بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٧

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 621

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 621
المشاهدات: 99167
تحميل: 8073


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 99167 / تحميل: 8073
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 7

مؤلف:
العربية

و قال ابن أبي الحديد في موضع آخر روى جعفر بن زياد عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري قال: كنا نختبر أولادنا بحب عليّ بن أبي طالب، فمن أحبه عرفنا أنه منا( ١) .

و روى الكشي في (رجاله) و الصدوق في (معانيه و أماليه) عن أبي الزبير المكي قال: رأيت جابرا متوكئا على عصاه و هويدور في سكك الأنصار و مجالسهم و هو يقول: علي خير البشر فمن أبي فقد كفر، يا معشر الأنصار أدبوا أولادكم على حب عليّ بن أبي طالب، فمن أبي فانظروا في شأن امه( ٢) .

و روى (العلل) عن أبي أيوب الأنصاري قال: اعرضوا حب عليّعليه‌السلام على أولادكم، فمن أحبه فهو منكم، و من أبى فاسألوا امه من اين جاءت به،

سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعلي: لا يحبك الا مؤمن، و لا يبغضك الا منافق، أو ولد زنية، أو من حملت به امه و هي طامث( ٣) .

و في (مروج المسعودي): ذكر عيسى بن أبي دلف ان دلفا أخاه و كان أبوه يكني ابا دلف به كان ينتقص عليّاعليه‌السلام و يضع منه و من شيعته،

و ينسبهم إلى الجهل، و انه قال يوما و هو في مجلس أبيه و لم يكن أبوه حاضرا انهم يزعمون انه لا ينتقص عليّا أحد الا كان لغير رشده، و انتم تعلمون غيرة الأمير و انه لا يتهيأ الطعن على احد من حرمه و انا ابغض عليّا،

فما كان بأو شك من أن خرج أبوه، فقال: قد سمعت ما قاله دلف، و الحديث لا يكذب و الخبر الوارد في هذا المعنى لا يختلف، هو و اللَّه لزنية و حيضة، و ذلك

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٤: ١١٠.

(٢) كذا جاء في اختيار معرفة الرجال: ٤٤ ح ٩٣، و أمالي الصدوق: ٧١ ح ٦، مجلس ١٨ لكن الحديث لم يوجد في معاني الاخبار بل اخرجه الصدوق في علل الشرائع و نقله المجلسي في البحار ٣٩: ٣٠٠ ح ١٠٨ عن معاني الاخبار و الامالي اشتباها.

(٣) علل الشرائع ١: ١٤٥ ح ١٢.

٤٤١

اني كنت عليلا، فبعثت أختي إليّ جارية لها كنت معجبا بها، فلم اتمالك أن وقعت عليها و كانت حائضا فعلقت بدلف، فلما ظهر حملها وهبتها لي.

و بلغ من عداوة دلف هذا لابيه و نصبه لان الغالب على أبيه التشيع ان شنّع عليه بعد وفاته و قال كما حدث الفرهياني رأيت في المنام آتيا أتاني فقال: أجب الامير، فقمت معه، فأدخلني دارا وحشة و عرة و أصعدني على درج منها، ثم ادخلني غرفة في حيطانها أثر الرماد، و اذا به عريان واضع راسه بين ركبتيه فقال كالمستفهم دلف؟ قلت: دلف( ١) .

و في نهج العلامة قال لي والدي: اجتزت يوما في بعض دروب بغداد مع أصحابي فأصابني عطش، فقلت لبعض أصحابي: أطلب ماء من بعض الدروب، فمضى يطلب الماء، و وقفت أنا و باقي أصحابي ننتظر الماء و صبيان يلعبان احدهما يقول: الامام هو علي، و الآخر يقول: أبو بكر. فقلت صدق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله «ما يحبك يا علي إلاّ مؤمن، و لا يبغضك إلاّ ولد حيضة»،

فخرجت المرأة بالماء، فقالت: باللَّه عليك يا سيدي أسمعني ما قلت: فقلت:

حديث رويته عن النبيّ لا حاجة إلى ذكره، فكررت السؤال، فرويته لها، فقالت:

يا سيدي و اللَّه انه لخبر صدق، ان هذين ولداي، فالذي يحب عليّا ولد طهر،

و الذي يبغضه حملته في الحيض، جاء والده إليّ، فكابرني على نفسي حالة الحيض، فنال مني، فحملت بهذا الّذي يبغض عليّا.

هذا و كما كان واجبا موالاتهعليه‌السلام كذلك موالاة أوليائه، و روى (أمالي المفيد) عن حنش بن المعتمر في خبر انهعليه‌السلام قال له: من سره أن يعلم أمحب لنا ام مبغض فليمتحن قلبه، فان كان يحب ولينا فليس بمبغض لنا، و ان

____________________

(١) مروج الذهب ٣: ٤٧٥.

٤٤٢

كان يبغض ولينا فليس بمحب لنا( ١) .

و في زياراتهمعليهما‌السلام «اني عدو لمن عاداكم و ولي لمن والاكم»( ٢) .

٢ - الحكمة (١١٧) و قالعليه‌السلام :

هَلَكَ فِيَّ رَجُلاَنِ مُحِبٌّ غَالٍ وَ مُبْغِضٌ قَالٍ الحكمة (٤٦٩) و قالعليه‌السلام :

يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلاَنِ مُحِبٌّ مُفْرِطٌ وَ بَاهِتٌ مُفْتَرٍ قال الرّضيّ: و هذا مثل قولهعليه‌السلام : «هلك فيّ رجلان: محبّ غال و مبغض قال». أقول: أما الأوّل فروى أبو الأحوص و قد نقله ابن أبي الحديد في موضع آخر عن أبي حيان عن عليّعليه‌السلام قال: يهلك فيّ رجلان: محبّ غال و مبغض قال( ٣) .

و أما الثاني فرواه أبو العباس الثقفي و قد نقله ابن أبي الحديد في موضع آخر عن عليّ بن محمّد النوفلي عن ابيه و مشيخته قالوا: قال عليّعليه‌السلام : يهلك في رجلان: محب مطر يضعني غير موضعي و يمدحني بما ليس فيّ، و مبغض مفتر يرميني بما انا منه بري‏ء( ٤) .

و مصداق ما قالهعليه‌السلام من وقوع الخلاف فيه ما رواه المدائني و قد نقله

____________________

(١) أمالي المفيد: ٣٣٤ ح ٤، مجلس ٣٩.

(٢) رواه ابن طاووس في ضمن زيارة جامعة كما في مفاتيح الجنان: ١١٩٢.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ٤: ١٠٥.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ٥: ٥.

٤٤٣

ابن أبي الحديد في موضع آخر انهعليه‌السلام خطب فقال: لو كسرت لي الوساده لحكمت بين اهل التوراة بتوراتهم، و بين اهل الانجيل بانجيلهم، و بين اهل الفرقان بفرقانهم، و ما من آية في كتاب اللَّه انزلت في سهل أو جبل الا و أنا عالم متى أنزلت، و فيمن أنزلت. فقال رجل من القعود تحت منبره: ياللَّه و للدعوى الكاذبة، و قال آخر إلى جانبه: اشهد انك انت اللَّه رب العالمين. قال: فانظر إلى هذا التناقض و التباين فيه( ١) .

و بهعليه‌السلام فسر قوله تعالى: عمّ يتساءلون. عن النبأ العظيم. الّذي هم فيه مختلفون( ٢) .

و روى (العقد) عن الشعبي قال: كان عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام في هذه الآية مثل المسيح في بني اسرائيل، أحبه قوم فكفروا في حبه، و ابغضه قوم فكفروا في بغضه.

قولهعليه‌السلام في الأوّل «هلك فيّ رجلان محب غال» قال ابن أبي الحديد: هنا قال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : و اللَّه لو لا اني أشفق ان تقول طوائف من امتي فيك ما قالت النصارى في ابن مريم لقلت فيك اليوم مقالا لا تمر بأحد من الناس الا أخذوا التراب من تحت قدميك، قال: و مع كون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقل فيه ذلك المقال فقد غلت فيه غلاة كثيرة العدد منتشرة في الدنيا يعتقدون فيه ما تعتقد النصارى في ابن مريم و أشنع من ذلك الاعتقاد( ٣) .

و قال عند قولهعليه‌السلام «مصارعهم دون النطفة، و اللَّه لا يفلت منهم عشرة،

و لا يهلك منكم عشرة»: و بمقتضى ما شاهد الناس من معجزاته، و أحواله

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٦: ١٣٦.

(٢) النبأ: ١ ٣.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٢٨٢.

٤٤٤

المنافية لقوى البشر، غلا فيه من غلا حتى نسب إلى أن الجوهر الالهي حل في بدنه كما قالت النصارى في عيسى، و قد أخبره النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك فقال «يهلك فيك محب غال و مبغض قال» إلى أن قال و أول من جهر بالغلو في أيامه عبد اللَّه بن سبأ، قام و هو يخطب فقال له انت انت و جعل يكررها، فقال له:

ويلك من أنا؟ فقال: أنت اللَّه، فأمر بأخذه و اخذ قوم كانوا على رأيه.

و قال أبو العباس أحمد بن عبيد اللَّه الثقفي: قد كان عليّعليه‌السلام عثر على قوم خرجوا من محبته، باستحواذ الشيطان عليهم إلى أن كفروا بربهم،

و جحدوا ما جاء به نبيهم، و اتخذوه ربا و الها، و قالوا أنت خالقنا و رازقنا،

فاستتابهم و توعّدهم، فأقاموا على قولهم، فحفر لهم حفرا دخن عليهم طمعا في رجوعهم، فأبوا فحرقوا بالنار و قال:

ألا ترون قد حفرت حفرا

اني اذا رأيت امرا منكرا

او قدت نارى و دعوت قنبرا

قال: و روى أصحابنا في كتب المقالات: انه لما حرقهم صاحوا إليه: الآن ظهر لنا ظهورا بينا انك انت الا له، لان ابن عمك الّذي أرسلته قال: لا يعذّب بالنار إلاّ رب النار.

و روى أبو العباس عن محمّد بن سليمان المصيصي عن النوفلي عن أبيه و باقي مشيخته، أن عليّاعليه‌السلام مرّ بقوم يأكلون في شهر رمضان نهارا،

فقال: اسفر أنتم أم مرضى؟ قالوا: و لا واحدة. قال: أفمن أهل الكتاب انتم؟

قالوا: لا. قال: فما بال الاكل في شهر رمضان. قالوا: أنت أنت: لم يزيدوه على ذلك، ففهم مرادهم، فنزل عن فرسه، فألصق خده بالتراب، ثم قال: ويلكم انما أنا عبد من عبيد اللَّه، فاتقوا اللَّه، و ارجعوا إلى الاسلام، فأبوا، فدعاهم مرارا،

فأقاموا على امرهم، فنهض عنهم ثم قال: شدوهم وثاقا، و عليّ بالفعلة و النار

٤٤٥

و الحطب، فدخن عليهم، و جعل يهتف بهم، و يناشدهم ارجعوا إلى الاسلام،

فأبوا، فأمر بالحطب و النار، و ألقى عليهم فاحترقوا، فقال الشاعر:

لترم بي المنية حيث شائت

اذا لم ترم بي في الحفرتين

اذا ما حشتا حطبا بنار

فذاك الموت فقدا غير دين

فلم يبرح واقفا عليهم حتى صاروا حطبا. قال أبو العباس: ثم ان جماعة من اصحاب عليّعليه‌السلام منهم عبد اللَّه بن عباس شفعوا في عبد اللَّه بن سبأ خاصة و قالوا: انه تاب فاعف عنه، فأطلقه بعد أن اشترط عليه الا يقيم بالكوفة. فقال:

اين أذهب؟ فقال: إلى المدائن، فنفاه إلى المدائن، فلما قتلعليه‌السلام أظهر مقالته،

و صارت له طائفة يتبعونه، و لما بلغه قتل عليّعليه‌السلام قال: و اللَّه لو جئتمونا بدماغه في سبعين صرة، لعلمنا انه لم يمت و لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه.

قال اصحاب المقالات: و اجتمع إلى عبد اللَّه بن سبأ بالمدائن جماعة على هذا القول، منهم عبد اللَّه بن صبرة الهمداني، و عبد اللَّه بن عمرو بن حرب الكندي، و آخرون غيرهما، و تفاقم أمرهم، و صارت لهم دعوة يدعون إليها،

و شبهة يرجعون إليها، و هي ما ظهر و شاع بين الناس من أخباره بالمغيبات حالا بعد حال، فقالوا: ان ذلك لا يمكن الا للَّه تعالى، أو من حلت ذات الا له في جسده.

و تعلق بعضهم بشبهة ضعيفة نحو قول عمر و كان عليّعليه‌السلام قد فقأ عين انسان ألحد في الحرم ما اقول في يد اللَّه فقأت عينا في حرم اللَّه، و نحو قول عليّ: و اللَّه ما قلعت باب خيبر بقوة جسدانية بل بقوة الهية، و نحو قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا اله إلا اللَّه وحده وحده صدق وعده، و نصر عبده، و هزم الأحزاب وحده»، و الّذي هزم الاحزاب هو عليّ، لانه قتل بارعهم و فارسهم

٤٤٦

عمروا لما اقتحموا الخندق، فأصبحوا صبيحة تلك الليلة هاربين مغلوبين من غير حرب سوى قتل فارسهم الخ( ١) .

و في (بيان الجاحظ): قال جرير بن قيس: قدمت المدائن بعد ما ضرب عليّعليه‌السلام ، فلقيني ابن السوداء و هو ابن حرب فقال لي: ما الخبر؟ قلت: ضرب عليّ ضربة يموت الرجل من أيسر منها أو يعيش من أشد منها. قال: لو جئتمونا بدماغه في مائة صرة لعلمنا انه لا يموت حتى يذودكم بعصاه( ٢) .

و في الخبر قيل للصادقعليه‌السلام : ان رجلا من ولد عبد اللَّه بن سبأ يقول بالتفويض، يقول: ان اللَّه تعالى خلق محمّدا و عليّا، ثم فوض الأمر إليهما، فخلقا و رزقا، و احييا و اماتا. فقال: كذب عدو اللَّه، اقرأوا عليه آية الرعد: أم جعلوا للَّه شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل اللَّه خالق كل شي‏ء و هو الواحد القهار( ٣) .

و في (التحف): قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : اياكم و الغلو فينا، قولوا انا عباد مربوبون و قولوا في فضلنا ما شئتم( ٤) .

«و مبغض قال» من قلي يقلي، و هنا بمعنى الشديد و أصله البغض.

و من مبغضيهعليه‌السلام بنو باهلة، ففي (صفين نصر): ان بني باهلة كرهوا أن يخرجوا معهعليه‌السلام إلى صفين، فدعاهم، فقال: يا معشر باهلة، أشهد اللَّه انكم تبغضوني و أبغضكم، فخذوا عطاءكم و اخرجوا إلى الديلم( ٥) .

و في (أمالي المفيد) عن الحرث بن حصيرة قال: حدثني جماعة من

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٤: ٤ ٧.

(٢) لم اجده فيه.

(٣) رواه الصدوق في الاعتقادات: ٤٠. و الآية ١٦ من سورة الرعد.

(٤) تحف العقول: ١٠٤.

(٥) وقعة صفين: ١١٦.

٤٤٧

أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال: ادعوا لي غنيا و باهلة و حيا آخر قد سماهم فليأخذوا عطاياهم، فو الّذي فلق الحبة و برأ النسمة ما لهم في الاسلام نصيب، و اني شاهد عند الحوض و عند المقام المحمود انهم اعداء لي في الدنيا و الآخرة، و لآخذنّ غنيا أخذة بفرط باهلة، و لئن ثبتت قدماي لاردن قبائل و لابهرجنّ ستين قبيلة مالها في الاسلام من نصيب.

و عن عبد الرزاق بن قيس قال: كنت جالسا مع عليّعليه‌السلام على باب القصر حتى الجأته الشمس إلى حائط القصر، فوثب ليدخل فقام رجل من همدان فتعلق بثوبه و قال: حدثني حديثا جامعا ينفعني اللَّه به. فقالعليه‌السلام : حدثني خليلي رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله اني أرد انا و شيعتي الحوض رواء مرويين، مبيضة وجوههم، و يرد عدونا ظماء مظمئين، مسودة وجوههم، خذها إليك قصيرة من طويلة، أنت مع من أحببت و لك ما اكتسبت، ارسلني يا أخا همدان، ثم دخل القصر( ١) .

و من مبغضيهعليه‌السلام القالين خطاب الجهني كما مر، و منهم الجعد الهمداني، و في (نوادر ديات الكافي): ان الجعد كان يسبه، فاستأذن أبو الصباح الصادقعليه‌السلام لقتله، فقال له: ستكفي بغيرك، فوجد الجعد من يومه ميتا على فراشه كالزق المنفوخ و اذا تحته أسود( ٢) .

و منهم حريز بن عثمان الرحبي، ففي (أنساب السمعاني): كان يسبهعليه‌السلام كل بكرة سبعين مرة، و كل عشاء سبعين مرة.

و قولهعليه‌السلام في الثاني «يهلك فيّ رجلان محب مفرط» هكذا في (المصرية)،

____________________

(١) أمالي المفيد: ٣٣٨ و ٣٣٩ ح ٤ و ٤، مجلس ٤٠.

(٢) الكافي ٧: ٣٧٤ ح ١٦.

٤٤٨

و الصواب: «مطر» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ١ ) ، و كما عرفته من رواية الثقفي( ٢ ) من «أطرى»، و المراد به ما في ذاك الخبر من وصفه بخلاف الواقع من الالوهية (و باهت) أي: الآتي بالبهتان، و في الجمهرة: رجل باهت و بهّات و مباهت و بهوت (مفتر) الآتي بالافتراء.

و من الباهتين المفترين عليهعليه‌السلام عائشة، و ابن اختها عروة بن الزبير،

روى عبد الرزاق عن معمر قال: كان عند الزهري حديثان عن عروة عن عائشة في عليّعليه‌السلام ، فسألته يوما عنهما، فقال: ما تصنع بهما و بحديثهما؟ اللَّه أعلم بهما، اني لا تهمهما في بني هاشم. و الحديثان قال عروة قالت عائشة: كنت عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله اذ أقبل العباس و عليّ فقال: يا عائشة ان هذين يموتان على غير ملتي. و قال عروة قالت عائشة: كنت عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا عائشة ان سرك ان تنظري إلى رجلين من أهل النار فانظري إلى هذين قد طلعا فنظرت فاذا العباس و عليّ روى هذا الاسكافي في (نقضه)( ٣) .

كما أنه كان من بغض المرأة لهعليه‌السلام أنها لم تستطع أن تذكر اسمه، كما قاله ابن عباس في حديثها: ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه توجه إلى المسجد متكئا على رجل( ٤ ) ، و لما سمعت ببيعة الناس لهعليه‌السلام قالت: ليت السماء أطبقت على الأرض، و ليت الجبال تدكدكت على السهل، و لم تقع بيعة الناس لعليّ( ٥ ) ، و لما سمعت بموتهعليه‌السلام سرت و أنشدت اشعارا شماتة حتى لامتها زينب بنت ام

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٢٠: ٢٢٠، و شرح ابن ميثم ٤: ٤٦٤.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٥: ٥.

(٣) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرحه ٤: ٦٤.

(٤) اخرجه البخاري في صحيحه ١: ٤٩ و ١٢٢ و ١٢٦، و ٢: ٩١، و ٣: ٩٢، و ٤: ١٢، و مسلم في صحيحه ١: ٣١١ و ٣١٢ ح ٩٠ ٩٢.

(٥) رواه الطبري في تاريخه ٣: ٤٧٧، سنة ٣٦، و ابن قتيبة في الامامة و السياسة ١: ٥٢.

٤٤٩

سلمة، و مدحت قاتله ابن ملجم، و اعتقت عبدها المسمى باسم قاتله شكرا روى ذلك الطبري و المسعودي و الاصبهاني( ١) .

كما ان عروة كان تأخذه الرعدة عند ذكرهعليه‌السلام و يسبه و يضرب باحدى يديه على الاخرى و يقول: كيف لم يخالف و قد أراق من الدماء ما أراق( ٢ ) . و كان يعذر أخاه عبد اللَّه بن الزبير لما حصر بني هاشم في الشعب و جمع الحطب لتحريقهم و يقول: أراد ادخالهم في طاعته كما جمع الحطب لا حراقهم فيما سلف في السقيفة ذكره المسعودي و غيره( ٣) .

و من الباهتين المفترين عليهعليه‌السلام الزبير بن بكار، كما قال أبو الفرج،

فأدخل بني ناجية في قريش لكونهم مبغضين لهعليه‌السلام ( ٤ ) ، و منهم على بن الجهم الشاعر الهاجي له، فرد عليه البحتري:

علام هجوت مجتهدا عليّا

بما لفقت من كذب و زور

اما لك في استك الوجعاء شغل

يكفك عن أذى أهل القبور

و منهم عمرو بن العاص، فقال: سمعت النبيّ يقول: ان آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء، انما وليّي اللَّه و صالح المؤمنين، و من المضحك أن مسلما و البخاري نقلاه في صحيحيهما( ٥ ) . اف لهم و لما يعبدون من دون اللَّه.

و منهم أبو هريرة، فقال: ان عليّا خطب ابنة أبي جهل في حياة النبيّ

____________________

(١) رواه الطبري في تاريخه ٤: ١١٥، سنه ٤٠ و أبو الفرج الاصبهاني في المقاتل: ٢٦ و ٢٧، و ابن سعد في الطبقات ٣ ق ١: ٢٧، و المفيد في الجمل: ٨٣، و السبط في التذكرة: ٦١، لكن لم يوجد في مروج الذهب و لا اثبات الوصية للمسعودي.

(٢) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ٤: ٦٩.

(٣) رواه المسعودي في مروج الذهب ٣: ٧٧، و عنه ابن أبي الحديد في شرحه ٢٠: ١٤٧.

(٤)

(٥) نقله عنهما ابن أبي الحديد في شرحه ٤: ٦٤، و الحديث في صحيح مسلم ١: ١٩٧ ح ٣٦٦.

٤٥٠

فأسخطه، فخطب على المنبر فقال: لاها اللَّه لا تجتمع ابنة ولي اللَّه و ابنة عدوّ اللَّه.

ان فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما يؤذيها، فان كان علي يريد ابنة أبي جهل فليفارق ابنتي و ليفعل ما يريد( ١) .

قول المصنف: (و هذا مثل قولهعليه‌السلام هلك) هكذا في (المصرية)،

و الصواب: «يهلك» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٢ ) ، و منه يظهران الصواب: نقله الثاني لكون مستنده بلفظ «يهلك»( ٣ ) (فيّ رجلان) و في (ابن أبي الحديد): (اثنان)، و ليست في (الخطية) رأسا، و لكن في (ابن ميثم) كما نقل و هو الصواب( ٤ ) : (محب غال و مبغض قال) كما في عنوانه الأوّل.

قال ابن أبي الحديد: الهالك فيهعليه‌السلام المفرط أي: الغلاة و من قال بتكفير أعيان الصحابة، و المفرط أي: من استنقص به أو أبغضه أو حاربه أو أضمر له غلا، و لذا قال أصحابنا انهعليه‌السلام أفضل الخلق في الآخرة، و أعلاهم منزلة في الجنة، و أفضل الخلق في الدنيا، و أكثرهم خصائص و مزايا و مناقب، و كل من عاداه أو حاربه أو أبغضه فانه عدو للَّه سبحانه و خالد في النار.

فاما الأفاضل من المهاجرين فلو أنه أنكر إمامتهم لقلنا انهم من الهالكين، لانه قد ثبت ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال له: «حربك حربي، و سلمك سلمي»،

و انه قال: «اللهم وال من والاه، و عاد من عاداه» و قال له: «لا يحبك الا مؤمن،

و لا يبغضك الا منافق»، و لكنا رأيناه رضي امامتهم، و بايعهم، و صلى خلفهم،

و أنكحهم، و أكل من فيئهم، و لما برئ من معاوية برئنا منه.

____________________

(١) رواه عن أبي هريرة الاسكافي في النقض عنه شرح ابن أبي الحديد ٤: ٦٤، لكن المشهور في الحديث رواية المسور بن مخرمة و عبيد اللَّه بن أبي رافع و جمع آخر.

(٢) لفظ شرح ابن أبي الحديد ٢٠: ٢٢٠، و شرح ابن ميثم ٤: ٤٦٤ «هلك».

(٣) شرح ابن أبي الحديد ٤: ١٠٥، و ٥: ٥.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ٢٠: ٢٢٠، و شرح ابن ميثم ٥: ٤٦٤.

٤٥١

و الحاصل انا لم نجعل بينه و بين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الا رتبة النبوة، و أعطيناه كل ما عدا ذلك من الفضل المشترك بينه و بينه، و لم نطعن في أكابر الصحابة الّذين لم يصح عندنا أنه طعن فيهم، و القول بالتفضيل قول قديم قال به كثير من الصحابة و التابعين، و من الصحابة عمار، و المقداد، و أبو ذر، و جابر بن عبد اللَّه، و ابي بن كعب، و حذيفة، و بريدة، و أبو أيوب، و سهل بن حنيف،

و عثمان بن حنيف، و أبو الهيثم بن التيهان، و خزيمة بن ثابت، و أبو الطفيل،

و العباس و بنوه، و بنو هاشم كافة، و بنو المطلب كافة، و كان الزبير من القائلين به في بدء الأمر ثم رجع، و كان من بني امية من يقول بذلك منهم خالد بن سعيد بن العاص، و منهم عمر بن عبد العزيز.

ثم نقل خبر ابن الكلبي فيمن حلف بطلاق امرأته ان عليّا خير هذه الامة و اولاهم بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و ان اباها اعتقد حرمتها عليه بذلك، فرفع إلى عمر بن عبد العزيز، فحكم عقيليا، فقال: برقسمه فان فاطمةعليها‌السلام لما اشتهت عنبا في وعكها و لم يكن وقت العنب قال النبيّ: «اللهم ائتنا به مع أفضل امتي عندك منزلة»، فطرق عليّعليه‌السلام الباب، و دخل و معه مكتل ألقى عليه طرف ردائه، فقال:

ما هذا؟ فقال: عنب فقال عمر بن عبد العزيز: لقد سمعت حديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و وعيته، يا رجل خذ بيد امرأتك و اما من قال بتفضيله على الكافة من التابعين، فخلق كثير كأويس القرني، و زيد بن صوحان، و صعصعة، و جندب الخير، و عبيدة السلماني، و غيرهم ممن لا يحصى كثرة و لم تكن لفظة الشيعة تعرف في ذلك العصر الا لمن قال بتفضيله، و جميع ما ورد في فضل الشيعة و كونهم موعودين بالجنة فهؤلاء هم دون غيرهم، و لذلك قال أصحابنا المعتزلة في تصانيفهم نحن الشيعة حقا( ١) .

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٢٠: ٢٢٠ ٢٢٦.

٤٥٢

قلت: كلامه كل خلط و خبط، فهوعليه‌السلام انما قال بهلاك محبه الغال القائل بالوهيته، من أين زاد عليه: «من قال بتكفير صحابة تقدموا عليهعليه‌السلام ».

و أما قوله «و لو أنه انكر امامتهم لقلنا انهم من الهالكين» فمن المضحك،

فالانكار أحمر أو اخضر، و له قرن أو ذنب، و كيف لم ينكر و قد ملأ انكاراته يوم السقيفة، و يوم الشورى ما بين السماوات و الأرض، و هذا كتابه إلى معاوية في جواب كتابه: «و قلت اني كنت اقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى ابايع، و لعمر اللَّه لقد أرادت ان تذم فمدحت، و ان تفضح فافتضحت، و ما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما»( ١ ) . و ألم يأمر عمر يوم الشورى بقتل من خالف دستوره في تمهيده انتقال الأمر إلى عثمان، و كيف يعقل تقدم جمع جهّال ذوي بدع و مناكير على مثلهعليه‌السلام الّذي كان شريكا للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في كل كمال و فضيلة سوى أصل النبوة، ألم يقل النبيّ للناس: «من كنت أولى به فعلي أولى به»( ٢ ) ، فهل كان ذلك منه لفظ بلا معنى؟

و كلام هذا الرجل هنا نظير كلام عابدي الاصنام ان اللَّه تعالى خالق السماوات و الأرض و ما بينهما، و مع ذلك فالاصنام آلهة مثله و شركاؤه، قال تعالى: و لئن سألتهم من خلق السماوات و الأرض و سخّر الشمس و القمر ليقولن اللَّه فأنّى يُؤفكون( ٣) .

ألم يكف الرجل في انكارهعليه‌السلام أمر شيخيه اغضاؤه عن حقه يوم الشورى لما طلبوا منه العمل بسنتهما( ٤ ) ، و كذلك يوم حدوث الخوارج و بيعة

____________________

(١) رواه الشريف الرضي في نهج البلاغة ٣: ٣٣، ضمن كتاب ٢٨.

(٢) هذا حديث الغدير المتواتر أخرجه جمع كثير منهم ابن عساكر بطرق عديدة في ترجمة عليّعليه‌السلام ٢: ٤.

ح ٥٠٣ ٥٩٣.

(٣) العنكبوت: ٦١.

(٤) رواه الطبري في تاريخه ٣: ٣٠١، سنة ٢٣، و البلاذري في أنساب الاشراف ٥: ٢٢، و الجوهري في السقيفة: ٨٥

٤٥٣

أصحابهعليه‌السلام له ثانية( ١ ) ، فذلك يكفي اتمام حجة لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد.

أ لم يكفه شكاياتهعليه‌السلام طول أيامه في امرة الثلاثة و في إمرته، أ لم يكفه شكايات سيدة نساء العالمين و تكفيرها لهم صريحا في كلماتها و موتها كمدا مما عاملوها، و دفن أمير المؤمنين لها سرا، و قد كانعليه‌السلام يقول: «ظلمت عدد المدر و الوبر»( ٢) .

و أما قوله «لو أنكر عليهم كما أنكر على معاوية لتبرأنا منهم» فغلط و مغالطة، فالفرق بين يوم السقيفة و يوم معاوية كثير، فيوم معاوية كان كما قالعليه‌السلام لو لم يكن أنكر و شهر السيف كان كفرا و اضمحلالا للاسلام( ٣ ) ، كما ان يوم السقيفة لو كان خرج لاضمحل أصل الاسلام لحدوث عهدهم بالكفر،

و هوعليه‌السلام كان كالنبيّعليه‌السلام يتحمل كل مشقة في سبيل الاسلام بعده كما معه،

و الثلاثة كانوا لا يبالون أن يبدل الاسلام بالكفر، فاغتنموا عداوة قريش المؤلفة الّذين حاربوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و كان وترهم على يدهعليه‌السلام ان ينالوا بها الرئاسة و الامرة، و لم يكن لهم أثر في الاسلام الا الفرار في الغزوات.

و قد روى المدائني و نقله نفسه في موضع آخر عن عبد اللَّه بن جنادة قال: قدمت من الحجاز أريد العراق في اول امارة عليّعليه‌السلام ، فمررت بمكة،

فاعتمرت، ثم قدمت المدينة، فدخلت مسجد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله اذ نودي الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، و خرج عليّعليه‌السلام متقلدا سيفه، فشخصت الأبصار ((و)) ابن قتيبة في الامامة و السياسة ١: ٢٦.

____________________

(١) رواه الطبري في تاريخه ٤: ٥٦، سنة ٣٧، و ابن قتيبة في الامامة و السياسة ١: ١٤٦.

(٢) رواه الثقفي كما في تلخيص الشافي ٣: ٤٨، و المفيد في الجمل: ٩٢.

(٣) رواه ابن عبد البر في الاستيعاب ٣: ٥٣، و في ضمن خطبة مشهورة المفيد في أماليه: ١٥٣ ح ٤، المجلس ١٩، و ابن عساكر في ترجمة عليّعليه‌السلام ٣: ١٣٠ ح ١١٥٢.

٤٥٤

نحوه، فحمد اللَّه و صلّى على رسوله، ثم قال: أما بعد فان اللَّه تعالى لما قبض نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله قلنا نحن أهله و ورثته و عترته و أولياؤه دون الناس، لا ينازعنا سلطانه منازع، و لا يطمع في حقنا طامع، اذ انبرى لنا قومنا، فغصبونا سلطان نبينا، فصارت الأمرة لغيرنا، و صرنا سوقة يطمع فينا الضعيف، و يتعزز علينا الذليل، فبكت الاعين منا لذلك، و خشنت الصدور، و جزعت النفوس، و ايم اللَّه لو لا مخافة الفرقة بين المسلمين، و ان يعود الكفر، و يبور الدين، لكنّا على ما كنّا لهم الخ( ١ ) . و مثله كتاب الحسن إلى معاوية( ٢) .

ثم عدة شيعته كعمار، و المقداد، و حذيفة، و أبي ذر، و غيرهم من القائلين بأفضليته فقط كما يقول هو مغالطة، فانكاراتهم يوم الشورى و يوم السقيفة مذكورة في السير كعدة العباس، و خالد بن سعيد الاموي، فالعباس انما أتاه أبو بكر و عمر باشارة المغيرة على أن يجعلوا له في الأمر نصيبا، و يجعلاه شريكا في سلطنتهم، لئلا يساعد أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فردهم بما هو مذكور في السير( ٣ ) . و خالد ممن أنكر بيعة أبي بكر حتى اضطغن عمر عليه ذلك، فمنع ابا بكر من توليته لما احتاج إليه أبو بكر لامارة جند بعد استقرار الأمر له لذلك( ٤) .

كما أن قوله بأنهعليه‌السلام صلى خلفهم و انكحهم و اكل من فيئهم، فرضي بامامتهم غلط، فالتقية تجوز اظهار الكفر، مع ان صلاتهعليه‌السلام خلفهم كانت لا عن اقتداء، فقالت عترتهعليه‌السلام انه بعد صلاة جمعته خلفهم كان يضيف إليها

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١: ٣٠٧.

(٢) رواه أبو الفرج في المقاتل: ٣٥.

(٣) رواه الجوهري في السقيفة: ٤٧، و ابن قتيبة في الامامة و السياسة ١: ١٥.

(٤) رواه الجوهري في السقيفة: ٥٣.

٤٥٥

ركعتين( ١ ) ، و أما انكاحهم فكان الرجل ذا سلطان فأجبره كما لا يخفى على من راجع سيرهم، و كفاهم بذلك طعنا و شناعة، و قد قالت عترتهعليه‌السلام ان الرجل قال للعباس: أي عيب في حتى لا ينكحني ابن اخيك؟ فلو لم يقبل لا ضعن شهودا على سرقته فأقطع يده( ٢) .

و في كتاب معاوية إلى محمّد بن أبي بكر «فهمّا به الهموم و أرادا به العظيم»( ٣) .

و أما أكله من فيئهم فانما كان لأن حكم اللَّه كما بينه عترتهعليهم‌السلام ان الجهاد اذا لم يكن من قبل الامام فكل ما غنموه لهعليه‌السلام ( ٤ ) ، و الكتاب و السنة يحكمان بثبوت الخمس له، فمنعوه الخمس كما أخذوا فدك منه غصبا و أجروه في الخمس كرجل منهم، فلم لا يأخذ جزءا من جزء من حقه.

و أما قوله «و لم تكن مقالة الامامية و من نحا نحوها من الطاعنين في امامة السلف مشهورة» ففيه انه اذا كان مثل أمير المؤمنينعليه‌السلام أيام سلطنته يتقي من الشكاية منهما حتى تقلد سيفه لما أراد أن يخطب تلك الخطبة في أول أمره( ٥ ) ، و كذلك بعد فتح مصر لما سألوه عن رأيه في الثلاثة و أراد بيان حقيقة أمرهم كتبعليه‌السلام مقالته، و أمر جعدة بن هبيرة أن يقرأها، و عين عشرة من ثقاته مع السيوف ان ثار أحد( ٦ ) ، و كذلك ابنه الحسنعليه‌السلام في أيام امارته قبل

____________________

(١) رواه الكليني في الكافي ٣: ٣٧٤ ح ٦.

(٢) رواه الكليني في الكافي ٤: ٣٤٦ ح ٢، و أحمد بن محمّد بن عيسى في النوادر: ١٢٩ ح ٣٣٢.

(٣) رواه ابن مزاحم في وقعة صفين: ١٢٠، و المسعودي في مروج الذهب ٣: ١٢، و البلاذري في أنساب الاشراف ٢:

٣٩٦.

(٤) أخرجه الطوسي في التهذيب ٤: ١٣٥ ح ١٢.

(٥) النظر إلى الخطبة الّتي رواها المدائني عن عبد اللَّه بن جنادة و مر نقلها آنفا.

(٦) رواه عن رسائل الكليني ابن طاووس في كشف المحجة: ١٧٤.

٤٥٦

تفويض الأمر إلى معاوية، مع كونه سيد شباب أهل الجنة، و من أهل بيت العصمة و الطهارة، و ممن باهل به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، و عدّ في القرآن ابن النبيّ، لما كتب إلى معاوية التشكي منهما كتب إليه معاوية يرميه بالخروج عن الدين،

ففي مقاتل أبي الفرج انهعليه‌السلام لما كتب إلى معاوية «ان قريشا استولوا بالاجتماع على ظلمنا و مراغمتنا و العنت منهم لنا، فالموعد اللَّه و هو الولي النصير، و قد تعجبنا لتوثب المتوثبين علينا في حقنا و سلطان نبينا و ان كانوا ذوي فضيلة و سابقة في الاسلام، فأمسكنا عن منازعتهم مخافة على الدين أن يجد المنافقون و الأحزاب بذلك مغمزا يثلمونه به، أو يكون لهم بذلك سبب لما أرادوا به من فساده» كتب إليه معاوية: «رأيتك صرحت بتهمة أبي بكر الصدّيق، و عمر الفاروق، و أبي عبيدة الامين، و حواري النبيّ، و صلحاء المهاجرين و الأنصار، فكرهت ذلك لك، فانك امرؤ عندنا و عند الناس غير ظنين و لا المسي‏ء و لا اللئيم، و انا أحب لك القول السديد، و الذكر الجميل» الخ( ١ ) . كيف يجترئ شيعته على اظهار طعن فيهما، فكان اولئك الاحزاب لما أرادوا أكل الدنيا بواسطتهما يقتلون من سمعوا منه أدنى غمز فيهما، ألم يقتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة لأنه عبّر عن أبي بكر في مكالمته معه بصاحبك و لم يقل خليفة رسول اللَّه.

و من أين انهم لم يطعنوا فيهم سرا، فروى أحمد بن أبي طاهر في أول بلاغات نسائه أن عائشة بلغها ان ناسا نالوا من أبيها، فبعثت إلى جماعة منهم، فعذلت و قرعت ثم قالت: أبي ما أبي الخ.

و في (تاريخ الطبري): ان الأشراف لما أرادوا خلع المختار قال شبث في جملة ما طعن عليه و أظهر هو و سبائيته البراءة

____________________

(١) مقاتل الطالبيين: ٣٥ و ٣٦.

٤٥٧

من أسلافنا الصالحين( ١) .

ثم ما يفعل في ذي نوريه، فكان يكفره أبوذر، و عمار، و ابن مسعود،

و حجر ابن عدي، و عمرو بن الحمق، و مالك الأشتر، و محمّد بن أبي بكر،

و محمّد بن أبي حذيفة، بل الشيعة و غيرهم أبا حوادمه، و لم يجيزوا دفنه،

فالمسلمون ذلك اليوم جمهورهم إذ كانوا يقولون: أبو بكر، و عمر، و علي،

و الاموية يقولون: أبو بكر، و عمر، و عثمان، و انما حمل عثمان على جمهور المسلمين معاوية و عبد الملك بالسيف، فكانوا يقولون به تقية، فكيف جعله هو و اصحابه من أفاضل المهاجرين، و من الخلفاء الراشدين، و دانوا اللَّه بولايته.

و روى المفيد في (أماليه) عن الأصبغ قال: دخل الحارث الهمداني في نفر من الشيعة على أمير المؤمنينعليه‌السلام و كنت فيهم، فجعل الحارث يتأود في مشيته و يخبط الأرض بمحجنه و كان مريضا فأقبلعليه‌السلام عليه و كانت له منه منزلة، فقال: كيف تجدك يا حارث؟ فقال: نال الدهر مني، و زادني أوارا و غليلا اختصام أصحابك ببابك. قال: و فيم خصومتهم؟ قال: فيك و في الثلاثة قبلك، فمن مفرط منهم غال، و مفرّط قال، و متردد مرتاب لا يدري أيقدم أم يحجم. فقالعليه‌السلام : حسبك يا أخا همدان، الا أن خير شيعتي النمط الأوسط،

فإليهم يرجع الغالي، و بهم يلحق التالي. فقال له الحارث: لو كشفت فداك أبي و أمي الرين عن قلوبنا، و جعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا. فقال: فانك امرؤ ملبوس عليك، ان دين اللَّه لا يعرف بالرجال بل بآية الحق، فاعرف الحق تعرف أهله، يا حارث ان الحق أحسن الحديث، و الصادع به مجاهد، و بالحق أخبرك، فارعني سمعك، ثم خبّر به من كان له حصافة من أصحابك، ألا اني عبد اللَّه و اخو رسوله و صديقه الأول صدقته و آدم بين الروح و الجسد، ثم اني

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٥١٨، سنة ٦٦.

٤٥٨

صديقه الأوّل في امتكم، فنحن الأولون و نحن الآخرون، و نحن يا حارث خاصته و خالصته، و أنا صنوه و وصيه و وليه و صاحب نجواه و سرّه، اوتيت فهم الكتاب و فصل الخطاب، و علم القرون و الأسباب، و استودعت ألف مفتاح كل مفتاح يفتح ألف باب و يفضي كل باب إلى ألف ألف عهد، و ايدت و مددت بليلة القدر نفلا، و ان ذلك يجري لي و لمن استحفظ من ذريتي ما جرى الليل و النهار حتى يرث اللَّه الأرض و من عليها، و ابشرك يا حارث لتعرفني عند الممات و عند الصراط و عند الحوض و عند المقاسمة. قال: و ما المقاسمة؟

قال: مقاسمة النار أقاسمها قسمة صحيحة، أقول: هذا وليي فاتركيه و هذا عدوي فخذيه.

ثم أخذعليه‌السلام بيد الحارث و قال: أخذت بيدك كما أخذ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بيدي و قال لي و قد شكوت إليه حسد قريش و المنافقين لي انه إذا كان يوم القيامة أخذت بحبل اللَّه و بحجزته يعني عصمته من ذي العرش تعالى و أخذت أنت يا علي بحجزتي، و أخذ ذريتك بحجزتك و أخذ شيعتكم بحجزتكم، فماذا يصنع اللَّه بنبيه و ما يصنع بوصيه، خذها إليك يا حارث قصيرة من طويلة انت مع من أحببت و لك ما اكتسبت يقولها ثلاثا فقام الحارث يجر رداءه و هو يقول: ما أبالي بعدها متى لقيت الموت أو لقيني. قال جميل بن صالح:

و أنشدني السيد الحميري فيما تضمنه هذا الخبر:

قول علي لحارث عجب

كم ثم اعجوبة له حملا

يا حار همدان من يمت يرني

من مؤمن او منافق قبلا

يعرفني طرفه و اعرفه

بنعته و اسمه و ما عملا

و أنت عند الصراط تعرفني

فلا تخف عثرة و لا زللا

اسقيك من بارد على ظمأ

تخاله في الحلاوة العسلا

٤٥٩

أقول للنار حين توقف لك

عرض دعيه لا تقربي الرجلا

دعيه لا تقربيه ان له

حبلا بحبل الوصيّ متصلا(١)

و بالجملة ان أخواننا كما قالعليه‌السلام يعرفون الحق بالرجال، فلما رأوا الرجلين صارا سلطانين و لهما اسم في التاريخ استبعدوا كونهما على الباطل،

و الا فبعد كونهعليه‌السلام كنفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بنص القرآن و كونه شريكا للنبيّ في جميع الفضائل سوى النبوة، لا يعقل أن يكون من تقدم عليه على الحق، لا سيما مع ترتب تلك المفاسد على تصديهما للامر، و لو قيل بصحة تقدمهما عليهعليه‌السلام مع ذلك فليقل بجواز تقدمهما على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، و من الواضح ان نصبهما و نصب الثالث كان دينا من قريش أعداء النبيّ اخترعوه لا صلاح دنياهم.

و قد أقر بذلك فاروقهم في مكالمته مع ابن عباس، ففي تاريخ الطبري أن عمر قال لابن عباس: أتدري ما منع قومكم منكم بعد محمّد؟ كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة و الخلافة، فتبجحوا على قومكم بجحا بجحا، فاختارات قريش لانفسها، فأصابت و وفقت، فقال له ابن عباس: لو أن قريشا اختارت لانفسها حيث اختار اللَّه لها لكان الصواب: بيدها غير مردود، و أما كراهتهم لان تكون فينا النبوة و الخلافة فقد قال تعالى: ذلك بأنّهم كرهوا ما أنزل اللَّه فأحبط أعمالَهُم( ٢) .

و في (تاريخ الطبري) أيضا: ان عمارا قال يوم الشورى: ان اللَّه تعالى اكرمنا بنبيه، و اعزنا بدينه، فأنى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيته. فقال رجل من بني مخزوم: لقد عدوت طورك يا ابن سمية،

____________________

(١) أمالي المفيد: ٣ ح ٣، مجلس أو النقل بتصرف يسير.

(٢) تاريخ الطبري ٣: ٢٨٩، سنة ٢٣. و الآية ٩ من سورة محمّد.

٤٦٠