فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب

فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب15%

فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 364

فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب
  • البداية
  • السابق
  • 364 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 69638 / تحميل: 9509
الحجم الحجم الحجم
فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب

فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

من بين المسلمين علماء في كافة التخصصات للرجوع إليهم.

وينبغي التنويه هنا إلى ضرورة الرجوع إلى المتخصص الثابت علمه وتمكنه في اختصاصه، بالإضافة إلى توفر عنصر الإخلاص في عمله فهل يصح أن نراجع طبيبا متخصصا ـ على سبيل المثال ـ غير مخلص في علمه؟!

ولهذا وضع شرط العدالة في مسائل التقليد إلى جانب الاجتهاد والأعلمية ، أي لا بدّ لمرجع التقليد من أن يكون تقيا ورعا بالإضافة إلى علميته في المسائل الإسلامية.

* * *

٢٠١

الآيات

( أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (47) )

التّفسير

لكلّ ذنب عقابه :

ثمّة ربط في كثير من بحوث القرآن بين الوسائل الاستدلالية والمسائل الوجدانية بشكل مؤثر في نفوس السامعين ، والآيات أعلاه نموذج لهذا الأسلوب.

فالآيات السابقة عبارة عن بحث منطقي مع المشركين في شأن النّبوة والمعاد ، في حين جاءت هذه الآيات بالتهديد للجبابرة والطغاة والمذنبين.

فتبتدأ القول :( أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ ) من الذين حاكوا الدسائس المتعددة حسبا منهم لإطفاء نور الحق والإيمان( أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ ) .

فهل ببعيد (بعد فعلتهم النكراء) أن تتزلزل الأرض زلزلة شديدة فتنشق القشرة الأرضية لتبتلعهم وما يملكون ، كما حصل مرارا لأقوام سابقة؟!

٢٠٢

«مكروا السيئات» : بمعنى وضعوا الدسائس والخطط وصولا لأهدافهم المشؤمة السيئة ، كما فعل المشركون للنيل من نور القرآن ومحاولة قتل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما مارسوه من إيذاء وتعذيب للمؤمنين المخلصين.

«يخسف» : من مادة «خسف» ، بمعنى الاختفاء ، ولهذا يطلق على اختفاء نور القمر في ظل الأرض اسم (الخسوف) ، يقال (بئر مخسوف) للذي اختفى ماؤه ، وعلى هذا يسمّى اختفاء الناس والبيوت في شق الأرض الناتج من الزلزلة خسفا.

ثمّ يضيف :( أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ ) أي عند ذهابهم ومجيئهم وحركتهم في اكتساب الأموال وجمع الثروات.( فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ ) .

وكما قلنا سابقا ، فإنّ «معجزين» من الإعجاز بمعنى ازالة قدرة الطرف الآخر ، وهي هنا بمعنى الفرار من العذاب ومقاومته.

أو أنّ العذاب الإلهي لا يأتيهم على حين غفلة منهم بل بشكل تدريجي ومقرونا بالأنذار المتكرر :( أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ ) .

فاليوم مثلا ، يصاب جارهم ببلاء ، وغدا يصاب أحد أقربائهم ، وفي يوم آخر تتلف بعض أموالهم والخلاصة ، تأتيهم تنبيهات وتذكيرات الواحدة تلو الأخرى ، فإن استيقظوا فما أحسن ذلك ، وإلّا فسيصيبهم العقاب الإلهي ويهلكهم.

إنّ العذاب التدريجي في هذه الحالات يكون لاحتمال أن تهتدي هذه المجموعة ، واللهعزوجل لا يريد أن يعامل هؤلاء كالباقين( فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ) .

ومن الملفت للنظر في الآيات مورد البحث ، ذكرها لأربعة أنواع من العذاب الإلهي :

الأوّل : الخسف.

الثّاني : العقاب المفاجئ الذي يأتي الإنسان على حين غرة من أمره.

الثّالث : العذاب الذي يأتي الإنسان وهو غارق في جمع الأموال وتقلبه في

٢٠٣

ذلك.

الرّابع : العذاب والعقاب التدريجي.

والمسلم به أنّ نوع العذاب يتناسب ونوع الذنب المقترف ، وإن وردت جميعها بخصوص( الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ ) لعلمنا أنّ أفعال الله لا تكون إلّا بحكمة وعدل.

وهنا لم نجد رأيا للمفسّرين ـ في حدود بحثنا ـ حول هذا الموضوع ، ولكن يبدو أنّ النوع الأوّل من العقاب يختص بأولئك المتآمرين الذين هم في صف الجبارين والمستكبرين كقارون الذي خسف الله تعالى به الأرض وجعله عبرة للناس ، مع ما كان يتمتع به من قدرة وثروة.

أمّا النوع الثّاني فيخص المتآمرين الغارقين بملذات معاشهم وأهوائهم ، فيأتيهم العذاب الإلهي بغتة وهم لا يشعرون.

والنوع الثّالث يخص عبدة الدنيا المشغولين في دنياهم ليل نهار ليضيفوا ثروة إلى ثروتهم مهما كانت الوسيلة ، حتى وإن كانت بارتكاب الجرائم والجنايات وصولا لما يطمحون له! فيعذبهم الله تعالى وهم على تلك الحالة(1) .

وأمّا النوع الرّابع من العذاب فيخص الذين لم يصلوا في طغيانهم ومكرهم وذنوبهم إلى حيث اللارجعة ، فيعذبهم الله بالتخويف. أي يحذرهم بإنزال العذاب الأليم في أطرافهم فإن استيقظوا فهو المطلوب ، وإلّا فسينزل العذاب عليهم ويهلكهم.

وعلى هذا ، فإنّ ذكر الرأفة والرحمة الإلهية ترتبط بالنوع الرّابع من الذين مكروا السّيئات ، الذين لم يقطعوا كل علائقهم مع الله ولم يخربوا جميع جسور العودة.

* * *

__________________

(1) مع أنّ «التقلب» لغة ، بمعنى التردد والذهاب والمجيء ، مطلقا ولكن في هكذا موارد ـ كما قال أكثر المفسّرين وتأييد الرّوايات لذلك ـ بمعنى التردد في طريق التجارة وكسب المال ـ فتأمل.

٢٠٤

الآيات

( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (50) )

التّفسير

سجود الكائنات للهعزوجل :

تعود هذه الآيات مرّة أخرى إلى التوحيد بادئة ب :( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ ) (1) .

أي : ألم يشاهد المشركون كيف تتحرك ظلال مخلوقات الله يمينا وشمالا لتعبر عن خضوعها وسجودها له سبحانه؟!

ويقول البعض : إنّ العرب تطلق على الظلال صباحا اسم (الظل) وعصرا

__________________

(1) داخر : في الأصل من مادة (دخور) أي : التواضع.

٢٠٥

(الفيء) ، وإذا ما نظرنا إلى تسمية (الفيء) لقسم من الأموال والغنائم لوجدنا إشارة لطيفة لحقيقة إنّ أفضل غنائم وأموال الدنيا لا تلبث أن تزول ولا يعدو كونها كالظل عند العصر.

ومع ملاحظة ما اقترن بذكر الظلال في هذه الآية من يمين وشمال ، وإنّ كلمة الفيء استعملت للجميع فيستفاد من ذلك : أن الفيء هنا ذو معنى واسع يشمل كل أنواع الظلال.

فعند ما يقف الإنسان وقت طلوع الشمس متجها نحو الجنوب فإنّه سيرى شروق قرص الشمس من الجهة اليسرى لأفق الشرق ، فتقع ظلال جميع الأشياء المجسمة على يمينه (جهة الغرب) ، ويستمر هذا الأمر حتى تقترب الظلال نحو الجهة اليمنى لحين وقت الظهر، وعندها ستتحول الظلال إلى الجهة المعاكسة (اليسرى) وتستمر في ذلك حتى وقت الغروب فتصبح طويلة وممتدة نحو الشرق ، ثمّ تغيب وتنعدم عند غروب الشمس.

وهنا يعرض الباري سبحانه حركة ظلال الأجسام يمينا وشمالا بعنوانها مظهرا لعظمته جل وعلا واصفا حركتها بالسجود والخضوع.

أثر الظلال في حياتنا :

ممّا لا شك فيه أنّ لظلال الأجسام دور مؤثر في حياتنا ، ولعل الكثير منّا غير ملتفت إلى هذه الحقيقة ، فوضع القرآن الكريم إصبعه على هذه المسألة ليسترعي الانتباه لها.

للظلال (التي هي ليست سوى عدم النّور) فوائد جمّة :

1 ـ كما أنّ لأشعة الشمس دور أساسي في حياتنا ، فكذلك الظلال ، لأنّها تقوم بعملية تعديل شدّة الحرارة لأشعة الشمس.

إنّ الحركة المتناوبة للظلال تحفظ حرارة الشمس لحد متعادل ومؤثر ، وبدون

٢٠٦

الظلال فسيحترق كل شيء أمام حرارة الشمس الثابتة وبدرجة واحدة ولمدّة طويلة.

2 ـ وثمّة موضوع مهم آخر وربّما على خلاف تصور معظم الناس ، ألا وهو :إنّ النّور ليس هو السبب الوحيد في رؤية الأشياء ، بل لا بدّ من اقتران الظل بالنّور لتحقيق الرؤية بشكل طبيعي.

وبعبارة أخرى : إنّ النّور لو كان يحيط بجسم ما ويشع عليه باستمرار بما لا يكون هناك مجالا للظل أو نصف الظل ، فإنّه والحال هذه لا يمكن رؤية ذلك الجسم وهو غارق بالنّور

أي : كما أنّه لا يمكن رؤية الأشياء في الظلمة القائمة ، فكذا الحال بالنسبة للنور التام ، ويمكن رؤية الأشياء بوجود النّور والظلمة (النّور والظلال).

وعلى هذا يكون للظلال دور مؤثر جدّا في مشاهدة وتشخيص ومعرفة الأشياء وتمييزها ـ فتأمل.

وثمّة ملاحظة أخرى في الآية : وهي : ورود «اليمين» بصيغة المفرد في حين جاءت الشمال بصيغة الجمع «شمائل».

فالاختلاف في التعبير يمكن أن يكون لوقوع الظل في الصباح على يمين الذي يقف مواجها للجنوب ثمّ يتحرك باستمرار نحو الشمال حتى وقت الغروب حين يختفي في أفق الشرق(1) .

واحتمل المفسّرون أيضا : مع أن كلمة (اليمين) مفردا إلّا أنّه يمكن أن يراد بها الجمع في بعض الحالات ، وهي في هذه الآية تدل على الجمع(2) .

وجاء في الآية أعلاه ذكر سجود الظلال بمفهومه الواسع ، أما في الآية التالية فقد جاء ذكر السجود بعنوانه برنامجا عاما شاملا لكل الموجودات المادية وغير

__________________

(1) تفسير القرطبي ، ضمن تفسير الآية.

(2) تفسير أبو الفتوح الرازي ، ج 7 ، ص 110.

٢٠٧

المادية ، وفي أي مكان ، فيقول :( وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ) ، مسلمين لله ولأوامره تسليما كاملا.

وحقيقة السجود نهاية الخضوع والتواضع والعبادة ، وما نؤديه من سجود على الأعضاء السبعة ما هو إلّا مصداق لهذا المفهوم العام ولا ينحصر به.

وبما أنّ جميع مخلوقات الله في عالم التكوين والخلق مسلمة للقوانين العامّة لعالم الوجود، التي أفاضتها الإرادة الإلهية فإنّ جميع المخلوقات في حالة سجود له جلّ وعلا ، ولا ينبغي لها أن تنحرف عن مسير هذه القوانين ، وكلها مظهرة لعظمة وعلم وقدرة الباريعزوجل ، ولتدلل على أنّها آية على غناه وجلاله والخلاصة : كلها دليل على ذاته المقدسة.

«الدابة» : بمعنى الموجودات الحية ، ويستفاد من ذكر الآية لسجود الكائنات الحية في السماوات والأرض على وجود كائنات حية في الأجرام السماوية المختلفة علاوة على ما موجود على الأرض.

وقد احتمل البعض : عبارة «من دابة» قيد لـ «ما في الأرض» فقط ، أي : إنّ الحديث يختص بالكائنات الحية الموجودة على الأرض.

ويبدو ذلك بعيدا بناء على ما جاء في الآية (29) من سورة الشورى( وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ ) .

صحيح أنّ السجود والخضوع التكويني لا ينحصر بالكائنات الحية ، ولكنّ تخصيص الإشارة بها لما تحمله من أسرار وعظمة الخلق أكثر من غيرها.

وبما أنّ مفهوم الآية يشمل كلا من : الإنسان العاقل المؤمن ، والملائكة ، والحيوانات الأخرى ، فقد استعمل لفظ السجود بمعناه العام الذي يشمل السجود الاختياري والتشريعي وكذا التكويني الاضطراري.

أمّا الإشارة إلى الملائكة بشكل منفصل في الآية فلأنّ الدابة تطلق على الكائنات الحيّة ذات الجسم المادي فقط ، بينما للملائكة حركة وحضور وغياب ،

٢٠٨

ولكن ليس بالمعنى المادي الجسماني كي تدخل ضمن مفهوم «الدابة».

وروي في حديث النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «إنّ لله تعالى ملائكة في السماء السابعة سجودا منذ خلقهم إلى يوم القيامة ، ترعد فرائصهم من مخافة الله تعالى ، لا تقطر من دموعهم قطرة إلّا صارت ملكا ، فإذا كان يوم القيامة رفعوا رؤوسهم وقالوا : ما عبدناك حق عبادتك»(1) .

أمّا جملة( وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ) فإشارة لحال وشأن الملائكة التي لا يداخلها أيّ استكبار عند سجودها وخضوعها للهعزوجل .

ولهذا ذكر صفتين للملائكة بعد تلك الآية مباشرة وتأكيدا لنفي حالة الاستكبار عنهم :( يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) .

كما جاء في الآية (6) من سورة التحريم في وصف جمع من الملائكة :( لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) .

ويستفاد من هذه الآية بوضوح أنّ علامة نفي الاستكبار شيئان :

أ ـ الشعور بالمسؤولية وإطاعة الأوامر الإلهية من دون أي اعتراض ، وهو وصف للحالة النفسية لغير المستكبرين.

ب ـ ممارسة الأوامر الإلهية بما ينبغي والعمل وفق القوانين المعدة لذلك

وهذا انعكاس للأول ، وهو التحقيق العيني له.

وممّا لا ريب فيه أنّ عبارة( مِنْ فَوْقِهِمْ ) ليست إشارة إلى العلو الحسي والمكاني ، بل المراد منها العلو المقامي ، لأنّ اللهعزوجل فوق كل شي مقاما.

كما نقرأ في الآية (61) من سورة الأنعام :( وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ ) ، وكذلك في الآية (127) من سورة الأعراف :( وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ ) حينما أراد فرعون أن يظهر قدرته وقوته!

* * *

__________________

(1) مجمع ذيل البيان ، ذيل الآية المبحوثة.

٢٠٩

الآيات

( وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ (52) وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (53) ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55) )

التّفسير

دين حق ومعبود واحد :

تتناول هذه الآيات موضوع نفي الشرك تعقيبا لبحث التوحيد ومعرفة الله عن طريق نظام الخلق الذي ورد في الآيات السابقة ، لتتّضح الحقيقة من خلال المقارنة بين الموضوع ، ويبتدأ ب :( وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) .

وتقديم كلمة «إيّاي» يراد بها الحصر كما في «إيّاك نعبد» أي : يجب الخوف

٢١٠

من عقابي لا غير.

ومن الملفت للنظر أنّ الآية أشارت إلى نفي وجود معبودين في حين أن المشركين كانوا يعبدون أصناما متعددة.

ويمكن أن يكون ذلك إشارة إلى إحدى النقاط التالية أو إلى جميعها :

1 ـ إنّ الآية نفت عبادة اثنين ، فكيف بالأكثر؟!

وبعبارة أخرى : إنّها بيّنت الحد الأدنى للمسألة ليتأكّد نفي الأكثر ، وأيّ عدد ننتخبه (أكثر من واحد) لا بدّ له أن يمر بالإثنين.

2 ـ كل ما يعبد من دون الله جمع في واحد ، فتقول الآية : أن لا تعبدوها مع الله ، ولا تعبدوا إلهين (الحق والباطل).

3 ـ كان العرب في الجاهلية قد انتخبوا معبودين :

الأوّل : خالق العالم ، أي اللهعزوجل وكانوا يؤمنون به.

والثّاني : الأصنام ، واعتبروها واسطة بينهم وبين الله ، واعتبروها كذلك منبعا للخير والبركة والنعمة.

4 ـ يمكن أن تكون الآية ناظرة إلى نفي عقيدة (الثنويين) القائلين بوجود إله للخير وآخر للشر ، ومع انتخابهم لأنفسهم هذا المنطق الضعيف الخاطئ ، إلّا إنّ عبدة الأصنام قد غالوا حتى في هذا المنطق وتجاوزوه لمجموعة من الآلهة!

وينقل المفسّر الكبير العلّامة الطبرسي في تفسير هذه الآية عبارة لطيفة نقلها عن بعض الحكماء : (نهاك ربك أن تتخذ إلهين فاتخذت آلهة ، عبدت : نفسك وهواك ، وطبعك ومرادك ، وعبدت الخلق فأنّى تكون موحدا).

ثمّ يوضح القرآن أدلة توحيد العبادة بأربعة بيانات ضمن ثلاث آيات فيقول أوّلا( وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) فهل ينبغي السجود للأصنام التي لا تملك شيئا ، أم لمن له ما في السموات والأرض؟

ثمّ يضيف :( وَلَهُ الدِّينُ واصِباً ) .

٢١١

فعند ما يثبت أن عالم الوجود منه ، وهو الذي أوجد جميع قوانينه التكوينية فينبغي أن تكون القوانين التشريعية من وضعه أيضا ، ولا تكون طاعة إلّا له سبحانه.

«واصب» : من «الوصوب» ، بمعنى الدوام. وفسّرها البعض بمعنى (الخالص) (ومن الطبيعي أن ما لم يكن خالصا لم يكن له الدوام. أما الذين اعتبروا «الدين» هنا بمعنى الطّاعة ، فقد فسّروا «واصبا» بمعنى الواجب ، أي : يجب إطاعة الله فقط.

ونقرأ في رواية عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّ شخصا سأله عن قول الله( وَلَهُ الدِّينُ واصِباً ) قال : «واجبا»(1) .

والواضح أنّ هذه المعاني متلازمة جميعها.

ثمّ يقول في نهاية الآية :( أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ ) .

فهل يمكن للأصنام أن تصدّ عنكم المكروه أو أن تفيض عليكم نعمة حتى تتقوها وتواظبوا على عبادتها؟!

هذا( وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ) .

فهذه الآية تحمل لبيان الثّالث بخصوص لزوم عبادة الله الواحد جلّ وعلا ، وأنّ عبادة الأصنام إن كانت شكرا على نعمة فهي ليست بمنعمة ، بل الكل بلا استثناء منّعمون في نعم الله تعالى ، وهو الأحق بالعبادة لا غيره.

وعلاوة على ذلك( ... ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ ) .

فإن كانت عبادتكم للأصنام دفعا للضر وحلا للمعضلات ، فهذا من الله وليس من غيره ، وهو ما تظهره ممارستكم عمليا حين إصابتكم بالضر ، فلمن تلتجئون؟ إنّكم تتركون كل شيء وتتجهون إلى الله.

وهذا البيان الرّابع حول مسألة التوحيد بالعبادة.

__________________

(1) تفسير البرهان ، ج 2 ، ص 373.

٢١٢

«تجئرون» : من مادة (الجؤار) على وزن (غبار) ، بمعنى صوت الحيوانات والوحوش الحاصل بلا اختيار عند الألم ، ثمّ استعملت كناية في كل الآهات غير الاختيارية الناتجة عن ضيق أو ألم.

إنّ اختيار هذه العبارة هنا إشارة إلى أنّه عند ما تتراكم عليكم الويلات ويحل بكم البلاء الشديد تطلقون حينها صرخات الإستغاثة اللااختيارية وأنتم بهذه الحال ، أتوجهون النداء لغيره سبحانه وتعالى؟! فلما ذا إذن في حياتكم الاعتيادية وعند ما تواجهون المشاكل اليسيرة تلتجئون إلى الأصنام؟!

نعم. فالله سبحانه يسمع نداءكم في كل الحالات ويغيثكم ويرفع عنكم البلاء( ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ) بالعود إلى الأصنام!

وفي الحقيقة فالقرآن في الآية يشير إلى فطرة التوحيد في جميع الناس ، إلّا أنّ حجب الغفلة والغرور والجهل والتعصب والخرافات تغطيها في الأحوال الاعتيادية.

ولكن ، عند ما تهب عواصف البلاء تنقلع تلك الحجب فيظهر نور الفطرة براقا من جديد ليرى الناس لمن يتوجهون ، فيدعون الله مخلصين بكامل وجودهم ، فيرفع عنهم أغطية البلاء المتأتية من تلك الحجب ، (لاحظوا أنّ الآية قالت :( كَشَفَ الضُّرَّ ) أي : رفع أغطية البلاء).

ولكن عند ما تهدأ العاصفة ويرتفع البلاء وتعودون إلى شاطئ الأمان ، تعاودون من جديد على الغفلة والغرور ، وتظهرون الشرك بعبادتكم للأصنام مجددا!

وفي آخر آية (من الآيات مورد البحث) يأتي التهديد بعد إيضاح الحقيقة بالأدلة المنطقية :( لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) .

ويشبّه ذلك بتوجيه النصائح والإرشادات لمنحرف متخلف لا يفيد معه هذا الأسلوب المنطقي فيقطع معه الحديث باللين ليواجه بالتهديد عسى أن يرعوي

٢١٣

فيقال له : مع كل ما قلنا لك افعل ما شئت ولكن سترى نتيجة عملك عاجلا أم آجلا.

وعلى هذا فتكون اللام في «ليكفروا» يراد به التهديد ، وكذا «تمتعوا» أمر يراد به التهديد أيضا ، أمّا مجيء الفعل الأوّل بصيغة الغائب «ليكفروا» والثّاني بصيغة المخاطب «تمتعوا» ، فكأنه افترض غيابهم أوّلا فقال : ليذهبوا ويكفروا بهذه النعم ، وعند تهديدهم يلتفت إليهم ويقول : تمتعوا بهذه النعم الدنيوية قليلا فسيأتي اليوم الذي تدركون فيه عظم خطئكم وسترون عاقبة أعمالكم.

والآية (30) من سورة إبراهيم تشابه الآية المذكورة من حيث الغرض :( قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ) (1)

* * *

__________________

(1) احتمل جمع من المفسّرين : أنّ «ليكفروا» غاية ونتيجة للشرك والكفر الذي نسب إليهم في الآية التي قبلها ، فيكون المعنى أنّهم بعد إنجائهم من الضر تركوا طريق التوحيد وساروا في طريق الشرك ليكفروا بنعم الله وينكرونها.

٢١٤

الآيات

( وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ (57) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (59) لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60) )

التّفسير

عند ما كانت ولادة البنت عارا!

بعد أن عرضت الآيات السابقة بحوثا استدلالية في نفي الشرك وعبادة الأصنام ، تأتي هذه الآيات لتتناول قسما من بدع المشركين وصورا من عاداتهم القبيحة ، لتضيف دليلا آخرا على بطلان الشرك وعبادة الأصنام ، فتشير الآيات إلى ثلاثة أنواع من بدع وعادات المشركين:

٢١٥

وتقول أوّلا :( وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ ) (1) .

وكان النصيب عبارة عن قسم من الإبل بقية من المواشي بالإضافة إلى قسم من المحاصيل الزراعية ، وهو ما تشير إليه الآية (136) من سورة الأنعام :( وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ ) .

ثمّ يضيف القرآن الكريم قائلا :( تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ ) .

وسيكون بعد السؤال اعتراف لا مفر منه ثمّ الجزاء والعقاب ، وعليه فما تقومون به له ضرر مادي من خلال ما تعملونه بلا فائدة ، وله عقاب أخروي لأنّكم أسأتم الظن بالله واتجهتم إلى غيره.

أمّا البدعة الثّانية فكانت :( وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ ) من التجسم ومن هذه النسبة.( وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ ) أي : إنّهم لم يكونوا ليقبلوا لأنفسهم ما نسبوا إلى الله ، ويعتبرون البنات عارا وسببا للشقاء!

وإكمالا للموضوع تشير الآية التالية إلى العادة القبيحة الثّالثة :( وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ) .(2)

ولا ينتهي الأمر إلى هذا الحد بل( يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ ) .

ولم ينته المطاف بعد ، ويغوص في فكر عميق :( أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي

__________________

(1) ذكر المفسرون رأيين في تفسير «ما لا يعلمون» وضميرها :

الأول : أن ضمير «لا يعلمون» يعود إلى المشركين أي أن المشركين يجعلون للأصنام نصيبا وهم لا يعلمون لها خيرا وشرا (وهذا ما انتخبناه من تفسير).

والثاني : إن الضمير يعود إلى نفس الأصنام ، أي يجعلون للأصنام نصيبا في حين أنها لا تدرك ، لا تعقل ، لا تعلم! والتفسير الثاني يظهر نوعا من التضاد بين عبارات الآية ، لأن «ما» تستعمل عادة لغير العاقل و «يعلمون» تستعمل للعاقل عادة.

أما في التفسير الأول فـ «ما» تعود على الأصنام و «يعلمون» على عبدتها.

(2) الكظيم : تطلق على الإنسان الممتلئ غضبا.

٢١٦

التُّرابِ ) .

وفي ذيل الآية ، يستنكر الباري حكمهم الظالم الشقي بقوله :( أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ ) .

وأخيرا يشير تعالى إلى السبب الحقيقي وراء تلك التلوثات ، ألا هو عدم الإيمان بالآخرة :( لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) .

فكلّما اقترب الإنسان من العزيز الحكيم انعكس في روحه نور صفاته العليا من العلم والقدرة والحكمة وابتعد عن الخرافات والبدع والأفعال القبيحة.

وكلما ابتعد عنه تعالى غرق بقدر ذلك البعد في ظلمات الجهل والضعف والذلة والقبائح.

فالسبب الرئيسي لكل انحراف وقبح وخرافة هو الغفلة عن ذكر الله وعن محكمته العادلة في الآخرة ، أمّا ذكر الله والآخرة فدافع أصيل للإحساس بالمسؤولية ومحاربة الجهل والخرافة ، وعامل قدرة وقوة وعلم للإنسان.

* * *

بحوث

1 ـ لماذا اعتبروا الملائكة بناتا لله؟

تطالعنا الكثير من آيات القرآن الكريم بأنّ المشركين كانوا يقولون بأنّ الملائكة بنات الله جلّ وعلا ، أو أنّهم كانوا يعتبرون الملائكة إناثا دون نسبتها إلى الله

كما في الآية (19) من سورة الزخرف :( وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً ) ، وفي الآية (40) من سورة الإسراء :( أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً ) .

٢١٧

يمكن أن تكون هذه الإعتقادات بقايا خرافات الأقوام السابقة التي وصلت عرب الجاهلية ، أو ربما يحصل هذا الوهم بسبب ستر الملائكة عنهم وحال الاستتار أكثر ما يختص بحال النساء ، ولهذا تعتبر العرب الشمس مؤنثا مجازيا والقمر مذكرا مجازيا أيضا ، على اعتبار أنّ قرص الشمس لا يمكن للناظر إليه أن يديم النظر لأنه يستر نفسه بقوة نوره ، أمّا قرص القمر فظاهر للعين ويسمح للنظر إليه مهما طالت المدّة.

وثمّة احتمال آخر يذهب إلى الكناية عن لطافة الملائكة ، والإناث أكثر من الذكور لطافة.

وعلى أية حال فهذه إحدى ترسبات الخرافات القديمة التي تكلست في مخيلة البشرية حتى وصلت للبعض ممن يعيش في يومنا هذا ، ولا تختص هذه الخرافة بقوم دون آخر لأنّنا نلاحظ وجودها في أدبيات عدد من لغات العالم! فنرى الأديب مثلا حينما يريد وصف جمال امرأة ينعتها بالملائكة ، وذاك الفنان الذي يريد أن يعبر عن الملائكة فيجعلها بهيئة النساء ، في حين أن الملائكة لا تملك جسما ماديا حتى يمكننا أن نصفه بالمذكر أو المؤنث.

2 ـ لما ذا شاع وأد البنات في الجاهلية؟

الوأد في واقعة أمر رهيب ، لأنّ الفاعل يقوم بسحق كل ما بين جوانحه من عطف ورحمة ، ليتمكن من قتل إنسان بريء ربّما هو من أقرب الأشياء إليه من نفسه!

والأقبح من ذلك افتخاره بعمله الشنيع هذا!

فأين الفخر من قتل إنسان ضعيف لا يقوى حتى للدفاع عن نفسه؟ بل كيف يدفن الإنسان فلذة كبده وهي حية؟!

وهذا ليس بالأمر الهيّن ، فأيّ إنسان ومهما بلغت به الوحشية لا يقدم على

٢١٨

هكذا جريمة بشعة من غير أن تكون لها مقدمات اجتماعية ونفسية واقتصادية عميقة الأثر والتأثير تدعوه لذلك

يقول المؤرخون : إنّ بداية وقوع هذا العمل القبيح كانت على أثر حرب جرت بين فريقين منهم في ذلك الوقت ، فأسر الغالب منهم نساء وبنات المغلوب ، وبعد مضي فترة من الزمن تمّ الصلح بينهم فأراد المغلوبون استرجاع أسراهم إلّا أنّ بعضا من الأسيرات ممن تزوجن من رجال القبيلة الغالبة اخترن البقاء مع الأعداء ورفضن الرجوع إلى قبيلتهن ، فصعب الأمر على آبائهن بعد أن أصبحوا محلا للوم والشماتة ، حتى أقسم بعضهم أن يقتل كل بنت تولد له كي لا تقع مستقبلا أسيرة بيد الأعداء!

ويلاحظ بوضوح ارتكاب أفظع جناية ترتكب تحت ذريعة الدفاع عن الشرف والناموس وحيثية العائلة الكاذبة فكانت النتيجة : ظهور بدعة وأد البنات القبيحة وانتشارها بين جمع منهم حتى أصبحت سنّة جاهلية ، ولفظاعتها فقد أنكرها القرآن الكريم بشدّة بقوله :( وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) (1) .

وثمّة احتمال آخر يذهب إلى دور الطبيعة الإنتاجية للأولاد الذكور ، والنزوع إلى الطبيعة الاستهلاكية عند الإناث ، وما له من أثر على الحياة الاجتماعية والاقتصادية ، فالولد الذكر بالنسبة لهم ذخر مهم ينفعهم في القتال والغارات وفي حفظ الماشية وما شابه ذلك من الفوائد ، في حين أنّ البنات لسن كذلك.

ومن جانب آخر فقد سببت الحروب والنزاعات القبلية قتل الكثير من الرجال والأولاد ممّا أدى لاختلال التوازن في نسبة الإناث إلى الذكور ، حتى وصل وجود الولد الذكر عزيزا ودفع الرجل لأن يتباهى بين قومه حين يولد له مولود ذكرا ، وينزعج ويتألم عند ولادة البنت ووصل حالهم لحد (كما يقول عنه

__________________

(1) سورة التكوير ، 9.

٢١٩

بعض المفسّرون) أنّ الرجل في الجاهلية يغيّب نفسه عن داره عند قرب وضع زوجته لئلا تأتيه بنت وهو في الدار! وإذا ما أخبروه بأنّ المولود ذكر فيرجع إلى بيته وبشائر الفرح تتعالى وجنتيه ، ولكنّ الويل كل الويل والثبور فيما لو أخبروه بأنّ المولود بنتا ويمتلئ غيظا وغضبا(1) .

وقصّة «الوأد» ملأى بالحوادث المؤلمة

منها : ما روي أنّ رجلا جاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأعلن إسلامه ، وجاءه يوما فسأله : إنّي أذنبت ذنبا عظيما فهل لي من توبة؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله تواب رحيم». قال : يا رسول الله إنّ ذنبي عظيم قال : «ويلك مهما كان ذنبك عظيما فعفو الله أعظم منه» ، قال : لقد سافرت في الجاهلية سفرا بعيدا وكانت زوجتي حبلى وعند ما عدت بعد أربع سنوات استقبلتني زوجتي فرأيت بنتا في الدار ، فقلت لها : ابنة من هذه؟ قالت : ابنة جازنا. فظننت أنّها سترحل عن دارنا بعد ساعة ، فلم تفعل ، ثمّ قلت لزوجتي:أصدقيني من هذه البنت؟ قالت : ألا تذكر أنّي كنت حاملة عند ما سافرت ، إنّها ابنتك. فنمت تلك الليلة مغتما ، أنام واستيقظ ، حتى اقترب وقت الصباح نهضت من فراشي وذهبت إلى فراش ابنتي فأخرجتها وأيقظتها وطلبت منها أن تصحبني إلى حائط النخل ، فتبعتني حتى اقتربنا من الحائط فأخذت بحفر حفيرة وهي تعينني على ذلك ، وعند ما انتهيت من ذلك وضعتها في وسط الحفرة وهنا فاضت عينا رسول الله بالدمع ثمّ وضعت يدي اليسرى على كتفها وأخذت أهيل التراب عليها بيدي اليمنى ، فأخذت تصرخ وتدافع بيديها ورجليها وتقول : أبي ما تصنع بي!؟ ثمّ أصاب لحيتي بعض التراب فرفعت يدها تمسحه عنها ، وأدمت ذلك حتى دفنتها.

__________________

(1) تفسير الفخر الرازي ، ج 20 ، ص 55.

٢٢٠

أقول: ولمّا رأيت أخباراً كثيرة تضمّنت تخيير الإنسان فيما يقرؤه بعد الحمد في ركعتي الاستخارات، هداني الله جلّ جلاله إلى أن تكون قراءتي في الركعتين كصلاة ركعتي الغفلة بين العشاءين، فإنّي وجدت المستشير لله جلّ جلاله كأنّه في ظلمات في رأيه وتدبيره فيما يشاور الله جلّ جلاله فيه بالاستخارت، فقرأت بعد الحمد في الركعة الأُولى:( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) (١) أقول عند قوله جلّ جلاله:( وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) ما معناه: يا أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين أنا في ظلمات فيما أستشيرك فيه، فنجّني كما وعدت، إنّك تنجي المؤمنين، واكشف لي ذلك برحمتك على اليقين.

ثمّ أقرأ في الثانية بعد الحمد:( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) (٢) .

ثمّ أقنت بعد هذه الآية وأقول: اللّهمّ إنّي أسالك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلاّ أنت. ثمّ أدعو أن يفتح الله لي عن هذا الغيب الذي أستشير(٣) فيه بما يكشف لي عن أسراره ودفع مضارّه، وحقيقة الخير فيه، بألفاظ ما أوثر ذكرها الآن، فيدعو كل إنسان بما يفتح عليه صاحب الرحمة والإحسان جلّ جلاله وتقدّس كماله.

____________________

(١) الأنبياء ٢١: ٨٧، ٨٨.

(٢) الأنعام ٦: ٥٩.

(٣) في (د): أستخير.

٢٢١

وممّا وجدت من فوائد الاستخارات: أنّني كنت إذا حصل ميقات زيارات، أجد قلبي ونفسي تنازع إلى الزيارة، لأجل ورود الأخبار بثواب ذلك الميقات، وإلاّ فلأيّ حال ما توجّهت إلى الزيارة قبل تلك الأوقات، فأخاف أن يكون عملي لمجرّد الثواب والزيارة، ولا يكون خالصاً لوجه الله جلّ جلاله، ولا لأنّني أعبده لأنّه جلّ جلاله أهل للعبادة على التحقيق، والذي وصل إليه معرفتي أنّه لا تصح العبادة على التحقيق واليقين إلاّ إذا كانت العبادة لله جلّ جلاله خالصةً لأنّه أهل للعبادة، من غير التفات إلى ثواب عاجل ولا آجل(١) ، فهو جلّ جلاله أهل لذلك وما يحتاج العبد معه إلى رشوةٍ في العبادة إنْ كان من العارفين، وقد كشفت ذلك كشفاً واضحاً في كتاب تتمّات مصباح المتهجّد ومهمّات في صلاح المتعبّد، فكنت أعالج نفسي وقلبي على أنّها(٢) عند التوجّه إلى الزيارات، أو عند غيرها من المندوبات التي تصح فيها الاستخارات - أن لا يكون الباعث لها فوائد الثواب في الزيارات فلا تُسارع إلى(٣) القبول منّي، وأجد مشقّة في إخلاص ذلك، ووقوعه على وجه يرضى به الله جلّ جلاله عنّي، فوجدت بالاستخارات في الزيارات وغيرها ممّا استخرت فيه سلامة عظيمة من هذه الآفات، وذلك أنّني عند وقت الميقات لا أعلم مصلحتي أنّني أُقيم عند عيالي، ومَن يكون مقيماً في البلد من إخواني لمصلحتهم، وأنّني أكون أكثر تفرّغاً وأمكن من الخلوة بالزيارة من داري، أو تكون المصلحة في الزيارة ومفارقة عيالي، ولقاء مَن يكون هناك من إخواني، وأن تكون الزيارة مع الجماعات أرجح من الزيارة في الدار مع الخلوات، ولأنّني لا أدري ما يتجدّد عليّ في السفر من الحادثات والعوائق والشواغل عن العبادات، وكذلك ما أدري ما يتجدّد علَيّ

____________________

(١) في (د): أو آجل.

(٢) في (د): أنّهما.

(٣) في (د): في.

٢٢٢

إن أقَمْت من العوائق والحوائل التي ليست محسوبات(١) ، فهذا ما لا أعلمه إلاّ من جانب العالم بالعواقب والخفيّات، فإذا شرعت في الاستخارة في الزيارة ما يبقى ذلك الوقت عندي التفات إلى ثواب ما ورد في الروايات، وإنّما يبقى خاطري متعلّقاً بما يتقدّم به الله جلّ جلاله الآن في الاستخارات، فإذا جاءت الاستخارة (افعل) امتثلت ذلك الأمر المقدّس، وعبدته بالامتثال؛ لأنّه جلّ جلاله أهل لهذه الحال.

وممّا وجدت من طرائف الاستخارات: أنّني طلبني بعض أبناء الدنيا وأنا بالجانب الغربي من بغداد، فبقيت اثنين وعشرين يوماً أستخير الله جلّ جلاله كل يوم في أنْ ألقاه في ذلك اليوم، فتأتي الاستخارة (لا تفعل) في أربع رقاع، أو في ثلاث متواليات، وما اختلفت في المنع مدّة اثنين وعشرين يوماً، وظهر لي حقيقة سعادتي بتلك الاستخارات، فهل هذا من غير عالم الخفيّات؟

وممّا وجدت من عجائب الاستخارات: أنّني أذكر أنّني وصلت الحلّة في بعض الأوقات التي كنت مقيماً بدار السلام، فأشار بعض الأقوام بلقاء بعض أبناء الدنيا(٢) من ولاة البلاد الحلّيّة، فأقمت بالحلّة لشغل كان لي شهراً، فكنت كلّ يوم أستصلحهُ للقائه أستخير الله جلّ جلاله أوّل النهار وآخره في لقائه في ذلك الوقت، فتأتي الاستخارة (لا تفعل)، فتكمّلت نحو خمسين استخارة في مدّة إقامتي(٣) (لا تفعل): فهل يبقى مع هذا عندي [ ريب ](٤) - لو كنت لا أعلم حال الاستخارة - أنّ هذا صادر عن الله جلّ جلاله العالم بمصلحتي، هذا مع ما ظهر بذلك من سعادتي؟ وهل يقبل

____________________

(١) في (د) و (ش): محسوسات.

(٢) في (م): الزمان.

(٣) في البحار زيادة: كلها.

(٤) ما بين المعقوفين من البحار.

٢٢٣

العقل أنّ الإنسان يستخير خمسين استخارة تطلع(١) كلّها اتفاقاً (لا تفعل)؟

وممّا وجدت من عجائب الاستخارات: أنّني قد بلغت من العمر نحو ثلاث وخمسين سنة، ولم أزل أستخير مذ عرفت حقيقة الاستخارات، وما وقع أبداً فيها خلل، ولا ما أكره، ولا ما يخالف السعادات والعنايات؛ فأنا فيها كما قال بعضهم:

قلتُ للعاذل لمّا جاءني

من طريق النصح يبدي ويعيد

أيّها الناصح لي في زعمهِ

لا تزد نصحاً لمَن ليس يريد

فالذي أنتَ لهُ مستقبح

ما على استحسانه عندي مزيد

وإذا نحن تباينَّا كذا

فاستماع العذل(٢) شيء لا يفيد(٣)

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن طاووس: وأنا أضرب لك مثلاً تعرف به فضل مشاورة الله جلّ جلاله زيادة على ما قدّمناه أوّلاً، أما تعلم من نفسك أنّك لو بنى لك البنّاء داراً وفرغ منها، فرأيت فيها خللاً وشعثاً في بعض بنائها، أما كنت تطلب البنّاء العارف بها وتسأله عن ذلك، وكذلك لو أردت أن تحفر في بعض جهاتها بئراً، وتعمل على(٤) بعض سطوحها(٥) غرفة، أما كنت تستعلم من البنّاء العارف بها في أي المواضع أقوى لعمل الغرفة، ونحو هذا من مصالح الدار، وأنت تعرف أنّ الله جلّ جلاله بنى لك دار الدنيا العظيمة، وهو العالم بأسرارها المستقيمة

____________________

(١) في (د): تظهر.

(٢) العذْلُ: الملامة، وقد عَذَلْتُه ُ. والاسم العَذَلُ بالتحريك، يقال عذلت فلاناً فاعتذل، أي لام نفسه وأعتب. (الصحاح - عذل - ٥: ١٧٦٢).

(٣) أورد المجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٣٢/ ٧.

(٤) في (م): في.

(٥) في (م): غرفها.

٢٢٤

والسقيمة، فكما تستعلم مصالح دارك اليسيرة [ من ](١) البنّاء، فاستعلم مصالح دارك الكبيرة من الله عزّ وجل، العالم بجميع الأشياء.

مثال آخر: أما تعلم أنّك لو اشتريت عبداً من سيّد، قد كان العبد عند ذلك السيّد عشر سنين أو نحو هذا المقدار، ثمّ مرض العبد عندك تلك الليلة، فإنّك تنفذ(٢) إلى سيّده الأوّل وتسأله عن ذلك المرض، وتقول: هو أعرف؛ لأنّ العبد أقام عنده أكثر منّي، أفما تعرف أنّ اللهّ جلّ جلاله قد خلقك قبل النطفة تراباً، ثمّ أودعك بطوناً بعد أن أودعك أصلاباً، ثمّ نطفة، ثم عَلَقَة(٣) ، ثم مُضْغَةَ(٤) ، ثم عظاماً ثم كسا العظام لحماً، ثم جنيناً، ثمّ رضيعاً، ثمّ طفلاً، ثمّ ناشئاً، فما لك لا تستشيره؟! وتستعلم منه جواباً لا يكون أبداً إلاّ صواباً، ولأيِّ حال إذا تجدّد عندك ما يحتاج أن تستعلمه منه جلّ جلاله لا يكون عندك سبحانه مثل سيّد ذلك العبد الذي استعلمت منه مصلحته؟! فاجعل اللهّ - جلّ جلاله إنْ كنت لا تعرف جلاله - كسيّد ذلك العبد المذكور، واستعلم منه ما تحتاج إلى معرفته من مصالح الأمور.

مثال آخر: أما تعرف أنّك لو أردت سفراً في الشتاء، وسفراً في الصيف، أو في الربيع وطيب الهواء، وما تعلم في تلك الحال ما غلب على باطنِ مزاجك من الحرارة والبرودة، أو(٥) الرطوبة، أو(٦) اليبوسة، فهل تجد أحداً من الخلائق يعلم في تلك الحال ما غلب على باطن مزاجك؟ ويعرفه

____________________

(١) ما بين المعقوفين أثبتناه ليستقيم السياق.

(٢) في (د): تجيء.

(٣) العلَقة: هي القطعة الجامدة من الدم بعد أن كانت منياً، وبعد أربعين يوماً تصير مضغة، وجمعها علق (مجمع البحرين - علق - ٥: ٢١٦).

(٤) المُضْغَة بالضم: قطعة لحم حمراء فيها عروق خضر مشتبكة، سُمّيت بذلك لأنّها بقدر ما يُمْضَغُ (مجمع البحرين - مضغ - ٥: ١٦).

(٥ - ٦) في (د): و.

٢٢٥

على التفاصيل والحقائق قبل أن يظهر إلى ظاهر جسدك، فإنّ الطبيب وأنت أوائل الأمراض إنّما تعرفها أنت، والطبيب إذا قَوِيت وأثّرت حتى بلغت تغيّر(١) الأعراض إلى ظاهر الجسد، فإذا قلت لنفسك أو لغيرك من العباد: أنا أُريد السفر في الشتاء، فهل ترى لي في ذلك صلاحاً؟ فأنت تعلم أنّه ما يدري هل الحرارة قد ابتدأت وغلبت عليك فيضرّك الهواء، أو أردت سفراً في الصيف فما تدري أنت ولا المشير عليك من العباد ما الذي غلب على مزاجك، وما يتجدّد من مصالحك إذا سافرت أو أقمت، ولو بلغ المشير من الناس غاية الاجتهاد، فعلى مَ لا تستعلم هذا كلّه ممّن يعلمه على التفصيل، وهو أشفق وأرفق من كل شفيق في كثير وقليل.

مثال آخر: أما تعلم أنّ كلّ مَن برز في صنعته رجح أهل، تلك الصنعة إلى معرفته إذا اختلفوا أو اشتبه شيء ممّا اطلع هو على حقيقته، فلأيّ حال ما ترجع إلى الله في جميع(٢) ما تحتاج فيه إلى مشاورته؟! فالدنيا والآخرة وأنت من صنعته، وقد برز فيها على كلّ صانع، وله المثل الأعلى، وَعَلِمَ أسرارها ومسارها وأخطارها معرفةً لا تطّلع أنت لا وغيرك عليها، إلاّ من جانب تعريفه وإشارته.

____________________

(١) في (م) تعبير، وفي (د): تغيير.

(٢) في (د): كل.

٢٢٦

الباب العاشر

فيما رويته أو رأيته من مشاورة الله جلّ جلاله بصلاة

ركعتين والاستخارة برقعتين

قد ذكرنا - فيما تقدّم - ما أردنا ذكره من ترجيح الاستخارات بالست الرقاع على ما وصفناه على سائر الاستخارات، وكشفنا ذلك وأوضحناه، وإنّما نؤثر ذكر مشاورة الله جلّ جلاله بالاستخارات بمهما كان من ذلك المعنى، لأجل تقوية الروايات (لتكون شاهدة بالاتفاق على معنى المشاورة للهّ جلّ جلاله، وإن اختلفت في صفات المشاورات)(١) ليكون الاتفاق والإطباق على أنّ اللهّ يُستشار ويُستخار؛ ففي ذلك تأكيد وتمهيد وتوطيد، وبلاغ لمَن عنده تأييد وتسديد ومزيد.

وأمّا الرواية بصلاة ركعتين والاستخارة برقعتين: فأخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما، والشيخ أسعد بن عبد القاهر الأصفهاني، بإسنادهما الذي قدّمناه إلى الشيخ محمد بن يعقوب فيما ذكره من كتاب الكليني في آخر باب صلاة

____________________

(١) ليس في (م)، وفي (د): فيكون مساحة بالاتفاق على معنى، والمشاورة إلى الله جلّ جلاله، وإن اختلفت في صفات المشاورات.

٢٢٧

الاستخارة:

عن عليّ بن محمد، رفعه عنهم (عليهم السلام)، قال لبعض أصحابه وقد سأله عن الأمر يمضي فيه، ولا يجد أحداًَ يشاوره، فكيف يصنع؟ قال: (شاور الله)(١) قال، فقال له: كيف؟ قال: (انو الحاجة في نفسك، واكتب رقعتين، في واحدة (لا) وفي واحدة (نعم) واجعلهما في بندقتين من طين، ثمّ صلّ ركعتين، واجعلهما تحت ذيلك وقل: يا الله إنّي أشاورك في أمري هذا وأنت خير مستشار ومشير، فأشر علَيّ بما فيه صلاح وحسن عاقبة، ثمّ أدخل يدك، فإنْ كان فيها (نعم) فافعل، وإنْ كان فيها (لا) لا تفعل، هكذا تشاور(٢) ربك)(٣) .

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس: ما وجدت إلى حين تأليف هذا الكتاب في الاستخارة برقعتين غير هذه الرواية، وهي مرسلة كما رويناها، وكذا رواها جدّي أبو جعفر الطوسي (رضي الله عنه) في تهذيب الأحكام(٤) وفي المصباح الكبير(٥) ، وما وجدت لها إسناداً متّصلاً إلاّ إلى عليّ بن محمد الذي رفعها.

أقول: وما وجدت رواية مسندة أيضاً بصلاة ركعتين ورقعتين من غير أن تكون الرقعتان في بندقتين، بل وجدت عن الكراجكي رحمة الله عليه قال: وقد جاءت رواية أن تجعل رقاع الاستخارة اثنتين في إحداهما (افعل)، وفي

____________________

(١) في (د) و (ش): شاور ربّك الله، وفي الكافي: شاور ربّك.

(٢) في الكافي: شاور.

(٣) رواه الكليني في الكافي ٣: ٤٧٣/ ٨، والطبرسي في مكارم الأخلاق: ٣٢٣، والشهيد الأوّل في ذكرى الشيعة: ٢٥٢، وأورده باختلاف في ألفاظه الكفعمي في المصباح: ٣٩١، والبلد الأمين: ١٥٩، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٣٧/ ٢.

(٤) تهذيب الأحكام ٣: ١٨٢/ ٧.

(٥) مصباح المتهجّد: ٤٨١.

٢٢٨

الأخرى (لا تفعل) وتسترهما عن عينك، وتصلّي صلواتك، وتسأل الله الخيرة في أمرك، ثمّ تأخذ منهما واحدةً فتعمل بما فيها(١) .

هذا آخر ما ذكره ولم أجد الرواية بذلك بإسنادها.

أقول: ويحتمل أن يكون المراد بالاستخارة برقعتين على سبيل التخيير بينهما وبين غيرها من روايات الاستخارات، أو لمَن(٢) لا يتمكّن من الاستخارة بالست الرقاع لبعض الأعذار، ويكون هذا تأويلاً في الجمع بينها(٣) وبين بعض الأخبار.

____________________

(١) نقله المجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٤٠ / ٦.

(٢) في (د): لم.

(٣) في (ش): بينهما.

٢٢٩

٢٣٠

الباب الحادي عشر

في بعض ما رويته من الاستخارة بمائة مرّة ومرّة

١ - أخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما، والشيخ الفاضل أسعد بن عبد القاهر الأصفهاني، عن الشيخ أبي الفرج علي بن السعيد أبي الحسين الراوندي، عن والده المذكور، عن أبي جعفر محمد بن علي بن المحسن الحلبي، عن السعيد أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسيّ، عن المفيد محمد بن محمد بن النعمان وعن الحسين بن عبد اللهّ معاً، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي، عن والده المذكور، فيما رواه في رسالته إلى ولده ما هذا لفظه:

صلاة الاستخارة: وإذا أردت أمراً فصلّ ركعتين، واستخر الله تعالى مائة مرّة ومرّة، فما عزم لك فافعل، وقل في دعائك: لا إله إلاّ الله العليّ العظيم، لا إله إلاّ الله الحليم الكريم، ربّ بحقِّ محمّدٍ وآل محمّد صلِّ على محمّدٍ وآل محمد، وخر لي في كذا وكذا للدنيا والآخرة خيرة منك في عافية(١) .

____________________

(١) نقله الصدوق عن رسالة أبيه في: مَن لا يحضره الفقيه ١: ٣٥٦، والمقنع: ٤٦.

٢٣١

أقول: وقد تقدّمت روايتي عن مولانا الرضا عليه السلام لمّا استشاره علي بن أسباط فأشار عليه بالاستخارة بمائة مرّة ومرّة(١) .

أقول: أخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبد القاهر الأصفهاني، بإسنادهما الذي قدّمناه في كتابنا هذا إلى الشيخ محمد بن يعقوب الكليني فيما رواه في كتاب الكافي، قال:

علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن محمد بن عيسى، عن عمرو ابن إبراهيم، عن خلف بن حماد، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام، قال، قلت له: ربّما أردت الأمر يفرق منّي فريقان(٢) أحدهما يأمرني والآخر ينهاني؟ قال، فقال: (إذا كنت كذلك فصلّ ركعتين، واستخر اللهّ مائة مرّة ومرّة، ثمّ انظر أحزم(٣) الأمرين لك فافعله، فإنّ الخيرة فيه إنْ شاء الله، ولتكن استخارتك في عافية، فإنّه ربّما خير للرجل في قطع يده، وموت ولده، وذهاب ماله)(٤) .

وروى جدّي أبو جعفر الطوسي هذه الرواية بهذا الإسناد في كتاب تهذيب الأحكام(٥) ، عن محمد بن يعقوب الكليني.

____________________

(١) تقدّم في ص ١٤٢.

(٢) أي يحصل بسبب ما أوردت فريقان ممّن أستشيره، أو المراد بالفريقين الرأيان أي يختلف رأيي، فمرّة أرجّح الفعل والأخرى الترك. (مرآة العقول ١٥: ٤٥٤).

(٣) أحزم: بالحاء المهملة، والحزم ضبط الأمور والأخذ فيها بالثقة، وفي بعض النسخ بالجيم. (مرآة العقول ١٥: ٤٥٤).

(٤) الكافي ٣: ٤٧٢/ ٧، ومصباح المتهجّد: ٤٨٠، وأورده الشهيد الأوّل في ذكرى الشيعة: ٢٥١، والكفعمي في المصباح: ٣٩٠، والبلد الأمين: ١٥٩، ورواه البرقي باختلاف يسير في المحاسن: ٥٩٩/ ٧ إلى قوله: أحزم الأمرين، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٧٦/ ٢٦.

(٥) تهذيب الأحكام ٣: ١٨١ /٥.

٢٣٢

فصل:

يتضمّن الاستخارة بمائة مرّة ومرّة في آخر ركعة من صلاة الليل

أقول: ورويت ممّا رأيت في كتاب أصل الشيخ الصالح محمد بن أبي عمير، المجمع على علمه وصلاحه رضوان اللهّ عليه، الاستخارة بمائة مرّة ومرّة في آخر ركعة من صلاة الليل ما هذا لفظه حقيقة:

عن محمد بن خالد القسري قال: سألت أبا عبد اللهّ عليه السلام(١) عن الاستخارة قال، فقال: (استخر الله عزّ وجلّ في آخر ركعة من صلاة الّليل وأنت ساجد مائة مرّة ومرّة)، قال، قلت: كيف أقول؟ قال: تقول: (أستخير الله عزّ وجلّ برحمته، أستخير الله برحمته)(٢) (٣) .

فصل:

يتضمّن الاستخارة بمائة مرّة ومرّة عقيب ركعتي الفجر

أخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ الفاضل أسعد بن عبد القاهر الأصفهاني معاً، بإسنادهما الذي قدّمناه إلى جدّي أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسيّ، فيما وجدته مرويّاً عن حماد بن عثمان الناب، وذكر جدّي أبو جعفر الطوسي أنّه ثقة جليل القدر، وأنّه يروي كتابه عن [ ابن ](٤) أبي جيد، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد،، عن ابن أبي عمير والحسن بن علي الوشا والحسن بن

____________________

(١) في (د) و (ش): سألت أبا عبد الله (عليه السلام) والشيخ.

(٢) رواه الشيخ الصدوق في الفقيه ١: ٣٥٥ / ٣، ونقله الحرّ العاملي في وسائل الشيعة ٥: ٢١٣ / ٢، والمجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٧٧ / ٢٧.

(٣) هذا الفصل بكامله سقط من نسخة (م).

(٤) ما بين المعقوفين من فهرست الشيخ.

٢٣٣

علي بن فضال، عن حماد بن عثمان(١) .

- قال حماد بن عثمان: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الاستخارة، فقال: (استخر الله مائة مرّة ومرّة في آخر سجدة من ركعتي الفجر، تحمد الله وتمجّده وتثني عليه، وتصلّي على النبيّ وعلى أهل بيته، ثمّ تستخير الله تمام المائة مرّة ومرّة)(٢) .

____________________

(١) الفهرست: ٦٠/ ٢٣٠، وللشيخ الطوسي طريق آخر لكتاب حماد هو: عدّة من أصحابنا، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله والحميري، عن محمد بن الوليد الخزاز، عن حماد بن عثمان.

(٢) نقله المجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٥٧ / ١٤، وقال معقِّباً: (لعلّه سقط منه شيء كما يظهر من المكارم)، ومراده ما ورد في مكارم الأخلاق ص ٣٢٠: روى حماد بن عثمان عن الصادق (عليه السلام) أنّه قال في الاستخارة: أن يستخير الله الرجل في آخر سجدة من ركعتي الفجر مائة مرّة ومرّة يحمد الله ويصلّي على النبي وآله صلّى الله عليه وعليهم، ثمّ يستخير الله خمسين مرّة، ثمّ يحمد الله تعالى، ويصلّي على النبي وآله صلّى الله عليه وعليهم، ويتمّم المائة والواحدة أيضاً.

٢٣٤

الباب الثاني عشر

في بعض ما رويته في الاستخارة بمائة مرّة،

والإشارة في بعض الروايات إلى تعيين موضع

الاستخارات، وإلى الاستخارة عقيب المفروضات

أخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ الفاضل أسعد بن عبد القاهر الأصفهاني معاً، بإسنادهما الذي قدّمناه إلى جدّي أبي جعفر الطوسي، فيما رواه عن الحسن بن محبوب، وقدّمنا إسناده إليه، وفيما رواه عن محمد بن أبي عمير، وهذا إسناده:

قال جدّي أبو جعفر الطوسي: أخبرني جماعة، عن محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، عن أبيه ومحمد بن الحسن، عن سعد بن عبد الله والحميري، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن أبي عمير.

قال: وأخبرنا ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد ومحمد بن الحسين وأيوب بن نوح وإبراهيم بن هاشم ومحمد بن عيسى بن عبيد، عن محمد بن أبي عمير(١) .

____________________

(١) فهرست الشيخ: ١٤٢ / ٦٠٧.

٢٣٥

قال: محمد بن أبي عمير والحسن بن محبوب، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه الصلاة والسلام) قال: (كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول: ما استخار الله عبد قطّ مائة مرّة إلاّ رُمي بخير الأمرين، يقول: اللّهمّ عالم الغيب والشهادة إن كان أمر كذا وكذا خيراً لأمر دنياي وآخرتي، وعاجل أمري وآجله، فيسّره لي، وافتح لي بابه، ورضّني فيه بقضائك)(١) .

فصل:

يتضمّن استخارة بمائة مرّة بعد صوم ثلاثة أيام

وأخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبد القاهر الأصفهاني معاً، بإسنادهما الذي قدّمناه في كتابنا هذا إلى الحسن بن علي بن فضال، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إذا أردت الأمر، وأردت أن أستخير ربّي، كيف أقول؟ قال: (إذا أردت ذلك فصُم الثلاثاء والأربعاء والخميس، ثم صلّ يوم الجمعة في [ مكان ](٢) نظيف، فتشهّد ثمّ قُلْ وأنت تنظر إلى السماء: اللّهمّ إنّي أسالك بأنّك عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، أنت عالم الغيب، إنْ كان هذا الأمر خيراً لي فيما أحاط به علمك، فيسّره لي، وبارك فيه، وافتح لي به، وإنْ كان ذلك شرّاً [ لي ](٣) فيما أحاط به علمك، فاصرفه عنّي بما تعلم، فإنّك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وتقضي ولا أقضي، وأنت علاّم الغيوب. تقولها مائة مرّة)(٤) .

____________________

(١) نقله الحرّ العاملي في وسائل الشيعة ٥: ٢١٥/ ٩، والمجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٧٨/ ٢٨.

(٢) ما بين المعقوفين من البحار والوسائل.

(٣) ما بين المعقوفين من البحار.

(٤) نقله الحرّ العاملي في وسائل الشيعة ٥: ٢٠٧/ ١١، والمجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٧٨.

٢٣٦

فصل:

يتضمّن الاستخارة بمائة مرّة يتصدّق قبلها على ستّين مسكيناً

أخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبد القاهر الأصفهاني، بإسنادهما إلى جدّي أبي جعفر الطوسي، بإسناده إلى الحسين بن سعيد الأهوازي، ممّا صنّفه الحسين بن سعيد في كتاب الصلاة، من نسخة وجدتها وقد قرأها جدّي أبو جعفر الطوسي، وذكر أنّها انتقلت إليه، ما هذا لفظ الحديث:

فضالة، عن معاوية بن وهب، عن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام): في الأمر يطلبه الطالب من ربّه، قال: (يتصدّق في يومه على ستّين مسكيناً، على كلّ مسكين صاعاً بصاع النبي (صلّى الله عليه وآله)، فإذا كان الليل اغتسل(١) في ثلث الليل الباقي، ويلبس أدنى ما يلبس مَن يعول من الثياب إلاّ أنّ عليه في تلك الثياب إزاراً، ثمّ يصلّي ركعتين، فإذا وضع جبهته في الركعة الأخيرة للسجود هلّل الله وعظّمه ومجّده، وذكر ذنوبه، فأقرّ بما يعرف منها مسمىً(٢) ، ثمّ يرفع رأسه، فإذا وضع(٣) في السجدة الثانية استخار الله مائة مرّة، يقول: اللّهمّ إنّي أستخيرك، ثمّ يدعو الله بما يشاء ويسأله إيّاه، وكلّما سجد فليفض بركبتيه إلى الأرض، يرفع الإزار حتى يكشفهما، ويجعل الإزار من خلفه بين إليتيه وباطن ساقيه)(٤) .

____________________

(١) في البحار: فليغتسل.

(٢) في البحار: ويسمّي.

(٣) في البحار زيادة: رأسه.

(٤) نقله الحرّ العاملي في وسائل الشيعة ٥: ٢٠٧ / ١٢، والمجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٥٨ / ٦، وقال في بيانه على الحديث: الظاهر أنّه يلبس الإزار عوضاً عن السراويل ليمكنه الإفضاء بركبتيه إلى الأرض. قوله: (ويجعل الإزار) أي ما تأخّر منه فقط، أو ما تقدّم منه أيضاً.

٢٣٧

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن طاووس: كلّ ما أوردناه ونورده من الاستخارات المتضمّنة للدعوات وبغير الست من الرقاع المرويّات، فالقصد منها التعريف لمَن يقف عليها أنّ مشاورة الله جلّ جلاله بسائر الوجوه والأسباب من مهمّات ذوي الألباب؛ لأنّني وجدت كثيراً من الناس مهملين لمقدّس هذا الباب، وغافلين عمّا فيه من الصواب.

فصل:

يتضمّن الاستخارة بمائة مرّة عقيب الفريضة

أخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبد القاهر الأصفهاني معاً، عن الشيخ أبي الفرج علي بن أبي الحسين(١) ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد بن أحمد بن العباس الدوريستي، عن أبيه، عن السعيد أبي جعفر محمد ابن علي بن الحسين بن بابويه فيما صنّفه في كتاب عيون أخبار مولانا الرضا (عليه السلام) بإسناده في الكتاب المذكور، عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنّه: يسجد عقيب المكتوبة ويقول: (اللّهمّ خر لي) مائة مرّة ثمّ يتوسّل بالنبيّ والأئمّة (عليهم السلام)، ويصلّي عليهم، ويستشفع بهم، وينظر ما يلهمه الله فيفعل، فإنّ ذلك من الله تعالى(٢) .

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس: ولعلّ هذا لمَن يكون(٣) له عذر عن صلاة المندوب للاستخارات، أو على

____________________

(١) الظاهر حصول سقط في السند، لأنّ الشيخ أبا الفرج علي بن أبي الحسين الراوندي ينقل عن الدوريستي بواسطتين، هما: أبوه، عن علي بن عبد الصمد النيسابوري، في الأغلب، فتأمّل.

(٢) نقله المجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٧٨، وأورده النوري في مستدرك الوسائل ١: ٤٥١/ ١ عن العيون، ولم أجده فيه.

(٣) في (د) و (ش): كان.

٢٣٨

سبيل التخيير بين الاستخارة عقيب المندوبات والمكتوبات، أو لعل يحتمل أن يخصّ عمومه بالاستخارة بالرقاع أيضاً عقيب المفروضات، ويكون معنى الإلهام له، أي في أخذ الرقاع، ليحصل له بذلك كمال الشرف وزيادة الانتفاع.

فصل:

يتضمّن الاستخارة بمائة مرّة في آخر ركعة من صلاة الليل

أرويها بإسنادي المقدّم ذكره إلى جدّي أبي جعفر الطوسيّ، عن [ أبي ](١) المفضل قال: حدّثنا جعفر بن محمد بن مسعود، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الحسن بن خوزياد(٢) ، قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البزاز، عن ابن أبي عمير، عن جعفر بن محمد بن خلف العشيري(٣) قال: سألت أبا عبد الله عن الاستخارة، فقال: (استخر الله في آخر ركعة من صلاة الليل وأنت ساجد مائة مرّة) قال: قلت: كيف أقول؟ قال: (تقول: أستخير الله برحمته، أستخير الله برحمته)(٤) .

____________________

(١) ما بين المعقوفين أثبتناه من البحار.

(٢) في (ش): الحسن بن حوزيار، ولعلّه: الحسن بن خرزاذ الذي عنونه النجاشي قائلاً: قمّي كثير الحديث، له كتاب أسماء رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وكتاب المتعة، وقيل: إنّه غلا في آخر عمره، وعدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام).

انظر (رجال النجاشي: ٤٤/ ٨٧، رجال الشيخ: ٤١٣/ ٢٠، تنقيح المقال ١: ٢٧٦، معجم رجال الحديث ٤: ٣١٧/ ٢٨٠١).

(٣) في البحار: القشيري.

(٤) رواه الطبرسي في مكارم الأخلاق: ٣٢٠، مرسلاً عن القسري، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٧٧.

٢٣٩

فصل:

يتضمّن الاستخارة بمائة مرّة عند الحسين بن علي (عليهما السلام)

أخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبد القاهر الأصفهاني، بإسنادهما إلى جدّي أبي جعفر الطوسي كما ذكرناه إلى الحسن بن علي بن فضّال(١) ، عن صفوان الجمّال، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ما استخار الله عبد قط في أمر مائة مرّة عند رأس الحسين (عليه السلام)، فيحمد الله ويثْني عليه إلاّ رماه الله بخير الأمرين)(٢) .

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس: فهذا ما أردنا ذكره من الأخبار بالاستخارة مائة مرّة، ويمكن الجمع بينها وبين الأخبار التي قدّمناها في الاستخارة بالرقاع الست، فتكون الإشارة بالمائة مرّة في الروايات إلى الاستخارة بالرقاع فإنّها مائة مرّة، أو التخيير كيلا يسقط شيء من هذه المنقولات.

فصل:

ونذكر الآن بعض ما وقفنا عليه من اختيار(٣) بعض أصحابنا الثقات في الاستخارة بمائة مرّة، فإنّها يُستخار بها في الدين والدنيا، ولم يقتصروا على ما يسمّى مباحات، فنقول:

قد تقدّم كلام الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان فيما حكيناه عنه من كلامه في الرسالة العزية، وأنّه ذكر أنّ الاستخارة للطاعات

____________________

(١) في (د) و (ش) زيادة: قال الحسن بن علي بن فضال.

(٢) رواه الحميري في قرب الإسناد: ٢٨، باختلاف يسير، ونقله الحرّ العاملي في وسائل الشيعة ٥: ٢٢٠/ ١، والمجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٧٩/ ٢٩.

(٣) في (د): أخبار.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364