فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب

فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب15%

فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 364

فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب
  • البداية
  • السابق
  • 364 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 69654 / تحميل: 9514
الحجم الحجم الحجم
فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب

فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

يؤكّد كون الرواية لم تنقل كاملة ـ بل سقطت منها الكلمة التي هي على خلاف أهداف وأهواء القوم ـ ما أخرجه القندوزي الحنفي عن جابر بن سمرة قال : ( كنت مع أبي عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمعته يقول: ( بعدي أثنا عشر خليفة ) ثم أخفى صوته ، فقلت لأبي ما الذي أخفى صوته ؟ قال : قال : ( كلهم من بني هاشم ) ، وعن سماك بن حرب مثله )(١) ، ومن ذلك يتضح أنّ كلمة ( كلّهم من بني هاشم ) كانت موجودة في الحديث ، ولعلّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( كلّهم من قريش من بني هاشم ) ، وهذا ما استشعره بعض علماء السنّة كابن الجوزي ، حيث قال في ( كشف المشكل ) : ( قد أطلت البحث عن معني هذا الحديث ، وتطلّبت مظانه ، سألت عنه ، فلم أقع على المقصود به ؛ لأنّ ألفاظه مختلفه ، ولا أشك أنّ التخليط فيها من الرواة )(٢) ، ويدعم هذا القول ما ذهب إليه ابن العربي ، بعد عجزه عن تفسير حديث الاثني عشر ، تفسيراً واقعياً ، قال : ( ولعلّه بعض حديث )(٣) ، ممّا يؤكّد سقوط كلمة ( كلّهم من بني هاشم ) من الحديث .

٧ – الاثنا عشر خليفة أمان لأهل الأرض ، إذا ذهبوا ماجت الأرض بأهلها ، وإذا مضوا لا يبقى الدين قائماً ، ويفقد المسلمون منعتهم وصلاحهم ، وهذه المعاني التي جاءت في حديث الاثني عشر تلتقي وتلائم تمام الملائمة مع الروايات التي نقلها الفريقان بحق أهل البيت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كقوله :( أهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب

ـــــــــــــ

(١) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٢ ص ٣١٥ ح ٩٠٨ .

(٢) نقلاً عن فتح الباري : ج ١٣ ص ١٨٣ .

(٣) شرح صحيح الترمذي : ج ٩ ص ٦٨ .

١٢١

أهل الأرض ) (١) .

٨ ـ قد افترضت نصوص الاثني عشر أنّ أولئك الخلفاء ( كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ) ، كما فهم هذا المعنى أيضاً ابن كثير في تفسيره عندما قال : ( ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحاً يقيم الحق ، ويعدل فيهم )(٢) ، ولا يجد المتتبّع تفسيراً واحداً من التفاسير لهذا الحديث ، يجمع فيه اثني عشر خليفة كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ، خصوصاً مع ما ذكرناه من وجوب كون أولئك الخلفاء سلسلة متكاملة ، ومتناسقة ومتوالية زماناً ، وهذا ما يثبت لنا عدم مصداقية أي تطبيق واقعي للحديث ، سوى أهل البيتعليهم‌السلام ، الذين جعلهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هداة مهديين من بعده ، وأمر بالتمسّك بهديهم ، وجعلهم عِدلاً للقرآن الكريم لا يفترقان حتى يردا عليه الحوض .

٩ ـ من الخصائص المهمّة التي تضمّنتها أحاديث الاثني عشر قيموميّة أولئك الخلفاء على الدين والأمة ( اثنا عشر قيماً ) ، ولا شك أنّ القيموميّة تستدعي الرقابة والوصاية على الدين ، وعلى الأمّة الإسلامية ، وهذا المعنى لم يُدّع لأحد ، ولا ادّعاه غير أهل البيتعليهم‌السلام ، وهذا هو مقتضى كونهم عِدلاً للقرآن الكريم ، وأيضاً مقتضى قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( في كل خلوف من أُمّتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ، ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله عزّ وجلّ ، فانظروا مَن

ـــــــــــــ

(١) شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ١ ص ٤٢٦ ؛ ذخائر العقبى ، الطبري : ص ١٧ ؛ انظر : المستدرك : الحاكم : ج ٢ ص ٤٤٨ ؛ قال فيه : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ٤٠ ص ٢٠ ؛ النزاع والتخاصم : المقريزي : ص ١٣٢ ؛ وغيرها .

(٢) تفسير ابن كثير : ج ٢ ص ٣٤ .

١٢٢

توفدون ) (١) .

١٠ ـ إنّ الصخب ، واللغط ، والضجّة المفتعلة ، وقيام القوم وقعودهم ، وتصميتهم لجابر والحاضرين يثير الانتباه ، ويستدعي الريب ، ويكشف أنّ في الأمر شيئاً ، لا يريد القوم وصوله إلى مسامع الحاضرين ، ولم تكن هذه الحادثة فريدة نوعها ، بل فعل ذلك القوم أيضاً عندما ضجّوا ، وتنازعوا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حينما قال :( ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعدي أبداً ) ، فوقعت حينها الضجّة المفتعلة ، حتى قال بعضهم : إنّ النبي ليهجر ، وليس ذلك إلاّ للحرص على الخلافة ، وطمعاً بالملك والسلطان والإمارة وهو الذي قد أخبر عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند مخاطبته لأصحابه بقوله :( إنّكم ستحرصون على الإمارة ، وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئست الفاطمة ) (٢) .

١١ ـ حديث ابن مسعود المتقدّم ، يكشف عن أنّ الصحابة هم الذين سألوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الخلفاء من بعده ، وهذا يلفت النظر إلى نقطتين :

الأُولى : أنّه ليس من المنطقي أن يسأل الصحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الأُمراء الذين يتسلّطون على رقاب الناس بالقهر والغلبة ، وهو ذلك الرسول العظيم الذي ختم الرسالات فلا نبي بعده .

إذن لابد أن يكون السؤال عن الخلفاء الذين نصّبهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعده ، وهم أهل بيتهعليهم‌السلام بنص حديث الغدير وحديث الثقلين وغيرهما ، وهذا ديدن وطريقة اعتادها الصحابة آنذلك ، فقد سألوا أبا بكر وعمر عن الذي يلي الأمر من بعدهما .

ـــــــــــــ

(١) الصواعق المحرقة : ٢٣١ .

(٢) صحيح البخاري : ج ٤ ص ٣٥٥ ح ٧١٤٨ ؛ صحيح ابن حبان : ج ١٠ ص ٣٣٤ ؛ وغيرهما من المصادر الكثيرة .

١٢٣

الثانية : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد من الإمرة والخلافة من يكون مؤهّلاً ومستحقّاً لها ، فلا معنى لحمل الحديث على أمثال معاوية ويزيد ومروان والوليد وأمثالهم ، الذين عاثوا في الأرض فساداً ، ولعبوا بمقدّرات الأمة الإسلامية بما شاءوا ورغبوا ، فالمراد من الخليفة هو مَن يستمد سلطته من الشارع الأقدس ، ومن أجل ذلك ذكر شارح سنن أبي داود في شرحه ( عون المعبود ) أنّ : ( السبيل في هذا الحديث ، وما يتعقّبه في هذا المعنى أن يحمل على المقسطين منهم ، فإنّهم هم المستحقون لاسم الخليفة على الحقيقة )(١) .

١٢ ـ بعد أن صدع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع بذكر الخلفاء من بعده ، وأنّهم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش ومن بني هاشم ، وكلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ، لم يكتف بذلك ـ ولعلّه لما حصل من الضجّة واللغط المفتعل ـ بل قام خطيباً ، بعد رجوعه من حجّة الوداع في طريقه إلى المدينة في غدير خم ، ونصّب عليّاً خليفة من بعده ، فعيّن أوّل خليفة من الخلفاء الاثني عشر ، وبادر بعد ذلك قائلاً : ( إنّي تارك فيكم الخليفتين من بعدي ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ) (٢) ، حينها عرف الناس مَن هم الخلفاء بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتمّ بذلك الحجّة على الخلق ، لكي يسدّ بذلك منافذ الريب والتشكيك ، ولئلاّ يقول أحد : إنّي لم أسمع ، أو خفي علي ، أو صمّنيها ، أو صمّتنيها الناس !! .

ـــــــــــــ

(١) عون المعبود : ج ١١ ص ٢٤٥ .

(٢) المصنف ، أبي شيبة الكوفي : ج ٦ ص ٣٠٩ ، كتاب السنّة ، عمرو بن أبي عاصم: ص ٣٣٧ ح ٧٥٤ ص ٦٢٩ ح ١٥٤٩ ؛ مسند أحمد : ج ٥ ص ١٨٢ ؛ المعجم الكبير: ج ٥ ص ١٥٣ ح ٤٩٢١ ص ١٥٤ ح ٤٩٢٢ ؛ مجمع الزوائد : ج ١ ص ١٧٠ قال الهيثمي : ( رواه الطبراني ورجاله ثقات ) ، وكذا في ج ٩ ص ١٦٢ ، وقال في ص ١٦٣ : ( رواه أحمد وإسناده جيّد ) ؛ الجامع الصغير ، السيوطي : ج ١ ص ٤٠٢ ح ٢٦٣١ ؛ الدر المنثور : ج ٢ ص ٢٨٥ .

١٢٤

١٣ ـ ما ورد من الأحاديث المتضافرة التي نصّت على إمامة أهل البيتعليهم‌السلام ، والتي تناولت الأئمّة الاثني عشر بذكر أسمائهم على نحو التفصيل ، وهي كثيرة جدّاً نكتفي بذكر بعضها :

١ ـ ما جاء في فرائد السمطين للحمويني المصري(١) : ( عن مجاهد عن ابن عباس قال : قدم يهودي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقال له : نعثل ، فقال : يا محمد إنّي أسألك عن أشياء ـ إلى أن قال ـ : فأخبرني عن وصيّك مَن هو ؟ ، فما من نبي إلاّ وله وصي ، وإنّ نبيّنا موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون ، فقال :نعم ، إنّ وصيي والخليفة من بعدي علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وبعده سبطاي : الحسن ثم الحسين ، يتلوه تسعة من صلب الحسين أئمّة أبرار ، قال : يا محمد فسمّهم لي ؟

قال :نعم ، إذا مضى الحسين فابنه علي ، فإذا مضى علي فابنه محمد ، فإذا مضى محمد فابنه جعفر ، فإذا مضى جعفر فابنه موسى ، فإذا مضى موسى فابنه علي ، فإذا مضى علي فابنه محمد ، ثم ابنه علي ، ثم ابنه الحسن ، ثم الحجّة ابن الحسن ، أئمّة عدد نقباء بني اسرائيل ، فهذه اثنا عشر )(٢) .

٢ ـ ونقل الحمويني أيضاً في فرائده : عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( أيّها الناس

ـــــــــــــ

(١) أطرى عليه الذهبي ت / ٧٤٨ هـ في تذكرة الحفاظ قال : الإمام المحدث الأوحد الأكمل فخر الإسلام صدر الدين ، إبراهيم بن محمد بن المؤيد بن حمويه الخراساني الجويني شيخ الصوفية كان شديد الاعتناء بالرواية وتحصيل الاجزاء ، حسن القراءة مليح الشكل مهيباً ديّناً صالحاً مات سنة اثنتين وعشرين وسبع مائة تذكرة الحفّاظ ، الذهبي : ج ٤ ص ١٥٠٦ .

(٢) فرائد السمطين ، الحمويني : ج ٢ ص ١٣٣ ص ١٣٤ ح ٤٣١ ، وبنفس الألفاظ ما جاء في ينابيع المودة للقندوزي ، ج ٣ ص ٢٨٢.

١٢٥

إنّ الله عزّ وجلّ أمرني أن أنصب لكم إمامكم والقائم فيكم بعدي ووصيي وخليفتي ولكن أوصيائي منهم : أوّلهم أخي ، ووزيري ، ووارثي ، وخليفتي في أُمّتي ، وولي كل مؤمن بعدي ، هو أوّلهم ثم ابني الحسن ، ثم ابني الحسين ، ثم التسعة من ولد الحسين واحداً بعد واحد حتى يردوا عليّ الحوض ) (١) ـ وهكذا ينقل الحمويني ذلك في مواطن عديدة ، وروايات عديدة وبطرق مختلفة ؛ فراجع .

٣ ـ الحافظ أبو محمد بن أبي الفوارس في كتابه ( الأربعين )(٢) .

كذلك أخرج ذكر الخلفاء من أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأسمائهم .

٤ ـ العلاّمة أبو مؤيد موفق بن أحمد المتوفّى (سنة ٥٦٨) في كتابه ( مقتل الحسين ) : ذكر الخلفاء أيضاً بأسمائهم المتقدّمة(٣) .

٥ ـ العلاّمة فاضل الدين محمد بن محمد بن إسحاق الحمويني الخراساني في ( منهاج الفاضلين )(٤) .

٦ ـ كذلك الحمويني في ( درر السمطين )(٥) .

٧ ـ العلاّمة الشيخ إبراهيم بن سليمان في كتاب ( المحجّة على ما في

ـــــــــــــ

(١) فرائد السمطين ، الحمويني ، السمط الأول : ج ١ ص ٣١٥ ـ ٣١٨ ح ٢٥٠ .

(٢) شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي : ج ١٣ ص ٥٩ ؛ نقلاً عن كتاب الأربعين ، ابن أبي الفوارس : ص ٣٨ .

(٣) مقتل الحسين ، الخوارزمي : ص ١٤٦ ـ ١٤٧ .

(٤) شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي : ج ١٣ ص ٦٨ ؛ نقلاً عن كتاب منهاج الفاضلين ، الحمويني : ص ٢٣٩ .

(٥) شرح إحقاق الحق ، السيد المرعشي النجفي : ج ٤ ص ٩٣ ـ ٩٤ ؛ نقلاً عن كتاب درر السمطين ، الحمويني : ص ٧٢٢ .

١٢٦

ينابيع المودّة )(١) ، أيضاً ذكرهم بأسمائهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٨ ـ العلاّمة المولى محمد صالح الكشفي الحنفي الترمذي ، في كتابه ( المناقب الرضوية )(٢) .

إلى غير ذلك من الروايات المتضافرة التي تؤكّد هذا المعنى .

وعلى ضوء ما سلف ، يتحصّل أنّ العترة الطاهرة يمثّلون امتداداً طبيعياً لحركة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جميع أبعاد الحياة ، وقد فرضوا شخصيّتهم رغم أنف الأعداء ، وقد أجمعت الأمة على أعلميّتهم وأهليّتهم للخلافة ، وأنّهم الأسوة الحسنة ، ويعد ذلك من أفضل الأدلة لإثبات أحقيّتهم ، وأهليّتهم للإمامة والقيادة ، وعصمتهم ؛ لأنّهمعليهم‌السلام جسّدوا النظرية الإسلامية على الواقع العملي ، فعندما نرصد حياة الأئمّةعليهم‌السلام ، وكيف كانوا إسلاماً متحركاً على الأرض ، وقرآناً ناطقاً يعيش بين الناس ؛ نستنتج مباشرة أن هذا المستوى الرفيع من الأسوة والقدوة لا يمكن أن تعكسه إلاّ شخصيات معصومة ، استجمعت فيها الصفات التي تؤهّلها لأن تكون منبع الهداية للبشرية ؛ لذا أجمعت الأمة على أنّ هؤلاء العترة لهم من الخصائص والمميزات ما لم تكن لغيرهم ، رغم ما عانوه من ظلم واضطهاد ، فهم الذين تنطبق عليهم خصوصيات الاثني عشر ، التي بيّنها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أحاديث الأثني عشر المتقدمة ، ولكن أصحاب المطامع آلوا على أنفسهم إلاّ أن يُقصوا وينحّوا أهل البيتعليهم‌السلام عن مناصبهم ومراتبهم التي رتّبهم الله فيها ، ولم يكتفوا بذلك بل تمادوا في تعريض أهل البيتعليهم‌السلام لألوان الظلم والاضطهاد ، والمعاملة السيّئة الفظّة الغليظة ، التي يندى لها الجبين ، وتعتصر منها القلوب ألماً ومرارة ، ولم يكن لهم ذنب سوى أنّهم كانوا الامتداد الإلهي لخط الرسالة ، وكانوا أمناءها ، والرقباء عليها ، فهم الثقل الموازي للقرآن الكريم .

ـــــــــــــ

(١) المحجّة على ما في ينابيع المودّة ، الشيخ هاشم بن سليمان : ص ٤٢٧ .

(٢) المناقب المرتضوية ، محمد صالح الترمذي : ص ١٢٧ .

١٢٧

إذن ، ينبغي علينا كمسلمين أن نستنير بنور هؤلاء الهداة الميامين ، ونكون بذلك ممتثلين لأوامر الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وممّا تقدّم اتضحت الإجابة بخصوص ما قد يقال : من أنّ وصف عزّة الإسلام بأولئك الخلفاء الاثني عشر لا ينطبق على أئمّة الشيعة ، حيث الموقع السامي والريادي والمكانة العظيمة التي يمتلكها أهل البيتعليهم‌السلام في نفوس الأمة الإسلامية ، وهو ما أكّده علماء السنّة في أغلب كتبهم ، وبالإضافة إلى ذلك نقول :

إنّ عزة الإسلام وصلاحه وبقائه إلى قيام الساعة ، من المهام ، والوظائف الأساسية ، التي أناط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسؤوليتها ، وتحقيقها بأهل البيتعليهم‌السلام ، كما يكشف عن ذلك حديث الثقلين وحديث الغدير ، وأنّهم عِدل القرآن ، وأنّ النجاة والأمان والعزّة عند الله لا تنال إلاّ بالاعتصام والتمسّك بهم ، ومَن يتبعهم يكون عزيزاً بعزّة الله ، مرضيّاً عنده تعالى .

كما أخرج ذلك الحاكم في مستدركه ، عن ابن عباس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأُمّتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس ) (١) ، ثم علّق عليه قائلاً : هذا الحديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

ـــــــــــــ

(١) المستدرك ، الحاكم : ج ٣ ص ١٤٩ .

١٢٨

وبنفس المضمون ما ورد في عدّة كثيرة من المصادر عن عمر : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( في كل خلوف من أُمّتي عدول أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله عزّ وجلّ ، فانظروا مَن توفدون ) (١) .

وعن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مَن سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنّة عدن ، غرسها ربّي ، فليوال عليّاً ، وليوال وليّه ، وليقتد بالأئمّة من بعدي ، فإنّهم عترتي ، خُلقوا من طينتي ، رزقوا فهماً وعلماً ، ويل للمكذبين بفضلهم من أُمّتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي ) (٢) .

وعن عمار بن ياسر ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أوصي مَن آمن بي وصدّقني بولاية علي بن أبي طالب ، مَن تولاّه فقد تولاّني ، ومَن تولاّني فقد تولّى الله عزّ وجلّ ، ومَن أحبّه فقد أحبّني ، ومَن أحبّني فقد أحبّ الله تعالى ، ومَن أبغضه فقد أبغضني ، ومَن أبغضني فقد أبغض الله عزّ وجلّ ) قال الهيثمي في مجمع الزوائد : ( رواه الطبراني بإسنادين أحسب فيهما جماعة ضعفاء ، وقد وثقوا )(٣) .

وقد أخرجها ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق بطرق كثيرة(٤) .

وعن وهب بن حمزة قال : ( صحبت عليّاً إلى مكة فرأيت منه بعض ما أكره ، فقلت لأن رجعت لأشكونّك إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا قدمت لقيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ـــــــــــــ

(١) ذخائر العقبى ، محي الدين الطبري : ص ١٧ ؛ الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٥٢ ؛ رشفة الصادي ، أبو بكر الحضرمي : ص ١٧ ؛ ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٢ ص ١١٤ .

(٢) تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٤٢ ص ٢٤٠ ؛ حلية الأولياء ، الحافظ أبي نعيم الأصفهاني : ج ١ ص ٨٦ .

(٣) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٠٨ ، ١٠٩ .

(٤) تاريخ مدينة دمشق : ج ٤٢ ص ٢٣٩ وما بعدها .

١٢٩

فقلت : رأيت من علي كذا وكذا ، فقال :لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدي )(١) .

وعن زيد بن أرقم قال : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مَن أحبّ أن يحيا حياتي ويموت موتتي ويسكن جنّة الخلد التي وعدني ربّي ، فإنّ ربّي عزّ وجلّ غرس قصباتها بيده ، فليتولّ علي بن أبي طالب ، فإنّه لن يخرجكم من هديي ولن يدخلكم في ضلالة ) (٢) ، قد أخرجه الحاكم في المستدرك وقال عنه : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(٣) .

إلى غير ذلك من المصادر الكثيرة ، والروايات المتواترة معنىً ومضموناً ، مع صحّتها وصراحتها ، وأدنى ما نجيب عمّن أراد التشكيك بها : أنّها تفيد القطع واليقين ؛ لتعدّد ألفاظها ، وكثرة طرقها ، والمصادر التي نقلتها ، فهي أحاديث نبويّة يقوّي بعضها بعضاً لإثبات مضمونها بالقطع واليقين ، وهو وجوب التمسّك بولاية أهل البيتعليهم‌السلام واتّباع هديهم .

إذن بأهل البيتعليهم‌السلام وباتباعهم تتحقق عزّة الإسلام ، والحفاظ على وجوده الحقيقي وقيمه ومبادئه الأصيلة ، من التقوى والإخلاص والاستقامة والصلاح وغيرها من المعارف الروحية والقيم الأخلاقية ، وليست عزّة الإسلام بالتظاهر بالإسلام ، واتخاذه شعاراً للتسلّط على رقاب الناس بالقهر والغلبة ، ومن هنا نجد أنّ الحكم الإسلامي على يد الظلمة تحوّل إلى ما كان عليه قبل الإسلام من كونه ملكاً عضوضاً لا يحمل من قيم الإسلام شيئاً .

إذن عزّة الإسلام لا تتحقق إلاّ في حفظ الإسلام الحقيقي ، الذي لا يتحقق إلاّ باتباع أهل البيتعليهم‌السلام .

ـــــــــــــ

(١) المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٢٢ ص ١٣٥ ؛ مجمع الزوائد : ج ٩ ص ١٠٩ ؛ فيض القدير شرح الجامع الصغير : ج ٤ ص ٤٧٠ ـ ٤٧١ .

(٢) المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٥ ص ١٩٤ .

(٣) المستدرك ، الحاكم : ج ٣ ص ١٣٠ .

١٣٠

الأُمّة لم تجتمع على أهل البيتعليهم‌السلام

وأمّا عبارة ( كلّهم تجتمع عليه الأمة ) ، وأنّ أهل البيتعليهم‌السلام ما أجتمعت عليهم الأُمّة فجوابها :

١ ـ إنّ رواية الاثني عشر خليفة المتضمّنة لعبارة ( كلّهم تجتمع عليه الأمة ) لم ترد في الكتب الحديثية ، والمصادر السنّية ، إلاّ في سنن أبي داود ومسند البزار ، ولم يخرجاها إلاّ بسند واحد ضعيف ، كما ذكر ذلك الألباني ، في سلسلة الأحاديث الصحيحة ، حيث قال : ( وأخرجه أبو داود ( ٢ / ٢٠٧) من طريق إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبيه ، عن جابر بلفظ : لا يزال هذا الدين قائماً ، حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلهم تجتمع عليه الأمة ، كلّهم من قريش ، وأخرجه البزار (١٥٨٤ ـ كشف) عن أبي جحيفة نحوه ، وهذا سند ضعيف ، رجاله كلهم ثقات ، غير أبي خالد هذا ، وهو الأحمسي ، وقد تفرّد بهذه الجملة ( كلهم تجتمع عليه الأمة ) ، فهي منكرة )(١) ، والتضعيف ذاته ذكره أيضاً في تعليقته على سنن أبي داود ، حيث قال بعد أن أورد الحديث : ( صحيح : دون قوله ( تجتمع عليه الأمة ) )(٢) .

٢ ـ من الشواهد التي تؤكّد عدم صحّة صدور هذه العبارة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو عدم انطباقها على الواقع أصلاً ، حيث لم نجد شخصاً اجتمعت عليه الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل البعض ممّن ادعي كونه من الخلفاء الاثني عشر ، لم يجتمع عليه أغلب الأمة ، فضلاً عن جميعها .

ـــــــــــــ

(١) سلسلة الأحاديث الصحيحة ، الألباني : مج ١ ، ق ٢ ، ص ٧٢٠ ح ٣٧٦ .

(٢) صحيح سنن أبي داود الألباني : ج ٣ ص ١٩ ح ٤٢٧٩ .

١٣١

ولذا قال ابن كثير في البداية والنهاية ( فإن قال : أنا لا اعتبر إلاّ مَن اجتمعت الأمة عليه ، لزمه على هذا القول أن لا يعد علي بن أبي طالبعليه‌السلام ولا ابنه ؛ لأنّ الناس لم يجتمعوا عليهما ؛ وذلك أنّ أهل الشام بكمالهم لم يبايعوهما ، ولم يقيّد بأيام مروان ، ولا ابن الزبير كأنّ الأمّة لم تجتمع على واحد منهما )(١) .

وهذا ما اعترف به ابن حجر العسقلاني أيضاً في فتح الباري(٢) .

٣ ـ إن أكثر مَن أدعي اجتماع الأمة عليه ، كيزيد بن معاوية ، ومروان بن الحكم ، والوليد ، و مروان الحمار ، وغيرهم لم يكن متوفّراً على خصائص الخلفاء الاثني عشر ، من كونهم يعملون بالهدى ودين الحق ، وأنّهم قيّمون على الدين ، والدين قائم بهم ، وغير ذلك من الصفات السامية ، التي تقدّم ذكر بعضها .

الخلاصة

١ ـ إنّ حديث الاثني عشر ، حقيقة صادرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد تواترت الروايات من الفريقين بنقلها بألسن مختلفة ، كلّها تشير إلى مضمون واحد ، ومن هذه الروايات قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا يزال هذا الأمر صالحاً حتى يكون اثنا عشر أميراً ) (٣) .

ـــــــــــــ

(١) البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٦ ص ٢٨٠ .

(٢) فتح الباري : ج ١٣ ص ١٨٢ .

(٣) مسند أحمد : ج ٥ ص ٩٧ ص ١٠٧ ؛ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ٦١٨ ؛ انظر : مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٥ ص ١٩٠ وقد صحّحه .

١٣٢

٢ ـ إنّ أهل السنّة لم يتمكّنوا أن يقدّموا تفسيراً واقعيّاً لحقيقة الاثني عشر خليفة ، وإنّ تفسيراتهم المضطربة والمتناقضة فيما بينها خير شاهد على عجزهم عن فهمها وتفسيرها ، على الرغم ممّا ارتكبوه من تكلّف ظاهر على حدّ تعبير بعضهم ، لا سيّما وأنّ البعض(١) قد أوكل تفسير حديث الاثني عشر إلى الله تعالى بعد أن عجز عن تفسيره تفسيراً صحيحاً .

٣ ـ إنّ الخصائص والمميزات التي تحملها أحاديث الاثني عشر ، لا تنطبق في الواقع الخارجي إلاّ على أهل البيتعليهم‌السلام ، فمثل صفة ( صلاح أمر الأُمّة والناس بهم ) و( كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ) و( إذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها ) ، ونحوها ، لا تنسجم ولا تنطبق إلاّ على عترة أهل البيتعليهم‌السلام ، فضلاً عمّا يحمله أهل البيتعليهم‌السلام من خصائص ومميّزات استثنائية ، وما يحملونه من مؤهّلات علمية وعملية بإجماع أهل العلم ، وعلى جميع المستويات الفكرية والروحية ونحوها ، كل هذا يؤكّد ويدعم كون حديث الاثني عشر لا يمكن انطباقه إلاّ على أهل البيتعليهم‌السلام .

ـــــــــــــ

(١) شرح صحيح مسلم ، النووي : ج ١٢ ص ٢٠٣ .

١٣٣

الفصل الثالث: غيبة الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشّريف)

الشبهة :

١ ـ ما الفائدة من وجود إمام غائب ؟

٢ ـ إنّ الحجّة عند الشيعة لا تقوم إلاّ بإمام ، فكيف يترك الإمامة ويغيب ؟

الجواب :

قبل البدء ينبغي ذكر تمهيد مختصر له مدخليّة في الإجابة .

تمهيد :

إنّ الشريعة التي جاء بها الدين الإسلامي ما هي ـ في مجملها ، وحقيقتها ، وبكل جوانبها ـ إلاّ خطّة إلهيّة أُعدّت بإحكام ، ووُضعت من أجل ترشيد المجتمع البشري نحو الأصلح والأقوم ، وبلوغ السعادة في الدارين .

وقد وعد الله تعالى البشرية ـ التي عانت طوال حياتها من الظلم ، والجور ـ أن يسودها العدل والأمان في الأرض .

قال تعالى :( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ ) (١) .

وقال تعالى أيضاً :( وَنُرِيدُ أَن نمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (٢) .

إلاّ أنّ تحقق هذا الهدف على أرض الواقع يتوقّف على توفّر شرائطه ، التي شاء الله عزّ وجلّ بحكمته أن تكون من طرقها الطبيعية ، وضمن ما هو المألوف ، لا بشكل إعجازي وخارق لما هو المعتاد .

ـــــــــــــ

(١) التوبة : ٣٣ .

(٢) القصص : ٥ .

١٣٤

وحيث إنّ الله تعالى ـ لحكمته ولطفه بعباده ـ قد نصّب أولياء هداة معصومين ، يمثّلون امتداداً طبيعياً للرسالة المحمّديّة ، فهم أُمناء الوحي والرسالة ، وحجّة الله على العباد ، وهم الأئمّة الاثنا عشرعليهم‌السلام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أوّلهم الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وآخرهم الإمام المهديعليه‌السلام ، وقد ثبت ذلك مسبقاً ، بمقتضى عدد وافر من الآيات القرآنية ، كآية الولاية ، وآية أُولي الأمر ، وآية التطهير ، وآيات البلاغ في الغدير ، وآية المودّة في القربى(١) وغيرها ، مضافاً إلى عدد كبير جداً من الأحاديث النبويّة التي رواها أصحاب الصحاح من أهل السنّة ، كحديث الثقلين المتواتر الذي مفاده أنّ أهل البيتعليهم‌السلام لن يفترقوا عن القرآن حتى يردوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحوض(٢) ، فكما أنّ القرآن باقٍ إلى يوم القيامة كذلك أهل البيتعليهم‌السلام ، وكحديث الخلفاء الاثني عشر (كلّهم من قريش)(٣) ، وحديث السفينة(٤) ، وأهل بيتيعليهم‌السلام أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض(٥) وأتاهم ما يوعدون ، وغير ذلك من الأحاديث الدالّة على بقاء الإمامة الإلهية ، واستمرارها في الأرض .

ـــــــــــــ

(١) الآيات : المائدة : ٥٥ ، النساء : ٥٩ ، الأحزاب : ٣٣ ، المائدة : ٦٧ .

(٢) السنن الكبرى ، النسائي : ج ٥ ص ٤٥ ص ١٣٠ ؛ خصائص أمير المؤمنين : النسائي : ص ٩٣ ؛ المعجم الصغير ، الطبراني : ج ١ ص ١٣١ ص ١٣٥ .

(٣) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ٥ ص ٨٧ ـ ٨٨ .

(٤) مجمع الزوائد : الهيثمي ، ج ٩ ص ١٦٨ ، المعجم الأوسط ، الطبراني : ج ٦ ص ٨٥ .

(٥) شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج ١ ص ٤٢٦ ، ذخائر العقبى ، الطبري : ص ١٧ .

١٣٥

وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّ خلفائي ، وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي ، الاثنا عشر ، أوّلهم عليّ ، وآخرهم ولدي المهدي ) (١) .

وشاءت الإرادة الإلهية أن يكون الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ـ الذي يمثّل الحلقة الأخيرة من سلسلة الأئمّة الهداة ـ مصلحاً للبشرية ، ومحققاً للهدف النهائي ، والثمرة الكبيرة والمرجوّة من رسالات السماء وبعث الأنبياء ، قال تعالى :( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنّ اللهَ قَوِيّ عَزِيزٌ ) (٢) .

إذن فلابدّ ـ بحسب التخطيط الإلهي ـ من إقامة العدل ، والسلام في العالم ، بعد انتشار الظلم والجور والفساد في ربوع الأرض وأرجائها ، وهو ما نشاهده ونراه بالحس والعيان في كل حدب وصوب ، وهذا ما يتطابق مع ما تنبّأ به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله :( تملأ الأرض ظلماً وجوراً ، ثم يخرج رجل من عترتي ، يملك سبعاً أو تسعاً ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ) (٣) ، فكما أنّ الأرض مُلئت وستُملأ بالجور والفساد والظلم ، لابدّ لها من يوم تُملأ فيه عدلاً وقسطاً ، على يد الإمام المهديّ المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) .

ـــــــــــــ

(١) ينابيع المودّة ، القندوزي الحنفي : ج ٣ ص ٢٩٥ .

(٢) الحديد : ٢٥ .

(٣) سنن أبي داود ، السجستاني : ج ٤ ص ٧١٢ ح ٤٢٧٦ ؛ مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ٣ ص ٢٨ ص ٣٦ ص ٧٠ ؛ المستدرك الحاكم : ج ٤ ص ٥٥٧ ؛ وانظر مجمع الزوائد : الهيثمي : ج ٧ ص ٣١٤ ، وقال فيه : ( رواه الترمذي وغيره باختصار ، رواه أحمد بأسانيد ، وأبو يعلى باختصار ، ورجالهما ثقات ) ؛ وانظر : المصنف : الصنعاني : ج ١١ ص ٣٧٢ ـ ٣٧٣ .

١٣٦

إلاّ أنّ النقطة الجديرة بالذكر هي أنّ تحقق هذا الهدف ، وهو إقامة العدل والقسط في الأرض ، يتوقّف على توفّر شرائطه التي أراد الله تعالى بحكمته أن تكون من الطريق الطبيعي لا الإعجازي ، وهذا ما جرت عليه السنن الإلهية في هذا العالم ، فقد قال تبارك وتعالى :( لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ ) (١) ، وقال تعالى أيضاً :( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ وَيَحْيَى‏ مَنْ حَيّ عَنْ بَيّنَةٍ وَإِنّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٢) ، وقال تعالى :( وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلُِيمَحّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ ) (٣) ، وقال :( وَتِلْكَ الأَيّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الّذِينَ آمَنُوا وَيَتّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لاَ يُحِبّ الظّالِمِينَ * وَلِيُمَحّصَ اللهُ الّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنّةَ وَلَمّا يَعْلَمِ اللهُ الّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصّابِرِينَ ) (٤) ، وغير ذلك من الآيات المباركة ، التي تكشف عن أنّ التخطيط الإلهي لجريان السنن في هذا العالم مبنيّ على السير الطبيعي للبشرية ، إلاّ في الظروف الخاصّة والاستثنائية ، التي تقتضي فيها الحكمة الإلهية إنجاز الهدف والوصول إليه عن طريق الإعجاز وخرق المعتاد ، وذلك كإثبات أصل نبوّة الأنبياء مثلاً .

وإقامة العدل على هذه الأرض جاء ضمن ذلك الإطار ، فلكي يتحقق على أرض الواقع ويحين أجله ، لابد من اكتمال جميع شرائطه ، وعلى ضوء ذلك كانت غيبة إمامنا المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) جزءاً من هذا التخطيط والحكمة الإلهية ، من أجل أن تكتمل باقي الشرائط لظهور الحق وإقامة العدل ، تلك الشرائط التي يتحقق معظمها في أحضان الغيبة ، وهذا ما أخبر به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في روايات عديدة من كتب الفريقين :

ـــــــــــــ

(١) الأنفال : ٣٧ .

(٢) الأنفال : ٤٢ .

(٣) آل عمران : ١٥٤ .

(٤) آل عمران : ١٤٠ ـ ١٤٢ .

١٣٧

منها : ما أخرجه الإربلي ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : لمّا أنزل الله على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) (١) ، قلت : يا رسول الله عرفنا الله ورسوله ، فمَن أولي الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( هم خلفائي من بعدي يا جابر ، وأئمة الهدى بعدي أولهم علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر وستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه عنّي السلام ، ثم الصادق جعفر بن محمد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم علي بن موسى ، ثم محمد بن علي ، ثم علي بن محمد ، ثم الحسن بن علي ، ثم سميّي وكنيّي ، وحجّة الله في أرضه ، وبقيّته في عباده محمد بن الحسن بن عليّ ، ذلك الذي يفتح الله عزّ وجلّ على يده مشارق الأرض ومغاربها ، وذلك الذي يغيب عن شيعته ، وأوليائه ، غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان ) ، فقال جابر : فقلت : يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أي والذي بعثني بالحق ، إنّهم ليستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته ، كانتفاع الناس بالشمس وإن علاها سحاب ، يا جابر هذا من مكنون سر الله ، ومخزون علم الله ، فاكتمه إلاّ عن أهله ) (٢) .

وعن علي بن علي الهلالي ، عن أبيه قال : دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شكاته التي قبض فيها فإذا فاطمة رضي الله عنها عند رأسه قال : فبكت حتى ارتفع صوتها ، فرفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طرفه إليها فقال :حبيبتي فاطمة ،

ـــــــــــــ

(١) النساء : ٥٩ .

(٢) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٣ ص ٣٩٩ .

١٣٨

ما الذي يبكيك ، فقالت :أخشى الضيعة بعدك ، فقال :يا حبيبتي ، أما علمت أن الله ـ عزّ وجلّ ـ اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه برسالته ، ثم أطلع إلى الأرض اطلاعه فاختار منها بعلك ، وأوحى إليّ أن أنكحك إيّاه ، يا فاطمة ، ونحن أهل بيت قد أعطانا الله سبع خصال لم تُعط لأحد قبلنا ولا تُعطى أحداً بعدنا : أنا خاتم النبيّين ، وأكرم النبيّين على الله ، وأحب المخلوقين إلى الله عزّ وجلّ وأنا أبوك ، ووصيي خير الأوصياء ، وأحبّهم إلى الله ، وهو بعلك ، وشهيدنا خير الشهداء ، وأحبّهم إلى الله ، وهو عمّك حمزة بن عبد المطلب ، وعمّ بعلك ، ومنّا مَن له جناحان أخضران يطير مع الملائكة في الجنّة حيث شاء ، وهو ابن عم أبيك ، وأخو بعلك ، ومنّا سبطا هذه الأُمّة ، وهما ابناك الحسن والحسين ، وهما سيّدا شباب أهل الجنّة ، وأبوهما ـ والذي بعثني بالحق ـ خير منهما يا فاطمة ـ والذي بعثني بالحق ـ إنّ منهما مهدي هذه الأُمّة إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً وتظاهرت الفتن ، وتقطّعت السبل ، وأغار بعضهم على بعض ، فلا كبير يرحم صغيراً ولا صغير يوقّر كبيراً ، فيبعث الله عزّ وجلّ عند ذلك منهما مَن يفتح حصون الضلالة ، وقلوباً غلفاً يقوم بالدين آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان ، ويملأ الدنيا عدلاً كما مُلئت جوراً ، يا فاطمة لا تحزني ولا تبكي ، فإنّ الله عزّ وجلّ أرحم بك وأرأف عليك منّي ؛ وذلك لمكانك من قلبي ، وزوّجك الله زوجاً ، وهو أشرف أهل بيتك حسباً وأكرمهم منصباً ، وأرحمهم بالرعيّة ، وأعدلهم بالسوية ، وأبصرهم بالقضية ، وقد سألت ربّي عزّ وجلّ أن تكوني أوّل مَن يلحقني من أهل بيتي ، قال علي رضي الله عنه :فلمّا قُبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تبق فاطمة رضي الله عنهابعده إلاّ خمسة

١٣٩

وسبعين يوماً حتى ألحقها الله عزّوجلّ به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه : الهيثم بن حبيب ، قال أبو حاتم : منكر الحديث وهو متهم بهذا الحديث(١) .

أقول : ولم يجدوا في الهيثم بن حبيب مطعناً سوى روايته لهذا الحديث في فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ، وله نظائر كثيرة !!

وعن أبي أيوب الأنصاري قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة :نبيّنا خير الأنبياء وهو أبوك ، وشهيدنا خير الشهداء وهو عمّ أبيك حمزة ، ومنّا مَن له جناحان يطير بهما في الجنّة حيث شاء وهو ابن عمّ أبيك جعفر ، ومنّا سبطا هذه الأُمّة الحسن والحسين وهما ابناك ومنّا المهدي .

رواه الطبراني في الصغير وفيه قيس بن الربيع وهو ضعيف وقد وثق ، وبقيّة رجاله ثقات(٢) .

ومنها : ما جاء عن جابر بن عبد الله الأنصاري أيضاً : قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( المهدي من ولدي ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خلقاً وخُلقاً ، تكون له غيبة وحيرة ، تضل فيها الأُمم ، ثم يقبل كالشهاب الثاقب ، فيملأها عدلاً كما مُلئت جوراً ) (٣)

وغير ذلك من الروايات ، الدالة على ضرورة الغيبة ، من أجل اكتمال شرائط الظهور ، وإقامة العدل والقسط ؛ وذلك من خلال تخطّي البشرية لمراحل عديدة من التمحيص والفتن والحيرة ، والابتلاء .

ـــــــــــــ

(١) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٦٥ ـ ١٦٦ .

(٢) المصدر نفسه : ج ٩ ص ١٦٦ .

(٣) ينابيع المودّة ، القندوزي الحنفي : ج ٣ ص ٣٨٦ .

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

أقول: ولمّا رأيت أخباراً كثيرة تضمّنت تخيير الإنسان فيما يقرؤه بعد الحمد في ركعتي الاستخارات، هداني الله جلّ جلاله إلى أن تكون قراءتي في الركعتين كصلاة ركعتي الغفلة بين العشاءين، فإنّي وجدت المستشير لله جلّ جلاله كأنّه في ظلمات في رأيه وتدبيره فيما يشاور الله جلّ جلاله فيه بالاستخارت، فقرأت بعد الحمد في الركعة الأُولى:( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) (١) أقول عند قوله جلّ جلاله:( وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) ما معناه: يا أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين أنا في ظلمات فيما أستشيرك فيه، فنجّني كما وعدت، إنّك تنجي المؤمنين، واكشف لي ذلك برحمتك على اليقين.

ثمّ أقرأ في الثانية بعد الحمد:( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) (٢) .

ثمّ أقنت بعد هذه الآية وأقول: اللّهمّ إنّي أسالك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلاّ أنت. ثمّ أدعو أن يفتح الله لي عن هذا الغيب الذي أستشير(٣) فيه بما يكشف لي عن أسراره ودفع مضارّه، وحقيقة الخير فيه، بألفاظ ما أوثر ذكرها الآن، فيدعو كل إنسان بما يفتح عليه صاحب الرحمة والإحسان جلّ جلاله وتقدّس كماله.

____________________

(١) الأنبياء ٢١: ٨٧، ٨٨.

(٢) الأنعام ٦: ٥٩.

(٣) في (د): أستخير.

٢٢١

وممّا وجدت من فوائد الاستخارات: أنّني كنت إذا حصل ميقات زيارات، أجد قلبي ونفسي تنازع إلى الزيارة، لأجل ورود الأخبار بثواب ذلك الميقات، وإلاّ فلأيّ حال ما توجّهت إلى الزيارة قبل تلك الأوقات، فأخاف أن يكون عملي لمجرّد الثواب والزيارة، ولا يكون خالصاً لوجه الله جلّ جلاله، ولا لأنّني أعبده لأنّه جلّ جلاله أهل للعبادة على التحقيق، والذي وصل إليه معرفتي أنّه لا تصح العبادة على التحقيق واليقين إلاّ إذا كانت العبادة لله جلّ جلاله خالصةً لأنّه أهل للعبادة، من غير التفات إلى ثواب عاجل ولا آجل(١) ، فهو جلّ جلاله أهل لذلك وما يحتاج العبد معه إلى رشوةٍ في العبادة إنْ كان من العارفين، وقد كشفت ذلك كشفاً واضحاً في كتاب تتمّات مصباح المتهجّد ومهمّات في صلاح المتعبّد، فكنت أعالج نفسي وقلبي على أنّها(٢) عند التوجّه إلى الزيارات، أو عند غيرها من المندوبات التي تصح فيها الاستخارات - أن لا يكون الباعث لها فوائد الثواب في الزيارات فلا تُسارع إلى(٣) القبول منّي، وأجد مشقّة في إخلاص ذلك، ووقوعه على وجه يرضى به الله جلّ جلاله عنّي، فوجدت بالاستخارات في الزيارات وغيرها ممّا استخرت فيه سلامة عظيمة من هذه الآفات، وذلك أنّني عند وقت الميقات لا أعلم مصلحتي أنّني أُقيم عند عيالي، ومَن يكون مقيماً في البلد من إخواني لمصلحتهم، وأنّني أكون أكثر تفرّغاً وأمكن من الخلوة بالزيارة من داري، أو تكون المصلحة في الزيارة ومفارقة عيالي، ولقاء مَن يكون هناك من إخواني، وأن تكون الزيارة مع الجماعات أرجح من الزيارة في الدار مع الخلوات، ولأنّني لا أدري ما يتجدّد عليّ في السفر من الحادثات والعوائق والشواغل عن العبادات، وكذلك ما أدري ما يتجدّد علَيّ

____________________

(١) في (د): أو آجل.

(٢) في (د): أنّهما.

(٣) في (د): في.

٢٢٢

إن أقَمْت من العوائق والحوائل التي ليست محسوبات(١) ، فهذا ما لا أعلمه إلاّ من جانب العالم بالعواقب والخفيّات، فإذا شرعت في الاستخارة في الزيارة ما يبقى ذلك الوقت عندي التفات إلى ثواب ما ورد في الروايات، وإنّما يبقى خاطري متعلّقاً بما يتقدّم به الله جلّ جلاله الآن في الاستخارات، فإذا جاءت الاستخارة (افعل) امتثلت ذلك الأمر المقدّس، وعبدته بالامتثال؛ لأنّه جلّ جلاله أهل لهذه الحال.

وممّا وجدت من طرائف الاستخارات: أنّني طلبني بعض أبناء الدنيا وأنا بالجانب الغربي من بغداد، فبقيت اثنين وعشرين يوماً أستخير الله جلّ جلاله كل يوم في أنْ ألقاه في ذلك اليوم، فتأتي الاستخارة (لا تفعل) في أربع رقاع، أو في ثلاث متواليات، وما اختلفت في المنع مدّة اثنين وعشرين يوماً، وظهر لي حقيقة سعادتي بتلك الاستخارات، فهل هذا من غير عالم الخفيّات؟

وممّا وجدت من عجائب الاستخارات: أنّني أذكر أنّني وصلت الحلّة في بعض الأوقات التي كنت مقيماً بدار السلام، فأشار بعض الأقوام بلقاء بعض أبناء الدنيا(٢) من ولاة البلاد الحلّيّة، فأقمت بالحلّة لشغل كان لي شهراً، فكنت كلّ يوم أستصلحهُ للقائه أستخير الله جلّ جلاله أوّل النهار وآخره في لقائه في ذلك الوقت، فتأتي الاستخارة (لا تفعل)، فتكمّلت نحو خمسين استخارة في مدّة إقامتي(٣) (لا تفعل): فهل يبقى مع هذا عندي [ ريب ](٤) - لو كنت لا أعلم حال الاستخارة - أنّ هذا صادر عن الله جلّ جلاله العالم بمصلحتي، هذا مع ما ظهر بذلك من سعادتي؟ وهل يقبل

____________________

(١) في (د) و (ش): محسوسات.

(٢) في (م): الزمان.

(٣) في البحار زيادة: كلها.

(٤) ما بين المعقوفين من البحار.

٢٢٣

العقل أنّ الإنسان يستخير خمسين استخارة تطلع(١) كلّها اتفاقاً (لا تفعل)؟

وممّا وجدت من عجائب الاستخارات: أنّني قد بلغت من العمر نحو ثلاث وخمسين سنة، ولم أزل أستخير مذ عرفت حقيقة الاستخارات، وما وقع أبداً فيها خلل، ولا ما أكره، ولا ما يخالف السعادات والعنايات؛ فأنا فيها كما قال بعضهم:

قلتُ للعاذل لمّا جاءني

من طريق النصح يبدي ويعيد

أيّها الناصح لي في زعمهِ

لا تزد نصحاً لمَن ليس يريد

فالذي أنتَ لهُ مستقبح

ما على استحسانه عندي مزيد

وإذا نحن تباينَّا كذا

فاستماع العذل(٢) شيء لا يفيد(٣)

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن طاووس: وأنا أضرب لك مثلاً تعرف به فضل مشاورة الله جلّ جلاله زيادة على ما قدّمناه أوّلاً، أما تعلم من نفسك أنّك لو بنى لك البنّاء داراً وفرغ منها، فرأيت فيها خللاً وشعثاً في بعض بنائها، أما كنت تطلب البنّاء العارف بها وتسأله عن ذلك، وكذلك لو أردت أن تحفر في بعض جهاتها بئراً، وتعمل على(٤) بعض سطوحها(٥) غرفة، أما كنت تستعلم من البنّاء العارف بها في أي المواضع أقوى لعمل الغرفة، ونحو هذا من مصالح الدار، وأنت تعرف أنّ الله جلّ جلاله بنى لك دار الدنيا العظيمة، وهو العالم بأسرارها المستقيمة

____________________

(١) في (د): تظهر.

(٢) العذْلُ: الملامة، وقد عَذَلْتُه ُ. والاسم العَذَلُ بالتحريك، يقال عذلت فلاناً فاعتذل، أي لام نفسه وأعتب. (الصحاح - عذل - ٥: ١٧٦٢).

(٣) أورد المجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٣٢/ ٧.

(٤) في (م): في.

(٥) في (م): غرفها.

٢٢٤

والسقيمة، فكما تستعلم مصالح دارك اليسيرة [ من ](١) البنّاء، فاستعلم مصالح دارك الكبيرة من الله عزّ وجل، العالم بجميع الأشياء.

مثال آخر: أما تعلم أنّك لو اشتريت عبداً من سيّد، قد كان العبد عند ذلك السيّد عشر سنين أو نحو هذا المقدار، ثمّ مرض العبد عندك تلك الليلة، فإنّك تنفذ(٢) إلى سيّده الأوّل وتسأله عن ذلك المرض، وتقول: هو أعرف؛ لأنّ العبد أقام عنده أكثر منّي، أفما تعرف أنّ اللهّ جلّ جلاله قد خلقك قبل النطفة تراباً، ثمّ أودعك بطوناً بعد أن أودعك أصلاباً، ثمّ نطفة، ثم عَلَقَة(٣) ، ثم مُضْغَةَ(٤) ، ثم عظاماً ثم كسا العظام لحماً، ثم جنيناً، ثمّ رضيعاً، ثمّ طفلاً، ثمّ ناشئاً، فما لك لا تستشيره؟! وتستعلم منه جواباً لا يكون أبداً إلاّ صواباً، ولأيِّ حال إذا تجدّد عندك ما يحتاج أن تستعلمه منه جلّ جلاله لا يكون عندك سبحانه مثل سيّد ذلك العبد الذي استعلمت منه مصلحته؟! فاجعل اللهّ - جلّ جلاله إنْ كنت لا تعرف جلاله - كسيّد ذلك العبد المذكور، واستعلم منه ما تحتاج إلى معرفته من مصالح الأمور.

مثال آخر: أما تعرف أنّك لو أردت سفراً في الشتاء، وسفراً في الصيف، أو في الربيع وطيب الهواء، وما تعلم في تلك الحال ما غلب على باطنِ مزاجك من الحرارة والبرودة، أو(٥) الرطوبة، أو(٦) اليبوسة، فهل تجد أحداً من الخلائق يعلم في تلك الحال ما غلب على باطن مزاجك؟ ويعرفه

____________________

(١) ما بين المعقوفين أثبتناه ليستقيم السياق.

(٢) في (د): تجيء.

(٣) العلَقة: هي القطعة الجامدة من الدم بعد أن كانت منياً، وبعد أربعين يوماً تصير مضغة، وجمعها علق (مجمع البحرين - علق - ٥: ٢١٦).

(٤) المُضْغَة بالضم: قطعة لحم حمراء فيها عروق خضر مشتبكة، سُمّيت بذلك لأنّها بقدر ما يُمْضَغُ (مجمع البحرين - مضغ - ٥: ١٦).

(٥ - ٦) في (د): و.

٢٢٥

على التفاصيل والحقائق قبل أن يظهر إلى ظاهر جسدك، فإنّ الطبيب وأنت أوائل الأمراض إنّما تعرفها أنت، والطبيب إذا قَوِيت وأثّرت حتى بلغت تغيّر(١) الأعراض إلى ظاهر الجسد، فإذا قلت لنفسك أو لغيرك من العباد: أنا أُريد السفر في الشتاء، فهل ترى لي في ذلك صلاحاً؟ فأنت تعلم أنّه ما يدري هل الحرارة قد ابتدأت وغلبت عليك فيضرّك الهواء، أو أردت سفراً في الصيف فما تدري أنت ولا المشير عليك من العباد ما الذي غلب على مزاجك، وما يتجدّد من مصالحك إذا سافرت أو أقمت، ولو بلغ المشير من الناس غاية الاجتهاد، فعلى مَ لا تستعلم هذا كلّه ممّن يعلمه على التفصيل، وهو أشفق وأرفق من كل شفيق في كثير وقليل.

مثال آخر: أما تعلم أنّ كلّ مَن برز في صنعته رجح أهل، تلك الصنعة إلى معرفته إذا اختلفوا أو اشتبه شيء ممّا اطلع هو على حقيقته، فلأيّ حال ما ترجع إلى الله في جميع(٢) ما تحتاج فيه إلى مشاورته؟! فالدنيا والآخرة وأنت من صنعته، وقد برز فيها على كلّ صانع، وله المثل الأعلى، وَعَلِمَ أسرارها ومسارها وأخطارها معرفةً لا تطّلع أنت لا وغيرك عليها، إلاّ من جانب تعريفه وإشارته.

____________________

(١) في (م) تعبير، وفي (د): تغيير.

(٢) في (د): كل.

٢٢٦

الباب العاشر

فيما رويته أو رأيته من مشاورة الله جلّ جلاله بصلاة

ركعتين والاستخارة برقعتين

قد ذكرنا - فيما تقدّم - ما أردنا ذكره من ترجيح الاستخارات بالست الرقاع على ما وصفناه على سائر الاستخارات، وكشفنا ذلك وأوضحناه، وإنّما نؤثر ذكر مشاورة الله جلّ جلاله بالاستخارات بمهما كان من ذلك المعنى، لأجل تقوية الروايات (لتكون شاهدة بالاتفاق على معنى المشاورة للهّ جلّ جلاله، وإن اختلفت في صفات المشاورات)(١) ليكون الاتفاق والإطباق على أنّ اللهّ يُستشار ويُستخار؛ ففي ذلك تأكيد وتمهيد وتوطيد، وبلاغ لمَن عنده تأييد وتسديد ومزيد.

وأمّا الرواية بصلاة ركعتين والاستخارة برقعتين: فأخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما، والشيخ أسعد بن عبد القاهر الأصفهاني، بإسنادهما الذي قدّمناه إلى الشيخ محمد بن يعقوب فيما ذكره من كتاب الكليني في آخر باب صلاة

____________________

(١) ليس في (م)، وفي (د): فيكون مساحة بالاتفاق على معنى، والمشاورة إلى الله جلّ جلاله، وإن اختلفت في صفات المشاورات.

٢٢٧

الاستخارة:

عن عليّ بن محمد، رفعه عنهم (عليهم السلام)، قال لبعض أصحابه وقد سأله عن الأمر يمضي فيه، ولا يجد أحداًَ يشاوره، فكيف يصنع؟ قال: (شاور الله)(١) قال، فقال له: كيف؟ قال: (انو الحاجة في نفسك، واكتب رقعتين، في واحدة (لا) وفي واحدة (نعم) واجعلهما في بندقتين من طين، ثمّ صلّ ركعتين، واجعلهما تحت ذيلك وقل: يا الله إنّي أشاورك في أمري هذا وأنت خير مستشار ومشير، فأشر علَيّ بما فيه صلاح وحسن عاقبة، ثمّ أدخل يدك، فإنْ كان فيها (نعم) فافعل، وإنْ كان فيها (لا) لا تفعل، هكذا تشاور(٢) ربك)(٣) .

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس: ما وجدت إلى حين تأليف هذا الكتاب في الاستخارة برقعتين غير هذه الرواية، وهي مرسلة كما رويناها، وكذا رواها جدّي أبو جعفر الطوسي (رضي الله عنه) في تهذيب الأحكام(٤) وفي المصباح الكبير(٥) ، وما وجدت لها إسناداً متّصلاً إلاّ إلى عليّ بن محمد الذي رفعها.

أقول: وما وجدت رواية مسندة أيضاً بصلاة ركعتين ورقعتين من غير أن تكون الرقعتان في بندقتين، بل وجدت عن الكراجكي رحمة الله عليه قال: وقد جاءت رواية أن تجعل رقاع الاستخارة اثنتين في إحداهما (افعل)، وفي

____________________

(١) في (د) و (ش): شاور ربّك الله، وفي الكافي: شاور ربّك.

(٢) في الكافي: شاور.

(٣) رواه الكليني في الكافي ٣: ٤٧٣/ ٨، والطبرسي في مكارم الأخلاق: ٣٢٣، والشهيد الأوّل في ذكرى الشيعة: ٢٥٢، وأورده باختلاف في ألفاظه الكفعمي في المصباح: ٣٩١، والبلد الأمين: ١٥٩، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٣٧/ ٢.

(٤) تهذيب الأحكام ٣: ١٨٢/ ٧.

(٥) مصباح المتهجّد: ٤٨١.

٢٢٨

الأخرى (لا تفعل) وتسترهما عن عينك، وتصلّي صلواتك، وتسأل الله الخيرة في أمرك، ثمّ تأخذ منهما واحدةً فتعمل بما فيها(١) .

هذا آخر ما ذكره ولم أجد الرواية بذلك بإسنادها.

أقول: ويحتمل أن يكون المراد بالاستخارة برقعتين على سبيل التخيير بينهما وبين غيرها من روايات الاستخارات، أو لمَن(٢) لا يتمكّن من الاستخارة بالست الرقاع لبعض الأعذار، ويكون هذا تأويلاً في الجمع بينها(٣) وبين بعض الأخبار.

____________________

(١) نقله المجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٤٠ / ٦.

(٢) في (د): لم.

(٣) في (ش): بينهما.

٢٢٩

٢٣٠

الباب الحادي عشر

في بعض ما رويته من الاستخارة بمائة مرّة ومرّة

١ - أخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما، والشيخ الفاضل أسعد بن عبد القاهر الأصفهاني، عن الشيخ أبي الفرج علي بن السعيد أبي الحسين الراوندي، عن والده المذكور، عن أبي جعفر محمد بن علي بن المحسن الحلبي، عن السعيد أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسيّ، عن المفيد محمد بن محمد بن النعمان وعن الحسين بن عبد اللهّ معاً، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي، عن والده المذكور، فيما رواه في رسالته إلى ولده ما هذا لفظه:

صلاة الاستخارة: وإذا أردت أمراً فصلّ ركعتين، واستخر الله تعالى مائة مرّة ومرّة، فما عزم لك فافعل، وقل في دعائك: لا إله إلاّ الله العليّ العظيم، لا إله إلاّ الله الحليم الكريم، ربّ بحقِّ محمّدٍ وآل محمّد صلِّ على محمّدٍ وآل محمد، وخر لي في كذا وكذا للدنيا والآخرة خيرة منك في عافية(١) .

____________________

(١) نقله الصدوق عن رسالة أبيه في: مَن لا يحضره الفقيه ١: ٣٥٦، والمقنع: ٤٦.

٢٣١

أقول: وقد تقدّمت روايتي عن مولانا الرضا عليه السلام لمّا استشاره علي بن أسباط فأشار عليه بالاستخارة بمائة مرّة ومرّة(١) .

أقول: أخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبد القاهر الأصفهاني، بإسنادهما الذي قدّمناه في كتابنا هذا إلى الشيخ محمد بن يعقوب الكليني فيما رواه في كتاب الكافي، قال:

علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن محمد بن عيسى، عن عمرو ابن إبراهيم، عن خلف بن حماد، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام، قال، قلت له: ربّما أردت الأمر يفرق منّي فريقان(٢) أحدهما يأمرني والآخر ينهاني؟ قال، فقال: (إذا كنت كذلك فصلّ ركعتين، واستخر اللهّ مائة مرّة ومرّة، ثمّ انظر أحزم(٣) الأمرين لك فافعله، فإنّ الخيرة فيه إنْ شاء الله، ولتكن استخارتك في عافية، فإنّه ربّما خير للرجل في قطع يده، وموت ولده، وذهاب ماله)(٤) .

وروى جدّي أبو جعفر الطوسي هذه الرواية بهذا الإسناد في كتاب تهذيب الأحكام(٥) ، عن محمد بن يعقوب الكليني.

____________________

(١) تقدّم في ص ١٤٢.

(٢) أي يحصل بسبب ما أوردت فريقان ممّن أستشيره، أو المراد بالفريقين الرأيان أي يختلف رأيي، فمرّة أرجّح الفعل والأخرى الترك. (مرآة العقول ١٥: ٤٥٤).

(٣) أحزم: بالحاء المهملة، والحزم ضبط الأمور والأخذ فيها بالثقة، وفي بعض النسخ بالجيم. (مرآة العقول ١٥: ٤٥٤).

(٤) الكافي ٣: ٤٧٢/ ٧، ومصباح المتهجّد: ٤٨٠، وأورده الشهيد الأوّل في ذكرى الشيعة: ٢٥١، والكفعمي في المصباح: ٣٩٠، والبلد الأمين: ١٥٩، ورواه البرقي باختلاف يسير في المحاسن: ٥٩٩/ ٧ إلى قوله: أحزم الأمرين، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٧٦/ ٢٦.

(٥) تهذيب الأحكام ٣: ١٨١ /٥.

٢٣٢

فصل:

يتضمّن الاستخارة بمائة مرّة ومرّة في آخر ركعة من صلاة الليل

أقول: ورويت ممّا رأيت في كتاب أصل الشيخ الصالح محمد بن أبي عمير، المجمع على علمه وصلاحه رضوان اللهّ عليه، الاستخارة بمائة مرّة ومرّة في آخر ركعة من صلاة الليل ما هذا لفظه حقيقة:

عن محمد بن خالد القسري قال: سألت أبا عبد اللهّ عليه السلام(١) عن الاستخارة قال، فقال: (استخر الله عزّ وجلّ في آخر ركعة من صلاة الّليل وأنت ساجد مائة مرّة ومرّة)، قال، قلت: كيف أقول؟ قال: تقول: (أستخير الله عزّ وجلّ برحمته، أستخير الله برحمته)(٢) (٣) .

فصل:

يتضمّن الاستخارة بمائة مرّة ومرّة عقيب ركعتي الفجر

أخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ الفاضل أسعد بن عبد القاهر الأصفهاني معاً، بإسنادهما الذي قدّمناه إلى جدّي أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسيّ، فيما وجدته مرويّاً عن حماد بن عثمان الناب، وذكر جدّي أبو جعفر الطوسي أنّه ثقة جليل القدر، وأنّه يروي كتابه عن [ ابن ](٤) أبي جيد، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد،، عن ابن أبي عمير والحسن بن علي الوشا والحسن بن

____________________

(١) في (د) و (ش): سألت أبا عبد الله (عليه السلام) والشيخ.

(٢) رواه الشيخ الصدوق في الفقيه ١: ٣٥٥ / ٣، ونقله الحرّ العاملي في وسائل الشيعة ٥: ٢١٣ / ٢، والمجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٧٧ / ٢٧.

(٣) هذا الفصل بكامله سقط من نسخة (م).

(٤) ما بين المعقوفين من فهرست الشيخ.

٢٣٣

علي بن فضال، عن حماد بن عثمان(١) .

- قال حماد بن عثمان: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الاستخارة، فقال: (استخر الله مائة مرّة ومرّة في آخر سجدة من ركعتي الفجر، تحمد الله وتمجّده وتثني عليه، وتصلّي على النبيّ وعلى أهل بيته، ثمّ تستخير الله تمام المائة مرّة ومرّة)(٢) .

____________________

(١) الفهرست: ٦٠/ ٢٣٠، وللشيخ الطوسي طريق آخر لكتاب حماد هو: عدّة من أصحابنا، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله والحميري، عن محمد بن الوليد الخزاز، عن حماد بن عثمان.

(٢) نقله المجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٥٧ / ١٤، وقال معقِّباً: (لعلّه سقط منه شيء كما يظهر من المكارم)، ومراده ما ورد في مكارم الأخلاق ص ٣٢٠: روى حماد بن عثمان عن الصادق (عليه السلام) أنّه قال في الاستخارة: أن يستخير الله الرجل في آخر سجدة من ركعتي الفجر مائة مرّة ومرّة يحمد الله ويصلّي على النبي وآله صلّى الله عليه وعليهم، ثمّ يستخير الله خمسين مرّة، ثمّ يحمد الله تعالى، ويصلّي على النبي وآله صلّى الله عليه وعليهم، ويتمّم المائة والواحدة أيضاً.

٢٣٤

الباب الثاني عشر

في بعض ما رويته في الاستخارة بمائة مرّة،

والإشارة في بعض الروايات إلى تعيين موضع

الاستخارات، وإلى الاستخارة عقيب المفروضات

أخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ الفاضل أسعد بن عبد القاهر الأصفهاني معاً، بإسنادهما الذي قدّمناه إلى جدّي أبي جعفر الطوسي، فيما رواه عن الحسن بن محبوب، وقدّمنا إسناده إليه، وفيما رواه عن محمد بن أبي عمير، وهذا إسناده:

قال جدّي أبو جعفر الطوسي: أخبرني جماعة، عن محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، عن أبيه ومحمد بن الحسن، عن سعد بن عبد الله والحميري، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن أبي عمير.

قال: وأخبرنا ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد ومحمد بن الحسين وأيوب بن نوح وإبراهيم بن هاشم ومحمد بن عيسى بن عبيد، عن محمد بن أبي عمير(١) .

____________________

(١) فهرست الشيخ: ١٤٢ / ٦٠٧.

٢٣٥

قال: محمد بن أبي عمير والحسن بن محبوب، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه الصلاة والسلام) قال: (كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول: ما استخار الله عبد قطّ مائة مرّة إلاّ رُمي بخير الأمرين، يقول: اللّهمّ عالم الغيب والشهادة إن كان أمر كذا وكذا خيراً لأمر دنياي وآخرتي، وعاجل أمري وآجله، فيسّره لي، وافتح لي بابه، ورضّني فيه بقضائك)(١) .

فصل:

يتضمّن استخارة بمائة مرّة بعد صوم ثلاثة أيام

وأخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبد القاهر الأصفهاني معاً، بإسنادهما الذي قدّمناه في كتابنا هذا إلى الحسن بن علي بن فضال، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إذا أردت الأمر، وأردت أن أستخير ربّي، كيف أقول؟ قال: (إذا أردت ذلك فصُم الثلاثاء والأربعاء والخميس، ثم صلّ يوم الجمعة في [ مكان ](٢) نظيف، فتشهّد ثمّ قُلْ وأنت تنظر إلى السماء: اللّهمّ إنّي أسالك بأنّك عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، أنت عالم الغيب، إنْ كان هذا الأمر خيراً لي فيما أحاط به علمك، فيسّره لي، وبارك فيه، وافتح لي به، وإنْ كان ذلك شرّاً [ لي ](٣) فيما أحاط به علمك، فاصرفه عنّي بما تعلم، فإنّك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وتقضي ولا أقضي، وأنت علاّم الغيوب. تقولها مائة مرّة)(٤) .

____________________

(١) نقله الحرّ العاملي في وسائل الشيعة ٥: ٢١٥/ ٩، والمجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٧٨/ ٢٨.

(٢) ما بين المعقوفين من البحار والوسائل.

(٣) ما بين المعقوفين من البحار.

(٤) نقله الحرّ العاملي في وسائل الشيعة ٥: ٢٠٧/ ١١، والمجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٧٨.

٢٣٦

فصل:

يتضمّن الاستخارة بمائة مرّة يتصدّق قبلها على ستّين مسكيناً

أخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبد القاهر الأصفهاني، بإسنادهما إلى جدّي أبي جعفر الطوسي، بإسناده إلى الحسين بن سعيد الأهوازي، ممّا صنّفه الحسين بن سعيد في كتاب الصلاة، من نسخة وجدتها وقد قرأها جدّي أبو جعفر الطوسي، وذكر أنّها انتقلت إليه، ما هذا لفظ الحديث:

فضالة، عن معاوية بن وهب، عن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام): في الأمر يطلبه الطالب من ربّه، قال: (يتصدّق في يومه على ستّين مسكيناً، على كلّ مسكين صاعاً بصاع النبي (صلّى الله عليه وآله)، فإذا كان الليل اغتسل(١) في ثلث الليل الباقي، ويلبس أدنى ما يلبس مَن يعول من الثياب إلاّ أنّ عليه في تلك الثياب إزاراً، ثمّ يصلّي ركعتين، فإذا وضع جبهته في الركعة الأخيرة للسجود هلّل الله وعظّمه ومجّده، وذكر ذنوبه، فأقرّ بما يعرف منها مسمىً(٢) ، ثمّ يرفع رأسه، فإذا وضع(٣) في السجدة الثانية استخار الله مائة مرّة، يقول: اللّهمّ إنّي أستخيرك، ثمّ يدعو الله بما يشاء ويسأله إيّاه، وكلّما سجد فليفض بركبتيه إلى الأرض، يرفع الإزار حتى يكشفهما، ويجعل الإزار من خلفه بين إليتيه وباطن ساقيه)(٤) .

____________________

(١) في البحار: فليغتسل.

(٢) في البحار: ويسمّي.

(٣) في البحار زيادة: رأسه.

(٤) نقله الحرّ العاملي في وسائل الشيعة ٥: ٢٠٧ / ١٢، والمجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٥٨ / ٦، وقال في بيانه على الحديث: الظاهر أنّه يلبس الإزار عوضاً عن السراويل ليمكنه الإفضاء بركبتيه إلى الأرض. قوله: (ويجعل الإزار) أي ما تأخّر منه فقط، أو ما تقدّم منه أيضاً.

٢٣٧

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن طاووس: كلّ ما أوردناه ونورده من الاستخارات المتضمّنة للدعوات وبغير الست من الرقاع المرويّات، فالقصد منها التعريف لمَن يقف عليها أنّ مشاورة الله جلّ جلاله بسائر الوجوه والأسباب من مهمّات ذوي الألباب؛ لأنّني وجدت كثيراً من الناس مهملين لمقدّس هذا الباب، وغافلين عمّا فيه من الصواب.

فصل:

يتضمّن الاستخارة بمائة مرّة عقيب الفريضة

أخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبد القاهر الأصفهاني معاً، عن الشيخ أبي الفرج علي بن أبي الحسين(١) ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد بن أحمد بن العباس الدوريستي، عن أبيه، عن السعيد أبي جعفر محمد ابن علي بن الحسين بن بابويه فيما صنّفه في كتاب عيون أخبار مولانا الرضا (عليه السلام) بإسناده في الكتاب المذكور، عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنّه: يسجد عقيب المكتوبة ويقول: (اللّهمّ خر لي) مائة مرّة ثمّ يتوسّل بالنبيّ والأئمّة (عليهم السلام)، ويصلّي عليهم، ويستشفع بهم، وينظر ما يلهمه الله فيفعل، فإنّ ذلك من الله تعالى(٢) .

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس: ولعلّ هذا لمَن يكون(٣) له عذر عن صلاة المندوب للاستخارات، أو على

____________________

(١) الظاهر حصول سقط في السند، لأنّ الشيخ أبا الفرج علي بن أبي الحسين الراوندي ينقل عن الدوريستي بواسطتين، هما: أبوه، عن علي بن عبد الصمد النيسابوري، في الأغلب، فتأمّل.

(٢) نقله المجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٧٨، وأورده النوري في مستدرك الوسائل ١: ٤٥١/ ١ عن العيون، ولم أجده فيه.

(٣) في (د) و (ش): كان.

٢٣٨

سبيل التخيير بين الاستخارة عقيب المندوبات والمكتوبات، أو لعل يحتمل أن يخصّ عمومه بالاستخارة بالرقاع أيضاً عقيب المفروضات، ويكون معنى الإلهام له، أي في أخذ الرقاع، ليحصل له بذلك كمال الشرف وزيادة الانتفاع.

فصل:

يتضمّن الاستخارة بمائة مرّة في آخر ركعة من صلاة الليل

أرويها بإسنادي المقدّم ذكره إلى جدّي أبي جعفر الطوسيّ، عن [ أبي ](١) المفضل قال: حدّثنا جعفر بن محمد بن مسعود، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الحسن بن خوزياد(٢) ، قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البزاز، عن ابن أبي عمير، عن جعفر بن محمد بن خلف العشيري(٣) قال: سألت أبا عبد الله عن الاستخارة، فقال: (استخر الله في آخر ركعة من صلاة الليل وأنت ساجد مائة مرّة) قال: قلت: كيف أقول؟ قال: (تقول: أستخير الله برحمته، أستخير الله برحمته)(٤) .

____________________

(١) ما بين المعقوفين أثبتناه من البحار.

(٢) في (ش): الحسن بن حوزيار، ولعلّه: الحسن بن خرزاذ الذي عنونه النجاشي قائلاً: قمّي كثير الحديث، له كتاب أسماء رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وكتاب المتعة، وقيل: إنّه غلا في آخر عمره، وعدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام).

انظر (رجال النجاشي: ٤٤/ ٨٧، رجال الشيخ: ٤١٣/ ٢٠، تنقيح المقال ١: ٢٧٦، معجم رجال الحديث ٤: ٣١٧/ ٢٨٠١).

(٣) في البحار: القشيري.

(٤) رواه الطبرسي في مكارم الأخلاق: ٣٢٠، مرسلاً عن القسري، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٧٧.

٢٣٩

فصل:

يتضمّن الاستخارة بمائة مرّة عند الحسين بن علي (عليهما السلام)

أخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبد القاهر الأصفهاني، بإسنادهما إلى جدّي أبي جعفر الطوسي كما ذكرناه إلى الحسن بن علي بن فضّال(١) ، عن صفوان الجمّال، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ما استخار الله عبد قط في أمر مائة مرّة عند رأس الحسين (عليه السلام)، فيحمد الله ويثْني عليه إلاّ رماه الله بخير الأمرين)(٢) .

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس: فهذا ما أردنا ذكره من الأخبار بالاستخارة مائة مرّة، ويمكن الجمع بينها وبين الأخبار التي قدّمناها في الاستخارة بالرقاع الست، فتكون الإشارة بالمائة مرّة في الروايات إلى الاستخارة بالرقاع فإنّها مائة مرّة، أو التخيير كيلا يسقط شيء من هذه المنقولات.

فصل:

ونذكر الآن بعض ما وقفنا عليه من اختيار(٣) بعض أصحابنا الثقات في الاستخارة بمائة مرّة، فإنّها يُستخار بها في الدين والدنيا، ولم يقتصروا على ما يسمّى مباحات، فنقول:

قد تقدّم كلام الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان فيما حكيناه عنه من كلامه في الرسالة العزية، وأنّه ذكر أنّ الاستخارة للطاعات

____________________

(١) في (د) و (ش) زيادة: قال الحسن بن علي بن فضال.

(٢) رواه الحميري في قرب الإسناد: ٢٨، باختلاف يسير، ونقله الحرّ العاملي في وسائل الشيعة ٥: ٢٢٠/ ١، والمجلسي في بحار الأنوار ٩١: ٢٧٩/ ٢٩.

(٣) في (د): أخبار.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364