بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٧

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 621

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 621
المشاهدات: 99155
تحميل: 8073


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 99155 / تحميل: 8073
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 7

مؤلف:
العربية

و قال السبط في (تذكرته): و من كلام عليعليه‌السلام فيما رواه السدي عنه:

«قيمة كل امرئ ما يحسنه»، و من هاهنا أخذ القائل:

قال علي بن أبي طالب

و هو الامام العالم المتقن

كلّ امرئ قيمته عندنا

و عند أهل الفضل ما يحسن(١)

و تأتي روايات الباقين.

قول المصنّف: (و قالعليه‌السلام ) قاله على ما قال ابن عبد ربه لصعصعة، ففي (عقده): كتب صعصعة بن صوحان إليهعليه‌السلام يسأله في شي‏ء، فوقع في كتابه «قيمة كلّ امرئ ما يحسنه».

قولهعليه‌السلام «قيمة كل امرئ ما يحسنه» في (المعجم): قال سعيد بن سلم:

دخلت على الرشيد فبهرني هيبة و جمالا، فلما لحن خف في عيني.

و قال الواقدي: صلّى رجل من آل الزبير خلف المنصور و قرأ ألهاكم التكاثر( ٢ ) فلحن في موضعين، فلما سلم التفت الزبيري الى رجل كان الى جانبه فقال: ما كان أهون هذا القرشي على أهله.

و قال أبو عمرو الشيباني: تكلّم المنصور في مجلس فيه اعرأبي فلحن،

فصر الاعرأبي اذنيه، فلحن مرة اخرى أعظم من الاولى، فقال الاعرأبي: أف لهذا ما هذا، ثم تكلّم فلحن في الثالثة، فقال الاعرأبي: اشهد لقد و ليت هذا الأمر بقضاء و قدر.

(قال الرضي) من الغريب ان بيان الرضي ليس في (ابن ميثم)( ٣ ) رأسا. و لعله سقط من النسخة. و كيف كان فقوله «قال الرضي» ليس

____________________

(١) تذكرة الخواص: ١٥٤.

(٢) التكاثر: ١.

(٣) شرح ابن ميثم ٥: ٢٨١.

٣٨١

كلام المصنف لخلو الخطية عنه.

(و هي) هكذا في (المصرية)، و الصواب: «هذه» كما في (ابن أبي الحديد و الخطية)( ١ ) (الكلمة التي لا تصاب لها قيمة) و يكفيها قيمة انّه صدقها اللَّه تعالى.

روى الشيخ في (أماليه) مسندا عن عبد العظيم الحسني عن أبي جعفر الثاني عن آبائهعليهم‌السلام عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: قلت أربعا أنزل تعالى تصديقي في كتابه لها قلت: «المرء مخبوء تحت لسانه فاذا تكلّم ظهر»، فأنزل تعالى: و لتعرفنهم في لحن القول( ٢ ) ، و قلت: «من جهل شيئا عاداه»، فأنزل تعالى بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه( ٣ ) ، و قلت: «قيمة كل امرئ ما يحسن»،

فأنزل تعالى في قصة طالوت: ان اللَّه اصطفاه عليكم و زاده بسطة في العلم و الجسم( ٤ ) ، و قلت: «القتل يقل القتل»، فأنزل تعالى: و لكم في القصاص حياة يا أولي الألباب( ٥) .

(و لا توزن بها حكمة) روى (الخصال) مسندا عن الشعبي قال: تكلم عليعليه‌السلام بتسع كلمات ارتجلهن ارتجالا فقأن عيون البلاغة، و أيتمن جواهر الحكمة، و قطعن جميع الأنام عن اللحاق بواحدة منهن، ثلاث منها في المناجاة، و ثلاث منها في الحكمة، و ثلاث منها في الأدب، فأما اللاتي في المناجاة فقال: «الهي كفى لي عزا أن أكون لك عبدا، و كفى بي فخرا أن تكون لي ربا، أنت كما أحب، فاجعلني كما تحب»، و اما اللاتي في الحكمة فقال: «قيمة

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٢٣٠.

(٢) محمد: ٣٠.

(٣) يونس: ٣٩.

(٤) البقرة: ٢٤٧.

(٥) أمالي أبي علي الطوسي ٢: ١٠٨، جزء ١٧. و الآية ١٧٩ من سورة البقرة.

٣٨٢

كلّ امرئ ما يحسنه، و ما هلك امرؤ عرف قدره، و المرء مخبوء تحت لسانه»،

و اما اللاتي في الأدب فقال: «امنن على من شئت تكن أميره، و احتج الى من شئت تكن أسيره، و استغن عمن شئت تكن نظيره»( ١) .

«و لا تقرن اليها كلمة» روى المفيد في (أماليه): ان الخليل بن أحمد قال:

أحث كلمة على طلب العلم قول عليعليه‌السلام : «قدر كلّ امرئ ما يحسن»( ٢) .

و روى الخطيب أن الجاحظ قال: لا أعلم في كلام الناس كلمة أحكم من هذه الكلمة، أي «قيمة كلّ امرئ ما يحسن»( ٣) .

و في (بيان الجاحظ): قال علي بن أبي طالبعليه‌السلام «قيمة كلّ امرئ ما يحسن»، فلو لم تقف من هذا الكتاب إلا على هذه الكلمة لوجدناها كافية شافية،

و مجزية مغنية، بل لوجدناها فاضلة على الكفاية، و غير مقصرة عن الغاية،

و أحسن الكلام ما كان يغنيك قليله عن كثيره، و معناه في ظاهر لفظه، و كأن اللَّه تعالى قد ألبسه من الجلالة، و غشاه من نور الحكمة، على حسب نيّة صاحبه،

و تقوى قائله، فإذا كان المعنى شريفا، و اللفظ بليغا، و كان صحيح الطبع بعيدا من الاستكراه، و منزها عن الاخلال مصونا عن التكلف، صنع في القلب صنيع الغيث في التربة الكريمة، و متى فصلت الكلمة على هذه الشريطة، و نفذت من قائلها على هذه الصفة أصحبها اللَّه من التوفيق، و منحها من التأييد ما لا يمتنع من تعظيمها به صدور الجبابرة، و لا يذهل عن فهمها عقول الجهلة( ٤) .

و فيه أيضا: أجمعوا على أنهم لم يجدوا كلمة أقل حرفا، و لا أكثر ريعا،

و لا أعم نفعا، و لا أحث على بيان، و لا أدعى إلى تبيين، و لا أهجر لمن ترك

____________________

(١) الخصال ٢: ٤٢٠ ح ١٤.

(٢) رواه أبو علي الطوسي في أماليه ٢: ١٠٨، جزء ١٧ عن طريق المفيد لكن لم يوجد في أماليه.

(٣) تاريخ بغداد ٥: ٣٥.

(٤) البيان و التبيين ١: ١٠٦.

٣٨٣

التفهم و قصر في الافهام من قول عليعليه‌السلام : «قيمة كلّ امرئ ما يحسنه»( ١) .

١٧ - الحكمة (٨٢) و قالعليه‌السلام :

أُوصِيكُمْ بِخَمْسٍ لَوْ ضَرَبْتُمْ إِلَيْهَا آبَاطَ اَلْإِبِلِ لَكَانَتْ لِذَلِكَ أَهْلاً لاَ يَرْجُوَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلاَّ رَبَّهُ وَ لاَ يَخَافَنَّ إِلاَّ ذَنْبَهُ وَ لاَ يَسْتَحِيَنَّ أَحَدٌ إِذَا سُئِلَ عَمَّا لاَ يَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ لاَ أَعْلَمُ وَ لاَ يَسْتَحِيَنَّ أَحَدٌ إِذَا لَمْ يَعْلَمِ اَلشَّيْ‏ءَ أَنْ يَتَعَلَّمَهُ وَ عَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ فَإِنَّ اَلصَّبْرَ مِنَ اَلْإِيمَانِ كَالرَّأْسِ مِنَ اَلْجَسَدِ وَ لاَ خَيْرَ فِي جَسَدٍ لاَ رَأْسَ مَعَهُ وَ لاَ فِي إِيمَانٍ لاَ صَبْرَ مَعَهُ أقول: رواه ابن قتيبة في (عيونه) مسندا هكذا قال: روى أبو خالد بن الأحمر عن عمرو بن قيس عن أبي إسحاق قال: قال عليعليه‌السلام : كلمات لو رحلتم المطي فيهن لا تصيبوهن قبل أن تدركوا مثلهن: لا يرجون عبد إلا ربه،

و لا يخافن إلا ذنبه، و لا يستحيي من لا يعلم أن يتعلم، و لا يستحيي إذا سئل عمّا لا يعلم أن يقول اللَّه أعلم الخ.

و رواه الجاحظ مرفوعا في (بيانه) مع أدنى اختلاف( ٢) .

و رواه (الخصال) مسندا عن الرضا عن آبائهعليهم‌السلام قال عليعليه‌السلام :

خمس لو رحلتم فيهن ما قدرتم على مثلهن: لا يخاف عبد إلا ذنبه، و لا يرجوا إلا ربه، و لا يستحيي الجاهل إذا سئل عمّا لا يعلم أن يتعلّم، و الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد، و لا ايمان لمن لا صبر له( ٣) .

____________________

(١) نقله الشارح عن البيان و التبيين هنا و في غير هذا الموضع لكن لم يوجد هذا في نسختنا من البيان.

(٢) البيان و التبيين ٢: ٧٩.

(٣) الخصال ١: ٣١٥ ح ٩٥.

٣٨٤

و روي عن الشعبي قال: قال عليعليه‌السلام : خذوا عني كلمات لو ركبتم المطي فانضيتموها لم تصيبوا مثلهن: ألا لا يرجو أحد إلا ربه، و لا يخافن إلا ذنبه، و لا يستحيي إذا لم يعلم أن يتعلم، و لا يستحيي إذا سئل عمّا لا يعلم أن يقول اللَّه أعلم، و اعلموا ان الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد و لا خير في جسد لا رأس له( ١) .

«أوصيكم بخمس» خصال «لو ضربتم إليها» أي: الى تحصيلها «آباط الابل» قال الجوهري: الابط ما تحت الجناح يذكر و يؤنث، و الجمع آباط.

و ضرب آباط الابل كناية عن غاية الاسراع، كما ان الضرب على الآذان كما في قوله تعالى: فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا( ٢ ) كناية عن الانامة، كما ان ضرب المسكنة على انسان كما في قوله تعالى: و ضربت عليهم الذلة و المسكنة( ٣ ) كناية عن الزام المذلة.

«لكانت لذلك أهلا» في (تاريخ بغداد): قال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش: شربت بولي في الحديث خمس مرات، أحسب ان ابن خراش فعل ذلك في السفر اضطرارا عند عدم وجود الماء.

«لا يرجونّ أحد منكم إلا ربّه و لا يخافن إلاّ ذنبه» عدم رجاء غير الرب، و عدم خوف غير الذنب اثنتان من الخمس القيمة.

و في (الكافي) عن الصادقعليه‌السلام قال: كان في وصايا لقمان الأعاجيب،

و كان أعجب ما فيها أن قال لابنه: خف اللَّه خيفة لو جئته ببرّ الثقلين لعذبك،

و ارج اللَّه رجاء لو جئته بذنوب الثقلين لرحمك.

____________________

(١) الخصال ١: ٣١٥ ح ٩٦.

(٢) الكهف: ١١.

(٣) البقرة: ٦١.

٣٨٥

و كان أبيعليه‌السلام يقول: ليس من عبد مؤمن إلا و في قلبه نوران: نور خيفة،

و نور رجاء، لو وزنا لم يزد أحدهما على الآخر( ١) .

هذا، و في (المناقب): سأل رسول ملك الروم أبا بكر عن رجل لا يرجو الجنة، و لا يخاف النار، و لا يخاف اللَّه، و يحب الفتنة، و يبغض الحق، و يشهد بما لا يرى. فلم يجبه أبو بكر، و قال له عمر: ازددت كفرا الى كفرك، فأخبر بذلك عليعليه‌السلام فقال: هذا رجل من أولياء اللَّه، لا يرجو الجنة، و لا يخاف النار، و لكن يخاف اللَّه و يرجوه، و لا يخاف اللَّه من ظلمه، و انما يخاف اللَّه من عدله، و يحب المال و الولد و هما فتنة، و يبغض الموت و هو حق، و يشهد بالجنة و النار و هو لم يرهما الخبر( ٢) .

«و لا يستحين أحد إذا سئل عمّا لا يعلم ان يقول لا أعلم» قد عرفت أن (عيون القتيبي) و (خصال الصدوق) في أحد طريقيه رواه «و لا يستحيي إذا سئل عمّا لا يعلم ان يقول اللَّه أعلم»( ٣ ) و الأصح رواية المصنف «ان يقول لا أعلم»، ففي الكافي عن الصادقعليه‌السلام : للعالم إذا سئل عن شي‏ء و هو لا يعلمه أن يقول: اللَّه أعلم، و ليس لغير العالم أن يقول ذلك.

و عنهعليه‌السلام : إذا سئل الرجل منكم عمّا لا يعلم فليقل: لا أدري، و لا يقل: اللَّه أعلم، فيوقع في قلب صاحبه شكا، و إذا قال المسؤول: لا أدري فلا يتهمه السائل( ٤) .

و كيف كان فهذا هو الثالثة من الخمس، و في (الكافي) عن أبي جعفرعليه‌السلام : من أفتى الناس بغير علم و لا هدى لعنته ملائكة الرحمة، و ملائكة

____________________

(١) الكافي ٢: ٦٧ ح ١.

(٢) مناقب السروي ٢: ٣٥٨.

(٣) عيون ابن قتيبة:، و الخصال ١: ٣١٥.

(٤) الكافي ١: ٤٢ ح ٥ و ٦.

٣٨٦

العذاب، و لحقه وزر من عمل بفتياه.

و عن ابن شبرمة: ما ذكرت حديثا سمعته من جعفر بن محمدعليه‌السلام إلا كاد أن يتصدع له قلبي، فقال حدثني أبي عن جدي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و أقسم باللَّه ما كذب أبوه على جده و لا جده على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من عمل بالمقاييس فقد هلك و أهلك، و من أفتى الناس بغير علم و هو لا يعلم الناسخ من المنسوخ،

و المحكم من المتشابه، فقد هلك و أهلك( ١) .

هذا، و في (الأغاني) قال محمد بن حبيب: سألت ابن الاعرأبي عن ثمان عشرة مسألة كلّها من غريب شعر الطرماح، فلم يعرف منها واحدة يقول في جميعها لا أدري لا أدري.

و في (المعجم): زعموا ان المبرد ورد الدينور زائرا لعيسى بن ماهان،

فأول ما دخل عليه و قضى سلامه قال له عيسى: أيها الشيخ، ما «الشاة المجثمة» التي نهى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن أكل لحمها؟ فقال: هي الشاة القليلة اللبن مثل اللجبة، فقال: هل من شاهد؟ قال قول الراجز:

لم يبق من آل الحميد نسمه

إلا عنيز لجبة مجثمه

فاذا بالحاجب يستأذن لأبي حنيفة الدينوري، فلما دخل قال له: أيها الشيخ ما «الشاة المجثمة» التي نهينا عن أكلها؟ فقال: هي التي جثمت على ركبها، و ذبحت من خلف قفاها. فقال له: كيف تقول و هذا شيخ العراق يعني المبرد يقول هي مثل اللجبة القليلة اللبن و أنشده البيتين فقال الدينوري:

ايمان البيعة تلزمني ان كان هذا التفسير سمعه هذا الشيخ أو قرأه و ان كان البيتان إلا لساعتهما هذه. فقال المبرد: صدق الدينوري، فانني أنفت أن أرد عليك من العراق و ذكري ما قد شاع، فأوّل ما تسألني عنه لا أعرف،

____________________

(١) الكافي ١: ٤٢ و ٤٣ ح ٣ و ٩.

٣٨٧

فاستحسن منه الإقرار و ترك البهت.

«و لا يستحين أحد إذا لم يعلم الشي‏ء أن يتعلمه» هذا هو الرابعة من الخصال الخمس القيمة.

عن أبي جعفرعليه‌السلام : العلم خزائن و مفاتيحها السؤال، فأسالوا فانّه يوجر في العلم أربعة: السائل، و المتكلم، و المستمع، و المحب لهم( ١) .

و عن أبي عبد اللَّهعليه‌السلام : لوددت أن أصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقهوا( ٢) .

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : اف لكل مسلم لا يفرغ نفسه في كل جمعة لأمر دينه فيتعاهده و يسأل عن دينه( ٣) .

هذا، و في (تاريخ الطبري): دخل على المنصور رجل، فازدراه و اقتحمته عينه، فجعل لا يسأله عن شي‏ء إلا وجد عنده منه علما، فقال له: انّى لك هذا؟

قال: لم أبخل بعلم علمته، و لم استحي من علم أتعلمه. قال: فمن هناك( ٤) .

«و عليكم بالصبر فان الصبر من الايمان كالرأس من الجسد و لا خير» هكذا في (المصرية)، و الصواب: (لا خير) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٥ ) (في جسد لا رأس معه و لا في ايمان لا صبر معه).

و في الخبر: دخلعليه‌السلام المسجد، فاذا هو برجل على بابه كئيب حزين،

فقالعليه‌السلام له: مالك؟ قال: أصبت بأبي و أخي. فقال له: عليك بتقوى اللَّه الذي تقدم عليه غدا، و الصبر في الامور، فانه بمنزلة الرأس من الجسد، فاذا فارق الرأس

____________________

(١) أخرجه الصدوق في الخصال ١: ٢٤٤ ح ١٠١ و صاحب صحيفة الرضاعليه‌السلام فيه: ٤٢ ح ١١.

(٢) أخرجه الكليني في الكافي ١: ٣١ ح ٨.

(٣) أخرجه الكليني في الكافي ١: ٤٠ ح ٥.

(٤) تاريخ الطبري ٦: ٣٣٠، سنة ١٥٨.

(٥) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٢٣٢، و شرح ابن ميثم ٥: ٢٨٢ مثل المصرية.

٣٨٨

الجسد فسد الجسد، و إذا فارق الصبر الامور فسدت الامور( ١) .

و لكون الصبر بتلك المنزلة من الايمان قال تعالى لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله : و اصبر على ما يقولون و اهجرهم هجرا جميلا( ٢ ) ، و قال له: ادفع بالتي هي أحسن فاذا الذي بينك و بينه عداوة كأنّه وليّ حميم. و ما يُلَقّاها إلاّ الذين صبروا و ما يلقاها إلا ذو حظ عظيم( ٣ ) ، و قال له: قد نعلم انّه ليحزنك الذي يقولون فانهم لا يكذِّبونك و لكنّ الظالمين بآيات اللَّه يجحدون. و لقد كذّبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذّبوا و أوذوا حتى أتاهم نصرنا( ٤ ) ، و قال له: فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل( ٥) .

و قال الصادقعليه‌السلام لحفص بن غياث بعد ذكر الآيات المتقدمة في أمر اللَّه تعالى نبيه بالصبر ثم بشّره في عترته، فقال: و جعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا و كانوا بآياتنا يوقنون( ٦ ) . فعند ذلك قال النبي: الصبر من الايمان كالرأس من الجسد، فأنزل تعالى: و تمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا و دمرنا ما كان يصنع فرعون و قومه و ما كانوا يعرشون( ٧ ) . فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : انّه بشرى و انتقام، فأباح اللَّه تعالى له قتال المشركين، فقتلهم على أيدي نبيّه و أحبائه، و جعل له ثواب صبره مع ما ادخر له في الآخرة، فمن صبر، و احتسب، لم يخرج من الدنيا حتى يقرّ اللَّه عينه في

____________________

(١) رواه الكليني في الكافي ٢: ٩٠ ح ٩.

(٢) المزمل: ١٠.

(٣) فصلت: ٣٤ و ٣٥.

(٤) الأنعام: ٣٣ و ٣٤.

(٥) الاحقاف: ٣٥.

(٦) السجدة: ٣٤.

(٧) الاعراف: ١٣٧.

٣٨٩

أعدائه مع ما يدخر له في الآخرة( ١) .

١٨ - الحكمة (٢٧٤) و قالعليه‌السلام :

لاَ تَجْعَلُوا عِلْمَكُمْ جَهْلاً وَ يَقِينَكُمْ شَكّاً إِذَا عَلِمْتُمْ فَاعْمَلُوا وَ إِذَا تَيَقَّنْتُمْ فَأَقْدِمُوا أقول: روى ابن عساكر في (ترجمتهعليه‌السلام ): ان عمر قال له: عظني. فقال له: لا تجعل يقينك شكّا، و لا علمك جهلا، و لا ظنّك حقّا، و اعلم أنّه ليس لك من الدنيا إلا ما أعطيت فأمضيت الخ( ٢) .

قولهعليه‌السلام «لا تجعلوا علمكم جهلا» و لا تكونوا كعالم قتله جهله، و معه علمه لا ينفعه «و يقينكم شكّا».

رووا ان الربيع بن زياد قدم على عمر بخمسمائة ألف من البحرين،

فاستشار الصحابة فاشير عليه بنصب الديوان فنصبه و قسّم المال بين الناس، ففضلت عنده فضلة، فقال لهم: ما ترون في ذلك؟ فقالوا: انّا شغلناك بولاية امورنا عن تجارتك وضيعتك فهو لك. فالتفت الى عليعليه‌السلام فقال له: ما تقول أنت؟ قال: قد أشاروا عليك. قال: فقل أنت. فقال له: لم تجعل يقينك ظنا.

فلم يفهم عمر قوله، فقال له: لتخرجن مما قلت. قال: أجل و اللَّه لأخرجن منه،

أتذكر حين بعثك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأتيت العباس، فمنعك صدقته، فكان بينكما شي‏ء، فجئتما الي و قلتما انطلق معنا الى النبي، فجئنا إليه، فوجدناه خاثرا فرجعنا، ثم غدونا عليه فوجدناه طيب النفس، فأخبرته أنت بالذي صنع

____________________

(١) رواه الكليني في الكافي ٢: ٨٨ ح ٣.

(٢) ترجمة عليعليه‌السلام ٣: ٢٦٠ ح ١٢٨٠.

٣٩٠

العباس فقال لك: يا عمر أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه، فذكرنا له ما رأينا من خثوره في اليوم الأول و طيب نفسه في اليوم الثاني، فقال: انكم أتيتموني في اليوم الأول و قد بقي عندي من مال الصدقة ديناران، فكان ما رأيتم من خثوري لذلك، و اتيتموني في اليوم الثاني و قد وجهتهما، فذاك الذي رأيتم من طيب نفسي. اشير عليك ألا تأخذ من هذا الفضل شيئا و ان تفضّه على فقراء المسلمين.

فقال له عمر: صدقت و اللَّه لأشكرن لك الاولى و الأخيرة( ١) .

و رواه أبو نعيم في (حليته) في عنوان سعيد بن فيروز و زاد: فقال له عليعليه‌السلام : انك تؤخر الشكر و تعجل العقوبة.

قلت: أشارعليه‌السلام الى قول عمر بمقتضى حوزته الخشناء له «لتخرجن مما قلت».

هذا، و قال إبراهيم الصولي في قينة كان يهواها كما في (معجم الحموي):

و علمتني كيف الهوى و جهلته

و علمكم صبري على ظلمكم ظلمي

و أعلم مالي عندكم فيردني

هواي الى جهلي فارجع عن علمي

«إذا علمتم فاعملوا» و لا يكن علمكم مع الجهل سواء فتكونون جعلتم علمكم جهلا بعد العمل.

و في (كنز الكراجكي) عنهعليه‌السلام : تعلموا العلم، و تعلموا للعمل السكينة و الحلم، و لا تكونوا جبابرة العلماء، فلا يقوم علمكم بجهلكم( ٢) .

و في (الكافي) عن الصادقعليه‌السلام : لا تكونوا علماء جبارين،

____________________

(١) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ١٢: ٩٩.

(٢) كنز الفوائد: ٢٤٠.

٣٩١

فيذهب باطلكم بحقكم.

و في (ذيل الطبري) عن زياد بن لبيد قال: ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله شيئا و قال «و ذاك عند أوان ذهاب العلم»، قلنا له: و كيف يذهب العلم و نحن نقرأ القرآن و نقرئه ابناءنا و أبناءهم الى يوم القيامة؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ثكلتك امك يا زياد ان كنت لأراك أفضل رجل بالمدينة، أو ليس هذه اليهود و النصارى يقرأون التوراة و الانجيل و لا يعلمون بشي‏ء مما فيهما( ١) .

«و إذا تيقنتم فأقدموا» في (أمالي المفيد) عنهعليه‌السلام : لا ترتابوا فتشكوا، و لا تشكوا فتكفروا، و لا ترخصوا لأنفسكم فتدهنوا، و لا تدهنوا في الحق فتخسروا( ٢) .

و حيث ان لازم اليقين الاقدام و لازم الشك الاحجام، فاذا أحجم مع اليقين و لم يقدم فكأنه جعل يقينه شكا.

هذا، و من قواعد الفقه في الطهارة و الحدث، و الطاهر و النجس عدم نقض اليقين بالشك بل بيقين مثله، و يعبر عنه بالاستصحاب، لكن المتيقن منه الموضوعات دون الأحكام.

١٩ - الحكمة (٢٨٤) و قالعليه‌السلام :

قَطَعَ اَلْعِلْمُ عُذْرَ اَلْمُتَعَلِّلِينَ أقول: يعني قطع العلم الذي آتاه اللَّه الناس بتوسط عقولهم التي هي رسل باطنة يميزون بها الحق من الباطل، و العلم الذي بيّنه في شرائعه على لسان

____________________

(١) منتخب ذيل الهذيل: ٧١.

(٢) أمالي المفيد: ٢٠٦ ح ٣٨، مجلس ٢٣.

٣٩٢

رسله الظاهرة في حلاله و حرامه، و طرق طاعاته و مخالفاته، عذر المتعللين و المعتذرين عن عدم العمل بأنا كنّا عن هذا غافلين.

قال الكاظمعليه‌السلام لهشام بن الحكم: يا هشام ان للَّه على الناس حجتين:

حجّة ظاهرة و حجّة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل و الأنبياء و الأئمة،

و أما الباطنة فالعقول( ١) .

و سأل ابن السكيت الهاديعليه‌السلام عن علّة بعث موسى بالعصا و اليد البيضاء و آلة السحر، و بعث عيسى بآلة الطب، و بعث محمّد بالكلام و الخطب.

فقالعليه‌السلام له: بعث كلّ واحد منهم على طبق ما كان الغالب في زمانه حتى يكون عجزهم عن مقاومته مع كمالهم في ذلك الأمر أتمّ في الحجّة عليهم. فقال له ابن السكيت: ما الحجة اليوم على الخلق؟ فقالعليه‌السلام : العقل يعرف به الصادق على اللَّه فيصدقه، و الكاذب على اللَّه فيكذبه. فقال ابن السكيت: هذا و اللَّه هو الجواب( ٢) .

و في الخبر: يؤاخذ اللَّه الناس الذين خالفوا أمره يوم القيامة عالمهم لم لم يعمل، و جاهلهم لِمَ لم يتعلّم، بعد بيان اللَّه تعالى له كيفية طاعته في كتبه، و على ألسنة رسله.

و يمكن أن يكون المراد بالعلم القرآن لكونه مقطوعا، و بالمتعللين المتمسكين بالاخبار الواهية. روى الكشي عن الباقرعليه‌السلام قال: كان سلمان يقول للناس: هربتم من القرآن الى الأحاديث، وجدتم كتابا دقيقا حوسبتم فيه على النقير و القطمير، و الفتيل و حبة خردل، فضاق عليكم ذلك، و هربتم الى

____________________

(١) أخرجه الكليني في الكافي ١: ١٦.

(٢) أخرجه الكليني في الكافي ١: ٢٤ ح ٢٠.

٣٩٣

الأحاديث التي اتسعت عليكم( ١) .

قلت: و كانت لبني إسرائيل تعللات كذلك، فرد تعالى عليهم: و قالوا لن تمسَّنا النار إلاّ أياما معدودة قل اتّخذتم عند اللَّه عهدا فلن يخلف اللَّه عهده أم تقولون على اللَّه ما لا تعلمون( ٢) .

هذا، و قال ابن أبي الحديد: معنى كلامهعليه‌السلام قطع العلم عذر الذين يعللون أنفسهم بالباطل، و يقولون: ان الرب كريم رحيم، فلا حاجة لنا الى اتعاب أنفسنا بالعبادة، كما قال الشاعر

«قدمت على الكريم بغير زاد»

الخ( ٣ ) و هو كما ترى.

٢٠ - الحكمة (٢٨٨) و قالعليه‌السلام :

إِذَا أَرْذَلَ اَللَّهُ عَبْداً حَظَرَ عَلَيْهِ اَلْعِلْمَ في (عيون ابن قتيبة): قال رجل لخالد بن صفوان: مالي إذا رأيتكم تتذاكرون الأخبار و تتدارسون الآثار و تتناشدون الأشعار وقع علي النوم.

قال: لأنك حمار في مسلاخ انسان.

و في (ادباء الحموي): روى ان الخليل بن أحمد كان يقطّع بيتا من الشعر، فدخل عليه ولده في تلك الحال، فخرج الى الناس و قال: ان أبي قد جن،

فدخل الناس عليه و هو يقطّع البيت، فأخبروه بما قال ابنه، فقال لابنه:

لو كنت تعلم ما أقول عذرتني

أو كنت تعلم ما تقول عذلتكا

____________________

(١) اختيار معرفة الرجال: ١٨ ح ٤٢.

(٢) البقرة: ٨٠.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٩: ١٧٦.

٣٩٤

لكن جهلت مقالتي فعذلتني

و علمت انك جاهل فعذرتكا

و كما عاقب اللَّه تعالى الرذال بحظر العلم عليهم و منعه عنهم، كذلك عاقب العالم غير العامل بعلمه بسلب لذة مناجاته عنه، ففي الكافي عن الصادقعليه‌السلام : أوحى اللَّه تعالى الى داودعليه‌السلام لا تجعل بيني و بينك عالما مفتونا بالدنيا، فيصدك عن طريق محبتي، ان أدنى ما أنا صانع بهم ان أنزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم( ١) .

٢١ - الحكمة (٣٨٢) و قالعليه‌السلام :

لاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ بَلْ لاَ تَقُلْ كُلَّ مَا تَعْلَمُ فَإِنَّ اَللَّهَ فَرَضَ عَلَى جَوَارِحِكَ كُلِّهَا فَرَائِضَ يَحْتَجُّ بِهَا عَلَيْكَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ «لا تقل ما لا تعلم» في (الكافي) عن أبي جعفرعليه‌السلام : ما علمتم فقولوا، و ما لم تعلموا فقولوا: اللَّه أعلم، ان الرجل لينتزع الآية من القرآن يخر فيها أبعد ما بين السماء و الأرض( ٢) .

و قال ابن المقفع: فان استطعت ألا تخبر بشي‏ء إلاّ و أنت به مصدق و ألا يكون تصديقك إلاّ ببرهان فافعل.

«بل لا تقل كلّ ما تعلم» لأن كثيرا من الناس غير قابلين لفهم كثير من الحقائق.

و في (عيون ابن قتيبة): قال سلمان: لو حدثت الناس بكل ما أعلم لقالوا رحم اللَّه قاتل سلمان.

____________________

(١) الكافي ١: ٤٦ ح ٤ و النقل بتقطيع.

(٢) الكافي ١: ٤٢ ح ٤.

٣٩٥

«فان اللَّه فرض على جوارحك كلّها فرائض يحتجّ بها عليك يوم القيامة» قال تعالى: و لا تقفُ ما ليس لك به علم ان السمع و البصر و الفؤاد كلّ اولئك كان عنه مسئولا( ١) .

و في (الكافي) عن الباقرعليه‌السلام : حق اللَّه على العباد أن يقولوا ما يعلمون،

و يقفوا عند ما لا يعلمون.

و عن الصادقعليه‌السلام : ان اللَّه تعالى خص عباده بآيتين من كتابه: الا يقولوا حتى يعلموا، و لا يردّوا ما لم يعلموا، قال تعالى: ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على اللَّه إلا الحق( ٢ ) و قال: بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه و لمّا يأتهم تأويله( ٣) .

٢٢ - الحكمة (٩٠) و قالعليه‌السلام :

اَلْفَقِيهُ كُلُّ اَلْفَقِيهِ مَنْ لَمْ يُقَنِّطِ اَلنَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اَللَّهِ وَ لَمْ يُؤْيِسْهُمْ مِنْ رَوْحِ اَللَّهِ وَ لَمْ يُؤْمِنْهُمْ مِنْ مَكْرِ اَللَّهِ أقول: رواه (الكافي و المعاني و التحف و مناقب ابن الجوزي و تذكرة سبطه) و رواية الأول هكذا: «ألا أخبركم بالفقيه حق الفقيه؟ من لم يقنّط الناس من رحمة اللَّه، و لم يؤمنهم من عذاب اللَّه، و لم يرخص لهم في معاصي اللَّه، و لم يترك القرآن رغبة عنه الى غيره، ألا لا خير في علم ليس فيه تفهم، ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبر، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفكر»، و مثله المعاني

____________________

(١) الاسراء: ٣٦.

(٢) الاعراف: ١٦٩.

(٣) الكافي ١: ٤٣ ح ٧ و ٨. و الآية ٣٩ من سورة يونس.

٣٩٦

و التحف، لكن فيهما: «ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفقه» و اسناد الاخيرين أبو نعيم باسناده عن عاصم بن ضمرة عنهعليه‌السلام ( ١) .

«الفقيه كلّ الفقيه» بنصب كلّ على المصدرية، أي: فقيه كامل الفقه «من لم يقنّط الناس من رحمة اللَّه» لأنه تعالى قال: لا تقنطوا من رحمة اللَّه ان اللَّه يغفر الذنوب جميعا( ٢) .

«و لم يؤيسهم من روح اللَّه» فقد قال تعالى: و لا تيأسوا من روح اللَّه انّه لا ييأس من روح اللَّه إلاّ القوم الكافرون( ٣) .

«و لم يؤمنهم من مكر اللَّه» فقد قال تعالى: فلا يأمن مكر اللَّه إلا القوم الخاسرون( ٤ ) و قال لنبيّه: قل إنّي أخاف ان عصيت ربّي عذاب يوم عظيم( ٥) .

٢٣ - الحكمة (١٧٢) و قالعليه‌السلام :

اَلنَّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا أقول: كرره المصنف في ٤٣٨ غفلة. و كيف كان فمر في عنوان (١٦) رواية (أمالي الشيخ) عنهعليه‌السلام قال: قلت أربعا أنزل اللَّه تعالى تصديقي في

____________________

(١) رواه الكليني في الكافي ١: ٣٦ ح ٣، و الصدوق في معاني الأخبار: ٢٢٦ ح ١، و ابن شعبة في تحق العقول: ٢٠٤،

و سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص: ١٤٠، و نقله عن مناقب ابن الجوزي المجلسي في البحار ٧٨: ٧٤ ح ٤٣،

و كتاب مناقب ابن الجوزي الذي ينقل عنه المجلسي هو كتاب تذكرة الخواص لسبطه.

(٢) الزمر: ٥٣.

(٣) يوسف: ٨٧.

(٤) الأعراف: ٩٩.

(٥) الأنعام: ١٥.

٣٩٧

كتابه الى أن قال و قلت «من جهل شيئا عاداه»، فأنزل تعالى: بل كذّبوا بما لم يحيطوا بعلمه( ١) .

هذا و في (المناقب) بعد ذكر قضاياهعليه‌السلام من زمن الثلاثة قال أبو الحسن المرادي:

يا سائلي عن علي و الاولى عملوا

به من السوء ما قالوا و ما فعلوا

لم يعرفوه فعادوه لجهلهم

و الناس كلّهم أعداء ما جهلوا(٢)

و في الجهشياري: قال يحيى البرمكي لابنه جعفر: يا بني انتق من كلّ علم شيئا، فانه من جهل شيئا عاداه، و أنا أكره أن تكون عدوا لشي‏ء من الأدب.

٢٤ - من الخطبة (١٥٢) فَلْيَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَهُ وَ لْيُحْضِرْ عَقْلَهُ وَ لْيَكُنْ مِنْ أَبْنَاءِ اَلْآخِرَةِ فَإِنَّهُ مِنْهَا قَدِمَ وَ إِلَيْهَا يَنْقَلِبُ فَالنَّاظِرُ بِالْقَلْبِ اَلْعَامِلُ بِالْبَصَرِ يَكُونُ مُبْتَدَأُ عَمَلِهِ أَنْ يَعْلَمَ أَ عَمَلُهُ عَلَيْهِ أَمْ لَهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَضَى فِيهِ وَ إِنْ كَانَ عَلَيْهِ وَقَفَ عَنْهُ فَإِنَّ اَلْعَامِلَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَالسَّائِرِ فِي غَيْرِ طَرِيقٍ فَلاَ يَزِيدُهُ بُعْدُهُ عَنِ اَلطَّرِيقِ إِلاَّ بُعْداً مِنْ حَاجَتِهِ وَ اَلْعَامِلُ بِالْعِلْمِ كَسَائِرِ عَلَى اَلطَّرِيقِ اَلْوَاضِحِ فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ أَ سَائِرٌ هُوَ أَمْ رَاجِعٌ وَ اِعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ ظَاهِرٍ بَاطِناً عَلَى مِثَالِهِ فَمَا طَابَ ظَاهِرُهُ طَابَ بَاطِنُهُ وَ مَا خَبُثَ ظَاهِرُهُ خَبُثَ بَاطِنُهُ وَ قَدْ قَالَ؟ اَلرَّسُولُ؟ اَلصَّادِقُ ص إِنَّ اَللَّهَ يُحِبُّ اَلْعَبْدَ وَ يُبْغِضُ عَمَلَهُ وَ يُحِبُّ اَلْعَمَلَ وَ يُبْغِضُ بَدَنَهُ وَ اِعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ نَبَاتاً وَ كُلُّ نَبَاتٍ لاَ غِنَى بِهِ عَنِ اَلْمَاءِ وَ اَلْمِيَاهُ مُخْتَلِفَةٌ فَمَا طَابَ سَقْيُهُ طَابَ

____________________

(١) أمالي أبي علي الطوسي ٢: ١٠٨ جزء ١٧. و الآية ٣٩ من سورة يونس.

(٢) مناقب السروي ٢: ٣٧٣.

٣٩٨

غَرْسُهُ وَ حَلَتْ ثَمَرَتُهُ وَ مَا خَبُثَ سَقْيُهُ خَبُثَ غَرْسُهُ وَ أَمَرَّتْ ثَمَرَتُهُ «فليصدق رائد» الرائد: الذي يرسل في طلب الكلاء، و ورد استعارة «الحمى رائد الموت» من راد الكلاء يروده «أهله» و من أمثالهم «لا يكذب الرائد أهله»( ١ ) «و ليحضر عقله».

الأصل في العقل المنع، و سمي نهي الانسان عقلا لمنعه عن الخطأ،

و سميت الدية عقلا لمنعها عن القصاص، و سمّي الحصن عقلا و معقلا لمنعه المتحصن به، فقالوا:

ما ينفع التحصن بالعقول

ما ينفع التمسك بالعقول

«و ليكن من أبناء الآخرة» في الخبر: «إذا دعيت الى وليمة و جنازة أجب الجنازة، لأنها تذكرك الآخرة»( ٢) .

«فانه منها قدم» قال ابن سينا في أبيات له في النفس:

هبطت اليك من المحلّ الأرفع

و رقاء ذات تعزز و تمنّع

«و اليها ينقلب» و انا الى ربنا لمنقلبون( ٣) .

«فالناظر بالقلب العامل بالبصر» أي: بالبصيرة «يكون مبتدأ عمله» أي:

أوّله «ان يعلم أ عمله عليه أم له» كما ان من يمشي في طريق يجب عليه قبل وضع قدمه أن يعلم اين يضعه لئلا يقع في مهواة أو يزل و يعثر.

قال ابن أبي الحديد: جملة «يكون مبتدأ عمله» مع خبره «بالبصر» المتقدم عليه خبر «الناظر»، و «أن يعلم» بدل من «بالبصر»، فيصير تقديم الكلام: فالناظر بقلبه العامل بجوارحه يكون مبتدأ عمله بالفكر و البصيرة بأن

____________________

(١) أورده الميداني في مجمع الأمثال ٢: ٢٣٣، و الزمخشري في المستقصي ٢: ٢٧٤.

(٢) روى هذا المعنى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الطوسي في التهذيب ١: ٤٦٢ ح ١٥٥، و الحميري في قرب الاسناد: ٤١ و محمد بن الأشعث في الاشعثيات: ٢٠٠.

(٣) الزخرف: ١٤.

٣٩٩

يعلم أعمله له أم عليه( ١) .

قلت: بل «بالبصر» متعلق «بالعامل» مثل «بالقلب» «بالناظر»، و «مبتدأ» منصوب خبر «يكون»، و «ان يعلم» في موضع الرفع اسمه، و تقدير الكلام:

الذي ينظر بالقلب و الذي يعمل بالبصيرة يكون علمه بكيفية عمله مبتدأ عمله.

«فان كان له مضى فيه و ان كان عليه وقف عنه» كمن أراد أن يلحق بأهل الجمل، فرأى ان الأمر فيهم بيد عائشة، فتذكر قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة، فرجع( ٢) .

«فان العامل بغير علم كسائر» هكذا في (المصرية)، و الصواب: «كالسائر» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٣) .

«في غير» هكذا في (المصرية)، و الصواب: «على غير» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٤ ) و (الخطية) «طريق» هكذا في (المصرية و ابن أبي الحديد) و لكن في (ابن ميثم)( ٥ ) (الطريق).

و كيف كان ففي (الكافي) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح( ٦) .

«فلا يزيده بعده عن الطريق إلا بعدا من حاجته» أي: مقصده، قال تعالى:

يدعو من دون اللَّه ما لا يضره و ما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد( ٧) ،

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٩: ١٧٧.

(٢) أخرجه البخاري في صحيحه ٤: ٢٢٨، و الترمذي في سننه ٤: ٥٢٧ ح ٢٢٦٢، و النسائي في سننه ٨: ٢٢٧، و الرجل السائل أبو بكرة.

(٣) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٩: ١٧٥، لكن في شرح ابن ميثم ٣: ٢٤٩ مثل المصرية.

(٤) المصدر السابق.

(٥) المصدر السابق.

(٦) الكافي ١: ٤٤ ح ٣.

(٧) الحج: ١٢.

٤٠٠