.

و عن ابن أبي ذر قال: كان إذا ورد الحاج إذا ورد جلس سفيان بن عيينة بباب بني هاشم على موضع عال ليرى الناس، فجاء رجل من أصحاب الحديث، فقعد بين يديه، فقال له: حدثني، فحدثه أحاديث، فقال: زدني، فزاده،

فقال: زدني، فزاده، فقال: زدني، فدفع في صدره، فوقع الى الوادي، فتفاشى ذلك، فاجتمع الحاج و قالوا: سفيان بن عيينة قتل رجلا من الحاج، فلما كثر ذلك أشفق سفيان، فنزل الى الرجل، فوضع رأسه في حجره و قال له: مالك أيّ

____________________

(١) مروج الذهب ٣: ١٧٧.

(٢) الكافي ١: ٥١ ح ١٥: ٤٢ ح ٤.

٣٧٠

شي‏ء أصابك، فلم يزل يركض رجليه و يزيد من فيه و كثر الضجيج: «سفيان بن عيينة قتل رجلا»، فقال له: قم و يلك أما ترى الناس يقولون، فقال له و هو يخفي صوته لا و اللَّه لا أقوم حتى تحدثني مائة حديث عن الزهري و عمرو بن دينار، ففعل فقام.

١٥ - الحكمة (٤) و قالعليه‌السلام :

نِعْمَ اَلْقَرِينُ اَلرِّضَى وَ اَلْعِلْمُ وِرَاثَةٌ كَرِيمَةٌ وَ اَلْآدَابُ حُلَلٌ مُجَدَّدَةٌ وَ اَلْفِكْرُ مِرْآةٌ صَافِيَةٌ أقول: جعل العنوان الرابع على ما في (المصرية)، و لكن في (ابن ميثم و الخطية) جعل من الثاني الى السادس الخمسة واحدا( ١ ) ، و اما ابن أبي الحديد فلم يعلم الأصل فيه، حيث انّه قد يقطع العنوان الواحد المقطوع، إلا انّه جعل هنا أوّل العنوان «و العلم وراثة كريمة»، و جعل «نعم القرين الرضى» جزء السابق( ٢ ) ، و يمكن تأييده بأن (أمالي المفيد) رواه عنهعليه‌السلام هكذا: «العلم وراثة كريمة، و الآداب حلل حسان، و الفكر مرآة صافية، و الاعتبار منذر ناصح،

و كفى بك أدبا لنفسك تركك ما كرهته من غيرك»( ٣) .

«نعم القرين الرضى» في (الكافي) عن الصادقعليه‌السلام : ان أعلم الناس باللَّه أرضاهم بقضاء اللَّه.

و قيل لهعليه‌السلام : بأي شي‏ء يعلم المؤمن؟ قال: بالتسليم للَّه، و الرضى فيما

____________________

(١) شرح ابن ميثم ٥: ٢٣٨.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٩٠ و ٩٣.

(٣) أمالي المفيد: ٣٣٦ ح ٧، مجلس ٣٩.

٣٧١

ورد عليه من سرور أو سخط.

و عنهعليه‌السلام : لم يكن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لشي‏ء قد مضى لو كان غيره.

و أوحى اللَّه تعالى الى موسى: ما خلقت خلقا أحب إليّ من عبدي المؤمن،

و اني ابتليه لما هو خير له، و اعافيه لما هو خير له، و أزوي عنه ما هو شر له، لما هو خير له، و أنا أعلم بما يصلح عليه عبدي، فليصبر على بلائي، و ليشكر نعمائي، و ليرضى بقضائي، اكتبه في الصدّيقين عندي، إذا عمل برضائي و أطاع أمري( ١) .

و قال ابن أبي الحديد: كان يقال: من سخط القضاء طاح، و من رضى به استراح، و كان يقال: عليك بالرضا، و لو قلبت على جمر الغضى، و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال تعالى: من لم يرض بقضائي فليتخذ ربا سوائي( ٢) .

«و العلم وراثة كريمة» في (الكافي) عن الصادقعليه‌السلام : فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، و ان العلماء ورثة الأنبياء انّ الأنبياء لم يورثوا دينارا و لا درهما، و لكن ورثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر( ٣) .

و في (المعجم) في حديث سعيد بن العاص قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما نحل والد ولده أفضل من أدب حسن.

و يكفي العلم وراثة كريمة قوله تعالى: شهد اللَّه انّه لا اله إلاّ هو و الملائكة و اولو العلم قائما بالقسط( ٤ ) فقرن صاحب العلم بذاته تعالى و بملائكته.

____________________

(١) الكافي ٢: ٦٠ ٦٣ ح ٢ و ٧ و ١٢ و ١٣.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٩٢.

(٣) الكافي ١: ٣٤ ح ١.

(٤) آل عمران: ١٨.

٣٧٢

و في (طرائف المقدسي) قال عليعليه‌السلام : كفى بالعلم شرفا أنّه يدعيه من لا يحسنه، و يفرح إذا نسب إليه.

و يقال: العلماء في الأرض كالنجوم في السماء، و لو لا العلم لكان الناس كالبهائم.

و قال بعض الحكماء: العلم حياة القلوب و مصباح الأبصار.

و في (تاريخ بغداد): جلس ابن معروف يوما للحكم في جامع الرصافة،

فاستدعى أصحاب القصص إليه، فتتبعها و وقّع على أكثرها، ثم نظر في بعضها، فإذا فيها ذكر له بالقبيح و وضاعته و سقوط أصله، فقلب الرقعة و كتب على ظهرها:

العالم العاقل ابن نفسه

أغناه جنس علمه عن جنسه

كن ابن من شئت و كن كيسا

فانما المرء بفضل كيسه

كم بين من تكرمه لغيره

و بين من تكرمه لنفسه

من انما حياته لغيره

فيومه أولى به من أمسه

و عن أبي الأسود:

العلم زين و تشريف لصاحبه

فاطلب هديت فنون العلم و الأدبا

كم سيد بطل آباؤه نجب

كانوا فأضحى بعدهم ذنبا

و مقرف خامل الآباء ذي أدب

نال المعالي بالآداب و الرتبا

و لآخر:

يعد رفيع القوم من كان عالما

و ان لم يكن في قومه بحسيب

و ان حل ارضاعا عاش فيها بعلمه

و ما عالم في بلدة بغريب

و لابن جني:

فان أصبح بلا نسب

فعلمي في الورى نسبي

٣٧٣

و في (المروج): سئل انوشيروان ما أعظم الكنوز قدرا، و أنفعها عند الاحتياج اليها؟ فقال: معروف أودعته الأحرار، و علم تورثه الأعقاب.

و قيل له: من أطول الناس عمرا؟ فقال: من كثر علمه فتأدب به من بعده( ١) .

«و الآداب حلل مجددة» قالعليه‌السلام أوّلا: «العلم وراثة كريمة»، و ثانيا:

«و الآداب حلل مجددة»، و بين العلم و الأدب عموم و خصوص.

و في (المعجم) قالوا: الفرق بين الأديب و العالم ان الأديب من يأخذ من كلّ شي‏ء أحسنه فيؤلفه، و العالم من يقصد بفن من العلم فيتعلمه، و لذا قال عليعليه‌السلام : «العلم أكثر من أن يحصى، فخذوا من كلّ شي‏ء أحسنه»، و قال عبد اللَّه بن المبارك: تعلموا العلم شهرا و الأدب شهرين.

و في تاريخ بغداد في أبي تمام عنه:

أو يفترق نسب يؤلف بيننا

أدب أقمناه مقام الوالد

و روى الزبير بن بكار عن النضر بن شميل قال: دخلت على المأمون بمرو و عليّ أطمار، فقال: يا نضر تدخل عليّ في مثل هذه الثياب، قلت: ان حر مرو شديد لا يدفع إلا بمثل هذه الأخلاق. قال: بل أنت رجل متقشف. ثم تجارينا الحديث، فأجرى ذكر النساء، فقال: حدثني هشيم عن مجالد عن الشعبي عن ابن عباس ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال «إذا تزوج الرجل المرأة لدينها و جمالها كان فيه سداد و فتح السين من عوز» فقلت: صدقوك، و حدثني عوف الاعرأبي عن الحسن عن عليعليه‌السلام عن النبي «إذا تزوج المرأة لدينها و جمالها كان فيه سداد و كسرت السين من عوز»، و كان المأمون متكئا،

فاستوى جالسا و قال: سداد لحن عندك؟ قلت: نعم هاهنا. قال: أو تلحنني؟

____________________

(١) مروج الذهب ١: ٢٩٦.

٣٧٤

قلت: انما لحن هشيم، و تبعت لفظه. فقال: ما الفرق بينهما؟ قلت: السداد أي:

بالفتح القصد في الدين و الطريقة و الأمر، و السداد أي: بالكسر البلغة، و كلّ ما سددت به شيئا فهو سداد، قال العرجي:

أضاعوني و أي فتى أضاعوا

ليوم كريهة و سداد ثغر

فأطرق مليا، ثم قال: قبح اللَّه من لا أدب له، ثم أخذ قرطاسا، و أنا لا أدري ما يكتب، و كتب فيه شيئا، ثم قال: كيف تقول إذا أمرت من يترب الكتاب. قلت:

أتربه. قال: فهو ماذا؟ قلت: فهو مترب. قال: فمن الطين؟ قلت: طنه. قال: فهو ماذا؟ قلت: فهو مطين. قال: هذه أحسن من الاولى. ثم قال: يا غلام أتربه وطنه و ابلغ معه الى الفضل بن سهل، فلما قرأ الفضل الكتاب قال: امر لك بخمسين ألف درهم، فما كان السبب، فأخبرته فقال: لحنته؟ قلت: كلا، انما لحن هشيم و كان لحانا فتبع لفظه، فأمر لي الفضل بثلاثين ألف درهم، فأخذت ثمانين ألف درهم بحرف أستفيد مني( ١) .

و في (المعجم) عن الشعبي قال: حلى الرجال العربية و حلى النساء الشحم( ٢) .

و قال الأصمعي: كنت عند الرشيد إذ دخل رجل و معه جارية للبيع،

فتأملها، ثم قال له: خذ جاريتك، فلو لا كلف في وجهها، و خنس في أنفها لاشتريتها. فانطلق بها، فلما بلغت الستر قالت لهارون: أرددني اليك أنشدك بيتين حضراني، فردها، فأنشأت تقول:

ما سلم الظبي على حسنه

كلا و لا البدر الذي يوصف

____________________

(١) رواه الزبير بن بكار في الموفقيات، و رواه أيضا النووي في تهذيب الأسماء ٢: ١٢٧، و ابن الانباري في نزهة الاولياء: ٥٧، و الشيرازي في الألقاب عنه الجامع الصغير ١: ٢٣.

(٢)

٣٧٥

الظبي فيه خنس بيّن

و البدر فيه كلف يعرف

فأعجبته بلاغتها، فاشتراها و قرّب منزلتها، و كانت أحظى جواريه.

و فيه: قيل لما عرضت الخيزران على المهدي قال: و اللَّه يا جارية، انك لعلى غاية المنى، غير انك حمشة الساقين. فقالت: انك أحوج ما تكون اليهما لا تراهما. فقال: اشتروها، فحظيت عنده، فأولدها موسى و هارون.

و في (المعجم): قال إبراهيم الصابي: كنت في مجلس الوزير المهلبي في بعض أيام الحداثة جالسا في مجلس أنسه، و بين يديه أبو الفضل بن الحسين،

و أبو أحمد بن عبد الرحمن، و أبو علي الأنباري، و أبو الفرج بن أبي هشام،

و غيرهم من كتّابه، و قد أخذ الشراب منهم، و زاد بهم على حد النشوة، إذ حضر رسول معز الدولة يذكر أن معه أمرا مهمّا، فقال الوزير فليدخل، فدخل و قال: الأمير يقول تكتب عني الساعة الى محمد بن الياس صاحب كرمان تخطب فيه ابنته لبختيار. فقال الوزير: هذا كتاب يحتاج فيه الى تثبت، و ما في الكتّاب مع السكر من فيه فضل، ثم التفت الى أبي علي الأنباري و قال له: تتمكن من كتابته؟ قال: اما الليلة فلا، و رآني الوزير مصغيا فقال: تكتبه يا إبراهيم؟

قلت: نعم. قال: افعل فقمت الى صفة يشاهدني فيها، و استدعيت دواتي، و كتبت كتابا اقتضبته بغير روية، و لا نسخة، و الوزير و الحاضرون يلاحظونني،

و يعجبون من اقدامي، ثم اقتضابي و اطالتي، فلما فرغت منه و حملته إليه،

وقف عليه و وجهه متهلل، ثم قال للجماعة: هذا كتاب حسن دال على الكفاية المبرزة، و لو كتبه صاحيا مرويا لكان عجبا، فكيف إذ يكتبه منتشيا مقتضيا،

قم يا أبا إسحاق و اجلس حيث أجلستك الكفاية أومأ الى جانب ابنه أبي الغنائم.

و في (الأغاني) عن أبي هفان: كان العتابي ذات يوم جالسا ينظر في

٣٧٦

كتاب، فمر به بعض جيرانه فقال: أيش ينفع العلم و الأدب من لا مال له. فقال العتابي:

يا قاتل اللَّه أقواما إذا نقموا

ذا اللب ينظر في الأدب و الحكم

قالوا و ليس بهم إلا نفاسته

أنافع ذا من الاقتار و العدم

و ليس يدرون ان الحظ ما حرموا

لحاهم اللَّه من علم و من فهم

و قال ابن أبي الحديد: روى الهيثم عن سعيد الجدلي قال: لما قدم عبد الملك الكوفة بعد قتل مصعب، دعا الناس يحرّضهم على فرائضهم، فحضرنا بين يديه فقال: من القوم؟ قلنا: جديلة. فقال: جديلة عدوان؟ قلنا: نعم، فانشد:

عذير الحي من عدوا

ن كانوا حية الأرض

بغى بعضهم بعضا

فلم يرعوا على بعض

و منهم كانت السادا

ت و الموفون بالقرض

و منهم حكم يقضي

فلا ينقض ما يقضي

و منهم من يجيز الناس

بالسنة و الفرض

ثم أقبل على رجل منّا و سيم جسيم قدمناه أمامنا، فقال: أيّكم يقول هذا الشعر؟ قال: لا أدري. فقلت أنا من خلفه: يقول ذو الأصبع فتركني و أقبل على ذلك الرجل الجسيم، فقال: ما كان اسم ذي الأصبع. قال: لا أدري. فقلت من خلفه اسمه حرثان فتركني و أقبل عليه، فقال له: و لم سمّي ذا الأصبع؟ قال: لا أدري، فقلت أنا من خلفه نهشته حية في أصبعه فأقبل عليه و تركني، فقال:

من أيّكم كان ذو الأصبع؟ قال: لا أدري، فقلت أنا من خلفه من بني ناج الذين قيل فيهم:

فأما بنو ناج فلا تذكرنهم

و لا تتبعن عيناك من كان هالكا

فأقبل على الجسيم فقال: كم عطاؤك؟ قال: سبعمائة درهم. ثم أقبل عليّ

٣٧٧

و قال: كم عطاؤك؟ قلت: اربعمائة. فقال يا أبا الزعيزعة، حط من عطاء هذا ثلاثمائة، و زدها في عطاء هذا، فرحت و عطائي سبعمائة و عطاؤه اربعمائة.

و أنشد منشد بحضرة الواثق:

أظلوم ان مصابكم رجلا

اهدى السلام تحية ظلم

فقال «رجل» هو خبر «إنّ» و وافقه على ذلك قوم و خالفه قوم، فقال الواثق من بقي من علماء النحويين؟ قالوا: المازني، فأمر باشخاصه، فلما دخل عليه قال: ممن الرجل؟ قال: من مازن. قال: مازن ربيعة أو قيس أو اليمن؟ قال:

بل ربيعة. قال: با اسمك يريد ما اسمك، لأن مازن ربيعة يبدلون الميم باء و الباء ميما، فقال مكر أي: بكر فضحك الواثق و قال: اجلس، فسأله عن البيت فأنشده منصوبا، فقال: أين خبر «إنّ»؟ فقال «ظلم». قال: كيف؟ قال: ألا ترى ان لم يجعل «ظلم» الخبر يكون الكلام معدوم الفائدة. فقال: قبّح اللَّه من لا أدب له.

ثم قال: ألك ولد؟ قال: بنية. قال: فما قلت حين ودعتها؟ قال: ما قالت بنت الاعشى حيث يقول:

تقول ابنتي حين جدّ الرحيل

أرانا سواء و من قديتم

ابانا فلا رمت من عندنا

فانا بخير إذا لم ترم

أبانا إذا أضمرتك البلا

د نجفى و تقطع منّا الرحم

قال: فما قلت لها؟ قال: أنشدتها بيت جرير:

ثقي باللَّه ليس له شريك

و من عند الخليفة بالنجاح

فقال: ثق بالنجاح، ثم أمر له بألف دينار و كسوة، و رده الى البصرة( ١) .

«و الفكر مرآة صافية» في (الكافي) عن الصادقعليه‌السلام : كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول: نبه بالتفكر قلبك، و جاف عن الليل جنبك، و اتق اللَّه ربك.

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٩٤ ٩٦.

٣٧٨

و عنهعليه‌السلام : سئل عمّا يروي الناس «ان تفكر ساعة خير من قيام ليلة» كيف يتفكر؟ فقال: يمر بالخربة أو بالدار فقال: أين ساكنوك، أين بانوك، مالك لا تتكلمين.

و عن الرضاعليه‌السلام : ليس العبادة كثرة الصلاة و الصوم، انما العبادة التفكر في أمر اللَّه تعالى( ١) .

و قال ابن أبي الحديد: كان يقال الفكرة الصحيحة اسطرلاب روحاني.

و قال أوس بن حجر:

ان الذي جمع السماحة و النجد

و الحزم و النهي جمعا

الالمعى الذي يظن بك الظن

كأن قد رأى و قد سمعا(٢)

١٦ - الحكمة (٨١) و قالعليه‌السلام :

قِيمَةُ كُلِّ اِمْرِئٍ مَا يُحْسِنُهُ قال؟ الرضي؟: و هي الكلمة التي لا تصاب لها قيمة و لا توزن بها حكمة و لا تقرن إليها كلمة أقول: رواه (العيون و الخصال و المعاني و أمالي الشيخين و الكافي)،

و رواه أبو هلال العسكري في (صناعتيه)، و رواه الجاحظ في (بيانه)، و رواه الحموي في (معجمه)، و رواه ابن عبد ربه في (عقده)، و رواه الخطيب في أحمد بن محمد ابن جناح، و رواه (تذكرة سبط ابن الجوزي)، و رواه (الشعراء)( ٣) .

____________________

(١) الكافي ٢: ٥٤ و ٥٥ ح ١ و ٢ و ٤.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٩٤.

(٣) رواه الصدوق في عيون الأخبار ٢: ٥٣ ح ٢٠٤، و ابن قتيبة في الشعر و الشعراء:، و يأتي تخريج الباقي في مواضعه.

٣٧٩

روى (الكافي) في نوادر كتاب عقله مسندا عن ابن عائشة البصري رفعه ان علياعليه‌السلام قال في بعض خطبه: ايها الناس، اعلموا انّه ليس بعاقل من انزعج من قول الزور فيه، و لا بحكيم من رضى بثناء الجاهل عليه، الناس ابناء ما يحسنون، و قدر كلّ امرئ ما يحسن، فتكلموا في العلم تبين أقداركم( ١) .

و روى عنهعليه‌السلام قال: أقل الناس قيمة أقلّهم علما، اذ قيمة كلّ امرئ ما يحسنه، و كفى بالعلم شرفا انّه يدعيه من لا يحسنه و يفرح إذا نسب إليه،

و كفى بالجهل ضعة، انّه يتبرأ منه من هو فيه، و يغضب إذا نسب إليه( ٢) .

و روي (المعاني): ان الباقرعليه‌السلام قال للصادق: اعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم و معرفتهم، فان المعرفة هي الدراية للرواية، و بالدرايات للروايات يعلو المؤمن الى أقصى درجات الايمان، اني نظرت في كتاب لعليّعليه‌السلام فوجدت فيه «ان قيمة كلّ امرئ و قدره معرفته» ان اللَّه تعالى يحاسب الناس على قدر ما آتاهم من العقول في دار الدنيا( ٣) .

و في معجم الحموي قال عليعليه‌السلام : «قيمة كل انسان ما يحسن»، فنظمه شاعر و قال:

لا يكون الفصيح مثل العيي

لا و لا ذو الذكاء مثل الغبي

قيمة المرء قدر ما يحسن المرء

قضاء من الامام علي(٤)

و قال العسكري في (صناعتيه): وجد ابن طباطبا قول عليعليه‌السلام : «قيمة كلّ امرئ ما يحسنه»، فقال:

فيا لائمي دعني اغالي بقيمتي

فقيمة كلّ امرئ ما يحسنه

____________________

(١) الكافي ١: ٥٠ ح ١٤.

(٢) رواه ابن طلحة في مطالب السؤول: ٤٩.

(٣) أخرجه الصدوق في معاني الأخبار: ١ ح ٢.

(٤) معجم الادباء ١: ٦٦.

٣٨٠