• البداية
  • السابق
  • 203 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 24819 / تحميل: 5964
الحجم الحجم الحجم
الأثر الخالد في الولد والوالد

الأثر الخالد في الولد والوالد

مؤلف:
الناشر: ياس زهراء (عليها السلام)
العربية

أجهل الناس بالله

( وأدرر على يدي ارزاقهم ) ما داموا صغاراً وأطفالاً حتى إذا بلغوا أشدهم معوا في الارض أكلوا من كد اليمين. وفيه إيماء إلي أنه ينبغي للإنسان أن يحتاط ويحترز من أن يترك أيتاماً بلا مال ولا راع وكفيل ، وفي الحديث : « إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس » وقريب منه قوله تعالى :( وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله ـ ٣٣ النور) .

وأجهل خلق الله بالله ودينه وسنته وشريعته ، من ترك العلاج للشفاء ، والسعي للرزق زاعماً ـ بلسان حاله وأفعاله ـ أنه قد أخذ من الله عهداً أن يعطيه ما يحتاج بمجرد نية التوكل دون أن يسرح ويتزحزح ! إن الله سبحانه هو الذي يشفي المريض ، ما في ذلك ريب ، ولكن بالعلاج ، ويطعم الجائع ولكن بالسعي تماماً كما يخلق الحيوان من النطفة والشجرة من النواة والليل والنهار من دوران الارض وهكذا كل ما في السموات والأرض من أسباب ومسببات ، تُرد إلى السبب الأول الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى.

أللّهُمّ اشْدُد بهِمْ عَضُدي ، وَأقِمْ بِهِمْ أوَدي ، وَكثّر بهِم عدَدَي ، وَزَيّنْ بِهِم مَحَضري ، وَأحيْ بهِم ذكَري ، واكفِني بِهِم في غَيَبتي ، وَاعنّي بِهِمْ عَلى حَاجَتي ، وَاجْعلهُم لي مُحبيّنّ ، وعَلَيَّ حَدبينَ مُقْبِلينَ مُستْقمينَ لي ، مُطيعينَ غَيْرَ عَاصينََ وَلا عَاقّينَ وَلا خَاطِئينَ ،

١٦١

وأعِنَي عَلى تَربيِتهمْ وَتَأديبِهِمْ وَبِرّهِمْ ، وَهَبْ لي مِن لَدُنْك مَعَهُم أوْلاداً ذُكُوراً ، وَاجعَل ذلِكَ خَيْراً لي ، وَاجْعَلهُم لي عَوناً عَلى ما سَألتُكَ.

هذا الجزء من الدعاء واضح لا يحتاج إلى الشرح والتفسير. وأيضاً تقدم بالحرف أو بالمضمون في هذا الفصل وغيره ، ولذا نكتفي بالإشارة إلى المراد من بعض المفردات ، والفرق بين عطف الوالد على ولده ، وعطف هذا على أبيه ، ثم نذكر ما يهدف اليه الامام باشارة خاطفة.

( عضدي ) العضد : الساعد وهو من المرفق الى الكتف ، والمراد به هنا القوة والمساعدة ، قال سبحانه : « سنشد عضدك بأخيك ـ ٣٥ القصص » أي يساعدك ويعينك ( أودي ) : ثقلي وحملي ، قال عز من قائل :( ولا يؤوده حفظهما ـ ٢٥٥ البقرة) أي لا يثقله حفظهما ( حدبين ) : مشفقين.

بين عطف الوالد والولد

أوصى سبحانه الولد بوالديه ، وأمره بالعطف عليهما ، ولم يوص الوالد بشيء من ذلك. والسر واضح ، لأن الولد بضعة من الوالد بل هو نفسه ولا عكس ، قال الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام لولده الامام الحسنعليه‌السلام : « وجدتك بعضي ، بل وجدتك كلي حتى لو أن شيئاً أصابك أصابني » وكتب ولد لوالده : جُعلت فداك. فكتب إليه والده : لا تقل مثل هذا ، فأنت على يومي أصبر مني على يومك. ومن الأمثال عندنا في جبل عامل : قلبي على ولدي وقلب ولدي على الحجر. وقال سبحانه :( إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاخذروهم ـ ١٤ التغابن) وما قال : إن من آبائكم

١٦٢

وأمهاتكم عدواُ لكم فاحذروهم ، لأن عاطفة الوالدين ذاتية كما أشرنا ، أما عاطفة الولد نحو فهي في ـ الغالب ـ مجرد المصلحة ، وقد تكون هذه المصلحة في موت والده. فينقلب عليه عدواً كما أشارت آية التغابن ، وفي الأشعار :

أرى ولد الفتى كلا عليه

لقد سعد الذي أمسى عقيما

فإما أن تربيه عدواً

وإما أن تخلفه يتيماً

وكنت ذات يوم في « التكسي » ذاهباً إلى المطبعة ، وفيها مراهقان ، فسمعت أحدهما يقول للآخر : هنيئاً لك ، أبوك من ذوي الاملاك والاموال. فقال له علناً وبكل صراحة ووقاحة : « لكن العكروت ما كان يموت » والكثير من الجديد على هذه الطوية والسجية.

وبعد ، فان الولد اما نعيم ليس كمثله الا الجنة ، وإما جحيم دونه عذاب الحريق ، والويل كل الويل لمن ابتلاه الله بامرأه سوء وولد عاق والامامعليه‌السلام يدعو الله ويناشده في أن يمده ويسعده بأولاد يحبهم ويحبونه ، أذلة عليه وعلى الحديث : « ان الله سبحانه رفع العذاب عن رجل ، أدرك له ولد صالح ، فأصلح طريقاً ، وآوى يتيماً ».

وَأعذْني وَذُرّيّتي مِن الشّيطَانِ الرَّجيمِ ، فإنّكَ خَلَثْتَنَا وَأمرَتَنَا وَنهَيْتَنَا ، وَرغّبْتَنَا في ثَوابِ مَا أمَرْتَنا ، وَرَهّبْتَنا عِقَابَه ، وجعَلْت لنَا عّدواً يكيدُنا ، سَلطْتهُ ، مِناّ عَلى مَا لَم تسَلطْنَا علَيهِْ مِنْه ، أسكنتَهُ صُدُورنَا ، وَأجريتهُ مجاريَ

١٦٣

دمَائنَا ، لا يَغْفُلُ إنْ غَفَلْنْا ، وَلا ينسي إن نَسينَا ، يُؤمِنُنَا عقابَكَ ، ويخوفُنَا بِغيْرِكَ ، إنْ هَمَمْنَا بفَاحشةٍ شَجّعَنا عَلَيْها ، وَإنْ هَمَمْنَأ بِعمَلٍ صالِحٍ ثَبّطَنَا عَنْهُ ، يَتَعَرّضُ لَنَا بالشّهَواتِ ، وَيَنْصبُ لنا بالشّبُهَاتِ ، إنْ وَعَدَنَا كَذبَنَا ، وَإنْ مَنّانا أخْلَفَنَا ، وَإلاَّ تَصرِفْ عَنّا كَيْدهُ يُضلّنا ، وإلاَّ تَقَنَا خَبَالَهُ َستْزِلّنَا.

أللّهُمَّ فَاقْهَرْ سُلطَانَهُ عَنَاّ بِسُلطانكَ ، حتّى تَحبِسَهُ عَنَا بكَثرْةِ الدّعاء لَكض فَنُصْبحَ مِنْ كَيَدْهِ في المْعْصومينَ بِكَ.

( وأعذني وذريتي ) واضح ، وتقدم بالحرف في الدعاء ٢٣ ( فانك خلقتنا وأمرتنا ) خلق سبحانه الانسان ، ومنحه العقل والقدرة والحرية ، وبهذا العناصر الثلاثه مجتمعة يستحق الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية ( ورهبتنا عقابه ) أي خوفتنا عقاب عصيان ما أمرتنا به نهيتنا عنه ( وجعلت لنا عدواً ) وهو الوسواس الخناس الذي يغلي في الصدور من الحقد والحسد والعزم على غيرهما من المآثم والدليل على ارادة هذا المعنى قوله : أسكنته صدورنا ، وأجريته مجاري دمائنا ، أما قوله : ( سلطته منا على ما لم تسلطنا عليه ) فمعناه أن هذا الواسواس الخبيث لا هو يذهب من تلقائه ، ولا نحن نستطيع الفرار منه وهذا صحيح لا ريب فيه ، ومن أجل ذلك لا يحاسب سبحانه ويعاقب على أي شيء يدور ويمور في النفس من الافكار والنوابا السوداء إلا إذا ظهرت وتجسمت في قول أو فعل.

١٦٤

( يؤمننا عقابك ) يضمن لنا الأمن والأمان من غضبك وعذابك ( ويخوفنا بغيرك ) ومن ذلك أن الله سبحانه قال :( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الارض ـ ٢٦٧ البقرة) والنفس الأمارة أو الوسواس يخوفنا الفقر ، إن أطعنا وأنفقنا ( وإن هممنا بفاحشة شجعنا عليها ) يشير بهذا الى جهاد النفس التى تحاول التغلب بالهوى على العقل والتقوى ( نصب لنا الشبهات ) أظهر لنا الأفكار الخاطئة التى تُلبس الحق ثوب الباطل والباطل ثوب الحق ، وتوقع السذج البسطاء في الشك والحيرة.

( إن وعدنا كذبنا ) يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً ١٢٠ النساء( وإلا تصرف عنا كيده يضلنا ) إقتباس من الآية ٣٣ يوسف :( وإلا تصرف عني كيدهن أصب اليهن ) أي إن لم تعني على نفسي أكن من الجاهلين ( وإلا تقنا خباله ) : فساده ( يستزلنا ) يوقعنا بالزلل والخطايا ( فاقهر سلطانه عنا بسلطانك ) هب لنا من لديك صبرأ عن الحرام ، ونصراُ على الهوى حتى لا نعصيك في جميع الحالات ( تحبسه عنا بكثرة الدعاء لك ) حثثت على الدعاء ، و وعدت بالإجابة ، وقد دعونا أن تصد عنا كل مكروه ، وتوسلنا بك وأكثرنا ، فكن لدعائنا مجيتاً ، ومن ندائنا قريباً.

أللّهُمَّ أعْطِني كُلّ سُؤلي ، وَاقْضِ لي حَوائِجَي ، وَلا تَمْنَعْني الإجَابَةَ وَقَدْ ضَمِنْتَهَا لي ، ولا تَحْجُبْ دُعَائي عَنْك ، وَقد أمَرتَني بِهِ.

وَامنُنْ عَلَيَّ بِكُلّ مَا يُصْلِحُني في دُنْيَايَ وَآخِرني مَا ذكَرْتُ منْهُ وَما نَسيِتُ ، أو أظهرْتُ أوْ أخْفيَتُ أوْ أعْلنَتُ أوْ أسْرَوْتُ.

١٦٥

وَاجْعَلْني في جَميع ذَلِك مِنَ الْمصُلِحين بسؤُالي إيّاكَ ، المُنْجِحِينَ بِالطّلّبِ إلَيكْ ، غَيْرِ الْمَمْنُوعِينَ بِالتّوَكّلِ عَلَيْكَ ، المَعَوَّدينَ بالتّعّوّذِ بِك ، الرّابِحينَ في التّجَارَةِ عَلَيْكَ ، الْمُجَارينَ بعِزّكَ ، الْموسَعِ عَلَيهِمُ الرّزقُ الحَلالُ مِنْ الذّلّ بِكَ ، وَالْمجَارينَ مِنَ الظّلْمِ بعَدْ لِكَ ، وَالْمُعَافَينَ مِنَ الْبَلاءِ بِرحْمتَكَ ، وَالْمُعَزّينَ مِنَ الْفَقْرِ : بِغِنَاكَ ، وَالمْعْصومِينَ مِنَ الذّنوبِ والزَّلَلِ وَالْخَطَإ بشَقْواكَ ، وَالْمُوفّقينَ لِخَيْرِ وَالرّشْدِ وَالصَّوابِ بِطَاعَتِكَ ، والْمُحَال بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الذّنوبِ بقُدْرتِكَ ، التَّارِكينَ لِكُلّ مَعْصِيَتِكَ السّاكِنينَ في جِوارِكَ.

( أللهم اعطني كل سؤلي ) مطلوبي وهو قضاء حوائجي ، فقد أنزلتها بك دون سواك ( ولا تمنعني الإجابة ، وقد ضمنتها لي ) بقولك :( ادعوني استجب لكم ـ ٦٠ غافر) ثم بيّن الامامعليه‌السلام هذه الحوائج بقوله : « وامنن علي بكل ما يصلحني هذا هو هم المؤمن وهمته : الصلاح وعمل الخير في الدنيا ، والنجاة والخلاص في الآخرة ، لا التكائر والتفاخر ( ما ذكرت منه وما نسيت ) واضح ، وتقدم مثله في الدعاء ٢٢.

( واجعلني في جميع ذلك من المصلحين بسؤالي إياك ) أسترشدك

١٦٦

بدعائي لكل ما فيه صلاحي في الدنيا وفوزي في الآخرة ( غير المتزعين بالتوكل عليك ) أنت يا إلهي تسمع الشاكين إليك ، ولا تمنع المتوكلين عليك ، وأنا منهم ، وأيضاً أنا من ( المعودين بالتعوذ بك ) لقد عوّدت الذين يتعوذون بك ويلوذون ، ان لا تردهم خابين ( الرابحين في التجارة عليك ) أي منك كقوله تعالى :( الذين إذا اكتالوا على الناس ـ ٢ المطففين) أي من الناس ، والمجرور متعلق بالرايح ، والمعنى من عمل صالحاً لوجه الله تعالى زاده من فضله ، والامام يسأل الله أن يجعله من العامليه له لسواه ، ومن ( المجارين بعزك ) : المحفوظين بعناية الله و حراسته ( المواسع عليهم الرزق الحلال ) ولا شيء أجل وأحل من لقمة يأكلها المرء بكدحه وسعيه لا بالرياء ورداء الصلحاء.

( المعزين من الذل بك ) أي بطاعتك ، وكم من أناس طلبوا العز بالنسب والثراء والخداع والرياء فاتضعوا وذلوا ( والمجارين من الظلم بعدلك ) أجرني بعدلك وقدرتك من كل ظالم ( والمعافين من البلاء برحمتك ) ارحمني برحمتك ، وامنن عليّ قبل البلاء بعافيتك ، وأيضاً اغنني بفضلك عن الناس ، وأبعدني بعنايتك عن الخطأ والخطيئة ، ووفقني للعمل بطاعتك وكل ذلك تقدم مراراً. وأخيراً اجعلني في الآخرة من ( الساكنين بجوارك ) ومن سكن في جوار العظيم الكريم فهو حرز حارز ، وحصن مانع من كل سوء.

أللّهُمَّ أعطِنَا جَميعَ ذَلِكَ بِتَوفِيقِكَ وَرَحْمَتِكَ ، وَأعِنَا مِنْ عَذابِ السعّيرِ ، وَاعْطِ جَميعَ الْمُسْلِمينَ وَالمُسلِمَاتِ وَالمْؤمنينَ وَالْمُؤمِنَاتِ مِثْلَ الّذي

١٦٧

سَألتْكَ لِنَفسي وَلِوُلدي في عَاجِلِ الدّنْيا وَآجِلِ الآخِرةَ.

إنّكَ قَريبُ مٌجيبُ سَميعُ عليمُ عَفُورَّ رؤُوفُ رَحِيمُ ، وآتِنَا في الدّنيَا حَسَنَةً ، وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذابَ النَارِ.

( أللهم اعطنا جميع ذلك ) إشارة إلى كل ما تقدم من صحة الأبدان والأديان إلى وفرة الأرزاق والسكنى في جوار الرحمن ( واعط جميع المسلمين والمسلمات ) ختم الامام دعاءه هذا بالرجاء أن يوفق سبحانه ويسهل السبيل الى ماذكر وسأل لنفسه ولذويه وأهل التوحيد ، لأن من أخص خصائص المؤمن أن يكون تعاونياً من الجميع. وفي الحديث : المؤمن يحب لغيره ما يحب لنفسه المؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى » هذا ، إلى أن العلاقة ما بين أفراد المجتمع الواحد حتمية لتشابك المصالح و وحدة المصير. ( وآتنا في الدنيا حسنة ) تقدم مثله في آخر الدعاء ٢٠.

١٦٨

الكوكب الدرّي

في حياة السيد العلوي

لمحة خاطفة من حياة آية الله المجاهد السيد علي بن الحسين العلوي «1 » بمناسبة أربعين وفاته.

وقد أقدمنا على تأليف هذه المجوعة التي تمثل نواحي مختلفة من نواحي حياته تجسيدا وبقاء لآثاره ومآثره.

وآثارنا تدل علينا

فانظروا بعدنا الى الآثار

وزبدة الكلام ان هذه المجموعة كشذره من عقد نحر وقطرة من ماء بحر فعذرا من هفوة القلم وزلة القدم.

١٦٩

بسم الله الرحمن الرحيم

( وَمنْ يَخْرج مِنْ بَيتِهِ مُهاجِرَا إلى اللهِ وَرَسولِهُ ثمَّ يدركه الموت فَقَد وقَعَ أجَره عَلى اللهِ )

« النساء ١٠٠ »

نبأ مفجع وخبر موجع ويوم كئيب حزين ، فتّت الأكباد ، وأضرم الخلد ، وأدمى العين ، وأذبل الفؤاد ، وخيّب الآمال.

ايها القلم الحزين ، ما بالك والحزن انقضى ظهرك ، وأضاق صدرك وأدمى مقلتك ، وأجّج لهيب الفراق في أحشائك ...

فراق الحبيب

إنه الشّعلة الوهاجة تنيركل سبل الخير وطريق الهداية ودروب الصلاح ، انه رجل الدين المجاهد ، والمفكّر الإسلامي ، العلامة الحجة آية الله السيد علي بن الحسين العلوي طاب مضجعه ونوّر الله قبره.

أفل كوكبه الدريّ ، وغابت شمسه الزاهيّة ، وودّع الدنيا الفانيّة ، في ليلة وضحها ، وفجئنا بما لم يكن بالحسبان ولم يخطر على البال قط ، بنبأ مفجع ...

فبهت الناس ، وصعقوا من هذا النبأ المؤلم ، ولكنهم سرعان ما هبّوا ...

فعلت الاصوات من الحناجر ، والحسرات من القلوب والكل لا يصدق بعد ، ولكن شاءت الأقدار ، أن تصدقه ، وحكم الله لا

١٧٠

غالب له.

فكانت الثلمة العظيمة في الإسلام ، والفقدان الفادح في الأمه والفراغ العصيب في صحبه وأخوانه لا يسدّها شيء ، وليس لنا الاّ الأستسلام لأمر الله الحكيم ، القلوب مضرمة مفجعة بنار الفراق الطويل ، والعيون مذرفة دموع الخزن والكآبة والعزاء ، والناس يلهجون له بحسن الثناء ، ويعزّون الأهل والأقرباء ، الأحباء ، ولمّا يصّدقون الخبر المفجع.

سيدي ومولاي :

يحق لنا جميعا أن نترك الحناجر هاتفة صارخة والدموع سائلة ساخنة وننادي وا أبتاه وا سيّداه وا مصلحاه !!!

عزّ والله علينا فراقك وعزّ على الأرواح والقلوب أن ترثيك ، وكنا نشعر بقوة نعتمد عليها ، ونستلهم من مغزها روح الجهاد والنضال فأين هي الآن ؟

سيدي أبتاه :

ما دار في خلدي أن أكتب ما اكتب ! ودمي الحزين ينزف من عيني أيحق لي أن اكتب عن حياتك البطوليّة والصمود ، حياة العلم والعمل ، وأنت لن تموت ؟ سيدي العلوي انك خالد في التأريخ اذ عشت للاسلام والأمة الإسلاميّة.

١٧١

لا تأخذك في الله لومة لائم ، اذ لاتخشى الاّ الله ولا تهاب الاّ الحق ، فأنك المجاهد الورع والعابد العالم والمصلح المنتفاني في الله وخدمة خلقه.

ماذا اكتب عن حياتك ، وحياتك مليئة بالعمل المتواصل والكفاح المرير حتى مضيت الى ربّك قرير العين.

وقد خلّفت أمّة من الناس تحمل روحك وقلبك الحنون ، خلّفت علماء من طلبتك الكرام ، وشباباّ ناهضاً ، وثروة علميّة من مطبوع وغير مطبوع ، خلّفت مواكب ومدارس إسلاميّة ، تربي الأجيال وتسمو بهم مدارج الكمال.

سيدي : لم ولن تموت ولك المآثر الخالدة في المجتمع والنفوس ، لن تموت ولك كتب قيمة وشباب طاهر يسير نحو الهدف الذي كنت ترمي اليه ، وذلك حكومة الإسلام واقامة الحق والعدل في المجتمع.

فنم قرير العين ، فانا كما عهدت مخلصون.

مولاي سكنت الفراديس وجنّات عرضها السموات والأرض. وسرعان ما غاب شمسك النير.

الله اكبر ...

لن أنسى تلك السويعة المريرة التي كنت بجنبك أقبل يديك الكريمة كّرات ودموع حبستها في حدقة العين ، كي لا تحزن وأنت على سرير المستشفى ، توصي ولدك ، ولم يكن بالحسبان أن

١٧٢

نفقدك.

وفراق الأحبة والله أصعب.

لن أنسى آخر لحظة من الوداع الحزين عندما كانت يدي بين يديك الخالدة بمدادك الذي أفضل من دماء الشهداء تضغط عليها حبّا وحنانا وشفقةً.

آه ساعة كئيبة لا أنساه مدى الحياة يحزّ قلبي ويأجّج لهيب الفراق في صدري فوا أسفاه على ذلك القلب الحنون المفقود ، وما يجدي الأسف ولكن لا حول ولا قوّه الا بالله العلي العظيم.

وما كان قيس فقده فقد واحد

ولكنه بنيان قوم تهدّما

سيدي :

في هذا الظرف العصيب الذي تمرّ به الأمة الإسلاميّة ، في عراقنا المضطهد ، ن في هذه المرحلة الرساليّة الشاقة ، وفي هذه الأجواء التى تكالبت فيها على الإسلام والمسلمين كل قوى الألحاد والصهيونيّة ولا سيّما العفلقيّة في العراق الحزين.

في هذه الفترة الحاسمة المحتاجة الى جهابذة مفكرين مصلحين ، ومجاهدين صابرين ، وقاده أمناء ، أصيبت الأمة في كبدها بفقدك الغالي العزير ، وانها لم تكن فاجعة آل العلوي فحسب انها فجيعة ايران والعراق فجيعة كل محب وموالي لأهل البيت: .

١٧٣

سيدي :

عذراً من روحك الطاهرة الزكيّة ، بأي المفاخر من حياتك أبدأ وبأي المناهج أشرع وأنت أبو المفاخر.

كنت النور تغمر من روادك بضيائك الزاهر ، ووسع قلبك مشاكل الأمة ولم تغفل عنها لخظة حتى الأجل.

واستقبلت المصاعب والمتاعب بصدر رحب ، شُرح بالإسلام ، اذ تؤمن بأن الجنة مأواك والنعيم نهاية حياتك.

وأخيراُ الى شعبك الحزين بفقدك أقدّم لمحة خاطفة من أبعاد حياتك الخالدة.

ولعلنا نوفق أن نشير الى لمحات وشذرات من سجل حياتك طاب ثراك وقدس الله روحك.

وانا لله وانّا اليه راجعون

الحزين الكئيب

١٧٤

مولده وحياته العائليّة :

ولد فقيدنا الراحل الى جوار رحمة ربّه الكريم في اليوم الثاني من محّرم الحرام عام ١٣٤٦ هجري قمري المصادف ٢٣/٦/١٩٢٧ ميلادي في محلّة ( ام النوّمي ) في بلدة الكاظميّة المقدس ، وترعرع في أحضان الايمان والتقوى ، وتغذّى من ثدي العلم والعمل ، حيث أنحدر من سلالة طيّبة طاهرة في التقوى والفضيلة في أرحام طاهرة واصلاب شامخة ، وكان خيرة اولاد أبيه الصالح المتقي الوقور السيد حسين1 ذكوراً واناثا في النشاط والحيويّة والذكاء ، والعمل الدائب والجهد المتواصل ، ونسبه الشريف وشجرته المباركة تصل الى الامام السجّاد ، زين العابدين مولانا وسيدنا الامام علي بن الحسينعليه‌السلام .

ويأتيك التفصيل بقلمه وخطّه الشريف ، ولقد اقترن أبان بلوغه بأبنة عمّه ، وتوفيت في الثامن عشر من عمرها وخلفت ثلاث ذكور وماتوا ، ورأى المصائب العظيمة حتى اشتهر بين مجتمعه بالوليّ الصبور ، وكانت المصائب تصب عليه حتى مماته لكثرة ايمانه وعلمه ثّم تزوج السيدة العلويّة سليلة الكرام ، المنحدرة من سلالة الرسول ، وآل البتول: التي جاهدت معه طيلة عمره في خط العلم العمل الجهادي حتى شهد في حقها ، فقيدنا الراحل امام جمع من طلابه ، اذ كان يتكلّم حول المرأة فقال : انّ نصف مالي من العلم والشرف

١٧٥

والثواب فهو لأم أولادي حيث أنها ساعدتني وساندتني في العمل وطلب العلم.

وهي بنت رجل الدين ، صاحب المواكب الحسينية ، المتقى الورع ، كبير قومه السيد محمد الحسيني المشهور في النجف الأشرف.

فأنجبت له خمسة اولاد ذكور وأربعة أناث بعدما ماتا لهما طفلان صغيران.

وعندما ترعرعوا بلغوا الحلم والشباب ، استشهد لهما أربعة في آن واحد في سائحة مؤلمةٍ في طريق الدعاء لأنتصار الثورة الإسلاميّة وقائدها ، وهم :

ثقه الإسلام السيد عامر العلوي

٢١ سنة

السيد عقيل العلوي

١٥ سنة

بنت العلى العلوي

١٦ سنة

بنت الأيمان العلوي

١٢ سنة

والباقون حجج الإسلام السيد عادل الدين العلوي

السيد عماد الدين العلوي

السيد عارف العلوي

وبنتان

وكان عطوفاً على أولاده ، ويريد الخير والصلاح لهم دوماً ، وحتى كان يضحّي بنفسه من أجلهم ، كما لنا في ذلك قضايا

١٧٦

تأريخّية.

فقد أربعة من أفلاذ كبده أربعة أعوام فارق الدنيا بنوبة قلبيّة ، ثلاث مرات في ليال متواليّة وقرب الساعة الثانيّة والنصف بعد منتصف الليل ، مسية يوم الأحد ، أرتحل الى رحمة ربه مقعد صدق عند مليك مقتدر.

فانا لله وانّا اليه راجعون

١٧٧

وأخوتي الأعزاء في ليلة الأنقلاب جرعوا كأس الشهادة عندما ذهبوا ليدعوا ربهم بنصره الإسلام ونجاح ثوره الأمام الخميني.

١ ـ حجة الإسلام سيد عامر العلوي

( عمره ٢١ سنة )

٢ ـ السيد عقيل العلوي

( عمره ١٥ سنة )

٣ ـ بنت العلى العلوي صاحبه كتاب الحجاب بالفارسي

( عمرها ١٦ سنة )

٤ ـ بنت الأيمان العلوي

( ١٢ سنة )5

١٧٨

حياته العلميّة والعمليّة :

منذ نعومة اظافره1 كان يحب العلم والعمل به ، له طموح يتسامي مع عزمه ونشاطه ، ولعلّ النبوغ والطموح أبرز سمة تميّزت بها شخصية فقيدنا الراحل السيد العلوي طاب ثراه ، فقد عرف الوسط العلمي والحوزات العلميّة ، بذكائه وولعه في طلب العلم ، منذ صباه ، فأقام على التعلم والتعليم ولا يبالي بالكوارث والمشاكل التى تصب عليه كالوابل ، بل حباً وشوقاً ينتهي شوطا بعد شوط من كعبة آماله وأمنياته فقد تعلّم القرآن وختمه في المكتب وهو صبي ترك اللّعب واللهو لأهله ، وفاق أترابه لما يحمل من ذكاء وحيويّة ، فدخل المدرسة ليتعلم العلوم الجديدة كالحساب والهندسة وما شابه ، وذلك في ( مدرسة اخوت ) في الكاظميّة المقدسة ثم دخل في سلك طلبة العلوم الدينيّة القديمة ، شوقاً للأسلام وحبّاً لمفاهيمه وتعاليمه القيمة ، وفاق أقرانه وزملائه لمثابرته وعمله المتواصل ونشاطه المستمر ، وأخذ حظاً وافراً من العلوم الإسلاميّة كالنحو والصرف والمنطق والفقه والأصول والتفسير وما شابه ، وتوّج بالعمّة المباركة وزيّ رجال الدين ، في الجامع الهاشمي ، على يد سماحة آية الله المجاهد الفقيد السعيد السيد اسماعيل الصدر طاب ثراه ، بعدما حاز على رتبة الأستاذيّة وأصبح الأستاذ الأوحد في الجامع الهاشمي ، فشاع صيته في الكاظميّة المقدسة

١٧٩

وبغداد وأصبح منهلاً عذباً للشباب وطلاب الجامعات وطلبة العلوم القديمة ، وكان إمام جامع الهاشمي ، ومصباح بحبوحته ، ونائب السيد اسماعيل الصدر ، وأخذ يشق طريقه في العلم والعمل ، والتأليف والتصنيف ، لكي يصل القمة وأقصى مدارج الكمال ، والفقاهة ، لنبوغه وطموحه الذي قلّما له مثيل ، فطوي المراحل الثلاثة في دراسة العلوم القديمة من المقدمات والسطح والخارج ، حيث تلمّذ في الاولين على يد العلامة النحرير الشيخ حامد الواعظي وآية الله السيد اسماعيل الصدر في العراق ، ومن ثّم هجر الى ايران الإسلام ، فقصد الحوزة العلميّة في مدينة قم المقدّسة الثائرة ضدّ الطغاة والجبابرة ، وحضر درس الخارج لآيه الله العظمى السيد محمد رضا الكلبايكاني ، وآية الله العظمى السيد شهاب الدين المرعشي النجفي دام ظلّهما الوارف ، وجاور كريمة أهل البيت السيدة المعصومة الطاهرة بنت رسول الله السيدة فاطمة بنت موسى بن جعفر: ، واشتغل مدرساً في الحوزة العلمية كما كان في العراق منذ اكثر من ثلاثين سنة ، حتى تخرج على يديه الكريمتين وأنفاسه القدسيّة ، كثير من المؤلفين والشعراء ورجال الدين الواعين المخلصين.

فحياته حياة العلم والعمل كلها تدل على السبق والتبحّر والتعمق في المفاهيم الإسلاميّة والرسالة المحمديّة ، فحاز مراتب

١٨٠