• البداية
  • السابق
  • 203 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 24812 / تحميل: 5964
الحجم الحجم الحجم
الأثر الخالد في الولد والوالد

الأثر الخالد في الولد والوالد

مؤلف:
الناشر: ياس زهراء (عليها السلام)
العربية

قانون الوراثة

انّ حكم قانون الوراثة يجري في الآباء والابناء بمعنى أنّه اذا كان في الوالد طبيعة أو عيب يرثه الولد ، ولو كان بعد عدة أظهر ، وقد جرّب هذا المعنى وثبت علميا.

لذا كان أئّمتنا: يخبرون عن أفراد أشياء وأمرون شيعتهم بانتظارها فيهم اولادهم.

وهكذا يكون العكس ، بعنى أنه ينسب لشخص أمر ولا يكون فيه ولكن كان في أبيه او أحد آبائه.

١ ـ محمد بن اسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حمّاد بن عيسى عن ابراهيم بن عمر اليماني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : اذا قلنا في رجل قولا فلم يكن فيه ، وكان في ولده أو ولد ولده ، فلا تنكروا ذلك فان الله تعالى يفعل ما شاء ، الكافي ج ١ ، باب في انه اذا قيل في الرجل ، ص ٤٥٠ ، الحديث ٢.

٢ ـ الحسين بن علي ، عن معلي بن محمد ، عن الوشاء ، عن احمد بن عائذ ، عن أبي خديجة قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : قد يقوم الرجل بعدل او بجور ، وينسب اليه ، ولم يكن قام به. فيكون ذلك ابنه او ابن ابنه من بعده. فهو هو. الكافي ج ١ ، باب في انه اذا قيل في الرجل ، ص ٤٥٠ ، الحديث ٣.

١٤١

السلطة الماليّة

ان سلطة الأب على الولد مما لا يتنازع فيه اثنان ، ولمّا كان الأب هو السبب المباشر ظاهرا في كينونه ابنه كان له حق التصرّف في امواله ومع عدم علمه ، لذا جاء في شرايع الإسلام :

١ ـ في قطع يد السارق : أن لا يكون والداُ من ولده ، ويقطع يد الولد لو سرق من الوالد.

١٤٢

ارث الوالدين

كما أنّ الوالدين يوثان الابناء ، كذلك الابناء تورث ـ في بعض الأحايين ـ الوالدين والمشرّع الجليل جلّت عظمته لم يهمل حقّا لأحد مهما صغرأ وكبر.

١ ـ قال تعالى في محكم كتابه الكريم :يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حضّ الانثيين فان كن نساء فوق اثنتين فلهنّ ثلثا ما ترك ، وان كانت واحدة فلها النصف ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك ان كان له ولد ، فان لم يكن له ولد وورثه ابواه فلأمّه الثلث ، فان كان له اخوة فلامه السدس من بعد وصية يوصى بها او دين ، آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون ايهّم أقرب لكم نفعا ، فريضة من الله انّ الله كان عليما حكيما ( النساء ـ ١١ ).

١٤٣

الارث للولد

لا بد للآباء توريث أبنائهم. أما المال فليس بمهم والمهم الادب والحكمة والمعرفة وما اشبه. والخير كل الخير في توريث العلم.

١ ـ قال ابو ذرجمهر : ما ورّثت الآباء الابناء خيرا من ثلاثة اشياء : الادب النافع ، والاخوان الصالحون ، والثناء الجميل معدن الجواهر ص ٣٦.

٢ ـ من كلمات اميرالمؤمنين عليه الصلاة والسلام : اين من جمع فأكثر ، اعتقب ، واعتقد ونظر ، بزعمه للولد في كتاب درر الكلم في حرف الألف ، بألف الاستفهام.

٣ ـ وقال تعالى بالنسبة للمال :للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ( النساء آيه ٧ ).

٤ ـ وقال تعالى :يوصيكم الله في أولاكم للذكر مثل حضّ الانثيين ( النساء آية ١١ ).

٥ ـ وقال القدير جلّت قدرته :ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون ( النساء الآية ٣٣ ).

١٤٤

ارث الانثى

ان الانسان يورّث والتوريث له افراد متنوعة ، فبعض يورث العلم والأدب ، وبعض يورّث الشرّ في الورثه كما رأيناه بأم اعيننا في زماننا هذا ، فان قبل اعوام مات احدهم و اوصا ابنه الاكبر بأنه يبعد عن العلماء فانهم يتحيّلون عليه وعلى اخوته ويأخذون بعض اموالهم باسم الحقوق الشرعية ، وهو مات ولم يؤدى فلسا واحدا لاولاده هكذا زرع التباغض و التباعد في قلوب اولاده بالنسبة للعلماء ولأهل الدين ولكن ربك بالمرصاد فما مضت الليالي والأيام الاّ وقضى على ولده الاكبر بالسرطان وتشتت الباقون هداهم الله تعالى. اما بالنسبه لتوريث المال فقد حدّد الله تعالى للذكور والاناث كل حسب ما تقتضيه المصلحة العامة والخاصة.

١ ـ قال عزّ من قائل :للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قلّ منه او كثر نصيبا مفروضا النساء آية ٧.

٢ ـ وقال تبارك وتعالىيوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين فان كن نساء فوق اثنتين فلهنّ ثلثا ما ترك وان كانت واحدة فلها النصف ولابويه لكل واحد منها السدس مما ترك ان كان له ولد

١٤٥

فان لم يكن له ولد وورثه ابواه فلأمه الثلث فان كان له اخوة فلامّه السدس من بعد وصيّة يوصي بها او دين ، آباؤكم وابناؤكم لا تدرون أيهم اقرب لكم نفعا ، فريضة من الله ، ان الله كان عليماً حكيماً ( النساء ـ ١١ ).

١٤٦

ختامه مسك

هذا ما وجدته لوالدي1 من كتابه ( الاثر الخالد ) ، وقد طبعته على ما وجدته ، وقد طبعه بيده بالتايب ـ ولكي يكون ختامه مسك ارتأيت ان اختمه بدعائين من الصحيفة السجادية لمولانا وامامنا الامام علي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام ، ولكي تعم الفائدة ، نقلتها من كتاب ( في ظلال الصحيفة السجادية ) للكاتب الشهير الشيخ محمد جواد مغنية1 ثم أردفتهما بلمحة من حياة السيد الوالد من كتاب ( الكوكب الدّري في حياة السيد العلوي ).

أملي من القراء الكرام ان يذكروه بالدعاء وبفاتحة وسورة مباركة من كتاب الله الكريم ، ولهم من الله الاجر و الثواب ، ومن أسرته ألف شكر ، ودمتم بخير.

العبد

عادل العلوي

ايران ـ قم ـ ص ب ٣٦٣٤

١٤٧

١٤٨

ـ ٢٤ ـ

لأبويه

أللهمّ صَلّ عَلى محُمّدٍ عَبْدكَ وَرَسُولكَ ، وأهْلِ بيْته الطاهِرين ، واخْصُصْهمْ بأفْضَل صَلواتك وًرَحْمتك وَبَركاتك وَ سَلامكَ ، وَاخْصُصِ اللهُمّ والديّ بالكَرامة لديْكَ ، وَالصّلاةِ منْكَ يَا أرْحَمَ الرّاحمينَ.

أللْهُمّ صَلّ عَلى مُحمّدٍ وَآله ، وَ اْلهْمْنيعلْم مَا يًجبُ لهَمًا عَلَيّ ألْهَاماً ، وَاجْمَعْ لي علْمَ ذَلكَ كُلّهُ تمَاماً ، ثُمّ اسْتعْملنْي بمَا تُلهْمُني منْهُ ، وَوَفَقْني للنُفوذ فيمَا تُبْصّرُني مِنْ علُمِهِ ، حَتّى لا يفُوتني استْعْمًالُ شيء عَلًمتِْنيِه ، ولا تثَْقُل أرْكاني عَنِ الْحَفُوفِ فيماَ ألْهّمْتِنيه.

( وألهمني علم ما يجب لهما ) العلم بالحلال والحرام لا ينبع من داخل الانسان وأوهامه ، وانما يؤخذ من الوحي أو من يمضيه الوحي ويقره ، ولذا طلب الامام من الله سبحانه أن يرشده ويهديه الى ما يجب عليه لوالديه ، ويتلخص هذا الواجب بطاعتهما في كل شيء الا في معصية الله حيث طاعة

١٤٩

لمخلوق في معصية الخالق ، وبهذا نجد تفسير الآية ٨ من العنكبوت :( ووصينا الانسان بوالديه حسناً وان جاهداك على أن تشرك ما ليس لك به علم فلا تطعهما ) وغيرها من آيات هذا الباب وأحاديثه.

وبالمناسبة أشير ، لمجرد التنبيه والتحذير ، أني أعرف شيخاً باسمه وشخصه يحلل و يحرم ويحكم بالفروج والأموال بوحي من فهمه ووهمه ، أما الدرس والمراجعة والمطالعة فهي للذين يسيرون على الطريق لا لمن يطفر بلا رابطة وواصلة ! ومع هذا يؤمن ويوقن أنه ألمع من تخرج من مدرسة الامام جعفر الصادقعليه‌السلام ! أعاذنا الله من مضع هذا الهواء.

( واجمع لي علم ذلك ) اشارة الى واجبات الوالدين بالكامل ، والمعنى إجعلني عالماً بكل ما عليّ لهما ( ثم استعملني بما تلهمني ، ووفقني للنفوذ ) بعد أن طلب الامام من الله الهداية الى العلم بالواجبات سأله التوفيق الى العمل بموجب العلم ، لأن الهدف الاساس من كل علم هو التفيذ والتطبيق ، وبتعبير فيلسوف معاصر : « ليست المعرفة ـ أو بناءات ـ تبني بالذهن ليتعلمها الانسان ، ثم يأوي الى مخدعه ليستريح » وكفى.

( ولا تثقل أركاني عن الحفوف ) المراد بالثقل هنا الكسل والفتور وبالأركان الأعضاء التي يتركب منها البدن ، وبالحفوف الخدمة ، من حفف الخدم حوله أي أحدقوا به ، والمنى : هب لي من لدنك قوة ونشاطاً في طاعة والدي ومرضاتهما.

أللّهمّ صَلّ عَلى مُحَمّد وَآلهِ ، كَمَا شرَفْتَنَا بهِ ، وَصَلّ على مُحمّد وَآله ، كَمَا أوْجَبْت لنَا الحْقّ عَلى الْخَلْقِِ بِسَببِه.

١٥٠

أللّهُمّ اجْعَلْني أهَابُهُما هيَبْةَ السّلْطَانِ الْعسُوفِ ، وَأبَرهُما بْر الأمّ الرّؤوفِ ؛ وَاجمْعل طَاعتني لِوالدَيّ وَبِرّي بهِمَا أقَرّ لِعيْني من رقدة الوسنان ، وأثلج لصدري من شَربة الظّمآنِ ؛ حَتّى الوْسْنانِ ، وَأستكثْر بِرّهُمَا بي وإن قَلّ ، وَأستْقِلّ بِرّي بِهِمَا وَأنْ كثُرَ.

( اللهم صل على محمد وآله كما شرفتنا به ) أي بميراثنا لعلمه ، وعملنا بسنته ، وسيرنا على طريقته ، لا بمجرد الانتساب اليه ، قال سبحانه : «فاذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ـ ١٠١ المؤمنون ...ان أكرمكم عند الله أتقاكم ـ ١٣ الحجرات ». وسئل الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أحب الناس الى الله ؟ فقال : « أنفعهم للناس ». ويأتي في الدعاء ٤٢ : « لترفعنا فوق من لم يطق حمله » أي حمل علم الكتاب والسنة ( كما اوجبت لنا الحق على الخلق بسببه ) يشير بهذا الى الآية ٢٣ من الشورى :( قل لا أسألكم عليه أجراً الاّ المودة في القربى ) وما وجبت هذه المودة الا لأن أهل البيت: امتداد لجدهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علماً وعملا وسيرة وسريرة.

( أللهم اجعلني أهابهما هيبة السلطان العسوف ) : الظلوم ، يهاب والديه على دنوه منهما وعلمه بأنهما أرأف به من نفسه ، ولا غرابة ، ايها هيتة التعظيم والتقدير ، لاهيبة الخوف من العقاب العسير ، هيبة الأبوة التي لا يشعر بها الا العارفون. كانت فاطمة3 بضعة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأحب الخلق الى قلبه ومع هذا كانت تقول : ما استطعت أن أكلم أبي من هيبته ( وأبرهما

١٥١

بر الأم ) ولا شيء عند الأبوين أغلى وأثمن من بر الابن بهما ، علماً بأنه وفاء لدين سابق ومع هذا يسعدان به سعادة الغارس بثمرات غرسه ، وبهذه السعادة نفسها يشعر الابن البار اذا تأكد من سعادة أبويه به ، ورضاهما عنه.

 ( الوسنان ) : من أخذ النعاس ( واستكثر برهما بي وان قل ، واستقل بري بهما وان كثر ) الخير منه ضئيل وصغير بالغاً ما بلغ ، ومنهما جليل وكبير وان كان حبة من خردل ؟! وليس هذا تواضعاً ، بل ايماناً وعظمة نفس ، وشعوراً حياً بمسؤولية التكليف ، وهو أمره تعالى :( ان اشكر لي ولوالديك ـ ١٤ لقمان) وكل شيء قليل في جنب الله والشكر له لمن قرن شكره بشكره. وهكذا العظيم يستصغر الحسنة منه وان كبرت ، ويستكبر السيئة وان صغرت على العكس تماماً من الحقير ، وفي الحديث الشريف : « المؤمن يرى ذنبه فوقه كالجبل ، يخاف ان يقع عليه ، والنافق يرى ذنبه كذباب مر على أنفه فأطاره ». وقال قائل لأحد المتقين حقاً : رأيت في منامي أنك في الجنة. فقال له : ويحك أما وجد الشيطان من يخرمنه غيري وغيرك ؟.

أللّهُمّ خَفَض لهُمَا صوتي ، وَأطبْ لَهمُا كَلامي ، وَألنْ لَهمَا عرَيكتي ، وَاعطفْ عَليهْما قلْبي ، وَصَيرّني بهِما رَفيقاً ، وَعليْهما شفيقاً ؛ أللّهُمّ اشْكُرْ لَهُما تربِيَني ، وأثِبْهُما عَلى تَكْرِمتي ، وَاحْفظ لَهُما مَا حَفظَاه مِنّي في صِغَري.

أللّهُمّ وَمَا مَسّهُمَا مِنّي مِنْ أذىّ ، أوْ خَلَصَ اليَهْماَ عنّي مِنْ مَكْرُوهٍ ، أوْ ضاعَ قِبَلي لَهمُمَا مِنْ

١٥٢

حَقّ فاجْعَلْهُ حِطّةّ لِذُنوبِهِمَا ، وَعَلُوّا في دَرَجَاتِهِمَا ، وَزياَدَةً في حَسَناَتِهِماَ ؛ يَا مُبَدّلَ السّيئّاتِ بأضْعَافِهَا مِنَ الحْسَناَتِ.

 ( أللهم خفّض لهما صوتي ) غض الصوت وخفضه من الآدب الشرعية والعرفية ، بخاصة عند مخاطبة الكبار وأهل المكانة. وفي الآية ١٩ من لقمان :( واغضض من صوتك ان أنكر الأصوات لصوت الحمير ) ( وأطب لهما كلامي ) قال سبحانه :( فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريماً ـ ٢٣ الأسراء) على أن الكلمة الطيبة بوجه عام كالشجرة الطيبة( أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين ـ ٢٥ ابراهيم) ( عريكتي ) طبيعي ( رفيقاً ) : لطيفاً لا فظاً غليظاً.

 ( أللهم واشكر لهما ) أجزهما بالاحسان احساناً ، وبالسيئات عفواً وغفراناً ( واحفظ لهما ما حفظاه مني في صغري ) أجزل لهما الأجر والثواب على ما لقيا من التعب والعناء في سبيلي رضيعاً وصبياً. وقال رجل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ان أبوي بلغا من الكبر عتياُ ، وأنا أولى منهما ـ أباشر ـ ما وليا مني في الصغر فهل قضيت حقهما ؟ قال : لا ، فانهما كانا يفعلان ذلك وهما يحتان بقاءك ، وأنت تفعله ، وتريد موتهما ( أللهم وما مسهما مني من أذى ) كل ما أصابهما بسبي من مكروه ( فاجعله حطة ) : محواً ( لذنوبهما وعلواً ) لمقامهما عندك بحيث يكون شقاؤهما بي في الدنيا سبباً لسعادتهما في الآخرة.

 ( يا مبدل السيئات بأضعافها حسنات ) لمحو السيئات العديد من الطرق منها التوبة ، ومنها اصلاح ذات البين وكل عمل نافع مفيد للفرد والجماعة ، ومنها المرض فانه يحط السيئات ، ويحتها حت الأوراق ، على حد تعبير

١٥٣

نهج البلاغة ، ومنها العدوان حيث يتحمل المعتدي سيئات المعتدى عليه ، وأيضاً يأخد هذا حسنات ذاك ، وسبقت الاشارة الى ذلك في الدعاء ٢٢ عند تفسير « تقاضي به من حسناتي وتضاعف به من سيئاتي ».

أللّهُمَّ وَمَا تَعَدّيَا عَلَيّ فيِه مِنْ قَوْل ، أوْ أسْرَفا عِلِيّ فِيٍه مِنْ فعٍل ، أوْ ضَيَّعاهُ لي مِنْ حَقّ ، أوْ قَصّرا بي عنَْهُ مِنْ واجِبٍ فَقَدْ وهَبْئُهُ لَهُمَا ، وَجُدْتُ بِهِ علَيْهِمَا ، وَرَغبتُ اليَك في وَضْع تبَعتِه عَنْهمَا ، فانّي لا أتهّمُهُمَا ، عَلى نَفْسي ، وَلا أستْبْطئُهُمَا في بِرّي ، وَلا أكْرهُ مَا تَولَياَهُ مِنْ أمرْي يَارَبّ ؛ فهُمًا أوجبُ حَقاً عَلَيّ ، وَأقْدم احْساناً الَيّ ، وأعظَمً منّةً لَدَيّ مِنْ أنْ أقاَصّهُمَا بِعَدلٍ ، أوْ أجَازِيهُمَا عَلى سِئْلٍ.

أيْن اذاً يَا الَهي طُولُ شُغْلِهِما بترَبيَني ؟ وأيْنَ شِدُةُ تَعَبهِمَا في حِراستي ؟ وأيْنَ اقْتَارُهُمَا عَلى أنفْسِهمَا للتَوْسِعَة عَلَيّ ؟ هًيْهَاتَ مَا يسَتْوفِيَانِ مِنّي حَقّهُمَا ، وَلا أدْركُ مَا يَحِبُ عَلَيّ لَهُمَا ، وَلا أنَا بِقَاضٍ وَظيفَةَ خِدْمَتِهِمَا.

( أللهم وما تعديا علي فيه ) كما أوجب سبحانه حقوقاً للوالدين على والولد ، أوجب أيضاَ حقوقاً له عليهما ، ومن أهمل وقصّر استحق اللوم والعقاب والداً كان أو ولداً ، والامام السجادعليه‌السلام يتجاور ويتنازل عما

١٥٤

افترضه الله له على أبويه ، وحملهما من حقه أياً كان نوعه ويكون ، وعبّر عن هذا التسامح والتجاوز بقوله : ( وهبته لهما ) أسألك اللهم أن لا تؤاخذ أبوي على أي شيئ يتصل بي من قريب أو بعيد ( فاني لا أتهمهما على نفسي ) هما عندي وفي عقيدتي من الناصحين المخلضين لا تواني منهما في ولا تقصر ( ولا أكره ما توليا من أمري ) مهما أبي من المحبوب محبوب ، والعكس بالعكس.

( فهما أوجب حقا علي واحساناً الي ) لي حق ولهما حق ، ولكن حقهما اقدم وأعظم ( من أن أقاصهما بعدل ) لا مقاصة عادلة الا مع المساواة ، ولا مكان لها بين المنعم والمنعم عليه. ومن هنا يُقتل الولد بوالده ، ولا يُقتل الوالد بالولد.

( أين اذن يا الهي طول شغلهما ) لقد تحملا الضيق والشدة لاعيش في سعة ، والتعب والعناء لأكون في راحة ، والذل والهوان من أجل سعادتي ( هنهات ) بفتح التاء وكسرها وضمها : اسم فعل بمعنى بعد ( ما يستوفيان حقهما ) أقر وأعبرف بالعجز عن القيام بحقهما مهما اجتهدت وبالغت ، لأنه جسيم وعظيم.

وبعدُ ، فمن أراد أن يستدرك ما فرط من حق أبويه بعد موتهما ، فليستغفر الله لهما ، ويقض دينهما ، ان كان عليهما شيء منه الله أو للناس والا تصدق عنهما بما يستطيع. وفي الحديث : من الابرار يوم القيامة رجل برّ والديه بعد موتهما.

فَصَلّ عَلى مُحمّدٍ وَآلِه ، وَأعِنّي يَا خيْر مَنْ أسْتَعينُ بِهِ ، وَوَفقْني يَا أهْدى مَنْ رُغبَ الَيْهِ ،

١٥٥

وَلا تَجْعَلْني في العْقُوقِ للأباءِ وَألأمّهَاتِ يَوْمَ تجزْى كُلّ نَفْسٍ بمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ.

أللّهُمّ صَلّ عَلى مُحَمّدٍ وَآلهِ وَذُرّيّتِهِ ، وَاخْصُصْ أبَويّ بأفْضلِ مَا خَصَصْتَ بِهِ آباء عِبَادك المُؤمنينَ وَأمّهَاتِهِمْ ، يَا أرْحم الرّاحِمينَ.

( وأعني يا خير من أستعين به ) كل أدعية أهل البيت: ومناجاتهم ، تهدف الى طلب الهداية والعون والتوفيق للعلم بالحق والخير والعمل بموجبه ، لأن التوفيق هو الأصل والمنطلق لكل نفع وصلاح دنيا وأخرة ( ولا تجعلني في أهل العقوق ) : العصيان والتمرد ( للآباء والأمهات ) ولا أدري كيف يعق الولد والديه ، وهو على علم اليقين أنهما أرحم به من نفسه ، وأنهما يضحيان بالنفس والنفيس من أجله ، ولا يجزي الاحسان بالاساءة الا من فيه طبع الحية والعقرب.

( وصل على محمد وآله وذريته ) قيل : الذرية أخص من الآل ، لأن الآل لكل ذي رحم ، والذرية للنسل فقط. ولكن المراد هنا العكس ، لأن القصد من كلمة الآن في الصلاة عليه وعليهم ، المعصومون بالخصوص ، أما الصلاة على الذرية فتعم كل مؤمن صالح من نسل الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( واخصص أبوي بأفضل ) ما تخص به المقربين لديك.

أللّهُمّ لا تُنْسنِي ذِكْرَهُمَا في أدْبَار صَلَواتي ، وفي انيً مِنْ آنَاءِ لَيْلي ، وفي كُلّ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ نَهَاري.

١٥٦

أللّهُمّ صَلّ عَلى مُحَمّدٍ وَآلِهِ ؛ واغْفِرْ لي بدُعَائي لهَما وَاغْفِرْ لَهُمَا بِبِرّهِمَا بي مَغْفِرةً حَتْماً ؛ وَارْضَ عَنْهُما بِشَفاعتَي لهُما رضىً عَزْماً ، وَبَلغْهُمَا بِالْكرامَةِ مَواطِنَ السّلامَةِ.

أللّهمّ وَانْ سَبَقَتْ مَغْفِرتُكَ لَهُمَا فَشَفَّعهُما فيَّ ، وَانْ سَبَقَتْ لَهُمَا مَغْفرتُكَ لي فَشَعْني فِيهِما ، حَتّى نَجْتْمِع بِرأفتِكَ في دارِ كَرامَتِكَ وَمَحَلّ مَغْفْرتُكَ وَرَحْمَتِكَ.

إنّكَ ذُو الْفضلِ العْظِيمِ ، وَالمْنّ الْقديمِ ، وَأنْتَ أرحْمُ الرّاحِمنَ.

( أللهم لا تنسني ذكرهما في أدبار صلواتي ) كان الشعب العاملي ، المعروف الآن بجنوب لبنان ، من أشد الناس ولاء لأهل البيت: وأحرصهم على حفظ مناقبهم وآثارهم ، وبخاصة الأدعية حيث يكررونها صباح مساء ، وكان من عادة العامليين أن يقرأوا سورة الفاتحة بعد الصلاة ، يهدون ثوابها إلى الأبوين ، وما زال الكثير منهم على ذلك. وغير بعيد أن يكون المصدر هذا الدعاء بالذات ( وفي آناء من آناء ليلي وفي كل ساعة ) لا تنسني ذكرهما في أي وقت وحين.

( واغفر لي ) اجعل ثوابي عندك على البر بهما ، وثوابهما على البر بي ـ مغفرتك ورحمتك لي ولهما ( حتماً ) : غفراناً محتوماً ( رضىّ عزماً ) : معزوماً أي مقصوداً ( وبلغهما بالكرامة ومواطن السلامة ) تكرم

١٥٧

عليهما بالجنة وتفضل ( وإن سبقت مغفرتك لهما ) إن تك منزلتهما لديك أعلى وأرفع من مكانّي فارحمني بشفاعتهما ، وإن تك منزلتي أعلى فارحمهما بشفاعتي ( حتى نجتمع ) في جنانك ، ونسعد برضوانك.

والخلاصة أن للوالدين حقوقاً تمتاز عن أكثر الحقوق حتى عن حق المؤمن على المؤمن ولو كان الأبوان مشركين بنص القرآن الكريم :( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً ـ ١٥ لقمان) .

١٥٨

ـ ٢٥ ـ

لولده

أللّهُمّ وَمُنّ عَلَيَّ بَبقَاء وُلْدي ، وَبإصْلاحِهِم لَي وَبِإمتاعَي بهِم ، إلهَي امْدُدْ لي في أعْمَارِهِمْ ، وَزِدْ لي في آجَالهِم ْ ، وَرَبّ لي صَغيرَهُمْ ، وَقًوّلي ضَعِيفَهُمْ ، وَأصحّ لي أبدْانَهُمْ وأدْيَانَهُمْ وَأخْلاقَهُمْ ، وعَافِهِم في أنْفٌسهِم وَفي جَوارِحهِم وفي كُلّ ما عُنُيتُ بِهِ مِنْ أمْرهِمْ ، وَأدْرِر لي وَعلَىَ يَدي أرْزاقَهُمْ ، وَاجْعلْهُم أبْراراُ أتْقياءَ بُصَراءَ سَامعينَ مُطيعينَ لَكَ ، وَلأوْلِيَائكَ مُحبّينَ مُنَاصحينَ ، وَلِجَميعِ أعْدَائِكَ مُعانِدينَ وَمُبَغِضينَ ؛ آمينَ ...

( أللهم ومنّ عليّ ببقاء ولدي ) يتمنى الوالد طول الحياة لولده ، لأنه امتداد لوجوده وذكره وأجله وعمره ( وبإصلاحهم لي ) اجعلهم من أهل الإيمان والصلاح كي يطيعوك شاكرين ، ويسمعوا مني غير عاصين ( وبامتناعي بهم ) أتقوى بهم في شيخوختي ، ويخدموني في ضعفي وعليّ ( وربّ لي صغيرهم ) مدني بالعون من فضلك على تربيتهم تربية صالحة نافعة.

١٥٩

التوكل في العمل لا في البطالة والكسل

( وقوّ لي ضعيفهم وأصح ) أسألك يا إلهي أن يكون أولادي بالكامل اصحاء آقوياء وأبراراً أتقياء وليس معنى هذا أن يهمل الوالد شأن أولاده بالمرة ، ويترك تدبير هم لله وهو واقف ينظر ويتفرج ، بل معناه أن يأخذ للأمر هبته من أجلهم ويكافح بلا كلل وملل ، في سبيلهم متوكلاً على الله مستعيناً به في التوفيق وبلوغ الغاية ، والله سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملاً ، كيف وقد أمر بالجهاد والنضال وقال فيما قال :( اعملوا فسيرى الله عملكم ـ ١٠٥ التوبة) وندد بمن يعيش كلا على سواه في الآية ٧٦ من النحل.

وما من شك أن من ترك الكدح والعمل مع طاقته وقدرته بزعم الإتكال على الله ـ فقد تمرد على أمره تعالى ، و وضع رأيه فوق مشيئة الخالق وإرادته من حيث يريد أو لا يريد ، وتوابر عن الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إعقلها وتوكل » وقال حليم قديم : إن الله سبحانه أمرنا بالتوكل عليه في العمل لا في البطالة والكسل. وبكلام آخر أن التربية من صنع الإنسان ، ولها أسس وقوانين تماماً كالصناعة والزراعة وغيرهما ، والإمامعليه‌السلام في دعائه هذا يسأل الله سبحانه أن يهد له السبيل إلى التنفيذ والقيام بما فرضه عليه من تربية الأولاد والعناية بهم والكدح من أجنهم ، وسبق الكلام عن ذلك في الدعاء رقم ٢٠ وأيضاً قد يأتي بأسلوب ثالث أو رابع.

١٦٠