• البداية
  • السابق
  • 108 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 23050 / تحميل: 5293
الحجم الحجم الحجم
سلامة القرآن من التحريف

سلامة القرآن من التحريف

مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
العربية

جمع القرآن

مراحل جمع القرآن:

المتحصّل من جميع الروايات الواردة في جمع القرآن أنّ مراحل الجمع ثلاث:

الأولى: بحضرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حفظاً وكتابةً، حيثُ حُفِظ في الصدور، وكُتِب على السطور في قراطيس وألواح من الرقاع والعسب واللخاف والاكتاف وغيرها. أخرج الحاكم بسند صحيح على شرط الشيخين، عن زيد بن ثابت، قال: « كنّا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نؤلّف - أي: نكتب - القرآن من الرقاع »(١) .

الثانية: على عهد أبي بكر، وذلك بانتساخه من العسب والرقاع وصدور الرجال وجعله في مصحفٍ واحد.

الثالثة: ترتيب السور على عهد عثمان بن عفّان، وحمل الناس على قراءة واحدة، وكتب منه عدّة مصاحف أرسلها إلى الأمصار، وأحرق باقي المصاحف.

__________________

(١) المستدرك ٢: ٦١١.

٨١

٨٢

جمع القرآن وشبهة التحريف

إنّ موضوع جمع القرآن من الموضوعات التي أُثيرت حولها الشبهات، ودُسَّت فيها الروايات، وتذرّع بها القائلون بالتحريف فزعموا أنّ في القرآن تحريفاً وتغييراً، وأنّ كيفية جمعه بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستلزمةٌ في العادة لوقوع هذا التحريف والتغيير فيه، حيثُ إنّ العادة تقتضي فوات شيءٍ منه على المتصدّي لذلك إذا كان غير معصوم.

قال الرافعي: « ذهب جماعة من أهل الكلام ممّن لا صناعة لهم إلاّ الظنّ والتأويل واستخراج الأساليب الجدلية من كلِّ حكمٍ ومن كلِّ قول إلى جواز أن يكون قد سقط عنهم من القرآن شيءٌ حملاً على ما وصفوه من كيفية جمعه »(١) .

إنّ امتداد زمان جمع القرآن إلى ما بعد حروب اليمامة، كما نطقت به الروايات، وتضارب الأخبار الواصفة لطريقة جمعه، أثارا الشبهة لدى الكثيرين، فعن الثوري أنّه قال: « بلغنا أنّ أُناساً من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا يقرأون القرآن، أُصيبوا يوم مسيلمة، فذهبت حروف من القرآن »(٢) .

إنّ حقيقة جمع القرآن في عهد الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تُعدّ من الحقائق التاريخية الناصعة، التي لا تحتاج إلى مزيد من البحث والاستقصاء وإثارة الشبهات، وتعدّ أيضاً ضرورةً ثابتةً تاريخياً دامغةً لكلّ الأقاويل والشبهات، ولكل ما دُسّ من الأخبار والروايات حول هذه المسألة.

__________________

(١) اعجاز القرآن: ٤١.

(٢) الدر المنثور ٥: ١٧٩.

٨٣

أدلّة جمع القرآن في زمان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

أجمع علماء الإمامية على أنّ القرآن كان مجموعاً على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يترك دنياه إلى آخرته إلاّ بعد أن عارض ما في صدره بما في صدور الحفظة الذين كانوا كثرة، وبما في مصاحف الذين جمعوا القرآن في عهدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد اعتُبِر ذلك بحكم ما علم ضرورة، ويوافقهم عليه جمعٌ كبيرٌ من علماء أهل السنة، وجميع الشواهد والأدلة والروايات قائمةٌ على ذلك، واليك بعضها:

١ - اهتمام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصحابة بحفظ القرآن وتعليمه وقراءته وتلاوة آياته بمجرد نزولها، وممّا روي من الحثّ على حفظه، قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من قرأ القرآن حتى يستظهره ويحفظه، أدخله الله الجنّة، وشفّعه في عشرة من أهل بيته كلّهم قد وجبت لهم النار »(١) وفي هذا المعنى وحول تعليم القرآن أحاديث لا تحصى كثرة، فعن عبادة بن الصامت قال: « كان الرجل إذا هاجره دفعه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى رجلٍ منّا يعلّمه القرآن، وكان لمسجد رسول الله ضجّة بتلاوة القرآن حتى أمرهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يخفضوا أصواتهم لئلا يتغالطوا »(٢) .

وقد ازداد عدد حُفّاظ القرآن بشكل ملحوظ لتوفر الدواعي لحفظه،

__________________

(١) مجمع البيان ١: ٨٥.

(٢) مناهل العرفان ١: ٢٣٤، مسند أحمد ٥: ٣٢٤، تاريخ القرآن للصغير: ٨٠، مباحث في علوم القرآن: ١٢١، حياة الصحابة ٣: ٢٦٠، مستدرك الحاكم ٣: ٣٥٦.

٨٤

ولما فيه من الحثّ من لدن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأجر والثواب الذي يستحقّه الحافظ عند الله تعالى، والمنزلة الكبيرة والمكانة المرموقة التي يتمتّع بها بين الناس، وحسبك ما يقال عن كثرتهم على عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعد عهده أن قُتِل منهم سبعون في غزوة بئر معونة خلال حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقُتل أربعمائة - وقيل: سبعمائة - منهم في حروب اليمامة عقيب وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحسبك من كثرتهم أيضاً أنّه كان منهم سيّدة، وهي أمُّ ورقة بنت عبدالله ابن الحارث، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يزورها ويسمّيها الشهيدة، وقد أمرها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تؤمّ أهل دارها(١) .

أمّا حفظ بعض السور فقد كان مشهوراً ورائجاً بين المسلمين، وكلّ قطعةٍ كان يحفظها جماعة كبيرة أقلّهم بالغون حدّ التواتر، وقلّ أن يخلو من ذلك رجلٌ أو أمرأةٌ منهم، وقد اشتدّ اهتمامهم بالحفظ حتى إنّ المسلمة قد تجعل مهرها تعليم سورة من القرآن أو أكثر.

٢ - لا يرتاب أحدٌ أنّه كان من حول الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كُتّاب يكتبون ما يملي عليهم من لسان الوحي، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد رتّبهم لذلك، روى الحاكم بسندٍ صحيح عن زيد بن ثابت، قال: « كنّا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نؤلّف القرآن من الرقاع »(٢) .

وقد نصّ المؤرخون على أسماء كُتّاب الوحي، وأنهاهم البعض إلى اثنين وأربعين رجلاً، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّما نزل شيءٌ من القرآن أمر بكتابته لساعته، روى البراء: أنّه عند نزول قوله تعالى:( لا يستوي القاعدون من

__________________

(١) الاتقان ١: ٢٥٠.

(٢) المستدرك ٢: ٦١١.

٨٥

المؤمنين ) ( النساء ٤: ٩٥ ) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ادعُ لي زيداً، وقُل يجيء بالكتف والدواة واللّوح، ثمّ قال: اكتب( لا يستوي ) »(١) .

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشرف بنفسه مباشرة على ما يُكْتَب ويراقبه ويصحّحه بمجرد نزول الوحي، روي عن زيد بن ثابت قال: « كنتُ أكتب الوحي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان إذا نزل عليه الوحي أخَذَتْهُ برحاء شديدة فكنت أدخل عليه بقطعة الكتف أو كسرة، فأكتب وهو يُملي عليّ، فإذا فرغت قال: « اقرأه »، فأقرؤه، فإن كان فيه سقط أقامه، ثمّ أخرج إلى الناس »(٢) .

أمّا في مفرّقات الآيات فقد روي عن ابن عباس، قال: « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا نزل عليه الشيء دعا من كان يكتب فيقول: ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا »(٣) وذلك منتهى الدقّة والضبط والكمال.

٣ - روي في أحاديث صحيحة « أنّ جبرئيل كان يعارض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القرآن في شهر رمضان، في كلِّ عامٍ مرّة، وأنّه عارضه عام وفاته مرّتين »(٤) وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعرض ما في صدره على ما في صدور الحفظة الذين كانوا كثرة، وكان أصحاب المصاحف منهم يعرضون القرآن

__________________

(١) كنز العمال ٢: حديث ٤٣٤٠.

(٢) مجمع الزوائد ١: ١٥٢.

(٣) المستدرك ٢: ٢٢٢، الجامع الصحيح للترمذي ٥: ٢٧٢، تاريخ اليعقوبي ٢: ٤٣، البرهان للزركشي ١: ٣٠٤، مسند أحمد ١: ٥٧ و ٦٩، تفسير القرطبي ١: ٦٠.

(٤) كنز العمال ١٢: حديث ٣٤٢١٤، مجمع الزوائد ٩: ٢٣، صحيح البخاري ٦: ٣١٩.

٨٦

على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فعن الذهبي: « أنّ الذين عرضوا القرآن على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبعة: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبدالله بن مسعود، وأُبي ابن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وأبو الدرداء »(١) .

وعن ابن قتيبة: « أنّ العرضة الأخيرة كانت على مصحف زيد بن ثابت »(٢)، وفي رواية ابن عبدالبرّ عن أبي ظبيان: « أنّ العرضة الأخيرة كانت على مصحف عبدالله بن مسعود »(٣) .

٤ - وفي عديد من الروايات أنّ الصحابة كانوا يختمون القرآن من أوله إلى آخره، وكان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد شرّع لهم أحكاماً في ذلك، وكان يحثّهم على ختمه، فقد روي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: « إنّ لصاحب القرآن عند كلِّ ختم دعوةً مستجابةٍ »(٤) . وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: « من قرأ القرآن في سبعٍ فذلك عمل المقربين، ومن قرأه في خمسٍ فذلك عمل الصدّيقين »(٥) . وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: « من شهد فاتحة الكتاب حين يستفتح كان كمن شهد فتحاً في سبيل الله، ومن شهد خاتمته حين يختمه كان كمن شهد الغنائم »(٦) .

ومعنى ذلك أنّ القرآن كان مجموعاً معروفاً أوّله من آخره على عهد

__________________

(١) البرهان للزركشي ١: ٣٠٦.

(٢) المعارف: ٢٦٠.

(٣) الاستيعاب ٣: ٩٩٢.

(٤) كنز العمال ١: ٥١٣ حديث ٢٢٨٠.

(٥) كنز العمال ١: ٥٣٨ حديث ٢٤١٧.

(٦) كنز العمال ١: ٥٢٤ حديث ٢٤٣٠.

٨٧

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فعن محمد بن كعب القرظي، قال: « كان ممّن يختم القرآن ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيّ: عثمان، وعليّ، وعبدالله بن مسعود »(١) .

وقال الطبرسي: « إنّ جماعة من الصحابة مثل عبدالله بن مسعود وأُبي ابن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدّة ختمات »(٢) .

وروي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « أنّه قد أمر عبدالله بن عمرو بن العاص بأن يختم القرآن في كلِّ سبع ليالٍ - أو ثلاث - مرّة، وقد كان يختمه في كل ليلة »(٣) . وأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سعد بن المنذر أن يقرأ القرآن في ثلاث، فكان يقرؤه كذلك حتى تُوفي(٤) .

٥ - كان الصحابة يدوّنون القرآن في صحف وقراطيس ولا يكتفون بالحفظ والتلاوة، فلعلك قرأت ما روي في إسلام عمر بن الخطّاب « أنّ رجلاً من قريش قال له: اختك قد صبأت ؛ أي خرجت عن دينك، فرجع إلى اخته ودخل عليها بيتها، ولطمها لطمة شجّ بها وجهها، فلمّا سكت عنه الغضب نظر فإذا صحيفةٌ في ناحية البيت، فيها( بسم الله الرحمن الرحيم *سبّح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم ) ( الحديد ٥٧: ١ ) واطّلع على صحيفة أُخرى فوجد فيها( بسم الله الرحمن الرحيم *طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) ( طه ٢٠: ١ ) فأسلم بعدما وجد نفسه

__________________

(١) الجامع لأحكام القرآن ١: ٥٨.

(٢) مجمع البيان ١: ٨٤.

(٣) سنن الدارمي ٢: ٤٧١، سنن أبي داود ٢: ٥٤، الجامع الصحيح للترمذي ٥: ١٩٦،  مسند أحمد ٢: ١٦٣.

(٤) مجمع الزوائد ٧: ١٧١.

٨٨

بين يدي كلامٍ معجزٍ ليس من قول البشر »(١) ، وهذا يدلّ على أنهم كانوا يكتبون بإملاء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأن هذا المكتوب كان يتناقله الناس.

٦ - جمع القرآن طائفة من الصحابة على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هم أربعة على ما في رواية عبدالله بن عمرو، وأنس بن مالك(٢) ، وقيل: خمسة كما في رواية محمد بن كعب القرظي(٣) ، وقيل: ستة كما في رواية الشعبي(٤) ، وكذا عدّهم ابن حبيب في ( المحبّر )(٥) ، وأنهاهم ابن النديم في ( الفهرست ) إلى سبعة(٦)، وليس المراد من الجمع هنا الحفظ، لأنّ حفّاظ القرآن على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا أكثر من أن تُحصى أسماؤهم في أربعة أو سبعة، كما تقدّم بيانه في الدليل الأول، وفيما يلي قائمة بأسماء جُمّاع القرآن على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي حصيلةٌ من جميع الروايات الواردة بهذا الشأن ؛ وهم:

١ - أُبي بن كعب. ٢ - أبو أيوب الأنصاري. ٣ - تميم الداري. ٤ - أبو الدرداء. ٥ - أبو زيد ثابت بن زيد بن النعمان. ٦ - زيد بن ثابت. ٧ - سالم

__________________

(١) الموسوعة القرآنية ١: ٣٥٢.

(٢) مناهل العرفان ١: ٢٣٦، الجامع لأحكام القرآن ١: ٥٦، أُسد الغابة ٤: ٢١٦، الجامع الصحيح ٥: ٦٦٦.

(٣) طبقات ابن سعد ٢: قسم ٢ / ١١٣، فتح الباري ٩: ٤٨، مناهل العرفان ١: ٢٣٧، حياة الصحابة ٣: ٢٢١.

(٤) طبقات ابن سعد ٢: قسم ٢ / ١١٢، البرهان للزركشي ١: ٣٠٥، الاصابة ٢: ٥٠، مجمع الزوائد ٩: ٣١٢.

(٥) المحبر: ٢٨٦.

(٦) الفهرست: ٤١.

٨٩

مولى أبي حذيفة. ٨ - سعيد بن عبيد بن النعمان، وفي الفهرست: سعد. ٩ - عبادة بن الصامت. ١٠ - عبدالله بن عمرو بن العاص. ١١ - عبدالله بن مسعود. ١٢ - عبيد بن معاوية بن زيد. ١٣ - عثمان بن عفان. ١٤ - عليّ بن أبي طالب. ١٥ - قيس بن السكن. ١٦ - قيس بن أبي صعصعة بن زيد الانصاري. ١٧ - مجمع بن جارية. ١٨ - معاذ بن جبل بن أوس. ١٩ - أُمّ ورقة بنت عبدالله بن الحارث، وبعض هؤلاء كان لهم مصاحف مشهورة كعليّعليه‌السلام وعبدالله بن مسعود.

٧ - إطلاق لفظ الكتاب على القرآن الكريم في كثيرٍ من آياته الكريمة، ولا يصحّ إطلاق الكتاب عليه وهو في الصدور، بل لابدّ أن يكون مكتوباً مجموعاً، وكذا ورد في الحديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّي تاركٌ فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي »(١) ، وهو دليلٌ على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد تركه مكتوباً في السطور على هيئة كتاب.

٨ - تفيد طائفة من الأحاديث أنّ المصاحف كانت موجودة على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند الصحابة، بعضها تامّ وبعضها ناقص، وكانوا يقرأونها ويتداولونها، وقرر لها الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائفةً من الأحكام، منها:

عن أوس الثقفي، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « قراءة الرجل في غير المصحف ألف درجة، وقراءته في المصحف تضاعف على ذلك ألفي درجة »(٢) .

__________________

(١) صحيح مسلم ٤: ١٨٧٣، سنن الترمذي ٥: ٦٦٢، سنن الدارمي ٢: ٤٣١، مسند أحمد ٤: ٣٦٧ و ٣٧١ و ٥: ١٨٢، المستدرك ٣: ١٤٨.

(٢) مجمع الزوائد ٧: ١٦٥، البرهان للزركشي ١: ٥٤٥.

٩٠

وعن عائشة، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: « النظر في المصحف عبادة »(١) .

وعن ابن مسعود، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: « أديموا النظر في المصحف »(٢) .

وعن أبي سعيد الخدري، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أعطوا أعينكم حظّها من العبادة، قالوا: وما حظّها من العبادة، يا رسول الله ؟ قال: النظر في المصحف، والتفكّر فيه، والاعتبار عند عجائبه »(٣) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أفضل عبادة أُمّتي تلاوة القرآن نظراً »(٤) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من قرأ القرآن نظراً مُتّع ببصره ما دام في الدنيا »(٥) . وكلّ هذه الروايات تدلّ على أنّ إطلاق لفظ المصحف على الكتاب الكريم لم يكن متأخّراً إلى زمان الخلفاء، كما صرحت به بعض الروايات، بل كان القرآن مجموعاً في مصحف منذ عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ونزيد على ما تقدّم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان لديه مصحف أيضاً، ففي حديث عثمان بن أبي العاص حين جاء وفد ثقيف إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال عثمان: « فدخلتُ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسألته مصحفاً كان عنده

__________________

(١) البرهان للزركشي ١: ٥٤٦.

(٢) مجمع الزوائد ٧: ١٧١.

(٣) كنز العمال ١: حديث ٢٢٦٢.

(٤) كنز العمال ١: حديث ٢٢٦٥ و ٢٣٥٨ و ٢٣٥٩.

(٥) كنز العمال ١: حديث ٢٤٠٧.

٩١

فأعطانيه »(١) ، بل وترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مصحفاً في بيته خلف فراشه - لا حسبما صرحت به بعض الروايات - مكتوباً في العسب والحرير والأكتاف، وقد أمر عليّاًعليه‌السلام بأخذه وجمعه، قال الإمام عليّعليه‌السلام : « آليت بيمينٍ أن لا أرتدي برداء إلاّ إلى الصلاة حتّى أجمعه »(٢) . فجمعهعليه‌السلام ، وكان مشتملاً على التنزيل والتأويل، ومرتّباً وفق النزول على ما مضى بيانه.

وجميع ما تقدّم أدلّةٌ قاطعة وبراهين ساطعة على أنّ القرآن قد كتب كله على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تدويناً في السطور علاوة على حفظه في الصدور، وكان له أوّل وآخر، وكان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشرف بنفسه على وضع كلّ شيءٍ في المكان الذي ينبغي أن يكون فيه، إذن فكيف يمكن أن يقال إنّ جمع القرآن قد تأخّر إلى زمان خلافة أبي بكر، وإنّه احتاج إلى شهادة شاهدين يشهدان أنّهما سمعاه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

__________________

(١) مجمع الزوائد ٩: ٣٧١، حياة الصحابة ٣: ٢٤٤.

(٢) كنز العمال ٢: حديث ٤٧٩٢.

٩٢

٩٣

جمع القرآن في عهد أبي بكر وعمر

تتضارب الأخبار حول جمع القرآن في هذه المرحلة حتى تكاد أن تكون متكاذبة، وفيما يلي نورد بعضها لنبيّن مدى تناقضها ومخالفتها للأدلة التي ذكرناها آنفاً:

١ - عن زيد بن ثابت، قال: « أرسل إليِّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إنّ عمر أتاني، فقال: إنّ القتل استمرّ بقُرّاء القرآن، وإنّي أخشى أن يستمرّ القتل بالقُرّاء في المواطن، فيذهب كثيرٌ من القرآن، وإنّي أرى أن تأمر بجمع القرآن، فقلت لعمر: كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال عمر: هو والله خير. فلم يزل يراجعني حتّى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر: إنّك شابّ عاقل، لا نتّهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتتبّع القرآن فاجمعه - فو الله لو كلّفوني نقل جبلٍ من الجبال ما كان أثقل عليَّ ممّا أمرني به من جمع القرآن - قلت: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتّى شرح الله صدري للذي شرح به صدر أبي بكر وعمر. فتتبّعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع غيره( لقد جاءكم رسول ) حتّى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتّى توفّاه الله، ثمّ عند عمر حياته، ثمّ عند حفصة بنت عمر »(١) .

__________________

(١) صحيح البخاري ٦: ٣١٤ / ٨.

٩٤

٢ - وعن زيد بن ثابت أيضاً، قال: « قُبِضَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يكن القرآن جمع في شيء »(١) .

٣ - ورُوي « أنّ أوّل من سمّى المصحف مصحفاً حين جمعه ورتّبه أبو بكر - وفي رواية: سالم مولى أبي حذيفة(٢) - وكان مفرّقاً في الأكتاف والرقاع. فقال لأصحابه: التمسوا له اسماً. فقال بعضهم: سمّوه إنجيلاً، فكرهوه. وقال بعضهم: سمّوه السفر، فكرهوه من يهود. فقال عبدالله بن مسعود: رأيتُ للحبشة كتاباً يدعونه المصحف، فسمّوه به »(٣) .

٤ - وعن محمد بن سيرين: « قُتِل عمر ولم يجمع القرآن »(٤) .

٥ - وعن الحسن: « أنّ عمر بن الخطاب سأل عن آية من كتاب الله، فقيل: كانت مع فلان، فقُتِل يوم اليمامة، فقال: إنّا لله، وأمر بالقرآن فجمع، فكان أوّل من جمعه في المصحف »(٥) .

هذه طائفةٌ من الروايات الواردة بهذا الخصوص، والملاحظ أنّ شبهة القول بالتحريف التي ذكرناها في أوّل بحث جمع القرآن مبتنيةٌ على فرض صحّة أمثال هذه الروايات الواردة في كيفية جمع القرآن، والملاحظ أنّه

__________________

(١) الاتقان ١: ٢٠٢.

(٢) الاتقان ١: ٢٠٥.

(٣) مستدرك الحاكم ٣: ٦٥٦، تهذيب تاريخ دمشق ٤: ٦٩، محاضرات الادباء مجلد ٢ ج ٤ ص ٤٣٣، فتح الباري ٩: ١٣، تاريخ الخلفاء: ٧٧، مآثر الانافة ١: ٨٥، البرهان للزركشي ١: ٢٨١، التمهيد في علوم القرآن ١: ٢٤٦، المصاحف: ١١ - ١٤.

(٤) طبقات ابن سعد ٣: ٢١١، تاريخ الخلفاء: ٤٤.

(٥) الاتقان ١: ٢٠٤.

٩٥

لا يمكن الاعتماد على شيءٍ منها، وقد اعترف محمد أبو زهرة بوجود رواياتٍ مدسوسةٍ فيها، والقارىء لهذه الروايات وسواها يتلمّس نقاط ضعفها على الوجه التالي:

١ - اضطراب هذه الروايات وتناقضها، فصريح بعضها أنّ جمع القرآن في مصحف كان في زمان أبي بكر، والكاتب زيد، وأنّ آخر براءة لم توجد إلاّ مع خزيمة بن ثابت، فقال أبو بكر: « اكتبوها، فإنّ رسول الله قد جعل شهادته بشهادة رجلين »(١) ، وظاهر بعض هذه الروايات أنّ الجمع كان في زمان عمر، وأنّ الآتي بالآيتين خزيمة بن ثابت، والشاهد معه عثمان، وفي حديث آخر: « جاء رجلٌ من الأنصار وقال عمر: لا أسألك عليها بيّنة أبداً، كذلك كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٢) . وفي غيره: فقال زيد: من يشهد معك ؟ قال خزيمة: لا والله ما أدري. فقال عمر: أنا أشهد معه »(٣) . وظاهر بعض هذه الروايات أيضاً أنّ الجمع تأخّر إلى زمان عثمان بن عفان.

واضطربت الروايات في الذي تصدّى لمهمّة جمع القرآن زمن أبي بكر، ففي بعضها أنّه زيد بن ثابت، وفي أُخرى أنّه أبو بكر نفسه وإنّما طلب من زيد أن ينظر فيما جمعه من الكتب، ويظهر من غيرها أنّ المتصدّي هو زيد وعمر، وفي أُخرى أن نافع بن ظريب هو الذي كتب المصاحف لعمر »(٤) .

__________________

(١) الاتقان ١: ٢٠٦.

(٢) كنز العمال ٢: ح ٤٣٩٧.

(٣) كنز العمال ٢: ح ٤٧٦٤.

(٤) أُنظر منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ٢: ٤٣ - ٥٢، وأُسد الغابة: ترجمة نافع بن ظريب.

٩٦

٢ - لا تصحّ الرواية الثالثة ؛ لأنّ المصاحف واستحداث لفظها لم يكن في زمان أبي بكر، بل هي موجودة منذ زمان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واستخدمت هذه المفردة لهذا المعنى، وهو القرآن الذي بين الدفّتين، منذ فجر الرسالة كما تقدّم بيانه، وتقول هذه الرواية أنّ كلمة ( مصحف ) حبشيّة، بل هي عربية أصيلة، ولسان الحبشة لم يكن عربياً، ثمّ إنّهم لماذا تحيّروا في تسمية كتاب الله وهو تعالى سمّاه في محكم التنزيل قرآناً وفرقاناً وكتاباً.

٣ - الملاحظ أنّ هذه الروايات تؤكّد على أنّ جمع القرآن كان بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد تقدّم بطلان ذلك ؛ لأنّه كان مؤلّفاً مجموعاً على عهدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ بالمصاحف ويختم، وكان له كُتّاب مخصوصون يتولون كتابته وتأليفه بحضرة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يشرف على أعمالهم بنفسه، وكان لدى الصحابة مصاحف كثيرة شُرّعت فيها بعض السنن، وكانوا يعرضون على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما عندهم باستمرار، وكان كثير من الصحابة قد جمعوا القرآن في حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٤ - هذه الروايات مخالفة لما أجمع عليه المسلمون قاطبةً من أنّ القرآن لا طريق لإثباته إلاّ التواتر، فإنّها تقول إنّ إثبات بعض آيات القرآن حين الجمع كان منحصراً بشهادة شاهدين أو بشهادة رجلٍ واحدٍ، ويلزم من هذا أن يثبت القرآن بخبر الواحد أيضاً، وهي دعوى خطيرةٌ لا ريب في بطلانها، إذ القطع بتواتر القرآن سببٌ للقطع بكذب هذه الروايات أجمع وبوجوب طرحها وإنكارها ؛ لأنّها تثبت القرآن بغير التواتر، وقد ثبت بطلان ذلك بإجماع المسلمين، فهذه الروايات باطلة ما دامت تخالف ما هو ثابت بالضرورة.

٩٧

وإذا سلّمنا بصحة هذه الروايات، فإننا لا نشك في أنّ جمع زيد بن ثابت للمصحف كان خاصّاً للخليفة، لأنّه لا يملك مصحفاً تاماً، لا لعموم المسلمين، لأنّ الصحابة من ذوي المصاحف قد احتفظوا بمصاحفهم مع أنّها تختلف في ترتيبها عن المصحف الذي جمعه زيد، وكان أهل الأمصار يقرأون بهذه المصاحف، فلو كان هذا المصحف عاماً لكلِّ المسلمين لماذا أمر أبو بكر زيداً وعُمَرَ بجمعه من اللخاف والعسب وصدور الرجال ؟ وكان بإمكانه أخذه تاماً من عبدالله بن مسعود الذي كان يملي القرآن عن ظهر قلب في مسجد الكوفة، والذي قال عنه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا أردتم أن تأخذوا القرآن رطباً كما أُنزل، فخذوه من ابن أُمّ عبد - أي من عبدالله بن مسعود - »(١) والذي يروي عنه أنّه قال عندما طلب منه تسليم مصحفه أيام عثمان: « أخذت من في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبعين سورة، وإنّ زيد بن ثابت لذو ذؤابة يلعب مع الغلمان »(٢) وبإمكانه أن يأخذه تامّاً من الإمام عليّعليه‌السلام الذي استودعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القرآن، وطلب منه جمعه عقيب وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجمعه وجاء به إليهم، فلم يقبلوه منه(٣) ، وما من آيةٍ إلاّ وهي عنده بخطّ يده وإملاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال أبو عبد الرحمن السلمي: « ما رأيت ابن أنثى أقرأ لكتاب الله تعالى من عليّعليه‌السلام »(٤) .

وبإمكانه أن يأخذه من أُبي بن كعب الذي قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

(١) مستدرك الحاكم ٣: ٣١٨، مجمع الزوائد ٩: ٢٨٧، مسند أحمد ١: ٤٤٥.

(٢) الاستيعاب ٣: ٩٩٣.

(٣) الاحتجاج ١: ٣٨٣، البحار ٩٢: ٤٠.

(٤) الغدير ٦: ٣٠٨ عن مفتاح السعادة ١: ٣٥١، وطبقات القراء ١: ٥٤٦.

٩٨

« أقرأهم أُبي بن كعب ». أو قال: « أقرأ أُمّتي أُبي بن كعب »(١) . أو يأخذه من الأربعة الذين أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس بأخذ القرآن عنهم، وهم: عبدالله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وأُبي بن كعب، ومعاذ بن جبل(٢) ، وكانوا أحياءً عند الجمع، أو يأخذه من ابن عباس حبر الاَُمّة وترجمان القرآن بلا خلاف.

ولو سلّمنا أنّ جامع القرآن في مصحف هو أبو بكر في أيام خلافته، فلا ينبغي الشكّ في أنّ كيفية الجمع المذكورة بثبوت القرآن بشهادة شاهدين مكذوبةٌ ؛ لأنّ جمع القرآن كان مستنداً إلى التواتر بين المسلمين، غاية الأمر أنّ الجامع قد دوّن في المصحف ما كان محفوظاً في الصدور على نحو التواتر.

__________________

(١) الاستيعاب ١: ٤٩، أُسد الغابة ١: ٤٩، الجامع الصحيح ٥: ٦٦٥، الجامع لاحكام القرآن ١: ٨٢، مشكل الآثار ١: ٣٥٠.

(٢) صحيح البخاري ٥: ١١٧ / ٢٩٤، مجمع الزوائد ٩: ٣١١.

٩٩

جمع القرآن في عهد عثمان

روى البخاري عن أنس: « أنّ حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال لعثمان: أدرك الاَُمّة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل إلى حفصة: أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف، ثمّ نردّها إليك ؛ فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبدالله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف. وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيءٍ من القرآن، فأكتبوه بلسان قريش، فإنّه إنما نزل بلسانهم، ففعلوا، حتّى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، ردّ عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كلّ أُفقٍ بمصحف ممّا نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كلِّ صحيفةٍ ومصحفٍ أن يحرق. قال زيد: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف، قد كنتُ أسمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري:( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) ( الاحزاب ٣٣: ٢٣ ) فألحقناها في سورتها في المصحف »(١) .

وهناك صور مختلفة وألفاظ شتّى لهذه الرواية، والملاحظ عليها جميعاً:

__________________

(١) صحيح البخاري ٦: ٣١٥ / ٩.

١٠٠