بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٧

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 621

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 621
المشاهدات: 99181
تحميل: 8073


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 99181 / تحميل: 8073
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 7

مؤلف:
العربية

«و ان تعجزاني» هكذا في (المصرية) أخذ من (ابن أبي الحديد)،

و الصواب: «و ان تعجزا» كما في (ابن ميثم)( ١ ) «و تبقيا فما امامكما شر لكما».

في (صفين نصر): عن أبي برزة الأسلمي انهم كانوا مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ،

فسمعوا غناء، فتشرفوا له، فقام رجل فاستمع له و ذاك قبل أن يحرم الخمر فأتاهم ثم رجع فقال: هذا معاوية و عمرو بن العاص يجيب أحدهما الآخر و هو يقول:

يزال حواري تلوح عظامه

زوى الحرب عنه ان يحس فيقبرا

فرفع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يديه فقال: اللهم اركسهم في الفتنة ركسا، اللهم دعهم إلى النار دعا( ٢) .

و في (تفسير القمي) في قوله تعالى: يوم يدعّون إلى نار جهنم دعّا( ٣ ) مر النبيّ بعمرو بن العاص و الوليد بن عقبة و هما في خالط يشربان و يغنيان بهذا البيت في حمزة لما قتل:

كم من حواري تلوح عظامه

وراء الحرب أن يجر فيقبرا

فقال: اللهم العنهما، و اركسهما في الفتنة ركسا، و دعهما إلى النار دعا( ٤) .

و في (صفين نصر): دخل زيد بن أرقم على معاوية، فاذا عمرو جالس معه على السرير، فلما رأى ذلك زيد جاء حتى رمى بنفسه بينهما، فقال له عمرو: أما وجدت لك مجلسا الا أن تقطع بيني و بينه؟ فقال زيد: ان النبيّ غزا غزوة و أنتما معه، فرآكما مجتمعين، فنظر إليكما نظرا شديدا، ثم رآكما اليوم

____________________

(١) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٦١، و شرح ابن ميثم ٥: ٨٥، مثل المصرية.

(٢) وقعة صفين: ٢١٩.

(٣) الطور: ١٣.

(٤) تفسير القمي ٢: ٣٣٢.

٥٢١

الثاني و اليوم الثالث كل ذلك يديم النظر إليكما، فقال في اليوم الثالث: إذا رأيتم معاوية و عمرو بن العاص مجتمعين ففرقوا بينهما، فانهما لن يجتمعا على خير( ١) .

و في (العقد): جلس عبادة بن الصامت بين عمرو و معاوية و ذكر سببه، فقال: بينا نحن نسير في غزوة تبوك إذ نظر إليكما تشيران و أنتما تتحدثان، فالتفت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلينا و قال: إذا رأيتموهما اجتمعا ففرقوا بينهما،

فانهما لا يجتمعان على خير.

٣ - الخطبة (٨٢) مكرر و من كلام لهعليه‌السلام في ذكر عمرو بن العاص:

عَجَباً؟ لاِبْنِ اَلنَّابِغَةِ؟ يَزْعُمُ لِأَهْلِ؟ اَلشَّامِ؟ أَنَّ فِيَّ دُعَابَةً وَ أَنِّي اِمْرُؤٌ تِلْعَابَةٌ أُعَافِسُ وَ أُمَارِسُ لَقَدْ قَالَ بَاطِلاً وَ نَطَقَ آثِماً أَمَا وَ شَرُّ اَلْقَوْلِ اَلْكَذِبُ إِنَّهُ لَيَقُولُ فَيَكْذِبُ وَ يَعِدُ فَيُخْلِفُ وَ يَسْأَلُ فَيُلْحِفُ وَ يُسْأَلُ فَيَبْخَلُ وَ يَخُونُ اَلْعَهْدَ وَ يَقْطَعُ اَلْإِلَّ فَإِذَا كَانَ عِنْدَ اَلْحَرْبِ فَأَيُّ زَاجِرٍ وَ آمِرٍ هُوَ مَا لَمْ تَأْخُذِ اَلسُّيُوفُ مَآخِذَهَا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَانَ أَكْبَرُ مَكِيدَتِهِ أَنْ يَمْنَحَ اَلْقَرْمَ سَبَّتَهُ أَمَا وَ اَللَّهِ إِنِّي لَيَمْنَعُنِي مِنَ اَللَّعِبِ ذِكْرُ اَلْمَوْتِ وَ إِنَّهُ لَيَمْنَعُهُ مِنْ قَوْلِ اَلْحَقِّ نِسْيَانُ اَلْآخِرَةِ إِنَّهُ لَمْ يُبَايِعْ؟ مُعَاوِيَةَ؟ حَتَّى شَرَطَ لَهُ أَنْ يُؤْتِيَهُ أَتِيَّةً وَ يَرْضَخَ لَهُ عَلَى تَرْكِ اَلدِّينِ رَضِيخَةً أقول: رواه ابن قتيبة في (عيونه) عن زيد بن وهب مثله مع اختلاف يسير و في آخره: كان أكبر همه أن يبرقط و يمنح الناس استه قبحه اللَّه و ترحه.

____________________

(١) وقعة صفين: ٢١٨.

٥٢٢

و في (العقد): قال عليّعليه‌السلام : عجبا لابن النابغة، يزعم اني تلعابة، أعافس و امارس، أما و شر القول الكذب، انه يسأل فيلحف، و يسأل فيبخل، فاذا احمر البأس و حمي الوطيس و أخذت السيوف مآخذها من هام الرجال لم يكن له همّ إلا غرقة ثيابه، و يمنح الناس استه فضه اللَّه و ترحه.

و روى (أمالي الشيخ) عن الزبير بن بكار قال: قال عليّ بن محمّد: كان عمرو ابن العاص يقول: ان في عليّ دعابة، فبلغ ذلك عليّاعليه‌السلام فقال: زعم ابن النابغة اني تلعابة مزاحه ذو دعابة، اعافس و امارس. هيهات يمنع من العفاس و المراس ذكر الموت و خوف البعث و الحساب، و من كان له قلب. ففي هذا له عن هذا واعظ و زاجر. أما و شر القول الكذب، و انه ليحدث فيكذب، و يعد فيخلف، فإذا كان يوم البأس فأي زاجر و آمر هو ما لم تأخذ السيوف هام الرجال، فإذا كان ذلك فأعظم مكيدته في نفسه أن يمنح القوم استه( ١) .

«عجبنا» هكذا في (المصرية)، و الصواب: «عجبا» كما (في ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٢ ) «لابن النابغة» قال ابن أبي الحديد في (أنساب أبي عبيدة): اختصم أبو سفيان و العاص في عمرو يوم ولادته، فقيل لتحكم امّه، فقالت: هو من العاص. فقال أبو سفيان: أما اني لا أشك أني وضعته في رحمها، فأبت إلاّ العاص. و في ذلك يقول حسّان في هجو عمرو:

أبوك أبو سفيان لا شك قد بدت

لنا فيك منه بيّنات الدلائل

ففاخر به أما فخرت و لا تكن

تفاخر بالعاص الهجين ابن وائل

و ان الّتي في ذاك يا عمرو حكمت

فقالت رجاء عند ذاك لنائل

____________________

(١) أمالي أبي علي الطوسي ١: ١٣١.

(٢) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٦: ٢٨٠، لكن في شرح ابن ميثم ٢: ٢٦٩، مثل المصرية.

٥٢٣

من العاص عمرو تخبر الناس كلما

تجمعت الأقوام عند المحافل(١)

و في (مفاخرات الزبير بن بكار): اجتمع عند معاوية عمرو بن العاص،

و الوليد ابن عقبة، و عتبة بن أبي سفيان، و المغيرة، و قد بلغهم عن الحسنعليه‌السلام قوارص إلى أن قال فقال الحسنعليه‌السلام لعمرو: و أما أنت يا ابن العاص فإن امّك وضعتك مجهولا من عهر و سفاح، فتحاكم فيك أربعة من قريش، فغلب عليك جزارها ألأمهم حسبا، و أخسهم منصبا، ثم قال أبوك فقال: اني شانئ محمّد الأبتر فأنزل اللَّه فيه ما أنزل، و قاتلت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في جميع المشاهد،

و هجوته، و آذيته بمكة، و كدته كيدك كله، و كنت من أشد الناس له تكذيبا و عداوة، ثم خرجت تريد النجاشي مع أصحاب السفينة لتأتي بجعفر و أصحابه إلى أهل مكة، فلما اخطأك ما رجوت، و رجعك اللَّه خائبا جعلت حدّك على صاحبك عمارة بن الوليد، فوشيت به إلى النجاشي لما ارتكب من حليلتك، ففضحك اللَّه و فضح صاحبك، فأنت عدوّ بني هاشم في الجاهلية و الإسلام، ثم انّك تعلم و كل هولاء الرهط يعلمون انك هجوت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بسبعين بيتا من الشعر، فقال النبيّ: اني لا أقول الشعر و لا ينبغي لي، اللهم العنه بكل حرف لعنة، فعليك اذن من اللَّه ما لا يحصى من اللعن.

و أما ما ذكرت من أمر عثمان فأنت سعرت عليه الدنيا نارا، ثم لحقت بفلسطين، فلما أتاك قتله قلت: أنا أبو عبد اللَّه إذا نكأت قرحة أدميتها، ثم حبست نفسك على معاوية، و بعت دينك بدنياه.

إلى أن قال: ألست القائل في بني هاشم لما خرجت إلى النجاشي:

تقول ابنتي أين هذا الرحيل

و ما الستر مني بمستنكر

فقلت ذريني فاني امرؤ

اريد النجاشي في جعفر

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٦: ٢٨٥.

٥٢٤

لأكويه عنده كية

اقيم بها نخوة الأصعر

و شانئ أحمد من بينهم

و أقولهم فيه بالمنكر(١)

قلت: و في (تذكرة سبط ابن الجوزي): قال أهل السير: لما سلّم الحسنعليه‌السلام الأمر إلى معاوية أقام يتجهّز إلى المدينة، فاجتمع إلى معاوية رهط من أشياعه منهم عمرو بن العاص، و الوليد بن عقبة أخو عثمان لامه و كان عليّعليه‌السلام قد جلده في الخمر و عتبة بن أبي سفيان و قالوا: نريد أن نحضر الحسن لنخجله، فنهاهم معاوية و قال: انه السن بني هاشم، فألحّوا عليه، فأرسل إليه، فلما حضر شرعوا فتناولوا عليّا و الحسن ساكت، فلما فرغوا قال: ان الّذي أشرتم إليه قد صلى القبلتين، و بايع البيعتين و أنتم مشركون، و بما أنزل على نبيه كافرون إلى أن قال ثم التفت إلى عمرو فقال:

أما أنت يا ابن النابغة فادعاك خمسة من قريش، غلب عليك ألأمهم و فيه نزل:

إنّ شانئك هو الأبتر( ٢ ) ، و ولدت على فراش مشترك، و كنت عدوّ اللَّه و عدوّ رسوله و عدوّ المسلمين، و كنت أضرّ عليهم من كل مشرك، و أنت القائل:

و لا أنثنى عن بني هاشم

بما استطعت في الغيب و المحضر

و عن عائب اللات لا انثنى

و لو لا رضي اللات لم تمطر

إلى أن قال: أما قول الحسنعليه‌السلام لعمرو «ولدت على فراش مشترك»،

فذكر الكلبي في (المثالب) ان النابغة أم عمر و كانت من البغايا أصحاب الرايات بمكة، فوقع عليها العاص بن وائل في عدة من قريش منهم أبو لهب، و امية بن خلف، و هشام بن المغيرة، و أبو سفيان في طهر واحد، فلما حملت بعمرو تكلموا فيه، فلما وضعته اختصم فيه الخمسة الّذين ذكرناهم كل واحد يزعم

____________________

(١) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرحه ٦: ٢٨٥ و ٢٩١.

(٢) الكوثر: ٣.

٥٢٥

أنه ولده، و ألّب عليه العاص و أبو سفيان كل واحد يقول: و اللَّه انه مني، فحكما النابغة، فاختارت العاص، فقالت هو منه، فقيل لها: ما حملك على هذا و أبو سفيان اشرف من العاص؟ فقالت: هو كما قلتم الا أنه رجل شحيح،

و العاص جواد ينفق على بناتي( ١) .

و فيه في كتابة كتاب التحكيم و انكار عمرو بن العاص كتابة «هذا ما قاضى عليه أمير المؤمنين عليّ» لعدم كونه أميرهم فلا يكتب الا اسمه و اسم أبيه، قال عليّعليه‌السلام : اللَّه اكبر، اني لكاتب يوم الحديبية للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حين قالوا:

لست برسول اللَّه، فاكتب اسمك و اسم أبيك، فكتبته. فقال عمرو: سبحان اللَّه أتشبهنا بالكفار. فقال له عليّ: يا ابن النابغة و متى لم تكن للفاسقين وليا،

و للمسلمين عدوا، و هل تشبه إلاّ امك الّتي دفعت بك. فقام عمرو و قال: لا يجمع بيني و بينك مجلس بعد اليوم. فقال عليّ: ان اللَّه قد طهر مجلسي منك و من أشباهك( ٢) .

«يزعم لأهل الشام أن فيّ دعابة» أي: مزاح. قال ابن أبي الحديد اصل ذلك كلمة قالها عمر، فتلقفها حتى جعلها أعداؤهعليه‌السلام طعنا عليه.

ففي (أمالي ثعلب) قال ابن عباس: كنت عند عمر، فتنفس نفسا عاليا حتى ظننت أن اضلاعه قد انفرجت، فقلت له: ما أخرج هذا النفس منك إلاّ همّ شديد. قال: أي و اللَّه يا ابن عباس، اني فكرت، فلم أدر فيمن أجعل هذا الأمر بعدي. ثم قال: لعلّك ترى صاحبك لها أهلا. قلت: و ما يمنعه من ذلك مع جهاده و سابقته و قرابته و علمه. قال: صدقت و لكنه امرؤ فيه دعابة إلى أن قال ان أحراهم أن يحملهم على كتاب ربهم و سنة نبيهم لصاحبك، و اللَّه لئن وليها

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٢٠٠ ٢٠٥، و النقل بتلخيص.

(٢) تذكرة الخواص: ٩٧.

٥٢٦

ليحملنهم على المحجة البيضاء و الصراط المستقيم( ١) .

قلت: و ممّا يشهد أيضا أن الأصل في الكلمة عمر ما في (العقد) في قصة الشورى قال المغيرة: اني لعند عمر إذ أتاه آت، فقال له: هل لك في نفر من أصحاب النبيّ يزعمون أن الّذي فعل أبو بكر في نفسه و فيك لم يكن له، و انه كان بغير مشورة و لا تآمر إلى أن قال فقال عمر: أما و اللَّه لو لا دعابة في عليّ ما شككت في ولايته، و ان نزلت على رغم أنف قريش.

و لم يكن رمي عمر لهعليه‌السلام منحصرا بالدعابة، فرماه بالعجب و التهم،

ففي موفقيات ابن بكار عن ابن عباس قال: قال لي عمر: ان صاحبكم ان ولي هذا الأمر أخشى عجبه بنفسه أن يذهب به فليتني اراكم بعدي. قلت: ان صاحبنا من قد علمت أنه ما غيّر و لا بدّل و لا أسخط النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أيام صحبته له. فقطع عليّ الكلام و قال: و لا في ابنة ابي جهل لما أراد أن يخطبها على فاطمة.

فقلت له: صاحبنا لم يعزم على سخط النبيّ، و لكن الخواطر لا يقدر أحد على دفعها عن نفسه، و ربما كانت من الفقيه في دين اللَّه العالم بأمر اللَّه. فقال: يا ابن عباس من ظن أنه يرد بحوركم فيغوص فيها معكم حتى يبلغ قعرها فقد ظن عجزا( ٢) .

و رماه بالرياء و الحرص، فعن (أمالي محمّد بن حبيب) عن ابن عباس قال: دخلت يوما على عمر فقال: لقد أجهد هذا الرجل نفسه في العبادة حتى نحلته رياء. قلت: من هو؟ قال: هذا ابن عمك عليّ. قلت: و ما تقصد بالرياء. قال:

يرشح نفسه بين الناس للخلافة. قلت: و ما يصنع بالترشيح قد رشحه لها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فصرفت عنه. قال: انه كان شابا حدثا، فاستصغرت العرب سنه

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٦: ٣٢٦.

(٢) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرحه ١٢: ٥٠.

٥٢٧

و قد كمل الآن، ألم تعلم أن اللَّه لم يبعث نبيّا إلاّ بعد الأربعين. قلت: أما أهل الحجى و النهى فانهم ما زالوا يعدونه كاملا منذ رفع اللَّه منار الاسلام و لكنهم يعدونه محروما. فقال: أما انه سيليها بعد هياط و مياط ثم تزل فيها قدمه، و لا يقضي منها أربه، و لتكونن شاهدا ذلك، ثم يتبين الصبح لذي عينين، و تعلم العرب صحة رأي المهاجرين الاولين الّذين صرفوها عنه بادى‏ء بدء، فليتني أراكم بعدي أن الحرص محرمة الخبر( ١) .

و رماه بالكبر و الاجحاف و الغل و الحقد، فروى الطبري عن ابن عباس في قصة شعر زهير في بني سنان قال: قال لي عمر: أتدري ما منع الناس عنكم؟ قلت: لا أدري. قال: لكني أدري، كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوة و الخلافة فتجحفوا الناس جحفا، فنظرت قريش لأنفسها فاختارت و وفقت فأصابت. قال: فقلت له أتميط عني غضبك. قال: قل ما تشاء. قال: أما قولك: «ان قريشا كرهت» فان اللَّه تعالى قال: ذلك بأنهم كرهوا ما انزل اللَّه فأحبط أعمالهم( ٢ ) ، و اما قولك: «انا كنا نجحف بالخلافة» فلو كنا جحفنا بالخلافة جحفنا بالقرابة، و لكنا قوم أخلاقنا مشتقة من خلق النبيّ الّذي قال تعالى فيه:

و انك لعلى خُلق عظيم( ٣ ) ، و قال له: و اخفض جناحك لمن اتّبعك من المؤمنين( ٤ ) ، و اما قولك: «ان قريشا اختارت» فان اللَّه تعالى يقول: و ربّك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة( ٥ ) ، و قد علمت أن اللَّه تعالى اختار من خلقه لذلك من اختار، فلو نظرت قريش من حيث نظر اللَّه لها لوفقت

____________________

(١) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرحه ١٢: ٨٠.

(٢) محمّد: ٩.

(٣) القلم: ٤.

(٤) الشعراء: ٢١٥.

(٥) القصص: ٦٨.

٥٢٨

و أصابت. فقال: أبت قلوبكم يا بني هاشم إلاّ غشّا في أمر قريش لا يزول،

و حقدا عليها لا يحول. فقلت: مهلا لا تنسب قلوب بني هاشم إلى الغش، فان قلوبهم من قلب رسول اللَّه الّذي طهره و زكاه، و هم أهل البيت الّذين قال تعالى:

انّما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا( ١) .

و أما قولك: «حقدا» فكيف لا يحقد من غصب شيئه و يراه في يد غيره.

فقال: بلغني انك لا تزال تقول اخذ هذا الأمر منا حسدا و ظلما. فقلت: أما قولك حسدا فقد حسد ابليس آدم فأخرجه من الجنة فنحن بنو آدم المحسود، و أما قولك ظلما فأنت تعلم صاحب الحق من هو( ٢) .

و من المضحك أن ابن أبي الحديد قال بعد نقل ذاك الخبر: ان الأصل في كلام عمرو ابن العاص و ان كان كلام عمر، الا ان عمر لم يرد عيبهعليه‌السلام كما اراده عمرو، فان عمر لما كان شديد الغلظة وعر الجانب خشن اللمس دائم العبوس كان يعتقد أن ذلك هو الفضيلة و ان خلافه نقص، ألا ترى أنه قال في آخر الخبر: ان أحراهم ان وليها ان يحملهم على كتاب اللَّه هو الخ( ٣) .

فهل ارادة العيب أي شي‏ء هو، و أما قوله في آخر الخبر فمن اجراء اللَّه تعالى كلمة الحق على لسانه على رغم أنفه، و اتماما للحجة على اتباعه. و كان صدر منه من قبيل ذلك كثيرا، و منه ما عن موفقيات ابن بكار: كان ابن عباس يماشي في سكة من سكك المدينة عمر، فقال له يا ابن عباس ما أرى صاحبك الا مظلوما. قال: فقلت في نفسي: لا يسبقني بها فقلت: فاردد إليه ظلامته،

فانتزع يده من يدى و مضى يهمهم ساعة ثم وقف فلحقته، فقال: يا ابن عباس

____________________

(١) الاحزاب: ٣٣.

(٢) تاريخ الطبري ٣: ٢٨٩، سنة ٢٣.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ٦: ٣٢٧ و ٣٢٨، و النقل بالمعنى.

٥٢٩

ما أظن منعهم الا أنه استصغره قومه. فقلت في نفسي: هذه شر من الاولى،

فقلت: و اللَّه ما استصغره اللَّه و رسوله حين أمراه أن يأخذ براءة من صاحبك،

فأعرض عني و اسرع( ١) .

فهل ترى كلمات عمرو فيه هذه و باقي كلماته بل و جميع كلمات معاوية فيهعليه‌السلام ، و منها كتابه إلى الحسن بعد أبيهعليه‌السلام : اني اليوم كأبي بكر بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و أنت كأبيك بعده، و مادام الكبير لا يرجع الأمر إلى الصغير( ٢ ) الا مأخوذة من كلمات عمر، فهل كلمات عمر و عمرو و معاوية فيهعليه‌السلام الا كأنها عن قلب واحد.

و إذا كانت كلمات عمر فيهعليه‌السلام هذه لاغرو أن يسنّ معاوية و باقي بني امية سبّهعليه‌السلام ، و إذا قال عمر فيه انه أسخط النبيّ بخطبة ابنة أبي جهل لاغرو أن يقول المغيرة ان النبيّ لم ينكح عليّا ابنته حبا له، و لكنه أراد أن يكافى‏ء بذلك احسان أبي طالب إليه.

و كما أخذ عمرو كلمة الدعابة من عمر كذلك اخذ جملة كونهعليه‌السلام حريصا على الملك منه، فقال في مجلس معاوية للحسنعليه‌السلام كما عن مفاخرات ابن بكار انكم يا بني عبد المطلب لم يكن اللَّه ليعطيكم الملك على قتلكم الخلفاء، و استحلالكم ما حرّم اللَّه من الدماء، و حرصكم على الملك( ٣) .

هذا، و نقل ابن أبي الحديد بمناسبة قول عمرو «ان فيه دعابة» جملة ممّا ورد من طريقهم في مزاحات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله المباحة و قال: انها من الأحاديث الصحاح و الآثار المستفيضة، لكن ليس الأمر كما ذكر، ففيها الغث كما سترى،

____________________

(١) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرحه ١٢: ٤٦.

(٢) رواه أبو الفرج في المقاتل: ٣٧، و النقل بالمعنى.

(٣) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرحه ٦: ٢٨٧.

٥٣٠

فقال: روى الناس قاطبة ان النبيّ قال: اني أمزح و لا أقول الا حقا.

و في خبر أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لامرأة من الأنصار: الحقي زوجك، فان في عينه بياضا، فسعت نحوه مرعوبة فقال لها: ما دهاك؟ فأخبرته فقال لها: نعم ان في عيني بياضا لا لسوء.

و أتت عجوز من الأنصار إليهعليه‌السلام ، فسألته ان يدعو اللَّه تعالى لها بالجنة، فقال لها: ان الجنة لا تدخلها العجّز، فصاحت فتبسمصلى‌الله‌عليه‌وآله و قال انّا أنشأنا هنّ إنشاء. فجعلنا هُنّ أبكارا( ١) .

و في الخبر: ان امرأة استحملته فقال: إنّا حاملوك على ولد الناقة،

فجعلت تقول: يا رسول اللَّه و ما أصنع بولد الناقة، و هل يستطيع أن يحملني،

و هو يتبسم و يقول: لا أحملك إلاّ عليه، حتى قال لها أخيرا: و هل تلد الابل الا النوق.

و في الخبر انهصلى‌الله‌عليه‌وآله مرّ ببلال، فضربه برجله و قال أنائمة أم عمرو، فقام بلال، فضرب بيده إلى مذاكيره، فقال له: ما بالك؟ قال: ظننت اني تحولت امرأة، قيل: فلم يمزح النبيّ بعده.

و في الخبر: ان صقرا كان لصبي من الأنصار، فطار من يده، فبكى الغلام، فكان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يمر به فيقول: يا أبا عمرو ما فعل الصقر و الغلام يبكي، و كان يمازح ابنتي بنته مزاحا مشهورا، و كان يأخذ الحسينعليه‌السلام ،

فيجعله على بطنه و هو نائم على ظهره و يقول له «حزقة حزقة، ترق عين بقة».

و في (الصحيح): مرصلى‌الله‌عليه‌وآله على أصحاب الدركله لعبة للحبش و هم يلعبون و يرقصون، فقال: خذوا يا بني أرفدة جنس من الحبش يرقصون حتى يعلم اليهود و النصارى أن في ديننا فسحة.

____________________

(١) الواقعة: ٣٥ و ٣٦.

٥٣١

و في الخبر: انه سابق عائشة فسبقته، ثم سابقها فسبقها، فقال: هذه بتلك.

و ان أصحاب الزفافة و هم الراقصون كانوا يقفون على باب حجرة عائشة، فتخرج إليهم مستمعة و مبصرة، فيخرج هو من ورائها مستترا بها( ١) .

قلت: لا يدرون ما يضعون لتلك المرأة، يضعون لها ما فيه ابطال النبوة،

فان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الّذي لم يكن يؤمى بعينه فكان حكم بهدر دم عبد اللَّه بن أبي سرح بعد فتح مكة و جاء به عثمان إليه و طلب منه مرارا الامان، فسكت مدة حتى يقتله أصحابه، و لم يتفطنوا لذلك حتى قال لهم ذلك، فقالوا: كنا ننتظر ايماءك بعينك، فقال: ما كان لنبيّ الايماء( ٢ ) و في احد لما استكرهوه على الخروج عن المدينة و كان رأيه الوقوف فيها، فخرج ثم ندموا، فقالوا له:

استكر هناك فان شئت فارجع، فقال لهم: ما ينبغي لنبيّ إذا لبس لامته أن يضعها حتى يقاتل( ٣ ) ، و من قال تعالى فيه: لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبيّ و لا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض( ٤ ) ، و جعل تعالى لاحترامه التخيير له في نسائه بأن تكون من اختارت نفسها تكون بائنة منه، و جعل تعالى لاحترامه ان امرأة قالت له اعوذ باللَّه منك تكون محرمة عليه، كيف يسابق عائشة، و كيف يستتر بها لمشاهدة الرقاصين، و قد قال تعالى في وصف أهل الايمان: و إذا مرّوا باللغو مَرّوا كِراما( ٥ ) . هل يصير وضع مثل

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٦: ٣٣٠.

(٢) رواه ابن هشام في السيرة ٤: ٣٩، و الطبري في تاريخه ٢: ٣٣٥، سنة ٨، و الواقدي في المغازي ٢: ٨٥٦.

(٣) رواه ابن هشام في السيرة ٣: ١٧، و الطبري في تاريخه ٢: ١٩٠، سنة ٣، و الواقدي في المغازي ١: ٢١٤، و ابن سعد في الطبقات ٢ ق ١: ٢٦.

(٤) الحجرات: ٢.

(٥) الفرقان: ٧٢.

٥٣٢

هذه الأحاديث لامّهم سببا لرفع قوله تعالى فيها و في صاحبتها: و ان تظاهرا عليه فإن اللَّه هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين( ١) .

ثم ان ابن أبي الحديد نقل شطرا من مزاحات الصحابة و التابعين، ثم قال: و روى عن جماعة منهم اللعب بالنرد و الشطرنج، و منهم من روى عنه شرب النبيذ، و سماع الغناء المطرب، فأما أمير المؤمنينعليه‌السلام فإذا نظرت إلى كتب الحديث و السير لم تجد أحدا من خلق اللَّه عدوّا و لا صديقا روى عنه شيئا من هذا الفن لا قولا و لا فعلا، و لم يكن وقار أتمّ من وقاره، و ما هزل قط و لا لعب، و لا فارق الحق و الناموس الديني سرّا و لا جهرا، و لكنه خلق على سجية لطيفة، و أخلاق سهلة، و وجه طلق، و قول حسن، و بشر ظاهر، و ذلك من فضائلهعليه‌السلام الّتي اختصه اللَّه بمزيتها، و انما كانت غلظته فعلا لا قولا( ٢) .

قلت: و ان كان أمير المؤمنينعليه‌السلام كما قال نفسه في وصف المؤمن:

«بشره في وجهه و حزنه في قلبه»( ٣ ) إلا أنه لا بد أن يكون له مزاح لطيف كالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتى يقول عمر كرارا فيه «لو لا دعابة فيه»( ٤ ) فيأخذه منه عمرو و يزيد على قول عمر «انه تلعابة و انه يعافس و يمارس»( ٥) .

و مما روي عنهعليه‌السلام في ذلك ما في صفين نصر انه دفع الراية إلى هاشم المرقال و كان عليه درعان و قال له كهيئة المازح: أبا هاشم أما تخشى من نفسك أن تكون أعور جبانا. فقال له هاشم: ستعلم يا أمير المؤمنين و اللَّه لا لفّنّ

____________________

(١) التحريم: ٤.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٦: ٣٣٦ و ٣٣٧.

(٣) نهج البلاغة ٤: ٧٨، حكمة ٣٣٣.

(٤) رواه الجاحظ في السفيانية عنه شرح ابن أبي الحديد ١: ١٨٦، و ابن سعد كما في تلخيص الشافي ٤: ٣٧.

(٥) جاء هذا تضمينا في نهج البلاغة ١: ١٤٧، خطبة ٨٢، و تصريحا في اسانيد الخطبة.

٥٣٣

بين جماجم القوم لفّ رجل ينوي الآخرة( ١) .

و روى الشيخ أن امرأة تقدمت إلى شريح و قالت له: لي احليل ولي فرج،

تزوجني ابن عم لي و أخدمني خادما، فوطئتها فأولدتها، فأخبر شريح أمير المؤمنينعليه‌السلام بذلك، فأحضر زوجها و قال له: هذه امرأتك و ابنة عمّك؟ قال:

نعم. قال: قد أخدمتها خادما فوطئتها فأولدتها؟ قال: نعم. قال: ثم وطأتها بعد ذلك؟ قال: نعم. فقال له: لأنت أجرأ من خاصي الأسد( ٢) .

و رووا كما في ابن أبي الحديد في موضع آخر ان بعض من يأنس إليهعليه‌السلام دعاه إلى حلواء عملها يوم نوروز، فأكل و قال: لم عملت هذا؟ فقال:

لأنه يوم نوروز، فضحك و قال: نورزوا لنأكل يوم ان استطعتم( ٣) .

«و اني امرؤ تلعابة» أي: كثير اللعب «أعافس» في (الجمهرة): أصل العفس دلك الاديم في الدباغ، ثم كثر ذلك حتى قالوا «تعافس القوم» إذا اعتلجوا في صراع و نحوه، و عافس الرجل أهله معافسة و عفاسا «و أمارس» فيه مرست الشي‏ء إذا دلكته.

«لقد قال باطلا و نطق آثما» لانه يعرفهعليه‌السلام كل عدوّ و ولي بضد ما قال،

و يعلم كل من سمع ذلك أنه من خطأ المقال، فلا تأثير لتهمته و قالوا في المعنى:

ما ضرّ وائل تغلب اهجوتها

أم بلت حيث تناطح البحران

ما يضير الهجر امسي زاخرا

ان رمى فيه غلام بحجر

ما ابالي انب بالحزن تيس

ام لحاني بظهر غيب لئيم

«اما و شر القول الكذب انه ليقول فيكذب» و من أكاذيبه ما رواه سليم بن

____________________

(١) وقعة صفين: ٣٢٦.

(٢) رواه الشيخ الطوسي في التهذيب ٩: ٣٥٤ ح ٥، و النقل بتلخيص.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١١: ٢٤٨.

٥٣٤

قيس انه خطب الناس بالشام فقال: بعثني النبيّ في جيش فيه أبو بكر و عمر،

فظننت أنه انما بعثني لكرامتي عليه، فلما قدمت عليه قلت أي الناس أحب إليك؟

قال: عائشة. فقلت: من الرجال؟ فقال: أبوها و عليّ يطعن على أبي بكر و عمر و عثمان و قد سمعت النبيّ يقول: ان اللَّه ضرب بالحق على لسان عمر و قلبه.

و قال في عثمان: ان الملائكة تستحيي من عثمان.

و قد سمعت عليّا باذني و الا فصمتا يروي على عهد عمر أن النبيّ نظر إلى أبي بكر و عمر مقبلين فقال: يا عليّ هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأوّلين و الآخرين، ما خلا النبيين منهم و المرسلين، و لا تحدثهما بذلك فيهلكا.

فبلغ كلامه و خطبته عليّاعليه‌السلام فقام فقال: العجب لطغاة أهل الشام حيث يقبلون قول عمرو و يصدقونه، و قد بلغ من قلة ورعه أن يكذب على النبيّ، و قد لعنه النبيّ و لعن صاحبه الّذي يدعو إليه في غير موطن، و ذلك أنه هجاه بقصيدة سبعين بيت، فقال النبيّ: اللهم اني لا أقول الشعر فالعنه انت و ملائكتك بكل بيت لعنة تترى على عقبه إلى يوم القيامة، ثم لما مات إبراهيم ابن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قام فقال: ان محمّدا قد صار أبتر لا عقب له و اني لأشنأ الناس له، فأنزل اللَّه فيه: انّ شانئك هو الأبتر( ١ ) ، يعنى أبتر من الايمان و من كل خير، ما لقيت هذه الامة من كذابيها و منافقيها، و لكأني بالقراء الضعفة المتهجدين رووا حديثه و صدقوه فيه و احتجوا علينا أهل البيت بكذبه.

إلى أن قال: و الّذي فلق الحبة و برأ النسمة انه ليعلم أنه قد كذب عليّ يقينا، و انه لم يسمعه مني سرا و لا جهرا، اللهم العن عمروا و العن معاوية بصدّهما عن سبيلك و كذبهما على نبيك( ٢) .

____________________

(١) الكوثر: ٣.

(٢) كتاب سليم بن قيس: ١٧٢.

٥٣٥

قلت: و لم يصدق من حديثه الا قوله بعثني النبيّ في جيش فيه أبو بكر و عمر، فانهعليه‌السلام بعثه أميرا عليهما، و اما باقيه فكذب محض حتى في قوله «فظننت انه انما بعثني لكرامتي عليه»، فانه علم انهعليه‌السلام أمّره عليهما ليفهم الناس عدم كرامتهما عليه، كما أنه امر عليهما مولاه زيد بن حارثة و ابن مولاه اسامة بن زيد ليعلم الناس ذلك، فطعناهما و اتباعهما في تأميرهما حتى خطب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و قال: طعنتم في امارتهما و هما أهل لذلك، و كذبه في حديثه كما قيل في أبي حازم:

حديث أبي حازم كله

كقول الفواخت جاء الرطب

و هنّ و ان كنّ يشبهنه

فليس يدانينه في الكذب

و كذبه عليهعليه‌السلام نظير كذب عمرو بن معديكرب على خالد النهدي، ففي الأغاني قال المبرد: كانت الاشراف بالكوفة يخرجون إلى ظاهرها يتناشدون الأشعار و يتحدثون و يتذاكرون أيام الناس، فوقف عمرو بن معديكرب إلى جانب خالد بن الصقعب النهدي و هو لا يعرفه فأقبل عليه يحدثه و يقول:

أغرت على بني نهد، فخرجوا إلي مسترعفين بخالد بن الصقعب يقدمهم،

فطعنته فوقع و ضربته بالصمصامة حتى فاضت نفسه. فقال له خالد: يا أبا ثور أنا لمقتولك الّذي تحدث. فقال: اللهم غفرا اسمع انما نتحدث بمثل هذا و أشباهه لترهب هذه المعدية الخبر.

الا أن عمروا ذاك خجل و عمروا هذا لم ينفعل، و عمرو ذاك تحدث بما حدث لارهاب المعدية، و عمرو ذا حدث بما حدث لتحميق الشامية.

هذا، و ممن كان مشهورا بالكذب عليّ بن الجهم الشاعر الناصبي، حتى قال المتوكل كما في الأغاني انه أكذب خلق اللَّه، حفظت عليه انه أخبرني انه أقام بخراسان ثلاثين سنة، ثم مضت مدة و نسي ما أخبرني به، فأخبرني انه

٥٣٦

أقام بالثغور ثلاثين سنة، ثم مضت مدة نسي الحكايتين، فأخبرني انه أقام بالجبل ثلاثين سنة، ثم مضت مدة، فأخبرني أنه أقام بمصر و الشام ثلاثين سنة إلى أن قال فيجب أن يكون عمره على ما قال على التقليل مائة و خمسين سنة، و انما يضاهي خمسين سنة فليت شعري أي فائدة له في هذا الكذب و ما قصده.

و كان عليّ بن الجهم في الوقاحة كعمرو بن العاص، فكما لم يستحي عمرو في كذبه عليهعليه‌السلام في حضوره لم يستحي ابن الجهم في كذبه على الصولي، ففي الأغاني قال ابن المدبر لابراهيم الصولي: ان عليّ بن الجهم و كان عند الصولي يزعم أن هذين البيتين له:

و اذا جزى اللَّه أمرءا بفعاله

فجرى أخا لي ماجدا سمحا

ناديته عن كربة فكأنما

اطلعت عن ليل به صبحا

فقال: كذب، هذان لي في محمّد بن عبد الملك الزيات. فقال له ابن الجهم:

ألم أنهك ان تنتحل شعري، فغضب الصولي و جعل يقول له بيده سوءة عليك سوءة لك ما أوقحك و هو لا يخجل ثم التقينا بعد مدة فقال: ارأيت كيف أخزيت إبراهيم الصولي، فجعلت اعجب من صلابه وجهه.

«و يعد فيخلف» و من أمثالهم في من يخلف الوعد «مواعيد عرقوب»( ١) ،

قالوا: كان عرقوب رجلا من العماليق، فأتاه أخ له يسأله شيئا، فقال له عرقوب:

إذا اطلع نخلي، فلما اطلع نخله أتاه، فقال: إذا أبلح، فلما أبلح أتاه، فقال: إذا أزهى،

فلما أزهى أتاه، فقال: إذا أرطب، فلما أرطب أتاه، فقال: إذا صار تمرا، فلما صار تمرا أخذه من الليل و لم يعطه شيئا.

و قالوا: قدم صديق لدعبل من الحج، فوعده أن يهدي له نعلا، فأبطأت

____________________

(١) أورده الميداني في مجمع الامثال ٢: ٣١١.

٥٣٧

عليه، فكتب إليه:

وعدت النعل ثم صدفت عنها

كأنك تبتغي شتما و قذفا

فان لم تهدلي نعلا فكنها

إذا أعجمت بعد النون حرفا

أي أنت نغل بجعل عينها غينا، و النغل فاسد النسب.

و وعد رجل الأعمش فأخلفه، فلما جاءه قال له: مرحبا يا أبا المنذر. قيل له: ما هذا كنيته؟ قال: علمت لكن كنيّته بكنية مسيلمة أي الكذاب.

و في (الصحاح): الخلف بالضم الاسم من الخلاف، و كان أهل الجاهلية يقولون: «أخلفت النجوم» إذا أمحلت فلم يكن فيها مطر، و الخلف في المستقبل كالكذب في الماضي.

و لبديع الهمداني في وصف شيخ كان يخلف وعده: ما أشبه وعد الشيخ في الخلاف، الا بشجر الخلاف، خضرة في العين، و لا ثمرة في البين، فما ينفع الوعد، و لا انجاز من بعد، و مثل الوعد مثل الرعد ليس له خطر أن لم يتله مطر.

«و يسأل فيلحف» الالحاف الالحاح كان معاوية ولي عبد الرحمن بن ام الحكم اخته الكوفة، فأساء السيرة بها، فقدم قادم منها إلى المدينة، فسألته امرأة عبد الرحمن عنه فقال: تركته يسأل الحافا، و ينفق اسرافا.

قال تعالى في وصف فقراء المؤمنين: لا يسألون الناس الحافا( ١ ) و قال الباقرعليه‌السلام لمحمد بن مسلم الثقفي: لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحدا، و لو يعلم المعطي ما في العطية مارد أحد أحدا( ٢) .

و قال الصادقعليه‌السلام لأبي بصير الاسدي: جاءت فخذ من الأنصار إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا: لنا إليك حاجة. فقال: هاتوا. قالوا: حاجة عظيمة تضمن لنا

____________________

(١) البقرة: ٢٧٣.

(٢) أخرجه الكليني في الكافي ٤: ٢٠ ح ٢، و الصدوق في الفقيه ٢: ٤١ ح ٣٠.

٥٣٨

على ربّك الجنة. فنكس النبيّ رأسه ثم نكت في الأرض ثم رفع رأسه فقال:

أفعل ذلك بكم على أن لا تسألوا أحدا شيئا. فكان الرجل منهم في السفر فيسقط سوطه فيكره أن يقول لانسان ناولنيه فرارا من المسألة و ينزل فيأخذه، و يكون على المائدة فيكون بعض الجلساء أقرب إلى الماء منه فلا يقول ناولني حتى يقوم فيشرب( ١) .

«و يسأل فيبخل» قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : و أي داء أدوى من البخل، و لو يعلم الناس ما في الرد مارد أحد أحدا( ٢) .

«و يخون العهد» فأخذ من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله راية، و عهد معه ألا يقاتل بها مسلما، فخان و قاتل مع من كان نفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

و في (كنايات الجرجاني): يسمّون سورة المائدة سورة الأخيار،

و قولهم فلان لا يقرأ سورة الأخيار، يعني لا يفي بالعهد، قال جرير:

ان البعيث و عبد آل مقاعس

لا يقرءان سورة الاخيار

«و يقطع الالّ» أي: القرابة و الرحم، قال حسان:

لعمرك ان إلكّ من قريش

كإلّ السقب من رأل النعام(٣)

«فإذا كان عند الحرب فأي زاجر و آمر هو ما لم تأخذ السيوف مآخذها» في (صفين نصر): لما عبأ معاوية خيله، و عقد الألوية، و أمّر الامراء، و كتّب الكتائب، قال عمرو بن العاص له: اعصب هذا الأمر برأسي، و أرسل إلى ابي الأعور يقولوا له: ان لعمرو رأيا و تجربة ليسا لي و لك، و قد وليته أعنة الخيل

____________________

(١) اخرجه الكليني في الكافي ٤: ٢١ ح ٥، و الصدوق في الفقيه ٢: ٤١ ح ٣١.

(٢) اما صدر ذلك فحديث مشهور نبوي اخرجه الكليني في الكافي ٤: ٤٤ ح ٣، و الحاكم في المستدرك ٣: ٢١٩،

و القاضي القضاعي في شهاب الاخبار: ١٢٢ ح ٢٢٤، و غيرهم و اما ذيله فقد روى معناه عن الباقرعليه‌السلام الكليني في الكافي ٤: ٢٠ ح ٢، و الصدوق في الفقيه ٢: ٤١ ح ٣٠.

(٣) أورده لسان العرب ١١: ٢٦، مادة (الّ).

٥٣٩

ففعل إلى أن قال فقال عمرو لابنيه عبد اللَّه و محمّد: قد مالي هذه الدرع، و أخرا عني هذه الحسر، و أقصا الصف قص الشارب، فان هؤلاء قد جاؤوا بخطة بلغت السماء، فمشي ابناه براياتهما و عدلا الصفوف، و سار بينهما عمرو حتى عدل الصفوف و أحسن الصف ثانية، ثم حمل قيسا و كلبا و كنانة على الخيول، و رجل سائر الناس، و قعد على منبره، و أحاط به أهل اليمن و قال:

لا يقربن أحد هذا المنبر إلاّ قتلتموه كائنا من كان( ١) .

و في (صفين نصر): ان الحسنعليه‌السلام لما سلم الأمر إلى معاوية أشخص عبد اللَّه بن هاشم المرقال إليه أسيرا، فأدخل عليه و عنده عمرو بن العاص،

فقال عمرو لمعاوية: هذا المحتال ابن المرقال، فدونك الضب المضب، فان العصا من العصية، و انما تلد الحية حية، و جزاء سيئة سيئة مثلها، أمكني منه فأشخب أو داجه على أثباجه. فقال له ابن المرقال: فهلا كانت هذه الشجاعة منك يا بن العاص أيّام صفين حين ندعوك إلى النزال، و قد اتبلت أقدام الرجال من نقيع الجريال أي الدم و قد تضايقت بك المسالك، و أشرفت فيها على المهالك، و ايم اللَّه لو لا مكانك من معاوية انشبت لك مني حافية، أرميك من خلالها أحد من وقع الأثافي، فانك لا تزال تكثر في هوسك، و تخبط في دهسك،

و تنشب في مرسك، خبط العشواء في الليلة الخندس الظلماء. فأعجب معاوية ما سمع من كلامه، فكف عن قتله و بعث به إلى السجن( ٢) .

و رواه (المروج) و فيه: قال لعمرو: أفلا كان هذا منك إذ تحيد عن القتال،

و نحن ندعوك إلى النزال، و أنت تلوذ بشمال النطاف و عقائق الرصاف، كالامة السوداء و النعجة القوداء لا تدفع يد لامس. فقال له عمرو: لا أحسبك منفلتا من

____________________

(١) وقعة صفين: ٢٢٤.

(٢) وقعة صفين: ٣٤٨.

٥٤٠