مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء ٧

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل6%

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 594

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧
  • البداية
  • السابق
  • 594 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 329471 / تحميل: 5380
الحجم الحجم الحجم
مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء ٧

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

١١ -( باب استحباب الصّدقة في السرّ، واختيارها على الصّدقة في العلانيّة)

[ ٧٩٧٦ ] ١ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الصّدقة في السرّ، تطفئ غضب الرّب عزّوجلّ ».

[ ٧٩٧٧ ] ٢ - وبهذا الأسناد قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « صنيع(١) المعروف يدفع ميتة السّوء، والصّدقة في السرّ تطفي غضب الرّب، وصلة الرّحم تزيد في العمر وتنفي الفقر، وقول لا حول ولا قوة إلّا بالله العليّ العظيم كنز من كنوز الجنّة، وهي شفاء من تسعة وتسعين داء، أدناه الهمّ ».

[ ٧٩٧٨ ] ٣ - البحار: عن كتاب الإمامة والتّبصرة: عن الحسن بن حمزة العلوي، عن عليّ بن محمّد بن محمّد بن أبي القاسم، عن أبيه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمّد، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الصّدقة في السرّ، تطفئ غضب الرّب ».

____________________________

الباب - ١١

١ - الجعفريات ص ٥٦.

٢ - الجعفريات ص ١٨٨.

(١) في المصدر: صنع.

٣ - البحار ج ٩٦ ص ١٣٧ ح ٧١ بل عن جامع الأحاديث ص ١٥.

١٨١

[ ٧٩٧٩ ] ٤ - الشّيخ الطّوسي في مجالسة: عن أحمد بن عبدون، عن عليّ بن محمّد بن الزّبير، عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن العبّاس بن عامر، عن أحمد بن رزق العمشاني، عن أبي أسامة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: « كان عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، يقول: الصّدقة (في السّر)(١) ، تطفئ غضب الرّب » الخبر.

[ ٧٩٨٠ ] ٥ - دعائم الإسلام: (عن أمير المؤمنينعليه‌السلام )، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: « إنّ صدقة السّر تطفئ غضب الرّب، فإذا تصدّق أحدكم بيمينه، فليخفها عن شماله ».

[ ٧٩٨١ ] ٦ - وعن أبي جعفرعليه‌السلام ، أنّه قال: « لمـّا أخذت في غسل أبي عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، أحضرت معي من رآه من أهل بيته، فنظروا إلى مواضع السّجود منه في ركبتيه وظاهر قدميه وبطن كفّيه وجبهته، قد غلظت من أثر السّجود حتّى صارت كمبارك البعير، وكان صلوات الله عليه يصلّي في كلّ يوم وليلة ألف ركعة، ثمّ نظروا إلى حبل عاتقه وعليه أثر قد اخشوشن، فقالوا لأبي جعفرعليه‌السلام : أمّا هذه فقد علمنا أنّها من أثر السّجود، فما هذا الّذي على عاتقه؟ قالعليه‌السلام : والله ما علم به أحد غيري، وما علمته من حيث علم إنّي علمته، ولو لا أنّه قد مات ما ذكرته، كان إذا مضى من اللّيل صدره قام وقد هدأ كلّ من في منزله، فأسبغ الوضوء وصلّى ركعتين خفيفتين، ثمّ نظر إلى كلّ ما فضل في البيت عن قوت

____________________________

٤ - أمالي الطوسي ج ٢ ص ٢٨٥، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٣٢ ح ٦٣.

(١) ليس في المصدر والبحار.

٥ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٣٠ ح ١٢٤٧ عن جعفر بن محمّدعليه‌السلام .

٦ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٣٠ ح ١٢٤٨ باختلاف يسير في الألفاظ.

١٨٢

أهله فجعله في جراب، ثمّ رمى به إلى عاتقه، وخرج محتسباً يتسلّل لا يعلم به أحد، فيأتي دوراً فيها أهل مسكنة وفقر فيفرّق ذلك عليهم وهم لا يعرفونه، إلّا أنّهم قد عرفوا ذلك عنه، فكانوا ينتظرونه، فإذا أقبل قالوا: هذا صاحب الجراب، وفتحوا أبوابهم له، ففرّق عليهم ما في الجراب وانصرف به فارغاً يبتغي بذلك فضل صدقة السّر، وفضل صدقة اللّيل، وفضل إعطاء الصّدقة بيده، ثمّ يرجع فيقوم في محرابه فيصلّي باقي ليله، فهذا الّذي ترون على عاتقه أثر ذلك الجراب ».

[ ٧٩٨٢ ] ٧ - وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « إنّ صدقة السّر لتطفئ غضب الرّب، وإنّ الصّدقة لتطفئ الخطايا كما يطفئ الماء النّار، وإنّ الصّدقة لتدفع ميتة السّوء، وإنّ صلة الرّحم لتزيد في [ الرزق و ](١) العمر وتنفي الفقر، وإنّ قول (لا إله إلّا الله، و)(٢) لا حول ولا قوّة إلّا بالله، كنز من كنوز الجنّة، وهي شفاء من تسعة وتسعين داء، أوّلها الهمّ ».

[ ٧٩٨٣ ] ٨ - وعن الحسن بن عليعليهما‌السلام ، أنّه لمـّا غسل أباه عليّاًعليه‌السلام ، نظروا إلى مواضع المساجد من ركبتيه وظاهر قدميه، كأنّها مبارك البعير، ونظروا إلى عاتقه وفيه مثل ذلك، فقالوا لأبي محمّدعليه‌السلام : يا ابن رسول الله قد عرفنا(١) أنّ هذا من إدمان [ الصلاة وطول ](٢) السّجود، فما هذا الذي [ نرى ](٣) على عاتقه؟

____________________________

٧ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٣١ ح ١٢٤٩.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) ليس في المصدر.

٨ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٤١.

(١) في المصدر: علمنا.

(٢ و ٣) أثبتناه من المصدر.

١٨٣

فقال: (أما لو لا أنّه مات)(٤) ما حدّثتكم عنه، كان لا يمرّ به يوم [ من الأيام ](٥) إلّا أشبع فيه مسكيناً فصاعداً ما أمكنه، فإذا كان اللّيل نظر إلى ما فضل عن قوت عياله [ يومهم ذلك ](٦) فجعله في جراب، فإذا هدأ النّاس وضعه على عاتقه وتخلّل المدينة، وقصد قوماً لا يسألون النّاس إلحافاً، ففرّقه فيهم من حيث لا يعلمون من هو، لا(٧) يعلم بذلك أحد من أهله غيري، فإنّي كنت اطّلعت ذلك منه، يرجو بذلك فضل إعطاء الصّدقة بيده ودفعها سرّاً، وكان يقول: إنّ صدقة السّر تطفئ غضب الرّب، (كما يطفئ الماء النّار)(٨) ».

[ ٧٩٨٤ ] ٩ - الشّيخ أبو الفتوح الرّازي في تفسيره: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « صدقة السّر تطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النّار، وتدفع سبعين باباً من البلاء ».

[ ٧٩٨٥ ] ١٠ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « في القيامة سبعة يظلّهم الله تعالى في ظلّ عرشه، يوم لا ظلّ إلّا ظلّه - وعدّصلى‌الله‌عليه‌وآله منهم - من يتصدّق بيمينه، ويخفيها عن شماله ».

[ ٧٩٨٦ ] ١١ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « المسرّ بالقرآن كالمسر بالصّدقة، والجاهر بالقرآن كالجاهر بالصّدقة ».

____________________________

(٤) في المصدر: أمّا أنّه لو كان حيّاً.

(٥ و ٦) أثبتناه من المصدر.

(٧) في المصدر: ولا.

(٨) ليس في المصدر.

٩ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٤٧٥.

١٠ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٤٧٥.

١١ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٤٧٥.

١٨٤

[ ٧٩٨٧ ] ١٢ - وعن عبدالله بن عبّاس، أنّه قال: يفضل صدقة التطوّع في السّر على الصّدقة في العلانية، بسبعين ضعفاً.

[ ٧٩٨٨ ] ١٣ - عوالي اللآلي: روى ابن عبّاس، عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّ صدقة السّر في التّطوّع تفضل علانيتها بسبعين ضعفاً، وصدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرّها بخمسة وعشرين ضعفاً.

[ ٧٩٨٩ ] ١٤ - السيد محمّد الحسيني العاملي في كتاب الإثنا عشريّة في المواعظ العدديّة: نقلاً عن كتاب لباب اللّباب، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال لرجل تمنّى الموت: « الموت شئ لا بدّ منه، وسفر طويل ينبغي لمن أراده أن يرفع عشر هدايا - إلى أن قالصلى‌الله‌عليه‌وآله - وهديّة مالك أربعة أشياء: البكاء من خشية الله، وصدقة السّر، وترك المعاصي، وبرّ الوالدين ».

١٢ -( باب استحباب الصّدقة باللّيل)

[ ٧٩٩٠ ] ١ - الصدوق في العيون: عن جعفر بن نعيم بن شاذان، عن أحمد بن إدريس، عن ابراهيم بن هاشم، عن ابراهيم بن العبّاس، قال: ما رأيت أبا الحسن الرّضاعليه‌السلام ، جفا أحداً بكلامه(١) - إلى أن قال - وكان كثير المعروف والصّدقة في السّر، وأكثر ذلك يكون منه في اللّيالي المظلمة.

____________________________

١٢ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٤٧٥.

١٣ - عوالي اللآلي ج ٢ ص ٧٢ ح ١٨٩.

١٤ - الإثنا عشريّة ص ٣٢٥.

الباب - ١٢

١ - عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ج ٢ ص ١٨٤ ح ٧.

(١) في المصدر: بكلمة وفي نسخة بكلام.

١٨٥

[ ٧٩٩١ ] ٢ - محمّد بن مسعود العيّاشي في تفسيره: عن معلّى بن خنيس، قال: خرج أبو عبداللهعليه‌السلام في ليلة قد رشت(١) ، وهو يريد ظلّة بني ساعدة، فاتبعته فإذا هو قد سقط منه شئ فقال: « بسم الله اللهم اردده علينا ». فاتيته فسلّمت عليه، فقال: « معلّى » قلت: نعم جعلت فداك، قال: « التمس بيدك فما وجدت من شئ فادفعه إليّ » فإذا أنا بخبز كثير منتشر، فجعلت أدفع إليه الرغيف والرغيفين، وإذا معه جراب أعجر(٢) من خبز، قلت: جعلت فداك أحمله عليّ، فقال: « أنا أولى به منك، ولكن أمض معي » فأتينا ظلّة بني ساعدة، فإذا نحن بقوم نيام، فجعل يدسّ الرّغيف والرّغيفين، حتّى أتى على آخرهم، حتّى إذا انصرفنا، قلت له: يعرف هؤلاء هذا الأمر؟ قال: « لا، لو عرفوا كان الواجب علينا أن نواسيهم بالدّقة - وهو الملح - إنّ الله لم يخلق شيئاً إلّا وله خازن يخزنه، إلّا الصّدقة فإنّ الرّب تبارك وتعالى يليها بنفسه - إلى أن قال - قالعليه‌السلام : أنّ صدقة اللّيل تطفئ غضب الرّب، وتمحو الذّنب العظيم، وتهون الحساب، وصدقة النّهار تنمي المال، وتزيد في العمر ».

____________________________

٢ - تفسير العياشي ج ٢ ص ١٠٧ ح ١١٤، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٢٧ ح ٤٨.

(١) الرش: المطر القليل (لسان العرب ج ٦ ص ٣٠٣).

(٢) كيس أعجر: هو الممتلئ (لسان العرب ج ٤ ص ٥٤٣)، و « أعجر من خبز » في المصدر: وأعجز عن حمله.

١٨٦

١٣ -( باب تأكّد استحباب الصّدقة في الأوقات الشّريفة، كيوم الجمعة ويوم عرفة، وشهر رمضان)

[ ٧٩٩٢ ] ١ - دعائم الإسلام: عن أبي جعفرعليه‌السلام ، أن سائلاً هتف ببابه، فقال: (يابن نبي)(١) الله وإيّاك فاعاد فقال له مثل ذلك فألحّ فقال أبو جعفرعليه‌السلام : « إن أردت فغداً إن شاء الله تعالى » وكان ذلك يوم الخميس، ثمّ قال لمن حضر من أصحابه: « إنّ الصّدقة تضاعف يوم الجمعة » وكانعليه‌السلام يتصدّق في كلّ يوم جمعة بدينار(٢) .

[ ٧٩٩٣ ] ٢ - محمّد بن علي بن شهر آشوب في المناقب: عن الرّضاعليه‌السلام ، أنّه فرق بخراسان ماله كلّه في يوم عرفة، فقال له الفضل بن سهل: إنّ هذا لمغرم، فقالعليه‌السلام : « بل هو المغنم، لا تعدّن مغرماً ما اتبعت(١) به أجراً ومكرماً ».

[ ٧٩٩٤ ] ٣ - السيّد فضل الله الرّاوندي في نوادره قال: أخبرني أبو الفتح رستم بن مسعود، عن أحمد بن ابراهيم المعروف بالأخباري، عن عليّ بن أبي خلف الطبري، عن عبدالله بن جعفر الحافظ، عن عمران بن أحمد، عن أبي محمّد سعيد، عن أحمد بن موسى، عن

____________________________

الباب - ١٣

١ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٣٥ ح ١٢٦٥.

(١) في المصدر: يغنينا.

(٢) كان في الطبعة الحجرية « بديناً » وما أثبتناه من المصدر.

٢ - المناقب لابن شهر آشوب ج ٤ ص ٣٦١، ويأتي في باب ٣٥ ذيل حديث ١.

(١) في المصدر: إبتغيت.

٣ - نوادر الراوندي، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ٣٤٥ ح ٩.

١٨٧

حمّاد بن عمرو، عن يزيد بن رفيع، عن أبي عالية، عن عبدالله بن [ مسعود ](١) قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: « من صام رمضان - إلى أن قال - ومن تصدّق في شهر رمضان بصدقة مثقال ذرّة فما فوقها،(٢) كان أثقل عند الله عزّوجلّ من جبال الأرض ذهباً، تصدّق بها في غير شهر(٣) رمضان » الخبر، ويأتي تمامه في كتاب الصّوم(٤) .

١٤ -( باب استحباب المبادرة بالصّدقة، قبل مرض الموت)

[ ٧٩٩٥ ] ١ - الحسن بن أبي الحسن الديلمي في أعلام الدّين: عن أميرالمؤمنينعليه‌السلام ، قال: « قال النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لرجل: إذا أردت أن يثري الله مالك فزكّه، وإذا أردت أن يصحّ الله بدنك فأكثر من الصّدقة ».

[ ٧٩٩٦ ] ٢ - الراوندي في دعواته: سئل الصّادقعليه‌السلام : أيّ الصّدقة أفضل؟ قال: « أن تتصدّق وأنت صحيح تشحّ(١) ، تأمل البقاء وتخاف الفقر، ولا تمهل حتّى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان ».

____________________________

(١) أثبتناه من البحار.

(٢) في البحار زيادة: إذاً.

(٣) شهر: ليست في البحار.

(٤) يأتي في الحديث ٣ من الباب ١١ من أبواب أحكام شهر رمضان.

الباب - ١٤

١ - اعلام الدين ص ٨٤، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ٢٣ ح ٥٤.

٢ - دعوات الراوندي ص ٤٤، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٨٢ ح ٢٩.

(١) في المصدر: شحيح.

١٨٨

[ ٧٩٩٧ ] ٣ - جامع الأخبار: عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « درهم يعطيه الرّجل في صحّته، خير من عتق رقبة عند الموت ».

[ ٧٩٩٨ ] ٤ - ابن أبي جمهور في درر اللآلي: وفي حديث صحيح: أتى رجل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: أنبئني بأحقّ النّاس بحسن الصحبة؟ قال: « أمّك » قال: ثمّ من؟ قال: « أمّك » قال: ثمّ من؟ قال: « أمّك » قال: ثمّ من؟ قال: « أبوك » قال: يا رسول الله، نبّئني عن مالي كيف أتصدّق به؟ قال: « تصدّق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر، وتأمل الغنى، ولا تمهل حتّى إذا كانت نفسك هيهنا - وأشار إلى حلقه - قلت: ما لي لفلان، وأعطوا فلاناً، فهو لهم وإن كره ».

١٥ -( باب كراهة ردّ السّائل الذّكر باللّيل)

[ ٧٩٩٩ ] ١ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين، عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا طرقكم سائل ذكر باللّيل فلا تردّوه ».

____________________________

٣ - جامع الأخبار ص ٢١١.

٤ - درر اللآلي ج ١ ص ١٤.

الباب - ١٥

١ - الجعفريات ص ٥٧، وأخرجه الحر العاملي « قده » في الوسائل ج ٦ ص ٢٨٢ الباب ١٧ عن الكافي ج ٤ ص ٨ ح ٢ والفقيه ج ٢ ص ٣٨ ح ١٠.

١٨٩

١٦ -( باب استحباب اختيار الصّدقة على المؤمن، على ما سواها من العبادات المندوبة)

[ ٨٠٠٠ ] ١ - الشيخ جعفر بن أحمد بن علي القمي في كتاب الغايات: عن الصّادقعليه‌السلام ، أنّه قال: « إنّ فوق كلّ صدقة صدقة، والصّدقة على فقراء المؤمنين أفضل(١) ».

١٧ -( باب استحباب الصّدقة ولو على غير المؤمن، حتّى دواب البرّ والبحر، وعلى الذّمّي عند ضرورته، كشدّة العطش)

[ ٨٠٠١ ] ١ - الشّريف الزّاهد أبو عبدالله محمّد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمان العلوي الحسيني في كتاب التّعازي: بإسناده عن محمّد بن منصور، عن راشد الطّويل، عن أبي شريع، قال: سمعت جعفراًعليه‌السلام وهو يقول لأزوي غلام أبي بكر: « يا أزوي، هل عندك شئ تتصدّق به؟ » قال: يا سيّدي ما نلت من صدقة علّمها من أين أصدّق؟ قال: « قصدني رجل إلى المسجد، ذكر أنّه ما طعم طعاماً منذ يومين ولا عياله » قال أزوي: فخرجت فرأيت رجلاً من موالي آل تيم، ممّن كان يفتري على آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدخلت وقلت له: رأيتك مغموماً بهذا السّائل، ألا أبشرّك؟ قال لي: « قل » قلت: أنّه من أعدائكم، فلا تغتم عليه، فصاح: « يا محمّد - فخرج عليه مسرعاً - فقال: هلمّ بخاتمي - فجاء بخاتمين -

____________________________

الباب - ١٦

١ - الغايات ص ٧٧.

(١) في المصدر: أفضل الصدقة.

الباب - ١٧

١ - التعازي:

١٩٠

وقال: أدخله عليّ فأدخلته » فأخذ الخاتمين ودفعهما إليه، ثمّ قال لي: « يا أزوي، إنّ الصّدقة فريضة من الله حين وجودها، ولا سيّما من يظنّ بك الخير ».

[ ٨٠٠٢ ] ٢ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : دخلت الجنّة، فرأيت فيها صاحب الكلب الذي أرواه من الماء ».

[ ٨٠٠٣ ] ٣ - وبهذا الأسناد: عن عليعليه‌السلام ، قال: « بينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يتوضّأ إذ لاذ به هرّ البيت، فعرف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه عطشان، فأصغى إليه الإناء، حتّى شرب منه الهرّ، ثمّ توضّأ بفضله ».

[ ٨٠٠٤ ] ٤ - الشيخ المفيد في الاختصاص: عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن عبد الرحمان بن أبي هاشم، عن سالم بن مكرم، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: « كان عليّ بن الحسينعليهما‌السلام مع أصحابه في طريق مكّة، فمرّ به ثعلب وهم يتغدّون، فقال عليّ بن الحسينعليهما‌السلام لهم: هل لكم أن تعطوني موثقاً من الله لا تهيّجون هذا الثّعلب، حتّى أدعوه فيجئ إلينا؟ فحلفوا له، فقال: يا ثعلب تعال - أو قال: أئتنا - فجاء الثّعلب حتّى وقع بين يديه، فطرح إليه عراقاً(١) فولّى به ليأكله، فقال: هل لكم أن تعطوني موثقاً

____________________________

٢ - الجعفريات ص ١٤٢.

٣ - الجعفريات ص ١٣.

٤ - الاختصاص ص ٢٩٧.

(١) العراق: العظام إذا لم يكن عليها شئ من اللحم وإذا جردت من اللحم (لسان العرب ج ١٠ ص ٢٤٥).

١٩١

من الله وأدعوه أيضاً فيجئ؟ فأعطوه، فدعا فجاء، (فكلح رجل)(٢) في وجهه، فخرج يعدو، فقال عليّ بن الحسينعليهما‌السلام : (من الذي حفر)(٣) ذمّتي؟ فقال رجل منهم: يا ابن رسول الله، كلحت(٤) في وجهه ولم أدر، فاستغفر الله، فسكت ».

[ ٨٠٠٥ ] ٥ - البحار: عن بعض كتب المناقب المعتبرة: بإسناده عن نجيح قال: رأيت الحسن بن عليعليهما‌السلام يأكل، وبين يديه كلب، كلّما أكل لقمة طرح للكلب مثلها، فقلت له: يا ابن رسول الله، ألا أرجم هذا الكلب عن طعامك؟ قال: « دعه، إنّي لأستحي من الله تعالى، أن يكون ذو روح ينظر في وجهي وأنا آكل، ثمّ لا أطعمه ».

[ ٨٠٠٦ ] ٦ - السّيد ولي الله الرّضوي في مجمع البحرين في مناقب السّبطين: عن الحسن البصري قال: كان الحسينعليه‌السلام سيّداً زاهداً، ورعاً صالحاً ناصحاً، حسن الخلق، فذهب ذات يوم مع أصحابه إلى بستان له، وكان في ذلك البستان غلام يقال له: صافي، فلمّا قرب من البستان، رأى الغلام يرفع الرّغيف فيرمي بنصفه إلى الكلب ويأكل نصفه، فتعجب الحسينعليه‌السلام من فعل الغلام، فلمّا فرغ من الأكل قال: الحمد الله ربّ العالمين، اللهم اغفر لي ولسيدي، وبارك له كما باركت على أبويه، يا أرحم الرّاحمين، فقام الحسينعليه‌السلام ونادى: « يا صافي » فقام الغلام فزعاً وقال: يا سيدي، وسيّد المؤمنين إلى يوم القيامة، إنّي ما رأيتك فاعف عنّي،

____________________________

(٢) في المصدر: كلح رجل منهم.

(٣) في المصدر: أيكم الذي خفر.

(٤) وفيه: أنا كلحت.

٥ - البحار ج ٤٣ ص ٣٥٢ ح ٢٩.

٦ - مجمع البحرين في مناقب السبطين:

١٩٢

فقال الحسينعليه‌السلام : « إجعلني في حل يا صافي، دخلت بستانك بغير إذنك » فقال صافي: بفضلك وكرمك وسؤددك، تقول هذا، فقال الحسينعليه‌السلام : « إنّي رأيتك ترمي بنصف الرّغيف إلى الكلب وتأكل نصفه، فما معنى ذلك؟ » فقال الغلام: يا سيّدي، إنّ الكلب ينظر إليّ حين آكل، فإنّي أستحيي منه لنظره إليّ، وهذا كلبك يحرس بستانك من الأعداء، وأنا عبدك، وهذا كلبك، نأكل من رزقك معاً، فبكى الحسينعليه‌السلام ، ثمّ قال: « إن كان كذلك، فأنت عتيق لله » ووهب له ألف دينار، فقال الغلام: إن اعتقتني فإنّي أريد القيام ببستانك، فقال الحسينعليه‌السلام : « إنّ الكريم إذا تكلّم بكلام ينبغي أن يصدّقه بالفعل، البستان أيضاً وهبته لك، وإنّي لمـّا دخلت البستان، قلت: إجعلني في حلّ فإنّي قد دخلت بستانك بغر إذنك، كنت قد وهبت البستان بما فيه، غير أن هؤلاء اصحابي لاكلهم الثّمار والرّطب، فاجعلهم أضيافك وأكرمهم لأجلي أكرمك الله يوم القيامة، وبارك لك في حسن خلقك ورأيك » فقال الغلام: إن وهبت لي بستانك، فإنّي قد سبلته لأصحابك.

١٨ -( باب تأكّد استحباب الصّدقة على ذي الرّحم والقرابة، ولو كان شيخاً، وحكم من أراد الصّدقة على شخص، ثمّ أراد العدول عنه)

[ ٨٠٠٧ ] ١ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين، عن أبيه، عن عليّعليهم‌السلام ، قال: « قيل يا رسول الله أيّ

____________________________

الباب - ١٨

١ - الجعفريات ص ٥٥.

١٩٣

الصّدقة أفضل؟ قال: على ذي الرّحم الكاشح(١) ».

[ ٨٠٠٨ ] ٢ - وبهذا الإسناد: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لسراقة بن مالك بن خثعم: « يا سراقة بن مالك، ألا أدلّك على أفضل الصّدقة؟ قال: بلى بأبي أنت وأمّي يا رسول الله، قال: أفضل الصّدقة على أختك وابنتك، مردودة عليك، ليس لهما كاسب غيرك » ورواه في موضع آخر، بلفظ: على أختيه وأبيك.

ورواه الرّاوندي(١) في نوادره: بسنده عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مثله.

[ ٨٠٠٩ ] ٣ - وبهذا الإسناد قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « صلة الرّحم، تزيد في العمر، وتنفي الفقر ».

[ ٨٠١٠ ] ٤ - وبهذا الإسناد قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الصّدقة بعشر، والقرض بثمانية عشر، وصلة الإخوان بعشرين، وصلة الرّحم بأربعة وعشرين ».

[ ٨٠١١ ] ٥ - الشّيخ أبو الفتوح الرّازي في تفسيره: عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « اليد العليا خير من اليد السّفلى، إبدأ بمن تعول: أمّك، وأباك، وأختك، وأخاك، وأدناك فأدناك ».

____________________________

(١) الكاشح: الذي يضمر لك العدواة (مجمع البحرين ج ٢ ص ٤٠٧).

٢ - الجعفريات ص ٥٥.

(١) نوادر الراوندي ص ٣، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٨٠ ح ٣٧.

٣ - الجعفريات ص ٥٥.

٤ - الجعفريات ص ١٨٨.

٥ - تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٣٥٤.

١٩٤

[ ٨٠١٢ ] ٦ - وفيه: أنّه أتى رجل عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: عندي دينار، فقال: « إذهب وأنفقه على نفسك » فقال: عندي آخر، قال: « إذهب وأنفقه على ولدك » فقال: عندي آخر، فقال: « إذهب وأنفقه على أصدقائك » فقال: عندي آخر، فقال: « أنفقه حيثما تعلم ».

[ ٨٠١٣ ] ٧ - وفيه عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « صدقتك على الفقير صدقة، وعلى الأقرباء صدقتان، لأنّها صدقة وصلة الرّحم ».

[ ٨٠١٤ ] ٨ - جعفر بن أحمد القمي في كتاب الغايات: عن حكيم بن خرام، قال: سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقلت: أيّ الصّدقة؟ قال: « على ذي رحم كاشح ».

[ ٨٠١٥ ] ٩ - وعن الصّادقعليه‌السلام : « افضل الصّدقة صدقة في(١) اللّيل، إلى ذي رحم كاشح ».

[ ٨٠١٦ ] ١٠ - العلّامة الحلّي في الرسالة السّعدية، وابن أبي جمهور في عوالي اللآلي: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « الصّدقة على خمسة أجزاء، جزء الصّدقة فيه بعشرة، وهي الصّدقة على العامّة، وقال تعالى:( مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ) (١) وجزء الصّدقة فيه

____________________________

٦ - تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٣٥٤.

٧ - تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٣٥٤.

٨ - الغايات ص ٧٧.

٩ - الغايات ص ٧٧.

(١) في المصدر: صدقة سر بالليل.

١٠ - الرسالة السعدية، عوالي اللآلي ج ١ ص ٣٥٤ ح ٢١.

(١) الأنعام ٦: ١٦٠.

١٩٥

بسبعين، وهي الصّدقة على ذوي العاهات، وجزء الصّدقة فيه بسبعمائة، وهي الصّدقة على ذوي الأرحام، وجزء الصّدقة بسبعة آلاف، وهي الصّدقة على العلماء، وجزء الصّدقة بسبعين ألفاً، وهي الصّدقة على الموتى ».

[ ٨٠١٧ ] ١١ - البحار، عن كتاب الإمامة والتّبصرة: عن الحسن بن حمزة العلوي، عن عليّ بن محمّد بن أبي القاسم، عن أبيه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمّد، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الصّدقة [ على مسكين صدقة ](١) : وهي على ذي رحم صدقة وصلة ».

[ ٨٠١٨ ] ١٢ - الشّيخ المفيد في الاختصاص: عن عبد الرحمان بن أبي نجران، عن هشام بن سالم، عن الحسن بن علي الحلال، قال: [ أخبرني جدي قال ](١) : سمعت الحسين بن عليعليهما‌السلام ، يقول: « سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقول: لا صدقة وذو رحم محتاج ».

____________________________

١١ - البحار ج ٩٦ ص ١٣٧ ح ٧١ بل عن جامع الاحاديث ص ١٥.

(١) أثبتناه من المصدر.

١٢ - الاختصاص ص ٢١٩، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٤٧ ح ٩٣.

(١) أثبتناه من المصدر والبحار.

١٩٦

١٩ -( باب جواز الصّدقة على المجهول الحال بالقليل، واستحبابها على من وقعت له الرّحمة في القلب، وعدم جواز الصّدقة على من عرف بالنّصب أو نحوه)

[ ٨٠١٩ ] ١ - زيد النّرسي في أصله: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: سئل إذا لم نجد أهل الولاية، يجوز لنا أن نصدق على غيرهم؟ فقال: « إذا لم تجدوا أهل الولاية في المصر تكونون فيه، فابعثوا بالزكاة المفروضة إلى أهل الولاية من غير أهل مصركم، وأمّا ما كان في سوى المفروض(١) من صدقة، فإن لم تجدوا أهل الولاية، فلا عليكم أن تعطوه الصّبيان، ومن كان في مثل عقول الصّبيان، ممّن لا ينصب ولا يعرف ما أنتم عليه فيعاديكم، ولا يعرف خلاف ما أنتم عليه فيتبعه ويدين به، وهم المستضعفون من الرّجال والنّساء والولدان، أن(٢) تعطوهم دون الدّرهم ودون الرّغيف، وأمّا الدّرهم التّام فلا تعطى إلّا أهل الولاية » (قال: فقال: جعلت فداك، فما تقول في السّائل يسأل على الباب، وعلى الطّريق، ونحن لا نعرف ما هو؟ فقال: » لا تعطه ولا كرامة، ولا تعط غير أهل الولاية)(٣) ، إلّا أن يرقّ قلبك عليه فتعطيه الكسرة من الخبز، والقطعة من الورق، فأمّا النّاصب فلا يرقنّ قلبك عليه، ولا تطعمه ولا تسقه وإن مات جوعاً أو عطشاً، ولا تغثه، وإن كان غرقاً أو حرقاً فاستغاث فغطه ولا تغثه، فإنّ أبي نعم المحمّدي، كان يقول: من أشبع ناصباً ملأ الله جوفه ناراً يوم القيامة، معذّباً كان أو مغفوراً له ».

____________________________

الباب - ١٩

١ - أصل زيد النرسي ص ٥١.

(١) في المصدر: المفروضة.

(٢ و ٣) ليس في المصدر.

١٩٧

[ ٨٠٢٠ ] ٢ - الشّيخ الجليل أبو علي محمّد بن همام في كتاب التّمحيص: بإسناده عن معاوية بن عمّار قال: دخلت على أبي عبداللهعليه‌السلام ، وقد كانت الرّيح حملت العمامة عن رأسي في البدو، قال: « معاوية » فقلت: لبّيك، جعلت فداك يا ابن رسول الله، قال: « حملت الرّيح العمامة عن رأسك » قلت: نعم، قال: « هذا جزاء من أطعم الأعراب ».

[ ٨٠٢١ ] ٣ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين، عن أبيه، عن عليّعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أُنظروا إلى السّائل، فإن رقّت قلوبكم له فهو صادق ».

[ ٨٠٢٢ ] ٤ - العيّاشي في تفسيره: عن حريز، عن برير، قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : أطعم رجلاً سائلاً لا أعرفه(١) قال: « نعم أطعمه ما لم تعرفه بولاية ولا بعداوة، إنّ الله يقول:( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ) (٢) ولا تطعم من ينصب لشئ من الحقّ، أو دعا إلى شئ من الباطل ».

____________________________

٢ - كتاب التمحيص ص ٣٧ ح ٣١، وعنه في البحار ج ٧٣ ص ٣٦٢ ح ٩١.

٣ - الجعفريات ص ٥٧.

٤ - تفسير العياشي ج ١ ص ٤٨ ح ٦٤.

(١) في المصدر: لا أعرفه مسلماً.

(٢) البقرة ٢: ٨٣.

١٩٨

٢٠ -( باب كراهة ردّ السّائل ولو ظنّ غناه، بل يعطيه شيئاً ولو يسيراً أو يعده به، فإن لم يجد شيئاً ردّه رداً جميلاً)

[ ٨٠٢٣ ] ١ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : السّائل رسول ربّ العالمين ليبتلي به، فمن أعطاه فقد اعطى الله، ومن ردّه فقد ردّ الله تعالى ».

ورواه في الدّعائم(١) : مثله.

[ ٨٠٢٤ ] ٢ - وبهذا الأسناد قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تردّوا السّائل، ولو بظلف محترق ».

[ ٨٠٢٥ ] ٣ - وبهذا الأسناد قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لو لا أنّ المساكين يكذبون، ما أفلح من ردّهم ».

ورواه في الدّعائم(١) : مثله، وزاد في آخره: « فلا تردوا سائلاً ».

[ ٨٠٢٦ ] ٤ - وبهذا الأسناد قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تقطعوا على السّائل مسألته، دعوه فليشكو بثّه وليخبر حاله(١) ».

____________________________

الباب - ٢٠

١ - الجعفريات ص ٥٧.

(١) دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٣٢ ح ١٢٥٥.

٢ - الجعفريات ص ٥٧.

٣ - الجعفريات ص ٥٧.

(١) دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٣٢ ح ١٢٥٧.

٤ - الجعفريات ص ٥٧.

(١) في المصدر: بحاله.

١٩٩

[ ٨٠٢٧ ] ٥ - وبهذا الأسناد قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: « إنّ من مكارم الأخلاق: صدق الحديث، وإعطاء السّائل » الخبر.

[ ٨٠٢٨ ] ٦ - وبهذا الأسناد قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من سألكم بالله تعالى، فاعطوه » الخبر.

[ ٨٠٢٩ ] ٧ - دعائم الإسلام: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « ردّوا السّائل ولو بظلف محترق ». وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام (١) ، أنّه قال: « ردّوا السّائل ولو بشقّ تمرة، واعطوا السّائل ولو جاء على فرس ».

[ ٨٠٣٠ ] ٨ - وعنهعليه‌السلام ، أنّه قال: « ربّما ابتلى الله أهل البيت بالسّائل، ما هو من الجنّ ولا من الإنس، ليبلوهم به، وأنّ لله ملائكة في صورة الإنس يسألون بني آدم، فإذا أعطوهم شيئاً أعطوه المساكين ».

[ ٨٠٣١ ] ٩ - وعن أبي جعفرعليه‌السلام ، أنّه قال يوماً لبعض أهله: « لا تردّوا سائلاً » فقال له رجل كان بحضرته من أصحابه: يا ابن رسول الله، أنّه قد يسأل من لا يستحق، قال: « نخشى أن يردّوا من رأوا أنّه لا يستحق، ويكن ممّن يستحق، فينزل بهم - وأعوذ بالله - ما نزل

____________________________

٥ - الجعفريات ص ١٥١.

٦ - الجعفريات ص ١٥٢.

٧ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٣٢ ح ١٢٥٦.

(١) نفس المصدر ج ١ ص ٢٤٣.

٨ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٣٣ ح ١٢٦٠.

٩ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٣٣ ح ١٢٦١ باختلاف في اللفظ.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

الموقف التاسع:

شروطهعليه‌السلام على المأمون لقبول ولاية العهد، وهي:

((أن لا يولي أحداً، ولا يعزل أحداً، ولا ينقض رسماً، ولا يغير شيئاً مما هو قائم، ويكون في الأمر مشيراً من بعيد)) (١) ، فأجابه المأمون إلى ذلك كله!!!.

وفي ذلك تضييع لجملة من أهداف المأمون.. إذ إن:

١ ـ السلبية تعني الاتهام:

فإن من الطبيعي أن تثير سلبيته هذه الكثير من التساؤلات لدى الناس، ولسوف تكون سبباً في وضع علامات استفهام كبيرة، حول الحكم، والحكام. وكل أعمالهم وتصرفاتهم، إذ إن السلبية إنما تعني: أن نظام الحكم لا يصلح حتى للتعاون معه، بأي نحو من أنحاء التعاون، وإلا فلماذا يرفض ـ حتى ولي العهد ـ التعاون مع نظام هو ولي العهد فيه، ويأبى التأييد لأي من تصرفاته وأعماله؟!.

____________

(١) الفصول المهمة، لابن الصباغ المالكي ص ٢٤١، ونور الأبصار من ص ١٤٣، وعيون أخبار الرضا ج ١ ص ٢٠، و ج ٢ ص ١٨٣، ومواضع أخرى، ومناقب آل أبي طالب ج ٤ ص ٣٦٣، وعلل الشرايع ج ١، ص ٢٣٨، وإعلام الورى ص ٣٢٠، والبحار ج ٤٩ ص ٣٤ و ٣٥، وغيرها، وكشف الغمة ج ٣ ص ٦٩، وإرشاد المفيد ص ٣١٠، وأمالي الصدوق ص ٤٣، وأصول الكافي ص ٤٨٩، وروضة الواعظين ج ١ ص ٢٦٨، ٢٦٩، ومعادن الحكمة ص ١٨٠، وشرح ميمية أبي فراس ص ١٦٥.

٣٠١

٢ ـ رفض الاعتراف بشرعية ذلك النظام:

ولقد قدمنا: أن من جملة أهداف المأمون هو أن يحصل من الإمامعليه‌السلام على اعتراف ضمني بشرعية حكمه وخلافته، كما صرح هو نفسه بذلك (وليعترف بالملك، والخلافة لنا).

والإمام.. بشروطه تلك يكون قد رفض الاعتراف بشرعية النظام القائم. بأي نحو من أنحاء الاعتراف، ولم يعد قبوله بولاية العهد يمثل اعترافا بذلك، ولا يدل على أن ذلك الحكم يمثل الحكم الإسلامي الأصيل.

هذا.. وقد عضد شروطه هذه، بسلوكه السلبي مع المأمون، والهيئة الحاكمة، طيلة فترة ولاية العهد، يضاف إلى ذلك تصريحاته المتكررة، التي تحدثنا عنها فيما سبق.

٣ ـ النظام القائم لا يمثل وجهة نظره في الحكم:

والأهم من كل ذلك: أن شروطه هذه كانت بمثابة الرفض القاطع لتحمل المسؤولية عن أي تصرف يصدر من الهيئة الحاكمة. وليس للناس ـ بعد هذا ـ أن ينظروا إلى تصرفات وأعمال المأمون وحزبه، على أنها تحظى برضى الإمامعليه‌السلام وموافقته. ولا يمكن لها ـ من ثم ـ أن تعكس وجهة نظرهعليه‌السلام في الحكم ورأيه في أساليبه، التي هي في الحقيقة وجهة نظر الإسلام الصحيح فيه. الإسلام.. الذي يعتبر الأئمةعليه‌السلام الممثلين الحقيقيين له، في سائر الظروف، ومختلف المجالات..

وانطلاقاً مما تقدم: نراهعليه‌السلام يرفض ما كان يعرضه عليه المأمون، من: كتابة بتولية أو عزل إلى أي إنسان.. ويرفض أيضاً: أن يؤم الناس في الصلاة مرتين.. إلى آخر ما سيأتي بيانه.

وفي كل مرة كان يرفض فيها مطالب المأمون هذه نراه يحتج عليه بشروطه تلك، فلا يجد المأمون الحيلة لما يريده، وتضيع الفرصة من يده، ولا بد من ملاحظة: أنه عندما أصر عليه المأمون بأن يؤم الناس في الصلاة، ورأىعليه‌السلام : أنه لا بد له من قبول ذلك ـ نلاحظ ـ: أنه اشترط عليه أن يخرج كما كان يخرج جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا كما يخرج الآخرون..

٣٠٢

ولم يكن المأمون يدرك مدى أهمية هذا الشرط، ولا عرف أهداف الإمام من وراء اشتراطه هذا، فقال له ولعله بدون اكتراث: أخرج كيف شئت.. وكانت نتيجة ذلك.. أنهعليه‌السلام قد أفهم الناس جميعاً:

أن سلوكه وأسلوبه، وحتى مفاهيمه، تختلف عن كل أساليب ومفاهيم وسلوك الآخرين. وأن خطه هو خط محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنهاجه هو منهاج عليعليه‌السلام ، ربيب الوحي، وغذي النبوة، وليس هو خط المأمون وسواه من الحكام، الذين اعتاد الناس عليهم، وعلى تصرفاتهم وأعمالهم.

ولم يعد يستطيع المأمون، أن يفهم الناس: أن الحاكم: من كان، ومهما كان، هذا هو سلوكه، وهذه هي تصرفاته. وأن كل شخصية: من ومهما كانت، وإن كانت قبل أن تصل إلى الحكم تتخذ العدل، والحرية: والمساواة، وغير ذلك شعارات لها، إلا أنها عندما تصل إلى الحكم، لا يمكن إلا أن تكون قاسية ظالمة، مستأثرة بكل شيء، ومستهترة بكل شيء، ولذا فليس من مصلحة الناس أن يتطلعوا إلى حكم أفضل مما هو قائم، حتى ولو كان ذلك هو حكم الإمامعليه‌السلام المعروف بعلمه وتقواه وفضله الخ.. فضلاً عن غيره من العلويين أو من غيرهم ـ لم يعد يستطيع أن يقول ذلك ـ لأن الواقع الخارجي قد أثبت عكس ذلك تماماً، إذ قد رأينا: كيف أن الإمامعليه‌السلام بشروطه تلك، وبسائر مواقفه من المأمون ونظام حكمه.. يضيع على المأمون هذه الفرصة، ولم تجده محاولاته فيما بعد شيئاً، بل إن كثيراً منها كان سوءا ووبالاً عليه، كما سيأتي.

٤ ـ لا مجال بعد للمأمون لتنفيذ مخططاته:

ولعل من الواضح: أن شروطه تلك قد مكنته من أن يقطع الطريق على المأمون، ولا يمكنه من استغلال الظروف لتنفيذ بقية حلقات مؤامرته، إذ لم يعد بإمكانه أن يصر على الإمام أن يقوم بأعمال تنافي وتضر بقضيته هو، وقضية العلويين، ومن ثم تؤثر على الأمة بأسرها.. وعدا عن ذلك فإن هذه الشروط، قد حفظت لهعليه‌السلام حياته في حمام سرخس، حيث كان المأمون قد حاك مؤامرته للتخلص من وزيره وولي عهده مرة واحدة، كما سيأتي بيانه.. مما يعني أن سلبيتهعليه‌السلام مع النظام كانت أمراً لابد منه، إذا أراد أن لا يعرض نفسه إلى مشاكل، وأخطار هو في غنى عنها.. والذي أمن له هذه السلبية ليس إلا شروطه تلك، التي جعلت من لعبة ولاية العهد لعبة باهتة مملة لا حياة فيها، ولا رجاء..

٣٠٣

ولعل الأهم من كل ذلك.. أنها ضيعت على المأمون الكثير من أهدافه من البيعة، التي صرح الإمامعليه‌السلام أنه كان عارفاً بها، ولم يكن له خيار في تحملها، والصبر عليها، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

وعدا عن ذلك كله أن تعاونه مع النظام إنما يعني أن يحاول تصحيح السلوك، وتلافي الأخطاء، التي كان يقع فيها الحكم، والهيئة الحاكمة. وذلك معناه أن ينقلب جهاز الحكم كله ضد الإمام، ويجد المأمون ـ من ثم ـ العذر، والفرصة لتصفيتهعليه‌السلام من أهون سبيل، فشروطه تلك أبعدت عنه الخطر ـ إلى حد ما ـ الذي كان يتهدده من قبل المأمون وأشياعه، وجعلته ـ كما قلنا ـ في منأى ومأمن من كل مؤامراتهم ومخططاتهم.

٥ ـ الإمام.. لا ينفذ إرادات الحكم:

ولعل من الأهمية بمكان.. أن نشير إلى أنهعليه‌السلام كان يريد بشروطه تلك أن يفهم المأمون: أنه ليس على استعداد لتنفيذ إرادات الحكم، والحاكم، ولا على استعداد لأن يقتنع بالتشريفات، والأمور الشكلية، فإنه.. بصفته القائد والمنقذ الحقيقي للأمة، لا يمكن أن يرضى بديلاً عن أن ينقذ الأمة، ويرتفع بها من مستواها الذي أوصلها إليه الطواغيت والظلمة، الذين جلسوا في مكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأوصيائهعليهم‌السلام ، وحكموا بغير ما أنزل الله.

إنه يريد أن يخدم الأمة، ويحقق لها مكاسب تضمن لها الحياة الفضلى، والعيش الكريم، ولا يريد أن يخدم نفسه، ويحقق مكاسب شخصيته على حساب الآخرين، ولذلك فهو لا يستطيع أن يقتنع بالسطحيات والشكليات التي لا تسمن، ولا تغني من جوع..

٦ ـ لا زهد أكثر من هذا:

إنه مضافاً إلى أن مجرد رفض الإمام كلا عرضي المأمون: الخلافة، وولاية العهد، دليل قاطع على زهده فيه. فإن هذه الشروط كان لها عظيم الفائدة، وجليل الأثر في الإظهار لكل أحد أن الإمام ليس رجل دنيا، ولا طالب جاه ومقام. وما أراده المأمون من إظهار الإمام على أنه لم يزهد بالدنيا، وإنما الدنيا هي التي زهدت فيه.. لم يكن إلا هباء اشتدت به الريح في يوم عاصف.. ولم تفلح بعد محاولات المأمون وعمله الدائب، من أجل تشويه الإمام والنيل من كرامته.

٣٠٤

ولقد قدمنا: أن الإمامعليه‌السلام قد واجه نفس المأمون بحقيقة نواياه، وأفهمه أن خداعه لن ينطلي عليه، ولن تخفى عليه مقاصده، ولذا فإن من الأفضل والأسلم له أن يكف عن كل مؤامراته ومخططاته.. وإلا فإنه إذا ما أراد إجبار الإمام على التعاون معه، فلسوف يجد أنهعليه‌السلام على استعداد لفضحه، وكشف حقيقته وواقعه أمام الملأ، وإفهام الناس السبب الذي من أجله يجهد المأمون ليزج بالإمامعليه‌السلام في مجالات لا يرغب، بل واشترط عليه أن لا يزج فيها ـ كما فعل في مناسبات عديدة ـ الأمر الذي لن يكون أبداً في صالح المأمون، ونظام حكمه..

ومن هنا رأيناهعليه‌السلام يجيب الريان عندما سأله عن سر قبوله بولاية العهد، وإظهاره الزهد بالدنيا ـ يجيبه ـ: ببيان أنه مجبر على هذا الأمر، ويذكره بالشروط هذه، التي يعني أنه قد دخل فيه دخول خارج منه، كما تقدم..

وهكذا.. وبعد أن كانعليه‌السلام سلبياً مع النظام، وبعد رفضه لكلا عرضي المأمون، وبعد أن اشترط هذه الشروط للدخول في ولاية العهد، فليس من السهل على المأمون، ولا على أي إنسان آخر أن ينسب إليهعليه‌السلام : أنه رجل دنيا فقط، وأنه ليس زاهدا في الدنيا، وإنما هي التي زهدت فيه.

وعلى كل حال: ورغم كل محاولات المأمون تلك.. فقد استطاع الإمامعليه‌السلام ، بفضل وعيه، ويقظته، وإحكام خطته: أن يبقى القمة الشامخة للزهد، والورع، والنزاهة، والطهر، وكل الفضائل الإنسانية، وإلى الأبد.

الموقف العاشر:

موقفهعليه‌السلام في صلاتي العيد.. ففي إحداهما:

(بعث المأمون له يسأله: أن يصلي بالناس صلاة العيد، ويخطب، لتطمئن قلوب الناس، ويعرفوا فضله، وتقر قلوبهم على هذه الدولة المباركة، فبعث إليه الرضاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال:((قد علمت ما كان بيني وبينك من الشرط في دخولي في هذا الأمر، فأعفني من الصلاة بالناس، فقال المأمون: إنما أريد بهذا أن يرسخ في قلوب العامة، والجند، والشاكرية هذا الأمر، فتطمئن قلوبهم، ويقروا بما فضلك الله تعالى به..

٣٠٥

ولم يزل يراده الكلام في ذلك. فلما ألح عليه قال:يا أمير المؤمنين، إن أعفيتني من ذلك، فهو أحب إلي، وإن لم تعفني خرجت كما كان يخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكما خرج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام )) قال المأمون: أخرج كيف شئت..

وأمر المأمون القواد، والحجاب، والناس: أن يبكروا إلى باب أبي الحسنعليه‌السلام ، فقعد الناس لأبي الحسن في الطرقات، والسطوح: من الرجال، والنساء، والصبيان، وصار جميع القواد، والجند إلى بابهعليه‌السلام ، فوقفوا على دوابهم حتى طلعت الشمس.

فلما طلعت الشمس قام الرضاعليه‌السلام فاغتسل، وتعمم بعمامة بيضاء من قطن، وألقى طرفاً منها على صدره، وطرفاً بين كتفيه، ومس شيئاً من الطيب، وتشمر. ثم قال لجميع مواليه:((افعلوا مثل ما فعلت)) .

ثم أخذ بيده عكازة، وخرج، ونحن بين يديه، وهو حاف قد شمر سراويله إلى نصف الساق، وعليه ثياب مشمرة..

فلما قام، ومشينا بين يديه، رفع رأسه إلى السماء، وكبر أربع تكبيرات، فخيل إلينا: أن الهواء والحيطان تجاوبه، والقواد والناس على الباب، قد تزينوا، ولبسوا السلاح، وتهيئوا بأحسن هيئة..

فلما طلعنا عليهم بهذه الصورة: حفاة، قد تشمرنا. وطلع الرضا وقف وقفة على الباب، وقال:((.. الله أكبر، الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام، والحمد لله على ما أبلانا)) . ورفع بذلك صوته، ورفعنا أصواتنا.

فتزعزعت مرو بالبكاء، فقالها: ثلاث مرات، فلما رآه القواد والجند على تلك الصورة، وسمعوا تكبيره سقطوا كلهم من الدواب إلى الأرض، ورموا بخفافهم، وكان أحسنهم حالاً من كان معه سكين قطع بها شرابة جاجيلته ونزعها، وتحفى.. وصارت مرو ضجة واحدة، ولم يتمالك الناس من البكاء والضجة.

فكان أبو الحسن يمشي، ويقف في كل عشر خطوات وقفة يكبر الله أربع مرات: فيتخيل إلينا: أن السماء، والأرض، والحيطان تجاوبه.

وبلغ المأمون ذلك، فقال له الفضل بن سهل ذو الرئاستين: يا أمير المؤمنين: إن بلغ الرضا المصلى على هذا السبيل افتتن به الناس، وخفنا كلنا على دمائنا، فالرأي أن تسأله أن يرجع..

٣٠٦

فبعث المأمون إلى الإمام يقول له: إنه قد كلفه شططا، وأنه ما كان يحب أن يتعبه، ويطلب منه: أن يصلي بالناس من كان يصلي بهم..

فدعا أبو الحسن بخفه، فلبسه، ورجع.

واختلف أمر الناس في ذلك اليوم، ولم ينتظم في صلاتهم إلخ..)(١) .

ولقد قال البحري يصف هذه الحادثة والظاهر أنه يمين بن معاوية العائشي الشاعر على ما في تاج العروس:

ذكـروا بطلعتك النبي، فهللوا

لما طلعت من الصفوف وكبروا

حتى انتهيت إلى المصلى لابساً

نـور الهدى يبدو عليك فيظهر

ومـشيت مشية خاشع متواضع

لـله، ولا يـزهى، ولا يـتكبر

ولـوان مـشتاقا تكلف غير ما

في وسعه لمشى إليك المنبر(٢)

ومما يلاحظ هنا: أنه في هذه المرة أرسل إليه من يطلب منه أن يرجع. ولكننا في مرة أخرى نراه يسارع بنفسه، ويصلي بالناس، رغم تظاهره بالمرض..

وعلى كل حال.. فإننا وإن كنا قد تحدثنا في هذا الفصل، وفي فصل: ظروف البيعة وسنتحدث فيما يأتي عن بعض ما يتعلق بهذه الرواية، إلا أننا سوف نشير هنا إلى نقطتين فقط.. وهما:

١ ـ الأثر العاطفي، والقاعدة الشعبية:

فنلاحظ: أننا حتى بعد مرور اثني عشر قرنا على هذه الواقعة، لا نملك أنفسنا ونحن نقرأ وقائعها، من الانفعال والتأثر بها، فكيف إذن كانت حال أولئك الذين قدر لهم أن يشهدوا ذلك الموقف العظيم؟!.

____________

(١) قد ذكرنا بعض مصادر هذه الرواية في فصل: ظروف البيعة.. فراجع..

(٢) مناقب آل أبي طالب. لابن شهر آشوب ج ٤ ص ٣٧٢، ولكن هذا الشعر ينسب أيضاً للبحتري في المتوكل عندما خرج لصلاة العيد.. وانتحال الشعر، وكذلك الاستشهاد بشعر الآخرين، في المواضع المناسبة ظاهرة شائعة في تلك الفترة ومن يدري فلعل الشعر للبحتري ونسب للبحري أو لعله للبحري وانتحله أو نسب للبحتري، ولعل البحتري قد صحف وصار: البحري.. ولعل العكس.

٣٠٧

وغني عن البيان هنا: أن شأن هذه الواقعة هو شأن واقعة نيشابور، من حيث دلالتها دلالة قاطعة على كل ما كان للرضا من عظمة وتقدير في نفوس الناس وقلوبهم، وعلى مدى اتساع القاعدة الشعبية لهعليه‌السلام ..

٢ ـ لماذا يجازف المأمون بإرجاعهعليه‌السلام :

وإذا كان هدف المأمون من الإصرار على الإمام بأن يصلي بالناس هو أن يخدع الخراسانيين والجند والشاكرية، ويجعلهم يطمئنون على دولته المباركة فإنه من الواضح أيضاً أن إرجاع المأمون للإمامعليه‌السلام في مثل تلك الحالة، وذلك التجمع الهائل، وتلك الثورة العاطفية في النفوس، كان ينطوي على مجازفة ومخاطرة لم تكن لتخفى على المأمون، وأشياعه، حيث لا بد وأن يثير تصرفه هذا حنق تلك الجماهير التي كانت في قمة الهيجان العاطفي، ويؤكد كراهيتها له.. وعلى الأقل لن تكون مرتاحة لتصرفه هذا على كل حال.

وبعد هذا.. فإنه إذا كان المأمون يخشى من مجرد إقامة الإمام للصلاة.. فلا معنى لأن يلح عليه هو بقبولها.. وكذلك لا معنى لأن يخشى ذلك الهيجان العاطفي، وتلك الحالة الروحية، التي أثارها فعل الإمامعليه‌السلام وتصرفه في هذا الموقف.. فذلك إذن ما لم يكن يخافه ويخشاه.. فمن أي شيء خاف المأمون إذن؟! إنه كان يخشى ما هو أعظم وأبعد أثراً، وأشد خطراً.. إنه خشي من أن الرضا إذا ما صعد المنبر، وخطب الناس، بعد أن هيأهم نفسيا، وأثارهم عاطفيا إلى هذا الحد ـ خشي ـ أن يأتي بمتمم لكلامه الذي أورده في نيشابور:((وأنا من شروطها..)) وأنه ظهر إليهم على الهيئة التي كان يخرج عليها النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ووصيه عليعليه‌السلام وهو أمر جديد عليهم.. ما من شأنه أن يجعل المأمون وأشياعه لا يأمنون بعد على أنفسهم، كما ذكر الفضل بن سهل.. ولسوف يحول الإمام مرواً من معقل للعباسيين والمأمون، وعاصمة، وحصن قوي لهم ضد أعدائهم ـ من العرب وغيرهم ـ سوف يحولها إلى حصن لأعداء العباسيين والمأمون، حصن لأئمة أهل البيت. ففضل المأمون: أن يختار إرجاعهعليه‌السلام عن الصلاة، لأنه رأى أن ذلك هو أهون الشرين، وأقل الضررين..

ولقد جرب المأمون الرضا أكثر من مرة، وأصبح يعرف أنه مستعد لأن يعلن رأيه صراحة في أي موقف تؤاتيه فيه الفرصة، ويقتضي الأمر فيه ذلك. ولم ينس بعد موقفه في نيشابور، ولا ما كتبه في وثيقة العهد، ولا غير ذلك من مواقفهعليه‌السلام وتصريحاته في مختلف الأحوال والظروف..

٣٠٨

الموقف الحادي عشر:

وأخيراً.. فقد كان سلوك الإمامعليه‌السلام العام، سواء بعد عقد ولاية العهد له، أو قبلها. يمثل ضربة لكل خطط المأمون ومؤامراته، ذلك السلوك المثالي، الذي لم يتأثر بزبارج الحكم وبهارجه.. ويكفي أن نذكر هنا ما وضعه به إبراهيم بن العباس، كاتب القوم وعاملهم، حيث قال: (ما رأيت أبا الحسن جفا أحداً بكلامه قط، وما رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه. وما رد أحداً عن حاجة يقدر عليها، ولا مد رجليه بين يدي جليس له قط. ولا اتكأ بن يدي جليس له قط، ولا شتم أحداً من مواليه ومماليكه قط، ولا رأيته تفل قط، ولا رأيته يقهقه في ضحكه قط، بل كان ضحكه التبسم. وكان إذا خلا، ونصبت مائدته أجلس معه على مائدته مماليكه، حتى البواب والسائس.

وكان قليل النوم بالليل، يحيى أكثر لياليه من أولها إلى الصبح. وكان كثير الصيام، فلا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر، ويقول:((ذلك صوم الدهر)) . وكان كثير المعروف والصدقة في السر، وأكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة، فمن زعم أنه رأى مثله في فضله، فلا تصدقوه..)(١) .

وهذه الصفات بلا شك قد أسهمت إسهاماً كبيراً في أن يكون الإمامعليه‌السلام هو الأرضى في الخاصة والعامة، وأن تنفذ كتبه في المشرق والمغرب، إلى غير ذلك مما تقدم..

الحكم ليس امتيازاً وإنما هو مسؤولية:

وقد اعترض عليه بعض أصحابه، عندما رآه يأكل مع خدمه وغلمانه، حتى البواب والسائس، فأجابهعليه‌السلام :((مه، إن الرب تبارك وتعالى واحد، والأم واحدة، والأب واحد، والجزاء بالأعمال..)) (٢) .

وقال له أحدهم: أنت والله خير الناس، فقال له الإمام:((لا تحلف يا هذا، خير مني من كان أتقى لله تعالى. وأطوع له، والله ما

____________

(١) كلام إبراهيم بن العباس هذا معروف ومشهور، تجده في كثير من كتب التاريخ والرواية، ولذا فلا نرى أننا بحاجة إلى تعداد مصادره.

(٢) البحار ج ٤٩ ص ١٠١، والكافي الكليني، ومسند الإمام الرضا ج ١ قسم ١ ص ٤٦.

٣٠٩

نسخت هذه الآية: ( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ.. ) )) (١) .

وقال لإبراهيم العباسي إنه لا يرى أن قرابته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تجعله خيراً من عبد أسود، إلا أن يكون له عمل صالح فيفضله به(٢) .

وقال رجل له: ما على وجه الأرض أشرف منك إباء. فقال:((التقوى شرفتهم، وطاعة الله أحظتهم))( ٣) .

وما نريد أن نشير إليه ونؤكد عليه هنا، هو أنهعليه‌السلام يريد بذلك أن يفهم الملأ: أن الحكم لا يعطي للشخص ـ من كان، ومهما كان ـ امتيازاً، ولا يجعل له من الحقوق ما ليس لغيره، وإنما الامتياز ـ فقط ـ بالتقوى والفضائل الأخلاقية.. وكل شخص حتى الحاكم سوف يلقى جزاء أعماله: إن خيراً فخير، وإن شرا فشر، وعليه فما يراه الناس من سلوك الحكام، ليس هو السلوك الذي يريده الله، وتحكم به النواميس الأخلاقية، والإنسانية. والامتيازات التي يجعلونها لأنفسهم، ويستبيحون بها ما ليس من حقهم لا يقرها شرع، ولا يحكم بها قانون..

وبكلمة مختصرة: إن الإمامعليه‌السلام يرى: أن الحكم ليس امتيازاً، وإنما هو مسؤولية.

وعلى كل حال.. فإن سلوك الإمامعليه‌السلام ، لخير دليل على ما كان يتمتع به من المزايا الأخلاقية، والفضائل النفسية.. ويكفي أنه لم يظهر منهعليه‌السلام طيلة الفترة التي عاشها في الحكم إلا ما ازداد به فضلاً بينهم، ومحلاً في نفوسهم، على حد تعبير أبي الصلت. وعلى حد تعبير شخص آخر: أقام بينهم لا يشركهم في مأثم من مآثم الحكم.. بل لقد كان لوجوده أثر كبير في تصحيح جملة من الأخطاء والانحرافات التي اعتادها الحكام آنئذٍ.. حتى لقد استطاع أن يؤثر على نفس المأمون، ويمنعه من الشراب والغناء، طيلة الفترة التي عاشها معه، إلى آخر ما هنالك، مما لسنا هنا في صدد تتبعه واستقصائه.

____________

(١) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٣٦، ومسند الإمام الرضا ج ١ قسم ١ ص ٤٦.

(٢) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٣٧.

(٣) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٣٦. ومسند الإمام الرضا ج ١ قسم ١ ص ٤٦.

٣١٠

وفي نهاية المطاف نقول:

وحسبنا هنا ما ذكرنا من الأمثلة، التي نحسب أنها تكفي لأن تلقي ضوءاً كاشفاً على الخطة التي اتبعها الإمامعليه‌السلام في مواجهة خطط المأمون ومؤامراته.. تلك الخطة التي كانت تكفي لأن لا تبقى الصورة التي أرادها المأمون في أذهان الناس، ولا مبرر للشكوك لأن تبقى تراود نفوسهم.

ولقد نجحت تلك الخطة نجاحا أذهل المأمون، وأعوانه، وجعلهم يتصرفون بلا روية، ويقعون بالمتناقضات.. حتى لقد أشرف المأمون منه على الهلاك. حسبما صرح به المأمون نفسه. وكانت النتيجة أن دبر فيه المأمون بما يحسم عنه مواد بلائه، كما وعد حميد بن مهران، وجماعة من العباسيين.

القسم الرابع

من خلال الأحداث

١ ـ مع بعض خطط المأمون..

٢ ـ كاد المريب أن يقول خذوني.

٣ ـ ما يقال حول وفاة الإمام..

٤ ـ دعبل والمأمون.

٥ ـ كلمة ختامية.

مع بعض خطط المأمون

التوجيهات الراضية غير مقبولة:

كل ما تقدم يلقي لنا ضوءاً على بعض نوايا المأمون مع الإمامعليه‌السلام ، وعلى كثير من الأحداث التي اكتنفت ذلك الحدث التاريخي الهام.

وإننا حتى لو سلمنا جدلاً، وغضضنا النظر عن كل تلك الأسئلة، وعلامات الاستفهام التي يمكن استخلاصها مما تقدم.. فإننا لا نستطيع ـ مع ذلك ـ أن نعتبر البيعة صادرة عن حسن نية، وسلامة طوية.

٣١١

ولا أن نقبل بالتوجيهات الراضية عن تصرفاته، طيلة فترة ولاية العهد، وبعدها تجاه الإمام، الذي كان يكبر المأمون بـ (٢٢‍) سنة، والذي كان مجبراً على قبول هذا الأمر، ومهددا بالقتل إن لم يقبل. ولم يتركه وشأنه ما دام أنه لا يريد أن يتقلد هذا الشرف الذي تتهافت النفوس عليه، وتزهق الأرواح من أجله.

نعم.. إننا لا نستطيع أن نسلم بذلك، ونحن نرى منه تلك التصرفات والمواقف المشبوهة، بل والمفضوحة تجاه الإمامعليه‌السلام ، والتي لا تبقي مجالاً للشك في حقيقة نواياه وأهدافه من كل ما أقدم وما كان عاقداً العزم على الإقدام عليه..

وهذا الفصل معقود للحديث عن بعض تلك التصرفات، ومن أجل بيان تلك الخطط.

المأمون يفضح نفسه:

وقد تعجب إذا قلنا لك: إن المأمون نفسه يصرح ببعض خططه، التي كانت تصرفاته تدور في فلكها، ويعلن بعض الدوافع، ويبوح ببعض النوايا تجاه الإمام، وبالنسبة لقضية ولاية العهد فإليك ما أجاب به حميد بن مهران، وجمعاً من العباسيين، عندما عاتبوه ولاموه على ما أقدم عليه، من البيعة للرضاعليه‌السلام يقول المأمون:

(.. قد كان هذا الرجل مستتراً عنا، يدعو إلى نفسه، فأردنا أن نجعله ولي عهدنا، ليكون دعاؤه لنا، وليعترف بالملك والخلافة لنا، وليعتقد فيه المفتونون به بأنه ليس مما ادعى في قليل ولا كثير، وأن هذا الأمر لنا دونه.

وقد خشينا إن تركناه على تلك الحال: أن ينفتق علينا منه ما لا نسده، ويأتي علينا ما لا نطيقه..

والآن.. فإذ قد فعلنا به ما فعلنا، وأخطأنا في أمره بما أخطأنا. وأشرفنا من الهلاك بالتنويه باسمه على ما أشرفنا، فليس يجوز التهاون في أمره. ولكننا نحتاج إلى أن نضع منه قليلاً، قليلاً، حتى نصوره عند الرعية بصورة من لا يستحق هذا الأمر، ثم ندبر فيه بما يحسم عنا مواد بلائه..).

ثم طلب منه حميد بن مهران: أن يسمح له بمجادلة الإمامعليه‌السلام ، ليفحمه، وينزله منزلته، ويبين للناس قصوره، وعجزه، فقال المأمون: (لا شيء أحب إلي من هذا).

٣١٢

ثم كانت النتيجة عكس ما كان يتوقعه المأمون والعباسيون، وأشياعهم وباءوا كلهم بالفشل الذريع، والخيبة القاتلة(١) .

والذي يعنينا الحديث عنه هنا:

هو قوله: وقد خشينا إن تركناه على تلك الحال.. إلى آخر ما نقلناه عنه آنفاً، فإنها أوضحت أن المأمون الذي كان يخشى الإمام خشية شديدة، كان يخطط أولاً إلى أخذ زمام المبادرة من الإمام، وتحاشي الاصطدام معه ثم كان يخطط بعد ذلك إلى الوضع منهعليه‌السلام قليلاً قليلاً إلى آخر ما تقدم..

ولا يرد: أن كلام المأمون مع حميد بن مهران ظاهره: أنه لم يكن يريد في بادئ الأمر الحط من الإمامعليه‌السلام ، وإنما بدا له ذلك حين قوي مركز الإمامعليه‌السلام ، واستحكم أمره.. لا يرد ذلك..

لأن كلامه هذا لا ينفي أنه كان يريد من أول الأمر ذلك. بل هو يؤكد ذلك. لأنه يصرح فيه: أنه إنما قدم على ما أقدم عليه، عندما رأى افتتان الناس بهعليه‌السلام ، فأراد أن يعمل عملا يفقد الإمامعليه‌السلام مركزه، ويقضي على كل نشاطاته، ويذهب بماله من القدرة والنفوذ نهائياً، وإلى الأبد.

ولقد تحدثنا فيما سبق عن بعض تصرفاته التي تدور في فلك خطط تلك مثل: فرضه للرقابة على الإمامعليه‌السلام ، والتضييق عليه، فلا يصل إليه إلا من أحب، وعزله عن شيعته ومواليه، وأيضاً تفريقه الناس عنه، عندما أخبر أنه يقوم بمهمة التدريس، وكذلك قضية صلاة العيد، وغير ذلك ما تقدم.

____________

(١) راجع: شرح ميمية أبي فراس ص ١٩٦، وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٧٠، والبحار ج ٤٩ ص ١٨٣، ومسند الإمام الرضا ج ٢ ص ٩٦.

٣١٣

نزيد هنا بعض الأمور الأخرى، التي وإن كان قد سبق الحديث عن بعضها، ولكنه كان حديثا من زاوية أخرى، ومن أجل استفادة أمور غير الأمور التي نحاول استفادتها منها هنا. وذلك أمر طبيعي، ولا يكون تكراراً ما دام أن الواقعة الواحدة قد يكون لها دلالات متعددة، وإفادات مختلفة.. ولذا فإننا نقول:

لماذا على البصرة فالأهواز:

إن من جملة الأمور التي كانت من جملة خطط المأمون للتأثير على مكانة الإمامعليه‌السلام وحتى على معنوياته النفسية.. الطريق الذي أمر رجاء ابن أبي الضحاك(١) قرابة الفضل بن سهل، والذي كان من قواد المأمون، وولاته ـ أمره ـ بسلوكه، عندما أرسله ليأتي بالإمامعليه‌السلام من المدينة إلى مرو مهما كلفه الأمر..

فقد أمره: أن يجعل طريقه بالإمام (على البصرة، والأهواز، ففارس. وحذره كثيراً من المرور على طريق الكوفة، والجبل، وقم)(٢) .

____________

(١) وذكر أبو الفرج، والمفيد: أن المرسل هو الجلودي، ولكن الصحيح هو الذي ذكرناه.. إذ من الخطأ أن يرسله المأمون لإحضار الرضاعليه‌السلام ، لأن ذلك يضر بقضيته، ويفسد عليه ما كان دبره، لأنه موجب لسوء ظن الرضاعليه‌السلام ، والعلويين، وسائر الناس، وتنبههم مبكرا لحقيقة الأمر، وواقع القضية.

وذلك لأن الجلودي هو الذي أمره الرشيد: أن يغير على دور آل أبي طالب، ويسلب نساءهم إلخ ما تقدم.. كما أنه كان عدواً متجاهراً للإمامعليه‌السلام ، وقد سجنه المأمون بسبب معارضته للبيعة للرضاعليه‌السلام بولاية العهد! ولعل سر خطأهم هو أن الجلودي كان والياً على المدينة من قبل المأمون، حين استقدام المأمون للإمام إلى مرو، حسبما جاء في كتاب: الإمام الرضا ولي عهد المأمون ص ٣٥.

(٢) تهذيب التهذيب ج ٧ ص ٣٨٧، وتاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ١٧٦، وينابيع المودة ص ٣٨٤، والخرائج والجرائح طبعة حجرية ص ٢٣٦. وإثبات الوصية ص ٢٠٥.

وإعلام الورى ص ٣٢٠، وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٤٩، ١٨٠، والكافي ج ١ ص ٤٨٦، ومسند الإمام الرضا ج ١ ص ٤٠ والبحار ج ٤٩ ص ٩١، ٩٢ ١١٨ و ١٣٤، وكشف الغمة ج ٣ ص ٦٥، وغير ذلك كثير.

٣١٤

بل لقد ورد: أن المأمون قد كتب إلى الرضا نفسه، يقول له: (لا تأخذ على طريق الجبل وقم. وخذ على طريق البصرة، فالأهواز، ففارس..)(١) .

وسر ذلك واضح، فإن أهل الكوفة، وقم، كانوا معروفين بالتشيع للعلويين(٢) وأهل البيت، ومرور الإمام عليه‌السلام من هذين البلدين، وخصوصاً الكوفة، التي كانت تعتبر من المراكز الحساسة جداً في الدولة.. سوف يكون من نتيجته: أن يستقبله أهلها بما يليق بشأنه: من الإجلال، والإعزاز والتكريم.

____________

(١) أصول الكافي ج ١ ص ٤٨٩، وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٤٩ و ١٨٠، وشرح ميمية أبي فراس ص ١٦٥، ومعادن الحكمة ص ١٨٠، وإثبات الوصية للمسعودي ص ٢٠٤، ومسند الإمام الرضا ج ١ ص ٧٣، والبحار ج ٤٩ ص ١٣٤.

(٢) تشيع أهل الكوفة وقم أشهر من أن يحتاج إلى بيان، أو إقامة برهان.. لكننا نورد ـ مع ذلك ـ بعض الشواهد، تبصرة للقارئ، فنقول: أما الكوفة: فقد تقدم قول محمد بن علي العباسي أنها وسوادها شيعة علي وولده.. وفي الطبري، وابن الأثير، وغيرهما تجد قول عبد الله بن علي للمنصور، عندما استشاره في أمر محمد بن عبد الله بن الحسن: (.. ارتحل الساعة حتى تأتي الكوفة، فاجثم على أكتافهم، فإنهم شيعة أهل هذا البيت، وأنصاره الخ)، وفي قضية وفاة السيد الحميري، التي ذكرها المرزباني في كتابه أخبار السيد الحميري دلالة واضحة على تشيع الكوفيين، وانحراف البصريين..

ولأجل ذلك نرى المأمون يستقبل وفدا من أهل الكوفة في منتهى الغلظة والجفاء، فراجع مروج الذهب ج ٣ ص ٤٢١. وفي البداية والنهاية ج ١٠ ص ٩٣: أن المنصور قد اعترف بأن لإبراهيم بن عبد الله بن الحسن في الكوفة مئة ألف سيف مغمدة، وأعرب عن مخاوفه من تشيع أهل الكوفة للعلويين، وولائهم لهم.. بل إننا لا نستبعد أن يكون بناء المنصور لبغداد هو من أجل أن يبتعد عن الكوفة، وأهلها، ويأمن على نفسه، قال البلاذري في فتوح البلدان ص ٤٠٥: (أخذ المنصور أهل الكوفة بحفر خندقها. وألزم كل امرئ للنفقة عليه أربعين درهما. وكان ذاما لهم. لميلهم إلى الطالبيين، وإرجافهم بالسلطان..) وقد تقدم أنه عندما ذهب إليهم العباس بن موسى، أخو الإمام الرضاعليه‌السلام يدعوهم للبيعة، لم يجبه إلا البعض منهم، وقال له آخرون: (إن كنت تدعو للمأمون، ثم من بعده لأخيك، فلا حاجة لنا في دعوتك. وإن كنت تدعو إلى أخيك، أو بعض أهل بيتك، أو إلى نفسك أجبناك..).

وعلى كل حال.. فقد كانت الكوفة مصدرا لثورات كثيرة على الأمويين والعباسيين على حد سواء، تلك الثورات التي كانت كلها تقريباً بقيادة علوي، أو داعية إلى علوي..

ولم ينس المأمون بعد ثورة أبي السرايا التي كادت تغير الموازين، وتقلب مجريات الأحداث.. إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه. =

٣١٥

= وأما تشيع القميين، فذلك أعرف وأشهر. وقضيتهم مع جبة دعبل التي أهداه إياه الإمام لا يكاد يجهلها أحد. وعندما طلب المأمون من الريان أن يحدث بفضائل عليعليه‌السلام ، وأجاب بأنه لا يحسن شيئاً، قال المأمون: (سبحان الله! ما أجد أحداً يعينني على هذا الأمر لقد هممت أن أجعل أهل قم شعاري ودثاري).

ولعل تشيع أهل قم هذا هو الذي دفع بالمأمون لأن يوجه إليهم عامله علي بن هشام، لينكل بهم، ويحاربهم حتى يهزمهم، ويدخل البلد، ويهدم سورها، ويجعل على أهلها مبلغ سبعة ملايين درهم، بدلا من مليونين، وهو ما لم يكن يدفعه أي بلد آخر يضاهي بلدهم في عدد السكان وغير ذلك من المميزات، فكيف بالسبعة.. ومع أنه كان قد خفض الخراج عن السواد، وبعد البلدان الأخرى، فلما سمعوا بذلك طالبوا بتخفيض الخراج عنهم أيضاً، ففعل ذلك.. وكان تخفيضه عنهم بزيادة المليونين إلى سبعة، كما قلنا.. راجع في تفصيل ذلك: الطبري ج ١١ ص ١٠٩٣، والكامل لابن الأثير ج ٥ ص ٢١٢، وتاريخ ابن خلدون ج ٣ ص ٢٥٥، والنجوم الزاهرة ج ٢ ص، ١٩٠ وتاريخ التمدن الإسلامي مجلد ١ جزء ٢ ص ٣٣٧، وفتوح البلدان للبلاذري ص ٤٤٠، وتجارب الأمم ج ٦ ص ٤٦٠.

٣١٦

ولا شك أن الإمامعليه‌السلام سوف يستطيع أن يستقطب المزيد من الناس، ويؤثر عليهم بما حباه الله من الفضائل والكمالات الأخلاقية، وبما آتاه الله من العلم والحكمة، والورع والتقوى، الذي سار ذكره في الآفاق، حتى لا يكاد يجهله أحد.. وإذا كان أهل نيشابور، بل وحتى أهل مرو، معقل العباسيين والمأمون، قد كان منهم تجاه الإمام ما لا يجهله أحد. حتى إنهم كانوا بين صارخ، وباك ومتمرغ في التراب إلخ.. وحتى لقد خاف المأمون وأشياعه على دمائهم ـ إذا كان هؤلاء هكذا ـ فكيف ترى سوف تكون حالة أهل الكوفة وقم، معقلي العلويين، والمحبين لأهل البيت، والمتفانين فيهم، لو أنهم رأوا الإمامعليه‌السلام بينهم، وبالقرب منهم..

يقول الراوندي في ذلك: (إن المأمون أمر رجاء بن أبي الضحاك: أن لا يمر بالإمام عن طريق الكوفة، لئلا يفتتن به أهلها..)(١) !.

والمأمون لا يريد أن يفتتن الناس بالإمام، وإنما الذي يريده هو عكس ذلك تماماً.. إنه يريد أن يضع من الإمام لا أن يرفع.

أما أهل البصرة: فعثمانية، يدينون بالكف، ويقولون: كن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل.. بل لقد كانت البصرة معقلاً مهما للعباسيين، الذين حرق دورهم زيد النار، ابن الإمام الكاظمعليه‌السلام ، كما قدمنا، ولهذا نلاحظ: أن دور البصريين في التشيع لم يكن يضارع دور غيرهم، لا روائياً، ولا كلامياً..

وأما ما ربما يحتمله البعض: من أن المأمون كان يأمل أن يخرج من البصرة، أو غيرها من يخلصه من الإمامعليه‌السلام نهائياً.. فلا أرى أنه يتفق مع أهداف وأغراض المأمون، التي كان يرمي إليها من وراء لعبته تلك..

____________

(١) الخرائج والجرائح، طبعة حجرية ص ٢٣٦.

٣١٧

الإمام يرفض كل مشاركة تعرض عليه:

إنه برغم شروط الإمام على المأمون، والتي أشرنا إليها فيما سبق، فإننا نرى المأمون كل مدة يحاول أن يجري اختبارا للإمام، ليعرف حقيقة نواياه، وأنه هل أصبح له طمع بالخلافة، وطموح لها(١) ، ليعجل عليه بما يحسم عنه مواد بلائه.. أم لا. فكان يأتي كل مدة إليه، يطلب منه أن يولي فلانا، أو أن يعزل فلاناً، أو أن يصلي بالناس.. بل لقد طلب منه بعد مقتل الفضل أن يساعده في إدارة شؤون الخلافة(٢) بحجة أنه يعجز وحده أن يقوم بأعباء الحكم. ويدير دفة السلطان!

هذا.. إن لم نقل: أنه كان يريد من وراء ذلك: أن يجعل ذلك ذريعة للقضاء على الإمام، بحجة أنه نقض الشرط، وليكون بذلك قد قضى على العلويين جميعاً، وإلى الأبد.

أو على الأقل كان يريد بذلك: أن يوجد للإمام أعداء في الأوساط ذات القوة والنفوذ..

وأياً ما كانت نوايا المأمون وأهدافه، فإن الإمامعليه‌السلام كان يرفض ذلك كله بكل عزم وإصرار، ويذكره بالشروط تلك، ويقول له:((إن وفيت لي وفيت لك)) . وهذا تهديد صريح له من الإمامعليه‌السلام . ولا نعجب كثيراً ـ بعد أن اتضحت لنا نوايا المأمون وأهدافه ـ إذا رأينا المأمون يتحمل هذا التهديد، بل ويخضع له، ويقول: (بل أفي لك)!.

وهكذا.. فقد كان الإمامعليه‌السلام يضيع على المأمون ما كان يحسب أنه فرصة مؤاتية له، ولا يمكنه من معرفة ما يريد معرفته، ولا من تنفيذ ما يريد تنفيذه.

____________

(١) وما أشبه الليلة بالبارحة، فقد رأينا الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، يسأل ابن عباس عن عليعليه‌السلام : إن كان لا يزال يطمح إلى الخلافة، ويأمل فيها.. أم لا!.

(٢) الكافي ج ٨ ص ١٥١، وكشف الغمة ج ٣ ص ٦٨ و ٨٧، وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٦٤ و ١٦٦ و ١٦٧ والبحار ج ٤٩ ص ١٤٤ و ١٥٥ و ١٧١، وغير ذلك.

٣١٨

الاختبار لشعبية الإمامعليه‌السلام :

كما أنه كان كل مدة يقوم بعملية اختبار لشعبية الإمامعليه‌السلام ، ولمدى ما يتمتع به من تأييد في الأوساط الشعبية، ليعرف إن كان أصبحعليه‌السلام يشكل خطراً حقيقياً، ليعجل بالقضاء عليه أم لا.. فكان كل مدة يكلفه بأن يؤم الناس بالصلاة للعيد. أو ما شاكل.. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على مدى ما يعتمر قلب المأمون من الخوف والخشية منهعليه‌السلام . (راجع: السبب الثالث من فصل البيعة، والموقف العاشر في فصل: خطة الإمامعليه‌السلام ).

سؤال.. وجوابه:

ولعلك تقول: إذا كان المأمون يخشى الإمامعليه‌السلام إلى هذا الحد، لما يعلمه من نفوذه ومكانته، فلماذا لا يتخلص منه بذلك الأسلوب التقليدي الذي انتهجه أسلافه من الأمويين، والعباسيين، وتبعهم عليه هو فيما بعد، وكذلك من أتى بعده.. وذلك بأن يدس إليه شربة من السم، وهو في المدينة، من دون أن يحتاج إلى اشخاصه إلى مرو، والبيعة له بولاية العهد، وتزويجه ابنته، إلى غير ذلك من الأمور التي من شأنها أن تعزز من مركز الإمام، وترفع من شأنه، وتوجه إليه الأنظار والقلوب، حتى يضطر في نهاية الأمر لأن يعود إلى ما جرت عليه عادة أسلافه، وأتباعه..

ولكن الجواب على هذا قد اتضح مما قدمناه، فإن المأمون لم يكن يريد في بادئ الأمر موت الإمام، ولا كان يستطيع أن يفعل ذلك.

ولو أن ذلك كان قد حدث لوقع المأمون في ورطة، لها أول وليس لها آخر، حيث إنه كان بأمس الحاجة إلى حياة الإمامعليه‌السلام ، وذلك لما قدمناه من الأسباب والظروف التي كانت تحتم على المأمون أن يلعب لعبته تلك، التي وإن كانت تنطوي على مخاطرة جريئة، إلا أنه كان ـ كما قدمنا ـ قد رسم الخطة، وأحكم التدبير للتخلص من الإمامعليه‌السلام بمجرد أن يحقق مآربه، وأهدافه، بالطريقة التي لا تثير شك أحد، ولا توجب تهمة أحد، وقد حدث ذلك بالفعل، كما سيمر علينا..

وأما كتمه لفضائل الإمامعليه‌السلام :

ومن جملة الأمور التي كانت تدور في فلك خطة المأمون، التي لخصها بأنه يريد الوضع من الإمام قليلاً قليلا، حتى يصوره أمام الرعية بصورة من لا يستحق لهذا الأمر ـ محاولاته كتم فضائل الإمامعليه‌السلام ومزاياه عن الناس ما استطاع إلى ذلك سبيلاً..

٣١٩

وقد تقدم: أنه عندما سأل رجاء بن أبي الضحاك، الذي تولى إشخاص الرضاعليه‌السلام من المدينة إلى مرو، عن حال الرضاعليه‌السلام في الطريق، فأخبره عما شاهده من عبادتهعليه‌السلام ، وزهده وتقواه، وما ظهر له من الدلائل والبراهين، قال له المأمون: (.. بلى يا ابن أبي الضحاك، هذا خير أهل الأرض، وأعلمهم، وأعبدهم، فلا تخبر أحداً بما شهدت منه، لئلا يظهر فضله إلا على لساني..)!.

وهكذا: فإن المأمون وإن استطاع أن يمرر الكثير، إلا أنه لم يكن يجد بداً في كثير من الأحيان من أن يظهر على حقيقته وواقعه. وهذا هو أحد تلك المواقف التي مرت وسيمر معنا بعضها، والتي اضطر فيها المأمون لأن يكشف عن وجهه الحقيقي،.. وإن كان قد حاول ـ مع ذلك ـ أن يتستر بما لا يسمن ولا يغني من جوع.

ولا أعتقد أن المأمون كان يجهل: أن ما يأتي به لم يكن لينطلي كله على أعين الناس، بل كان يعلم ذلك حق العلم، ولكن كما يقولون: (الغريق يتشبث بالطحلب).

ولكن.. بالرغم من محاولات المأمون تلك.. فإننا نرى أن فضائل الإمام ومزاياه كانت كالعرف الطيب، لم تزل تظهر، وتنتشر وتذاع.. بل ولعل محاولات المأمون تلك التي كانت ترمي للحط من الإمام وإسقاطه، قد أسهمت كثيراً وساعدت على إظهار فضائله، وشيوعها، كما سيتضح.

الشائعات الكاذبة!

وكان بالإضافة إلى ما تقدم يحاول ترويج شائعات كاذبة، من شأنها أن تنفر الناس من العلويين عامة، ومن الإمامعليه‌السلام ، وسائر الأئمةعليهم‌السلام خاصة.

فهذا أبو الصلت يسأل الإمامعليه‌السلام فيقول: (يا ابن رسول الله، ما شيء يحكيه الناس عنكم؟!.

قالعليه‌السلام :((ما هو؟!.

قال: يقولون: إنكم تدعون: أن الناس لكم عبيد!.

قالعليه‌السلام :يا عبد السلام، إذا كان الناس كلهم عبيدنا ـ على ما حكوه ـ فممن نبيعهم)) ؟! إلخ(١) .

____________

(١) مسند الإمام الرضا ج ١ قسم ١ ص ٤٥، والبحار ج ٤٩ ص ١٧٠، وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٨٤.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594