مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء ٧

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل10%

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 594

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧
  • البداية
  • السابق
  • 594 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 329271 / تحميل: 5378
الحجم الحجم الحجم
مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء ٧

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

وأجريته ».

[ ٧٩١٨ ] ٣٠ - القاضي أبو عبدالله محمّد بن سلامة القضاعي في كتاب الشهاب: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « ما احسن عبد الصدقة، إلّا أحسن الله الخلافة على تركته ».

وقال(١) صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما نقص مال من صدقة ».

وقال(٢) صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ان الله ليدرأ بالصدقة سبعين ميتة من السوء ».

[ ٧٩١٩ ] ٣١ - ابن أبي جمهور في عوالي اللآلي: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « اليد العيا خير من اليد السفلى، واليد العليا منفقة واليد السفلى السائلة(١) ، وابدأ بمن تعول ».

[ ٧٩٢٠ ] ٣٢ - وفي درر اللآلي: عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال « الصدقة تدفع ميتة السوء ».

[ ٧٩٢١ ] ٣٣ - وعن أنس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ الله ليدرأ بالصدقة عن صاحبها سبعين ميتة من السوء، أدناها الهم ».

____________________________

٣٠ - الشهاب: ص ٣٣٣ ح ٥٧٤ (طبعة سنة ١٣٦١).

(١) الشهاب ص ٩٧ ح ٥٣٨ (طبعة دانشكاه).

(٢) الشهاب ص ١٢٨ ح ٧١٦ (طبعة دانشكاه).

٣١ - عوالي اللآلي ج ١ ص ١٤١ ح ٥٥.

(١) في الطبعة الحجرية « المسائلة » وما أثبتناه من المصدر.

٣٢ - درر اللآلي ج ١ ص ١٣.

٣٣ - درر اللآلي ج ١ ص ١٣.

١٦١

[ ٧٩٢٢ ] ٣٤ - وعن عدي بن حاتم قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما منكم أحد [ إلّا ](١) سيكلّمه الله ليس بينه وبينه حجاب، فينظر عن يمينه فلا يرى إلّا ما قدّم، وينظر عن شماله فلا يرى إلّا ما قدّم، ثمّ ينظر بين يديه فيرى النار، فمن استطاع أن يقي وجهه النار ولو بشقّ تمرة، فإن لم يجد فبكلمة طيبة ».

[ ٧٩٢٣ ] ٣٥ - وعن أبي حبيب، عن بعض أصحب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقول: « أن ظل المؤمن يوم القيامة صدقته ».

[ ٧٩٢٤ ] ٣٦ - وعن جابر بن عبدالله الأنصاري، أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال لكعب بن عجرة: « يا كعب، الصلاة برهان، والصوم جنة، والصدقة تطفي الخطيئة، كما يطفئ الماء النار ».

[ ٧٩٢٥ ] ٣٧ - وعن أبي بريدة، عن أبيه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما يخرج الرجل شيئاً من الصدقة، حتى يفك عنها لحى سبعين شيطاناً ».

[ ٧٩٢٦ ] ٣٨ - وعن أبي ذر، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما خرج صدقة من يد رجل، حتى يفك عنها لحى سبعين شيطاناً، كلهم ينهاه عنها ».

[ ٧٩٢٧ ] ٣٩ - وعنه: عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « الصلاة عمود الدين، والإسلام والجهاد سنام العمل، والصدقة شئ عجيب، شئ عجيب، شئ عجيب ».

____________________________

٣٤ - درر اللآلي ج ١ ص ١٣.

(١) أثبتناه لاستقامة المعنى، بقرينة الحديث / ٥ الذي مرّ عن الجعفريات في الباب ١ من أبواب الصدقة.

٣٥ - ٣٩ - درر اللآلي ج ١ ص ١٣.

١٦٢

٢ -( باب أنّه يستحب للإنسان أن يعول أهل بيت من المسلمين، بل يختاره ندباً على الحج)

[ ٧٩٢٨ ] ١ - الشيخ المفيد في الإرشاد: عن أبي محمّد الحسن بن محمّد بن يحيى، عن جده، عن أبي نصر، عن عبد الرحمن بن صالح، عن يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: كان بالمدينة كذا وكذا أهل بيت، يأتيهم رزقهم وما يحتاجون إليه، لا يدرون من أين يأتيهم؟ فلما مات علي بن الحسينعليهما‌السلام ، فقدوا ذلك.

٣ -( باب استحباب الصدقة عن المريض)

[ ٧٩٢٩ ] ١ - كتاب جعفر بن محمّد بن شريح الحضرمي: عن عبدالله بن طلحة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه قال: « داووا مرضاكم بالصدقة، وادفعوا أبواب البلايا بالاستغفار - إلى أن قال - قلت: كيف نداوي مرضانا بالصدقة؟ قال: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قيل له: يا رسول الله، أي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل، وإذا كان عندك مريض قد أعياك مرضه، فخذ رغيفاً(١) من خبزك، فاجعله في منديل أو خرقة نظيفة، فكلما دخل سائل فليعط منه كسرة، ويقال له: ادُع لفلان، فإنهم(٢) يستجاب لهم فيكم، ولا يستجتاب لهم في أنفسهم.

____________________________

الباب - ٢

١ - إرشاد المفيد ص ٢٥٨.

الباب - ٣

١ - كتاب جعفر بن محمّد الحضرمي ص ٧٧.

(١) كان في الطبعة الحجرية رغيفات وما أثبتناه من المصدر.

(٢) في المصدر: فإنّه.

١٦٣

[ ٧٩٣٠ ] ٢ - دعائم الإسلام: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه قال: « ارغبوا في الصدقة وبكروا بها - إلى أن قال - ولا تستخفوا بدعاء المساكين للمرضى منكم، فإنه يستجاب لهم فيكم، ولا يستجاب لهم في أنفسهم ».

[ ٧٩٣١ ] ٣ - نهج البلاغة: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « الصدقة دواء منجح ».

[ ٧٩٣٢ ] ٤ - الصدوق في الخصال: في حديث الأربعمائة: عنهعليه‌السلام ، أنّه قال: « داووا مرضاكم بالصدقة ».

٤ -( باب استحباب صدقة الإنسان بيده خصوصاً المريض، وأمر السائل بالدعاء له)

[ ٧٩٣٣ ] ١ - العياشي في تفسيره عن أبي بكر، عن السكوني، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : خلتان(١) لا أحب أن يشاركني فيهما أحد: وضوئي فإنه من صلاتي، وصدقتي فإنها من يدي إلى يد السائل، فإنها تقع في يد الرحمن ».

ورواه في الجعفريات(٢) بإسناده المتقدم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

____________________________

٢ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٢٣١ ح ١٢٣٥.

٣ - نهج البلاغة ج ٣ ص ١٥٣ ح ٦، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٣٢ ح ٦٥.

٤ - الخصال ص ٦٢٠، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٢٠ ح ٢٢.

الباب - ٤

١ - تفسير العياشي ج ٢ ص ١٠٨ ح ١١٧، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٢٨ ح ٥٠.

(١) في المصدر والبحار: خصلتان.

(٢) الجعفريات ص ١٧.

١٦٤

مثله، وفيه: فإنها تقع في كف الرحمن.

[ ٧٩٣٤ ] ٢ - الشيخ ورام في تنبيه الخواطر: قيل: كان حارثة بن النعمان قد ذهب بصره، فاتخذ خيطاً من مصلاه إلى باب حجرته، ووضع عنده مكتلاً(١) فيه تمر، فكان إذا جاء المسكين يسأل، أخذ من ذلك المكتل، ثمّ أخذ بطرف الخيط حتى يناوله، وكان أهله يقولون له: نحن نكفيك، فيقول: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقول: « مناولة المساكين تقي ميتة السوء ».

[ ٧٩٣٥ ] ٣ - نهج البلاغة: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « من يعط باليد القصيرة يعط باليد الطويلة ».

[ ٧٩٣٦ ] ٤ - دعائم الإسلام: عن أبي جعفرعليه‌السلام - في حديث يأتي في كيفية صدقة علي بن الحسينعليهما‌السلام بالليل - إلى أن قالعليه‌السلام : « يبتغي بذلك فضل صدقة السر، وفضل صدقة الليل، وفضل إعطاء الصدقة بيده » الخبر.

[ ٧٩٣٧ ] ٥ - وعن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، أن بعض أهل بيته ذكر له أمر عليل عنده، فقال له: « ادع بمكتل فاجعل فيه بُرّاً واجعله بين يديه، وامر غلمانك إذا جاء(١) سائل، أن يدخلوه إليه فيناوله(٢)

____________________________

٢ - تنبيه الخواطر ج ٢ ص ٢٨٥.

(١) المِكتَل: الزبيل الذي يحمل فيه التمر (لسان العرب ج ١١ ص ٥٨٣).

٣ - نهج البلاغة ج ٣ ص ٢٠٤ ح ٢٣٢، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٣٢ ح ٦٦.

٤ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٣١ ح ١٢٤٨.

٥ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ١٣٦ ح ٤٧٩.

(١) كان في الطبعة الحجرية « جاءه » وما أثبتناه من المصدر.

(٢) في المصدر: فيناول.

١٦٥

منه بيده، ويأمره أن يدعو له » الخبر.

[ ٧٩٣٨ ] ٦ - جعفر بن أحمد القمي في كتاب الغايات: عن أبي بصير، عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال: « أفضل الصدقة، أن يعطي الرجل بيده إلى السائل ».

٥ -( باب استحباب كثرة الصّدقة، بقدر الجهد)

[ ٧٩٣٩ ] ١ - نهج البلاغة: في وصيّة أمير المؤمنين لابنه الحسنعليهما‌السلام : « وإذا وجدت من أهل الفاقة من يحمل لك زادك إلى يوم القيامة، فيوافيك به غداً حيث تحتاج إليه، فاغتمنه وحمّله إيّاه، وأكثر من تزويده وأنت قادر عليه، فلعلّك تطلبه فلا تجده، واغتنم من استقرضك في حال غناك، ليجعل قضاءه لك في يوم عسر(١) لك ».

[ ٧٩٤٠ ] ٢ - ابن شهر آشوب في المناقب: عن سفيان، بإسناده عن عليعليه‌السلام ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « فيما استطعت تصدّقت ».

[ ٧٩٤١ ] ٣ - وعن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، أنّه قال: « كان في وصيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : يا علي،

____________________________

٦ - الغايات ص ٧٧.

الباب - ٥

١ - نهج البلاغة ج ٣ ص ٥٢، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٣٣ ح ٦٦.

(١) في المصدر: عسرتك.

٢ - مناقب ابن شهر آشوب ج ٢ ص ٧٣.

٣ - مناقب ابن شهر آشوب: النسخة المطبوعة خالية من هذا الحديث، ورواه الكليني في الروضة ج ٨ ص ٧٩ ح ٣٣، وعنه في البحار ج ٧٧ ص ٦٨ ح ٨.

١٦٦

أُوصيك في نفسك خصال فاحفظها، ثمّ قال: اللهم أعنه - إلى أن قال - والخامسة الأخذ بسنّتي في صلواتي وصيامي وصدقتي - إلّا أن قال - وأمّا الصّدقة فجهدك، حتّى تقول قد أسرفت ».

٦ -( باب استحباب الصّدقة ولو بالقليل، على الغني والفقير)

[ ٧٩٤٢ ] ١ - السيّد فضل الله الرّاوندي في نوادره: بإسناده الصحيح عن موسى بن جعفر، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كلّكم مكلّم ربّه يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أمامه فلا يجد إلّا ما قدّم، وينظر عن يمينه فلا يجد إلّا ما قدم، ثمّ ينظر عن يساره فإذا هو بالنّار، فاتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة، فإن لم يجد أحدكم فبكلمة طيّبة ».

[ ٧٩٤٣ ] ٢ - وروى في دعواته: عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « الصّدقة تصدّ(١) سبعين باباً من الشّرور(٢) ، [ وروي ](٣) أن سائلاً وقف على خيمة وفيها امرأة وبين يديها صبّي في المهد، وكانت تأكل وما بقي إلّا لقمة فاعطته، فلمّا كان بعد ساعة اختطف الذئب ولدها من المهد، فتبعته قليلاً فرمى به من غير سوء، وسمعت هاتفاً يقول: لقمة بلقمة »(٤) .

____________________________

الباب - ٦

١ - نوادر الراوندي ص ٣، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٣١ ح ٦٢.

٢ - دعوات الراوندي ص ٤٤، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٣٢ ح ٦٤.

(١) في المصدر: تسدّ بها.

(٢) في المصدر: الشر.

(٣) أثبتناه من المصدر.

(٤) الدعوات ص ٨٢ باختلاف في الألفاظ.

١٦٧

[ ٧٩٤٤ ] ٣ - أمالي ابن الشّيخ: عن أبيه، عن المفيد، عن المظفر بن محمّد، عن محمّد بن همام، عن أحمد بن مابندار، عن منصور بن العبّاس، عن الحسن بن علي الخزّاز، عن علي بن عقبه، عن سالم بن أبي حفصة، قال: لمـّا هلك أبو جعفر محمّد بن علي الباقرعليهما‌السلام ، قلت لأصحابي: انتظروني حتّى أدخل على أبي عبدالله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام فأُعزّيه، فدخلت عليه فعزّيته، ثمّ قلت: إنّا لله وإنا إليه راجعون، ذهب والله من كان يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا يسأل عمّن بينه وبين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والله لا يرى مثله أبداً، قال: فسكت أبو عبداللهعليه‌السلام ساعة، ثمّ قال: « قال الله عزّوجلّ: إنّ من [ عبادي من ](١) يتصدق بشقّ تمرة، فأربيها له كما يربي أحدكم فلوه، حتّى أجعلها له مثل أحد » فخرجت إلى أصحابي فقلت: ما رأيت أعجب من هذا، كنّا نستعظم قول أبي جعفرعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بلا واسطة، فقال لي أبو عبداللهعليه‌السلام : قال الله عزّوجلّ، بلا واسطة.

[ ٧٩٤٥ ] ٤ - تفسير الإمامعليه‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عباد الله، أطيعوا الله في أداء الصّلوات المكتوبات، والزّكوات المفروضات، وتقرّبوا إلى الله بعد ذلك بنوافل الطّاعات، فأنّ الله عزّوجلّ يعظّم به المثوبات، والّذي بعثني بالحقّ نبيّاً، أنّ عبداً من عباد الله، ليقف يوم القيامة موقفاً يخرج عليه من لهب النّار أعظم من جميع جبال الدّنيا، حتّى ما يكون بينه وبينها حائل، بينا هو كذلك

____________________________

٣ - أمالي الطوسي ج ١ ص ١٢٥، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٢٢ ح ٣٠.

(١) أثبتناه من المصدر والبحار.

٤ - تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام ص ٢١٧.

١٦٨

قد تحير، إذا تطاير بين الهواء رغيف أو حبّة فضّة، قد واسى بها أخاً مؤمناً على إضافته، فتنزل حواليه فتصير كأعظم الجبال مستديراً حواليه، تصدّ عنه ذلك اللّهب، فلا يصيبه من حرّها ولا دخانها شئ إلى أن يدخل الجنّة » الخبر.

[ ٧٩٤٦ ] ٥ - الشيخ أبو الفتوح الرازي في تفسيره: مرسلاً: أنّ العبد إذا تصدّق بلقمة من الخبز أو بشقّ من التمر، يربيها الله تعالى وينميها حتّى تصير كجبل أُحد، ويأتي به الله تعالى يوم القيامة عند الميزان، فيحاسب فتصير كفّة حسناته خفيفة فيتحيّر الرّجل، فيأتى الله تعالى بصدقة فتوضع في كفّة حسناته فتصير ثقيلة، وترجّح على كفّة سيّئاته، فيقول العبد: يا إلهي ما هذه الطّاعة الثّقيلة الّتي لا أرى نفسي عملها؟ فيقول الله تعالى: هذا شقّ التّمر الّذي تصدّقت لي، في يوم كذا، كنت أُربيها لك إلى وقت حاجتك، لتكون فيها إغاثتك.

[ ٧٩٤٧ ] ٦ - وفيه وفي مجمع البيان: عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « إنّ الله تعالى يقبل الصّدقات، ولا يقبل منها إلّا الطّيب، ويربّيها لصاحبها كما يربّي أحدكم مهره أو فصيله، حتّى أنّ اللّقمة لتصير مثل أُحد ».

[ ٧٩٤٨ ] ٧ - نوادر علي بن أسباط: عن عمرو بن ساير، عن جابر، عن (أبي جعفر)(١) عليه‌السلام ، قال: « إنّ عابداً عبدالله في دير له

____________________________

٥ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٤٨٥.

٦ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٤٨٤، مجمع البيان ج ١ ص ٣٩.

٧ - نوادر علي بن أسباط ص ١٢٨.

(١) في المصدر: أبي عبدالله جعفرعليه‌السلام .

١٦٩

ثمانين سنة، ثمّ أشرف فإذا هو بامرأة، فوقعت في نفسه فنزل إليها فراودها عن نفسها، فأجابته فقضى حاجته منها، فلمّا قضى حاجته طرقه الموت واعتقل لسانه، فمرّ به سائل فأشار إليه بإصبعه أن خذ رغيفاً من كساه فأخذه، فأخبط الله عمل ثمانين سنة بتلك الزّنية، وغفر له بذلك الرّغيف فأدخله الجنّة ».

[ ٧٩٤٩ ] ٨ - إبن أبي جمهور في درر اللآلي: عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « إتّق الله(١) ولو بشقّ تمرة، فإن لم تجد فبكلمة طيّبة ».

٧ -( باب استحباب التّبكير بالصّدقة كلّ صباح وكلّ يوم، وأنّه لا بدّ فيها من النيّة)

[ ٧٩٥٠ ] ١ - دعائم الإسلام: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه قال: « ارغبوا في الصّدقة وبكروا بها، فما من مؤمن يتصدّق بصدقة حين يصبح، يريد بها ما عند الله، إلّا دفع الله بها عنه شرّ ما ينزل من السّماء في ذلك اليوم، أو قال: وقاه الله شرّ ما ينزل من السّماء في ذلك اليوم ».

[ ٧٩٥١ ] ٢ - القطب الرّاوندي في لبّ اللباب: عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « إنّ في بني آدم ثلاثمائة وستّين عظماً، فعلى كلّ عظم منها كلّ يوم صدقة ».

[ ٧٩٥٢ ] ٣ - الشّيخ المفيد في مجالسه: عن محمّد بن عمر الجعابي، عن

____________________________

٨ - درر اللآلي ج ١ ص ١٣.

(١) في المصدر: النار.

الباب - ٧

١ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٣١ ح ١٢٥٣.

٢ - لب اللباب: مخطوط.

٣ - أمالي المفيد ص ٥٣ ح ١٦، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٢٩ ح ٥٣.

١٧٠

أحمد بن محمّد بن عقدة، عن جعفر بن عبدالله، عن أخيه، عن إسحاق بن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، عن محمّد بن هلال، قال: قال لي أبوك جعفر بن محمّدعليهما‌السلام : « تصدق بشئ عند البكور، فإن البلاء لا يتخطّى الصّدقة ».

[ ٧٩٥٣ ] ٤ - وفي الاختصاص: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال: « لا خير في القول إلّا مع العمل، ولا في المنظر إلّا مع المخبر، ولا في المال إلّا مع الجود، ولا في الصّدق إلّا مع الوفاء، ولا في الفقه إلّا مع الورع، ولا في الصّدقة إلّا مع النيّة، ولا في الحياة إلّا مع الصحّة، ولا في الوطن إلّا مع الأمن والمسرّة ».

[ ٧٩٥٤ ] ٥ - ثقة الإسلام في الكافي: عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن بعض أصحابه، وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، جميعاً عن محمّد بن أبي حمزة، عن حمران، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه قال: « فإذا رأيت الحقّ قد مات وذهب أهله - إلى أن قال - ورأيت الصّدقة بالشّفاعة، ولا يراد بها وجه الله، ويعطى لطلب النّاس - إلى أن قال - فكن مترقّباً، واجتهد ليراك الله عزّوجلّ في خلاف ما هم عليه » الخبر.

[ ٧٩٥٥ ] ٦ - السيد علي بن طاووس في فرج المهموم: نقلاً من كتاب التّوقيعات لعبدالله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، بإسناده إلى الكاظمعليه‌السلام ، أنّه كتب إلى أخيه عليّ بن جعفر، وساقه إلى أن قال: « و(١) مرّ فلاناً - لا فجعنا الله به - بما يقدر عليه من

____________________________

٤ - الاختصاص ص ٢٤٣.

٥ - الكافي ج ٨ ص ٤١ ح ٧.

٦ - فرج المهموم ص ١١٥.

(١) ليست في المصدر.

١٧١

الصّيام - إلى أن قال - ولا يخلوا كلّ يوم أو يومين من صدقة على ستّين مسكيناً، أو(٢) ما يحركه عليه النيّة(٣) ، وما جرى وتم(٤) » الخبر.

[ ٧٩٥٦ ] ٧ - ابن أبي جمهور في درر اللآلي: عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « على كلّ مسلم في كلّ يوم صدقة، قيل: فمن لم يجد؟ قال: فيعمل بيده، وينفع نفسه، ويتصدّق به » الخبر.

٨ -( باب استحباب الصّدقة عند توقع البلاء، والخوف من الاسواء والدّاء)

[ ٧٩٥٧ ] ١ - دعائم الإسلام: عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « يدفع بالصّدقة الدّاء، والدّبيلة، والغرق، والحرق، والهدم، والجنون » حتّى عدّ سبعين نوعاً من البلاء.

[ ٧٩٥٨ ] ٢ - وعن أبي جعفر محمّد بن عليّعليهما‌السلام ، أنّه قال: « كان في بني إسرائيل رجل له نعمة، ولم يرزق من الولد غير واحد، وكان له محبّاً وعليه شفيقاً، فلمّا بلغ مبلغ الرّجال زوّجه ابنة عمّ له، فأتاه آت في منامه فقال: إنّ ابنك هذا ليلة يدخل بهذه المرأة يموت، فاغتمّ لذلك غمّاً شديداً، وكتمه وجعل يسوّف الدّخول، حتّى الحتّ امرأته عليه وولده وأهل بيت المرأة، فلمّا لم يجد حيلة استخار الله وقال:

____________________________

(٢) في المصدر: و.

(٣) في المصدر: النسبة.

(٤) في المصدر: وما يجري ثم.

٧ - درر اللآلي ج ١ ص ١٤.

الباب - ٨

١ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٤٢.

٢ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٤٢ باختلاف بسيط في الالفاظ.

١٧٢

لعلّ ذلك كان من الشّيطان، فادخل أهله عليه وبات ليلة دخوله قائماً يصلّي وينتظر ما يكون من الله، حتّى إذا أصبح غدا على فأصابه على أحسن حال، فحمد الله وأثنى عليه، فلمّا كان اللّيل نام فأتاه ذلك الذي كان أتاه في منامه فقال: إنّ الله عزّوجلّ دفع عن ابنك وأنسأ(١) أجله، بما صنع بالسّائل، فلمّا أصبح غدا على ابنه فقال: يا بنيّ هل كان لك صنيع صنعته بسائل في ليلة ابتنائك بامرأتك؟ فقال: وما أردت من ذلك؟ قال: تخبرني به، فاحتشم(٢) منه، فقال: لا بدّ من أن تخبرني بالخبر، قال: نعم لمـّا فرغنا ممـّا كنّا فيه من إطعام النّاس، بقيت لنا فضول كثيرة من الطّعام، وأدخلت إلى المرأة، فلمّا خلوت بها ودنوت منها، وقف سائل بالباب فقال: يا أهل الدّار واسونا ممـّا رزقكم الله، فقمت إليه وأخذت بيده وأدخلته وقرّبته إلى الطّعام، وقلت له: كلّ من الطّعام، فأكل حتّى صدر(٣) ، وقلت: ألك عيال؟ قال: نعم، قلت، فاحمل إليهم ما أردت، فحمل ما قدر عليه، وانصرف وانصرفت أنا إلى أهلي، فحمد الله أبوه، وأخبره بالخبر ».

[ ٧٩٥٩ ] ٣ - وعن عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، أنّه نظر إلى حمام مكّة، قال: « أتدرون ما سبب كون هذا الحمام في الحرم؟: قالوا: ما هو يا ابن رسول الله؟ قال: » كان في أوّل الزّمان، رجل له دار فيها نخلة قد آوى إلى خرق في جذعها حمام، فإذا فرّخ صعد الرّجل فأخذ فراخه فذبحها، فأقام بذلك دهراً طويلاً لا يبقى له نسل، فشكا ذلك

____________________________

(١) النسَأ: التاخير (مجمع البحرين - نسأ - ج ١ ص ٤١٤).

(٢) احتشم: استحى. (مجمع البحرين - حشم - ج ٦ ص ٤١).

(٣) الصَّدَر: الانصراف عن الشئ (لسان العرب - صدر - ج ٤ ص ٤٤٨) والمراد هنا الشبع.

٣ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٤٢ باختلاف يسير في الالفاظ.

١٧٣

الحمام إلى الله عزّوجلّ ممـّا ناله من الرّجل، فقيل له: إن رقى إليك بعد هذا فأخذ لك فرخاً، صرع عن النّخلة فمات، فلمّا كبرت فرخ الحمام رقى إليها الرّجل، ووقف الحمام لينظر إلى ما يصنع، فلمّا توسّط الجذع وقف سائل بالباب، فنزل فأعطاه شيئاً ثمّ ارتقى فأخذ الفراخ، ونزل بها فذبحها ولم يصبه شئ، فقال الحمام: ما هذا يا ربّ؟ فقيل له: إنّ الرّجل تلافى نفسه بالصّدقة فدفع عنه، وأنت فسوف يكثر الله في نسلك ويجعلك وإيّاهم بموضع لا يهاج(١) منهم شئ إلى أن تقوم السّاعة، وأتى به إلى الحرم فجعل فيه » وفيه برواية(٢) أخرى: « فألهمه الله عزّوجلّ المصير إلى هذا الحرم، وحرم صيده فأكثر ما ترون من نسله، وهو أوّل حمام سكن الحرم ».

[ ٧٩٦٠ ] ٤ - القطب الرّاوندي في قصص الأنبياء: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه قال: « كان ورشان يفرخ في شجرة، وكان رجل يأتيه إذا أدرك الفرخان فيأخذ الفرخين، فشكا ذلك الورشان إلى الله عزّوجلّ، فقال: إنّي سأكفيكه، فأفرخ الورشان، وجاء الرّجل ومعه رغيفان فصعد الشّجرة، وعرض له سائل فأعطاه أحد الرّغيفين، ثمّ صعد فأخذ الفرخين ونزل بهما، فسلّمه الله تعالى لمـّا تصدّق به ».

[ ٧٩٦١ ] ٥ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام ، قال: « كانوا يرون أنّ الصّدقة

____________________________

(١) لم يَهْجِه: أي لم يزعجه ولم ينفره. (لسان العرب - هيج - ج ٢ ص ٣٩٥).

(٢) دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٣٦ ح ١٢٦٧.

٤ - قصص الأنبياء ص ١٨١، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٢٦ ح ٤٠.

٥ - الجعفريات ص ٥٦.

١٧٤

يدفع بها عن الرّجل المظلوم ».

[ ٧٩٦٢ ] ٦ - وعن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « البلايا لا تتخطّى على الصّدقة، أنّ الصّدقة لتدفع سبعين باباً من السّوء ».

[ ٧٩٦٣ ] ٧ - عوالي اللآلي: عن العلّامة الحلّي في بعض كتبه، قال: مرّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يوماً بيهودي يتحطّب(١) في صحراء، فقال لأصحابه: « إنّ هذا اليهودي لتلدغه اليوم حيّة ويموت » فلما كان آخر النّهار رجع اليهودي بالحطب على رأسه على جاري عادته، فقال له الجماعة: يا رسول الله، ما عهدناك تخبر بما لم يكن! فقال: « وما ذاك؟ » قالوا: إنّك أخبرت اليوم، بأنّ هذا اليهودي تلدغه أفعى ويموت، وقد رجع، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « عليّ به » فأتي به إليه، فقال: « يا يهودي، ضع الحطب وحلّه » فحلّه فرأى فيه أفعى، فقال: « يا يهودي، ما صنعت اليوم من المعروف؟ » فقال: ما صنعت شيئاً غير إني خرجت ومعي كعكتان، فأكلت احداهما ثمّ سألني سائل فدفعت إليه الأخرى، فقال: « تلك الكعكة خلصتك من الأفعى » فأسلم على يده.

____________________________

٦ - الجعفريات:

٧ - عوالي اللآلي ج ١ ص ٣٧٣ ح ٨٧.

(١) الظاهر أن صوابه « يحتطب ».

١٧٥

٩ -( باب استحاب قناعة السّائل، ودعائه لمن أعطاه، وزيادة إعطاء القانع الشّاكر، وردّ غير القانع)

[ ٧٩٧٤ ] ١ - مجموعة الشهيد: بخطّ الشّيخ شمس الدّين محمّد بن عليّ الجباعي، قال: قال السيّد تاج الدّين بن معيّة - ورفع إسناده إلى غوث السّينسي - قال: مرّ بنا جابر بن عبدالله الأنصاري في بعض أخطاره، فاستنزلناه فنزل فبات بنا وأصبح، فلمّا علمت أنّه أنس الرّاحة، قلت له: يا جابر، هلّا أخبرتنا شيئاً من مكارم أخلاق أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ؟ فقال: كنت أنا وقنبر وعليّعليه‌السلام ، فبينا نحن قعود إذ هدف إلينا أعرابي، فقال: السّلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال عليعليه‌السلام : « عليك السلام ورحمة الله وبركاته، يا أخا العرب » فقال الاعرابي: يا أمير المؤمنين، إنّ لي إليك حاجة، قد رفعتها إلى الله قبل أن أرفعها إليك، فإن أذنت بقضائها حمدنا الله وشكرناك، وإن لم تقضها شكرنا الله وعذرناك، فقال عليعليه‌السلام : « خطّ حاجتك على الأرض، فإنّي أري أثر الفقر عليك بيّناً » فكتب على الأرض: أنا فقير، فقال عليّعليه‌السلام : « يا قنبر أعطه حلّتي » فأحضرها وأفرغها عليه، فأنشده:

كسوتني حلة تبلى محاسنها

فسوف أكسوك من حسن الغنا حللا

إن نلت حسن ثناء نلت مكرمة

ولست تبغي بما قد نلته بدلا

إنّ الثناء ليحيى ذكر صاحبه

كالغيث يحيي نداه السهل والجبلا

____________________________

الباب - ٩

١ - مجموعة الشهيد: مخطوط وفي البحار ج ٤١ ص ٣٤ ح ٧ عن أمالي الصدوق نحوه.

١٧٦

قال: فلمّا سمع كلام الاعرابي، قال: « يا أخا العرب، أما إذا كان معك هذا فادن إلى هاهنا » فلمّا دنا منه، قال: « أعطه يا قنبر من بيت مال المسلمين خمسين ديناراً » قال جابر: فقلت: يا أمير المؤمنين، أمرته أن يخطّ بين يديك، فكتب أنا فقير، فأمرت له بحلتك فافرغت عليه، فأنشد أبياتاً فرفعت منزلته إليك، وأمرت له بخمسين ديناراً، فقال عليعليه‌السلام : « نعم يا جابر، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقول: أنزلوا النّاس منازلهم ».

ورواه الصّدوق في الأمالي(١) : مسنداً، والشّيخ ابراهيم الكفعمي في كتاب مجموع الغرائب(٢) ، عن كتاب فتاوى الفتاوات، وفي روايتهما اختلاف، وقد أخرجتهما في كتابنا المسمّى بالكلمة الطّيبة.

[ ٧٩٦٥ ] ٢ - دعائم الإسلام: عن عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، أنّه كان إذا أعطى السّائل شيئاً فيسخطه(١) ، انتزعه منه وأعطاه غيره.

[ ٧٩٦٦ ] ٣ - وعن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، أنّه قال: « وكان أبيعليه‌السلام ربّما اختبر السؤال، ليعلم القانع من غيره، وإذا وقف به السّائل أعطاه الرّاس، فإن قبله قال: دعه، وأعطاه من اللّحم، وإن لم يقبله، تركه ولم يعطه شيئاً ».

[ ٧٩٦٧ ] ٤ - الحافظ البرسي في مشارق الأنوار: أنّ فقيراً سأل الصّادق

____________________________

(١) أمالي الصدوق ص ٢٢٥ ح ١٠.

(٢) مجموع الغرائب:

٢ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٤٠ ح ١٢٧٦.

(١) في المصدر: فيتَسخَّطُه.

٣ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ١٨٥ ح ٦٧٠ قطعه منه

٤ - مشارق أنوار اليقين ص ٩٣، وعنه في البحار ج ٤٧ ص ٦١.

١٧٧

عليه‌السلام ، فقال لعبده: « ما عندك؟ » قال: أربعمائة درهم، قال: « أعطه إيّاها » فأعطاه فأخذها ووليّ شاكراً، فقال لعبده: « أرجعه » فقال: يا سيّدي سئلت فأعطيت، فماذا بعد العطاء؟ فقال له: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : خير الصّدقة ما أبقت غنى(١) ، وإنّا لم نغنك، فخذ هذا الخاتم فقد أُعطيت فيه عشرة آلاف درهم، فإذا احتجت فبعه بهذه القيمة ».

[ ٧٩٦٨ ] ٥ - القطب الرّاوندي في لبّ اللّباب: روي أنّ ملك الموت دخل على سليمانعليه‌السلام ، وعنده رجل فقال: لم يبق من عمره إلّا خمسة أيّام، ثمّ تصدّق الرّجل برغيف، فقال السّائل: مدّ الله في عمرك، فزاد الله في عمره خمسين سنة.

١٠ -( باب استحباب افتتاح النّهار بالصّدقة، وافتتاح اللّيل بالصّدقة، وافتتاح الخروج في ساعة النّحوس وغيرها بالصّدقة)

[ ٧٩٦٩ ] ١ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيهعليهم‌السلام ، قال: « كانت أرض بين أبي ورجل فأراد قسمتها، وكان الرّجل صاحب نجوم، فنظر السّاعة التي فيها السّعود فخرج فيها، ونظر إلى السّاعة التي فيها النحوس فبعث إلى أبي، فلمّا اقتسما الأرض خرج خير السّهمين لأبي، فجاء صاحب النّجوم فتعجّب، فقال له أبي:

____________________________

(١) في المصدر: عني.

٥ - لبّ اللباب: مخطوط.

الباب - ١٠

١ - الجعفريات ص ٥٦.

١٧٨

مالك؟ فأخبره الخبر، فقال له أبي: أدلّك على خير ممـّا صنعت، إذا أصبحت فتصدّق بصدقة يذهب عنك نحسن ذلك اليوم، وإذا أمسيت فتصدق بصدقة يذهب عنك نحس تلك اللّيلة ».

[ ٧٩٧٠ ] ٢ - دعائم الإسلام: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه قال: « ارغبوا في الصّدقة وبكّروا بها، فما من مؤمن يتصدّق بصدقة حين يصبح، يريد بها ما عند الله، إلّا دفع الله بها عنه شرّ ما ينزل من السّماء في ذلك اليوم، أو قال: وقاه الله شرّ ما ينزل من السّماء في ذلك اليوم ».

[ ٧٩٧١ ] ٣ - وعنهعليه‌السلام ، أنّه كان له مولى بينه وبين رجل دار، فمات فورثه، فأرسل إلى الرّجل ليقسم الدّار معه، وكان الرّجل صاحب نجوم فتثاقل عن قسمتها، فتوخى السّاعة التي فيها سعوده، فجاء إلى أبي عبداللهعليه‌السلام فيها(١) ، فأرسل معه من يقاسمها(٢) ، وكان الرّجل يهوى منها سهماً، فخرج السّهم لأبي عبداللهعليه‌السلام ، فلمّا رأى ذلك الرّجل أخبره بالخبر، فقال: « أفلا أدلك على خير ممـّا قلت؟ » قال: نعم جعلني الله فداك: « تصدّق بصدقة إذا أصبحت، يذهب عنك نحس يومك، وتصدّق بصدقه إذا أمسيت، يذهب عنك نحس ليلتك، ولولا [ أن ](٣) ترى أنّ النّجم أسعدك، لتركنا حصّتنا لك من هذه الدّار ».

[ ٧٩٧٢ ] ٤ - السيّد عليّ بن طاووس في كتاب فرج المهموم: نقلاً من كتاب

____________________________

٢ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٣١ ح ١٢٥٣.

٣ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٣٢ ح ١٢٥٤.

(١) ليس في المصدر.

(٢) في المصدر: يقاسمه.

(٣) أثبتناه من المصدر.

٤ - فرج المهموم ص ١٢٤، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٢٩ ح ٥٤.

١٧٩

التجمّل، عن ابن أذينة، عن ابن أبي عمير، قال: كنت أبصر بالنّجوم وأعرفها وأعرف الطّالع، فيدخلني شئ من ذلك، فشكوت ذلك إلى أبي عبداللهعليه‌السلام ، فقال: « إذا وقع في نفسك شئ [ من ذلك ](١) فخذ شيئاً وتصدّق على أوّل مسكين تلقاه، فإنّ الله تعالى يدفع عنك ».

[ ٧٩٧٣ ] ٥ - الصّدوق في الهداية: عن الصّادقعليه‌السلام ، أنّه قال: « تصدّق واخرج أيّ يوم شئت ».

[ ٧٩٧٤ ] ٦ - الرّاوندي في لبّ اللّباب: روي أنّ عليّاًعليه‌السلام ، لم يملك غير أربعة دراهم، فتصدّق بدرهم ليلاً، وبدرهم نهاراً، وبدرهم سرّاً، وبدرهم علانية، فقال النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما حملك على هذا؟ فنزل( الّذينيُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (١) فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا أنّ لك ذلك ».

[ ٧٩٧٥ ] ٧ - محمّد بن مسعود العياشي في تفسيره: عن أبي إسحاق، قال: كان لعليّعليه‌السلام - وساق إلى قوله - ما حملك على ما صنعت؟ قال: إنجاز موعود الله، فأنزل الله الآية.

____________________________

(١) أثبتناه من المصدر.

٥ - الهداية ص ٤٥، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٣٧ ح ٧٠.

٦ - لب اللباب: مخطوط.

(١) البقرة ٢: ٢٧٤.

٧ - تفسير العياشي ج ١ ص ١٥١ ح ٥٠٢.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

و الحال أنّه هلكت اُمم الماضون العائشون من قبلي و لم يُحي منهم أحد و لا بُعث.

و هذا على زعمهم حجّة على نفي المعاد و تقريره أنّه لو كان هناك إحياء و بعث لاُحيي بعض من هلك إلى هذا الحين و هم فوق حدّ الإحصاء عدداً في أزمنة طويلة لا أمد لها و لا خبر عنهم و لا أثر و لم يتنبّهوا أنّ القرون السالفة لو عادوا كما يقولون كان ذلك بعثاً لهم و إحياءً في الدنيا و الّذي وعده الله سبحانه هو البعث للحياة الآخرة و القيام لنشأة اُخرى غير الدنيا.

و قوله:( وَ هُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ) الاستغاثة طلب الغوث من الله أي و الحال أنّ والديه يطلبان من الله أن يغيثهما و يعينهما على إقامة الحجّة و استمالته إلى الإيمان و يقولان له: ويلك آمن بالله و بما جاء به رسوله و منه وعده تعالى بالمعاد إنّ وعد الله بالمعاد من طريق رسله حقّ.

و منه يظهر أنّ مرادهما بقولهما:( آمِنْ ) هو الأمر بالإيمان بالله و رسوله فيما جاء به من عندالله، و قولهما:( إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ) المراد به المعاد، و تعليل الأمر بالإيمان به لغرض الإنذار و التخويف.

و قوله:( فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) الإشارة بهذا إلى الوعد الّذي ذكراه و أنذراه به أو مجموع ما كانا يدعوانه إليه و المعنى: فيقول هذا الإنسان لوالديه ليس هذا الوعد الّذي تنذرانني به أو ليس هذا الّذي تدعوانني إليه إلّا خرافات الأوّلين و هم الاُمم الأوّليّة الهمجيّة.

قوله تعالى: ( أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ) إلخ، تقدّم بعض الكلام فيه في تفسير الآية 25 من سورة حم السجدة.

قوله تعالى: ( وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ) إلى آخر الآية أي لكلّ من المذكورين و هم المؤمنون البررة و الكافرون الفجرة منازل و مراتب مختلفة صعوداً و حدوراً فللجنّة درجات و للنار دركات.

و يعود هذا الاختلاف إلى اختلافهم في أنفسهم و إن كان ظهوره في أعمالهم و لذلك قال:( لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ) فالدرجات لهم و منشأها أعمالهم.

٢٢١

و قوله:( وَ لِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ ) اللّام للغاية و الجملة معطوفة على غاية أو غايات اُخرى محذوفة لم يتعلّق بذكرها غرض، و إنّما جعلت غاية لقوله:( لِكُلٍّ دَرَجاتٌ) لأنّه في معنى و جعلناهم درجات، و المعنى: جعلناهم درجات لكذا و كذا و ليوفّيهم أعمالهم و هم لا يظلمون.

و معنى توفيتهم أعمالهم إعطاؤهم نفس أعمالهم فالآية من الآيات الدالّة على تجسّم الأعمال، و قيل: الكلام على تقدير مضاف و التقدير و ليوفّيهم اُجور أعمالهم.

قوله تعالى: ( وَ يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ ) إلخ، عرض الماء على الدابّة و للدابّة وضعه بمرأى منها بحيث إن شاءت شربته، و عرض المتاع على البيع وضعه موضعاً لا مانع من وقوع البيع عليه.

و قوله:( وَ يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ ) قيل: المراد بعرضهم على النار تعذيبهم فيها من قولهم: عرض فلان على السيف إذا قتل و هو مجاز شائع.

و فيه أنّ قوله في آخر السورة( وَ يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى‏ وَ رَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ ) لا يلائمه تلك الملاءمة حيث فرّع ذوق العذاب على العرض فهو غيره.

و قيل: إنّ في الآية قلباً و الأصل عرض النار على الّذين كفروا لأنّ من الواجب في تحقّق معنى العرض أن يكون في المعروض عليه شعور بالمعروض و النار لا شعور لها بالّذين كفروا بل الأمر بالعكس ففي الكلام قلب، و المراد عرض النار على الّذين كفروا.

و وجّهه بعض المفسّرين بأنّ المناسب أن يؤتى بالمعروض إلى المعروض عليه كما في قولنا: عرضت الماء على الدابّة و عرضت الطعام على الضيف، و لمّا كان الأمر في عرض النار على الّذين كفروا بالعكس فإنّهم هم المسيّرون إلى النار فقلب الكلام رعاية لهذا الاعتبار.

و فيه نظر أمّا ما ذكر من أنّ المعروض عليه يجب أن يكون ذا شعور و إدراك بالمعروض حتّى يرغب إليه أو يرغب عنه و النار لا شعور لها ففيه أوّلاً: أنّه

٢٢٢

ممنوع كما يؤيّده قولهم: عرضت المتاع على البيع، و قوله تعالى:( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ ) الأحزاب: 72، و ثانياً: أنّا لا نسلّم خلوّ نار الآخرة عن الشعور، ففي الأخبار الصحيحة أنّ للجنّة و النار شعوراً و يشعر به قوله:( يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ) ق: 30، و غيره من الآيات.

و أمّا ما قيل من أنّ المناسب تحريك المعروض إلى المعروض عليه فلا نسلّم لزومه و لا اطّراده فهو منقوض بقوله:( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ) الآية، الأحزاب: 72.

على أنّ في كلامه تعالى ما يدلّ على الإتيان بالنار إلى الّذين كفروا كقوله:( وَ جِي‏ءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَ أَنَّى لَهُ الذِّكْرى) الفجر: 23.

فالحقّ أنّ العرض و هو إظهار عدم المانع من تلبّس شي‏ء بشي‏ء معنى له نسبة إلى الجانبين يمكن أخذ كلّ منهما أصلاً معروضاً عليه و الآخر فرعاً معروضاً فتارة تؤخذ النار معروضة على الكافرين بعناية أن لا مانع من عمل صالح أو شفاعة تمنع من دخولهم فيها كقوله تعالى:( وَ عَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً ) الكهف: 100، و تارة يؤخذ الكفّار معروضين للنار بعناية أن لا مانع يمنع النار أن تعذّبهم، كما في قوله:( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَ عَشِيًّا ) المؤمن: 36، و قوله:( يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ ) الآية.

و على هذا فالأشبه تحقّق عرضين يوم القيامة: عرض جهنّم للكافرين حين تبرز لهم ثمّ عرضهم على جهنّم بعد الحساب و القضاء الفصل بدخولهم فيها حين يساقون إليها، قال تعالى:( وَ سِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى‏ جَهَنَّمَ زُمَراً ) الزمر: 71.

و قوله:( أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَ اسْتَمْتَعْتُمْ بِها ) على تقدير القول أي يقال لهم:( أَذْهَبْتُمْ ) إلخ، و الطيّبات الاُمور الّتي تلائم النفس و توافق الطبع و يستلذ بها الإنسان، و إذهاب الطيّبات إنفادها بالاستيفاء لها، و المراد بالاستمتاع بها استعمالها و الانتفاع بها لنفسها لا للآخرة و التهيّؤ لها.

و المعنى: يقال لهم حين عرضهم على النار: أنفذتم الطيّبات الّتي تلتذّون بها في

٢٢٣

حياتكم الدنيا و استمتعتم بتلك الطيّبات فلم يبق لكم شي‏ء تلتذّون به في الآخرة.

و قوله:( فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ بِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ) تفريع على إذهابهم الطيّبات، و عذاب الهون العذاب الّذي فيه الهوان و الخزي.

و المعنى: فاليوم تجزون العذاب الّذي فيه الهوان و الخزي قبال استكباركم في الدنيا عن الحقّ و قبال فسقكم و تولّيكم عن الطاعات، و هما ذنبان أحدهما متعلّق بالاعتقاد و هو الاستكبار عن الحقّ و الثاني متعلّق بالعمل و هو الفسق.

( بحث روائي‏)

في الدرّ المنثور، أخرج عبدالرزّاق و عبد بن حميد و ابن المنذر من طريق قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود الدئليّ قال: رفع إلى عمر امرأة ولدت لستّة أشهر فسأل عنها أصحاب النبيّ فقال عليّ: لا رجم عليها أ لا ترى أنّه يقول:( وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) ، و قال:( وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ ) ، و كان الحمل ههنا ستّة أشهر فتركها عمر. قال: ثمّ بلغنا أنّها ولدت آخر لستّة أشهر.

أقول: و روى القصّة المفيد في الإرشاد.

و فيه، أخرج ابن المنذر و ابن أبي حاتم عن بعجة بن عبدالله الجهنيّ قال: تزوّج رجل منّا امرأة من جهينة فولدت له تماماً لستّة أشهر فانطلق زوجها إلى عثمان بن عفّان فأمر برجمها فبلغ ذلك عليّاً فأتاه فقال: ما تصنع؟ قال: ولدت تماماً لستّة أشهر و هل يكون ذلك؟ قال عليّ: أ مّا سمعت الله تعالى يقول:( وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) و قال:( حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ ) فكم تجده بقي إلّا ستّة أشهر؟.

فقال عثمان: و الله ما فطنت لهذا. عليّ بالمرأة فوجدوها قد فرغ منها، و كان من قولها لاُختها: لا تحزني فو الله ما كشف فرجي أحد قطّ غيره. قال: فشبّ الغلام بعد فاعترف الرجل به و كان أشبه الناس به. قال: فرأيت الرجل بعد يتساقط عضواً عضواً على فراشه.

٢٢٤

و في التهذيب، بإسناده عن عبدالله بن سنان عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سأله أبي و أنا حاضر عن قول الله عزّوجلّ:( حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ ) قال: الاحتلام.

و في الخصال، عن أبي بصير قال: قال أبوعبداللهعليه‌السلام : إذا بلغ العبد ثلاثاً و ثلاثين سنة فقد بلغ أشدّه، و إذا بلغ أربعين سنة فقد بلغ منتهاه، فإذا طعن في إحدى و أربعين فهو في النقصان، و ينبغي لصاحب الخمسين أن يكون كمن كان في النزع.

أقول: لا تخلو الرواية من إشعار بكون بلوغ الأشدّ ممّا يختلف بالمراتب فيكون الاحتلام و هو غالباً في الستّ عشرة أوّل مرتبة منها و الثلاث و الثلاثين و هي بعد مضيّ ستّ عشرة اُخرى المرتبة الثانية، و قد تقدّم في نظيره الآية من سورة يوسف بعض أخبار اُخر.

و اعلم أنّه قد وردت في الآية أخبار تطبّقها على الحسين بن عليّعليه‌السلام و ولادته لستّة أشهر و هي من الجري.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن عبدالله قال: إنّي لفي المسجد حين خطب مروان فقال: إنّ الله قد أرى أميرالمؤمنين في يزيد رأياً حسناً و إن يستخلفه فقد استخلف أبوبكر و عمر، فقال عبدالرحمن بن أبي بكر: أ هرقليّة؟ إنّ أبابكر و الله ما جعلها في أحد من ولده و لا أحد من أهل بيته و لا جعلها معاوية إلّا رحمة و كرامة لولده.

فقال مروان: أ لست الّذي قال لوالديه: اُفّ لكما؟ فقال عبدالرحمن: أ لست ابن اللعين الّذي لعن أباك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟.

قال: و سمعتها عائشة فقالت: يا مروان أنت القائل لعبدالرحمن كذا و كذا؟ كذبت و الله ما فيه نزلت. نزلت في فلان بن فلان.

و فيه، أخرج ابن جرير عن ابن عبّاس: في الّذي قال لوالديه اُفّ لكما الآية، قال: هذا ابن لأبي بكر.

أقول: و روي ذلك أيضاً عن قتادة و السدّي، و قصّة رواية مروان و تكذيب عائشة له مشهورة. قال في روح المعاني بعد ردّ رواية مروان: و وافق بعضهم كالسهيلي

٢٢٥

في الأعلام مروان في زعم نزولها في عبدالرحمن، و على تسليم ذلك لا معنى للتعيير لا سيّما من مروان فإنّ الرجل أسلم و كان من أفاضل الصحابة و أبطالهم، و كان له في الإسلام عناء يوم اليمامة و غيره، و الإسلام يجبّ ما قبله فالكافر إذا أسلم لا ينبغي أن يعيّر بما كان يقول. انتهى.

و فيه أنّ الروايات لو صحّت لم يكن مناص عن صريح شهادة الآية عليه بقوله:( أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ - إلى قوله -إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ ) و لم ينفع شي‏ء ممّا دافع عنه به.

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( وَ يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا - إلى قوله -وَ اسْتَمْتَعْتُمْ بِها ) قال: أكلتم و شربتم و ركبتم، و هي في بني فلان( فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ ) قال: العطش.

و في المحاسن، بإسناده عن ابن القدّاح عن أبي عبداللهعليه‌السلام عن آبائهعليهم‌السلام قال: اُتي يعني النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخبيص(1) فأبى أن يأكله- فقيل: أ تحرّمه؟ فقال: لا و لكنّي أكره أن تتوق إليه نفسي ثمّ تلا الآية( أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا ) .

و في المجمع، في الآية و قد روي في الحديث أنّ عمر بن الخطّاب قال: استأذنت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدخلت عليه في مشربة اُمّ إبراهيم و إنّه لمضطجع على حفصة و إنّ بعضه على التراب و تحت رأسه وسادة محشوّة ليفا فسلّمت عليه ثمّ جلست فقلت: يا رسول الله أنت نبيّ الله و صفوته و خيرته من خلقه و كسرى و قيصر على سرير الذهب و فرش الحرير و الديباج! فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اُولئك قوم عجّلت طيّباتهم و هي وشيكة الانقطاع، و إنّما اُخّرت لنا طيّباتنا.

أقول: و رواه في الدرّ المنثور، بطرق عنه.

____________________

(1) نوع من الحلواء.

٢٢٦

( سورة الأحقاف الآيات 21 - 28)

وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ( 21 ) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ( 22 ) قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ( 23 ) فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا  بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ  رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 24 ) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ  كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ( 25 ) وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ( 26 ) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَىٰ وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ( 27 ) فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللهِ قُرْبَانًا آلِهَةً  بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ  وَذَٰلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ( 28 )

( بيان‏)

لمّا قسّم الناس على قسمين و انتهى الكلام إلى الإنذار عقّب ذلك بالإشارة إلى قصّتين قصّة قوم عاد و هلاكهم و معها الإشارة إلى هلاك القرى الّتي حول مكّة و

٢٢٧

قصّة إيمان قوم من الجنّ صرفهم الله إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاستمعوا القرآن فآمنوا و رجعوا إلى قومهم منذرين و إنّما أورد القصّتين ليعتبر بهما من شاء أن يعتبر منهم، و هذه الآيات المنقولة تتضمّن اُولى القصّتين.

قوله تعالى: ( وَ اذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَ قَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ ) إلخ، أخو القوم هو المنسوب إليهم من جهة الأب، و المراد بأخي عاد هود النبيّعليه‌السلام ، و الأحقاف مسكن قوم عاد و المتيقّن أنّه في جنوب جزيرة العرب و لا أثر اليوم باقياً منهم، و اختلفوا أين هو؟ فقيل: واد بين عمان و مهرة، و قيل رمال بين عمّان إلى حضرموت، و قيل: رمال مشرفة على البحر بالشّحر من أرض اليمن و قيل غير ذلك.

و قوله:( وَ قَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ ) النذر جمع نذير و المراد به الرسول على ما يفيده السياق، و أمّا تعميم بعضهم الندر للرسول و نوّابهم من العلماء ففي غير محلّه.

و فسّروا( مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ) بالّذين كانوا قبله و( مِنْ خَلْفِهِ ) بالّذين جاؤا بعده و يمكن العكس بأن يكون المراد بالنذر بين يديه من كانوا في زمانه، و من خلفه من كان قبله، و الأولى على الأوّل أن يكون المراد بخلو النذر من بين يديه و من خلفه أن يكون كناية عن مجيئه إليهم و إنذاره لهم على فترة من الرسل.

و قوله:( أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ ) تفسير للإنذار و فيه إشارة إلى أنّ أساس دينه الّذي يرجع إليه تفاصيله هو التوحيد.

و قوله:( إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) تعليل لدعوتهم إلى التوحيد، و الظاهر أنّ المراد باليوم العظيم يوم عذاب الاستئصال لا يوم القيامة يدلّ على ذلك ما سيأتي من قولهم:( فَأْتِنا بِما تَعِدُنا ) و قوله:( بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ ) و الباقي ظاهر.

قوله تعالى: ( قالُوا أَ جِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا ) إلخ، جواب القوم له قبال إنذاره، و قوله:( لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا ) بتضمين الإفك و هو الكذب و الفرية معنى الصرف و المعنى: قالوا أ جئتنا لتصرفنا عن آلهتنا إفكا و افتراء.

٢٢٨

و قوله:( فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) أمر تعجيزيّ منهم له زعماً منهم أنّهعليه‌السلام كاذب في دعواته آفك في إنذاره.

قوله تعالى: ( قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَ أُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ ) إلخ، جواب هود عن قولهم ردّاً عليهم، فقوله:( إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ ) قصر العلم بنزول العذاب فيه تعالى لأنّه من الغيب الّذي لا يعلم حقيقته إلّا الله جلّ شأنه، و هو كناية عن أنّهعليه‌السلام لا علم له بأنّه ما هو؟ و لا كيف هو؟ و لا متى هو؟ و لذلك عقّبه بقوله:( وَ أُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ ) أي إنّ الّذي حمّلته و اُرسلت به إليكم هو الّذي اُبلّغكموه و لا علم لي بالعذاب الّذي اُمرت بإنذاركم به ما هو؟ و كيف هو؟ و متى هو؟ و لا قدرة لي عليه.

و قوله:( وَ لكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ ) إضراب عمّا يدلّ عليه الكلام من نفيه العلم عن نفسه، و المعنى: لا علم لي بما تستعجلون به من العذاب و لكنّي أراكم قوماً تجهلون فلا تميّزون ما ينفعكم ممّا يضرّكم و خيركم من شرّكم حين تردّون دعوة الله و تكذّبون بآياته و تستهزؤن بما يوعدكم به من العذاب.

قوله تعالى: ( فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا ) إلخ، صفة نزول العذاب إليهم بادئ ظهوره عليهم.

و العارض هو السحاب يعرض في الاُفق ثمّ يطبق السماء و هو صفة العذاب الّذي يرجع إليه ضمير( رَأَوْهُ ) المعلوم من السياق، و قوله:( مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ ) صفة اُخرى له، و الأودية جمع الوادي، و قوله:( قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا ) أي استبشروا ظنّاً منهم أنّه سحاب عارض ممطر لهم فقالوا: هذا الّذي نشاهده سحاب عارض ممطر إيّانا.

و قوله:( بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ ) ردّ لقولهم:( هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا ) بالإضراب عنه إلى بيان الحقيقة فبيّن أوّلاً على طريق التهكّم أنّه العذاب الّذي استعجلتم به حين قلتم:( فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) و زاد في البيان ثانياً بقوله:( رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ ) .

و الكلام من كلامه تعالى و قيل: هو كلام لهود النبيّعليه‌السلام .

٢٢٩

قوله تعالى: ( تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْ‏ءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى‏ إِلَّا مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ) التدمير الإهلاك، و تعلّقه بكلّ شي‏ء و إن كان يفيد عموم التدمير لكنّ السياق يخصّصه بنحو الإنسان و الدوابّ و الأموال، فالمعنى: إنّ تلك الريح ريح تهلك كلّ ما مرّت عليه من إنسان و دوابّ و أموال.

و قوله:( فَأَصْبَحُوا لا يُرى‏ إِلَّا مَساكِنُهُمْ ) بيان لنتيجة نزول العذاب، و قوله:( كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ) إعطاء ضابط كلّيّ في مجازاة المجرمين بتشبيه الكلّيّ بالفرد الممثّل به و التشبيه في الشدّة أي إنّ سنّتنا في جزاء المجرمين على هذا النحو الّذي قصصناه من الشدّة فهو كقوله تعالى:( وَ كَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى‏ وَ هِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) هود: 102.

قوله تعالى: ( وَ لَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ ) إلخ، موعظة لكفّار مكّة مستنتجة من القصّة.

و التمكين إقرار الشي‏ء و إثباته في المكان، و هو كناية عن إعطاء القدرة و الاستطاعة في التصرّف و( ما ) في( فيما ) موصولة أو موصوفة و( إِنْ ) نافية، و المعنى: و لقد جعلنا قوم هود في الّذي - أو في شي‏ء - ما مكّنّاكم معشر كفّار مكّة و من يتلوكم فيه من بسطة الأجسام و قوّة الأبدان و البطش الشديد و القدرة القوميّة.

و قوله:( وَ جَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَ أَبْصاراً وَ أَفْئِدَةً ) أي جهّزناهم بما يدركون به ما ينفعهم و ما يضرّهم و هو السمع و الأبصار و ما يميّزون به ما ينفعهم ممّا يضرّهم فيحتالون لجلب النفع و لدفع الضرّ بما قدروا كما أنّ لكم ذلك.

و قوله:( فَما أَغْنى‏ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَ لا أَبْصارُهُمْ وَ لا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ ) ما في( فَما أَغْنى‏ ) نافية لا استفهاميّة، و( إِذْ ) ظرف متعلّق بالنفي الّذي في قوله:( فَما أَغْنى) .

و محصّل المعنى: أنّهم كانوا من التمكّن على ما ليس لكم ذلك و كان لهم من أدوات الإدراك و التمييز ما يحتال به الإنسان لدفع المكاره و الاتّقاء من الحوادث المهلكة المبيدة لكن لم يغن عنهم و لم ينفعهم هذه المشاعر و الأفئدة شيئاً عند ما جحدوا

٢٣٠

آيات الله فما الّذي يؤمّنكم من عذاب الله و أنتم جاحدون لآيات الله.

و قيل: معنى الآية: و لقد مكّنّاهم في الّذي أو في شي‏ء ما مكّنّاكم فيه من القوّة و الاستطاعة و جعلنا لهم سمعاً و أبصاراً و أفئدة ليستعملوها فيما خلقت له و يسمعوا كلمة الحقّ و يشاهدوا آيات التوحيد و يعتبروا بالتفكّر في العبر، و يستدلّوا بالتعقّل الصحيح على المبدإ و المعاد فما أغنى عنهم سمعهم و لا أبصارهم و لا أفئدتهم من شي‏ء حيث لم يستعملوها فيما يوصل إلى معرفة الله سبحانه، هذا و لعلّ الّذي قدّمناه من المعنى أنسب للسياق.

و قد جوّزوا في مفردات الآية وجوهاً لم نوردها لعدم جدوى فيها.

و قد تقدّم في نظائر قوله:( سَمْعاً وَ أَبْصاراً وَ أَفْئِدَةً ) أنّ إفراد السمع - و المراد منه الجمع - لمكان مصدريّته في الأصل نظير الضيف و القربان و الجنب، قال تعالى:( ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ ) الذاريات: 24 و قال:( إِذْ قَرَّبا قُرْباناً ) المائدة: 27، و قال:( وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً ) المائدة: 6.

و قوله:( وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ) عطف على قوله:( فَما أَغْنى‏ عَنْهُمْ ) إلخ.

قوله تعالى: ( وَ لَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى) تذكرة إنذارية متفرّعة على العظة الّتي في قوله:( وَ لَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ ) إلخ، فهي معطوفة عليه على ما يفيده السياق لا على قوله:( وَ اذْكُرْ أَخا عادٍ ) .

و قوله:( وَ صَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) أي و صيّرنا الآيات المختلفة من معجزة أيّدنا بها الأنبياء و وحي أنزلناه عليهم و نعم رزقناهموها ليتذكّروا بها و نقم ابتليناهم بها ليتوبوا و ينصرفوا عن ظلمهم لعلّهم يرجعون من عبادة غير الله سبحانه إلى عبادته.

و الضمير في( لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) راجع إلى القرى و المراد بها أهل القرى.

قوله تعالى: ( فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً ) إلخ، ظاهر السياق أنّ آلهة مفعول ثان لاتّخذوا و مفعوله الأوّل هو الضمير الراجع إلى

٢٣١

الموصول و( قرباناً ) بمعنى ما يتقرّب به، و الكلام مسوق للتهكّم، و المعنى: فلو لا نصرهم الّذين اتّخذوهم آلهة حال كونهم متقرّباً بهم إلى الله كما كانوا يقولون:( ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى‏ ) .

و قوله:( بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ ) أي ضلّ الآلهة عن أهل القرى و انقطعت رابطة الاُلوهيّة و العبوديّة الّتي كانوا يزعمونها و يرجون بذلك أن ينصروهم عند الشدائد و المكاره فالضلال عنهم كناية عن بطلان مزعمتهم.

و قوله:( وَ ذلِكَ إِفْكُهُمْ وَ ما كانُوا يَفْتَرُونَ ) مبتدأ و خبر و الإشارة إلى ضلال آلهتهم، و المراد بالإفك أثر الإفك أو بتقدير مضاف، و( ما ) مصدريّة، و المعنى: و ذلك الضلال أثر إفكهم و افترائهم.

و يمكن أن يكون الكلام على صورته من غير تقدير مضاف أو تجوّز و الإشارة إلى إهلاكهم بعد تصريف الآيات و ضلال آلهتهم عند ذلك، و محصّل المعنى: أنّ هذا الّذي ذكرناه من عاقبة أمرهم هو حقيقة زعمهم أنّ الآلهة يشفعون لهم و يقرّبونهم من الله زعمهم الّذي أفكوه و افتروه، و الكلام مسوق للتهكّم.

٢٣٢

( سورة الأحقاف الآيات 29 - 35)

وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا  فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ ( 29 ) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ ( 30 ) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ( 31 ) وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءُ  أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ( 32 ) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ  بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 33 ) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ  قَالُوا بَلَىٰ وَرَبِّنَا  قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ( 34 ) فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ  كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ  بَلَاغٌ  فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ( 35 )

( بيان‏)

هذه هي القصّة الثانية عقّبت بها قصّة عاد ليعتبر بها قومهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن اعتبروا، و فيه تقريع للقوم حيث كفروا بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و بكتابه النازل على لغتهم و هم يعلمون أنّها

٢٣٣

آية معجزة و هم مع ذلك يماثلونه في النوعيّة البشريّة و قد آمن الجنّ بالقرآن إذ استمعوا إليه و رجعوا إلى قومهم منذرين.

قوله تعالى: ( وَ إِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ ) إلى آخر الآية الصرف ردّ الشي‏ء من حالة إلى حالة أو من مكان إلى مكان، و النفر - على ما ذكره الراغب - عدّة من الرجال يمكنهم النفر و هو اسم جمع يطلق على ما فوق الثلاثة من الرجال و النساء و الإنسان و على الجنّ كما في الآية و( يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ ) صفة نفر، و المعنى: و اذكر إذ وجّهنا إليك عدّة من الجنّ يستمعون القرآن.

و قوله:( فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا ) ضمير( حَضَرُوهُ ) للقرآن بما يلمح إليه من المعنى الحدثيّ و الإنصات السكوت للاستماع أي فلمّا حضروا قراءة القرآن و تلاوته قالوا أي بعضهم لبعض: اسكتوا حتّى نستمع حقّ الاستماع.

و قوله:( فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى‏ قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ) ضمير( قُضِيَ ) للقرآن باعتبار قراءته و تلاوته، و التولية الانصراف و( مُنْذِرِينَ ) حال من ضمير الجمع في( وَلَّوْا ) أي فلمّا اُتمّت القراءة و فرغ منها انصرفوا إلى قومهم حال كونهم منذرين مخوّفين لهم من عذاب الله.

قوله تعالى: ( قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى‏ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ ) إلخ، حكاية دعوتهم قومهم و إنذارهم لهم، و المراد بالكتاب النازل بعد موسى القرآن، و في الكلام إشعار بل دلالة على كونهم مؤمنين بموسىعليه‌السلام و كتابه، و المراد بتصديق القرآن لما بين يديه تصديقه التوراة أو جميع الكتب السماويّة السابقة.

و قوله:( يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَ إِلى‏ طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ) أي يهدي من اتّبعه إلى صراط الحقّ و إلى طريق مستقيم لا يضلّ سالكوه عن الحقّ في الاعتقاد و العمل.

قوله تعالى: ( يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَ آمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَ يُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ ) المراد بداعي الله هو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال تعالى:( قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى‏ بَصِيرَةٍ ) يوسف: 108، و قيل: المراد به ما سمعوه من القرآن و هو بعيد.

٢٣٤

و الظاهر أنّ( مِنْ ) في( يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ) للتبعيض، و المراد مغفرة بعض الذنوب و هي الّتي اكتسبوها قبل الإيمان، قال تعالى:( إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ ) الأنفال: 38.

و قيل: المراد بهذا البعض حقوق الله سبحانه فإنّها مغفورة بالتوبة و الإيمان توبة و أمّا حقوق الناس فإنّها غير مغفورة بالتوبة، و ردّ بأنّ الإسلام يجبّ ما قبله.

قوله تعالى: ( وَ مَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَ لَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ ) إلخ، أي و من لم يؤمن بداعي الله فليس بمعجز لله في الأرض بردّ دعوته و ليس له من دون الله أولياء ينصرونه و يمدّونه في ذلك، و المحصّل: أنّ من لم يجب داعي الله في دعوته فإنّما ظلم نفسه و ليس له أن يعجز الله بذلك لا مستقلاً و لا بنصرة من ينصره من الأولياء فليس له أولياء من دون الله، و لذلك أتمّ الكلام بقوله:( أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) .

قوله تعالى: ( أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ لَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ ) إلخ، الآية و ما بعدها إلى آخر السورة متّصلة بما تقدّم من قوله تعالى:( وَ يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ ) إلخ، و فيها تتميم القول فيما به الإنذار في هذه السورة و هو المعاد و الرجوع إلى الله تعالى كما أشرنا إليه في البيان المتقدّم.

و المراد بالرؤية العلم عن بصيرة، و العيّ العجز و التعب، و الأوّل أفصح على ما قيل، و الباء في( بِقادِرٍ ) زائدة لوقوعها موقعاً فيه شائبة حيّز النفي كأنّه قيل: أ ليس الله بقادر.

و المعنى: أ و لم يعلموا أنّ الله الّذي خلق السماوات و الأرض و لم يعجز عن خلقهنّ أو لم يتعب بخلقهنّ قادر على إحياء الموتى - و هو تعالى مبدئ وجود كلّ شي‏ء و حياته - بلى هو قادر لأنّه على كلّ شي‏ء قدير، و قد أوضحنا هذه الحجّة فيما تقدّم غير مرّة.

٢٣٥

قوله تعالى: ( وَ يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ ) إلى آخر الآية، تأييد للحجّة المذكورة في الآية السابقة بالإخبار عمّا سيجري على منكري المعاد يوم القيامة، و معنى الآية ظاهر.

قوله تعالى: ( فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَ لا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ) إلى آخر الآية، تفريع على حقّيّة المعاد على ما دلّت عليه الحجّة العقليّة و أخبر به الله سبحانه و نفي الريب عنه.

و المعنى: فاصبر على جحود هؤلاء الكفّار و عدم إيمانهم بذاك اليوم كما صبر اُولوا العزم من الرسل و لا تستعجل لهم بالعذاب فإنّهم سيلاقون اليوم بما فيه من العذاب و ليس اليوم عنهم ببعيد و إن استبعدوه.

و قوله:( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ ) تبيين لقرب اليوم منهم و من حياتهم الدنيا بالإخبار عن حالهم حينما يشاهدون ذلك اليوم فإنّهم إذا رأوا ما يوعدون من اليوم و ما هيّئ لهم فيه من العذاب كان حالهم حال من لم يلبث في الأرض إلّا ساعة من نهار.

و قوله:( بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ ) أي هذا القرآن بما فيه من البيان تبليغ من الله من طريق النبوّة فهل يهلك بهذا الّذي بلّغه الله من الإهلاك إلّا القوم الفاسقون الخارجون عن زيّ العبوديّة.

و قد أمر الله سبحانه في هذه الآية نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يصبر كما صبر اُولوا العزم من الرسل و فيه تلويح إلى أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منهم فليصبر كصبرهم، و معنى العزم ههنا إمّا الصبر كما قال بعضهم لقوله تعالى:( وَ لَمَنْ صَبَرَ وَ غَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) الشورى: 43، و إمّا العزم على الوفاء بالميثاق المأخوذ من الأنبياء كما يلوّح إليه قوله:( وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى‏ آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ) طه: 115، و إمّا العزم بمعنى العزيمة و هي الحكم و الشريعة.

و على المعنى الثالث و هو الحقّ الّذي تذكره روايات أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام

٢٣٦

هم خمسة: نوح و إبراهيم و موسى و عيسى و محمّد صلّى الله عليه وآله وعليهم و لقوله تعالى:( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى‏ وَ عِيسى‏ ) الشورى: 13، و قد مرّ تقريب معنى الآية.

و عن بعض المفسّرين أنّ جميع الرسل اُولوا العزم، و قد أخذ( مِنَ الرُّسُلِ ) بياناً لاُولي العزم في قوله:( أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ) و عن بعضهم أنّهم الرسل الثمانية عشر المذكورون في سورة الأنعام (الآية 83- 90) لأنّه تعالى قال بعد ذكرهم:( فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ) .

و فيه أنّه تعالى قال بعد عدّهم:( وَ مِنْ آبائِهِمْ وَ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَ إِخْوانِهِمْ ) ثمّ قال:( فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ) و لم يقل ذلك بعد عدّهم بلا فصل.

و عن بعضهم أنّهم تسعة: نوح و إبراهيم و الذبيح و يعقوب و يوسف و أيّوب و موسى و داود و عيسى، و عن بعضهم أنّهم سبعة: آدم و نوح و إبراهيم و موسى و داود و سليمان و عيسى، و عن بعضهم أنّهم ستّة و هم الّذين اُمروا بالقتال: نوح و هود و صالح و موسى و داود و سليمان، و ذكر بعضهم أنّ الستّة هم نوح و إبراهيم و إسحاق و يعقوب و يوسف و أيّوب، و عن بعضهم أنّهم خمسة و هم: نوح و هود و إبراهيم و شعيب و موسى، و عن بعضهم أنّهم أربعة: نوح و إبراهيم و موسى و عيسى، و ذكر بعضهم أنّ الأربعة هم نوح و إبراهيم و هود و محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم وعليهم أجمعين.

و هذه الأقوال بين ما لم يستدلّ عليه بشي‏ء أصلاً و بين ما استدلّ عليه بما لا دلالة فيه، و لذا أغمضنا عن نقلها، و قد تقدّم في أبحاث النبوّة في الجزء الثاني من الكتاب بعض الكلام في اُولي العزم من الرسل فراجعه إن شئت.

٢٣٧

( بحث روائي‏)

في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( وَ إِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ ) الآيات، كان سبب نزول هذه الآيات أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج من مكّة إلى سوق عكاظ، و معه زيد بن حارثة يدعو الناس إلى الإسلام فلم يجبه أحد و لم يجد أحداً يقبله ثمّ رجع إلى مكّة.

فلمّا بلغ موضعاً يقال له: وادي مجنّة(1) تهجّد بالقرآن في جوف الليل فمرّ به‏ نفر من الجنّ فلمّا سمعوا قراءة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استمعوا له فلمّا سمعوا قرآنه قال بعضهم لبعض:( أَنْصِتُوا ) يعني اسكتوا( فَلَمَّا قُضِيَ ) أي فرغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من القرآن( وَلَّوْا إِلى‏ قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قالُوا يا قَوْمَنا ) إلى آخر الآيات.

فجاؤا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أسلموا و آمنوا و علّمهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شرائع الإسلام فأنزل الله عزّوجلّ على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ ) السورة كلّها، فحكى الله قولهم و ولّى عليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منهم، و كانوا يعودون إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كلّ وقت فأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أميرالمؤمنينعليه‌السلام أن يعلّمهم و يفقّههم فمنهم مؤمنون و كافرون و ناصبون و يهود و نصارى و مجوس، و هم ولد الجانّ.

أقول: و الروايات في قصّة هؤلاء النفر من الجنّ الّذين استمعوا إلى القرآن كثيرة مختلفة اختلافاً شديداً، و لا سبيل إلى تصحيح متونها بالكتاب أو بقرائن موثوق بها و لذا اكتفينا منها على ما تقدّم من خبر القمّيّ و سيأتي نبذ منها في تفسير سورة الجنّ إن شاء الله تعالى.

و فيه سئل العالمعليه‌السلام عن مؤمني الجنّ أ يدخلون الجنّة؟ فقال: لا، و لكن لله حظائر بين الجنّة و النار يكون فيها مؤمنوا الجنّ و فسّاق الشيعة.

____________________

(1) المجنّة: محلّ الجنّ.

٢٣٨

أقول: و روي مثله في بعض الروايات الموقوفة من طرق أهل السنّة، و رواية القمّيّ مرسلة كالمضمرة فإن قبلت فلتحمل على أدنى مراتب الجنّة و عمومات الكتاب تدلّ على عموم الثواب للمطيعين من الإنس و الجنّ.

و في الكافي، بإسناده عن ابن أبي يعفور قال: سمعت أباعبداللهعليه‌السلام يقول: سادة النبيّين و المرسلين خمسة: و هم اُولوا العزم من الرسل و عليهم دارت الرحى: نوح و إبراهيم و موسى و عيسى و محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم و على جميع الأنبياء.

و فيه، بإسناده عن عبدالرحمن بن كثير عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ أوّل وصيّ كان على وجه الأرض هبة الله بن آدم، و ما من نبيّ مضى إلّا و له وصيّ.

و كان جميع الأنبياء مائة ألف و عشرين ألف نبيّ: منهم خمسة اُولوا العزم: نوح و إبراهيم و موسى و عيسى و محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم وعليهم. الحديث.

أقول: كون اُولي العزم خمسة ممّا استفاضت عليه الروايات عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام فهو مرويّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و عن الباقر و الصادق و الرضاعليهم‌السلام بطرق كثيرة.

و عن روضة الواعظين للمفيد: قيل للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كم بين الدنيا و الآخرة؟ قال: غمضة عين قال الله عزّوجلّ:( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ ) الآية.

٢٣٩

( سورة محمّد مدنيّة و هي ثمان و ثلاثون آية)

( سورة محمّد الآيات 1 - 6)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ( 1 ) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ  كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ( 2 ) ذَٰلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ  كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ ( 3 ) فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا  ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ  وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ( 4 ) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ( 5 ) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ( 6 )

( بيان‏)

تصف السورة الّذين كفروا بما يخصّهم من الأوصاف الخبيثة و الأعمال السيّئة و تصف الّذين آمنوا بصفاتهم الطيّبة و أعمالهم الحسنة ثمّ تذكر ما يعقّب صفات هؤلاء من النعمة و الكرامة و صفات اُولئك من النقمة و الهوان و على الجملة فيها المقايسة بين الفريقين في صفاتهم و أعمالهم في الدنيا و ما يترتّب عليها في الاُخرى، و فيها بعض ما يتعلّق بالقتال من الأحكام.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594