فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب

فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب0%

فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 364

فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: ابو القاسم علی بن موسی بن جعفر بن محمد بن طاووس حلّی (سيد بن طاووس)
تصنيف: الصفحات: 364
المشاهدات: 67479
تحميل: 8932

توضيحات:

فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 364 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 67479 / تحميل: 8932
الحجم الحجم الحجم
فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب

فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

اللّهم فأرشدني منه(١) إلى مرضاتك وطاعتك، وأسعدني فيه بتوفيقك وعصمتك، واقض بالخير والعافية والسلامة التامّة الشاملة الدائمة لي فيه حتم أقضيتك(٢) ، ونافذ عزمك ومشيئتك، وإنّني أبرأ إليك من العلم بالأوفق من مباديه وعواقبه، ومفاتحه وخواتمه، ومسالمه ومعاطبه، ومن القدرة عليه، وأقرّ أنه لا عالم ولا قادر على سداده سواك، فأنا أستهديك وأستفتيك وأستقضيك وأستكفيك وأدعوك وأرجوك، وما تاه مَن استهداك، ولا ضلّ مَن استفتاك، ولا دُهي مَن استكفاك، ولا حال(٣) مَن دعاك، ولا أخفق مَن رجاك، فكن لي عند أحسن ظنوني وآمالي فيك، يا ذا الجلال والإكرام، إنّك على كلّ شيءٍ قدير.

استنهضت(٤) لمهمّي هذا ولكلّ مهمّ، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم( بسم الله الرحمن الرحيم * - وتقرأ(٥) : -الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْم الدِّينِ * إيّاكَ نَعْبُدُ وإيّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالّينَ ) (٦) .

( بِسْمِ اللهِ الرحْمَنِ الرحِيمِ * قُلْ أعُوذُ بربّ الناس * مَلِكِ النَّاسِ * إله الناس * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنّاسِ * الْذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُور ِ

____________________

(١) الضمير راجع إلى الأمر الذي أراد الخيرة فيه بقرينة المقام، أو إلى الخيرة بتأويل مع أنّه مصدر، والأوّل أظهر.

(٢) مفعول (اقض) أو قائم مقام المصدر أي قضاءً حتماً.

(٣) أي لا يتغيّر عن النعمة أو لا يتغيّر لونه خيبة، وفي بعض النسخ (خاب) وهو أصوب.

(٤) يقال: استنهضته لأمر كذا إذا أمرته بالنهوض له، وهي هنا كناية عن الاستعانة والتوسّل بالسّور الكريمة والأسماء العظيمة والآيات الجسيمة.

(٥) في البحار زيادة: وتقول.

(٦) سورة الفاتحة.

٢٠١

الناس * من الجنة والناس ) (١) .

( بِسْمِ اللهِ الرًحْمَنِ الرحيم * قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ * ) (٢) .

( بسم الله الرحمن الرحيم * قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد وَلم يولد * ولم يكن له كفواً أحد ) (٣) .

وتقرأ سورة تبارك فتقول:( تَبَارَكَ الّذي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ على كلّ شَيءٍ قَديرٌ ) (٤) ثمّ تتلوها جميعها إلى آخرها(٥) ، ثمّ قل:( وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً * وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً (٦) * أُولئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ (٧) * أفَرَأيْتَ مَنِ أتَّخَذَ إلههُ هَواهُ وَأضَلَّهُ الله عَلى عِلْمٍ وَخَتَم عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ الله أفلا تَذكَّرُون (٨) * وَمَنْ اَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرِ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَاَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ انّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِم أكِنّةً أنْ يَفْقَهُوهُ وَفي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (٩) * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ

____________________

(١) سورة الناس: ١١٤.

(٢) سورة الفلق: ١١٣.

(٣) سورة الإخلاص: ١١٢.

(٤) تبارك ٦٧: ١.

(٥) في البحار: وتقرأ سورة تبارك الذي بيده الملك إلى آخرها.

(٦) الإسراء ١٧: ٤٥، ٤٦.

(٧) الأعراف ٧: ١٧٩.

(٨) الجاثية ٤٥: ٢٣.

(٩) الكهف ١٨: ٥٧.

٢٠٢

النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (١) * فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخَافُ دَرَكاً وَلا تَخْشَى (٢) * لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ) (٣) .

واستنهضت لمهمّي هذا ولكلّ مهمّ أسماء الله العظام، وكلماته التّوام.

وفواتح سور القرآن وخواتيمها، ومحكماتها وقوارعها(٤) وكلّ عوذة تعوّذ بها نبيّ أو صدّيق، حم شاهت الوجوه وجوه أعدائي فهم لا يبصرون، وحسبي اللهّ ثقة وعدّة ونعم الوكيل، والحمد لله ربّ العالمين، وصلواته على سيّدنا محمّدٍ وآله الطاهرين)(٥) .

يقول عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس: اعتبروا قول الصادق (عليه السلام) في أوائل هذا الدعاء: (وما أسعدت من اعتمد على مخلوق مثله، واستمدّ الاختيار لنفسه وهم أُولئك، ولا أشقيت مَن اعتمد على الخالق الذي أنت هو) فهل ترى له (عليه السلام) اعتماداً في كشف وجوه الصواب إلاّ على ربّ الأرباب دون ذوي الألباب.

ثمّ اعتبر قوله صلوات الله عليه: (إنّني أبدأ إليك من العلم بالأوفق من مباديه وعواقبه، ومفاتحة وخواتمه، ومسالمه ومعاطبه، ومن القدرة عليه) فهو (عليه السلام) تبرّأ من العلم بذلك واستمدّ العلم به من الله جلّ جلاله فيما

____________________

(١) آل عمران ٣: ١٧٣، ١٧٤.

(٢) طه ٢٠: ٧٧.

(٣) طه ٢٠: ٤٦.

(٤) أي التي تقرع القلوب بالفزع أو تقرع الشياطين والكفرة والظلمة وتدفعهم وتهلكم (من بيان البحار، وكذا ما تقدّم من إيضاح لبعض عبارات النص).

(٥) نقله المجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٧٠/ ٢٣، والنوري في مستدرك الوسائل ١: ٤٤٨/ ٧ و ٢: ٢٤/ ٥.

٢٠٣

يستخيره بالاستخارة؛ فمَن ذا بعده يدّعي معرفة الأوفق من مباديه وعواقبه، ومفاتحه وخواتمه، ومسالمه ومعاطبه، بغير معرفة ذلك من العالم بالأسرار والخفيّات.

دعاء يُروى عن مولانا الرّضا عليّ بن موسى (عليه السلام)، يرويه عن أبيه موسى بن جعفر الكاظم في الاستخارات، يرويه عن الصادق (عليهم السلام).

حدّث أبو الحسين محمد بن هارون التلعكبري(١) ، قال: حدّثني أبو القاسم هبة اللهّ بن سلامة المقرئ المفسّر(٢) ، قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد البزوريّ(٣) ، قال: أخبرنا علي بن موسى الرضا، قال: سمعت أبي موسى بن جعفر، قال: سمعت أبي جعفر بن محمد الصادق - عليهم الصلاة والسلام - يقول: (مَن دعا بهذا الدعاء لم ير في عاقبة أمره إلاّ ما

____________________

(١) هو ابن هارون بن موسى بن أحمد بن سعيد، أبو محمد التلعكبري، المتوفّى سنة٣٨٥ هـ. ذكره النجاشي في ترجمة أحمد بن محمد بن الربيع وترحّم عليه، وذكر روايته عن أبيه.

انظر (معجم رجال الحديث ١٧: ٣١٨).

(٢) هبة الله بن سلامة بن نصر بن علي، أبو القاسم: مقرئ، مفسّر، نحوي، ضرير، كانت له حلقة في جامع المنصور، من أحفظ الأئمّة للتفسير، له كتب عديدة، توفّي في بغداد سنة ٤١٠ هـ.

انظر (تاريخ بغداد ١٤: ٧٠، طبقات المفسرين للداودي ٢: ٣٤٨/ ٦٦٣، تذكرة الحفاظ ٣: ١٠٥١، معجم الأدباء ١٩: ٢٧٥/ ١٠٦، بغية الوعاة ٢: ٣٢٣، غاية النهاية ٢: ٣٥١، معجم المفسرين ٢: ٧١٠).

(٣) إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله، أبو إسحاق المقرئ البزوريّ، كان من أهل القرآن والسير، حدّث عن جماعة وروى عنه كثيرون، ذكرهم الخطيب في تاريخه، توفّي يوم الخميس لست بقين من ذي الحجّة سنة ٣٦١ هـ، ممّا يدلّ على سقوط راوٍ بعده، وإلاّ كيف يروى عن الإمام الرضا (ع) المتوفّى سنة ٢٠٣ هـ، إلاّ إذا قلنا بإرسال الحديث، على أنّني بحثت كثيراً متتبّعاً مشايخه لعلّي أعثر على مَن له رواية عن الرضا (ع)، فلم أصل إلى نتيجة.

انظر (تاريخ بغداد ٦: ١٦/ ٣٠٤٦، غاية النهاية ١: ٤، لسان الميزان ١: ٢٨/ ٤٤).

٢٠٤

يُحبّه، وهو:

اللّهمّ إنّ خيرتك تنيل الرغائب، وتجزل المواهب، وتطيّب المكاسب، وتغنم المطالب، وتهدي إلى أحمد العواقب، وتقي من محذور النوائب، اللّهمّ إنّي أستخيرك فيما عقد عليه رأيي، وقادني إليه هواي، فأسألك يا ربّ أن تسهّل لي من ذلك ما تعسّر، وأن تعجّل من ذلك ما تيسّر، وأن تعطيني يا ربّ الظفر فيما أستخيرك(١) فيه، وعوناً بالإنعام فيما دعوتك، وأن تجعل يا ربّ بُعده قُرباً، وخوفه أمناً، ومحذوره سلماً، فإنّك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علاّم الغيوب، اللّهمّ إن يكن هذا الأمر خيراً لي في عاجل الدنيا و[ آجل ](٢) الآخرة، فسهّله لي ويسّره عليّ، وإنْ لم يكن فاصرفه عنّي، واقدر لي فيه الخيرة، إنّك على كلّ شيء قدير، يا أرحم الراحمين)(٣) .

وهذا الدعاء مروي أيضاً ‌عن مولانا محمد‌ بن علي الجواد (صلوات الله عليه) بزيادة على ما أشرنا إليه.

دعاء مولانا المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين في الاستخارات، وهو آخر ما خرج من مقدّس حضرته أيام الوكالات.

روى محمد بن علي بن محمد في كتاب جامع له، ما هذا لفظه:

____________________

(١) في البحار: استخرتك.

(٢) ما بين المعقوفين من البحار.

(٣) أورده الكفعمي في المصباح: ٣٩٣، والبلد الأمين: ١٦١، ورواه الشيخ الطوسي في أماليه ١: ٢٩٩، عن أبي محمد الفحام، عن محمد بن أحمد الهاشمي، عن عيسى بن أحمد المنصوري، عن عمّ أبيه، عن أبي الحسن العسكري، عن آبائه، عن الصادق عليهم السلام، قال: كانت استخارة الباقر (عليه السلام): اللّهم إنّ خيرتك- إلى قوله - النوائب، ثم ذكر بقيّة الدعاء، باختلاف في ألفاظه، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٧٥/ ٢٤، والنوري في مستدرك الوسائل ١: ٤٤٨/ ٦.

٢٠٥

استخارة الأسماء التي عليها العمل، ويدعو بها في صلاة الحاجة وغيرها، ذكر أبو دُلَف محمد بن المظفّر(١) رحمة الله عليه أنّها آخر ما خرج:

(بسم الله الرحمن الرحيم، اللّهمّ إنّي أسألك باسمك الذي عزمت به على السموات والأرض، فقلت لهما: ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا: أتينا طائعين، وباسمك الذي عزمت به على عصا موسى فإذا هي تلقف ما يأفكون، وأسألك باسمك الذي صرفت به قلوب السحرة إليك حتى قالوا: آمنّا بربّ العالمين، ربّ موسى وهارون، أنت اللهّ ربّ العالمين، وأسألك بالقدرة التي تبلي بها كلّ جديد، وتجدّد بها كلّ بال، وأسألك بحقّ كلّ حق هو لك، وبكلّ حق جعلته عليك، إن كان هذا الأمر خيراً لي في ديني ودنياي وآخرتي أنّ تصلّي على محمّدٍ وآل محمّد، وتسلّم عليهم تسليماً، وتهيّئه لي وتسهّله عَلَيّ، وتلطّف لي فيه برحمتك يا أرحم الراحمين، وإنْ كان شرّاً لي في ديني ودنياي وآخرتي، أنْ تصلّي على محمّدٍ وآل محمّد، وتسلّم عليهم تسليماً، وأنْ تصرفه عنّي بما شئت، وكيف شئت، (وحيث شئت)(٢) ، وتُرضيني بقضائك، وتبارك لي في قدرك، حتّى لا أحب تعجيل شيءٍ أخّرْته، ولا تأخير شيءٍ عجّلته، فإنّه لا حول ولا قوّة إلاّ بك، يا عليّ يا عظيم يا ذا الجلال والإكرام)(٣) .

يقول عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس: لعلّ

____________________

(١) محمد بن المظفر، أبو دُلَف الأزدي، كان قد سمع الحديث كثيراً، ثم اضطرب عقله، له كتاب أخبار الشعراء.

راجع ترجمته في (رجال النجاشي: ٣٩٥/ ١٠٥٧، رجال العلاّمة: ١٦٣/ ١٤٩، معجم رجال الحديث ١٧: ٢٦٤/ ١١٨٠١)

(٢) ما بين القوسين ليس في (د) و (ش).

(٣) أورده الكفعمي في المصباح: ٥ ٣٩، والبلد الأمين: ٦٣ ١، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٧٥/ ٢٥، والنوري في مستدرك الوسائل ١: ٤٤٨/ ٥.

٢٠٦

يسبق إلى بعض الخواطر أنّ مولانا المهدي (صلوات الله عليه) لمّا جاءت الغيبة الطويلة جعل هذا - دعاء الاستخارة - عند ذوي البصائر عوضاً عن لقائه ومشاورته، وينبّههم بذلك على جلالة فضل مشاورة اللهّ جلّ جلاله واستخارته، فإنّ هذا الدعاء ما عرفت فيما وقفت عليه أنّ أحداً طلبه منه، وإنّما صدر ابتداءً عنه في آخر المهمّات، وهذا مفهوم عند ذوي البصائر والديانات.

٢٠٧

٢٠٨

الباب التاسع

فيما أذكره من ترجيح العمل في الاستخارة بالرقاع

الستّ المذكورة، وبيان بعض فضل ذلك على غيره

من الروايات المأثورة

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس: اعلم أنّ من وجوه ترجيح العمل بالرقاع الست في الاستخارات، أنّ العامل بها يكون عاملاً بكلّ خبرٍ عام في الاستخارة ممّا يمكن أن تكون الأخبار بالرقاع الست مخصّصة لتلك الأخبار العامّة سقط منه اخبار العمل بالرقاع، ومع إمكان العمل بالجميع لا يجوز إسقاط شيء منها، فرجح كما ترى العمل بأخبار الاستخارة بالرقاع المذكورة.

الوجه الأخر: إنّ العامل في الاستخارة على الأخبار الواردة بالاستخارة بالرقاع الست، يكون عاملاً بكل خبر ورد في الاستخارة مجملاً، ممّا يمكن أن تكون أخبار الاستخارة بالرقاع الست مبيّنة لتلك الأخبار المجملة، فإذا عمل بتلك الأخبار المجملة فحسب سقط منه أخبار العمل

٢٠٩

بالرقاع الموصوفة، ومع إمكان العمل بالجميع - كما قدّمناه -(١) لا يجوز إسقاط شيء منها، فظهر ترجيح العمل بأخبار الاستخارة بالرقاع المذكورة، وهذا الوجه غير الوجه الأوّل؛ لأنّ ذلك بتخصيص العموم، وهذا بيان المجمل.

الوجه الآخر: أن متى أمكن العمل بالجمع بين الأخبار المختلفات في ظاهر الروايات، على وجه من الوجوه، سواء كان ذلك بتخصيص العموم، أو ببيان المجمل، أو بغير ذلك من التأويلات، فالواجب العمل بالجميع مع الإمكان، وسنذكر تأويلات محتملات للأخبار الواردة، بما عدا الأخبار المتضمّنة للرقاع الست في الاستخارات.

الوجه الآخر: إنّ الأخبار الواردة في الاستخارة بغير الستّ الرقاع، قد روى كثير من المخالفين من طريقهم نحوها أو مثلها، فلعلّ الذي ورد من طريق أصحابنا ممّا يخالف الاستخارة بالرقاع يكون قد ورد على سبيل التقيّة، وهذا حجّة واضحة قويّة في ضعف الأخبار المخالفة للرقاع الست، عند مَن أنصف من أهل البصائر الدينيّة.

الوجه الآخر: إنّ الأحاديث وردت من جانب الخاصّة بما معناه أن إذا وردت أحاديثنا مختلفة، إنّنا نأخذ بأبعدها من مذهب العامّة(٢) ، والعمل بأخبار الرقاع الست على الوجه الذي ذكرناه في الاستخارات أبعد من مذاهب أكثر(٣) العامّة، عند مَن اطلع على ما ذكره الجمهور في صحاحهم من الروايات، وهذا الوجه غير الذي قبله؛ لأنّ ذلك تضمّن القدح والتوقّف في

____________________

(١) في (د) و (ش): قلناه.

(٢) أفرد العلاّمة المجلسي باباً خاصّاً في كتابه بحار الأنوار ٢: ٢١٩، الباب ٢٩، تحت عنوان: علل اختلاف الأخبار وكيفيّة الجمع بينها والعمل بها ووجوه الاستنباط، وبيان أنواع ما يجوز الاستدلال به، فراجع.

(٣) ليس في (د) و (ش).

٢١٠

الأخبار المخالفة للرقاع بطريق موافقتها لمذهب العامّة، وهذا الوجه تضمّن مع القدح التوقّف وترك العمل بها والتباعد عنها.

الوجه الآخر: إنّ من الذين رووا(١) العمل بالأخبار في الاستخارة بالرقاع الست من الثقات هم الذين رووا(٢) الأخبار التي ما في ظاهرها ذكر الاستخارة بالرقاع، مثل: الشيخ محمد بن يعقوب الكلينيّ، وشيخنا أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، والكراجكي، وهم من أعيان الثقات، فإمّا يترك العمل بالجميع فلا يعمل شيء منه أو يعمل بالجميع، (ومن العمل بالجميع)(٣) فقد ذكرنا ونذكر ليتأمّل ترجيح العمل بالرقاع الستّ، وهذا لا معدل للمنصف عنه، ولا يمكن ترك العمل بالجميع عند ذوي الأفهام؛ لأنّ وجوه هذه الأخبار وجوب ترك كلّ ما(٤) عمل به من أمثالها في سائر فروع الشرائع والأحكام.

ويقول عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاووس: واعلم أنّ ترجيح العمل بالستّ الرقاع في الاستخارات له وجوه غير ما ذكرنا، مزيلة أيضاً للشبهات، على ما أذكره من تفصيل الفوائد والإِشارات، وما عرفت أنّ الله جلّ جلاله تفضّل بمثلها على ما عرفت حديث الاستخارة منه(٥) أو سمعتها في وقتنا عنه، وإنّما دلّني الله عزّ وجلّ في ترجيح العمل بالرقاع الستّ في الاستخارات زيادة على ما قدّمناه من الترجيحات، وجوه واضحات ظاهرة، وترجيحات باهرة، فمنها في ترجيح العمل بالستّ الرقاع في الاستخارات على الروايات المتضمّنة للدعوات، أنّ الاستخارة بالدعوات لا يحصل بها العلم للداعي، هل قُبل دعاه أم لا في الحال، وللإِجابة شروط؛ لأنّ للدعاء

____________________

(١ - ٢) في (م) رأوا.

(٣) ليس في (د).

(٤) في (ش): ترك العمل كلها، وفي (د): ما، ولعلّ الأنسب: ومن عمل بالجميع.

(٥) في (م): الاستخارات بدل الاستخارة منه.

٢١١

شروطاً، ولقد ذكرنا في الجزء الأوّل من كتاب (تتمّات مصباح المتهجّد ومهمّات في صلاح المتعبّد) طرفاً ممّا رويناه في الشروط المقتضية للابتهال، وما الذي يمنع من الإجابة بعد أن كان الله جلّ جلاله قد أجابه فضلاً، ثم منعه من ذلك لذنب يقع من العبد، فيصرف عنه الإجابة عدلاً.

الوجه الآخر: إنّ الذي يستخير بالدعوات لو وجد ما تضمّنه دعاؤه وحصل منه رجاؤه، ما عَلِمَ هل ذلك من الله عزّ وجلّ في جواب أدعيته، أم كان هذا ابتداءً من فضل الله جلّ جلاله ورحمته، وإنّما صادف تجدّد الإنعام بالابتداء من الله جلّ جلاله اتفاقاً لدعاء.

الوجه الآخر: إنّ الذي يستخير بمجرّد الدعوات ما هو مستشير الله وإنّما هو سائل، وأنت تعلم أنّ المستشار يلزمه من نصيحة المستشير به ما لا يلزمه لأصحاب الدعاء والمسائل.

الوجه الآخر: إنّ الذي يستخير(١) بمجرّد الدعوات يمضي في الحاجة بعد دعائه، ولا يدري ما بين يديه من ظفر أو كدر، وهذا يُعرف من الاستخارة بالرقاع عند مَن نظر وخبر، وكلّ فائدة نذكرها فيما بعد من ترجيح العمل بالرقاع في الاستخارات فيما له(٢) الدعوات، فهو ترجيح لها أيضاً على العمل بمجرّد الدعوات.

وأمّا ترجيح العمل بالستّ الرقاع المذكورة على الرواية بترجيح الخاطر، فالجواب عنه من وجوه مأثورة:

الوجه الأوّل: إنّ الذي يعتمد على الخاطر الأرجح في الاستخارات كيف يصنع إذا كان الفِعْل مثل التَرْك وهما متساويان عند عالم الخفيّات، فهذا

____________________

(١) في (ش): يستشير.

(٢) في (م) زيادة: في.

٢١٢

يسد الباب على الذي يعمل بترجيح الخاطر، ويبقى على صفة حائر، وهذا جواب قاهر، وإذا استخار بالستّ الرقاع عرف ذلك كما سيأتي شرحه على وجه باهر.

الوجه الثاني: إنّ الذي يعمل على ترجيح خاطره كيف يصنِع إذا كان الفعل أرجح من الترك، أو الترك أرجح من الفعل، وهما جميعاً(١) خيرة وصواب؟ فعساه أن يقول: انظر أرجح الخاطرين فاعمل بهذا الباب، قلت: كذا يعمل هو، ولكن ما ندري الخاطر المرجوح الذي عدل عنه هل هو منهيّ عنه بالكلّية؟ أو هل هو خيرة؟ وإنْ كان الخاطر الراجح أرجح منه، وهذا لا جواب أيضاً عنه، والذي يستخير بالستّ الرقاع يتفهّم له ذلك كما سيأتي كشفنا عنه(٢) .

الوجه الثالث: إنّ الإنسان بين عقله ونفسه، وبين هواه وبين طبعه، وبين الشيطان وبين ما يميل إليه، لوافقه الناس ولوافقه الحياة الدنيا(٣) ، فكيف يعلم يقيناً أنّ هذا الخاطر المترجّح من جانب الله تعالى جلّ جلاله، دون النفس والهوى والطبع والشيطان والميل إلى الناس والى الحياة الدنيا؟ وهذا لا يعلمه إلاّ مَن يفرّق بين صفات هذه الخواطر، والعبد يعلم(٤) من نفسه ضعفه عن هذا المقام الباهر، ولعلّه يقول: متى رجح خاطره عَلِمَ أنّه من الله عزّ وجلّ على اليقين.

فأقول: هذا يقوله مَن يعرف أنّ ما بينه وبين الله جلّ جلاله ذنب كالمعصومين، وأمّا أمثالنا فكيف يأمن الله، والله جلّ جلاله يقول له:( فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ) (٥) ويقول جلّ جلاله عمّن أخلفه في

____________________

(١) في (د): معاً.

(٢) في (د): (تحقيقه) بدل (كشفنا عنه).

(٣) كذا في جميع النسخ، ولعلّ الصواب: لموافقة الناس ولموافقة الحياة الدنيا.

(٤) في (د): يعرف.

(٥) الأعراف ٧: ٩٩.

٢١٣

وعده وكان يكذب( فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا الله مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ) (١) أفتعرف من نفسك أنّك [ لا ] تخلف الله جلّ جلاله في الليل والنهار في الوعود، وأمّا الكذب بالمقال أو الفعال وبلسان الحال، فالسلامة منه بعيدة الوجود.

أمّا قول الكذب بالمقال فهو أن تقول عن شيء كان لم يكن أو شيء لم يكن أنّه كان، وأمّا الكذب بالفعال وبلسان الحال فهو أن يكون مطهر(٢) العلانية وتكون سريرتهم بخلافها، فإنّه كذب في الفعال وفي لسان الحال، وقد أخبر الله جلّ جلاله عن قوم كره ما يفعلون، فقال:( سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ ) (٣) فكلّ هذا يسدّ عليك الثقة بترجيح الخاطر مع ما(٤) تعرفه من نفسك من تقصيرك مع الله جلّ جلاله في معاملته في السرائر والظواهر.

أقول: فإنْ قال قائل: قد ظهر وثبت ترجيح العمل في الاستخارة بالرقاع الست على الروايات المتضمّنة في الظواهر لترجيح الخواطر، والاستخارة بمجرّد الدعوات وغيرها من الاستخارات، فهل تجد وجهاً في العمل بروايات الاستخارة بالدعاء وترجيح الخاطر غير ما تقدّم من التأويلات؟

قيل له: أمّا ما كان منها موافقاً لرواية مذهب العامّة فقد بيّنا ضعفها، لجواز أن يكون الإمام (عليه السلام) قالها للتقيّة، وإنْ كان قد رواها عنه الثقات، وأمّا ما كان منها سليماً من التقية ومن ضعف الروايات، فيحتمل وجوهاً:

____________________

(١) التوبة ٩: ٧٧.

(٢) في (د): مظهر.

(٣) الأعراف ٧: ١٨٢، القلم ٦٨: ٤٤.

(٤) في (د): بما.

٢١٤

الوجه الأوّل: لعلّ الأخبار الواردة بالاستخارات بالخاطر والدعوات تكون على سبيل التخيير بينها وبين الاستخارة بالرقاع، وإنْ لم يحصل له بالخاطر والدعاء ما يحصل بالرقاع الستّ من الكشف والانتفاع.

الوجه الآخر: لعلّ أخبار الاستخارة بالدعاء والخاطر الأرجح تكون مختصّة بمَن يحسن الخط ولا يحضره الرقاع للاستخارة، مع قدرته في وقت آخر على كتابة رقاع الاستخارة.

الوجه الآخر: لعلّ الأخبار الواردة بالاستخارات بالخاطر والدعوات تكون لمَن لا يحسن كتابة الرقاع، ولا يكون عنده مَن يكتب له رقاع الاستخارات.

الوجه الآخر: لعلّ أخبار الاستخارة بالخاطر والاستخارة بالدعوات تكون لمَن لا يحسن الخطّ أيضاً، ويجد مَن يكتب له، ولا يؤثّر تكليف أحد كتابة رقاع الاستخارات.

الوجه الآخر: لعلّ أخبار الاستخارة بالخاطر والاستخارة بالدعوات لمَن يكون أعمى لا يقدر على قراءة رقاع الاستخارات ولا على مَن يقرؤها له في بعض الأوقات.

الوجه الآخر: لعلّ أخبار الاستخارة بالخاطر والدعاء لمَن يكون مستعجلاً لبعض الضرورات، فلا يسع وقته كتابة رقاع الاستخارات، وتكون استخارةً من المهمات.

الوجه الآخر: لعلّ أخبار الاستخارة بالخاطر والدعوات لمَن يضيق وقته مع وجود الرقاع المكتوبات عن طول سجدة الاستخارات. وتكون استخارته تحتاج إلى مائة مرّة ومرّة، أو مائة مرّة كما سوف نذكره في الروايات.

٢١٥

الوجه الآخر: لعلّ أخبار الاستخارة بالخاطر والدعوات لمَن يكون عنده مرض يمنعه من طول السجود للاستخارة وعدد مائة مرة في سجوده، وتكون استخارته تحتاج إلى ذلك.

الوجه الآخر: لعلّ أخبار الاستخارة بالدعاء والخاطر والدعاء فحسب لمَن يضيق وقته من اعتبار الرقاع الست المكتوبات للاستخارة، وإنْ كان يسع وقته لطول سجدة الاستخارة، ويكون أيضاً معافىً من الأمراض المانعة من طول السجدات، وتكون استخارته تحتاج إلى أن تكون مائة مرّة، فلا يقدر على ذلك الأوقات، فيعمل بالدعاء والخاطر والدعوات، فإنّها أخفّ وأسرع لأصحاب الأعذار والضرورات.

أقول: وإنّما ذكرنا وجوه هذه الاحتمالات ليكون ذكرها كاشفاً لأعذار أصحاب هذه الصفات، وليست من البديهيات التي لا تحتاج إلى كشف وتنبيه لأصحاب الاستخارات، وهذه الوجوه التي ذكرناها منبّهة(١) على غيرها من وجوه كثيرة في التأويلات.

وأمّا ترجيح العمل في الاستخارة بالرقاع الستّ على العمل برقعتين بعد صلاة ركعتين، فالجواب عنه من وجوه:

الوجه الأوّل: إنّ الرقعتين اللّتين في واحدة (لا) وفي واحدة (نعم)، لا يفهم منها التخيير إذا كان الفعل عند الله جلّ جلاله مثل الترك على السواء، ولعلّك تقول: فأستخير في الترك، فإذا جاءت (نعم) علمت أنّ الفعل مثل الترك. فأقول: إنّك إذا استخرت في الفعل وجاءت (نعم) برقعة واحدة، واستخرت في الترك وجاءت (لا)(٢) برقعة واحدة، يمكن أن يكون أحدهما أرجح من الآخر، ويكون الفعل والترك خيرة، فلا تدري أيّهما أرجح

____________________

(١) في (د): مبنيّة.

(٢) في (ش): نعم.

٢١٦

لتعتمد عليه، وأنت ما تستخير برقعتين إلاّ في أنّ الفعل هل هو منهيّ عنه أم لا، وغير خيرة أم لا، أو هل هو مأمور به وأنّه خيرة، وما تستخير بقلبك في معنى(١) فعله وتركه خيرة، إلاّ أنّ أحدهما أرجح، فكيف ينفهم هذا لك برقعتين في أحدهما (لا) وفي الأخرى (نعم) وهذا ينفهم بالستّ الرقاع كما سيأتي ذكره.

الوجه الآخر: إنّ الذي يستخير برقعتين لا ينفهم له منهما ترجيح أحدهما على الآخر إذا كان الفعل مثل الترك في الخيرة، ولكن أحدهما أرجح، ولو استخار في الترك وجاءت في الترك (نعم) كما قدمناه، وهذا الوجه غير ذلك الوجه؛ لأنّ ذلك لا ينفهم له تساوي الترك والفعل، ويكونان معاً خيرة، وهذا لا ينفهم له منه ترجيح أحد الطرفين ويكونان معاً خيرة.

الوجه الآخر: إنّ الذي يعمل في الاستخارة على رقعتين لا يدري ما بين يديه من تفصيل مواضع صفاء ما استخار فيه، ولا تفصيل مواضع إكداره، وهذا يعرفه إذا استخار بالرقاع الست، كما نكشف إن شاء الله تعالى عن أسراره.

الوجه الآخر: إنّ روايات الاستخارة بالرقاع الست طرقها معروفات مسندات، وما وجدنا إلى الآن في الاستخارة برقعتين في بندقتين بعد صلاة ركعتين إلاّ رواية واحدة مرسلة، ضعيفة عند أهل الروايات، وأمّا الرواية بصلاة ركعتين برقعتين في غير بندقتين من طين، فما وجدنا بها إلاّ رواية شاذّة بغير إسناد أصلاً، ضعيفة عند أهل الروايات.

وباعتبار ذلك الوجه وغيرها من المترجّحات ينكشف رجحان الاستخارة بالرقاع الست على الاستخارة ببنادق الطين والماء، وعلى المساهمة، وعلى

____________________

(١) في (د) و (ش): شيء.

٢١٧

الاستخارة بالقرعة، وغيرها من أمثال هذه الروايات التي نذكرها في أبوابها، كما يتفضل الله جلّ جلاله من العنايات.

وأمّا تفصيل فوائد الاستخارة بالست الرقاع، زيادة على ما قدّمناه كما فتحه الله جلّ جلاله علينا، وعرفناه يقيناً ووجدناه، فإنّني أستخير الله جلّ جلاله كما قدّمت الرواية بذلك على التفصيل مع روايات عرفتها من كتب أُصول أصحابنا المتضمّنة للأخبار والأسرار، ما أذكرها لأجل التطويل، ولأجل عذر جميل، فاستخير الله في فعل شيء فتخرج الاستخارة (افعل) مثلاً في ثلاث متواليات، فاستخير الله في ترك ذلك الفعل، لجواز أن يكون الفعل مثل الترك، فإنْ جاءت الاستخارة في الترك في ثلاث متواليات، عَلمتُ أنّ الترك مثل الفعل، فكنتُ مخيّراً تخييراً لا ترجيح لأحدهما على الآخر في الفعل.

وهذا عَلِمْتُه وعَلّمْتُه(١) بظاهر رواية الاستخارة(٢) ؛ لأنّني وجدت إذا كانت الاستخارة في ثلاث (افعل) فيبقى الترك لا أدري هل أنا ممنوع منه ومخيّر فيه على السواء، أو مخيّر فيه، ولكنّ الفعل أرجح، فلّما وجدت الحال مشتبهاً، وجدت الروايات تتضمّن كشف الحال بالاستخارات، ووجدت روايات الاستخارات بالرقاع أيضاً تتضمّن (إذا أراد(٣) أمراً فاستخر فيه) فدخل استخارتي في الترك تحت عموم أخبار الاستخارة عند الاشتباه في المصلحة، وتحت عموم الأخبار إذا أردت أمراً، وهذا الأمر كذا، أردته(٤) فاستخرت في الترك كما ترى بمقتضى أخبار الاستخارات.

الوجه الآخر: إنّني أستخير الله جلّ جلاله فتخرج الاستخارة مثلاً

____________________

(١) في (د): وعملته.

(٢) في (د): روايات الاستخارات.

(٣) كذا في النسخ، ولعلّ الصواب: أردت.

(٤) في (د) و (م): أمرته.

٢١٨

في ثلاث متواليات (افعل) لكنّها في الترك، وتكون الاستخارة (افعل) ولكنّها في خمس رقاع أو في أربع، فأعلمُ أنّ الفعل أرجح من الترك، وإن كان الجميع خيرة.

الوجه الآخر: إنّني أستخير الله فتخرج الاستخارة (افعل) في خمس أو في أربع، ثم أستخير الله في الترك فتكون الاستخارة (لا تفعل). فأعلمُ أنّ الفعل خيرة - ولكن فيه كدر بحسب موضع(١) الرقاع التي في خمس أو أربع التي فيها (لا تفعل).

ومثال ذلك: إنّني أستخير الله جلّ جلاله فتخرج الأوّلة من الرقاع (افعل) والثانية والثالثة (لا تفعل) والرابعة والخامسة (افعل) فاستخير الله في الترك فتجيء (لا تفعل) فأعلم أنَّني إنْ(٢) أترك لقيني خطرٌ وضرر، وأعلمُ أنّ أوّل الفعل صفو، ثم بعده كدر، بقدر الرقعتين اللتين خرجتا، ثم بعده صفو وخير(٣) .

مثال آخر: إنّني أستخير الله جلّ جلاله فتخرج الأوّلة (لا تفعل) والثانية والثالثة (افعل) والرابعة (لا تفعل) والخامسة (افعل) فاستخير في ترك الفعل، فتأتي الاستخارة لا تترك، فأعلم أنّ أوّل الفعل كدر بقدر الرقعة التي جاءت(٤) (لا تفعل) وبعده صفو بقدر الرقعتين اللتين فيهما (افعل)، وبعدها كدر بقدر الرقعة التي جاءت (لا تفعل) وآخر الفعل صفو وخيرة بقدر

____________________

(١) في (د): مواضع.

(٢) في (ش) و (م): زيادة: لم.

(٣) في (م) زيادة: (مثال آخر: إنّني أستخير الله فتخرج الأوّلة لا تفعل، والثانية والثالثة افعل، والرابعة والخامسة افعل، فأستخير في الترك فتجيء لا تفعل، فأعلم أنّني إن لم أترك لقيني خطر وضرر، وأعلم أنّ أوّل الفعل صفو ثم بعده كدر بقدر الرقعتين اللتين خرجتا، ثم بعده صفو وخير).

ولا يخفى اضطراب العبارة.

(٤) في (د) و (ش): خرجت.

٢١٩

الرقعة التي جاءت في الأخير (افعل)، وبالجملة فإنّ ترتيب الكدر في الفعل الذي يستخير فيه، أو الترك بحسب مواضع رقاع (لا تفعل)، والصفو بحسب مواضع رقاع (افعل).

أقول: وما يحتاج إلى زيادة ضرب الأمثال، فإنّ الاستخارة بالرقاع الست من أبواب العلم بالغائبات، فاعتبر ذلك كما قلناه، وقد وجدته محقّقاً بغير إشكال، ولو كان حديث الاستخارات(١) على الظنون الضعيفة، ما كان قد بلغ النبي والأئمّة صلوات الله عليه وعليهم إلى ما بلغوا إليه من التهديد والوعيد على تركها بألفاظهم الشريفة، ولا كان قد بالغوا في تكثير الروايات، ولا كانوا يعتمدونها في أنفسهم، ويستفتحون بها أبواب الغائبات، ويعوّلون عليها عند المهمّات، ولقد عرفنا فيها من الفوائد والعجائب ما لم نذكره أوّلاً، ولا نذكره أيضاً فيما بعد، وما زال(٢) الله على عباده متفضّلاً، ولو ذكرت آيات ما عرفته بالاستخارات من سلامتي من المخوفات وظفري بالسعادات، احتاج ذلك إلى مجلّدات.

أقول: ولعلّك تجد مَن يقول لك: إذا استخرت وجاءت الاستخارة (افعل) فإنّك تخير بين الترك والفعل.

واعلم أنّ الحكم بأنّك تخير قبل الاعتبار بالاستخارة في الترك قول لا ينبغي أن يحكم به؛ لأنّه يجوز أن يكون الترك ممنوعاً من العمل به فيصير الفعل لازماً، أو يكون الترك مرجوحاً فيكون الفعل راجحاً، وإنّما إذا اعتبرت ذلك كما كنّا قدمناه بالاستخارة في ترك الفعل الذي جاءت الاستخارة فيه (افعل)، علمت عند ذلك هل أنت مخيّر في الفعل أو منهيّ عن ترك الفعل أو أحدهما أرجح.

____________________

(١) في (م): الاستخارة.

(٢) في (ش) و (م): وما آل.

٢٢٠