بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٧

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 621

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 621
المشاهدات: 99212
تحميل: 8081


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 99212 / تحميل: 8081
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 7

مؤلف:
العربية

كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

المجلد السابع

الشيخ محمد تقي الشيخ التّستري (الشوشتري)

١

الفصل السادس عشر في أدعيتهعليه‌السلام

٢

١ - الخطبة (١٧٦) و من كلمات كان يدعو بها:

اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي فَإِنْ عُدْتُ فَعُدْ عَلَيَّ بِالْمَغْفِرَةِ اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي مَا وَأَيْتُ مِنْ نَفْسِي وَ لَمْ تَجِدْ لَهُ وَفَاءً عِنْدِي اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي مَا تَقَرَّبْتُ بِهِ إِلَيْكَ بِلِسَانِي ثُمَّ خَالَفَهُ قَلْبِي اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي رَمَزَاتِ اَلْأَلْحَاظِ وَ سَقَطَاتِ اَلْأَلْفَاظِ وَ شَهَوَاتِ اَلْجَنَانِ وَ هَفَوَاتِ اَللِّسَانِ قول المصنف: «من كلمات كان يدعو بها» هكذا في (المصرية) بلا زيادة، و الصواب: زيادةعليه‌السلام بعده كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ١) .

و كيف كان، ففي (الكافي) عن علي بن النعمان رفعه أنّهعليه‌السلام كان إذا صعد الصّفا استقبل الكعبة، ثم رفع يديه ثم يقول: اللّهم اغفر لي كلّ ذنب

____________________

(١) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٦: ١٧٦ لكن في شرح ابن ميثم ٢: ٢١٣ نحو المصرية.

٣

أذنبته قطّ، فان عدت فعد عليّ بالمغفرة، فانّك أنت الغفور الرحيم. اللّهم افعل بي ما أنت أهله، فانّك إن تفعل بي ما أنت أهله ترحمني، و إن تعذبني فأنت غنّي عن عذابي، و أنا محتاج إلى رحمتك، فيا من أنا محتاج إلى رحمته ارحمني.

اللّهم لا تفعل بي ما أنا أهله، فإنّك إن تفعل بي ما أنا أهله تعذّبني، و لن تظلمني،

أصبحت أتقي عدلك و لا أخاف جورك، فيا من هو عدل لا يجور ارحمني( ١) .

و نقل ابن أبي الحديد من أدعية الصحيفة خمسة: الأوّل: «يا من يرحم من لا يرحمه العباد» و الثاني: «اللهم يا من برحمته يستغيث المذنبون» و الثالث: «يا ذا الملك المتأبّد بالخلود» و الرابع: «اللّهم إنّي أعوذ بك من هيجان الحرص» و الخامس: «الحمد للَّه بكلّ ما حمده أدنى ملائكته إليه». ثم قال: إنّها من دعاء أمير المؤمنينعليه‌السلام ، و كان يدعو بها علي بن الحسينعليه‌السلام في أدعية الصحيفة( ٢) .

قلت: إنّ كلمات عترتهعليه‌السلام و علومهم و إن كانت من كلماتهعليه‌السلام و علومه،

إلاّ أنّ أدعية الصحيفة السجادية من إنشاء السجّاد نفسه، و عليه أطبقت الإماميّة سلفا و خلفا، و إنّما نقل كلّ من البحراني و النّوري صحيفة من أدعيتهعليه‌السلام بالأسانيد كما إنّ علي بن طاوس عقد في (مهجه) بابا لدعواتهعليه‌السلام كذلك.

قولهعليه‌السلام «اللهم اغفر لي ما أنت أعلم به منّي» هو تعالى أعلم بذنب عبده حيث أنّ العبد قد لا يرى بعض الامور ذنبا مع انّه عنده تعالى ذنب، بل أعظم ذنب، كما أنّ العبد ينسى كثيرا من ذنوبه و هو تعالى لا ينسى منها شيئا أصلا.

«فإن عدت فعد عليّ» هكذا في (المصرية و ابن أبي الحديد)، و لكن في (ابن

____________________

(١) الكافي ٤: ٤٣٢ ح ٥.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٦: ١٧٨ ١٨٥.

٤

ميثم و الخطية) «لي»( ١ ) «بالمغفرة» فإنّ شأن العبد الخطأ، و شأن الربّ الغفران.

«اللّهم اغفر لي ما وأيت» أي: وعدت «من نفسي و لم تجد له وفاء عندي» حتّى لا يؤدّي إلى النفاق و منهم من عاهد اللَّه لئن آتانا من فضله لنصّدّقنّ و لنكوننّ من الصالحين. فلما آتاهم من فضله بخلوا به و تولّوا و هم معرضون.

فأعقبهم نفاقا في قلوبهم الى يوم يلقونه بما أخلفوا اللَّه ما وعدوه و بما كانوا يكذبون( ٢) .

«اللهمّ اغفر لي ما تقرّبت به إليك بلساني ثمّ خالفه قلبي» لأنّ عبادة لم تكن للَّه، لهي ذنب كبير فمن كان يرجو لقاء ربّه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربّه أحدا( ٣) .

«اللّهم اغفر لي رمزات الألحاظ» جمع اللحظ: النّظر بمؤخّر العين، قال تعالى: يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصّدور( ٤) .

«و سقطات الألفاظ» قال تعالى في وصف المؤمنين: و الذين هم عن اللغو معرضون( ٥) .

«و شهوات الجنان» بالفتح أي: القلب، و لا يخلو قلب من شهوة امور غير مشروعة.

«و هفوات اللسان» أي: زلاّته.

و عن الصادقعليه‌السلام : كان بالمدينة رجل بطّال يضحك الناس منه فقال: قد أعياني هذا الرجل يعني علي بن الحسينعليه‌السلام أن أضحكه، فمرّ و خلفه

____________________

(١) لفظ شرح ابن أبي الحديد ٦: ١٧٦، و شرح ابن ميثم ٢: ٢١٣ نحو المصرية.

(٢) التوبة: ٧٥ ٧٧.

(٣) الكهف: ١١٠.

(٤) غافر: ١٩.

(٥) المؤمنون: ٣.

٥

موليان له، فجاء الرجل حتّى انتزع رداءه من رقبته، فمضىعليه‌السلام و لم يلتفت إليه، فأتبعه الناس و أخذوا منه الرداء و جاؤا به إليه، فقال لهم: من هذا؟ قالوا:

رجل بطّال يضحك الناس. فقال: قولوا له، إنّ للَّه يوما يخسر فيه المبطلون( ١) .

٢ - الخطبة (٢١٣) و من دعاء كان يدعو بهعليه‌السلام كثيرا:

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي لَمْ يُصْبِحْ بِي مَيِّتاً وَ لاَ سَقِيماً وَ لاَ مَضْرُوباً عَلَى عُرُوقِي بِسُوءٍ وَ لاَ مَأْخُوذاً بِأَسْوَإِ عَمَلِي وَ لاَ مَقْطُوعاً دَابِرِي وَ لاَ مُرْتَدّاً عَنْ دِينِي وَ لاَ مُنْكِراً لِرَبِّي وَ لاَ مُسْتَوْحِشاً مِنْ إِيمَانِي وَ لاَ مُلْتَبِساً عَقْلِي وَ لاَ مُعَذَّباً بِعَذَابِ اَلْأُمَمِ مِنْ قَبْلِي أَصْبَحْتُ عَبْداً مَمْلُوكاً ظَالِماً لِنَفْسِي لَكَ اَلْحُجَّةُ عَلَيَّ وَ لاَ حُجَّةَ لِي وَ لاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ إِلاَّ مَا أَعْطَيْتَنِي وَ لاَ أَتَّقِيَ إِلاَّ مَا وَقَيْتَنِي اَللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَفْتَقِرَ فِي غِنَاكَ أَوْ أَضِلَّ فِي هُدَاكَ أَوْ أُضَامَ فِي سُلْطَانِكَ أَوْ أُضْطَهَدَ وَ اَلْأَمْرُ لَكَ اَللَّهُمَّ اِجْعَلْ نَفْسِي أَوَّلَ كَرِيمَةٍ تَنْتَزِعُهَا مِنْ كَرَائِمِي وَ أَوَّلَ وَدِيعَةٍ تَرْتَجِعُهَا مِنْ وَدَائِعِ نِعَمِكَ عِنْدِي اَللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَذْهَبَ عَنْ قَوْلِكَ أَوْ نُفْتَنَ عَنْ دِينِكَ أَوْ تَتَايَعَ بِنَا أَهْوَاؤُنَا دُونَ اَلْهُدَى اَلَّذِي جَاءَ مِنْ عِنْدِكَ أقول: في (مهج ابن طاوس)، عن كتاب (دفع الهموم و الأحزان لأحمد بن داود النعماني): قال ابن عباس قلت لأمير المؤمنينعليه‌السلام ليلة صفين: أما ترى الأعداء قد أحد قوابنا. فقال: قد راعك هذا؟ قلت: نعم. فقال: اللّهم انّي أعوذبك أن أضام في سلطانك (اللّهم انّي أعوذبك أن اضل في هداك) اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن أفتقر في غناك، اللّهمّ إنّي أعوذبك أن أضيّع في سلامتك، اللّهم إنّي أعوذبك أن

____________________

(١) أخرجه الصدوق في أماليه: ١٨٣ ح ٦ المجلس ٣٩.

٦

اغلب و الأمر إليك( ١) .

هذا، و من دعاء علّمهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاله عمير بن وهب كما في ذيل الطبري اللّهم إنّي ضعيف فقوّ في رضاك ضعفي، و خذ إلى الخير بناصيتي، و بلّغني برحمتك ما أرجو من رحمتك، و اجعل الإسلام منتهى رغبتي، و اجعل لي ودّا عند الناس و عهدا عندك( ٢ ) و من دعاء أمير المؤمنينعليه‌السلام في السجود كما في الكافي: إرحم ذلّي بين يديك، و تضرّعي إليك، و وحشتي من الناس، و آنسني بك يا كريم( ٣ ) و كانعليه‌السلام يقول: و عظتني فلم اتّعظ، و زجرتني عن محارمك فلم أنزجر، و عمّرتني أياديك فما شكرت، عفوك عفوك يا كريم أسألك الراحة عند الموت، و أسألك العفو عند الحساب( ٤ ) قول المصنف: «كانعليه‌السلام يدعو به كثيرا» قال ابن أبي الحديد: «كثيرا» صفة مصدر محذوف، أي دعاء كثيرا( ٥) .

قلت: بل صفة لوقت محذوف كما لا يخفى، فإن هذا الدعاء دعاء واحد لا كثير، و إنّما كانعليه‌السلام يقرأه في أوقات كثيرة، فهو مفعول فيه معيّنا، و لا مجال لاحتمال كونه مفعولا مطلقا كما احتمله الخوئي أيضا( ٦) .

قولهعليه‌السلام «الحمد للَّه الذي لم يصبح بي ميّتا و لا سقيما» قد يصبح كثير من الناس ميّتين أو سقيمين، فمن أصبح حيّا معافى يجب عليه

____________________

(١) مهج الدعوات: ١٠٣.

(٢) منتخب ذيل المذيل: ٨١.

(٣) الكافي ٣: ٣٢٧ ح ٢١.

(٤) رواه الكليني في الكافي ٣: ٣٢٧ ح ٢١.

(٥) شرح ابن أبي الحديد ١١: ٨٥.

(٦) شرح الخوئي ٧: ٢٩.

٧

شكره تعالى على ذلك.

«و لا مضروبا على عروقي بسوء» أي: مرض.

و روى (أمالي الشيخ) عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: في ابن آدم ثلاثمائة و ستون عرقا منها مائة و ثمانون متحركة و مائة و ثمانون ساكنة، فلو سكن المتحرك لم يبق الانسان، و لو تحرّك الساكن لهلك الإنسان و كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كل يوم إذا أصبح و طلعت الشمس يقول «الحمد للَّه ربّ العالمين كثيرا طيّبا على كلّ حال» يقولها ثلاثمائة و ستين مرّة شكرا( ١) .

و في (الحلية) عن وهب بن منبه قال: عبد عابد خمسين سنة، فأوحى إليه انّي قد غفرت لك. قال: أي ربّ و ما تغفر لي و لم أذنب. فأذن اللَّه لعرق في عنقه، فضرب عليه، فلم ينم و لم يصلّ، ثم سكن، فنام فأتاه الملك، فشكا إليه ما لقي من ضربان العرق. قال الملك: إنّ ربّك يقول: إن عبادتك خمسين سنة تعدل سكون هذا العرق( ٢) .

و في خبر: أنّ كلّ إنسان فيه عرق جذام، فإذا تحرّك سلّط اللَّه عليه الزكام فلا تكرهوه( ٣) .

و قال ابن أبي الحديد: «بسوء» أي: و لا أبرص، و العرب تكنّي عن البرص بالسوء، و من أمثالهم «ما أنكرك من سوء» أي: ليس إنكاري لك عن برص حدث بك فغيّر صورتك، و أراد «بعروقه» أعضاءه( ٤) .

قلت: ما ذكره كلّه غلط و خبط، فلم يقل أحد أنّ السوء كناية عن البرص

____________________

(١) أمالي أبي جعفر الطوسي ٢: ٢١٠، المجلس ٨.

(٢) حلية الأولياء ٤: ٦٨.

(٣) جاء هذا المضمون في الكافي ٨: ٣٨٢ ح ٥٧٧ و ٥٧٩، و طب الأئمة: ١٠٧، و دعوات الراوندي، عنه البحار ٦٢:

١٨٤ ح ٧، و الأخير أقرب لفظا.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١١: ٨٥.

٨

عند العرب، و إنّما الآية بيضاء من غير سوء( ١ ) كناية عن عدم البرص، كما أن قول أمير المؤمنينعليه‌السلام لأنس لما أنكر تذكّره لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غدير خم «إن كنت كاذبا فضربك اللَّه بها بيضاء لامعة لا تواريها العمامة»( ٢ ) كناية عن البرص.

كما أن تفسيره للمثل «ما أنكرك من سوء» بما قال، تفسير ركيك، فهذا الجوهري قال: معنى المثل أنّه لم يكن إنكاري إيّاك من سوء رأيته بك و إنّما هو لقلّة المعرفة( ٣ ) . و قال الميداني: يعني ليس إنكاري إيّاك عن سوء بك لكنّي لا أثبتك( ٤ ) ، كما أن قوله أراد بعروقه أعضاءه أيضا غلط، فالمراد بالعروق الأعصاب، و إنّما حمله على تأويله أنّ البرص يحدث في الأعضاء لا العروق.

«و لا مأخوذا بأسوأ عملي» و لو يؤاخذ اللَّه النّاس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة( ٥ ) ، و قد يأخذهم إذا أفرطوا في السوء، قال تعالى بعد ذكر ما أنزل بالامم السالفة من العذاب و كذلك أخذ ربك إذ أخذ القرى و هي ظالمة إنّ أخذه أليم شديد( ٦) .

«و لا مقطوعا دابري» أي: نسلي بعدم جعله من الظلمة، لأنّه تعالى قال فيهم: فقطع دابر القوم الذين ظلموا و الحمد للَّه ربّ العالمين( ٧ ) و قال في قوم لوط: إنّ دابر هؤلاء مقطوع مصبحين( ٨) .

____________________

(١) النمل: ١٢ و القصص: ٣٢.

(٢) نهج البلاغة ٤: ٧٤، الحكمة ٣١١.

(٣) صحاح اللغة ١: ٥٦ مادة (سوء).

(٤) مجمع الأمثال ٢: ٢٨٥.

(٥) فاطر: ٤٥.

(٦) هود: ١٠٢.

(٧) الأنعام: ٤٥.

(٨) الحجر: ٦٦.

٩

«و لا مرتدا عن ديني» كبعض الناس يمسي مسلما و يصبح مرتدا، و هو فوق كلّ سوء و من يرتدد منكم عن دينه فيمت و هو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدّنيا و الآخرة و اولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون( ١) .

و في رجال الكشّي: عن حمران بن أعين قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : ما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها. فقال: ألا أخبرك بأعجب من ذلك. فقلت: بلى قال:

المهاجرون و الأنصار ذهبوا إلاّ ثلاثة( ٢) .

و عن الجمع بين صحيحي الحميدي من مسند سهل بن سعد عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يرد عليّ الحوض أقوام أعرفهم و يعرفوني، ثم يحال بيني و بينهم، فأقول انّهم امّتي فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا لمن بدّل بعدي و غيّر و في آخر من مسند ابن عباس، سيجاء برجال من امتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول يا ربّ أصحابي، فيقول إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنّهم لن يزالوا مرتّدين على أعقابهم منذ فارقتهم و من مسند أنس: ليردنّ عليّ الحوض رجال ممّن صاحبني حتّى إذا رأتيهم و رفعوا إليّ اختلجوا دوني، فلأقولنّ أي ربّ أصحابي أصحابي، فيقال إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك. و مثله في مسند ابن مسعود و مسند حذيفة.

و في مسند أبي هريرة قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بينما أنا قائم فإذا زمرة،

حتى إذا عرفتهم خرج رجل بيني و بينهم، فقال: هلمّوا. فقلت: إلى أين؟

قال: إلى النّار و اللَّه قلت: ما شأنهم؟ قال: إنّهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى ثم إذا زمرة إلى أن قال قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فلا أراه

____________________

(١) البقرة: ٢١٧.

(٢) اختيار معرفة الرجال ٧: ١٥.

١٠

يخلص منهم إلاّ مثل همل النعم( ١ ) ( ٢) .

«و لا مستوحشا من إيماني» فكثير من الناس يستوحشون من إيمانهم بعد أنسهم به، لعدم رسوخه فيهم، و قد قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهعليه‌السلام «الإيمان مخالط لحمك و دمك، كما خالط لحمي و دمي»( ٣) .

«و لا ملتبسا عقلي» أي: مختلطا، و المؤمن يبتلى بكلّ بلاء و مرض، لكن لا يؤخذ منه عقله.

«و لا معذّبا بعذاب الامم من قبلي» قال تعالى في عاد و ثمود و قارون و فرعون و هامان: فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا و منهم من أخذته الصيحة و منهم من خسفنا به الأرض و منهم من أغرقنا( ٤ ) و قال في مردة اليهود: و جعل منهم القردة و الخنازير( ٥) .

حمد اللَّه تعالى على أنّه لم يصبح به من أحد الأصناف التسعة، فإن حمده تعالى واجب على دفع البلاء كوجوبه على إعطاء النعماء، قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا رأيتم أهل البلاء فاحمدوا اللَّه تعالى، و لا تسمعوهم فإن ذلك يحزنهم.

____________________

(١) نقل ابن طاووس في الطرائف ٢: ٣٧٦ ٣٧٨، كل هذه الأحاديث عن الجمع بين الصحيحين للحميدي و حديث سهل أخرجه البخاري في صحيحه ٤: ١٤٣ و ٢٢١، و مسلم في صحيحه ٤: ١٧٩٤ ح ٢٢٩٣، و حديث ابن عباس أخرجه البخاري في ٢: ٢٣٣ و ٢٥٦ و ٣: ١٢٧ و ١٦ و ٤: ١٣٣، و مسلم في ٤: ٢١٩٤ ح ٥٨، و حديث أنس أخرجه البخاري في ٤: ١٤١، و مسلم في ٤: ١٨٠٠ ح ٤٠، و حديث ابن مسعود أخرجه البخاري في ٤: ١٤١ و ٢٢١،

و مسلم في ٤: ١٧٩٦ ح ٣٢، و حديث حذيفة أخرجه البخاري في ٤: ١٤١ و مسلم في ٤: ١٧٩٧ ح ٣٢، و حديث أبي هريرة أخرجه البخاري في ٤: ١٤٢، و مسلم في ١: ٢١٧ و ٢١٨ ح ٣٧ و ٣٩.

(٢) أسقط الشارح هنا فقرة «و لا منكرا لربي».

(٣) أخرجه في ضمن حديث طويل ابن المغازلي في مناقبه: ٢٨٦ و غيره.

(٤) العنكبوت: ٤٠.

(٥) المائدة: ٦٠.

١١

و عن الباقرعليه‌السلام : من نظر إلى مبتلى فقال ثلاث مرّات: «الحمد للَّه الذي عافاني ممّا ابتلاك به، و لو شاء فعل» لم يصبه ذلك البلاء.

و عنهعليه‌السلام : إذا رأيت مبتلى و أنت معافى فقل «اللّهم إنّي لا أسخر و لا أفخر و لكنّي أحمدك على عظيم نعمائك عليّ»( ١) .

«أصبحت عبدا مملوكا» و لا يملكون لأنفسهم ضرّا و لا نفعا و لا يملكون موتا و لا حياة و لا نشورا( ٢) .

«ظالما لنفسي» إن اللَّه لا يظلم النّاس شيئا و لكنّ الناس أنفسهم يظلمون( ٣) .

«لك الحجّة عليّ و لا حجّة لي» قل فللَّه الحجّة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين( ٤ ) حجّتهم داحضة عند ربهم( ٥ ) رسلا مبشّرين و منذرين لئلا يكون للنّاس على اللَّه حجّة بعد الرّسل( ٦) .

«و لا أستطيع» هكذا في (المصرية) أخذا من نسخة (ابن أبي الحديد)،

و الصواب: «لا أستطيع» كما في (ابن ميثم) بل و كما في (ابن أبي الحديد) في شرح الفقرة( ٧) .

«أن آخذ إلاّ ما أعطيتني» «لا مانع لما أعطيت و لا معطي لما منعت».

«و لا أتقي إلاّ ما وقيتني» و قال يا بنيّ لا تدخلوا من باب واحد و ادخلوا

____________________

(١) أخرج هذه الأحاديث الكليني في الكافي ٢: ٩٧ و ٩٨ ح ٢٠ و ٢٢ و ٢٣، و الحديث الأخير عن الصادقعليه‌السلام .

(٢) الفرقان: ٣.

(٣) يونس: ٤٤.

(٤) الأنعام: ١٤٩.

(٥) الشورى: ١٦.

(٦) النساء: ١٦٥.

(٧) شرح ابن أبي الحديد ١١: ٨٤ و ٨٦، و شرح ابن ميثم ٤: ٣٦.

١٢

من أبواب متفرّقة و ما أغني عنكم من اللَّه من شي‏ء ان الحكم إلاّ للَّه عليه توكّلت و عليه فليتوكّل المتوكّلون و لمّا دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من اللَّه من شي‏ء إلاّ حاجة في نفس يعقوب قضاها و إنّه لذو علم لما علّمناه و لكنّ أكثر النّاس لا يعلمون( ١) .

«اللهمّ إنّي أعوذ بك أن افتقر في غناك» و للَّه خزائن السماوات و الأرض( ٢) .

و في الخبر: أوحى تعالى إلى موسىعليه‌السلام : إنّه ما دام لم تنفد خزائني و لن تنفد فلا تغتمّ لرزقك( ٣) .

و إنّما استعاذعليه‌السلام لأن العبد قد يستحق سلب نعمه تعالى إنّ اللَّه لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم( ٤) .

«أو أضلّ في هداك» إن ربّي على صراط مستقيم( ٥ ) قال تعالى: يضلّ به كثيرا و يهدي به كثيرا و ما يضلّ به إلاّ الفاسقين الذين ينقضون عهد اللَّه من بعد ميثاقه و يقطعون ما أمر اللَّه به أن يوصل و يفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون( ٦) .

«أو اضطهد» أي: أصير مقهورا للناس «و الأمر لك» و في نسخة (ابن ميثم) «و لك الأمر»( ٧) .

____________________

(١) يوسف: ٦٧ و ٦٨.

(٢) المنافقون: ٧.

(٣) أخرجه الصدوق في التوحيد: ٣٧٢ ح ١٤ و النقل بالمعنى.

(٤) الرعد: ١١.

(٥) هود: ٥٦.

(٦) أسقط الشارح هنا فقرة: «أو اضام في سلطانك». و الآيات ٢٦ و ٢٧ من سورة البقرة.

(٧) لفظ شرح ابن ميثم ٤: ٣٦ أيضا نحو المصرية.

١٣

«اللّهم اجعل نفسي أوّل كريمة تنتزعها من كرائمي» يكرم على الإنسان جميع جوارحه و قواه كما يكرم عليه نفسه و روحه، و انتزاع النفس أوّلها يلزم إبقاء باقيها إلى حين موته.

و في الخبر: إذا أنا أخذت من عبدي كريمتيه فصبر، لم أرض له ثوابا دون الجنّة( ١) .

«و أوّل وديعة ترتجعها من ودائع نعمك عندي» هذا في معنى الأوّل، إلاّ أن الأوّل من حيث أنّ النفس و قواها كرائم على الانسان و هذا من حيث أنّها عوار من الربّ عند العبد، فليس له لو ارتجعها غير أوّل اعتراض و إنكار.

«اللّهمّ إنّا نعوذ بك أن نذهب عن قولك» بمخالفة أو امرك، و زو اجرك التي قلتها في كتابك و على لسان حججك.

«أو نفتنّ» هكذا في (المصرية) و الصواب: «أو نفتتن» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٢ ) «عن دينك» بأن تتّفق أسباب، تخرج العبد عن الدين كما في قوم موسى مع العجل و السامريّ.

«أو تتايع» قال الجوهري: التتايع: التهافت في الشرّ و اللجاج، و لا يكون التتايع إلاّ في الشرّ( ٣) .

«بنا أهواؤنا دون الهدى الذي جاء من عندك» قال تعالى: و من أضلّ ممن اتّبع هواه بغير هدى من اللَّه( ٤) .

____________________

(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير و أبو نعيم في حلية الأولياء، عنهما الجامع الصغير ٢: ٨٣، و النقل بتصرف في اللفظ.

(٢) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١١: ٨٤ «أو أن نفتتن» و لفظ شرح ابن ميثم ٤: ٣٦ نحو المصرية.

(٣) صحاح اللغة ٣: ١١٩٢ مادة (تيع).

(٤) القصص: ٥٠.

١٤

٣ - الخطبة (٢٢٣) و من دعاء لهعليه‌السلام :

اَللَّهُمَّ صُنْ وَجْهِي بِالْيَسَارِ وَ لاَ تَبْذُلْ جَاهِيَ بِالْإِقْتَارِ فَأَسْتَرْزِقَ طَالِبِي رِزْقَكَ وَ أَسْتَعْطِفَ شِرَارَ خَلْقِكَ وَ أُبْتَلَى بِحَمْدِ مَنْ أَعْطَانِي وَ أُفْتَنَ بِذَمِّ مَنْ مَنَعَنِي وَ أَنْتَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَلِيُّ اَلْإِعْطَاءِ وَ اَلْمَنْعِ إِنَّكَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ ٢٤ ٢٨ ٣: ٢٦ قول المصنف: «و من دعاء لهعليه‌السلام » و ردت في المكارم من الصحيفة،

فقرات بلفظه و معناه و فقرات بمعناه فقط.

أما الاولى: فما فيه «اللّهم صلّ على محمّد و آله، و صن وجهي باليسار،

و لا تبتذل جاهي بالإقتار، فاسترزق أهل رزقك، و استعطي شرار خلقك،

فأفتتن بحمد من أعطاني، و ابتلي بذم من منعني، و أنت من دونهم ولي الإعطاء و المنع»( ١) .

و أما الثانية: فما فيه «اللّهمّ اجعلني أصول بك عند الضرورة، و أسألك عند الحاجة، و أتضرّع إليك عند المسكنة، و لا تفتنّي بالاستعانة بغيرك إذا اضطررت، و لا بالخضوع لسؤال غيرك إذا افتقرت، و لا بالتضرّع إلى من دونك إذا رهبت، فاستحق بذلك خذلانك و منعك و إعراضك يا أرحم الراحمين»( ٢) .

و لا غرو في توافقهما و تقاربهما، فكلاهما مؤيّد بالروح القدسي.

قولهعليه‌السلام «اللّهم صن وجهي باليسار» صون الوجه أعزّ شي‏ء عند الكرام،

قال أبو تمام:

____________________

(١) الصحيفة السجادية: ١١١ دعاء ٢٠.

(٢) الصحيفة السجادية: ١٠٥ دعاء ٢٠.

١٥

و ما ابالي و خير القول أصدقه

حقنت لي ماء وجهي أو حقنت دمي

و قال آخر:

ما جود كفّك إن جادت و إن بخلت

من ماء وجهي و قد أخلقته عوض

و عن الصادقعليه‌السلام : المعروف ابتداء، و أما من أعطيته بعد المسألة فانّما كافيته بما بذل لك من وجهه، يبيت ليلته أرقا متململا بين الرجاء و اليأس لا يدري أين يتوجّه لحاجته ثم يعزم بالقصد لها، فيأتيك و قلبه يرجف، و فرائصه ترعد قد ترى دمه في وجهه لا يدري أيرجع بكآبة أو فرح( ١) .

و مرادهعليه‌السلام باليسار: الكفاف، المطلوب عند أولياء اللَّه حتى لا يحتاج إلى الخلق، لا الغنى المطغى، المطلوب عند أهل الدنيا.

«و لا تبذل جاهي بالإقتار» أي: الإفتقار و ضيق المعاش.

في (الكافي) عن لقمان قال لابنه: يا بنيّ ذقت الصبر، و أكلت لحاء الشجر، فلم أجد شيئا هو أمرّ من الفقر، فان بليت به يوما فلا تظهر الناس عليه فيستهينوك و لا ينفعوك بشي‏ء، إرجع إلى الذي ابتلاك به فهو أقدر على فرجك،

و سله من ذا الذي سأله فلم يعطه أو وثق به فلم ينجه( ٢) .

«فاسترزق طالبي رزقك» و قبيح أن يدع الإنسان الرازق، و يدعو المرزوق،

فكما لا خالق غيره، لا رازق سواه إن اللَّه هو الرّزّاق ذو القوّة المتين( ٣) .

«و استعطف شرار خلقك» فان أكثر النّاس لئام و شرار، و الكرام و الأبرار قليلون، فإذا ابتلي بالإقتار يضطر غالبا الى استعطاف الأشرار.

روي في (الكافي)، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الأيدي ثلاث: يد اللَّه العليا، و يد

____________________

(١) أخرجه الكليني في الكافي ٤: ٢٣ ح ٢.

(٢) الكافي ٤: ٢٢ ح ٨.

(٣) الذاريات: ٥٨.

١٦

المعطي التي تليها، و يد المعطى أسفل الأيدي. فاستعفوا عن السؤال ما استطعتم، إنّ الأرزاق دونها حجب، فمن شاء قنى حياءه و أخذ رزقه، و من شاء هتك الحجاب و أخذ رزقه، و الذي نفسي بيده لئن يأخذ أحدكم جبلا ثمّ يدخل عرض هذا الوادي فيحتطب حتى لا يلتقي طرفاه ثم يدخل به السوق فيبيعه بمدّ من تمر و يأخذ ثلثه و يتصدّق بثلثيه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو حرموه.

و عن الصادقعليه‌السلام : جاءت فخذ من الأنصار إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا: لنا إليك حاجة. فقال: هاتوا، قالوا: عظيمة تضمن لنا على ربّك الجنّة؟

فنكسصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأسه ثم نكت في الأرض ثم رفع رأسه فقال: أفعل ذلك بكم على ألا تسألوا أحدا شيئا، فكان الرجل منهم يكون في السفر فيسقط سوطه فيكره أن يقول لإنسان ناولنيه فرارا من المسألة فينزل فيأخذه، و يكون على المائدة فيكون بعض الجلساء أقرب إلى الماء منه فلا يقول ناولني حتى يقوم فيشرب و عنهعليه‌السلام : رحم اللَّه عبدا عفّ و تعفّف و كفّ عن المسألة، فإنّه يتعجّل الدنية في الدنيا و لا يغنى الناس عنه شيئا. ثم تمثّلعليه‌السلام ببيت حاتم:

إذا ما عرفت اليأس ألفيته الغنى

إذا عرفته النفس و الطمع الفقر(١)

«و ابتلى بحمد من أعطاني و افتن» هكذا في (المصرية)، و الصواب:

«و افتتن» كما (في ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٢ ) «بذمّ من منعني» و حمد الناس كذمّهم مذموم، و فاعله ملوم.

«و أنت من وراء ذلك كلّه وليّ الإعطاء و المنع». في (الفقه الرضوي): روى أنّ اللَّه عز و جل أوحى إلى داودعليه‌السلام : ما اعتصم بي عبد من عبادي، دون أحد

____________________

(١) الكافي ٤: ٢٠ و ٢١ ح ٣ و ٥ و ٦.

(٢) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١١: ٢٥٥، لكن في شرح ابن ميثم ٤: ٨٨ نحو المصرية.

١٧

من خلقي، عرفت ذلك من نيّته، ثم تكيده أهل السماوات و الأرض و ما فيهنّ، إلاّ جعلت له المخرج من بينهنّ، و ما اعتصم عبد من عبيدي بأحد من خلقي دوني،

عرفت ذلك من نيّته، إلاّ قطعت أسباب السماوات من يديه، و أسخت الأرض من تحته، و لم أبال بأي واد هلك.

و فيه: و روي عن العالمعليه‌السلام يقول تبارك و تعالى: و عزّتي و جلالي،

و ارتفاعي في علوي، لا يؤثر عبد هواي على هواه، إلاّ جعلت غناه في قلبه،

و همّه في آخرته، و كففت عليه ضيعته، و ضمنت السماوات و الأرض رزقه،

و كنت له من وراء حاجته، و أتته الدنيا و هي راغمة. و عزّتي و جلالي،

و ارتفاعي في علو مكاني، لا يؤثر عبد هواه على هواي، إلاّ قطعت رجاءه، و لم أرزقه منها إلاّ ما قدرت له.

و روي أنّ بعض العلماء كان يقول: سبحان من لو كانت الدنيا خيرا كلّها أهلك فيها من أحبّ، سبحان من لو كانت الدنيا شرّا كلّها أنجى منها من أراد( ١) .

هذا، و واضح أنّ الخبر في جملة «و أنت من وراء ذلك كلّه ولي الإعطاء و المنع» إنّما هو «وليّ» و «من وراء» متعلّق به كقوله «من دونهم» في الصحيفة في قوله «و أنت من دونهم ولي الإعطاء و المنع»( ٢ ) ، و جعل ابن أبي الحديد «من وراء ذلك» الخبر و قال «و انت من وراء ذلك» مثل قولك للملك العظيم «هو من وراء وزرائه»، فيكون «وليّ» خبرا بعد خبر، و يجوز أن يكون «وليّ» هو الخبر و «من وراء» حالا الخ( ٣ ) . و كما ترى.

«إنّك على كلّ شي‏ء قدير» فتقدر على صون وجهي حتّى لا أحتاج إلى

____________________

(١) أخرجه صاحب فقه الرضا فيه: ٣٥٨ و ٣٥٩، و الأحاديث الثلاثة أخرجها البرقي في المحاسن، عنه مشكوة الأنوار: ١٦ و ١٧ و ٢٦٤، و الأول الكليني في الكافي ٢: ٦٣ ح ١.

(٢) الصحيفة السجادية: ١١١ دعاء ٢٠.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١١: ٢٥٦.

١٨

غيرك فافعل ذلك بي.

و في (الفقه الرضوي): نروي أنّ رجلا أتى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليسأله، فسمعه و هو يقول: «من سألنا أعطيناه و من استغنى أغناه اللَّه»، فانصرف و لم يسأله،

ثم عاد إليه فسمع مثل مقالته فلم يسأله، حتى فعل ذلك ثلاثا، فلما كان في اليوم الثالث مضى و استعار فأسا و صعد الجبل فاحتطب، و حمله إلى السوق،

فباعه بنصف صاع من شعير، فأكله هو و عياله، ثم دام على ذلك حتى جمع ما اشترى به فأسا، ثم اشترى بكرين و غلاما و أيسر، فأتى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبره فقال: «أ ليس قلنا من سألنا أعطيناه و من استغنى أغناه اللَّه»( ١) .

٤ - الخطبة (٤٦) و من كلام لهعليه‌السلام عند عزمه على المسير إلى الشام:

اَللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ اَلسَّفَرِ وَ كَآبَةِ اَلْمُنْقَلَبِ وَ سُوءِ اَلْمَنْظَرِ فِي اَلْأَهْلِ وَ اَلْمَالِ اَللَّهُمَّ أَنْتَ اَلصَّاحِبُ فِي اَلسَّفَرِ وَ أَنْتَ اَلْخَلِيفَةُ فِي اَلْأَهْلِ وَ لاَ يَجْمَعُهُمَا غَيْرُكَ لِأَنَّ اَلْمُسْتَخْلَفَ لاَ يَكُونُ مُسْتَصْحَباً وَ اَلْمُسْتَصْحَبُ لاَ يَكُونُ مُسْتَخْلَفاً أقول: هكذا في (المصرية) بدون نقل عن المصنف، و فيها سقط ففي (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية): قال السيد: و ابتداء هذا الكلام مروي عن رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و قد قفّاهعليه‌السلام بأبلغ كلام و تمّمه بأحسن تمام من قوله «لا يجمعهما غيرك» إلى آخر الفصل( ٢) .

قول المصنف: «و من كلام لهعليه‌السلام عند عزمه على المسير الى الشام» في

____________________

(١) فقه الرضا: ٣٦٥.

(٢) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٣: ١٦٦، لكن لم توجد الزيادة في شرح ابن ميثم ٢: ١٢١.

١٩

(صفّين نصر): لما وضع عليّعليه‌السلام رجله في ركاب دابّته يوم خرج من الكوفة إلى صفّين قال «بسم اللَّه»، فلما جلس على ظهرها قال سبحان الذي سخّر لنا هذا و ما كنّا له مقرنين و إنّا إلى ربّنا لمنقلبون( ١ ) ، ثمّ قال: اللّهم إنّي أعوذ بك من وعثاء السفر الخ( ٢) .

قولهعليه‌السلام «اللّهم إنّي أعوذ بك من وعثاء السفر» قال الجوهري: الوعث:

المكان السهل الكثير الدهس، تغيب فيه الأقدام و يشقّ على من يمشي فيه،

و وعثاء السفر: مشقّته( ٣) .

«و كآبة» قال الجوهري: الكآبة: سوء الحال و الانكسار من الحزن و قد كئب الرجل يكاب كأبة و كآبة( ٤) .

«المنقلب» قال الجوهري: المنقلب يكون مصدرا و يكون مكانا، مثل المنصرف( ٥) .

«و سوء المنظر في الأهل» بالمرض و الموت «و المال» بالفساد و التلف.

«اللّهم أنت الصاحب في السفر، و أنت الخليفة في الأهل» عن الصادقعليه‌السلام : ما استخلف عبد على أهله بخلافة أفضل من ركعتين يركعهما إذا أراد سفرا يقول «اللّهم اني استودعك نفسي و أهلي و مالي و ديني و دنياي و آخرتي و أمانتي و خواتيم عملي» إلاّ أعطاه اللَّه ما سأل( ٦) .

«و لا يجمعهما غيرك» من المخلوقين «لأن المستخلف» في الأهل «لا يكون

____________________

(١) الزخرف: ١٣ و ١٤.

(٢) وقعة صفين: ١٣٢.

(٣) صحاح اللغة ١: ٢٩٦ مادة (وعث).

(٤) صحاح اللغة ١: ٢٠٧ مادة (كأب).

(٥) صحاح اللغة ١: ٢٠٥ مادة (قلب).

(٦) أخرجه الكليني في الكافي ٣: ٤٨٠ ح ١ و غيره.

٢٠