بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٧

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 621

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 621
المشاهدات: 99158
تحميل: 8073


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 99158 / تحميل: 8073
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 7

مؤلف:
العربية

قال ابن أبي الحديد «غدرة و فجرة و كفرة» على فعلة، أي بالضم فالفتح،

أي كثير الغدر و الفجور و الكفر، و كل ما كان على البناء فهو الفاعل، فان سكنت العين فهو المفعول، تقول «رجل ضحكة» أي يضحك، و «ضحكة» أي يضحك منه، و «سخرة» يسخر، و «سخرة» يسخر به، و روى الجميع على «فعلة» للمرة الواحدة، و تبعه الخوئي و زاد: و في بعض النسخ: روى الجميع على «فعلة» بفتحتين جمع فاعل( ١) .

قلت: ان ابن أبي الحديد قاس هذه على «ضحك و سخر»، فان التفصيل انما ذكره الجوهري في ضحك و سخر، و لم يقل انه يطرد في كل فعل، كما أن ما زاده الخوئي خطأ، لانه في معنى و لكن كل غادرين فاجرون و كل فاجرين كافرون، و لا معنى له، فيتعين أن تكون بلفظ فعلة مرة.

«و لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة» و روى (الخصال) عنهعليه‌السلام قال:

في جهنم رحى تطحن، طحنها العلماء الفجرة، و القراء الفسقة، و الجبابرة الظلمة، و الوزراء الخونة، و العرفاء الكذبة، و ان في النار لمدينة يقال لها الحصينة فيها أيدي الناكثين( ٢) .

«و اللَّه ما استغفل بالمكيدة و لا استغمز بالشديدة» في (الخلفاء) و غيره:

ذكروا أن معاوية قال لجرير لما بعثهعليه‌السلام لاخذ البيعة منه: اني قد رأيت رأيا.

قال: هات. قال: اكتب إلى عليّ أن يجعل لي الشام و مصر جباية فان حضرته الوفاة لم يجعل لاحد من بعده في عنقي بيعة و أسلم إليه الأمر، و اكتب إليه بالخلافة. فقال له جرير: أكتب، فكتب إليهعليه‌السلام ذلك، فكتب إلى جرير: انما أراد معاوية بما طلب ألا يكون لي في عنقه بيعة، و ان يختار من أمره ما يحب، و أراد

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٠: ٢١١، و شرح الخوئي ٦: ١٠٧.

(٢) الخصال ١: ٢٩٦ ح ٦٥.

٥٨١

أن يريثك و يبطئك حتى يذوق أهل الشام، و قد كان المغيرة اشار عليّ و أنا بالمدينة أن استعمله على الشام فأبيت ذلك عليه. قالوا: و فشا كتاب معاوية في العرب، فكتب إليه الوليد بن عقبة أخو عثمان لامه أبياتا منها:

أمثل عليّ تعتريه بخدعة

و قد كان ما جربت من قبل كافيا

و كتب إليه أبياتا أخر منها:

فانّ عليّا غير ساحب ذيله

على خدعة ما سوّغ الماء شاربه

و كتب إليه أبياتا أخر منها:

فانك و الكتاب إلى عليّ

كدابغة و قد حلم الاديم(١)

و في (صفين نصر) بعد ذكر سبق معاوية على الفرات، ثم غلبة أصحابهعليه‌السلام عليه بالحرب و كتب معاوية في سهم «من عبد اللَّه الناصح يخبركم أن معاوية يريد أن يفجّر عليكم الفرات فيغرقكم، فخذوا حذركم»، ثم رمى بالسهم في عسكرهعليه‌السلام ، فوقع في يد أحدهم، فقرأه ثم اقرأه صاحبه ثم آخر، فقالوا: هذا أخ لنا ناصح كتب إلينا يخبرنا بما أراد معاوية فينا، و قد كان معاوية بعث مائتي رجل من الفعلة إلى عاقول من النهر بأيديهم المرور و الزبيل يحفرون فيها بحيال عسكرهعليه‌السلام ، فقال عليّ لاصحابه: و يحكم ان الّذي يعالج معاوية لا يستقيم له و لا يقوم عليه، و انما يريد أن يزيلكم عن مكانكم، فالهوا عن ذلك و دعوه. فقالوا له: هم و اللَّه يحفرون الساعة. فقال لهم:

يا أهل العراق لا تكونوا ضعفى، ويلكم لا تغلبوني على رأيي. فقالوا: و اللَّه لنرتحلن، فان شئت فأقم و ان شئت فارتحل، فارتحلوا فارتحلعليه‌السلام في أخريات الناس و هو يقول:

و لو اني اطعت عصبت قومي

إلى ركن اليمامة أو شآم

____________________

(١) الامامة و السياسة ١: ٩٥، و وقعة صفين: ٥٢.

٥٨٢

و لكني إذا أبرمت أمرا

منيت بخلف آراء الطغام

فارتحل معاوية حتى نزل على معكسر عليعليه‌السلام الّذي كان فيه( ١) .

و فيه: لما رفع أهل الشام المصاحف على الرماح يدعون إلى حكم القرآن قالعليه‌السلام : عباد اللَّه أنا أحق من أجاب إلى كتاب اللَّه، و لكن معاوية،

و عمرو بن العاص، و ابن أبي معيط، و حبيب بن مسلمة، و بان أبي سرح ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن، اني أعرف بهم منكم، صحبتهم أطفالا،

و صحبتهم رجالا، فكانوا شر اطفال و شر رجال، انها كلمة حق يراد بها باطل،

انهم و اللَّه ما رفعوها أنهم يعرفونها و يعملون بها، و ما رفعوها لكن الا خديعة و مكيدة، أعيروني سواعدكم و جماجمكم ساعة واحدة، فقد بلغ الحق مقطعه،

و لم يبق الا أن يقطع دابر الّذين ظلموا. فجاءهعليه‌السلام زهاء عشرين ألفا مقنعين في الحديد شاكّي السلاح سيوفهم على عواتقهم و قد سودت وجوههم يتقدمنهم مسعر بن فدكي، و زيد بن حصين، و عصابة من القراء الّذين صاروا خوارج بعد، فنادوه باسمه لا بأمرة المؤمنين «أجب القوم إلى كتاب اللَّه إذ دعيت إليه و الا قتلناك كما قتلنا ابن عفان، فو اللَّه لنفعلنها ان لم تجبهم» فقال لهم: ويحكم أنا أول من دعا إلى كتاب اللَّه و أول من أجاب إليه، و ليس يحل لي و لا يسعني في ديني أن ادعى إلى كتاب اللَّه فلا أقبله، اني انما أنا أقاتلهم ليدينوا بحكم القرآن، فانهم قد عصوا اللَّه في ما امرهم فيه، و نقضوا عهده، و نبذوا كتابه، و لكني قد أعلمتكم أنهم قد كادوكم، و أنهم ليسوا العمل بالقرآن يريدون( ٢) .

و فيه: و لما أجبروهعليه‌السلام على أن يضع حكمين قال لهم: ان معاوية لم

____________________

(١) وقعة صفين: ١٩٠.

(٢) وقعة صفين: ٤٨٩.

٥٨٣

يكن ليضع لهذا الأمر أحدا أوثق برأيه و نظره من عمرو بن العاص، و اللَّه لا يصلح للقرشي إلاّ مثله، فعليكم بعبد اللَّه بن عباس، فارموه به، فان عمرا لا يعقد عقدة الا حلها عبد اللَّه، و لا يحل عقدة الا عقدها، و لا يبرم أمرا الا نقضه، و لا ينقض أمرا الا أبرمه. فقال الأشعث: و اللَّه لا يحكم فينا مضريان حتى تقوم الساعة، و لكن اجعله رجل من أهل اليمن إذ جعلوا رجلا من مضر. فقالعليه‌السلام :

اني أخاف أن يخدع يمنيّكم، فان عمرا ليس من اللَّه في شي‏ء إذا كان له في أمر هوى. فقال الأشعث: و اللَّه لان يحكما ببعض ما نكره و أحدهما من أهل اليمن أحب إلينا من أن يكون ما نحب في حكمهما و هما مضريان.

إلى أن قال: فقالعليه‌السلام قد أبيتم الا أبا موسى؟ قالوا: نعم. قال: فاصنعوا ما أردتم( ١) .

٦ - الكتاب (٤٨) و من كتاب لهعليه‌السلام إلى معاوية:

وَ إِنَّ اَلْبَغْيَ وَ اَلزُّورَ يُذِيْعَانِ بِالْمَرْءِ فِي دِينِهِ وَ دُنْيَاهُ وَ يُبْدِيَانِ خَلَلَهُ عِنْدَ مَنْ يَعِيبُهُ وَ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ غَيْرُ مُدْرِكٍ مَا قُضِيَ فَوَاتُهُ وَ قَدْ رَامَ أَقْوَامٌ أَمْراً بِغَيْرِ اَلْحَقِّ فَتَأَلَّوْا عَلَى اَللَّهِ فَأَكْذَبَهُمْ فَاحْذَرْ يَوْماً يَغْتَبِطُ فِيهِ مَنْ أَحْمَدَ عَاقِبَةَ عَمَلِهِ وَ يَنْدَمُ مَنْ أَمْكَنَ اَلشَّيْطَانَ مِنْ قِيَادِهِ فَلَمْ يُجَاذِبْهُ وَ قَدْ دَعَوْتَنَا إِلَى حُكْمِ؟ اَلْقُرْآنِ؟ وَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِهِ وَ لَسْنَا إِيَّاكَ أَجَبْنَا وَ لَكِنَّا أَجَبْنَا؟ اَلْقُرْآنَ؟ فِي حُكْمِهِ وَ اَلسَّلاَمُ أقول: رواه (صفين نصر بن مزاحم) مع كلام معاوية الّذي هذا جوابه مع زيادة، فقال: بعث معاوية أبا الاعور السلمي على برذون أبيض، فسار بين

____________________

(١) وقعة صفين: ٥٠٠.

٥٨٤

صف أهل العراق و صف أهل الشام، و المصحف على رأسه و هو يقول: كتاب اللَّه بيننا و بينكم، و أرسل معاوية إلى عليّعليه‌السلام : ان هذا الأمر قد طال بيننا، و كل منا يرى أنه على الحق فيما يطلب من صاحبه، و لن يعطي واحد منّا الطاعة للآخر، و قد قتل فيما بيننا بشر كثير، و أنا أتخوف أن يكون ما بقي أشد مما مضى، و انا نسأل عن ذلك الموطن و لا يحاسب به غيري و غيرك، فهل لك في امر لك و لنا فيه حياة و عذر و صلاح للامة أن يحكم بيننا و بينكم حكمان رضيان أحدهما من أصحابي و الآخر من أصحابك، فيحكمان بما في كتاب اللَّه بيننا، فانه خير لي و لك و أقطع لهذه الفتن، فاتّق اللَّه فيما دعيت إليه و ارض بحكم القرآن ان كنت من أهله.

قال: فكتب إليه عليّعليه‌السلام : أما بعد فان أفضل ما شغل به المرء نفسه اتباع ما حسن به فعله و يستوجب فضله و يسلم من عيبه، و ان البغي و الزور يزريان بالمرء في دينه و دنياه، و يبديان من خلله عند من يعنيه ما استرعاه اللَّه ما لا يغني عنه تدبيره، فاحذر الدنيا، فانه لا فرح في شي‏ء وصلت إليه منها،

و لقد علمت انك غير مدرك ما قضى فواته، و قد رام قوم أمرا بغير الحق،

فتأولوا على اللَّه، فأكذبهم و متعهم قليلا، ثم اضطرهم إلى عذاب غليظ، فاحذر يوما يغتبط فيه من أحمد عاقبة عمله، و يندم من أمكن الشيطان من قياده و لم يحاده، فغرته الدنيا و اطمأن إليها. ثم انك قد دعوتني إلى حكم القرآن، و لقد علمت انك لست من أهل القرآن و لست حكمه تريد و اللَّه المستعان، و قد أجبنا القرآن إلى حكمه و لسنا اياك أجبنا، و من لم يرض بحكم القرآن فقد ضل ضلالا بعيدا( ١) .

____________________

(١) وقعة صفين: ٤٩٣.

٥٨٥

و كذلك نقله ابن أبي الحديد عن صفين ابن ديزيل( ١) .

«و ان البغي و الزور» أي: الكذب و الباطل «يذيعان» نقله ابن أبي الحديد( ٢ ) (يوثغان) أي يهلكان، و من الغريب أن ابن ميثم تبعه و قال نسخة الرضي «يذيعان»( ٣ ) فهل هو شرح غير كتاب الرضي، و انما كان عليه ان يقول في نسختي من النهج هكذا، و لعل في نسخة اخرى غيّره المصنّف و قال «يذيعان»، و كيف كان فقد عرفت ان في المستند «يزريان»( ٤ ) ، و الازراء التهاون. و ان صح ما نقله المصنف فلعله من اذاع القوم ما في الحوض أي شربوه، لا من أذاع الخبر أي: أفشاه «بالمرء» هكذا في (المصرية)، و الصواب:

«المرء» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٥) .

«في دينه و ديناه و يبديان» أي: يظهران «خلله عند من يعيبه» قد عرفت أن نصرا رواه «من خلله عند من يغنيه» مع زيادة «ما استرعاه اللَّه ما لا يغني عنه تدبيره»( ٦ ) ، و عليه ففاعل يعنيه «ما استرعاه اللَّه»، و يكون «ما لا يغني» مفعوله.

«و قد علمت أنك غير مدرك ما قضى فواته» مرادهعليه‌السلام بما قضى فواته الدنيا الّتي قضى اللَّه فواتها عن كل أحد، فقد عرفت أن نصرا زاد قبله «فاحذر الدنيا فانه لا فرح في شي‏ء وصلت إليه منها»( ٧) .

و في (الكامل) بعد ذكر فتح عبد الملك الكوفة و قتل مصعب صنع عمرو ابن حريث له طعاما كثيرا في الخورنق، و اذن عبد الملك اذنا عاما،

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٢: ٢٢٥.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٧: ١٢.

(٣) شرح ابن ميثم ٥: ١٢٤.

(٤) وقعة صفين: ٤٩٣، و شرح ابن أبي الحديد ٢: ٢٢٦.

(٥) شرح ابن أبي الحديد ١٧: ١٢، و شرح ابن ميثم ٥: ١٢٤.

(٦) و (٧) وقعة صفين: ٤٩٣.

٥٨٦

فدخل الناس و أخذوا مجالسهم، فدخل عمرو بن حريث، فأجلسه معه على سريره، ثم جاءت الموائد، فأكلوا فقال عبد الملك: ما الذّ عيشنا لو دام و لكنا كما قال الأوّل:

و كلّ جديد يا اميم إلى بلى

و كل امرئ يوما يصير إلى كان

فلما فرغوا من الطعام طاف عبد الملك في القصر و عمرو بن حريث معه و هو يسأله لمن هذا البيت و من بنى هذا البيت و عمرو يخبره فقال عبد الملك:

اعمل على مهل فانك ميت

و اكدح لنفسك أيها الانسان

فكأن ما قد كان لم يك إذ مضى

و كأن ما هو كائن قد كان(١)

«و قد رام» أي: طلب «أقوام أمرا بغير الحق فتأولوا على اللَّه فأكذبهم» قد عرفت أن نصرا زاد بعده «و متعهم قليلا ثم اضطرّهم إلى عذاب غليظ»( ٢) .

و مرادهعليه‌السلام بالاقوام المتقدمون عليه، فلم يكن قبل معاويه في ذاك العصر من رام أمرا بوصفهعليه‌السلام غير الرجلين، و لم يكن معاوية يعد نفسه دونهما، فانه من حيث النسب كان من بني عبد مناف الذين لم يكن في قريش أشرف منهم، و من حيث التدبير و السياسة كان فوقهما، و كثيرا ما كان معاوية أيام عثمان في الدفاع عنه، و كان عثمان مع معاوية و باقي بني امية كنفس واحدة، يجعل نفسه فوق تيم و عدي، و أمير المؤمنينعليه‌السلام و ان كان يتقي من التصريح بالطعن فيهما عند العامة الا أنه يفعل ذلك بالتلويح لمعاوية، فإن للخواصّ مكالماتهم عند أنفسهم غير مكالماتهم عند العوام يبدي كل منهم ما في نفسه للآخر، و كل منهم يعرف الآخر و اعتقاداته و آرائه،

و قد قال الحسنعليه‌السلام في مجلس معاوية و خواصه للمغيرة: ان عمر عطل حد

____________________

(١) كامل ابن الأثير ٤: ٣٣١، سنة ٧١.

(٢) وقعة صفين: ٤٩٤.

٥٨٧

اللَّه في حقك، و ان اللَّه تعالى يسائله عن ذلك( ١ ) ، و لم يمكنهعليه‌السلام أن يقول ذلك في الملأ.

و كان معاوية يسعى ان يأخذ من أمير المؤمنين و من أهل بيته تصريحا في كتاب أو في ملأ بالطعن فيهما عند العامة، كما يظهر ذلك من كثير من كتب معاوية إلى عليّ، و في كتابه إلى الحسن «و صرحت بتهمة أبي بكر و عمر»( ٢) .

و تأولهم الّذي قالعليه‌السلام كونهم صاحب الغار و ادعاء ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمرهم بالصلاة بالناس في مرضه، فبهذين الأمرين تمسك عمر لاستخلاف أبي بكر.

و قال الراوندي كما نقل ابن ميثم عنه معنى قولهعليه‌السلام «و قد رام أقوام أمرا بغير الحق فتأولوا على اللَّه فأكذبهم» انه قد طلب قوم أمر هذه الامة،

فتأولوا القرآن كقوله تعالى: أطيعوا اللَّه و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم( ٣ ) فسموا من نصبوه من الأمراء أولي الأمر متحكمين على اللَّه،

فأكذبهم اللَّه بكونهم ظالمين بغاة، و لا يكون الوالي من قبل اللَّه تعالى كذلك( ٤) ،

و هو قريب مما قلنا.

هذا، و نقل ابن أبي الحديد بدل قوله فتأولوا «فتألوا» و قال أي حلفوا،

من الالية أي اليمين، أي من أقسم تجبرا «لا فعلن كذا» أكذبه اللَّه و لم يبلغ أمله. ثم قال: و قد روى «تأولوا على اللَّه» أي حرفوا الكلم، و تعلقوا بشبهة في تأويل القرآن انتصارا لمذاهبهم، فأكذبهم اللَّه بأن أظهر للعقلاء

____________________

(١) رواه الزبير بن بكار في المفاخرات عنه شرح ابن أبي الحديد ٦: ٢٩٤.

(٢) رواه أبو الفرج في المقاتل: ٣٦.

(٣) النساء: ٥٩.

(٤) شرح الراوندي ٣: ١٦١، و شرح ابن ميثم ٥: ١٢٥.

٥٨٨

فساد تأويلاتهم، و الأوّل أصح( ١) .

قلت: بل الثاني هو الصحيح، فلم نجد غيره و لم ينقل غير الراوندي و ابن ميثم( ٢ ) ، و نسخة ابن ميثم بخط مصنفه، و قد عرفت أن مستنده أيضا بذاك اللفظ.

«فاحذر يوما» و المراد به يوم القيامة «يغتبط» بلفظ المعلوم، من غبطته فاغتبط، قال «و بينما المرء في الاحياء مغتبط»( ٣ ) «فيه من أحمد» أي: وجد حميدا «عاقبة عمله و يندم من أمكن الشيطان من قياده» حبل يقاد به الدابة «فلم يجاذبه» و اسرّوا الندامة لما رأوا العذاب و قضي بينهم بالقسط و هم لا يظلمون( ٤ ) و اسرّوا الندامة لما رأوا العذاب و جعلنا الاغلال في أعناق الّذين كفروا هل يُجزون الا ما كانوا يعملون( ٥) .

«و قد دعوتنا إلى حكم القرآن و لست من أهله» قال ابن ميثم: إذ لم يكن صالحا للامامة( ٦) .

قلت: بل لأنه لم يكن له اعتقاد بالقرآن و منزله و المنزل إليه، فقد عرفت أن مستنده زاد «و لست حكمه تريد»( ٧) .

و في (صفين نصر): لما رفع أهل الشام المصاحف على الرماح يدعون إلى حكم القرآن قال عليّعليه‌السلام : انا أحق من أجاب إلى كتاب اللَّه، و لكن معاوية،

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٧: ١٢.

(٢) شرح الراوندي ٣: ١٥٧، و شرح ابن ميثم ٥: ١٢٤ و ١٢٥.

(٣) أورده لسان العرب ٧: ٣٦٠، مادة (غبط).

(٤) يونس: ٥٤.

(٥) سبأ: ٣٣.

(٦) شرح ابن ميثم ٥: ١٢٥.

(٧) وقعة صفين: ٤٩٤.

٥٨٩

و عمرو بن العاص، و ابن أبي معيط، و حبيب بن مسلمة، و ابن أبي سرح ليسوا باصحاب دين و لا قرآن، اني أعرف بهم منكم( ١) .

«و لسنا اياك أجبنا و لكن أجبنا القرآن في حكمه» هكذا في (المصرية)،

و الصواب: «إلى حكمه» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٢) ،

و المراد اجابة القرآن في المستحق للامامة و حكم القرآن هل يستوي الّذين يعلمون و الّذين لا يعلمون( ٣ ) أَفَمَن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون( ٤ ) أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدّي الا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون( ٥ ) و غير ذلك مما أحال الأمر إلى بداهة العقول، و لكن طبع على قلوبهم فهم لا يفقهون.

(و السلام) هكذا في (المصرية و ابن أبي الحديد)، و ليس في (ابن ميثم و الخطية)( ٦) .

٧ - الكتاب (٤٢) و من كتاب لهعليه‌السلام إلى عمر بن أبي سلمة المخزومي و كان عامله على البحرين فعزله و استعمل النعمان بن عجلان الزّرقيّ مكانه:

أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ وَلَّيْتُ؟ اَلنُّعْمَانَ بْنِ عَجْلاَنَ اَلزُّرَقِيَّ؟ عَلَى؟ اَلْبَحْرَيْنِ؟ وَ نَزَعْتُ يَدَكَ بِلاَ ذَمٍّ لَكَ وَ لاَ تَثْرِيبٍ عَلَيْكَ فَلَقَدْ أَحْسَنْتَ اَلْوِلاَيَةَ

____________________

(١) وقعة صفين: ٤٨٩.

(٢) كذا في شرح ابن ميثم ٥: ١٢٦، لكن في شرح ابن أبي الحديد ١٧: ١٢، مثل المصرية.

(٣) الزمر: ٩.

(٤) السجدة: ١٨.

(٥) يونس: ٣٥.

(٦) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١٧: ١٢، و شرح ابن ميثم ٥: ١٢٤، مثل المصرية.

٥٩٠

وَ أَدَّيْتَ اَلْأَمَانَةَ فَأَقْبِلْ غَيْرَ ظَنِينٍ وَ لاَ مَلُومٍ وَ لاَ مُتَّهَمٍ وَ لاَ مَأْثُومٍ فَلَقَدْ أَرَدْتُ اَلْمَسِيرَ إِلَى ظَلَمَةِ أَهْلِ؟ اَلشَّامِ؟ وَ أَحْبَبْتُ أَنْ تَشْهَدَ مَعِي فَإِنَّكَ مِمَّنْ أَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى جِهَادِ اَلْعَدُوِّ وَ إِقَامَةِ عَمُودِ اَلدِّينِ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ أقول: نقل عن (تاريخ ابن واضح) أيضا( ١) .

قول المصنّف: (و من كتاب لهعليه‌السلام إلى عمر بن أبي سلمة المخزومي) كان ربيب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، روي انّه زوج امّه ام سلمة من النبيّ و هو صغير لم يبلغ الحلم.

(و كان عامله على البحرين) و في (الاسد): شهد مع عليّعليه‌السلام الجمل،

و استعمله على البحرين و على فارس( ٢ ) (فعزله و استعمل نعمان) هكذا في (المصرية)، و الصواب: «النعمان» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٣ ) (بن عجلان الزرقي).

في (الاسد): استعمل عليّعليه‌السلام النعمان على البحرين، فجعل يعطي كل من جاءه من بني زريق فقال فيه الشاعر:

أرى فتية قد ألهت الناس عنكم

فند لا زريق المال من كلّ جانب

فانّ ابن عجلان الّذي قد علمتم

يبدّد مال اللَّه فعل المناهب

يمرون بالدهنا خفافا عيابهم

و يخرجن من دارين بجر الحقائب

و كان شاعرا فصيحا سيدا في قومه، و تزوج خولة بنت قيس امرأة حمزة بعد قتله( ٤) .

قلت: رأيت البيت الأوّل هكذا:

____________________

(١) تاريخ ابن واضح اليعقوبي ٢: ٢٠١.

(٢) اسد الغابة ٤: ٤٩.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٧٣، و شرح ابن ميثم ٥: ٩٤.

(٤) اسد الغابة ٥: ٢٦.

٥٩١

على حين ألهى الناس جل أمورهم

فندلا زريق المال ندل الثعالب

هذا، و قال الجوهري في ندل مدح الشاعر قوم دارين بالجود و استشهد بالبيت الاخير( ١ ) ، و هو كما ترى و هم.

قولهعليه‌السلام «اما بعد فاني قد وليت نعمان» هكذا في (المصرية)، و الصواب:

«النعمان» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٢) .

«ابن عجلان الزرقي» بضم الزاي، و في (أنساب السمعاني): نسبة إلى زريق بن عمر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج «على البحرين».

و في (تاريخ اليعقوبي): بلغ أمير المؤمنينعليه‌السلام أن النعمان ذهب بمال البحرين، فكتب إليه: أما بعد، فانه من استهان بالامانة، و رغب في الخيانة، و لم ينزه نفسه و دينه، أخلّ بنفسه في الدنيا، و ما يشفى عليه بعد امر و أبقى و أشقى و أطول، فخف اللَّه. انك من عشيرة ذات صلاح، فكن عند صالح الظن بك، و راجع ان كان حقا ما بلغني عنك.

إلى أن قال: فلما جاءه كتابهعليه‌السلام و علم أنه قد علم حمل المال، و لحق بمعاوية( ٣) .

«و نزعت يدك» كناية عن عزله عن البحرين «بلا ذم لك و لا تثريب عليك» في (الجمهرة): التثريب: الأخذ على الذنب «فلقد أحسنت الولاية و أديت الأمانة» و يكفيه ذلك مدحا، و قد عرفت أن النعمان الّذي ولي بعده خان و اعطى قومه قدرا من بيت المال و حمل لنفسه قدرا.

____________________

(١) صحاح.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٧٣، و شرح ابن ميثم ٥: ٩٤.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢: ٢٠١.

٥٩٢

«فأقبل غير ظنين و لا ملوم و لا متهم» و الفرق بين الظنين و المتهم الفرق بين الظن و الوهم، فالظنين من الظن، و المتهم من الوهم «و لا مأثوم» أي: غير معدود عليك اثم من «أثم» بالفتح الّذي متعدلا (اثم) بالكسر فانّه لازم.

و في (الصحاح): «اثم» بالكسر وقع في الذنب فهو آثم و أثيم و اثوم،

و اثمه اللَّه في كذا: أي عده عليه اثما، فهو مأثوم انشد الفراء:

فهل يأثمني اللَّه في أن ذكرتها

و عللت أصحابي بها ليلة النفر

«فلقد» هكذا في (المصرية)، و الصواب: «فقد» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ١ ) «أردت المسير إلى ظلمة أهل الشام».

في (صفين نصر): ان معاوية قال لشر حبيل بن السمط و كان مأمونا في أهل الشام ان هذا الأمر الّذي قد عرفته لا يتم الا برضى العامة، فسر في مدائن الشام و ناد فيهم ان عليّا قتل عثمان، و انه يجب على المسلمين ان يطلبوا بدمه، فسار، فبدأ بأهل حمص، فقام خطيبا، فقال: أيها الناس، ان عليّا قتل عثمان، و قد غضب لعثمان قوم، فقتلهم عليّ و هزّم الجميع و غلب على الأرض،

فلم يبق الا الشام و هو واضع سيفه على عاتقه ثم خاض به غمار الموت، و لا نجد أحدا أقوى على قتاله من معاوية، فجدوا.

فأجابه الناس الانساك من أهل حمص، فانهم قاموا إليه و قالوا: بيوتنا قبورنا و مساجدنا، و أنت اعلم بما ترى. و جعل شرحبيل يستنهض مدائن الشام حتى استفرغها لا يأتي على قوم الا قبلوا ما آتاهم به( ٢) .

«و أحببت أن تشهد معي» و كان شهد معه الجمل.

و في (تاريخ الطبري): ان عليّاعليه‌السلام لما أراد الخروج إلى حرب الجمل

____________________

(١) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٧٣، لكن في شرح ابن ميثم ٥: ٩٣، مثل المصرية.

(٢) وقعة صفين: ٥٠.

٥٩٣

قالت له ام سلمة: لو لا أن أعصي اللَّه و انك لا تقبله مني لخرجت معك، و هذا ابني عمر و اللَّه لهو أعز عليّ من نفسي يخرج معك فيشهد مشاهدك( ١) .

«فانّك ممّن أستظهر به على جهاد العدو و اقامة عمود الدين إن شاء اللَّه» لأنه كان مستبصرا فيهعليه‌السلام عارفا بحقّه.

و روى ابن بابويه في (عيونه) عن سليم بن قيس استشهاد عبد اللَّه بن جعفر بجمع منهم عمر بن أبي سلمة سماعهم من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نصه على الائمة الاثني عشر بعده( ٢) .

٨ - الحكمة (٣٢٥) وَ قَالَعليه‌السلام لَمَّا بَلَغَهُ قَتْلُ؟ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ؟:

إِنَّ حُزْنَنَا عَلَيْهِ عَلَى قَدْرِ سُرُورِهِمْ بِهِ إِلاَّ أَنَّهُمْ نُقِصُوا بَغِيضاً وَ نُقِصْنَا حَبِيباً و قالعليه‌السلام لما بلغه قتل محمّد بن أبى بكر:

أقول: هكذا في (المصرية)، و زاد (ابن ميثم) بعد (محمّد بن أبي بكر) «رضوان اللَّه عليه» و كذا (ابن أبي الحديد)( ٣) .

و كيف كان فرواه المدائني و الطبري، فقالا: قدم الحجاج بن غزية الأنصاري من مصر على عليّعليه‌السلام فحدثه بما رأي و عاين و بهلاك محمّد،

و قدم عليه عبد الرحمن بن شيب الفزاري و كان قد عينه بالشام و حدثه أنه لم يخرج من الشام حتى قدمت البشراء من قبل عمرو بن العاص تترى يتبع بعضها بعضا بفتح مصر، و قتل محمّد بن أبي بكر، و حتى آذن بقتله على

____________________

(١) لم اظفر عليه في اخبار الجمل في تاريخ الطبري نعم رواه جمع من أصحاب التاريخ منهم سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص: ٦٥.

(٢) عيون الاخبار ١: ٣٨ ح ٨.

(٣) ليس في نسختنا من شرح ابن ميثم ٥: ٤٠٤، هذه الزيادة و لفظ شرح ابن أبي الحديد ١٩: ٣٣٧، «رضي اللَّه عنه».

٥٩٤

المنبر، و قال: قلما رأيت قوما قط أسر و لا سرورا قط أظهر من سرور رأيته بالشام حين اتاهم هلاك محمّد بن أبي بكر. فقال عليّعليه‌السلام : اما ان حزننا عليه على قدر سرورهم به لا بل يزيد أضعافا، و حزن عليه حتى رؤي ذلك في وجهه و تبين فيه( ١) .

«ان حزننا عليه على قدر سرورهم به» قال الشاعر:

من كان مسرورا بمقتل مالك

فليأت نسوتنا بوجه نهار

قال المسعودي: بلغ عليّاعليه‌السلام قتل محمّد و سرور معاوية به، فقال:

جزعنا عليه على قدر سرورهم، و ما جزعت على هالك منذ دخلت هذه الحرب جزعي عليه، كان لي ربيبا و كنت أعده ولدا إلى أن قال و على مثله نحزن،

و عند اللَّه نحتسبه( ٢) .

و روى هيثم أن أسماء بنت عميس لما جاءها نعي محمّد ابنها و ما صنع به قامت إلى مسجدها، و كظمت غيظها حتى تشخّبت دما( ٣) .

و في (تذكرة سبط ابن الجوزي): لما بلغ ام حبيبة قتل محمّد و تحريقه شوت كبشا و بعثت به إلى عائشة تشفيا بقتل محمّد بطلب دم عثمان، فقالت:

قاتل اللَّه ابنة العاهرة، و اللَّه لا أكلت شواء أبدا( ٤) .

«الا أنهم نقصوا بغيضا و نقصنا حبيبا» نقص يأتي لازما و متعديا و هنا متعد.

روى عن كثير النوا أن أبا بكر خرج في حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في غزاة، فرأت

____________________

(١) رواه عن المدائني الثقفي في الغارات ١: ٢٩٤، و رواه الطبري في تاريخه ٤: ٨٢، سنة ٣٨.

(٢) مروج الذهب ٢: ٤٠٩.

(٣) بل رواه أبو اسحاق عن اسماء كما في الغارات ١: ٢٨٧، و بدّل ابن أبي الحديد عند نقل رواية الغارات أبا اسحاق بهاشم راجع شرحه ٦: ٨٨.

(٤) تذكرة الخواص: ١٠٧.

٥٩٥

اسماء بنت عميس و هي تحته كأن أبا بكر متخضب رأسه و لحيته و عليه ثياب بيض، فجاءت إلى عائشة، فأخبرتها، فبكت و قالت: ان صدقت رؤياك فقد قتل أبو بكر خضابه دمه و ثيابه أكفانه، فدخل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و عائشة تبكي، فقال:

ما أبكاها؟ فقالوا: أسماء ذكرت رؤيا رأتها لأبي بكر. فقال: ليس كما عبرت عائشة، يرجع أبو بكر صالحا، فتحمل منه أسماء بغلام تسمّيه محمّدا يجعله اللَّه غيظا على الكافرين و المنافقين( ١) .

هذا، و قيل ان زيادا قال لأبي الأسود: كيف أنت في حب عليّ، قال: كما أنت في حب معاوية، الا اني أطلب به الدار الآخرة، و أنت تطلب به حطام الدنيا،

و مثلنا كما قال عمرو بن معديكرب:

خليطان مختلف شأننا

احب العلاء و يهوى السمن

أحب دماء بني مالك

و راق المعلى بياض اللبن

و في (المعجم): لما مات إسحاق الموصلي و بلغ المتوكل نعيه غمه و حزن عليه و قال: ذهب صدر عظيم من جمال الملك و بهائه و زينته، ثم نعي إليه بعده أحمد بن عيسى بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّعليه‌السلام فقال:

تكافأت الحالان قام الفرح بوفاة أحمد و ما كنت آمن وثبته عليّ مقام الفجيعة بإسحاق.

و في (الكامل) في سنة (٥٠٢): اصطلح عامة بغداد السنة و الشيعة،

و السبب أن السلطان محمّد السلجوقي لما قتل ملك العرب صدقة و كان يتشيع هو و أهل بيته خاف شيعة بغداد أهل كرخهم و غيرهم، فشنع أهل السنة عليهم بأنهم نالهم غم و هم لقتله، فخاف الشيعة و أغضوا على سماع هذا و لم يزالوا خائفين إلى أن دخل شعبان، فتجهز السنة لزيارة قبر مصعب

____________________

(١) رواه الثقفي في الغارات ١: ٢٨٨.

٥٩٦

و اتفقوا على أن يجعلوا طريقهم في الكرخ، فأظهروا ذلك و اتفق رأي أهل الكرخ على ترك معارضتهم و كانوا قبل يمنعونهم( ١) .

و لما مات محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد عقدت الناصبة مجلس سرور لوفاته، لأنه كان شيّع كثيرا من أهل السنة و بصرّهم، حتى قال الخطيب الناصبي: هلك به خلق كثير إلى أن أراح اللَّه المسلمين منه في سنة (٤١٣)،

فجلس ابن النقيب للتهنئة بموته و قال: ما أبالي أي وقت مت بعد أن شاهدت موته.

و روى (الطبرسي) ان الحجّةعليه‌السلام قال في موته:

لا صوّت الناعي بفقدك انه

يوم على آل الرسول عظيم

و كان رحمه اللَّه لم يعلم بعد هشام بن الحكم أذب عن المذهب منه( ٢) .

و قال ربيعة الاسدي في ابنه ذؤاب:

ان يقتلوك فقد هتكت بيوتهم

بعتيبة بن الحارث بن شهاب

بأحبهم فقدا على أعدائه

و أشدّهم فقدا على الأصحاب

هذا، و في عنوان (٨) من فصل الغارات عنهعليه‌السلام : بلا ذم لمحمد بن أبي بكر، فلقد كان إلي حبيبا و كان لي ربيبا.

أيضا: و محمّد بن أبي بكر رحمه اللَّه قد استشهد، فعند اللَّه نحتسبه ولدا ناصحا و عاملا كادحا و سيفا قاطعا و ركنا دافعا.

و في عنوان (٩) منه كتابهعليه‌السلام إلى ابن عباس بعد مقتله( ٣) .

____________________

(١) كامل ابن الأثير ١٠: ٤٦٩، سنة ٥٠٢.

(٢) نقل الخوانساري في روضات الجنات ٦: ١٥٧، توقيعي الامامعليه‌السلام إلى الشيخ المفيد عن احتجاج الطبرسي ثم قال: «و حكى انه وجد مكتوبا على قبره بخط القائمعليه‌السلام هذا الشعر» و لم يوجد الشعر في الاحتجاج بل هذا من سهو نظر الشارح.

(٣) راجع العنوانين ٨ و ٩ من الفصل الرابع و الثلاثين.

٥٩٧

٩ - الكتاب (٤٦) و من كتاب لهعليه‌السلام إلى بعض عماله:

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكَ مِمَّنْ أَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى إِقَامَةِ اَلدِّينِ وَ أَقْمَعُ بِهِ نَخْوَةَ اَلْأَثِيمِ وَ أَسُدُّ بِهِ لَهَاةَ اَلثَّغْرِ اَلْمَخُوفِ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ عَلَى مَا أَهَمَّكَ وَ اِخْلِطِ اَلشِّدَّةَ بِضِغْثٍ مِنَ اَللِّينِ وَ اُرْفُقْ مَا كَانَ اَلرِّفْقُ أَرْفَقَ وَ اِعْتَزِمْ بِالشِّدَّةِ حِينَ لاَ يُغْنِي عَنْكَ إِلاَّ اَلشِّدَّةُ وَ اِخْفِضْ لِلرَّعِيَّةِ جَنَاحَكَ وَ اُبْسُطْ لَهُمْ وَجْهَكَ وَ أَلِنْ لَهُمْ جَانِبَكَ وَ آسِ بَيْنَهُمْ فِي اَللَّحْظَةِ وَ اَلنَّظْرَةِ وَ اَلْإِشَارَةِ وَ اَلتَّحِيَّةِ حَتَّى لاَ يَطْمَعَ اَلْعُظَمَاءُ فِي حَيْفِكَ وَ لاَ يَيْأَسَ اَلضُّعَفَاءُ مِنْ عَدْلِكَ وَ اَلسَّلاَمُ قول المصنّف: (و من كتاب لهعليه‌السلام ) ليس جميع عنوانه كتابا، بل إلى قوله «الثغر المخوف»، و أما قوله «فاستعن إلى الا الشدة» فانما قالهعليه‌السلام شفاها، و أما قوله «و اخفض» الخ، فأول عهده إلى محمّد بن أبي بكر المذكور في العنوان (٢٧) من الكتب.

(إلى بعض عماله) المراد به مالك الأشتر، و لم يتفطن له ابن أبي الحديد و ابن ميثم( ١ ) ، و كأن المصنف أيضا حيث أجمل، روى ما قلنا من كون العنوان إلى «المخوف» كتابا لهعليه‌السلام إليه و الي «الشدة» كلاما له معه الطبري و الثقفي.

ففي الأوّل بلغ عليّاعليه‌السلام وثوب أهل مصر على محمّد بن أبي بكر فقال:

مالمصر الا أحد الرجلين: صاحبنا الّذي عزلناه عنها يعني قيس بن سعد أو مال بن الحارث يعني الأشتر و كان عليّعليه‌السلام حين انصرف من صفين رد الأشتر على عمله بالجزيرة و قد كان قد قال لقيس أقم معي على شرطتي

____________________

(١) راجع شرح ابن أبي الحديد ١٧: ٣، و شرح ابن ميثم ٥: ١١٨.

٥٩٨

حتى نفرغ من أمر هذه الحكومة، ثم اخرج إلى آذربيجان و لما أنقضى أمر الحكومة كتب عليّ إلى مالك و هو يومئذ بنصيبين «اما بعد فانك ممن أستظهر به على اقامة الّدين، و أقمع به نخوة الاثيم، و أشد به الثغر المخوف،

و كنت وليت محمّد بن أبي بكر مصر، فخرجت عليه بها خوارج، و هو غلام حدث ليس بذي تجربة للحرب و لا بمجرب للاشياء، فأقدم علي لننظر في ذلك فيما ينبغي، و استخلف على عملك أهل الثقة و النصيحة من أصحابك،

و السلام».

فأقبل مالك إلى عليّعليه‌السلام حتى دخل عليه، فحدثه حديث أهل مصر و أخبره خبر أهلها، و قال له «ليس لها غيرك، اخرج رحمك اللَّه، فاني ان لم أوصك اكتفيت برأيك، و استعن باللَّه على ما اهمك، فاخلط الشدة باللين، و ارفق ما كان الرفق أبلغ، و اعتزم بالشدة حين لا يغني عنك الا الشدة».

فخرج الأشتر من عند عليّعليه‌السلام ، فأتى رحله، فتهيأ للخروج إلى مصر،

و أتت معاوية عيونه و أخبروه بولاية عليّ للأشتر، فعظم ذلك عليه و قد كان طمع في مصر، فعلم أن الأشتر ان قدمها كان أشد عليه من محمّد بن أبي بكر،

فبعث إلى الجايستار رجل من أهل الخراج ان الأشتر ولي مصر، فان أنت كفيتنيه لم آخذ منك خراجا ما بقيت، فاحتل له بما قدرت عليه، فخرج الجايستار حتى أتى القلزم و أقام به، و خرج الأشتر من العراق إلى مصر، فلما انتهى إلى القلزم استقبله الجايستار، فقال له: هذا منزل و هذا طعام و علف و أنا رجل من أهل الخراج، فنزل به الأشتر، فأتاه الدهقان بعلف و طعام حتى إذا طعم أتاه بشربة من عسل قد جعل فيها سمّا فسقاه إيّاه، فلمّا شربها مات.

و أقبل معاوية يقول لأهل الشام: ان عليّا وجّه الأشتر إلى مصر، فادعو اللَّه أن يكفيكموه، فكانوا كل يوم يدعون على الأشتر، و أقبل الّذي سقاه السمّ

٥٩٩

إلى معاوية فأخبره بمهلك الأشتر( ١) .

و رواه (غارات الثقفي) مثله، و نقله ابن أبي الحديد عنه في العنوان (٦٧) من الخطب في تقليد محمّد بن أبي بكر بمصر و غفل عنه هنا( ٢) .

و رواه المفيد في (أماليه) مسندا عن هشام الكلبي، لكن فيه: ورد الخبر عليهعليه‌السلام بمقتل محمّد بن أبي بكر، فكتب إلى مالك إلى أن قال «و كان حدثا لا علم له بالحروب فاستشهد رحمه اللَّه فأقدم عليّ لننظر في امر مصر» الخ( ٣) .

و الظاهر زيادة فقرة «فاستشهد» وهما من بعض الرواة، فزاد المفيد أو غيره في أول الخبر فقرة «ورد الخبر عليهعليه‌السلام بمقتل محمّد» لاتفاق غيره من الروايات على وفاة مالك قبل محمّد، و كتابه إلى محمّد بعد قتل مالك كما يأتي، و لعل الفقرة محرفة «ورد الخبر عليه بمقاتلة العثمانية مع محمّد».

قولهعليه‌السلام «أما بعد، فانك ممن استظهر به على اقامة الّدين» و يكفى ذلك الأشتر جلالة، فكان رحمه اللَّه ذا كفاية كافية، فكان طرد أبي موسى عن ولاية الكوفة بعد عثمان مشكلا لغيره حتى لعمار.

ففي (تاريخ الطبري): قال أبو مريم الثقفي: اني في مسجد الكوفة و أبو موسى قائم على المنبر يثبط الناس و عمار يزجره إذ جاء غلمان أبي موسى يشتدون و قالوا هذا الأشتر دخل و ضربنا و أخرجنا، فنزل أبو موسى عن المنبر يشتد و دخل القصر، فصاح به الأشتر: اخرج أخرج اللَّه نفسك انك لمن المنافقين قديما. فقال له: أجلني هذه العشية، فأجله إلى الليل، و أراد الناس نهب متاعه، فمنعهم الأشتر( ٤) .

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٧٠، سنة ٣٨.

(٢) الغارات ١: ٢٥٨، و عنه شرح ابن أبي الحديد ٦: ٧٤.

(٣) امالي المفيد: ٧٩ ح ٤، المجلس ٩.

(٤) تاريخ الطبري ٣: ٥٠١، سنة ٣٦.

٦٠٠