• البداية
  • السابق
  • 108 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 23060 / تحميل: 5293
الحجم الحجم الحجم
سلامة القرآن من التحريف

سلامة القرآن من التحريف

مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
العربية

الأئمة من علماء الشيعة ينفون التحريف

إنّ المشهور بين علماء الشيعة ومحققيهم، والمتسالم عليه بينهم، هو القول بعدم التحريف في القرآن الكريم، وقد نصّوا على أنّ الذي بين الدفّتين هو جميع القرآن المُنْزَل على النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دون زيادة أو نقصان، ومن الواضح أنّه لا يجوز إسناد عقيدةٍ أو قولٍ إلى طائفةٍ من الطوائف إلاّ على ضوء كلمات أكابر علماء تلك الطائفة، وباعتماد مصادرها المعتبرة، وفيما يلي نقدّم نماذج من أقوال أئمة الشيعة الإمامية منذ القرون الاُولى وإلى الآن، لتتّضح عقيدتهم في هذه المسألة بشكل جلي:

١ - يقول الإمام الشيخ الصدوق، محمّد بن علي بن بابويه القمي، المتوفّى سنة ٣٨١ ه‍ في كتاب ( الاعتقادات ): « اعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله الله على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو ما بين الدفّتين، وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك، ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشرة سورة ومن نسب إلينا أنّا نقول إنّه أكثر من ذلك فهو كاذب »(١) .

٢ - ويقول الإمام الشيخ المفيد، محمّد بن محمّد بن النعمان، المتوفّى سنة ٤١٣ ه‍ في ( أوائل المقالات ): « قال جماعة من أهل الإمامة: إنّه لم ينقص من كَلِمة ولا من آية ولا من سورة، ولكن حُذِف ما كان مثبتاً في

__________________

(١) الاعتقادات: ٩٣.

٢١

مصحف أمير المؤمنينعليه‌السلام من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله، وذلك كان ثابتاً منزلاً، وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز، وعندي أنّ هذا القول أشبه - أي أقرب في النظر - مِن مقال من أدّعى نقصان كَلِمٍ من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل، وإليه أميل »(١) .

وفي ( أجوبة المسائل الروية )، قال: « فان قال قائل: كيف يصحّ القول بأنّ الذي بين الدفّتين هو كلام الله تعالى على الحقيقة من غير زيادة فيه ولا نقصان، وأنتم تروون عن الأئمةعليهم‌السلام أنّهم قرءوا « كنتم خير أئمّة أُخرجت للناس »، « وكذلك جعلناكم أئمّة وسطاً ». وقرءوا « يسألونك الأنفال ». وهذا بخلاف ما في المصحف الذي في أيدي الناس ؟

قيل له: إنّ الأخبار التي جاءت بذلك أخبار آحاد لا يُقْطَع على الله تعالى بصحّتها، فلذلك وقفنا فيها، ولم نعدل عمّا في المصحف الظاهر، على ما أُمِرنا به(٢) حسب ما بيّناه مع أنّه لا يُنْكر أن تأتي القراءة على وجهين منزلين، أحدهما: ما تضمّنه المصحف، والثاني: ما جاء به الخبر، كما يعترف به مخالفونا من نزول القرآن على أوجهٍ شتّى »(٣) .

٣ - ويقول الإمام الشريف المرتضى، عليّ بن الحسين الموسوي، المتوفّى سنة ٤٣٦ ه‍ في ( المسائل الطرابلسيات ): « إنّ العلم بصحّة نقل القرآن، كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام، والكتب

__________________

(١) أوائل المقالات: ٥٥.

(٢) روي عن الصادقعليه‌السلام أنه قال: « اقرءوا كما عُلّمتم »، وقالعليه‌السلام : « اقرءُوا كما يقرأ الناس ».

(٣) المسائل الروية: ٨٣ تحقيق الاستاذ صائب عبدالحميد.

٢٢

المشهورة، وأشعار العرب المسطورة، فإنّ العناية اشتدّت، والدواعي توفرت على نقله وحراسته، وبلغت إلى حدّ لم يَبْلُغه في ما ذكرناه ‎؛ لأنّ القرآن معجزة النبوّة، ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتّى عرفوا كلّ شيءٍ اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته، فكيف يجوز أن يكون مغيّراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد ؟!

وقال أيضاً: إنّ العلم بتفضيل القرآن وأبعاضه في صحّة نقله كالعلم بجملته، وجرى ذلك مجرى ما عُلِم ضرورةً من الكتب المصنّفة ككتابي سيبويه والمزني، فإنّ أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلها ما يعلمونه من جملتها، حتّى لو أنّ مُدْخِلاً أدخل في كتاب سيبويه باباً ليس من الكتاب لُعرِف ومُيّز، وعُلِم أنّه مُلْحَقٌ وليس من أصل الكتاب، وكذلك القول في كتاب المزني، ومعلومٌ أنّ العناية بنقل القرآن وضبطهِ أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء ».

وذكر: « أنّ من خالف في ذلك من الإمامية والحشوية لا يعتدّ بخلافهم، فإنّ الخلاف في ذلك مضافٌ إلى قومٍ من أصحاب الحديث، نقلوا أخباراً ضعيفة ظنّوا صحّتها، لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحّته »(١) .

وذكر ابن حزم أنّ الشريف المرتضى كان يُنكر من زعم أنّ القرآن بُدّل، أو زيد فيه، أو نُقِص منه، ويكفّر من قاله، وكذلك صاحباه أبو يعلى

__________________

(١) مجمع البيان ١: ٨٣.

٢٣

الطوسي وأبو القاسم الرازي(١) .

٤ - ويقول الإمام الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، المعروف بشيخ الطائفة، المتوفّى سنة ٤٦٠ ه‍ في مقدمة تفسيره ( التبيان ): « المقصود من هذا الكتاب علم معانيه وفنون أغراضه، وأمّا الكلام في زيادته ونقصانه فممّا لا يليق به أيضاً، لأنّ الزيادة فيه مجمعٌ على بطلانها، والنقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا، وهو الذي نصره المرتضىرحمه‌الله ، وهو الظاهر من الروايات، غير أنّه رُويت روايات كثيرة من جهة الخاصّة والعامّة بنقصان كثير من آي القرآن، ونقل شيءٍ من موضع إلى موضع، طريقها الآحاد التي لا تُوجِب علماً ولا عملاً، والأولى الاعراض عنها وترك التشاغل بها، لأنّه يمكن تأويلها، ولو صَحّت لما كان ذلك طعناً على ما هو موجودٌ بين الدفّتين، فإنّ ذلك معلومٌ صحّته لا يعترضه أحدٌ من الاَُمّة ولا يدفعه »(٢) .

٥ - ويقول الإمام الشيخ الطبرسي، أبو علي الفضل بن الحسن المتوفى سنة ٥٤٨ ه‍، في مقدمة تفسيره ( مجمع البيان ): « ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه، فانّه لا يليق بالتفسير، فأمّا الزيادة فمجمعٌ على بطلانها، وأمّا النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامّة أنّ في القرآن تغييراً ونقصاناً ؛ والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه، وهو الذي نصره المرتضى، واستوفى الكلام فيه غاية

__________________

(١) الفصل في الملل والنحل ٤: ١٨٢.

(٢) التبيان ١: ٣.

٢٤

الاستيفاء »(١) .

٦ - ويقول الإمام العلاّمة الحلي، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر، المتوفّى سنة ٧٢٦ ه‍ في ( أجوبة المسائل المهناوية ) حيثُ سُئل ما يقول سيدنا في الكتاب العزيز، هل يصحّ عند أصحابنا أنّه نقص منه شيءٌ، أو زِيد فيه، أو غُيِّر ترتيبه، أم لم يصحّ عندهم شيءٌ من ذلك ؟

فأجاب: « الحقّ أنّه لا تبديل ولا تأخير ولا تقديم فيه، وأنّه لم يزد ولم ينقص، ونعوذ بالله تعالى من أن يُعْتَقَد مثل ذلك وأمثال ذلك، فإنّه يُوجِب التطرّق إلى معجزة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المنقولة بالتواتر »(٢) .

٧ - ويقول الإمام الشيخ البهائي، محمد بن الحسين الحارثي العاملي، المتوفّى سنة ١٠٣٠ ه‍، كما نقل عنه البلاغي في ( آلاء الرحمن ): « الصحيح أنّ القرآن العظيم محفوظٌ عن التحريف، زيادةً كان أو نقصاناً، ويدلّ عليه قوله تعالى:( وإنّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) وما اشتهر بين الناس من اسقاط اسم أمير المؤمنينعليه‌السلام منه في بعض المواضع، مثل قوله تعالى( يا أيُّها الرسولُ بَلّغ ما أُنْزِل إليكَ - في عليّ -) وغير ذلك، فهو غير معتبرٍ عند العلماء »(٣) .

٨ - ويقول الإمام الشيخ جعفر كاشف الغطاء، المتوفّى سنة ١٢٢٨ ه‍ في ( كشف الغطاء ): « لا ريب في أنّ القرآن محفوظٌ من النقصان بحفظ الملك الديّان، كما دلّ عليه صريح الفرقان، واجماع العلماء في جميع

__________________

(١) مجمع البيان ١: ٨٣.

(٢) أجوبة المسائل المهناوية: ١٢١.

(٣) آلاء الرحمن ١: ٢٦.

٢٥

الأزمان، ولا عبرة بالنادر، وما ورد في أخبار النقيصة تمنع البديهة من العمل بظاهرها، ولا سيّما ما فيه نقص ثلث القرآن أو كثير منه، فإنّه لو كان كذلك لتواتر نقله، لتوفّر الدواعي عليه، ولاتّخذه غير أهل الإسلام من أعظم المطاعن على الإسلام وأهله، ثمّ كيف يكون ذلك وكانوا شديدي المحافظة على ضبط آياته وحروفه »(١) ؟!.

٩ - ويقول الإمام المجاهد السيد محمد الطباطبائي، المتوفّى سنة ١٢٤٢ ه‍ في ( مفاتيح الاُصول ): « لا خلاف أنّ كل ما هو من القرآن يجب أن يكون متواتراً في أصله وأجزائه، وأمّا في محلّه ووضعه وترتيبه فكذلك عند محقّقي أهل السنة، للقطع بأنّ العادة تقضي بالتواتر في تفاصيل مثله، لأنّ هذا المعجز العظيم الذي هو أصل الدين القويم، والصراط المستقيم، ممّا توفّرت الدواعي على نقل جمله وتفاصيله، فما نقل آحاداً ولم يتواتر، يقطع بأنّه ليس من القرآن قطعاً »(٢) .

١٠ - ويقول الإمام الشيخ محمد جواد البلاغي، المتوفّى سنة ١٣٥٢ ه‍ في ( آلاء الرحمن ): « ولئن سمعت من الروايات الشاذّة شيئاً في تحريف القرآن وضياع بعضه، فلا تُقِم لتلك الروايات وزناً، وقلَّ ما يشاء العلم في اضطرابها ووهنها وضعف رواتها ومخالفتها للمسلمين، وفيما جاءت به في مروياتها الواهية من الوهن، وما ألصقته بكرامة القرآن ممّا ليس له شَبَه به »(٣) .

__________________

(١) كشف الغطاء: ٢٢٩.

(٢) البرهان - للبروجردي: ١٢٠.

(٣) آلاء الرحمن ١: ١٨.

٢٦

١١ - ويقول الإمام الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء، المتوفّى سنة ١٣٧٣ ه‍ في ( أصل الشيعة وأصولها ): « إنّ الكتاب الموجود في أيدي المسلمين، هو الكتاب الذي أنزله الله إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للاعجاز والتحدّي، ولتعليم الأحكام، وتمييز الحلال من الحرام، وإنّه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة، وعلى هذا إجماعهم، ومن ذهب منهم، أو من غيرهم من فرق المسلمين، إلى وجود نقصٍ فيه أو تحريفٍ، فهو مخطئ، يَرُدّهُ نص الكتاب العظيم( إنّا نحنُ نزّلنا الذكرَ وإنّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ( الحجر ١٥: ٩ ).

والأخبار الواردة من طرقنا أو طرقهم الظاهرة في نقصه أو تحريفه، ضعيفة شاذّة، وأخبار آحاد لا تفيد علماً ولا عملاً، فأمّا أن تُؤوّل بنحوٍ من الاعتبار أو يُضْرَب بها الجدار »(١) .

١٢ - ويقول الإمام السيد عبدالحسين شرف الدين العاملي، المتوفّى سنة ١٣٧٧ ه‍، في ( أجوبة مسائل جار الله ): « إنّ القرآن العظيم والذكر الحكيم، متواترٌ من طُرقنا بجميع آياته وكلماته وسائر حروفه وحركاته وسكناته، تواتراً قطعياً عن أئمة الهدى من أهل البيتعليهم‌السلام ، لا يرتاب في ذلك إلاّ معتوهٌ، وأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام كلّهم أجمعون رفعوه إلى جدّهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الله تعالى، وهذا أيضاً ممّا لا ريب فيه. وظواهر القرآن الحكيم، فضلاً عن نصوصه، أبلغ حجج الله تعالى، وأقوى أدلّة أهل الحقّ بحكم الضرورة الأولية من مذهب الإمامية، وصحاحهم في ذلك متواترةٌ من طريق العِترة الطاهرة، ولذلك تراهم يضربون بظواهر الصحاح المخالفة للقرآن عرض الجدار ولا يأبهون بها، عملاً بأوامر أئمتهمعليهم‌السلام .

__________________

(١) أصل الشيعة وأُصولها: ١٠١ - ١٠٢ ط ١٥.

٢٧

وكان القرآن مجموعاً أيام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما هو عليه الآن من الترتيب والتنسيق في آياته وسوره وسائر كلماته وحروفه، بلا زيادةٍ ولا نقصانٍ، ولا تقديمٍ ولا تأخيرٍ، ولا تبديلٍ ولا تغيير »(١) .

١٣ - ويقول الإمام السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي، المتوفّى سنة ١٤١٣ ه‍، في ( البيان في تفسير القرآن ): « المعروف بين المسلمين عدم وقوع التحريف في القرآن، وأنَّ الموجود بأيدينا هو جميع القرآن المنزل على النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد صرح بذلك كثير من الأعلام، منهم رئيس المحدثين الشيخ الصدوق محمد بن بابويه، وقد عدّ القول بعدم التحريف من معتقدات الإمامية »(٢) .

ويقول أيضاً: « إنّ حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال، لا يقول به إلاّ من ضعف عقله، أو من لم يتأمّل في أطرافه حقّ التأمّل، أو من ألجأه إليه من يحبّ القول به، والحبّ يعمي ويصمّ، وأمّا العاقل المنصف المتدبّر فلا يشكّ في بطلانه وخرافته »(٣) .

١٤ - يقول الإمام الخميني المتوفّى سنة ١٤٠٩ ه‍: «إنّ الواقف على عناية المسلمين بجمع الكتاب وحفظه وضبطه، قراءةً وكتابةً، يقف على بطلان تلك الروايات المزعومة. وما ورد فيها من أخبار - حسبما تمسّكوا به - إمّا ضعيف لا يصلح للاستدلال به، أو موضوع تلوح عليه إمارات الوضع، أو غريب يقضي بالعجب، أمّا الصحيح منها فيرمي إلى مسألة

__________________

(١) عبدالحسين شرف الدين / أجوبة مسائل جار الله: أُنظر ص ٢٨ - ٣٧.

(٢) البيان في تفسير القرآن: ٢٠٠.

(٣) البيان في تفسير القرآن: ٢٥٩.

٢٨

التأويل، والتفسير، وإنّ التحريف إنّما حصل في ذلك، لا في لفظه وعباراته.

وتفصيل ذلك يحتاج إلى تأليف كتاب حافل ببيان تاريخ القرآن والمراحل التي قضاها طيلة قرون، ويتلخّص في أنّ الكتاب العزيز هو عين ما بين الدفّتين، لا زيادة فيه ولا نقصان، وأنّ الاختلاف في القراءات أمر حادث، ناشئ عن اختلاف في الاجتهادات، من غير أن يمسّ جانب الوحي الذي نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين »(١) .

__________________

(١) تهذيب الأصول ٢: ١٦٥.

٢٩

٣٠

روايات التحريف

يقول السيد شرف الدين العاملي المتوفّى سنة ١٣٧٧ ه‍: « لا تخلو كتب الشيعة وكتب أهل السنة من أحاديث ظاهرة بنقص القرآن، غير أنّها ممّا لا وزن لها عند الأعلام من علمائنا أجمع، لضعف سندها، ومعارضتها بما هو أقوى منها سنداً، وأكثر عدداً، وأوضح دلالةً، على أنّها من أخبار الآحاد، وخبر الواحد إنّما يكون حجّة إذا اقتضى عملاً، وهذه لا تقتضي ذلك، فلا يرجع بها عن المعلوم المقطوع به، فليضرب بظواهرها عرض الحائط »(١) .

ثلاث حقائق مهمّة !

قبل الخوض في موقف علماء الشيعة من روايات التحريف، وعرض نماذج من هذه الروايات، نرى لزاماً علينا بيان بعض الحقائق المتعلّقة بهذا الموضوع:

١ - إنّ من يحتجّ على الشيعة في مسألة تحريف القرآن ببعض الأحاديث الموجودة في كتب بعض علمائهم، فهو متحاملٌ بعيدٌ عن الانصاف ؛ لأنّه لا يوجد بين مصنّفي الشيعة من التزم الصحّة في جميع ما أورده من أحاديث في كتابه، كما لا يوجد كتابٌ واحدٌ من بين كتب

__________________

(١) أجوبة مسائل جار الله - المسألة الرابعة: ٣١ - ٣٧.

٣١

الشيعة وُصِفت كلّ أحاديثه بالصحّة وقوبلت بالتسليم لدى الفقهاء والمحدّثين.

يقول الشيخ الاستاذ محمّد جواد مغنية: « إنّ الشيعة تعتقد أنّ كتب الحديث الموجودة في مكتباتهم، ومنها ( الكافي ) و ( الاستبصار ) و ( التهذيب ) و ( من لا يحضره الفقيه ) فيها الصحيح والضعيف، وإنّ كتب الفقه التي ألّفها علماؤهم فيها الخطأ والصواب، فليس عند الشيعة كتاب يؤمنون بأنّ كلّ ما فيه حقٌّ وصوابٌ من أوّله إلى آخره غير القرآن الكريم، فالأحاديث الموجودة في كتب الشيعة لا تكون حجةً على مذهبهم ولا على أيّ شيعي بصفته المذهبية الشيعية، وإنّما يكون الحديث حجّةً على الشيعي الذي ثبت عنده الحديث بصفته الشخصية ».

ويكفي أن نذكر هنا أنّ كتاب الكافي للشيخ محمد بن يعقوب الكليني المتوفّى ٣٢٩ ه‍، وهو من الكتب الأربعة التي عليها المدار في استنباط الاحكام الشرعية، يحتوي على ستة عشر ألفاً ومئتي حديث، صنفوا أحاديثه - بحسب الاصطلاح - إلى الصحيح والحسن والموثق والقوي والضعيف.

٢ - لا يجوز نسبة القول بالتحريف إلى الرواة أو مصنفي كتب الحديث، لأنّ مجرد رواية أو إخراج الحديث لا تعني أنّ الراوي أو المصنّف يعتقد بمضمون ما يرويه أو يخرجه، فقد ترى المحدث يروي في كتابه الحديثي خبرين متناقضين يخالف أحدهما مدلول الآخر بنحو لا يمكن الجمع بينهما، فالرواية إذن أعم من الاعتقاد والقبول والتصديق بالمضمون، وإلاّ لكان البخاري ومسلم وسواهما من أصحاب الصحاح

٣٢

والمجاميع الحديثية، وسائر أئمّة الحديث، وجُلّ الفقهاء والعلماء عند فرق المسلمين، قائلين بالتحريف ؛ لأنّهم جميعاً قد رووا أخباره في كتبهم وصحاحهم ! والأمر ليس كذلك بالتأكيد، فلو صحّ نسبة الاعتقاد بما يرويه الرواة إليهم للزم أن يكون هؤلاء وغيرهم من المؤلّفين ونقلة الآثار يؤمنون بالمتعارضات والمتناقضات، وبما يخالف مذاهبهم ومعتقداتهم، ما داموا يروون ذلك كلّه في كتبهم الحديثية، وهذا ما لم يقل به ولا أدعاه عليهم ذو مسكة إذا أراد الانصاف.

٣ - إنّ ذهاب بعض أهل الفرق إلى القول بتحريف القرآن، أو إلى رأيٍ يتفرّد به، لا يصحّ نسبة ذلك الرأي إلى تلك الفرقة بأكملها، لا سيما إذا كان ما ذهب إليه قد تعرّض للنقد والتجريح والانكار من قبل علماء تلك الفرقة ومحقّقيها، فكم من كتبٍ كُتِبت وهي لا تعبّر في الحقيقة إلاّ عن رأي كاتبها ومؤلّفها، ويكون فيها الغثّ والسمين، وفيها الحقّ والباطل، وتحمل بين طيّاتها الخطأ والصواب، ولا يختصّ ذلك بالشيعة دون سواهم، فذهاب قوم من حشوية العامّة إلى القول بتحريف القرآن لا يبرّر نسبة القول بالتحريف إلى أهل السنة قاطبة، وذهاب الشيخ النوري المتوفى ١٣٢٠ ه‍ إلى القول بنقص القرآن لا يصلح مبرّراً لنسبة القول بالتحريف إلى الشيعة كافة، وكذا لا يصحّ نسبة أقوال ومخاريق ابن تيميّة التي جاء بها من عند نفسه وتفرّد بها إلى أهل السنة بصورة عامة سيما وإنّ أغلب محققيهم قد أنكروها عليه، فإذا صحّ ذلك فانّما هو شطط من القول وإسراف في التجنّي وإمعان في التعصّب ومتابعة الهوى.

٣٣

٣٤

موقف علماء الشيعة من روايات التحريف

إنّ العلماء الأجلاّء والمحققين من الشيعة، لم يلتفتوا إلى ما ورد في مجاميع حديثهم من الروايات الظاهرة بنقص القرآن، ولا اعتقدوا بمضمونها قديماً ولا حديثاً، بل أعرضوا عنها، وأجمعوا على عدم وقوع التحريف في الكتاب الكريم، كما تقدّم في كلمات أعلامهم.

وروايات الشيعة في هذا الباب يمكن تقسيمها إلى قسمين:

١ - الروايات غير المعتبرة سنداً ؛ لكونها ضعيفة أو مرسلة أو مقطوعة، وهذا هو القسم الغالب فيها، وهو ساقط عن درجة الاعتبار.

٢ - الروايات الواردة عن رجال ثقات وبأسانيد لا مجال للطعن فيها، وهي قليلة جداً، وقد بيّن العلماء أنّ قسماً منها محمولٌ على التأويل، أو التفسير، أو بيان سبب النزول، أو القراءة، أو تحريف المعاني لا تحريف اللفظ، أو الوحي الذي هو ليس بقرآن، إلى غير ذلك من وجوه ذكروها في هذا المجال، ونفس هذه المحامل تصدق على الروايات الضعيفة أيضاً لو أردنا أن ننظر إليها بنظر الاعتبار، لكن يكفي لسقوطها عدم اعتبارها سنداً.

أمّا الروايات التي لا يمكن حملها وتوجيهها على معنى صحيح، وكانت ظاهرة أو صريحة في التحريف، فقد اعتقدوا بكذبها وضربوا بها عرض الحائط وذلك للأسباب التالية:

١ - أنّها مصادمةٌ لما عُلِم ضرورةً من أنّ القرآن الكريم كان مجموعاً على عهد النبوّة.

٣٥

٢ - أنّها مخالفةٌ لظاهر الكتاب الكريم حيثُ قال تعالى:( إنّا نحنُ نَزّلنا الذِّكر وإنّا لهُ لَحَافِظُون ) (١) .

٣ - أنّها شاذّةٌ ونادرةٌ، والروايات الدالة على عدم التحريف مشهورةٌ أو متواترةٌ، كما أنّها أقوى منها سنداً، وأكثر عدداً، وأوضح دلالة.

٤ - أنّها أخبار آحاد، ولا يثبت القرآن بخبر الواحد، وإنّما يثبت بالتواتر، كما تقّدم في أدلّة نفي التحريف، وقد ذهب جماعة من أعلام الشيعة الإمامية إلى عدم حجّية الآحاد مطلقاً، وإنّما قيل بحجيّتها إذا اقتضت عملاً، وهي لا تقتضي ذلك في المسائل الاعتقادية ولا يُعبأ بها.

__________________

(١) الحجر ١٥: ٩.

٣٦

نماذج من روايات التحريف في كتب الشيعة

سنورد هنا شطراً من الروايات الموجودة في كتب الشيعة الإمامية، والتي أدّعى البعض ظهورها في النقصان أو دلالتها عليه، ونبيّن ما ورد في تأويلها وعدم صلاحيتها للدلالة على النقصان، وما قيل في بطلانها وردّها، وعلى هذه النماذج يقاس ما سواها، وهي على طوائف:

الطائفة الأولى: الروايات التي ورد فيها لفظ التحريف، ومنها:

١ - ما رُوي في ( الكافي ) بالاسناد عن علي بن سويد، قال: كتبتُ إلى أبي الحسن موسىعليه‌السلام وهو في الحبس كتاباً - وذكر جوابهعليه‌السلام ، إلى أن قال: - « أُؤتمنوا على كتاب الله، فحرّفوه وبدّلوه »(١) .

٢ - ما رواه ابن شهر آشوب في ( المناقب ) من خطبة أبي عبدالله الحسين الشهيدعليه‌السلام في يوم عاشوراء وفيها: « إنّما أنتم من طواغيت الاَُمّة، وشُذّاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ونفثة الشيطان، وعصبة الآثام، ومحرّفي الكتاب »(٢) .

فمن الواضح أنّ المراد بالتحريف هنا حمل الآيات على غير معانيها، وتحويلها عن مقاصدها الأصلية بضروبٍ من التأويلات الباطلة والوجوه الفاسدة دون دليلٍ قاطعٍ، أو حجةٍ واضحةٍ، أو برهان ساطع، ومكاتبة الإمام الباقرعليه‌السلام لسعد الخير صريحةٌ في الدلالة على أنّ المراد بالتحريف

__________________

(١) الكافي ٨: ١٢٥ / ٩٥.

(٢) بحار الانوار ٤٥: ٨.

٣٧

هنا التأويل الباطل والتلاعب بالمعاني، قالعليه‌السلام : « وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه، وحرفوا حدوده، فهم يروونه ولا يرعونه »(١) أي إنّهم حافظوا على ألفاظه وعباراته، لكنّهم أساءوا التأويل في معاني آياته.

الطائفة الثانية: الروايات الدالّة على أنّ بعض الآيات المنزلة من القرآن قد ذُكِرت فيها أسماء الائمةعليهم‌السلام ، ومنها:

١ - ما رُوي في ( الكافي ) عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام ، قال: « نزل جبرئيل بهذه الآية على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هكذا:( وإن كُنْتُم في رَيْبٍ مِمّا نَزَّلنا عَلَى عَبْدِنا - في عليّ -فأتُوا بسُورةٍ مِن مِثْلِهِ ) (٢) ( البقرة ٢: ٢٣ ).

٢ - ما رُوي في ( الكافي ) عن أبي بصير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام في قول الله تعالى:( من يُطعِ اللهَ ورَسُولَه - في ولاية عليّ والأئمة من بعده -فَقَد فَازَ فَوْزَاً عَظِيماً ) ( الاحزاب ٣٣: ٧١ ) هكذا نزلت(٣) .

٣ - ما رُوي في ( الكافي ) عن منخل، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: « نزل جبرئيل على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه الآية هكذا( يا أيُّها الذينَ أوتُوا الكتاب آمِنوا بما أنَزَّلنَا - في عليّ -نُوراً مُبِيناً ) ( النساء ٤: ٤٧ ).

ويكفي في سقوط هذه الروايات عن درجة الاعتبار نصّ العلاّمة المجلسي في ( مرآة العقول ) على تضعيفها، ويغنينا عن النظر في

__________________

(١) الكافي ٨: ٥٣ / ١٦.

(٢) الكافي ١: ٤١٧ / ٢٦.

(٣) الكافي ١: ٤١٤ / ٨.

٣٨

أسانيدها واحداً واحداً اعتراف المحدّث الكاشاني بعدم صحّتها(١) ، وقول الشيخ البهائي: « ما اشتهر بين الناس من اسقاط اسم أمير المؤمنينعليه‌السلام من القرآن في بعض المواضع غير معتبرٍ عند العلماء »(٢) ، وعلى فرض صحّته يمكن حمل قوله: « هكذا نزلت » وقوله: « نزل جبرئيل على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه الآية هكذا » على أنّه بهذا المعنى نزلت، وليس المراد أنّ الزيادة كانت في أصل القرآن ثمّ حُذِفت.

قال السيد الخوئي: « إنّ بعض التنزيل كان من قبيل التفسير للقرآن وليس من القرآن نفسه، فلابدّ من حمل هذه الروايات على أنّ ذكر أسماء الأئمة في التنزيل من هذا القبيل، وإذا لم يتمّ هذا الحمل فلابدّ من طرح هذه الروايات لمخالفتها للكتاب والسُنّة والأدلة المتقدّمة على نفي التحريف »(٣) .

وعلى فرض عدم الحمل على التفسير، فإنّ هذه الروايات معارضة بصحيحة أبي بصير المروية في ( الكافي )، قال: سألتُ أبا عبداللهعليه‌السلام عن قول الله تعالى:( يا أيها الذين آمنوا أطِيعُوا الله وأطِيعُوا الرَّسُولَ وأولي الأمر مِنْكُم ) ( النساء٤: ٥٩ ). قال: فقال: « نزلت في عليّ بن أبي طالب والحسن والحسينعليهم‌السلام ». فقلت له: إنّ الناس يقولون: فما له لم يسمّ علياً وأهل بيته في كتاب الله ؟ قالعليهما‌السلام : « فقولوا لهم: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ لهم ثلاثاً ولا أربعاً، حتّى كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو

__________________

(١) الوافي ٢: ٢٧٣.

(٢) آلاء الرحمن ١: ٢٦.

(٣) البيان في تفسير القرآن: ٢٣٠.

٣٩

الذي فسّر لهم ذلك »(١) . فتكون هذه الرواية حاكمة على جميع تلك الروايات وموضحة للمراد منها، ويضاف إلى ذلك أنّ المتخلّفين عن بيعة أبي بكر لم يحتجّوا بذكر اسم الامام عليّعليه‌السلام في القرآن، ولو كان له ذكر في الكتاب لكان ذلك أبلغ في الحجة، فهذا من الأدلة الواضحة على عدم ذكره في الآيات. ومما يُضاف لهذه الطائفة من الروايات أيضاً:

١ - ما رُوي في ( الكافي ) عن الأصبغ بن نباتة، قال: سَمِعتُ أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول: « نزل القرآن أثلاثاً: ثلث فينا وفي عدوّنا، وثلث سنن وأمثال، وثلث فرائض وأحكام »(٢) .

٢ - ما رُوي في ( تفسير العياشي ) عن الصادقعليه‌السلام ، قال: « لو قُرىء القرآن كما أُنزل لألفيتنا فيه مُسمّين »(٣) .

وقد صرّح العلاّمة المجلسيرحمه‌الله بأنّ الحديث الأوّل مجهول، أمّا الحديث الثاني فقد رواه العياشي مرسلاً عن داود بن فرقد، عمّن أخبره، عنهعليه‌السلام ، وواضح ضعف هذا الاسناد، وعلى فرض صحّته فإنّ المراد بالتسمية هنا هو كون أسمائهمعليهم‌السلام مثبتة فيه على وجه التفسير، لا أنّها نزلت في أصل القرآن، أي لولا حذف بعض ما جاء من التأويل لآياته، وحذف ما أنزله الله تعالى تفسيراً له، وحذف موارد النزول وغيرها، لألفيتنا فيه مُسمّين، أو لو أُوّل كما أنزله الله تعالى وبدون كَدَر الأوهام وتلبيسات أهل الزيغ والباطل لألفيتنا فيه مُسمّين.

__________________

(١) الكافي ١: ٢٨٦ / ١.

(٢) الكافي ٢: ٦٢٧ / ٢.

(٣) تفسير العياشي ١: ١٣ / ٤.

٤٠