بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٧

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 621

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 621
المشاهدات: 99186
تحميل: 8073


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 99186 / تحميل: 8073
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 7

مؤلف:
العربية

استنطق الخوارج لقتل عبد اللَّه بن خباب، فأقروا به، فقال: انفردوا كتائب لأسمع قولكم كتيبة كتيبة، فتكتبوا كتائب، و أقرت كل كتيبة بمثل ما أقرت به الاخرى من قتل ابن خباب، و قالوا: و لنقتلنّك كما قتلناه. فقالعليه‌السلام و اللَّه لو أقر أهل الدنيا كلهم بقتله هكذا، و أنا اقدر على قتلهم به لقتلتهم. ثم التفت إلى أصحابه و قال: شدوا عليهم، فأنا أول من يشد عليهم، و حمل بذي الفقار حملة منكرة ثلاث مرات، كل حملة يضرب به حتى يعرج متنه، ثم يخرج فيسويه بركبتيه، ثم يحمل به حتى أفناهم( ١) .

و روى (أمالي الشيخ) مسندا عن المغيرة بن الحارث: ان الناس فروا جميعا يوم حنين عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الا سبعة من بني عبد المطلب أبو سفيان و ربيعة و نوفل بنو الحرث بن عبد المطلب و العباس و ابنه الفضل و أمير المؤمنينعليه‌السلام و اخوه عقيل، و النبيّ على بغلته الدلدل و هو يقول:

أنا النبيّ لا كذب

أنا ابن عبد المطلب

إلى أن قال: قال العباس لابنه: ما تلك البرقة. قال: سيف عليّ يزيل به بين الاقران. فقال: بر ابن برّ فداه عم و خال. قال: فضرب عليّعليه‌السلام يومئذ أربعين مبارزا كلهم يقدّه حتى أنفه و ذكره. قال: و كانت ضرباته مبتكرة( ٢) .

و روى (صفين نصر بن مزاحم) عن ابن نمير الأنصاري أو أبيه قال:

و اللَّه لكأني اسمع عليّاعليه‌السلام حين سار أهل الشام ذلك بعد ما طحنت رحا مذحج فيما بيننا و بين عك و لخم و جذام و الاشعريين بأمر عظيم تشيب منه النواصي من حين استقبلت الشمس ثم ان عليّا قال: حتى متى نخلي بين هذين الحيين قد فنيا، و أنتم وقوف تنظرون إليهم، أما تخافون مقت اللَّه. ثم

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٢: ٢٨٢.

(٢) أمالي أبي جعفر الطوسي ٢: ١٨٧، المجلس ٥.

٤٨١

توجّه إلى القبلة و رفع يديه ثم نادى: «يا اللَّه يا رحمن يا واحد يا صمد يا إله محمّد، اللهم اليك نقلت الاقدام، و أفضت القلوب، و رفعت الأيدي، و امتدت الأعناق، و شخصت الأبصار، و طلبت الحوائج. إنّا نشكو إليك غيبة نبينا،

و كثرة عدونا، و تشتت أهوائنا، ربنا افتح بيننا و بين قومنا بالحق و انت خير الفاتحين» سيروا على بركة اللَّه. ثم نادى لا إله إلاّ اللَّه و اللَّه أكبر.

قال الأنصاري: لا و اللَّه الّذي بعث محمّدا بالحق نبيا ما سمعنا برئيس منذ خلق اللَّه السماوات و الأرض أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب، انه قتل في ما ذكر العادّون زيادة على خمسمائة من أعلام العرب يخرج بسيفه منحنيا، فيقول: معذرة إلى اللَّه تعالى و إليكم من هذا، لقد هممت أن أفلقه و لكن حجزني أني سمعت النبيّ يقول كثيرا: «لا سيف الا ذو الفقار، و لا فتى الا عليّ» و انا أقاتل به دونه.

قال: فكنا نأخذ السيف من يده فنقّومه، ثم يتناوله من أيدينا فيتقحم به في عرض الصف، فلا و اللَّه ما ليث بأشد نكاية في عدوه منه رحمة اللَّه عليه رحمة واسعة( ١) .

و عن زيد بن وهب قال: مر عليعليه‌السلام يومئذ و معه بنوه نحو الميسرة،

و اني لأرى النبل يمر بين عاتقه و منكبيه، و ما من بنيه أحد إلاّ يقيه بنفسه،

فيكره عليّعليه‌السلام ذلك و يأخذ بيده فيلقيه بين يديه أو من ورائه، فبصر به أحمر مولى بني امية، فقال: عليّ و رب الكعبة قتلني اللَّه ان لم أقتلك أو تقتلني. و أقبل نحوهعليه‌السلام ، فخرج إليه كيسان مولى عليّ فاختلفا ضربتين، فقتله مولى بني امية و خالط عليّا ليضربه بالسيف، فانتهزه عليّعليه‌السلام ، فوضع يده في جيب درعه، فجذبه، ثم حمله على عاتقه، و كأني انظر إلى رجليه يختلفان على عنق

____________________

(١) وقعة صفين: ٤٧٧.

٤٨٢

عليّعليه‌السلام ، ثم ضرب به الأرض، فكسر منكبه و عضده، فكأني أنظر إلى عليّعليه‌السلام قائما و شبلاه يضربان الرجل حتى اذا قتلاه( ١) .

و فيه بعد ذكر طلبهعليه‌السلام لمعاوية إلى المبارزة و اباء معاوية فبرز عروة بن داود الدمشقي و قال: ان كان معاوية كره مبارزتك يا أبا الحسن فهلم إليّ، فتقدمعليه‌السلام إليه، فقال له أصحابه: ذر هذا الكلب، فإنّه ليس لك بخطر.

فقال: و اللَّه ما معاوية اليوم بأغيظ لي منه دعوني و إيّاه، ثم حمل عليه، فضربه،

فقطعه قطعتين سقطت إحدهما يمنة و الاخرى يسرة، فارتج العسكران لهول الضربة. ثم قالعليه‌السلام : يا عروة، اذهب فأخبر قومك، أما و الّذي بعث محمّدا بالحق لقد عاينت النار و أصبحت من النادمين( ٢) .

و فيه: قال الشعبي: ذكر معاوية بعد عام الجماعة يوم صفين، فقال عبد الرحمن ابن خالد بن الوليد: أما و اللَّه لقد رأيت يوما من الايام و قد غشينا ثعبان مثل الطود الأرعن قد أثار قسطلا حال بيننا و بين الافق، و هو على أدهم سائل يضربهم بسيفه ضرب غرائب الابل كاشرا عن أنيابه كشر المخدر الحرب. فقال معاوية: و اللَّه انه يجالد و يقاتل عن ترة له( ٣) .

و في (بلدان الحموي): قال الدار قطني: كان الجوزجاني من الحفاظ المصنفين، لكن كان فيه انحراف عن عليّعليه‌السلام . قال ابن عديس: كنا عنده،

فالتمس من يذبح له دجاجة، فتعذر عليه، فقال: يتعذر عليّ ذبح دجاجة و عليّ قتل سبعين ألفا في وقت واحد( ٤) .

و في (تاريخ الطبري): قال الزبير بن الحرث، قلت لأبي لبيد لم تسب عليّا،

____________________

(١) وقعة صفين: ٢٤٩.

(٢) وقعة صفين: ٤٥٨.

(٣) وقعة صفين: ٣٨٧.

(٤) معجم البلدان ٣: ١٨٣.

٤٨٣

قال: لأنه قتل منا يوم الجمل ألفين و خمسمائة و الشمس هاهنا.

و قال ابن أبي يعقوب: قتل عليّعليه‌السلام يوم الجمل ألفين و خمسمائة ألف،

ثلاثمائة و خمسون من الازد، و ثمانمائة من بني ضبة، و ثلاثمائة و خمسون من سائر الناس( ١) .

«و سأجهد» أي: سأسعى «في أن اطهر الأرض» فالأرض تنجس بالأشخاص الرجسة كما بالأعمال الرجسة، و في (الكافي) عن أبي الحسنعليه‌السلام : حق على اللَّه ألا يعصى في دار الا أضحاها للشمس حتى تطهرها( ٢) .

و عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ساعة من امام عدل أفضل من عبادة سبعين سنة،

و حدّ يقام للَّه في الأرض أفضل من مطر أربعين صباحا.

و عن أبي جعفرعليه‌السلام : حد يقام في الأرض أزكى فيها من مطر أربعين ليلة و أيامها( ٣) .

«من هذا الشخص المعكوس» قال ابن دريد في (جمهرته): عكست البعير عكسا اذا عقلت يديه بحبل، ثم رددت الحبل من تحت بطنه فشددته بحقوه،

و البعير معكوس.

و قال الجوهري: العكس أن تشد حبلا في خطم البعير إلى رسغ يديه ليذل و اسم ذاك الحبل العكاس، و العكس درك آخر الشي‏ء إلى أوله،

و منه عكس البلية عند القبر، لانها كانوا يربطونها معكوسة الرأس إلى ما يلي كلكلها و بطنها، و يقال إلى مؤخرها مما يلي ظهرها، و يتركونها

____________________

(١) تاريخ الطبري ٣: ٥٤٧، سنة ٣٦.

(٢) الكافي ٢: ٢٧٢ ح ١٨.

(٣) الكافي ٧: ١٧٤ و ١٧٤ ح ١ و ٨.

٤٨٤

على تلك الحال حتى تموت.

«و الجسم المركوس» في (الأساس): أركسه و ركسه: قلبه على رأسه.

و هو منكوس مركوس، و هذا ركس رجس، و أركسه في الشّر ردّه فيه كلّما ردّوا إلى الفتنة أركسوا فيها( ١) .

في (صفين نصر) عن صعصعة: برز من أهل الشام رجل من ذي يزن اسمه كريب بن الصباح، ليس في أهل الشام يومئذ اشهر شدة بالبأس منه،

فنادى: من يبارز، فبرز إليه المرتفع بن وضاح الزبيدي فقتله كريب، ثم نادى من يبارز فبرز إليه الحارث بن حلاج فقتله كريب، ثم نادى من يبارز، فبرز إليه عائذ بن مسروق الهمداني فقتله كريب، ثم رمى بأجسادهم بعضهم فوق بعض، ثم قام عليها بغيا و اعتداء، ثم نادى هل بقي مبارز، فبدر إليه عليّعليه‌السلام و قال له: ويحك لا يدخلنك ابن آكلة الاكباد النار و اني أدعوك إلى كتاب اللَّه و سنّة نبيه. فقال كريب: ما أكثر ما سمعنا هذه المقالة منك، لا حاجة لنا فيها،

أقدم إذا شئت. فقالعليه‌السلام : لا حول و لا قوة الا باللَّه، ثم مشي إليه فلم يمهله أن ضربه ضربة خر منها يتشحط في دمه، ثم نادىعليه‌السلام من يبارز، فبرز إليه الحارث ابن وداعة الحميري فقتله، ثم نادى من يبارز، فبرز إليه المطاع بن المطلب فقتله، ثم نادى من يبارز، فلم يبرز إليه أحد، ثم نادىعليه‌السلام : يا معشر المسلمين الشهر الحرام بالشّهر الحرام و الحُرُمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم و اتقوا اللَّه و اعلموا انّ اللَّه مع المتقين( ٢ ) ، ثم قال: ويحك يا معاوية هلم إليّ فبارزني و لا تقتلن الناس بيننا.

فقال عمرو: اغتنمه منتهزا، قد قتل عليّ ثلاثة من أبطال العرب و اني أطمع أن

____________________

(١) أساس البلاغة: ١٧٦، مادة (ركس)، و الآية ٩١ من سورة النساء.

(٢) البقرة: ١٩٤.

٤٨٥

تظفر به. فقال له معاوية: ان تريد إلاّ أن اقتل فتصيب الخلافة، اذهب إليك فليس يخدع مثلي( ١) .

و روى أيضا: أن عليّاعليه‌السلام ركب فرسه الّذي كان للنبيّ و كان يقال له المرتجز، ثم تعصب بعمامة النبيّ السوداء، ثم نادى «أيها الناس من يشري نفسه للَّه يربح، هذا يوم له ما بعده، ان عدوكم قد قرح كما قرحتم» فانتدب له من بين العشرة آلاف إلى اثني عشر ألفا وضعوا سيوفهم على عواتقهم،

و تقدمهم عليّ و هو يقول:

دبّوا دبيب النمل لا تفوتوا

و أصبحوا بحربكم و بيتوا

حتى تنالوا الثار أو تموتوا

أو لا فاني طالما عصيت

قد قلتم لو جئتنا فجئت

ليس لكم ما شئتم و شئت

و حمل الناس حملة واحدة، فلم يبق لاهل الشام صف الا انتقض،

و اهمدوا ما أتوا عليه حتى أفضى الأمر إلى مضرب معاوية و عليّعليه‌السلام يضربهم بسيفه و هو يقول:

اضربهم و لا أرى معاوية

الأخرز العين العظيم الحاويه

هوت به في النار ام هاويه

فدعا معاوية بفرسه لينجو عليه، فلما وضع رجله في الركاب تمثل بأبيات عمرو بن الاطنابة:

أبت لي عفتي و أبى بلائي

و أخذي الحمد بالثمن الربيح

فثنى رجله عن الركاب الخ. و ذكر فزعه إلى عمرو في تدبير و تدبيره له رفع المصاحف( ٢) .

____________________

(١) وقعة صفين: ٣١٥.

(٢) وقعة صفين: ٤٠٣.

٤٨٦

«حتى تخرج المدرة» الحجر الصغير «من بين حبّ الحصيد» شبهعليه‌السلام معاوية بحجر و مدر يكون في الحنطة و الشعير فينقيان من المدره إذا أريد طحنهما للطعام.

هذا، و جهدعليه‌السلام أن يطهر الأرض من ذاك الرجس النجس القذر الكدر،

لكن تخلية الناس لهعليه‌السلام يوم السقيفة و يوم الشورى و تقديمهم للاول المستلزم لحكومة الثاني و للثالث عليه، ثم عدم جدهم معهعليه‌السلام في مجاهداته مع معاوية، و قيام الناكثين و القاسطين و المارقين في قباله، و ترك كثير من الناس له، و لحوقهم لمعاوية أوجبت في حكمة اللَّه تعالى تسليط معاوية عليهم، ثم باقي بني امية و كذلك نولّي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون( ١) .

و روى محمّد بن يعقوب في (نوادر نذر كافيه) عن عدي بن حاتم ان أمير المؤمنينعليه‌السلام قال في يوم التقى هو و معاوية بصفين، و رفع صوته ليسمع أصحابه: و اللَّه لأقتلن معاوية و أصحابه، ثم يقول في آخر قوله «ان شاء اللَّه» يخفض بها صوته قال عدي: و كنت قريبا منهعليه‌السلام فقلت: يا أمير المؤمنين انك حلفت على ما فعلت ثم استثنيت، فما أردت بذلك. فقال لي: ان الحرب خدعة، و أنا عند المؤمنين غير كذوب، فأردت ان أحرض أصحابي عليهم كيلا يفشلوا و كي يطمعوا فيهم، فأفقههم ينتفع بها بعد اليوم إن شاء اللَّه،

و اعلم ان اللَّه جلّ ثناؤه قال لموسىعليه‌السلام حيث أرسله إلى فرعون فقولا له قولا لينا لعلّه يتذكّر أو يخشى( ٢ ) و قد علم اللَّه انه لا يتذكر و لا يخشى،

____________________

(١) الانعام: ١٢٩.

(٢) طه: ٤٤.

٤٨٧

و ليكون ذلك أحرص لموسىعليه‌السلام على الذهاب( ١) .

٢ - الحكمة (٣١٨) وَ قِيلَ لَهُعليه‌السلام بِأَيِّ شَيْ‏ءٍ غَلَبْتَ اَلْأَقْرَانَ فَقَالَ:

مَا لَقِيتُ رَجُلاً إِلاَّ أَعَانَنِي عَلَى نَفْسِهِ قال؟ الرضي؟: يومئ بذلك إلى تمكن هيبته في القلوب أقول: هكذا في (المصرية) و «رجلا» محرف «أحدا» بشهادة (ابن أبي الحديد و الخطية)، و ليس في الثاني «قال الرضي» و لا «بذلك»، و في نسختي من ابن ميثم هنا سقط( ٢) .

و كيف كان ففي (إرشاد المفيد): لما انهزم الأحزاب و ولوا عن المسلمين الدبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على قصد بني قريظة، و انفذ إليهم أمير المؤمنينعليه‌السلام في ثلاثين من الخزرج و قال له: انظر بني قريظه هل نزلوا حصونهم، فلما شارف سورهم سمع منهم الهجر، فرجع إلى النبيّ فأخبره، فقال: دعهم فان اللَّه سيمكّن منهم، ان الّذي أمكنك من عمرو بن عبدود لا يخذلك، فقف حتى يجتمع الناس إليك، و بشر بنصر من عند اللَّه، فإن اللَّه تعالى قد نصرني بالرعب من بين يدي مسيرة شهر. قالعليه‌السلام : فاجتمع الناس إليّ و سرت حتى دنوت من سورهم، فأشرفوا عليّ، فلما رأوني صاح صائح منهم قد جاءكم قاتل عمرو،

و قال آخر اقبل إليكم قاتل عمرو، و جعل بعضهم يصيح ببعض و يقولون ذلك،

و ألقى اللَّه في قلوبهم الرعب و سمعت راجزا يرتجز:

قتل عليّ عمرا

صاد عليّ صقرا

____________________

(١) الكافي ٧: ٤٦٠ ح ١.

(٢) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٩: ٢٢٦، و يوجد في شرح ابن ميثم ٥: ٤٠١، جميع ذلك.

٤٨٨

قصم عليّ ظهرا

أبرم عليّ أمرا

هتك على سترا

فقلت: الحمد للَّه الّذي أظهر الاسلام و قمع الشرك( ١) .

و فيه بعد ذكر فتح مكة بلغ أمير المؤمنينعليه‌السلام ان اخته امّ هاني آوت أناسا من بني مخزوم منهم الحرث بن هشام و قيس بن السائب، فقصدعليه‌السلام نحو دارها مقنّعا بالحديد، فنادى: اخرجوا من آويتم، فجعلوا يذرقون كما يذرق الحباري خوفا منه، فخرجت إليه أم هاني و هي لا تعرفه فقالت: يا عبد اللَّه، أنا ام هاني ابنة عم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و اخت عليّ بن أبي طالب، انصرف عن داري. فقالعليه‌السلام لها: أخرجوهم. فقالت: و اللَّه لأشكونّك إلى النبيّ، فنزع المغفر عن رأسه، فعرفته، فجاءت تشتد حتى التزمته و قالت: فديتك حلفت لأشكونك إلى النبيّ. فقال لها: اذهبي فأبري قسمك( ٢) .

و قال الوليد بن عقبة ردا على معاوية لما قال له و لمروان و عتبة: لا تستطيعون ان تشجروا عليّا بالرماح لأنه ما قابله أحد الا هلك الا عمرو بن العاص لخصيتيه فقال:

دعا للقاه في الهيجاء لاق

فاخطأ نفسه الاجل القريب

سوى عمرو وقته خصيتاه

نجا و لقلبه منها و جيب

كأن القوم لما عاينوه

خلال النقع ليس لهم قلوب

فلما سمع ذلك عمرو بن العاص غضب و قال كما في (صفين نصر) ان كان الوليد صادقا فليقف حيث يسمع صوت عليّ، و قال:

يذكّرني الوليد دعا عليّ

و بطن المرء يملؤه الوعيد

____________________

(١) الارشاد: ٥٧.

(٢) الارشاد: ٧٢.

٤٨٩

متى يذكر مشاهدة قريش

يطر من خوفه القلب الشديد

كما أن عمرا قال في رد معاوية لما شمت بكشفه و كانعليه‌السلام دعا معاوية إلى البراز فأبى:

معاوى ان ابصرت في الخيل ابا

حسن يهوى دهتك الوساوس

و ايقنت ان الموت حق و انه

لنفسك ان لم تمض في الركض حابس

فانك لو لاقيته كنت بومة

اتيح لها صقر من الجور آنس

دعاك فصمت دونه الاذن هاربا

فنفسك قد ضاقت عليها الا مالس

و ايقنت ان الموت أقرب موعد

و ان الّتي ناداك فيا الدهارس

أبى اللَّه إلاّ انه ليث غابة

أبو اشبل تهدي إليه الفرائس(١)

و في (إرشاد المفيد): و من آيات اللَّه تعالى فيهعليه‌السلام : انه لم يعهد لأحد من مبارزة الأقران، و منازلة الأبطال ما عرف لهعليه‌السلام من كثرة ذلك على مر الزمان، ثم انه لم يوجد في ممارسي الحروب الا من عرته بشر و نيل منه بجراح أو شين الا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فانه لم ينله مع طول زمان حربه جراح من عدو و لا شين، و لا وصل إليه أحد منهم بسوء حتى كان من امره مع ابن ملجم على اغتياله اياه ما كان، و هذه اعجوبة افرده اللَّه بالآية فيها.

____________________

(١) وقعة صفين: ٤١٨.

٤٩٠

و من آيات اللَّه تعالى فيهعليه‌السلام انه لا يذكر ممارس للحروب لقي فيها عدوا الا و هو ظافر به حينا و غير ظافر به حينا، و لا نال أحد منهم خصمه بجراح الا و قضى منها وقتا و عوفي منها زمانا، و لم يعهد من لم يفلت منه قرن في حرب و لا نجا من ضربته أحد فصلح منها سواه، فانه لا مرية في ظفره بكل قرن بارزه، و اهلاكه كل بطل نازله الخ( ١) .

قلت: و أما نجاة عمرو بن العاص و بسر بن ارطأة منهعليه‌السلام فانما لكشفهما عورتهما، فتركهما تكرما.

و في (أدب كتاب الصولي): القط أكثر ما يستعمل فيما وقع السيف في عرضه، و القد لما وقع في طوله، و منه قولهم كان عليّ بن أبي طالب إذا علا بسيفه شيئا قدّه، و إذا اعترضه قطّه.

و في (نهاية ابن الأثير): في الحديث «كانت ضربات عليّ بن أبي طالب مبتكرات لا عونا» أي: ان ضربته كانت بكرا يقتل بواحدة منها، و لا يحتاج أن يعيد الضربة ثانيا( ٢) .

و في (مناقب السروي): كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا خرج من بيته تبعه «أحداث المشركين يرمونه بالحجارة حتى أدموا كعبه و عرقوبه، و كان عليّعليه‌السلام يحمل عليهم فينهزمون، فنزل كأنّهم حُمر مستنفرة. فرّت من قسورة( ٣) .

و قيل لخلف الأحمر: ايما أشجع عنبسة و بسطام أم عليّعليه‌السلام ؟ فقال:

انما يذكر عنبسة و بسطام مع الناس و البشر، لا من يرتفع عن هذه الطبقة.

____________________

(١) الإرشاد: ١٦٢.

(٢) النهاية ١: ١٤٩، مادة (بكر).

(٣) مناقب السروي ٢: ٦٨. و الآيتان ٥٠ و ٥١ من سورة المدثر.

٤٩١

فقيل له: فعلى كل حال. قال: و اللَّه لو صاح في وجوههما لماتا قبل أن يحمل عليهما( ١) .

و في (فصول المرتضى): قد جاء الأثر من طرق شتى بأسانيد مختلفة عن زيد بن وهب قال: سمعت عليّاعليه‌السلام يقول و قد ذكر حديث بدر و قتلنا من المشركين سبعين و أسرنا سبعين، و كان الّذي أسر العباس رجل قصير من الأنصار، فأدركته، فالقى العباس عليّ عمامته لئلا يأخذها الأنصاري، و أحب أن أكون أنا الّذي اسرته، و جئت به إلى النبيّ، فقال الأنصاري لهصلى‌الله‌عليه‌وآله : جئتك بعمّك العباس أسيرا. فقال العباس: كذبت ما أسرني إلا ابن أخي، و لكأني بحلجته و حسن وجهه، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ان الملائكة الّذين أيدني اللَّه تعالى بهم على صورة عليّ ليكون ذلك أهيب لهم في صدور الأعداء.

و جاء عن أبي جعفر محمّد بن عليّعليه‌السلام في حديث بدر: لقد كان يسأل الجريح من المشركين فيقال له: من جرحك؟ فيقول: عليّ بن أبي طالب فاذا قالها مات( ٢) .

هذا و النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا ممن نصر بالرعب، فقد عرفت من خبر الارشاد أنه قال: نصرني ربيّ بالرعب من بين يدي مسيرة شهر. و كيف لا و قد قال تعالى: و للَّه العزة و لرسوله و للمؤمنين( ٣) .

و في (تاريخ الطبري): كان أبي بن خلف يلقى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بمكة فيقول: يا محمّد ان عندي العود أعلفه كل يوم فرقا من ذرة أقتلك عليها. فيقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : بل أنا اقتلك ان شاء اللَّه. فلما اسند النبيّ يوم احد في الشعب، أدركه

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٤٦.

(٢) الفصول المختارة ٢: ٢٣٨ و ٢٣٩.

(٣) المنافقون: ٨.

٤٩٢

أبي و هو يقول: اين محمّد لا نجوت ان نجوت. فقال القوم للنبيّ: أيعطف عليه رجل منا. قال: دعوه، فلما دنا تناول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الحربة من الحارث ابن الصمة فطعنه في عنقه، فلما رجع ابي إلى قريش، و قد خدشه في عنقه خدشا غير كبير، فاحتقن الدم قال: قتلني و اللَّه محمّد. قالوا: ذهب و اللَّه فؤادك و اللَّه ان بك بأس. قال: إن محمّدا قال لي بمكة أنا اقتلك، فو اللَّه لو بصق عليّ لقتلني، فمات بسرف في قفولهم إلى مكة( ١) .

و مثل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله القائمعليه‌السلام ، روى النعماني عن الصادقعليه‌السلام في قوله تعالى: أتى أمر اللَّه فلا تستعجلوه( ٢ ) هو أمرنا امر اللَّه تعالى الا نستعجل به،

يؤيده بثلاثة أجناد بالملائكة و بالمؤمنين و بالرعب، و خروجه كخروج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، و ذلك قوله تعالى: كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ و إنّ فريقا من المؤمنين لكارهون( ٣) .

بل كانواعليهم‌السلام كلهم كذلك، فمسلم بن عقبة الّذي كان صاحب وقعة الحرة بالمدينة، و بايع الناس على انهم عبيد ليزيد و من أبى امره على السيف،

و عامل مشائخ بني اميّة بما هو مذكور في السير، أرتعب من عليّ بن الحسينعليه‌السلام ، ففي مروج المسعودي: نظر الناس إلى عليّ بن الحسين و قد لاذ بالقبر و هو يدعو، فأتى به إلى مسرف و هو مغتاظ عليه، فتبرا منه و من آبائه،

فلما رآه و قد أشرف عليه ارتعد و قام له و أقعده إلى جانبه و قال له: سلني حوائجك، فلم يسأله في أحد ممن قدم إلى السيف الا شفعه فيه، ثم انصرف عنه.

____________________

(١) تاريخ الطبري ٢: ٢٠٠، سنة ٣.

(٢) النحل: ١.

(٣) غيبة النعماني: ١٣٢. و الآية ٥ من سورة الأنفال.

٤٩٣

إلى أن قال: و قيل لمسلم: رأيناك تسب هذا الغلام و سلفه، فلما أتى به رفع منزلته، فقال: ما كان ذلك لرأي مني، لقد ملئ قلبي منه رعبا( ١) .

و لمهابتهعليه‌السلام كان الناس يتنكبون له إذا دخل المطاف، مع ان في ذاك المقام السلطان و السوقة سواء، و يشهد له قصتهعليه‌السلام مع هشام، فقال الفرزدق فيه أبياتا منها:

يغضي حياء و يغضي من مهابته

فلا يكلّم إلاّ حين يبتسم

هذا، و من قصص الرعب ما في (تاريخ الطبري) عن شبيب الخارجي قال لأصحابه: قتلت أمس رجلين أحدهما أشجع الناس و الآخر أجبن الناس،

خرجت عشية أمس طليعة لكم، فلقيت منهم ثلاثة نفر دخلوا قرية يشترون منها حوائجهم، فاشترى أحدهم حاجته ثم خرج قبل أصحابه، و خرجت معه،

فقال: كأنك لم تشتر شيئا. فقلت: ان لي رفقاء قد كفوني ذلك. فقلت له: أين ترى عدونا هذا قد نزل؟ قال: بلغني انه نزل قريبا منا، و ايم اللَّه لوددت اني قد لقيت شبيبهم هذا. قلت: فتحب ذلك؟ قال: نعم. قلت: فخذ حذرك فأنا و اللَّه شبيب،

و انتضيت سيفي فخر و اللَّه. فقلت له: ارتفع ويحك و ذهبت أنظر، فاذا هو قد مات، فانصرفت الخبر( ٢) .

و ما في (عيون القتيبي) عن خلف الأحمر قال: كان أبو عروة السباع يصيح بالسبع و قد احتمل الشاة، فيسقط، فيموت، فيشق بطنه، فيوجد فؤاده قد انخلع.

و ما في (أغاني الاصبهاني): لقي تأبط شرا ذات يوم رجلا من ثقيف يقال له أبو وهب كان جبانا اهوج و عليه حلة جيدة، فقال لتأبط شرا: بم تغلب

____________________

(١) مروج الذهب ٣: ٧٠.

(٢) تاريخ الطبري ٥: ١٠١، سنة ٧٧.

٤٩٤

الرجل و انت كما أرى دميم ضئيل. قال: باسمي، انما أقول ساعة ألقى الرجل انا تأبط شرا، فينخلع قلبه حتى أنال منه ما أردت. قال: هل لك أن تبيعني اسمك؟ قال: نعم. قال: فبم تبتاعه. قال: بهذه الحلة و بكنيتي. قال له افعل، ففعل و قال له تأبط شرا لك اسمي و لي كنيتك، و اخذ حلته و أعطاه طمريه و في ذلك يقول:

ألا هل أتى الحسناء أنّ حليلها

تأبط شرا و اكتنيت ابا وهب

فهبه تسمى اسمي و سمّيت باسمه

فأين له صبري على معظم الخطب

و أين له بأس كبأسي و سورتي

و أين له في كل فادحة قلبي

و لبعضهم في أبي الندي:

ينال من الأعداء خوف أبي الندي

و هيبته ما لا تنال العساكر

٣ - من الخطبة (١٩٠) بعد ذكر أمر الله تعالى له بقتال الناكثين و القاسطين و المارقين و جهاده معهم:

أَنَا وَضَعْتُ فِي اَلصِّغَرِ بِكَلاَكِلِ اَلْعَرَبِ وَ كَسَرْتُ نَوَاجِمَ قُرُونِ؟ رَبِيعَةَ؟

وَ؟ مُضَرَ؟ «أنا وضعت في الصغر» هكذا في (المصرية)، و كلمة «في الصغر» زائدة لعدم وجودها في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ١ ) و عدم صحة معناها «بكلاكل» أي: صدور، و نقله ابن ميثم (بكلكل) و اشار إلى نقل ابن أبي الحديد (بكلاكل)( ٢ ) «العرب» حتى سمّوهعليه‌السلام قتّال العرب، ففي (المناقب): قال عمر بن سعد يوم

____________________

(١) توجد الكلمة في شرح ابن أبي الحديد ١٣: ١٩٧، و شرح ابن ميثم ٤: ٣٠٨.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٣: ١٩٧، و شرح ابن ميثم ٤: ٣١٢.

٤٩٥

الطف لقومه: الويل لكم أتدرون من تبارزون؟ هذا ابن أنزع البطين، هذا ابن قتّال العرب، فاحملوا عليه من كل جانب( ١) .

و وصفه بكلاكل العرب كناية عن إذلالها، كبعير تسقطه على الصدر فلا يقدر على التحرك، كما ان قولك «ألقي عليه كلكلا» كناية عن اضمحلاله له،

كبعير يسقط بصدره على انسان، قال الراجز:

لو انها لاقت غلاما طائطا

ألقى عليها كلكلا علا بطا

و حينئذ فالباء في «بكلاكل» للتعدية لا زائدة، كما قال ابن أبي الحديد و ابن ميثم( ٢ ) ، فمعنى «وضعت بالشي‏ء» غير معنى وضعت الشي‏ء.

قال ابن دريد: و ربما قالوا الكلكال في الشعر، قال دكين الراحز:

أقول إذ خرّت على الكلكال

يا ناقتي ما جلت من مجال

و قال الجوهري: الكلكل ربما جاء في الشعر مشددا، قال الشاعر:

كأن مهواها على الكلكل

موضع كفي راهب يصلي

«و كسرت نواجم» أي: طوالع (القرون) هكذا في (المصرية)، و الصواب:

«قرون» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٣ ) (ربيعة و مضر) و المراد بهما هنا القبيلتان اللتان يضرب بهما المثل في الكثرة، و الاصل فيهما مضر و ربيعة ابنا نزار بن معد بن عدنان، قال الجوهري: يقال لمضر «مضر الحمراء» و لربيعة «ربيعة الفرس» لانهما لما اقتسما الميراث اعطي مضر الذهب، و اعطي ربيعة الخيل، و يقال: كان شعار مضر في الحرب العمائم، و الرايات الحمر، و لاهل اليمن الصفر، و فسر بعضهم به

____________________

(١) مناقب السروي ٤: ١١٠.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٣: ١٩٧، و شرح ابن ميثم ٤: ٣١٢.

(٣) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٣: ١٩٧، لكن في شرح ابن ميثم ٤: ٣١٢، مثل المصرية.

٤٩٦

قول أبي تمام في وصف الربيع:

محمرة مصفرة فكأنها

عصب تيمن في الوغا و تمضر

و في (معارف ابن قتيبة): و أما مضر و ربيعة فاليهما ينسب ولد نزار،

و هم الصريح من ولد إسماعيلعليه‌السلام .

قال ابن أبي الحديد: فان قلت: أما قهره لمضر فمعلوم، فما حال ربيعة و لم نعرف انه قتل منهم أحدا؟

قلت: بلى قد قتل بيده و بجيشه كثيرا من رؤسائهم في صفين و الجمل،

فقد تقدم ذكر أسمائهم من قبل( ١) .

قلت: لا يبعد أن يريدعليه‌السلام بكسره نواجم قرون ربيعة و مضر في حروبهعليه‌السلام في غزوات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكان حروبه مع ربيعة و مضر دون اليمن، و لأنهعليه‌السلام ذكر أهل الجمل و صفين كالنهروان قبل هذا الكلام.

و في خطبة الصديقةعليها‌السلام في فدك كما رواها أحمد بن أبي طاهر البغدادي فأنقذكم اللَّه برسوله بعد اللّتيّا و الّتي، و بعد ما مني ببهم الرجال و ذؤبان العرب و مردة أهل الكتاب، كلما حشوا نارا للحرب اطفأها اللَّه، و كلما نجم قرن للضلال و فغرت فاغرة من المشركين قذف بأخيه في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه و يخمد لهبها بحده، مكدودا في ذات اللَّه قريبا من رسول اللَّه سيدا في أولياء اللَّه، و أنتم في بلهنية وادعون آمنون الخ.

و أما في صفين فكان أكثر مقتوليهعليه‌السلام من اليمن اتباع معاوية أهل الشام، فلم لم يذكرهم كما ان أكثر أتباعهعليه‌السلام كانوا من ربيعة، كما أن

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٣: ١٩٨.

٤٩٧

بعضهم من مضر، و بعضهم من اليمن، و هم مذحج و همدان، و قال كما في صفين نصر في ربيعة و مذحج:

جزى اللَّه قوما صابروا في لقائهم

لدى البأس حرت ما أعفّ و أكرما

و أحزم صبرا حين تدعى إلى الوغا

إذا كان اصوات الكماة تغمغما

ربيعة أعني انّهم أهل نجدة

و بأس إذا لاقوا خميسا عرمرما

و قد صبرت عك و لخم و حمير

لمذحج حتى لم يفارق دم دما

و نادت جذام يال مذحج ويلكم

جزى اللَّه شرا أينا كان أظلما(١)

و حتى أن معاوية كان نذر في سبي نساء ربيعة و قتل المقاتلة، فقال خالد بن معمر كما في (صفين نصر):

تمنى ابن حرب نذرة في نسائنا

و دون الّذي ينوي سيوف قواضب(٢)

و كانت ربيعة تعاقدت ألا ينظر رجل منها خلفه حتى يرد سرادق معاوية، فلما نظر معاوية إليهم قد أقبلوا قال:

إذا قلت قد ولّت ربيعة أقبلت

كتائب منهم كالجبال تجالد

و قال لعمرو: ما ترى؟ قال: أرى إلاّ تحنث أخوالي اليوم، فخلى معاوية عن سرادقه لائذا إلى بعض مضارب العسكر، و بعث إلى خالد بن المعمر ان ظفرت فلك إمرة خراسان ان لم تتم، فطمع خالد في ذلك و لم يتم، فأمّره معاوية حين بايعه على خراسان إلاّ أنه مات قبل ان يصل إليها( ٣) .

و في (صفين نصر): جمع عليّعليه‌السلام أهل همدان، فقال: يا معشر همدان، أنتم درعي و رمحي، ما نصرتم الا اللَّه، و لا أجبتم غيره، و في

____________________

(١) وقعة صفين: ٢٨٩.

(٢) وقعة صفين: ٢٩٤.

(٣) وقعة صفين: ٣٠٦.

٤٩٨

هذا اليوم قال عليّ:

و لو كنت بوابا على باب جنّة

لقلت لهمدان ادخلي بسلام(١)

و في (موفقيات الزبير بن بكار) عن عمّه مصعب بن عبد اللَّه: كان عليّ بن أبي طالب شديد الروغان من قرنه، لا يكاد أحد يتمكن منه، و كانت درعه صدرا لا ظهر لها، فقيل له: ألا تخاف أن تؤتى من قبل ظهرك فيقول: إذا أمكنت عدوّي من ظهري فلا أبقى اللَّه عليه ان أبقى عليّ.

٤ - من الكتاب (٣٦) في كتابهعليه‌السلام إلى عقيل أخيه:

وَ أَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ مِنْ رَأْيِي فِي اَلْقِتَالِ فَإِنَّ رَأْيِي قِتَالُ اَلْمُحِلِّينَ حَتَّى أَلْقَى اَللَّهَ لاَ يَزِيدُنِي كَثْرَةُ اَلنَّاسِ حَوْلِي عِزَّةً وَ لاَ تَفَرُّقُهُمْ عَنِّي وَحْشَةً وَ لاَ تَحْسَبَنَّ اِبْنَ أَبِيكَ وَ لَوْ أَسْلَمَهُ اَلنَّاسُ مُتَضَرِّعاً مُتَخَشِّعاً وَ لاَ مُقِرّاً لِلضَّيْمِ وَاهِناً وَ لاَ سَلِسَ اَلزِّمَامِ لِلْقَائِدِ وَ لاَ وَطِي‏ءَ اَلظَّهْرِ لِلرَّاكِبِ اَلْمُتَقَعِّدِ وَ لَكِنَّهُ كَمَا قَالَ أَخُو؟ بَنِي سَلِيمٍ؟

فَإِنْ تَسْأَلِينِي كَيْفَ أَنْتَ فَإِنَّنِي

صَبُورٌ عَلَى رَيْبِ اَلزَّمَانِ صَلِيبُ

يَعِزُّ عَلَيَّ أَنْ تُرَى بِي كَآبَةٌ

فَيَشْمَتَ عَادٍ أَوْ يُسَاءَ حَبِيبُ

«و أما ما سألت عنه من رأيي في القتال فان رأيي قتال المحلّين حتى ألقى اللَّه» كان عقيل كتب إليهعليه‌السلام كما في (خلفاء ابن قتيبة) بعد شخوصه من المدينة في الطريق اني خرجت معتمرا، فلقيت عائشة معها طلحة و الزبير و ذوهما متوجهون إلى البصرة قد أظهروا الخلاف، و نكثوا البيعة، و ركبوا عليك قتل عثمان، و معهم على ذلك كثير من الناس من طغامهم و أوباشهم، ثم

____________________

(١) وقعة صفين: ٤٣٧.

٤٩٩

مرّ عبد اللَّه بن أبي سرح في نحو من أربعين راكبا من أبناء الطلقاء من بني اميّة، فقلت لهم بعد أن عرفت المنكر في وجوههم: أبمعاوية تلحقون عداوة،

و اللَّه انها منكم ظاهرة غير متنكرة، تريدون بها اطفاء نور اللَّه و تغيير أمره،

فأسمعني القوم و أسمعتهم إلى أن قال بعد ذكر سماعه لما وصل إلى مكة غارة الضحاك بن قيس على الحيرة و اليمامة فظننت حين بلغني ذلك أن انصارك خذلوك، فاكتب إليّ يا ابن امي برأيك و أمرك، فان كنت الموت تريد تحملت إليك بني أخيك و ولد أبيك، فعشنا ما عشت، و متنا معك إذا مت، فو اللَّه ما أحب أن أبقى بعدك، فو اللَّه الأعز الأجل ان عيشا أعيشه بعدك في الدنيا لغير هني‏ء و لا مري‏ء و لا نجيع الخ.

فكتب إليه جوابه و فيه هذا( ١ ) ، و مرادهعليه‌السلام بالمحلين الناكثون و القاسطون.

«لا يزيدني كثرة الناس حولي عزة و لا تفرقهم عني وحشة» لما كان عقيل كتب إليهعليه‌السلام «ظننت أن انصارك خذلوك» قال هذا في جواب كلامه، و كيف لا يكونعليه‌السلام كذلك و هو أمير المؤمنين و قال تعالى في المؤمنين: و للَّه العزة و لرسوله و للمؤمنين( ٢ ) و هوعليه‌السلام سيد المتوكلين و قد قال تعالى: و من يتوكل على اللَّه فهو حسبه( ٣) .

«و لا تحسبنّ ابن أبيك و لو» هكذا في (المصرية و ابن أبي الحديد)، و في (ابن ميثم) (و ان)( ٤ ) «أسلمه» أي: تركه «الناس متضرعا متخشعا» قال الدارمي:

____________________

(١) الإمامة و السياسة ١: ٥٤.

(٢) المنافقون: ٨.

(٣) الطلاق: ٣.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٤٨، و شرح ابن ميثم ٥: ٧٧.

٥٠٠