مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء ٧

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل10%

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 594

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧
  • البداية
  • السابق
  • 594 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 329469 / تحميل: 5380
الحجم الحجم الحجم
مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء ٧

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

بين يدي محاوراته مع عثمان

لقد قرأنا في الجزء الثاني من الحلقة الأولى من هذه الموسوعة كثيراً من أخبار ابن عباس في أيام عثمان ، ولمّا كان حال عثمان غير خفيّ في التاريخ ، بالرغم من موضوعات زادت في تشويهه بأكاذيب أموية ، لكنها لم تصنع شيئاً ، فبقيت حال عثمان كما هي معلومة نسباً وحسباً وصحبةً ومصاهرةً وحكومةً وممارسةً وضلوعاً وإنصياعاً لبني أمية ، ما سببّت نقمة الناس عليه ، لأمور صدرت منه ومنهم ما كان ينبغى لمثله في سنّه وشأنه أن تنسب إليه فيؤاخذ عليها حتى أودت بحياته ، فكان كما قال عنه الدكتور طه حسين في كتابه ( الفتنة الكبرى ) :

( فأمّا عثمان فمهما يكن إعتذار أهل السنة والمعتزلة عنه ، فإنّه قد أسرف وترك عمّاله يسرفون في العُنف بالرعية ، ضرباً ونفياً وحبساً ، وهو نفسه قد ضرب أو أمر بضرب رجلين من أعلام أصحاب النبيّ ، فضرب عمار بن ياسر حتى أصابه الفتق ، وأمر من أخرج عبد الله بن مسعود من مسجد النبيّ إخراجاً عنيفاً ، حتى كسر بعض أضلاعه ).

وقال أيضاً : ( فهذه السياسة العنيفة التي تسلط الخليفة وعماله على أبشار الناس وأشعارهم وعلى أمنهم وحريتهم ليست من سيرة النبيّ ولا من سيرة الشيخين في شيء ).

١٤١

وقال أيضاً : ( والسياسة المالية التي أصطنعها عثمان منذ نهض بالخلافة كلّها موضوع النقمة والإنكار من أكثر الذين عاصروا عثمان ، ومن أكثر الرواة والمؤرخين ).

وقال أيضاً : ( ولو سار عثمان في الأموال العامّة سيرة عمر فلم ينفق المال إلاّ بحقه ، لجنّب نفسه وجنّب المسلمين شراً عظيماً ، ولكان من الممكن أن ينشئ الإسلام للإنسانية نظاماً سياسياً وإجتماعياً صالحاً يجنبّها كثيراً من الإضطراب الذي اضطرت إليه ، والفساد الذي تورطت فيه )(1) .

أقول : وعلى نحو ما مرّ من أقوال طه حسين نجد أقوال آخرين من الباحثين المحدثين ، ولا بدع لو التقت أراؤهم في نقد أفعاله وأختلفت أقوالهم في توجيه سياسته والتي رأوها جميعاً سياسية أموية رعناء جلبت له وللأمة كثيراً من الشر ، وكثرّت عليه أسباب النقمة ، بداية من المسلمين الصحابة في المدينة ، وسرعان ما أستطار شررها إلى بقية الأمصار ، فكثرت وفود الساخطين من العراق ومصر وغيرهما والتقوا بالصحابة فتفاقم الخطب.

وكانت شدّة المحنة والمعاناة عندما فزع الثوار إلى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يشكون حالهم ، فيسارع هو إلى عثمان ناصحاً في محاولات إصلاح بين الطرفين ، لكن عثمان لم يستجب للنصح ، بل وزاد في تعقيد الأمور إتهامه الإمام عليه السلام ما دام كثير من الثوار اتخذوه لجأً ، يرجون إغاثتهم

____________________

(1) الفتنة الكبرى 1 / 190 ـ 198.

١٤٢

من سوء أفعال عثمان وبطانته ، وكلّما دافع الإمام عليه السلام عن عثمان بالحسنى إزداد تصلّب الساخطين ، فآثر الإعتزال ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ، غير أنّ عثمان وبتحريض من بني أمية كان يزداد غضباً وحنقاً عليه ، ممّا أضطر العباس بن عبد المطلب ومن بعده ابنه عبد الله حبر الأمة القيام بمحاولات إصلاحية أيضاً ولتهدئة الخواطر ، عسى أن تهدأ الفورة وتسكن الثورة ، ولم تنجح تلك المساعي ، لأنّ عثمان كان إذن شرّ يسمع لما يقوله له مروان وبني أمية.

ومع كثرة الشواهد على المساعي الإصلاحية التي بذلها الإمام عليه السلام وعمه العباس وابنه عبد الله ، كان عثمان يتهمهم في النصح ، مع أنّه لو أنصفهم لوجدهم أحرص الناس عليه وأرعى ذماماً له للقرابة النسبية منه ، وهذا ما سنقرأ بعضاً منه في مواقف العباس وابنه عبد الله بن عباس في إصلاح ذات البين ، لكن عثمان ـ كما قلناـ كان مغلوباً على أمره من قبل بني أمية ، وفي قلوبهم جميعاً من الحقد والشنآن على بني هاشم عموماً وعلى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام خصوصاً ، ممّا طغى على لسان عثمان ، فأظهرته فلتات اللسان عن بعض ما يضمره الجنان من الحقد والشنآن ، فيقول للإمام عليه السلام مغاضباً وعاتباً : ( ما ذنبي إليك إذا لم تحبّك قريش وقد قتلت منهم سبعين ترد آنافهم الماء قبل شفاهم ) ، وفي لفظ آخر : ( كأن أعناقهم أباريق فضة ) ، ونحو هذا. ولقد همّ مرّة ـ وربما أكثر ـ بأن ينفي الإمام عليه السلام من المدينة كما صنع مع أبي ذر ، كما ستأتي الإشارة إليه في مواقف العباس الإصلاحية والإستصلاحية.

١٤٣

وإلآن إلى قراءة بعضها ، ولنبدأ بما رواه الطبري في تاريخه :

( بسند عن حمران بن أبان ، قال : أرسلني عثمان إلى العباس بعدما بويع فدعوته له ، فقال : مالك تعبدتني ـ ( تبعّدتني ظ )؟ قال : لم أكن قط أحوج إليك مني اليوم. قال ـ العباس ـ : الزم خمساً لا تنازعك الأمة خزائمها ما لزمتها. قال : وما هي؟ قال : الصبر عن القتل ، والتحبب ، والصفح ، والمدارات ، وكتمان السر )(1) .

ولكن عثمان لم يلتزم بنصيحة العباس ، بل استمر على حاله ، فاتسع الخرق على الراقع ، حتى عجز العباس من رأب الصدع ، مع ما كان فيه من حنكة رأي وجودة تدبير ، حتى قيل له داهية قريش ، ولمّا رأى تسافل الحال ونذر الشر بدت تلوح في الأفق ، فصار يدعو ربّه أن يسبق به أجله قبل وقوع الكارثة التي بدت بوادرها تنذر بشر مستطير فإستجاب له ربّه ، فما كانت إلاّ جمعة حتى لقي ربّه.

أمّا عن مواقفه في نصيحة عثمان في كفّ أذاه عن الإمام عليه السلام وعن الأمّة فهي متعددة ، أذكر بعضها :

فمنها ما ذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج ، قال :

( روى الزبير بن بكار في كتابه الموفقيات ، عن عبد الله بن عباس ، قال : ما سمعت من أبي شيئاً قط في أمر عثمان يلومه فيه ولا يعذره ، ولا سألته عن شيء من ذلك مخافة أن أهجم منه على ما لا يوافقه ، فأنا عنده

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 400 ط دار المعارف بمصر.

١٤٤

ليلة ونحن نتعشى إذ قيل هذا أمير المؤمنين عثمان بالباب ، فقال : أئذنوا له ، فدخل فأوسع له على فراشه وأصاب من العشاء معه ، فلمّا رفع قام من كان هناك وثبتّ أنا.

فحمد الله عثمان وأثنى عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد يا خال فإنّي قد جئتك أستعذرك من ابن أخيك عليّ سبّني ، وشهر أمري ، وقطع رحمي ، وطعن في ديني ، وإنّي أعوذ بالله منكم يا بني عبد المطلب ، إن كان لكم حقّ تزعمون أنّكم غُلبتم عليه فقد تركتموه في يدي مَن فعل ذلك بكم ، وأنا أقرب إليكم رحماً منه ، وما لمت منكم أحداً إلاّ عليّاً ، ولقد دعيت أن أبسط عليه فتركته لله والرحم وأنا أخاف أن لا يتركني فلا أتركه.

قال ابن عباس : فحمد أبي الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد يا بن أختي فإن كنت لا تحمد عليّاً لنفسك فإنّي لا أحمدك لعليّ ، وما عليّ وحده قال فيك ، بل غيره ، فلو أنّك اتهمت نفسك للناس أتهم الناس أنفسهم لك ، ولو أنّك نزلت ممّا رقيت وأرتقوا ممّا نزلوا فأخذت منهم وأخذوا منك ما كان بذلك بأس.

قال عثمان : فذلك إليك يا خال وأنت بيني وبينهم.

قال : أفأذكر لهم ذلك عنك؟

قال : نعم ، وأنصرف.

فما لبثنا أن قيل : هذا أمير المؤمنين قد رجع بالباب ، قال أبي : أئذنوا له ، فدخل فقام قائماً ولم يجلس وقال : لا تعجل يا خال حتى أوذنك. فنظرنا فإذا مروان بن الحكم كان جالساً بالباب ينتظره حتى خرج فهو

١٤٥

الذي ثناه عن رأيه الأوّل.

فأقبل عليَّ أبي وقال : يا بني ما إلى هذا من أمره شيء. ثمّ قال : يا بني أملك عليك لسانك حتى ترى ما لابدّ منه. ثمّ رفع يديه فقال : اللّهمّ اسبق بي ما لا خير لي في إدراكه ، فما مرّت جمعة حتى مات رحمه الله )(1) .

ومنها ما رواه البلاذري في ( أنساب الأشراف ) ، بإسناده عن صهيب مولى العباس ، قال :

( إنّ العباس قال لعثمان : أذكرّك الله في أمر ابن عمك وابن خالك وصهرك ، وصاحبك مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد بلغني أنّك تريد أن تقوم به وبأصحابه.

فقال : أوّل ما أجيبك به أنّي قد شفعتك ، إنّ عليّاً لو شاء لم يكن أحد عندي إلاّ دونه ، ولكن أبى إلاّ رأيه. ثم قال لعليّ مثل قوله لعثمان.

فقال عليّ : لو أمرني عثمان أن أخرج من داري لخرجت )(2) .

وهذا رواه ابن عساكر أيضاً في ( تاريخ مدينة دمشق ) ، بسنده عن صهيب مولى العباس ، وجاء في آخر قول الإمام عليه السلام : ( فأمّا أداهن أن لا

____________________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 2 / 397.

وهذه الواقعة غير التي سبقتها وان عاصرتها زماناً ففي الاُولى كانت الشكوى في دار عثمان والعباس حاضر عنده. أمّا هذه فهي في دار العباس وعثمان حاضر عنده ، ولا مانع من تعدّدهما إذا عرفنا تخبّط السياسة يومئذ في معالجة مشاكل الناس وأستحواذ مروان على عثمان في تدبير أُموره.

(2) أنساب الأشراف 1 / 498 ـ 499.

١٤٦

يقام بكتاب الله فلم أكن لأفعل )(1) .

وجاء الخبر في ( التعديل والتجريح ) مسنداً عن سهيل مولى العباس يقول : ( أرسلني العباس إلى عثمان أدعوه ، فأتاه فقال : أفلح الوجه أبا الفضل ، قال : ووجهك يا أمير المؤمنين. قال : عليّ ابن عمك وابن عمتك وصهرك وأخوك في دينك وصاحبك مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبلغني أنّك تريد أن تقوم به وبأصحابه. فقال : لو شاء عليّ ما كان دونه أحد ، ثم أرسلني إلى عليّ ، فقال : إنّ عثمان ابن عمك وابن عمتك وأخوك في دينك وصاحبك مع رسول صلى الله عليه وآله وسلم وولي بيعتك ، فقال : لو أمرتني أن أخرج من داري لفعلت )(2) .

ومنها ما رواه البلاذري وغيره ، واللفظ له قال :

( حدثني عباس بن هشام ، عن أبيه ، عمّن حدثه ، عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عباس : إنّ عثمان شكا عليّاً إلى العباس فقال له : يا خال إنّ عليّاً قد قطع رحمي ، وألّب الناس عليَّ ، والله لئن كنتم يا بني عبد المطلب أقررتم هذا الأمر في أيدي بني تيمّ وعدي ، فبنو عبد مناف أحق أن لا تنازعوهم فيه ولا تحسدوهم عليه.

قال عبد الله بن العباس : فأطرق أبي طويلاً ، ثم قال : يا بن أخت لئن كنت لا تحمد عليّاً فما نحمدك له ، وأن حقك في القرابة والإمامة للحق الذي لا يُدفع ولا يجحد ، فلو رقيت فيما تطأطأ ، أو تطأطأت فيما رقي ،

____________________

(1) تاريخ مدينة دمشق 39 / 264 ط دار الفكر بيروت.

(2) التعديل والتجريح 3 / 1007.

١٤٧

تقاربتهما ، وكان ذلك أوصل وأجمل.

قال : قد صيّرت الأمر عن ذلك إليك ، فقرّب الأمر بيننا.

قال : فلمّا خرجنا من عنده دخل عليه مروان فأزاله عن رأيه ، فما لبثنا أن جاء أبي رسول عثمان بالرجوع إليه ، فلمّا رجع ، قال : يا خال أحبّ أن تؤخر النظر في الأمر الذي ألقيت إليك حتى أرى من رأي.

فخرج أبي من عنده ثم التفت إلى فقال : يا بني ليس إلى هذا الرجل من أمره شيء ، ثم قال : اللهم أسبق بي الفتن ، ولا تبقني إلى ما لا خير لي في البقاء إليه ، فما كانت جمعة حتى هلك )(1) .

ويبدو لي تعدّد الوقائع مع تقارب الزمان بينهما ، ففي الرواية الأولى كانت الشكاة في دار العباس وقد أتاه عثمان بنفسه ليلة وأصاب معه من عشائه ثم نفث شكاته ، وفي الرواية الثانية التي رواها البلاذري بسنده عن ابن عباس أنّ التشاكي كان في دار عثمان ، وفي خبر التعديل والتجريح أنّ العباس أرسل مولاه سهيل فاستدعى عثمان إلى بيته ونصحه باستعمال الرفق واللين مع عليّ عليه السلام ، وفي كلّ الروايات قرأنا طرحاً إستصلاحياً يكاد النجاح حليفه ، لكن صراحة استحواذ مروان على عثمان في تخبطه السياسي فلم يدع مجالاً للعباس ولا لغيره أن يصلح بينه وبين الناس لمعالجة المشاكل العالقة يومئذ.

ويبدو لي أنّ العباس يأس من إصلاح ما أفسده بنو أمية من أمر

____________________

(1) أنساب الأشراف 1 / ق4 / 498 ـ 499.

١٤٨

عثمان ، وتوقع المزيد من طوارق الحدثان تجتاح المجتمع الإسلامي في المدينة وغيرها ، ولذلك دعا أن يسبقها أجله ، فمرض فكان العوّاد يعودونه ، فكان آخر نصائحه لعثمان حين دخل عليه في مرضه الذي مات فيه :

( فقال ـ عثمان ـ : أوصني بما ينفعني ( الله ) به.

فقال : إلزم ثلاث خصال خواص تصيب بها ثلاث عوام ، فالخواص : ترك مصانعة الناس في الحق ، وسلامة القلب ، وحفظ اللسان ، تُصب بها سُرور الرعية ، وسلامة الدين ، ورضا الربّ )(1) .

ولشدّة اهتمامه بوحدة كلمة المسلمين وصلاح ذات البين كانت وصاياه لعثمان ، وكذلك كانت وصيته للإمام أمير المؤمنين عليه السلام أيضاً ، وهي آخر وصية صدرت منه ، تكشف عن بُعد نظر في قراءة المستقبل المظلم الذي ستنتصر فيه قوى الشر على وحدة الخير ، ويكون عليّ عليه السلام ضحيتها ، لذلك كانت نظرة العباس تفيض بالألم على ما أصاب بني هاشم من تحديات وإحباطات سابقاً ، مضافاً إلى ما سيلاقونه لاحقاً من عقبات ومعادات من أعدائهم مع خذلان من أنصارهم ، إلاّ من رحم الله فحفظ فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقليلٌ ما هم.

كلّ هذا كان عند العباس بثاقب نظره رؤيا العين ، فهو إذ يوصي الإمام عليه السلام بتجنب المواجهة مع عثمان خشية عليه من أن يعصب به كلّ

____________________

(1) أخبار الدولة العباسية / 21.

١٤٩

الإضطغان القرشي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للدماء التي أُريقت في سبيل الإسلام ، من قريش وغيرهم ، والعباس كان يعرف كراهية قريش لبني هاشم منذ عهد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد مرّت بنا شواهد على ذلك.

والآن إلى قراءة وصيته لابن أخيه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام :

وصية العباس للإمام عليه السلام :

لقد سبق ذكر الوصية عند ذكر وفاة العباس ، إلاّ أنّ ثمة تفاوت وتعقيب وتذنيب اقتضى ذكرها ثانياً.

قال ابن أبي الحديد : ( قرأت في كتاب صنفه أبو حيان التوحيدي في تقريظ الجاحظ ، قال : نقلت من خط الصولي : قال الجاحظ : إنّ العباس بن عبد المطلب أوصى عليّ بن أبي طالب عليه السلام في علته التي مات فيها ، فقال : أي بُنيّ إنّي مشفٍ على الظعن عن الدنيا إلى الله الذي فاقتي إلى عفوه وتجاوزه أكثر من حاجتي إلى ما أنصحك فيه وأشير عليك به ، ولكن العِرق نبوض ، والرحم عروض ، وإذا قضيت حق العمومة فلا أبالي بعد ، إنّ هذا الرجل ـ يعني عثمان ـ قد جاءني مراراً بحديثك ، وناظرني ملايناً ومخاشناً في أمرك ، ولم أجد عليك إلاّ مثل ما أجد منك عليه ، ولا رأيت منه لك إلاّ مثل ما أجد منك له ، ولست تؤتى من قلّة علم ولكن من قلّة قبول ، ومع هذا كلّه فالرأي الذي أودّعك به أن تمسك عنه لسانك ويدك ، وهمزك وغمزك ، فإنّه لا يبدؤك ما لم تبدؤه ، ولا يجيبك عما لم يبلغه ،

١٥٠

وأنت المتجني وهو المتأني ، وأنت العائب وهو الصامت ، فإن قلت : كيف هذا وقد جلس مجلساً أنا به أحق ، فقد قاربت ولكن ذاك بما كسبت يداك ، ونكص عنه عقباك ، لأنّك بالأمس الأدنى هرولتَ إليهم ، تظن أنّهم يُحلّون جيدك ويُختمّون أصبعك ، ويطأون عقبك ، ويرون الرشد بك ، ويقولون لا بد لنا منك ، ولا معدل لنا عنك ، وكان هذا من هفواتك الكُبر ، وهناتك التي ليس لك منها عذر ، والآن بعد ما ثللت عرشك بيدك ، ونبذت رأي عمك في البيداء ، يتدهده(1) في السافياء(2) ، خذ بأحزم ممّا يتوضح به وجه الأمر ، لا تشارّ هذا الرجل ولا تماره ، ولا يبلغه عنك ما يحنقه عليك ، فإنّه إن كاشفك أصاب أنصاراً ، وإن كاشفته لم تر إلا ضِراراً ، ولم تستلج إلاّ عثاراً ، واعرف مَن هو بالشام له ، وَمَن ههنا حوله ، ومن يطيع أمره ويمتثل قوله ، ولا تغترر بناس يطيفون بك ، ويدّعون الحنوّ عليك والحبّ لك ، فإنّهم بين مولى جاهل ، وصاحب متمنّ ، وجليس يرعى العين ويبتدر المحضر ، ولو ظن الناس بك ما تظن بنفسك لكان الأمر لك والزمام في يدك ، ولكن هذا حديث يوم مرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فات ، ثم حرم الكلام فيه حين مات ، فعليك الآن بالعزوف عن شيء عرضك له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يتم ، وتصدّيت له مرّة بعد مرّة فلم يستقم ، ومن ساور الدهر غُلِب ، ومن حرص على ممنوع تعب ، فعلى ذلك فقد أوصيت عبد الله بطاعتك ، وبعثته على متابعتك ، وأوجرته محبتك ، ووجدت عنده من ذلك ظني به لك ، لا

____________________

(1) يتدهده : يتدحرج.

(2) السافياء : الريح التي تحمل التراب.

١٥١

توتر قوسك إلاّ بعد الثقة بها ، وإذا أعجبتك فأنظر إلى سيتها ، ثم لا تفوّق إلاّ بعد العلم ، ولا تغرق في النزع إلاّ لتصيب ، وأنظر لا تطرف يمينك عينَك ، ولا تجنِ شمالك شينك ، ودّعني بآيات من آخر سورة الكهف(1) ، وقم إذا بدا لك )(2) .

تعقيب ابن أبي الحديد على الوصية :

قال ابن أبي الحديد بعد ذكره الوصية المتقدمة : ( قلت : الناس يستحسنون رأي العباس لعليّ عليه السلام في أن لا يدخل في أصحاب الشورى ، وأمّا أنّا فانّي أستحسنه إن قصد به معنى ، ولا أستحسنه إن قصد به معنى آخر ، وذلك لأنّه إن أجري بهذا الرأي إلى ترفّعه عليهم وعلوّ قدره عن أن يكون مماثلاً لهم ، أو أجري به إلى زهده في الإمارة ورغبته عن الولاية ، فكلّ هذا رأي حسن وصوابه ، وإن كان منزعه في ذلك إلى أنّك إن تركت الدخول معهم وانفردت بنفسك في دارك أو خرجت عن المدينة إلى بعض أموالك فإنّهم يطلبونك ويضربون إليك آباط الإبل حتى يولّوك الخلافة ، وهذا هو الظاهر من كلامه ، فليس هذا الرأي عندي بمستحسن ،

____________________

(1) هي قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً _ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً _ قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً _ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدا ً) الكهف / 107 ـ 110.

(2) شرح النهج لابن أبي الحديد 3 / 282 ط مصر الاُولى.

١٥٢

لأنّه لو فعل لولّوا عثمان أو واحداً منهم غيره ، ولم يكن عندهم من الرغبة إليه عليه السلام ما يبعثهم على طلبه ، بل كان تأخره عنهم قرّة أعينهم ، وواقعاً بإيثارهم ، فإنّ قريشاً كلّها كانت تبغضه أشد البغض ، ولو عمّر عمر نوح وتوصل إلى الخلافة بجميع أنواع التوصل كالزهد فيها تارة ، والمناشدة بفضائله تارة ، وبما فعله في ابتداء الأمر من إخراج زوجته وأطفاله ليلاً إلى بيوت الأنصار ، وبما اعتمده إذ ذاك من تخلّفه في بيته واظهار أنّه قد عكف على جمع القرآن ، وبسائر أنواع الحيل فيها لم تحصل له إلاّ بتجريد السيف كما فعله في آخر الأمر.

ولست ألوم العرب لا سيما قريشاً في بغضها له وانحرافها عنه ، فإنّه وترها وسفك دماءها ، وكشف القناع في منابذتها ، ونفوس العرب وأكبادها كما تعلم ، وليس الإسلام بمانع من بقاء الأحقاد في النفوس ، كما نشاهد اليوم عياناً ، والناس كالناس الأول ، والطبائع واحدة ، فأحسب أنّك كنت من سنتين أو ثلاث جاهلياً أو من بعض الروم وقد قتل واحد من المسلمين ابنك أو أخاك ثم أسلمت ، أكان اسلامك يُذهب عنك ما تجده من بغض ذلك القاتل وشنآنه ، كلا إنّ ذلك لغير ذاهب ، هذا إذا كان الإسلام صحيحاً والعقيدة محققة لا كإسلام كثير من العرب ، فبعضهم تقليداً ، وبعضهم للطمع والكسب ، وبعضهم خوفاً من السيف ، وبعضهم على طريق الحمية والإنتصار ، أو لعداوة قوم آخرين من أضداد الإسلام وأعدائه.

١٥٣

واعلم أنّ كلّ دم أراقه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسيف عليّ عليه السلام وبسيف غيره ، فإنّ العرب بعد وفاته عليه السلام عصبت تلك الدماء بعليّ بن أبي طالب عليه السلام وحده ، لأنّه لم يكن في رهطه مَن يستحق في شرعهم وسنتهم وعادتهم أن يعصب به تلك الدماء إلاّ بعليّ وحده ، وهذه عادة العرب إذا قتل منها قتلى طالبت بتلك الدماء القاتل ، فإن مات أو تعذرت عليها مطالبته طالبت بها أمثل الناس من أهله. لمّا قتل قوم من بني تميم أخاً لعمرو بن هند ، قال بعض أعدائه يحرض عمراً عليهم :

من مبلغ عمراً بأن المرء لم يخلق صُباره

وحوادث الأيام لايبقى لها إلاّ لحجاره

ها إنّ عجزة أمه بالسفح أسفل من أواره

تسفي الرياح خلال كشيحه وقد سلبوا أزاره

فاقتل زرارة لا أرى في القوم أمثل من زرارة

أن يقتل زرارة بن عدس رئيس بني تميم ، ولم يكن قاتلاً أخا الملك ولا حاضراً قتله. ومن نظر في أيام العرب ووقائعها ومقاتلها عرف ما ذكرناه )(1) .

____________________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 3 / 283 ط الأولى بمصر.

١٥٤

محاورات ابن عباس مع عثمان

بين يدي المحاورة الأولى :

نذكر ما روى الواقدي في كتاب ( الشورى ) عن ابن عباس رحمه الله قال :

( شهدت عتاب عثمان لعليّ عليه السلام يوماً فقال له في بعض ما قاله : نشدتك الله أن تفتح للفرقة باباً ، فلعهدي بك وأنت تطيع عتيقاً وابن الخطاب طاعتك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولستُ بدون واحد منهما ، وأنا أمسّ بك رحماً وأقرب إليك صهراً ، فإن كنت تزعم أنّ هذا الأمر جعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لك ، فقد رأيناك حين توفي نازعت ثمّ أقررت ، فإن كانا لم يركبا من الأمر جَداً فكيف أذعنت لهما بالبيعة وبخعت بالطاعة ، وإن كانا أحسنا فيما وليّا ولم أقصر عنهما في ديني وحسبي وقرابتي فكن لي كما كنت لهما.

فقال عليّ عليه السلام : أمّا الفرقة ، فمعاذ الله أن أفتح لها باباً وأسهّل إليها سبيلاً ، ولكني أنهاك عمّا ينهاك الله ورسوله عنه ، وأهديك إلى رشدك.

وأمّا عتيق وابن الخطاب ، فإن كانا أخذا ما جعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لي فأنت أعلم بذلك والمسلمون ، وما لي ولهذا الأمر وقد تركته منذ حين. فأمّا أن لا يكون حقي بل المسلمون فيه شرع ، فقد أصاب السهم الثغرة ،

١٥٥

وأمّا أن يكون حقي دونهم ، فقد تركته لهم طبت به نفساً ، ونفضت يدي عنه استصلاحاً.

وأمّا التسوية بينك وبينهما ، فلست كأحدهما ، إنّهما وليا هذا الأمر فطلقا أنفسهما وأهلهما عنه ، وعُمتَ فيه وقومك عوم السابح في اللجة ، فارجع إلى الله أبا عمرو وأنظر هل بقي من عمرك إلاّ كظمء الحمار ، فحتى متى وإلى متى؟ ألا تنهى سفهاء بني أمية عن أعراض المسلمين وأبشارهم وأموالهم؟ والله لو ظلم عامل من عمالك حيث تغرب الشمس لكان أثمه مشتركاً بينه وبينك.

قال ابن عباس : فقال عثمان : لك العتبى ، وافعل وأعزل من عمالي كلّ من تكرهه ويكرهه المسلمون.

ثمّ أفترقا ، فصدّه مروان بن الحكم عن ذلك ، وقال : يجتريء عليك الناس فلا تعزل أحداً منهم )(1) .

المحاورة الثانية :

روى الزبير بن بكار في كتاب ( الموفقيات ) بسنده عن ابن عباس S قال : ( صليت العصر يوماً ثمّ خرجت ، فإذا أنا بعثمان في أيام خلافته في بعض أزقة المدينة وحده ، فأتيته إجلالاً وتوقيراً لمكانه ، فقال لي : هل رأيت عليّاً؟

____________________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 2 / 398 ط مصر الأولى.

١٥٦

قلت : خلّفته في المسجد ، فإن لم يكن الآن فيه فهو في منزله.

قال : أمّا منزله فليس فيه ، فابغه لنا في المسجد ، فتوجهنا إلى المسجد ، وإذا عليّ عليه السلام يخرج منه.

ـ قال ابن عباس : وقد كنت أمس ذلك اليوم عند عليّ فذكر عثمان وتجرّمه عليه ، وقال : أما والله يا بن عباس إنّ من دوائه لقطع كلامه وترك لقائه. فقلت له : يرحمك الله كيف لك بهذا ، فإن تركته ثمّ أرسل إليك فما أنت صانع؟ قال : أعتلّ وأعتلّ فمن يضرّني؟ قال : لا أحدـ

قال ابن عباس : فلمّا تراءينا له وهو خارج من المسجد ظهر منه من الالتفات والطلب للإنصراف ما أستبان لعثمان ، فنظر إليّ عثمان ، وقال : يا ابن عباس أما ترى ابن خالنا يكره لقاءنا؟

فقلت : ولِمَ وحقك ألزم وهو بالفضل أعلم.

فلمّا تقاربا رماه عثمان بالسلام فردّ عليه. فقال عثمان : إن تدخل فإياك أردنا ، وإن تمض فإياك طلبنا. فقال عليّ : أيّ ذلك أحببت. قال : تدخل ، فدخلا وأخذ عثمان بيده فأهوى به إلى القبلة فقصر عنها وجلس قبالتها ، فجلس عثمان إلى جانبه ، فنكصت عنهما ، فدعواني جميعاً فأتيتهما.

فحمد الله عثمان وأثنى عليه وصلّى على رسوله ، ثمّ قال : أمّا بعد يا ابنّي خاليّ وابنيّ عمّي فإذ جمعتكما في النداء فأستجمعكما في الشكاية على رضائي عن أحدكما ووجدي على الآخر ، إنّي أستعذركما من أنفسكما وأسألكما فياتكما وأستوهبكما رجعتكما ، فوالله لو غالبني الناس

١٥٧

ما أنتصرت إلاّ بكما ، ولو تهضّموني ما تعززت إلاّ بعزّكما ، ولقد طال هذا الأمر بيننا حتى تخوّفت أن يجوز قدره ويعظم الخطر فيه. ولقد هاجني العدو عليكما وأغراني بكما ، فمنعني الله والرحم ممّا أراد ، وقد خلونا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى جانب قبره ، وقد أحببت أن تظهرا لي رأيكما وما تنطويان لي عليه وتصدقا ، فإنّ الصدق أنجى وأسلم ، وأستغفر الله لي ولكما.

قال ابن عباس : فأطرق عليّ عليه السلام وأطرقت معه طويلاً. أمّا أنا فأجللته أن أتكلّم قبله ، وأمّا هو فأراد أن أجيب عنّي وعنه ؛ ثمّ قلت له : أتتكلم أم أتكلم أنا عنك؟ قال : بل تكلم عني وعنك.

فحمدت الله وأثنيت عليه ، وصلّيت على رسوله ، ثمّ قلت : أمّا بعد يا ابن عمنا وعمتنا ، فقد سمعنا كلامك لنا وخلطك في الشكاية بيننا على رضاك ـ زعمت ـ عن أحدنا ووجدك على الآخر ، وسنفعل في ذلك فنذمّك ونحمدك ، اقتداء منك بفعلك فينا ، فإنا نذمّ مثل تهمتك إيانا على ما اتهمتنا عليه بلا ثقة إلاّ ظنّاً ، ونحمد منك غير ذلك من مخالفتك عشيرتك ، ثمّ نستعذرك من نفسك استعذارك إيانا من أنفسنا ، ونستوهبك فياتك استيهابك إيانا فيأتنا ، ونسألك رجعتك مسألتك إيانا رجعتنا ، فإنّا معاً أيّما حمدت وذممت منّا كمثلك في أمر نفسك ، ليس بيننا فرق ولا إختلاف ، بل كلانا شريك صاحبه في رأيه وقوله ، فوالله ما تعلمنا غير معذّرين فيما بيننا وبينك ، ولا تعرفنا غير قانتين عليك ولا تجدنا غير راجعين إليك ،

١٥٨

فنحن نسألك من نفسك مثل ما سألتنا من أنفسنا.

وأمّا قولك : لو غالبني الناس ما أنتصرت إلاّ بكما ، أو تهضّموني ما تعزّزت إلاّ بعزّكما ، فأين بنا وبك عن ذلك ونحن وأنت كما قال أخو كنانة :

بدا بحتر ما رام نال وإن يرم

نخض دونه غمرا من الغر رائمه

لنا ولهم منا ومنهم على العدى

مراتب عزّ مصعدات سلالمه

وأمّا قولك في هيج العدو إياك وإغرائه لك بنا ، فوالله ما أتاك العدو من ذلك شيئاً إلاّ وقد أتانا بأعظم منه ، فمنعناه ما أراد ما منعك من مراقبة الله والرحم ، وما أبقيت أنت ونحن إلاّ على أدياننا وأعراضنا ومروآتنا ، ولقد لعمري طال بنا وبك هذا الأمر حتى تخوّفنا منه على أنفسنا وراقبنا منه ما راقبت.

وأمّا مساءلتك إيانا عن رأينا فيك وما ننطوي عليه لك ، فإنّا نخبرك أنّ ذلك إلى ما تحبّ لا يعلم واحد منّا من صاحبه إلاّ ذلك ، ولا يقبل منه غيره ، وكلانا ضامن على صاحبه ذلك وكفيل به ، وقد برّأت أحدنا وزكّيته وأنطقت الآخر وأسكته ، وليس السقيم منّا ممّا كرهت بأنطق من البري فيما ذكرت ، ولا البري منّا ممّا سخطت بأظهر من السقيم فيما وصفت ، فإمّا جمعتنا في الرضا وإمّا جمعتنا في السخط ، لنجازيك بمثل ما تفعل بنا في ذلك مكايلة الصاع بالصاع ، فقد أعلمناك رأينا وأظهرنا لك ذات أنفسنا

١٥٩

وصدقناك ، والصدق ـ كما ذكرت ـ أنجى وأسلم ، فأجب إلى ما دعوت إليه ، وأجلل عن النقص والغدر مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وموضع قبره ، وأصدق تنج وتسلم ، ونستغفر الله لنا ولك.

قال ابن عباس : فنظر إليّ عليّ عليه السلام نظر هيبة ، وقال : دعه حتى يبلغ رضاه فيما هو فيه. فوالله لو ظهرت له قلوبنا وبدت له سرائرنا حتى رآها بعينه كما يسمع الخبر عنها بإذنه ما زال متجرّماً منتقماً ، والله ما أنا ملقى على وضمة ، وإنّي لمانع ما وراء ظهري ، وانّ هذا الكلام لمخالفة منه وسوء عشرة.

فقال عثمان : مهلاً أبا حسن فوالله إنّك لتعلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصفني بغير ذلك يوم يقول وأنت عنده : إنّ من أصحابي لقوماً سالمين لهم وانّ عثمان لمنهم ، إنّه لأحسنهم بهم ظنّاً ، وأنصحهم لهم حبّاً.

فقال عليّ عليه السلام : فصدّق قوله صلى الله عليه وآله وسلم بفعلك ، وخالف ما أنت الآن عليه ، فقد قيل لك ما سمعت وهو كاف إن قبلت.

قال عثمان : تثق يا أبا الحسن؟

قال : نعم أثق ولا أظنك فاعلاً.

قال عثمان : قد وثقت وأنت ممن لا يخفر صاحبه ولا يكذّب لقيله.

قال ابن عباس : فأخذت بأيديهما حتى تصافحا وتصالحا وتمازحا ، ونهضت عنهما فتشاورا وتآمرا وتذاكرا ، ثمّ افترقا ، فوالله ما مرّت ثالثة حتى

١٦٠

وأجريته ».

[ ٧٩١٨ ] ٣٠ - القاضي أبو عبدالله محمّد بن سلامة القضاعي في كتاب الشهاب: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « ما احسن عبد الصدقة، إلّا أحسن الله الخلافة على تركته ».

وقال(١) صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما نقص مال من صدقة ».

وقال(٢) صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ان الله ليدرأ بالصدقة سبعين ميتة من السوء ».

[ ٧٩١٩ ] ٣١ - ابن أبي جمهور في عوالي اللآلي: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « اليد العيا خير من اليد السفلى، واليد العليا منفقة واليد السفلى السائلة(١) ، وابدأ بمن تعول ».

[ ٧٩٢٠ ] ٣٢ - وفي درر اللآلي: عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال « الصدقة تدفع ميتة السوء ».

[ ٧٩٢١ ] ٣٣ - وعن أنس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ الله ليدرأ بالصدقة عن صاحبها سبعين ميتة من السوء، أدناها الهم ».

____________________________

٣٠ - الشهاب: ص ٣٣٣ ح ٥٧٤ (طبعة سنة ١٣٦١).

(١) الشهاب ص ٩٧ ح ٥٣٨ (طبعة دانشكاه).

(٢) الشهاب ص ١٢٨ ح ٧١٦ (طبعة دانشكاه).

٣١ - عوالي اللآلي ج ١ ص ١٤١ ح ٥٥.

(١) في الطبعة الحجرية « المسائلة » وما أثبتناه من المصدر.

٣٢ - درر اللآلي ج ١ ص ١٣.

٣٣ - درر اللآلي ج ١ ص ١٣.

١٦١

[ ٧٩٢٢ ] ٣٤ - وعن عدي بن حاتم قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما منكم أحد [ إلّا ](١) سيكلّمه الله ليس بينه وبينه حجاب، فينظر عن يمينه فلا يرى إلّا ما قدّم، وينظر عن شماله فلا يرى إلّا ما قدّم، ثمّ ينظر بين يديه فيرى النار، فمن استطاع أن يقي وجهه النار ولو بشقّ تمرة، فإن لم يجد فبكلمة طيبة ».

[ ٧٩٢٣ ] ٣٥ - وعن أبي حبيب، عن بعض أصحب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقول: « أن ظل المؤمن يوم القيامة صدقته ».

[ ٧٩٢٤ ] ٣٦ - وعن جابر بن عبدالله الأنصاري، أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال لكعب بن عجرة: « يا كعب، الصلاة برهان، والصوم جنة، والصدقة تطفي الخطيئة، كما يطفئ الماء النار ».

[ ٧٩٢٥ ] ٣٧ - وعن أبي بريدة، عن أبيه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما يخرج الرجل شيئاً من الصدقة، حتى يفك عنها لحى سبعين شيطاناً ».

[ ٧٩٢٦ ] ٣٨ - وعن أبي ذر، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما خرج صدقة من يد رجل، حتى يفك عنها لحى سبعين شيطاناً، كلهم ينهاه عنها ».

[ ٧٩٢٧ ] ٣٩ - وعنه: عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « الصلاة عمود الدين، والإسلام والجهاد سنام العمل، والصدقة شئ عجيب، شئ عجيب، شئ عجيب ».

____________________________

٣٤ - درر اللآلي ج ١ ص ١٣.

(١) أثبتناه لاستقامة المعنى، بقرينة الحديث / ٥ الذي مرّ عن الجعفريات في الباب ١ من أبواب الصدقة.

٣٥ - ٣٩ - درر اللآلي ج ١ ص ١٣.

١٦٢

٢ -( باب أنّه يستحب للإنسان أن يعول أهل بيت من المسلمين، بل يختاره ندباً على الحج)

[ ٧٩٢٨ ] ١ - الشيخ المفيد في الإرشاد: عن أبي محمّد الحسن بن محمّد بن يحيى، عن جده، عن أبي نصر، عن عبد الرحمن بن صالح، عن يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: كان بالمدينة كذا وكذا أهل بيت، يأتيهم رزقهم وما يحتاجون إليه، لا يدرون من أين يأتيهم؟ فلما مات علي بن الحسينعليهما‌السلام ، فقدوا ذلك.

٣ -( باب استحباب الصدقة عن المريض)

[ ٧٩٢٩ ] ١ - كتاب جعفر بن محمّد بن شريح الحضرمي: عن عبدالله بن طلحة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه قال: « داووا مرضاكم بالصدقة، وادفعوا أبواب البلايا بالاستغفار - إلى أن قال - قلت: كيف نداوي مرضانا بالصدقة؟ قال: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قيل له: يا رسول الله، أي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل، وإذا كان عندك مريض قد أعياك مرضه، فخذ رغيفاً(١) من خبزك، فاجعله في منديل أو خرقة نظيفة، فكلما دخل سائل فليعط منه كسرة، ويقال له: ادُع لفلان، فإنهم(٢) يستجاب لهم فيكم، ولا يستجتاب لهم في أنفسهم.

____________________________

الباب - ٢

١ - إرشاد المفيد ص ٢٥٨.

الباب - ٣

١ - كتاب جعفر بن محمّد الحضرمي ص ٧٧.

(١) كان في الطبعة الحجرية رغيفات وما أثبتناه من المصدر.

(٢) في المصدر: فإنّه.

١٦٣

[ ٧٩٣٠ ] ٢ - دعائم الإسلام: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه قال: « ارغبوا في الصدقة وبكروا بها - إلى أن قال - ولا تستخفوا بدعاء المساكين للمرضى منكم، فإنه يستجاب لهم فيكم، ولا يستجاب لهم في أنفسهم ».

[ ٧٩٣١ ] ٣ - نهج البلاغة: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « الصدقة دواء منجح ».

[ ٧٩٣٢ ] ٤ - الصدوق في الخصال: في حديث الأربعمائة: عنهعليه‌السلام ، أنّه قال: « داووا مرضاكم بالصدقة ».

٤ -( باب استحباب صدقة الإنسان بيده خصوصاً المريض، وأمر السائل بالدعاء له)

[ ٧٩٣٣ ] ١ - العياشي في تفسيره عن أبي بكر، عن السكوني، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : خلتان(١) لا أحب أن يشاركني فيهما أحد: وضوئي فإنه من صلاتي، وصدقتي فإنها من يدي إلى يد السائل، فإنها تقع في يد الرحمن ».

ورواه في الجعفريات(٢) بإسناده المتقدم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

____________________________

٢ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٢٣١ ح ١٢٣٥.

٣ - نهج البلاغة ج ٣ ص ١٥٣ ح ٦، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٣٢ ح ٦٥.

٤ - الخصال ص ٦٢٠، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٢٠ ح ٢٢.

الباب - ٤

١ - تفسير العياشي ج ٢ ص ١٠٨ ح ١١٧، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٢٨ ح ٥٠.

(١) في المصدر والبحار: خصلتان.

(٢) الجعفريات ص ١٧.

١٦٤

مثله، وفيه: فإنها تقع في كف الرحمن.

[ ٧٩٣٤ ] ٢ - الشيخ ورام في تنبيه الخواطر: قيل: كان حارثة بن النعمان قد ذهب بصره، فاتخذ خيطاً من مصلاه إلى باب حجرته، ووضع عنده مكتلاً(١) فيه تمر، فكان إذا جاء المسكين يسأل، أخذ من ذلك المكتل، ثمّ أخذ بطرف الخيط حتى يناوله، وكان أهله يقولون له: نحن نكفيك، فيقول: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقول: « مناولة المساكين تقي ميتة السوء ».

[ ٧٩٣٥ ] ٣ - نهج البلاغة: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « من يعط باليد القصيرة يعط باليد الطويلة ».

[ ٧٩٣٦ ] ٤ - دعائم الإسلام: عن أبي جعفرعليه‌السلام - في حديث يأتي في كيفية صدقة علي بن الحسينعليهما‌السلام بالليل - إلى أن قالعليه‌السلام : « يبتغي بذلك فضل صدقة السر، وفضل صدقة الليل، وفضل إعطاء الصدقة بيده » الخبر.

[ ٧٩٣٧ ] ٥ - وعن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، أن بعض أهل بيته ذكر له أمر عليل عنده، فقال له: « ادع بمكتل فاجعل فيه بُرّاً واجعله بين يديه، وامر غلمانك إذا جاء(١) سائل، أن يدخلوه إليه فيناوله(٢)

____________________________

٢ - تنبيه الخواطر ج ٢ ص ٢٨٥.

(١) المِكتَل: الزبيل الذي يحمل فيه التمر (لسان العرب ج ١١ ص ٥٨٣).

٣ - نهج البلاغة ج ٣ ص ٢٠٤ ح ٢٣٢، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٣٢ ح ٦٦.

٤ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٣١ ح ١٢٤٨.

٥ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ١٣٦ ح ٤٧٩.

(١) كان في الطبعة الحجرية « جاءه » وما أثبتناه من المصدر.

(٢) في المصدر: فيناول.

١٦٥

منه بيده، ويأمره أن يدعو له » الخبر.

[ ٧٩٣٨ ] ٦ - جعفر بن أحمد القمي في كتاب الغايات: عن أبي بصير، عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال: « أفضل الصدقة، أن يعطي الرجل بيده إلى السائل ».

٥ -( باب استحباب كثرة الصّدقة، بقدر الجهد)

[ ٧٩٣٩ ] ١ - نهج البلاغة: في وصيّة أمير المؤمنين لابنه الحسنعليهما‌السلام : « وإذا وجدت من أهل الفاقة من يحمل لك زادك إلى يوم القيامة، فيوافيك به غداً حيث تحتاج إليه، فاغتمنه وحمّله إيّاه، وأكثر من تزويده وأنت قادر عليه، فلعلّك تطلبه فلا تجده، واغتنم من استقرضك في حال غناك، ليجعل قضاءه لك في يوم عسر(١) لك ».

[ ٧٩٤٠ ] ٢ - ابن شهر آشوب في المناقب: عن سفيان، بإسناده عن عليعليه‌السلام ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « فيما استطعت تصدّقت ».

[ ٧٩٤١ ] ٣ - وعن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، أنّه قال: « كان في وصيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : يا علي،

____________________________

٦ - الغايات ص ٧٧.

الباب - ٥

١ - نهج البلاغة ج ٣ ص ٥٢، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٣٣ ح ٦٦.

(١) في المصدر: عسرتك.

٢ - مناقب ابن شهر آشوب ج ٢ ص ٧٣.

٣ - مناقب ابن شهر آشوب: النسخة المطبوعة خالية من هذا الحديث، ورواه الكليني في الروضة ج ٨ ص ٧٩ ح ٣٣، وعنه في البحار ج ٧٧ ص ٦٨ ح ٨.

١٦٦

أُوصيك في نفسك خصال فاحفظها، ثمّ قال: اللهم أعنه - إلى أن قال - والخامسة الأخذ بسنّتي في صلواتي وصيامي وصدقتي - إلّا أن قال - وأمّا الصّدقة فجهدك، حتّى تقول قد أسرفت ».

٦ -( باب استحباب الصّدقة ولو بالقليل، على الغني والفقير)

[ ٧٩٤٢ ] ١ - السيّد فضل الله الرّاوندي في نوادره: بإسناده الصحيح عن موسى بن جعفر، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كلّكم مكلّم ربّه يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أمامه فلا يجد إلّا ما قدّم، وينظر عن يمينه فلا يجد إلّا ما قدم، ثمّ ينظر عن يساره فإذا هو بالنّار، فاتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة، فإن لم يجد أحدكم فبكلمة طيّبة ».

[ ٧٩٤٣ ] ٢ - وروى في دعواته: عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « الصّدقة تصدّ(١) سبعين باباً من الشّرور(٢) ، [ وروي ](٣) أن سائلاً وقف على خيمة وفيها امرأة وبين يديها صبّي في المهد، وكانت تأكل وما بقي إلّا لقمة فاعطته، فلمّا كان بعد ساعة اختطف الذئب ولدها من المهد، فتبعته قليلاً فرمى به من غير سوء، وسمعت هاتفاً يقول: لقمة بلقمة »(٤) .

____________________________

الباب - ٦

١ - نوادر الراوندي ص ٣، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٣١ ح ٦٢.

٢ - دعوات الراوندي ص ٤٤، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٣٢ ح ٦٤.

(١) في المصدر: تسدّ بها.

(٢) في المصدر: الشر.

(٣) أثبتناه من المصدر.

(٤) الدعوات ص ٨٢ باختلاف في الألفاظ.

١٦٧

[ ٧٩٤٤ ] ٣ - أمالي ابن الشّيخ: عن أبيه، عن المفيد، عن المظفر بن محمّد، عن محمّد بن همام، عن أحمد بن مابندار، عن منصور بن العبّاس، عن الحسن بن علي الخزّاز، عن علي بن عقبه، عن سالم بن أبي حفصة، قال: لمـّا هلك أبو جعفر محمّد بن علي الباقرعليهما‌السلام ، قلت لأصحابي: انتظروني حتّى أدخل على أبي عبدالله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام فأُعزّيه، فدخلت عليه فعزّيته، ثمّ قلت: إنّا لله وإنا إليه راجعون، ذهب والله من كان يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا يسأل عمّن بينه وبين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والله لا يرى مثله أبداً، قال: فسكت أبو عبداللهعليه‌السلام ساعة، ثمّ قال: « قال الله عزّوجلّ: إنّ من [ عبادي من ](١) يتصدق بشقّ تمرة، فأربيها له كما يربي أحدكم فلوه، حتّى أجعلها له مثل أحد » فخرجت إلى أصحابي فقلت: ما رأيت أعجب من هذا، كنّا نستعظم قول أبي جعفرعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بلا واسطة، فقال لي أبو عبداللهعليه‌السلام : قال الله عزّوجلّ، بلا واسطة.

[ ٧٩٤٥ ] ٤ - تفسير الإمامعليه‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عباد الله، أطيعوا الله في أداء الصّلوات المكتوبات، والزّكوات المفروضات، وتقرّبوا إلى الله بعد ذلك بنوافل الطّاعات، فأنّ الله عزّوجلّ يعظّم به المثوبات، والّذي بعثني بالحقّ نبيّاً، أنّ عبداً من عباد الله، ليقف يوم القيامة موقفاً يخرج عليه من لهب النّار أعظم من جميع جبال الدّنيا، حتّى ما يكون بينه وبينها حائل، بينا هو كذلك

____________________________

٣ - أمالي الطوسي ج ١ ص ١٢٥، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٢٢ ح ٣٠.

(١) أثبتناه من المصدر والبحار.

٤ - تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام ص ٢١٧.

١٦٨

قد تحير، إذا تطاير بين الهواء رغيف أو حبّة فضّة، قد واسى بها أخاً مؤمناً على إضافته، فتنزل حواليه فتصير كأعظم الجبال مستديراً حواليه، تصدّ عنه ذلك اللّهب، فلا يصيبه من حرّها ولا دخانها شئ إلى أن يدخل الجنّة » الخبر.

[ ٧٩٤٦ ] ٥ - الشيخ أبو الفتوح الرازي في تفسيره: مرسلاً: أنّ العبد إذا تصدّق بلقمة من الخبز أو بشقّ من التمر، يربيها الله تعالى وينميها حتّى تصير كجبل أُحد، ويأتي به الله تعالى يوم القيامة عند الميزان، فيحاسب فتصير كفّة حسناته خفيفة فيتحيّر الرّجل، فيأتى الله تعالى بصدقة فتوضع في كفّة حسناته فتصير ثقيلة، وترجّح على كفّة سيّئاته، فيقول العبد: يا إلهي ما هذه الطّاعة الثّقيلة الّتي لا أرى نفسي عملها؟ فيقول الله تعالى: هذا شقّ التّمر الّذي تصدّقت لي، في يوم كذا، كنت أُربيها لك إلى وقت حاجتك، لتكون فيها إغاثتك.

[ ٧٩٤٧ ] ٦ - وفيه وفي مجمع البيان: عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « إنّ الله تعالى يقبل الصّدقات، ولا يقبل منها إلّا الطّيب، ويربّيها لصاحبها كما يربّي أحدكم مهره أو فصيله، حتّى أنّ اللّقمة لتصير مثل أُحد ».

[ ٧٩٤٨ ] ٧ - نوادر علي بن أسباط: عن عمرو بن ساير، عن جابر، عن (أبي جعفر)(١) عليه‌السلام ، قال: « إنّ عابداً عبدالله في دير له

____________________________

٥ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٤٨٥.

٦ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٤٨٤، مجمع البيان ج ١ ص ٣٩.

٧ - نوادر علي بن أسباط ص ١٢٨.

(١) في المصدر: أبي عبدالله جعفرعليه‌السلام .

١٦٩

ثمانين سنة، ثمّ أشرف فإذا هو بامرأة، فوقعت في نفسه فنزل إليها فراودها عن نفسها، فأجابته فقضى حاجته منها، فلمّا قضى حاجته طرقه الموت واعتقل لسانه، فمرّ به سائل فأشار إليه بإصبعه أن خذ رغيفاً من كساه فأخذه، فأخبط الله عمل ثمانين سنة بتلك الزّنية، وغفر له بذلك الرّغيف فأدخله الجنّة ».

[ ٧٩٤٩ ] ٨ - إبن أبي جمهور في درر اللآلي: عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « إتّق الله(١) ولو بشقّ تمرة، فإن لم تجد فبكلمة طيّبة ».

٧ -( باب استحباب التّبكير بالصّدقة كلّ صباح وكلّ يوم، وأنّه لا بدّ فيها من النيّة)

[ ٧٩٥٠ ] ١ - دعائم الإسلام: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه قال: « ارغبوا في الصّدقة وبكروا بها، فما من مؤمن يتصدّق بصدقة حين يصبح، يريد بها ما عند الله، إلّا دفع الله بها عنه شرّ ما ينزل من السّماء في ذلك اليوم، أو قال: وقاه الله شرّ ما ينزل من السّماء في ذلك اليوم ».

[ ٧٩٥١ ] ٢ - القطب الرّاوندي في لبّ اللباب: عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « إنّ في بني آدم ثلاثمائة وستّين عظماً، فعلى كلّ عظم منها كلّ يوم صدقة ».

[ ٧٩٥٢ ] ٣ - الشّيخ المفيد في مجالسه: عن محمّد بن عمر الجعابي، عن

____________________________

٨ - درر اللآلي ج ١ ص ١٣.

(١) في المصدر: النار.

الباب - ٧

١ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٣١ ح ١٢٥٣.

٢ - لب اللباب: مخطوط.

٣ - أمالي المفيد ص ٥٣ ح ١٦، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٢٩ ح ٥٣.

١٧٠

أحمد بن محمّد بن عقدة، عن جعفر بن عبدالله، عن أخيه، عن إسحاق بن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، عن محمّد بن هلال، قال: قال لي أبوك جعفر بن محمّدعليهما‌السلام : « تصدق بشئ عند البكور، فإن البلاء لا يتخطّى الصّدقة ».

[ ٧٩٥٣ ] ٤ - وفي الاختصاص: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال: « لا خير في القول إلّا مع العمل، ولا في المنظر إلّا مع المخبر، ولا في المال إلّا مع الجود، ولا في الصّدق إلّا مع الوفاء، ولا في الفقه إلّا مع الورع، ولا في الصّدقة إلّا مع النيّة، ولا في الحياة إلّا مع الصحّة، ولا في الوطن إلّا مع الأمن والمسرّة ».

[ ٧٩٥٤ ] ٥ - ثقة الإسلام في الكافي: عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن بعض أصحابه، وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، جميعاً عن محمّد بن أبي حمزة، عن حمران، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه قال: « فإذا رأيت الحقّ قد مات وذهب أهله - إلى أن قال - ورأيت الصّدقة بالشّفاعة، ولا يراد بها وجه الله، ويعطى لطلب النّاس - إلى أن قال - فكن مترقّباً، واجتهد ليراك الله عزّوجلّ في خلاف ما هم عليه » الخبر.

[ ٧٩٥٥ ] ٦ - السيد علي بن طاووس في فرج المهموم: نقلاً من كتاب التّوقيعات لعبدالله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، بإسناده إلى الكاظمعليه‌السلام ، أنّه كتب إلى أخيه عليّ بن جعفر، وساقه إلى أن قال: « و(١) مرّ فلاناً - لا فجعنا الله به - بما يقدر عليه من

____________________________

٤ - الاختصاص ص ٢٤٣.

٥ - الكافي ج ٨ ص ٤١ ح ٧.

٦ - فرج المهموم ص ١١٥.

(١) ليست في المصدر.

١٧١

الصّيام - إلى أن قال - ولا يخلوا كلّ يوم أو يومين من صدقة على ستّين مسكيناً، أو(٢) ما يحركه عليه النيّة(٣) ، وما جرى وتم(٤) » الخبر.

[ ٧٩٥٦ ] ٧ - ابن أبي جمهور في درر اللآلي: عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « على كلّ مسلم في كلّ يوم صدقة، قيل: فمن لم يجد؟ قال: فيعمل بيده، وينفع نفسه، ويتصدّق به » الخبر.

٨ -( باب استحباب الصّدقة عند توقع البلاء، والخوف من الاسواء والدّاء)

[ ٧٩٥٧ ] ١ - دعائم الإسلام: عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « يدفع بالصّدقة الدّاء، والدّبيلة، والغرق، والحرق، والهدم، والجنون » حتّى عدّ سبعين نوعاً من البلاء.

[ ٧٩٥٨ ] ٢ - وعن أبي جعفر محمّد بن عليّعليهما‌السلام ، أنّه قال: « كان في بني إسرائيل رجل له نعمة، ولم يرزق من الولد غير واحد، وكان له محبّاً وعليه شفيقاً، فلمّا بلغ مبلغ الرّجال زوّجه ابنة عمّ له، فأتاه آت في منامه فقال: إنّ ابنك هذا ليلة يدخل بهذه المرأة يموت، فاغتمّ لذلك غمّاً شديداً، وكتمه وجعل يسوّف الدّخول، حتّى الحتّ امرأته عليه وولده وأهل بيت المرأة، فلمّا لم يجد حيلة استخار الله وقال:

____________________________

(٢) في المصدر: و.

(٣) في المصدر: النسبة.

(٤) في المصدر: وما يجري ثم.

٧ - درر اللآلي ج ١ ص ١٤.

الباب - ٨

١ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٤٢.

٢ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٤٢ باختلاف بسيط في الالفاظ.

١٧٢

لعلّ ذلك كان من الشّيطان، فادخل أهله عليه وبات ليلة دخوله قائماً يصلّي وينتظر ما يكون من الله، حتّى إذا أصبح غدا على فأصابه على أحسن حال، فحمد الله وأثنى عليه، فلمّا كان اللّيل نام فأتاه ذلك الذي كان أتاه في منامه فقال: إنّ الله عزّوجلّ دفع عن ابنك وأنسأ(١) أجله، بما صنع بالسّائل، فلمّا أصبح غدا على ابنه فقال: يا بنيّ هل كان لك صنيع صنعته بسائل في ليلة ابتنائك بامرأتك؟ فقال: وما أردت من ذلك؟ قال: تخبرني به، فاحتشم(٢) منه، فقال: لا بدّ من أن تخبرني بالخبر، قال: نعم لمـّا فرغنا ممـّا كنّا فيه من إطعام النّاس، بقيت لنا فضول كثيرة من الطّعام، وأدخلت إلى المرأة، فلمّا خلوت بها ودنوت منها، وقف سائل بالباب فقال: يا أهل الدّار واسونا ممـّا رزقكم الله، فقمت إليه وأخذت بيده وأدخلته وقرّبته إلى الطّعام، وقلت له: كلّ من الطّعام، فأكل حتّى صدر(٣) ، وقلت: ألك عيال؟ قال: نعم، قلت، فاحمل إليهم ما أردت، فحمل ما قدر عليه، وانصرف وانصرفت أنا إلى أهلي، فحمد الله أبوه، وأخبره بالخبر ».

[ ٧٩٥٩ ] ٣ - وعن عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، أنّه نظر إلى حمام مكّة، قال: « أتدرون ما سبب كون هذا الحمام في الحرم؟: قالوا: ما هو يا ابن رسول الله؟ قال: » كان في أوّل الزّمان، رجل له دار فيها نخلة قد آوى إلى خرق في جذعها حمام، فإذا فرّخ صعد الرّجل فأخذ فراخه فذبحها، فأقام بذلك دهراً طويلاً لا يبقى له نسل، فشكا ذلك

____________________________

(١) النسَأ: التاخير (مجمع البحرين - نسأ - ج ١ ص ٤١٤).

(٢) احتشم: استحى. (مجمع البحرين - حشم - ج ٦ ص ٤١).

(٣) الصَّدَر: الانصراف عن الشئ (لسان العرب - صدر - ج ٤ ص ٤٤٨) والمراد هنا الشبع.

٣ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٤٢ باختلاف يسير في الالفاظ.

١٧٣

الحمام إلى الله عزّوجلّ ممـّا ناله من الرّجل، فقيل له: إن رقى إليك بعد هذا فأخذ لك فرخاً، صرع عن النّخلة فمات، فلمّا كبرت فرخ الحمام رقى إليها الرّجل، ووقف الحمام لينظر إلى ما يصنع، فلمّا توسّط الجذع وقف سائل بالباب، فنزل فأعطاه شيئاً ثمّ ارتقى فأخذ الفراخ، ونزل بها فذبحها ولم يصبه شئ، فقال الحمام: ما هذا يا ربّ؟ فقيل له: إنّ الرّجل تلافى نفسه بالصّدقة فدفع عنه، وأنت فسوف يكثر الله في نسلك ويجعلك وإيّاهم بموضع لا يهاج(١) منهم شئ إلى أن تقوم السّاعة، وأتى به إلى الحرم فجعل فيه » وفيه برواية(٢) أخرى: « فألهمه الله عزّوجلّ المصير إلى هذا الحرم، وحرم صيده فأكثر ما ترون من نسله، وهو أوّل حمام سكن الحرم ».

[ ٧٩٦٠ ] ٤ - القطب الرّاوندي في قصص الأنبياء: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه قال: « كان ورشان يفرخ في شجرة، وكان رجل يأتيه إذا أدرك الفرخان فيأخذ الفرخين، فشكا ذلك الورشان إلى الله عزّوجلّ، فقال: إنّي سأكفيكه، فأفرخ الورشان، وجاء الرّجل ومعه رغيفان فصعد الشّجرة، وعرض له سائل فأعطاه أحد الرّغيفين، ثمّ صعد فأخذ الفرخين ونزل بهما، فسلّمه الله تعالى لمـّا تصدّق به ».

[ ٧٩٦١ ] ٥ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام ، قال: « كانوا يرون أنّ الصّدقة

____________________________

(١) لم يَهْجِه: أي لم يزعجه ولم ينفره. (لسان العرب - هيج - ج ٢ ص ٣٩٥).

(٢) دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٣٦ ح ١٢٦٧.

٤ - قصص الأنبياء ص ١٨١، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٢٦ ح ٤٠.

٥ - الجعفريات ص ٥٦.

١٧٤

يدفع بها عن الرّجل المظلوم ».

[ ٧٩٦٢ ] ٦ - وعن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « البلايا لا تتخطّى على الصّدقة، أنّ الصّدقة لتدفع سبعين باباً من السّوء ».

[ ٧٩٦٣ ] ٧ - عوالي اللآلي: عن العلّامة الحلّي في بعض كتبه، قال: مرّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يوماً بيهودي يتحطّب(١) في صحراء، فقال لأصحابه: « إنّ هذا اليهودي لتلدغه اليوم حيّة ويموت » فلما كان آخر النّهار رجع اليهودي بالحطب على رأسه على جاري عادته، فقال له الجماعة: يا رسول الله، ما عهدناك تخبر بما لم يكن! فقال: « وما ذاك؟ » قالوا: إنّك أخبرت اليوم، بأنّ هذا اليهودي تلدغه أفعى ويموت، وقد رجع، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « عليّ به » فأتي به إليه، فقال: « يا يهودي، ضع الحطب وحلّه » فحلّه فرأى فيه أفعى، فقال: « يا يهودي، ما صنعت اليوم من المعروف؟ » فقال: ما صنعت شيئاً غير إني خرجت ومعي كعكتان، فأكلت احداهما ثمّ سألني سائل فدفعت إليه الأخرى، فقال: « تلك الكعكة خلصتك من الأفعى » فأسلم على يده.

____________________________

٦ - الجعفريات:

٧ - عوالي اللآلي ج ١ ص ٣٧٣ ح ٨٧.

(١) الظاهر أن صوابه « يحتطب ».

١٧٥

٩ -( باب استحاب قناعة السّائل، ودعائه لمن أعطاه، وزيادة إعطاء القانع الشّاكر، وردّ غير القانع)

[ ٧٩٧٤ ] ١ - مجموعة الشهيد: بخطّ الشّيخ شمس الدّين محمّد بن عليّ الجباعي، قال: قال السيّد تاج الدّين بن معيّة - ورفع إسناده إلى غوث السّينسي - قال: مرّ بنا جابر بن عبدالله الأنصاري في بعض أخطاره، فاستنزلناه فنزل فبات بنا وأصبح، فلمّا علمت أنّه أنس الرّاحة، قلت له: يا جابر، هلّا أخبرتنا شيئاً من مكارم أخلاق أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ؟ فقال: كنت أنا وقنبر وعليّعليه‌السلام ، فبينا نحن قعود إذ هدف إلينا أعرابي، فقال: السّلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال عليعليه‌السلام : « عليك السلام ورحمة الله وبركاته، يا أخا العرب » فقال الاعرابي: يا أمير المؤمنين، إنّ لي إليك حاجة، قد رفعتها إلى الله قبل أن أرفعها إليك، فإن أذنت بقضائها حمدنا الله وشكرناك، وإن لم تقضها شكرنا الله وعذرناك، فقال عليعليه‌السلام : « خطّ حاجتك على الأرض، فإنّي أري أثر الفقر عليك بيّناً » فكتب على الأرض: أنا فقير، فقال عليّعليه‌السلام : « يا قنبر أعطه حلّتي » فأحضرها وأفرغها عليه، فأنشده:

كسوتني حلة تبلى محاسنها

فسوف أكسوك من حسن الغنا حللا

إن نلت حسن ثناء نلت مكرمة

ولست تبغي بما قد نلته بدلا

إنّ الثناء ليحيى ذكر صاحبه

كالغيث يحيي نداه السهل والجبلا

____________________________

الباب - ٩

١ - مجموعة الشهيد: مخطوط وفي البحار ج ٤١ ص ٣٤ ح ٧ عن أمالي الصدوق نحوه.

١٧٦

قال: فلمّا سمع كلام الاعرابي، قال: « يا أخا العرب، أما إذا كان معك هذا فادن إلى هاهنا » فلمّا دنا منه، قال: « أعطه يا قنبر من بيت مال المسلمين خمسين ديناراً » قال جابر: فقلت: يا أمير المؤمنين، أمرته أن يخطّ بين يديك، فكتب أنا فقير، فأمرت له بحلتك فافرغت عليه، فأنشد أبياتاً فرفعت منزلته إليك، وأمرت له بخمسين ديناراً، فقال عليعليه‌السلام : « نعم يا جابر، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقول: أنزلوا النّاس منازلهم ».

ورواه الصّدوق في الأمالي(١) : مسنداً، والشّيخ ابراهيم الكفعمي في كتاب مجموع الغرائب(٢) ، عن كتاب فتاوى الفتاوات، وفي روايتهما اختلاف، وقد أخرجتهما في كتابنا المسمّى بالكلمة الطّيبة.

[ ٧٩٦٥ ] ٢ - دعائم الإسلام: عن عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، أنّه كان إذا أعطى السّائل شيئاً فيسخطه(١) ، انتزعه منه وأعطاه غيره.

[ ٧٩٦٦ ] ٣ - وعن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، أنّه قال: « وكان أبيعليه‌السلام ربّما اختبر السؤال، ليعلم القانع من غيره، وإذا وقف به السّائل أعطاه الرّاس، فإن قبله قال: دعه، وأعطاه من اللّحم، وإن لم يقبله، تركه ولم يعطه شيئاً ».

[ ٧٩٦٧ ] ٤ - الحافظ البرسي في مشارق الأنوار: أنّ فقيراً سأل الصّادق

____________________________

(١) أمالي الصدوق ص ٢٢٥ ح ١٠.

(٢) مجموع الغرائب:

٢ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٤٠ ح ١٢٧٦.

(١) في المصدر: فيتَسخَّطُه.

٣ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ١٨٥ ح ٦٧٠ قطعه منه

٤ - مشارق أنوار اليقين ص ٩٣، وعنه في البحار ج ٤٧ ص ٦١.

١٧٧

عليه‌السلام ، فقال لعبده: « ما عندك؟ » قال: أربعمائة درهم، قال: « أعطه إيّاها » فأعطاه فأخذها ووليّ شاكراً، فقال لعبده: « أرجعه » فقال: يا سيّدي سئلت فأعطيت، فماذا بعد العطاء؟ فقال له: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : خير الصّدقة ما أبقت غنى(١) ، وإنّا لم نغنك، فخذ هذا الخاتم فقد أُعطيت فيه عشرة آلاف درهم، فإذا احتجت فبعه بهذه القيمة ».

[ ٧٩٦٨ ] ٥ - القطب الرّاوندي في لبّ اللّباب: روي أنّ ملك الموت دخل على سليمانعليه‌السلام ، وعنده رجل فقال: لم يبق من عمره إلّا خمسة أيّام، ثمّ تصدّق الرّجل برغيف، فقال السّائل: مدّ الله في عمرك، فزاد الله في عمره خمسين سنة.

١٠ -( باب استحباب افتتاح النّهار بالصّدقة، وافتتاح اللّيل بالصّدقة، وافتتاح الخروج في ساعة النّحوس وغيرها بالصّدقة)

[ ٧٩٦٩ ] ١ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيهعليهم‌السلام ، قال: « كانت أرض بين أبي ورجل فأراد قسمتها، وكان الرّجل صاحب نجوم، فنظر السّاعة التي فيها السّعود فخرج فيها، ونظر إلى السّاعة التي فيها النحوس فبعث إلى أبي، فلمّا اقتسما الأرض خرج خير السّهمين لأبي، فجاء صاحب النّجوم فتعجّب، فقال له أبي:

____________________________

(١) في المصدر: عني.

٥ - لبّ اللباب: مخطوط.

الباب - ١٠

١ - الجعفريات ص ٥٦.

١٧٨

مالك؟ فأخبره الخبر، فقال له أبي: أدلّك على خير ممـّا صنعت، إذا أصبحت فتصدّق بصدقة يذهب عنك نحسن ذلك اليوم، وإذا أمسيت فتصدق بصدقة يذهب عنك نحس تلك اللّيلة ».

[ ٧٩٧٠ ] ٢ - دعائم الإسلام: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه قال: « ارغبوا في الصّدقة وبكّروا بها، فما من مؤمن يتصدّق بصدقة حين يصبح، يريد بها ما عند الله، إلّا دفع الله بها عنه شرّ ما ينزل من السّماء في ذلك اليوم، أو قال: وقاه الله شرّ ما ينزل من السّماء في ذلك اليوم ».

[ ٧٩٧١ ] ٣ - وعنهعليه‌السلام ، أنّه كان له مولى بينه وبين رجل دار، فمات فورثه، فأرسل إلى الرّجل ليقسم الدّار معه، وكان الرّجل صاحب نجوم فتثاقل عن قسمتها، فتوخى السّاعة التي فيها سعوده، فجاء إلى أبي عبداللهعليه‌السلام فيها(١) ، فأرسل معه من يقاسمها(٢) ، وكان الرّجل يهوى منها سهماً، فخرج السّهم لأبي عبداللهعليه‌السلام ، فلمّا رأى ذلك الرّجل أخبره بالخبر، فقال: « أفلا أدلك على خير ممـّا قلت؟ » قال: نعم جعلني الله فداك: « تصدّق بصدقة إذا أصبحت، يذهب عنك نحس يومك، وتصدّق بصدقه إذا أمسيت، يذهب عنك نحس ليلتك، ولولا [ أن ](٣) ترى أنّ النّجم أسعدك، لتركنا حصّتنا لك من هذه الدّار ».

[ ٧٩٧٢ ] ٤ - السيّد عليّ بن طاووس في كتاب فرج المهموم: نقلاً من كتاب

____________________________

٢ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٣١ ح ١٢٥٣.

٣ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٣٢ ح ١٢٥٤.

(١) ليس في المصدر.

(٢) في المصدر: يقاسمه.

(٣) أثبتناه من المصدر.

٤ - فرج المهموم ص ١٢٤، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٢٩ ح ٥٤.

١٧٩

التجمّل، عن ابن أذينة، عن ابن أبي عمير، قال: كنت أبصر بالنّجوم وأعرفها وأعرف الطّالع، فيدخلني شئ من ذلك، فشكوت ذلك إلى أبي عبداللهعليه‌السلام ، فقال: « إذا وقع في نفسك شئ [ من ذلك ](١) فخذ شيئاً وتصدّق على أوّل مسكين تلقاه، فإنّ الله تعالى يدفع عنك ».

[ ٧٩٧٣ ] ٥ - الصّدوق في الهداية: عن الصّادقعليه‌السلام ، أنّه قال: « تصدّق واخرج أيّ يوم شئت ».

[ ٧٩٧٤ ] ٦ - الرّاوندي في لبّ اللّباب: روي أنّ عليّاًعليه‌السلام ، لم يملك غير أربعة دراهم، فتصدّق بدرهم ليلاً، وبدرهم نهاراً، وبدرهم سرّاً، وبدرهم علانية، فقال النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما حملك على هذا؟ فنزل( الّذينيُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (١) فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا أنّ لك ذلك ».

[ ٧٩٧٥ ] ٧ - محمّد بن مسعود العياشي في تفسيره: عن أبي إسحاق، قال: كان لعليّعليه‌السلام - وساق إلى قوله - ما حملك على ما صنعت؟ قال: إنجاز موعود الله، فأنزل الله الآية.

____________________________

(١) أثبتناه من المصدر.

٥ - الهداية ص ٤٥، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٣٧ ح ٧٠.

٦ - لب اللباب: مخطوط.

(١) البقرة ٢: ٢٧٤.

٧ - تفسير العياشي ج ١ ص ١٥١ ح ٥٠٢.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594