أطائب الكلم في بيان صلة الرّحم

أطائب الكلم في بيان صلة الرّحم0%

أطائب الكلم في بيان صلة الرّحم مؤلف:
المحقق: السيد احمد الحسيني
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 49

أطائب الكلم في بيان صلة الرّحم

مؤلف: الشيخ علي بن الحسين الكركي
المحقق: السيد احمد الحسيني
تصنيف:

الصفحات: 49
المشاهدات: 8561
تحميل: 5123

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 49 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 8561 / تحميل: 5123
الحجم الحجم الحجم
أطائب الكلم في بيان صلة الرّحم

أطائب الكلم في بيان صلة الرّحم

مؤلف:
العربية

بذلك على الترغيب في صلة مطلق القرابة حتى النائية بسبب الايمان.

وروى أيضاً باسناده عن أبي بصير عن أبي عبدالله7 مثله.

وباسناده عن محمّد بن فضيل الصيرفي عن الرضا7 مثله أيضاً.

وباسناده عن حنان بن سدير عن أبيه عن ابي جعفر7 قال : قال ابوذر رحمه الله : سمعت رسول الله9 يقول : حافتا الصراط(١) يوم القيامة الرحم والامانة ، فاذا مر الوصول للرحم المؤدي للامانة نفذ الى الجنة ، واذا مر الخائن للامانة القطوع للرحم لم ينفعه معهما عمل ويكبونه في النار(٢) وباسناده عن يونس بن عمار قال : قال ابوعبد الله7 : أول ناطق من الجوارح يوم القيامة الرحم ، تقول : يا رب من وصلني في الدنيا فصل اليوم ما بينك وبينه ، ومن قطعني في الدنيا فاقطع اليوم ما بينك وبينه.

وروى ابو علي الفضل بن الحسن الطبرسي في مجمع البيان

__________________

(١) حافتا الصراط : جانباه.

(٢) الكافي ٢ / ١٢٢ ، وفي آخره بدل « ويكبونه في النار » : وتكفأ به الصراط في النار.

٢١

باسناده عن النبي9 قال : قال الله تعالى : أنا الرحمن ، خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمي ، فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته.

قال : وفي أمثال هذا الخبر كثرة.

قلت : أراد بذلك أنه بمنزلة التواتر معنى.

وباسناده عن الاصبغ بن نباتة عن امير المؤمنين7 قال : ان احدكم ليغضب فما يرضى حتى يدخل به النار ، فأيما رجل غضب على رحمه فليمسنه ، فان الرحم اذا مستها الرحم استقرت ، وانها معلقة بالعرش تنادي : اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني.

قلت : لا ينافي ذلك مارواه الصدوق في عيون اخبار الرضا عن ابيه موسى8 قال : أخبرني أبي عن آبائه عن جدي عن رسول الله9 قال : الرحم اذا مستها الرحم تحركت واضطربت.

وذلك لان استقرارها من الغضب وزوال سورته عنها انما هو تحرك الدم واضطراب العروق الناشئين من المس المثمرين للرقة.

وروى الشيخ ابو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في التهذيب

٢٢

عن السكوني ، ورواه ايضاً الصدوق في من لا يحضره الفقيه باسناده قال : قال رسول الله9 : الصدقة بعشرة ، والقرض بثمانية عشر ، وصلة الاخوان بعشرين ، وصلة الرحم بأربعة وعشرين.

وباسناده عن عبدالله بن عجلان قال : قال لابي جعفر7 : اني ربما قسمت الشيء بين أصحابي أصلهم به فكيف أعطيهم ؟ قال : اعطهم على الهجر في الدين والفقه والعلم.

ولا خلاف وفي جواز الوصية للرحم ، لما فيه من الجمع بين الصدقة والصلة ، بل قد ورد النص بجواز الوصية له وان كان كافراً وهو الذي نقله الطبرسي في مجمع البيان عن كثير من العلماء.

ونقل عن اصحابنا أنها جائزة للوالدين والولد ، وحجتهم في جوازها للوالدين ما تقدم من الايات الدال بعضها على ذلك بالنص الصريح ، ولهذا يجب أن يخص بها مجموع ما سيأتي من الادلة الدالة على المنع من صلة كل عدو لله سبحانه بسبب استثناء هذا الفرد منه.

وقد أجمعوا على استحباب اختصاص الرحم بالصدقة الواجبة مع وجود الصفات المقتضية للاستحقاق ، لقوله7 : لا صدقة وذو رحم محتاج.

٢٣

ولان الاعتناء به في نظر الشارع أتم من غيره ، ولهذا ورثه وكتب له الوصية عند حضور الموت بتوفير نصيبه في قوله( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ ) (١) ، لما فيها من زيادة الصلة.

وامر الولد الاكبر بوجوب التحمل عن أبيه ما فاته من صلاة وصيام تمكن منه ومات قبل أدائه ، واستحباب الحج عنه مع المكنة.

ونهى عن الرجوع فيما وهبه لقريبه ولو بدون التصرف والتعويض ، فكان الدفع اليه أولى ، وهو المروي عن الكاظم7 .

وكذا صدقة التطوع مستحب له ، لقوله تعالى( يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ) (٢) .

وقال7 : الصدقة على المسكين صدقة ، وهي على ذي الرحم صدقة وصلة.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٨٠.

(٢) سورة البلد : ١٥.

٢٤

واما المقالة

ففيها مطالب :

المطلب الاول

( في بيان معنى الرحم )

« الرحم » لغة القرابة المطلقة ، وكذا عرفاً(١) . وأورد ابو القاسم الراغب في مفرداته ان استعارته من رحم الانثى ، لكونهم خارجين من رحم واحدة ، وأصله الرحمة ، وذلك لانها مما يتراحم به ويتعاطف ، يقولون « وصلتك رحم ».

ومن أجل ما ذكرناه من اللغة والعرف ذهب علماؤنا الى تسمية القرابة المطلقة رحماً ، سواء الذكر والاثنى والوارث وغير

__________________

(١) قال ابن منظور في لسان العرب ١٢ / ٢٣٢ : الرحم ( بفتح الراء وكسر الحاء ) أسباب القربة ، وأصلها الرحم التي هي منبت الولد ، وهي الرحم ( بكسر الراء وسكون الحاء ). الجوهري : الرحم القرابة ، والرحم بالكسر مثله.

٢٥

الوارث والمحرم وغير المحرم والمسلم والكافر ، من قبل الاب والام أو من قبل أحدهما ، لان الاسم يتناول الجميع على السواء ولم يعهد في الشرع معنى آخر وضع هذا اللفظ له ، فوجب صرفه الى المتعارف ، كما هو المعهود من عادة الشرع.

ويؤيده ما رواه علي بن ابراهيم في تفسيره عن علي7 قال : قوله تعالى( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ) (١) نزلت في بني امية بقتلهم الحسين7 .

وذلك لانهم لصاق بعبد مناف ، بسبب أن اخاه ربى عبداً له رومياً اسمه « امية »(٢) ، والى ذلك اشار أمير المؤمنين7 لما كتب اليه معاوية « انما نحن وانتم بنو عبد مناف » : ليس المهاجر كالطليق ولا الصريح كاللصيق(٣) .

__________________

(١) سورة محمد : ٢٢.

(٢) قال القمي في سفينة البحار ١ / ٤٦ : عن كامل البهائي ان اُمية كان غلاماً رومياً لعبد شمس ، فلما ألفاه كيساً فطناً أعتقه وتبناه فقيل أمية بن عبد شمس ، وكان ذلك دأب العرب في الجاهلية ، وبمثل ذلك نسب العوام ابو الزبير الى خويلد ، فبنوا أمية كافة ليسوا من قريش ، وانما لحقوا ولصقوا بهم.

(٣) قال محمد عبده معلقاً على هذه الجملة من نهج البلاغة ٣ / ١٨ : الطليق الذي أسر فأطلق بالمن عليه أو الفدية ، وابو سفيان ومعاوية كانا من الطلقاء يوم الفتح. والمهاجر من آمن في المخافة وهاجر تخلصاً منها. والصريح صحيح النسب في ذوي الحسب. واللصيق من ينتمي اليهم وهو أجنبي عنهم.

٢٦

وبعض العامة قصر ذلك على المحارم الذين يحرم التناكح بينهم ان كانوا ذكوراً و اناثاً ، وان كانوا من قبيل يقدر احدهما ذكراً والاخر أنثى ، فان حرم التناكح بينهم فهم الرحم. محتجاً بأن تحريم الاختين انما كان لما يتضمن من قطيعة الرحم ، وكذا تحريم اصالة الجمع بين العمة والخالة وابنة الاخ و الاخت مع عدم الرضا عندنا ومطلقاً عندهم.

ويرده ما تقدم.

نعم يشترط أن لا يبعد الشخص جداً بحيث لا يعد في العرف انه من القرابة ، والا لكان جميع الناس أقرباء ، لاشتراكهم في آدم7 .

وللمفيد قول بارتقاء القرابة الى آخر أب وأم في الاسلام ، وهو قول الشيخ في النهاية ، ونقحه العلامة في القواعد بأن المراد بهمن يتقرب اليه ولو بأبعد جد أو جدة ، بشرط كونهما مسلمين ، فالجد البعيد ومن كان من فروعه وان بعدت مرتبته بالنسبة اليه معدود قرابة اذا كان مسلماً.

ويضعف بأنه قد لا يساعد العرف عليه ، فان من عرض تقربه الى جد بعيد جداً لايعد قرابة عرفاً وان كان الجد مسلماً ، للعلة المتقدمة.

٢٧

وما قلناه أولاً مختار المبسوط والخلاف ، واليه ذهب ابن البراج وابن ادريس واكثر المتأخرين ، وقد مر وجهه.

ووجه الثاني قوله7 « قطع الاسلام ارحام الجاهلية » وقوله تعالى لنوح عن ابنه( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) (١) .

ورده ابو القاسم جعفر بن سعيد في الشرايع بأنه غير مستند الى شاهد.

وتوجيهه : انتفاء النص الصريح فيه ، اذ لم يرد فيه الا هذه الرواية ، وهي مع تسليم سندها غير دالة على المراد ، لان قطع الرحم للجاهلية لا يدل على قطع القرابة مطلقاً مع أصناف الكفار وكذا قطع الاهلية عن نوح.

قال ابن الجنيد : القريب من تقرب من جهة الاب أو الوالدين.

قال : ولا اختار أن يتجاوز بالتفرقة ولد الاب الرابع ، لان النبي9 لم يتجاوز ذلك في تفرقة سهم ذوي القربى من الخمس ، ولا دلالة على أن ذوي القربى حقيقة في مستحق الخمس ، وانما ذلك أمر أراده الله تعالى وفسره النبي9 ، بدليل ما روى أنه لما نزل( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (٢) قيل : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت

__________________

(١) سورة هود : ٤٦.

(٢) سورة الشورى : ٢٣.

٢٨

علينا مودتهم ؟ قال : علي وفاطمة وابناهما. ذكره الزمخشري في الكشاف وغيره ، واخبارنا ناطقة بأن باقي الائمة المعصومين من قرباه الذين وجبت علينا مودتهم.

هذا معنى آخر للقرابة بالنسبة اليه7 سوى الاول ، وهو قاض بأن للنبي9 في القرابة معنى خاصاً به ، للقطع بأن القرابة في حق غيره7 لا يقتصر فيها على احدى بناته وأولادها وبعلها الذي من شجرته. فالمرجع حيئذ الى العرف.

وعن أبي حنيفة وابي يوسف عدم اطلاق اسم القريب على الجد وولد الولد والوالدين والولد حي ، لان عندهم من سمى والده قريباً كان عاقاً ، لان القريب من يتقرب الى غيره بواسطة الغير ، وتقرب الوالد والولد بنفسهما لا بغيرهما ، لقوله تعالى( وَالأَقْرَبِينَ ) عطفه على الوالدين. ولا حجة فيه.

وقال فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير: لو أوصى لقرابته دخل قرابة الام في وصية العجم ولا تدخل في وصية العرب على الاظهر ، لانهم لا يعدون ذلك قرابة ، بخلاف ما لو أوصى لارحامه فانه يدخل قرابة الاب والام. والحق عدم الفرق.

٢٩

المطلب الثاني

( في بيان معنى الصلة وما يتعلق بذلك )

قال الجوهري : الوصل ضد الهجران ، والتواصل ضد التصارم.

فالقطيعة تحصل بالهجران وعدم الاحسان وما شاكلهما من وجوه الصلة ، وتحصل ايضاً بنفي النسب الثابت شرعاً.

والمرجع في الصلة الى العرف ، اذ لا حقيقة لها شرعية ولا لغوية. وهو يختلف باختلاف العادات وبعد المنازل وقربها ، فربما تحققت الصلة في عرف قوم بأمر في حالة ولا تتحقق في عرف آخرين في تلك الحالة.

وربما كان بعد المنازل سبباً لسقوط الامر ببعض أنواعها ، كالزيارة فان البعد سبب في سقوط الامر بها مع العسر.

وقد روى الثقة الكليني عن جابر عن أبي جعفر7 قال : قال رسول الله9 : أوصى الشاهد من أمتي والغائب منهم ومن في أصلاب الرجال وأرحام النساء أن يصل الرحم وان كانت منه على مسيرة سنة ، فان ذلك من الدين.

واعلم أن صلة من يطلب وصله من الارحام والقرابات ـ ويدخل

٣٠

فيه قرابة الرسول9 وقرابة المؤمنين الثابتة بسبب الايمان ـ تتأدى بالاحسان اليهم بحسب الطاقة والذب عنهم ونصرتهم والنصيحة لهم ودعوة المخالفين منهم الى الايمان وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وحسن الخلق معهم وايصال حقهم اليهم وحفظ أموالهم عليهم وعيادة مرضاهم وحضور جنائزهم ومراعاة حقوق الرفقاء منهم في السفر والمجاورين والخدم منهم ونحو ذلك.

ولا ريب انه مع فقر بعض الارحام ـ وهم العمودان أعني الاباء وان علواً والاولاد وان نزلوا ـ تجب الصلة بالمال ، وتستحب لباقي الاقارب ، وتتأكد في الوارث. للعلم بأنه اذا كانت القرابة قريبة كان الامر بالصلة آكد وأقوى ، والموصول به هو قدر النفقة.

ولو كان له قريبان مضطران الى الانفاق وليس هناك ما يفضل عن أحدهما قدم واجب النفقة ، فان وجبت نفقتهما قدم الاقرب فالاقرب ، فان تساويا فالقسمة على الاقرب.

ولو كان عنده ما لو أطعمه أحدهما لعاش يوماً ولو قسمه بينهما لعاش كل منهما نصف يوم ، فالظاهر القسمة ، لعموم قوله تعالى( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ) (١) ، ولرجاء ما يتمم به حياة

__________________

(١) سورة النحل : ٩٠.

٣١

كل منهما.

وهل القسمة على الرؤوس أو على سد الخلة ؟ احتمالان ، ويرجح الثاني أنه داخل في العدل ، اذ يجب عليه مع القدرة اشباعهما مع اختلاف قدر أكلهما ، فليكن كذلك مع العجز.

ولا تجب عليه هذه الصلة مع غنى القريب وان كان أحد العمودين. نعم تستحب الهدية اليه بنفسه أو رسوله.

قال الشهيد في قواعده : وأعظم الصلة ما كان بالنفس ، وفيه أخبار كثيرة ، ثم بدفع الضرر عنها ، ثم بجلب النفع اليها ، ثم بصلة من تحب وان لم يكن رحماً للواصل كزوجة الاب والاخ ومولاه ، وأدناها السلام بنفسه أو رسوله ، والدعاء بظهر الغيب والثناء في المحضر.

قلت : الذي يدل على أن أدناها مثل ذلك قوله7 « صلوا أرحامكم ولو بالسلام » ، ولو أداه بنفسه كان أفضل ، ولو انضم الى ذلك الصلة بالمال لمن لا تجب عليه نفقته كان أكمل. نعم لو كان على غير التقوى فينبغي أن يكون الدعاء له بخلوصه من الاثم أولى من زيارته وامداده بالمال.

وفي الدعاء بظهر الغيب أجر عظيم ، فقد روى عن النبي9 : من دعا لاخيه بظهر الغيب ناداه ملك من السماء :

٣٢

ولك مثلاه.

المطلب الثالث

( في بيان احكام الصلة )

الصلة تنقسم بانقسام الاحكام الاقتضائية : فالواجب ما يخرج به عن القطيعة المحرمة ، والمستحب ما زاد على ذلك ، والحرام قطيعة القرابة او صلة الكافر ، ومنه مخالف الحق الشريف وان لم يكن ناصباً ، فان من هذا شأنه يجب البراءة منه وإن كان أقرب الناس وألصقهم نسباً ، لقوله تعالى( لاَّ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ) (١) .

قال الزمخشري في الكشاف : معناه ان من الممتنع المحال أن تجد قوماً مؤمنين يوادون المخالفين لله ، والغرض انه لا ينبغي أن يكون ذلك ، وحقه ان يمتنع ولا يوجد بحال ، مبالغة في النهي عنه والزجر عن ملابسته والتصلب في مجانبة أعداء الله ومباعدتهم. وانما حرمت صلته لانها تقتضي خلاف ما أمر الله به من ذلك.

__________________

(١) سورة المجادلة : ٢٢.

٣٣

وبمدلول هذه الاية جملة من النصوص ، وقد أشرنا فيما تقدم الى استثناء الوالدين للاية المتقدمة.

والمكروه صلة المستضعف ، وهو من لا يعرف الحق ولا يعاند فيه ولا يوالي أحداً بعينه ، فانه ليس بمؤمن ، والمأمور بصلته انما هو المؤمن.

ولما كانت الصلة عبادة امتنع انقسامها الى المباح ، لخلوه من الرجحان المعتبر في العبادة.

المطلب الرابع

( في بيان صلة القاطع )

القاطع لا ينقطع حقه من الصلة اجماعاً ، اذ بترك عبادة من مكلف لا تسقط تلك العبادة من مكلف آخر ضرورة ، وقد ورد في ذلك من النصوص ما لا يحصى كثرة :

فمنها ما رواه الثقة الكليني باسناده عن علي بن النعمان قال اسحاق بن عمار : بلغني عن ابي عبدالله7 أن رجلاً أتى النبي9 فقال : يا رسول الله أهل بيتي أبوا الا تقريباً ( كذا ) على(١) وقطيعة لي وشتيمة فأرفضهم ؟ قال : فاذاً

__________________

(١) كذا في الاصل ، وفي الكافي ٢ / ١٢٠ « أبوا الا توثباً علي ».

٣٤

يرفضكم الله جيمعاً. قال : فكيف أصنع ؟ قال : تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتعفو عمن ضلمك ، فانك اذا فعلت ذلك كان لك من الله عليهم ظهيراً.

وباسناده عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله7 مثله.

وباسناده عن السكوني عنه7 قال : قال رسول الله9 : لا تقطع رحمك وان قطعك.

وروى الشيخ في التهذيب باسناده عن السكوني عنه7 قال : سئل رسول الله9 : أي الصدقة أفضل ؟ قال : على ذي الرحم الكاشح.

قال الجوهري : الكاشح الذي يضمر لك العداوة ، يقال كشح له بالعداوة وكاشحه بمعنى.

وباسناده عن محمد بن ابي عمير عن عبد الحميد عن سلمى مولاة ولد ابي عبدالله7 قال : كنت عند ابي عبدالله7 حين حضرته الوفاة ، فأغمي عليه فلما أفاق قال : أعطوا الحسن بن علي بن الحسين بن علي ـ وهو الافطس ـ سبعين ديناراً.

قلت له : أفتعطي رجلاً حمل عليك بالشفرة ؟ فقال : ويحك أما تقرأ القرآن ؟ قلت : بلى. قال : أما سمعت قوله تعالى( وَالَّذِينَ

٣٥

يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ ) (١) .

ولا يضر ضعف بعض أسانيدها ، لاعتضادها بما هو أصح اسناداً وانجبارها بعمل الاصحاب.

وكل حديث اشتمل على مقابلة المسيء بالاحسان والمحسن بالامتنان فهو نص في الباب ، وكذا الاية الواردة بالاعراض عن الجاهلين ، بناءاً على ما أورده القوم ـ منهم المقداد بن عبدالله السيوري ـ من أنها لما نزلت سأل رسول الله9 جبرئيل عن معناها ، فقال : لا أدري حتى أسأل ربك. ثم رجع فقال : يا محمد ان ربك أمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك.

المطلب الخامس

( في بيان أن الصلة تعطيل العمر )

قد تظافرت الاخبار بذلك ، ورواه الثقة الكليني باسناده عن محمد بن عبدالله قال : قال ابو الحسن الرضا7 : يكون الرجل يصل رحمه فيكون قد بقي من عمره ثلاث سنين فيصيرها

__________________

(١) سورة الرعد : ٢١.

٣٦

الله ثلاثين سنة ، ويفعل الله ما يشاء.

وباسناده عن اسحاق بن عمار قال : قال ابو عبدالله7 ما نعلم شيئاً يزيد في العمر الا صلة الرحم ، حتى أن الرجل يكون عمره ثلاث سنين فيكون وصولا للرحم فيزيد الله في عمره ثلاثين سنة فيجعلها ثلاثاً وثلاثين سنة ، ويكون اجله ثلاثاً وثلاثين سنة فيكون قاطعاً للرحم فينقصه الله عزوجل ويجعل أجله الى ثلاث سنين.

وباسناده عن الحسن بن علي الوشاء عن ابي الحسن الرضا7 مثله.

قلت : لا يضر تفاوت الزيادة في هذا الحديث والذي تقدمه على الاول ، لان الزيادة غير المنافية مقبولة ، وفي قوله7 « ما نعلم شيئاً » الخ ، مزيد ترغيب في الصلة وتأكيد لكونها سبباً لها.

وباسناده عن ابي حمزة قال : قال ابو جعفر7 : صلة الارحام تزكي الاعمال ، وتنمي الاموال ، وتدفع البلوى ، وتيسر الحساب [ وتنسيء ](١) في الاجل.

وباسناده عن عبد الحميد عن الحكم الحناط قال : قال ابو عبدالله7 : صلة الرحم وحسن الجوار يعمران الديار

__________________

(١) الزيادة من الكافي ٢ / ١٢١.

٣٧

ويزيدان في الاعمار.

باسناده عن عبدالله بن سنان عن ابي عبدالله7 قال : ان القوم ليكونوا فجرة ويكونون بررة ، فتنموا أموالهم وتطول أعمارهم ، فكيف أذا كانوا أبراراً بررة(١) .

وربما استشكل ذلك باعتبار أن المقدر في الازل والمكتوب في اللوح المحفوظ لا يتغير بالزيادة والنقصان ، لاستحالة خلاف معلوم الله تعالى.

وأجيب بأن المراد به الترغيب أو الثناء بعد الموت ، ومثله « ماتوا فعاشوا بحسن الذكر بعدهم » ، أو زيادة البركة في الاجل دون الزيادة فيه.

وهذا الاشكال وارد في كل ترغيب ووعد ووعيد ورد في الكتاب المجيد والسنة المطهرة.

ويندفع بما تقرر عندنا في علم الكلام من أن العلم تابع للمعلوم لا مؤثر فيه ، فكلما يحدث في العالم معلوم لله تعالى على ما هو عليه واقع من شرط أو سبب ، فاذا قال الصادق « ان زيداً إذا

__________________

(١) الحديث هنا مشوش جداً ، ونصه في الكافي ٢ / ١٢٤ هكذا : عن عبدالله ابن سنان عن أبي عبدالله7 قال : قال رسول الله9 : ان القوم ليكونون فجرة ولا يكونون بررة ، فيصلون أرحامهم فتنمي اموالهم وتطول أعمارهم فيكف اذا كانوا أبراراً بررة.

٣٨

وصل رحمه زاد الله في عمره » ففعل ذلك كان ذلك اخباراً بأن الله تعالى علم أن زيداً يفعل ما يزداد به عمره ، كما انه اذا أخبر انه اذا قال « لا اله الا الله » دخل الجنة ففعل تبين ان الله علم انه يفعل ذلك ويدخل الجنة.

ولا يشكل أيضاً بقوله تعالى( فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ) (١) ،( وَلَن يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ) (٢) .

وذلك لان الاجل يصدق على الاجل الموهبي والمسببي ، فيحمل في الاية على الموهبي.

أو يقال : الاجل هو الوقت ، فأجل الموت هو الوقت الذي علم الله وقوعه فيه ، سواء كان بعد العمر الموهبي أو السببي. وليس المراد به العمر ، اذ هو مجرد الوقت. وينبه عليه بعد دلالة الاخبار قوله تعالى :( وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ ) (٣) .

المطلب السادس

( في بيان صلة الذرية الصالحة )

قد مضى في الاحاديث النبوية المروية عن ابن أبي عمير

__________________

(١) سورة الاعراف : ٣٤.

(٢) سورة المنافقون : ١١.

(٣) سورة فاطر : ١١.

٣٩

وابي بصير عن ابي عبدالله7 في صدر المقدمة ماهو صريح في الحظ على ذلك ، ولا ريب أن في صلتهم من الثواب ما لا يحصى كثرة ، فان الله قد اكد الوصية فيهم ، خصوصاً اذا كانوا أرحاماً للواصل.

وقد روى الصدوق في من لا يحضره الفقيه عن أبي عبدالله7 أنه قال : قوله تعالى( مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا ) (١) نزلت في صلة الامام. وقال : درهم يوصل به الامام أفضل من ألف ألف درهم في غيره. وقال : من لم يقدر على صلتنا فليصل صالحي اخوانه يكتب له ثواب صلتنا ، ومن لم يقدر على زيارتنا فليزر صالحي موالينا يكتب له ثواب زيارتنا.

وأيضاً روى الثقة الكليني باسنادين أنها نزلت في صلته.

ولا يتوهم من ذلك احتياجه الى الصلة ، لما رواه الثقة الكليني عن الحسين بن محمد بن عامر قال : قال ابو عبدالله7 : من زعم أن الامام محتاج الى ما في أيدي الناس فهو كافر ، انما الناس محتاجون أن يقبل منهم الامام ، قال الله عز وجل( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ) (٢) .

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٤٥.

(٢) سورة التوبة : ١٠٣.

٤٠