مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء ٧

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل13%

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 594

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧
  • البداية
  • السابق
  • 594 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 329423 / تحميل: 5380
الحجم الحجم الحجم
مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء ٧

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

عليهم‌السلام ، أنّه كان يستحبّ الوصيّة بالخمس، ويقول: « إنّ الله تبارك وتعالى، رضي لنفسه من الغنيمة بالخمس ».

[ ٨٢٢٤ ] ٢ - دعائم الإسلام: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه قال: « الغنيمة تقسم على خمسة أخماس، فيقسم أربعة أخماسها على من قاتل عليها، والخمس لنا أهل البيت » الخبر.

[ ٨٢٢٥ ] ٣ - محمّد بن مسعود العيّاشي في تفسيره: عن الحلبي، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، في الرّجل من أصحابنا في لوائهم، فيكون معهم فيصيب غنيمة، قال: « يؤدّي خمسنا ويطيب له ».

[ ٨٢٢٦ ] ٤ - وعن ابن الطيار، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: يخرج خمس الغنيمة، ثمّ يقسم أربعة أقسام(١) على من قاتل على ذلك أو وليه ».

٣ -( باب وجوب الخمس في المعادن كلّها، من الذّهب والفضّة، والصّفر والحديد والرّصاص، والملاحة والكبريت والنّفط، وغيرها)

[ ٨٢٢٧ ] ١ - دعائم الإسلام: عن أبي جعفر محمّد بن عليعليهما‌السلام ، أنّه سئل عن معادن الذّهب والفضّة، والحديد والرّصاص والصّفر قال: « عليها جمعياً الخمس ».

____________________________

٢ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٣٨٦.

٣ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٦٤ ح ٦٦.

٤ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٦٤ ح ٥٨.

(١) في المصدر: أخماس.

الباب - ٣

١ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٥٠.

٢٨١

[ ٨٢٢٨ ] ٢ - الصّدوق في المقنع: روى محمّد بن أبي عمير: أنّ الخمس على خمسة أشياء: الكنوز، والمعادن، والغوص، والغنيمة، ونسي ابن أبي عمير الخامسة.

٤ -( باب وجوب الخمس في الكنوز بشرط بلوغ عشرين ديناراً فصاعداً، ووجوده في دار الحرب، أو دار الإسلام وليس عليه أثر، وإلّا فهي لقطة، وعدم وجوب الزّكاة فيه وإن كثر)

[ ٨٢٢٩ ] ١ - دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، أنّه قال: « في الرّكاز(١) من المعدن والكنز القديم، يؤخذ الخمس في كلّ واحد منهما، وباقي ذلك لمن وجده(٢) في أرضه أو داره، وإن كان الكنز من مال محدث وادّعاه أهل الدّار، فهو لهم ».

[ ٨٢٣٠ ] ٢ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام : أنّ رجلاً دفع إليه مالاً أصابه في دفن الأولين، فقال صلّوات الله عليه: « لنا فيه الخمس، وهو عليك ردّ ».

[ ٨٢٣١ ] ٣ - الصّدوق في معاني الأخبار: عن أبيه، عن سعد بن عبدالله، عن الهيثم بن أبي مسروق، عن ابن علوان، عن عمرو بن خالد، عن

____________________________

٢ - المقنع ص ٥٣.

الباب - ٤

١ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٥٠.

(١) الركاز: بمعنى المركوز أي المدفون وأختلف أهل العراق والحجاز في معناه (مجمع البحرين ج ٤ ص ٢١).

(٢) في المصدر: وجد.

٢ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٩٤.

٣ - معاني الأخبار ص ٣٠٣ ح ١.

٢٨٢

زيد بن علي، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - في حديث - وفي الرّكاز الخمس ».

[ ٨٢٣٢ ] ٤ - وعن محمّد بن هارون الزّنجاني، عن علي بن عبد العزيز، عن أبي عبيدة القاسم بن سلام، رفعه إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « في السّيوب الخمس » قال أبو عبيدة: السّيوب: الرّكاز، ولا أراه أخذ إلّا من السّيب وهو العطيّة، يقال: من سيب الله وعطائه.

[ ٨٢٣٣ ] ٥ - عوالي اللآلي: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « كلّما لم يكن في طريق مأتي أو قرية عامرة، ففيه وفي الرّكاز، الخمس ».

٥ -( باب وجوب الخمس في العنبر، وكلّما يخرج من البحر بالغوص من اللّؤلؤ والياقوت، إذا بلغت قيمته ديناراً فصاعداً)

[ ٨٢٣٤ ] ١ - دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، أنّه قال في اللّؤلؤ يخرج من البحر والعنبر: « يؤخذ في كلّ واحد منهما الخمس، ثمّ هما كسائر الأموال ».

[ ٨٢٣٥ ] ٢ - حسين بن عثمان بن شريك في كتابه: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، في الغوص، قال: « فيه الخمس ».

____________________________

٤ - معاني الأخبار ص ٢٧٦ ح ١.

٥ - عوالي اللآلي ج ٣ ص ١٢٥ ح ٢.

الباب - ٥

١ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٠٥.

٢ - كتاب حسين بن عثمان بن شريك ص ١٠٨.

٢٨٣

٦ -( باب وجوب الخمس فيما يفضل عن مؤونة السّنة له ولعياله، ومن أرباح التّجارات والصّناعات والزّراعات ونحو ذك، وإنّ خمس ذلك للإمامعليه‌السلام خاصّة)

[ ٨٢٣٦ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « وقال جلّ وعلا:( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّـهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ ) (١) إلى آخر الآية، فتطوّل علينا بذلك امتناناً منه ورحمة، إذا كان المالك للنّفوس والأموال وسائر الأشياء الملك الحقيقي، وكان ما في أيدي النّاس عواري، وأنّهم مالكون مجازاً لا حقيقة له، وكلّ ما أفاده النّاس فهو غنيمة، لا فرق بين الكنوز والمعادن والغوص، ومال الفئ الّذي لم يختلف فيه، وهو ما ادّعى فيه الرّخصة، وهو ربح التّجارة وغلّة الصّنيعة وساير الفوائد، من المكاسب والصّناعات والمواريث وغيرها، لأنّ الجميع غنيمة وفائدة ورزق(٢) الله عزّوجلّ، فإنّه روي أنّ الخمس على الخيّاط من إبرته، والصّانع من صناعته، فعلى كلّ من غنم من هذه الوجوه مالاً فعليه الخمس، فإن أخرجه فقد أدى حقّ الله عليه » إلى آخر ما تقدّم.

قلت: الحقّ إنّ مصرف خمس الأرباح كغيره، يقسم بين الإمامعليه‌السلام وشركائه، كما هو صريح هذا الخبر، من إدخاله في الغنيمة التي هي كذلك كتاباً وسنّة، وتمام الكلام في الفقه.

____________________________

الباب - ٦

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٤٠.

(١) الأنفال ٨: ٤١.

(٢) في المصدر: ومن رزق.

٢٨٤

٧ -( باب أنّ الخمس لا يجب إلّا بعد المؤونة، وحكم ما يأخذ منه السلطان الجائر الخمس)

[ ٨٢٣٧ ] ١ - محمّد بن مسعود العيّاشي في تفسيره: عن إبراهيم عن محمّد، قال: كتبت إلى أبي الحسن الثّالثعليه‌السلام ، أسأله عمّا يجب في الضّياع، فكتب: « الخمس بعد المؤونة » قال: فناظرت أصحابنا فقالوا: المؤونة بعد ما يأخذ السّلطان وبعد مؤونة الرّجل، فكتبت إليه: إنّك قلت: الخمس بعد المؤونة، وإن أصحابنا أختلفوا في المؤونة، فكتب: « الخمس بعد ما يأخذ السّلطان، وبعد مؤونة الرّجل وعياله ».

____________________________

الباب - ٧

١ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٦٣ ح ٦١.

٢٨٥

٢٨٦

أبواب قسمة الخمس

١ -( باب أنّه يقسم ستّة أقسام: ثلاثة للإمام، وثلاثة للفقراء والمساكين وابن السّبيل، ممّن ينتسب إلى عبد المطلب بأبيه لا بأمّه وحدها، الذّكر والأُنثى منهم، وأنّه ليس في مال الخمس زكاة)

[ ٨٢٣٨ ] ١ - الصّدوق في الأمالي: عن علي بن أحمد الدّقاق، عن محمّد بن الحسن الطّاري، عن محمّد بن الحسين الخشّاب، عن محمّد بن محسن، عن المفضّل بن عمر، عن الصّادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده، عن أبيهعليهم‌السلام ، قال: « قال أمير المؤمنينعليه‌السلام - وذكر خطبة طويلة منها - وأعجب بلا صنع منّا، من طارق طرقنا بملفوفات زمّلها في وعائها، ومعجونة بسطها في إنائها، فقلت له: أصدقة أم نذر أم زكاة؟ وكلّ ذلك يحرم(١) علينا أهل بيت النبوّة، وعوّضنا منه خمس ذي القربي في الكتاب والسّنة » الخطبة.

[ ٨٢٣٩ ] ٢ - محمّد بن مسعود العياشي في تفسيره: عن زكريّا بن مالك الجعفي، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، سألته عن قول الله عزّوجلّ:( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّـهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ

____________________________

أبواب قسمة الخمس

الباب - ١

١ - أمالي الصدوق ص ٤٩٧.

(١) في نسخة: محرّم، منه (قدّه).

٢ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٦٣ ح ٦٤.

٢٨٧

وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (١) قال: « أمّا خمس الله فالرسول يضعه في سبيل الله، ولنا(٢) خمس الرسول ولأقاربه، وخمس ذوي القربى فهم أقرباؤه، واليتامى يتامى أهل بيته، فجعل هذه الأربعة الأسهم فيهم، وأمّا المساكين وأبناء السّبيل، فقد علمت أنّا لا نأكل الصّدقة ولا تحلّ لنا، فهي(٣) للمساكين وأبناء السّبيل ».

[ ٨٢٤٠ ] ٣ - وعن عيسى بن عبدالله العلوي، عن أبيه، عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، قال: « إنّ الله لا إله إلّا هو، لمـّا حرّم علينا الصّدقة أنزل لنا الخمس، والصدقة علينا حرام والخمس لنا فريضة، والكرامة أمر لنا حلال ».

[ ٨٢٤١ ] ٤ - وعن عبدالله بن سنان، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: « سمعت أن نجدة الحروري، كتب إلى ابن عبّاس يسأله عن موضع الخمس(١) ، فكتب إليه: أمّا الخمس، فإنّا نزعم أنّه لنا، ويزعم قومنا أنّه ليس لنا فصبرنا ».

ورواه الصّدوق في الخصال(٢) : عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصّفار، عن أحمد وعبدالله ابني عيسى، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن عبيد الله الحلبي، عن أبي عبداللهعليه‌السلام : مثله.

____________________________

(١) الأنفال ٨: ٤١.

(٢) في الطبعة الحجرية « وأمّا » وما أثبتناه من المصدر.

(٣) في نسخة: فهو.

٣ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٦٤ ح ٦٥.

٤ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٦١ ح ٥٢.

(١) في المصدر زيادة: لمن هو.

(٢) الخصال ص ٢٣٥.

٢٨٨

[ ٨٢٤٢ ] ٥ - البحار، عن كتاب الاستدراك: عن التّلعكبري بإسناده عن الكاظمعليه‌السلام ، قال: « قال لي هارون: اتقولون إنّ الخمس لكم؟ قال: نعم، قال: إنّه لكثير، قال: قلت: إنّ الّذي أعطانا(١) علم أنّه لنا غير كثير ».

[ ٨٢٤٣ ] ٦ - سليم بن قيس الهلالي في كتابه: قال: قال امير المؤمنينعليه‌السلام : « قد عملت الولاة قبلي أعمالاً خالفوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، متعمدين لخلافه، ولو حملت النّاس على تركها لتفرّقوا عليّ - إلى أن قال - ولم أعط سهم ذي القربى إلّا من أمر الله بإعطائه، الّذين قال الله عزّوجلّ:( إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّـهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ) (١) فنحن الّذين عنى الله بذي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل فينا خاصّة، لأنّه لم يجعل لنا في سهم الصّدقة نصيباً، أكرم الله نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ النّاس ».

[ ٨٢٤٤ ] ٧ - كتاب عاصم بن حميد الحنّاط: عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام ، عن الخمس، قالعليه‌السلام : « هو لنا، هو لأيتامنا ولمساكيننا ولابن السّبيل منّا، وقد يكون ليس فينا يتيم ولا ابن السّبيل، وهو لنا » الخبر.

[ ٨٢٤٥ ] ٨ - فرات بن إبراهيم الكوفي في تفسيره: عن جعفر بن محمّد بن

____________________________

٥ - البحار ج ٩٦ ص ١٨٨ ح ٢٠.

(١) في المصدر: أعطاناه.

٦ - كتاب سليم بن قيس الهلالي ص ١٦٢ بأختلاف.

(١) الأنفال ٨: ٤١.

٧ - كتاب عاصم بن حميد الحنّاط ٣٦.

٨ - تفسير فرات الكوفي ص ٤٩.

٢٨٩

هشام، معنعنا عن ديلم بن عمرو، قال: إنا لقيام بالشّام إذ جئ بسبي آل محمّدعليهم‌السلام ، حتّى أقيموا على الدّرج، إذ جاء شيخ من أهل الشّام فقال: أنصت لي الحمد الله الّذي قتلكم وقطع قرن الفتنة، قال له علي بن الحسينعليهما‌السلام : « أيّها الشّيخ(١) فقد نصت لك حتّى أبدأت(٢) لي عمّا في نفسك من العداوة، هل قرأت القرآن »؟ قال: نعم، قال: « وجدت لنا فيه حقّاً خاصّة دون المسلمين »، قال: لا، قال: « ما قرأت القرآن »، قال: بلى قد قرأت القرآن، قال: « فما قرأت الأنفال( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّـهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ ) (٣) اتدرون من هم »؟ قال: لا، قال: « فإنّا نحن هم »، قال: لأنكم أنتم(٤) هم؟! قال: « نعم »، فرفع الشّيخ يده إلى السّماء، ثمّ قال: اللّهم إنّي أتوب إليك من قتل آل محمّد، ومن عدواة آل محمّدعليهم‌السلام .

[ ٨٢٤٦ ] ٩ - دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمّدعليهم‌السلام ، أنّه قال: « والخمس لنا أهل البيت، في اليتيم منّا والمسكين وابن السّبيل، وليس فينا مسكين ولا ابن السّبيل اليوم بنعمة الله، فالخمس لنا موفراً، ونحن شركاء النّاس فيما حضرناه في الأربعة الأخماس ».

[ ٨٢٤٧ ] ١٠ - السّيد حيدر الآملي في الكشّكول: عن المفضّل بن عمر قال: قال مولاي الصّادقعليه‌السلام : « لمـّا وليّ أبو بكر قال له

____________________________

(١) في المصدر زيادة: أنصت لي.

(٢) وفيه: أبديت.

(٣) الأنفال ٨: ٤١.

(٤) في المصدر: إنكم لانتم.

٩ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٣٨٦.

١٠ - الكشكول ص ٢٠٣ باختلاف في اللفظ.

٢٩٠

عمر: إنّ النّاس عبيد هذه الدّنيا لا يريدون غيرها، فامنع عن عليّعليه‌السلام الخمس والفئ وفدكاً، فإنّ شيعته إذا علموا ذلك تركوا عليّاًعليه‌السلام رغبة في الدّنيا، وإيثاراً ومحاباة(١) عليها، ففعل ذلك وصرف عنهم جميع ذلك - إلى أن قال - قال عليعليه‌السلام لفاطمةعليها‌السلام : سيري إلى أبي بكر وذكريه فدكاً مع الخمس والفئ، فصارت فاطمةعليها‌السلام إليه، وذكرت فدكاً مع الخمس والفئ، فقال لها: هاتي بيّنة يا بنت رسول الله، فقالت له: أمّا فدك، فأنّ الله عزّوجلّ أنزل على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قرآناً، يأمره فيه بأن يؤتيني وولدي حقّي، قال الله تعالى( فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) (٢) فكنت أنا وولدي أقرب الخلائق إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنحلني وولدي فدكاً، فلمّا تلا عليه جبرئيل( وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ) (٣) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما حقّ المسكين وابن السّبيل؟ فأنزل الله( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّـهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (٤) فقسم الخمس خمسة أقسام، فقال:( مَّا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّـهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ) (٥) فما كان لله فهو لرسوله، وما كان لرسوله فهو لذي القربى، ونحن ذو القربى، قال الله تعالى:( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) فنظر أبو

____________________________

(١) كان في الطبعة الحجرية « ومحاماة »، وما أثبتناه من المصدر.

(٢ و ٣) الروم ٣٠: ٣٨.

(٤) الأنفال ٨: ٤١.

(٥) الحشر ٥٩: ٧.

(٦) الشورى ٤٢: ٢٣.

٢٩١

بكر إلى عمر فقال: ما تقول؟ فقال عمر: [ من ذي القربى ](٧) ومن اليتامى والمساكين وابن السّبيل؟ فقالت فاطمةعليها‌السلام : اليتامى الّذين يأتمون بالله وبرسوله وبذي القربى، والمساكين الّذين أسكنوا معهم في الدّنيا والآخرة، وابن السّبيل الّذي(٨) يسلك مسلكهم، قال عمر: فإذا الفئ والخمس كلّه لكم ولمواليكم ولأشياعكم، فقالت فاطمةعليها‌السلام : أمّا فدك فأوجبها الله لي ولولدي دون موالينا وشيعتنا، وأمّا الخمس فقسمه الله لنا ولموالينا وأشياعنا، كما ترى في كتاب الله، قال عمر: فما لسائر المهاجرين والأنصار والتّابعين لهم بإحسان؟ قالت فاطمةعليها‌السلام : إن كانوا موالينا وأشياعنا فلهم الصّدقات التي قسمها وأوجبها في كتابه، فقال عزّوجلّ:( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ ) (٩) إلى آخر القصّة، قال عمر: فدك لك خاصّة، والفي ء لكم ولأوليائك، ما أحسب أنّ أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يرضون بهذا، قالت فاطمةعليها‌السلام : فإنّ الله رضي بذلك ورسوله رضي له، وقسم على الموالاة والمتابعة، لا على المعاداة والمخالفة » الخبر.

____________________________

(٧) أثبتناه من المصدر.

(٨) كان في الطبعة الحجرية « الّذين » وما أثبتناه من المصدر.

(٩) التوبة ٩: ٦٠.

٢٩٢

٢ -( باب وجوب قسمة الخمس على مستحقّيه بقدر كفايتهم في سنتهم، فإن أعوز فمن نصيب الإمام، فإن فضل شئ فهو له، واشتراط الحاجة في اليتيم والمسكين وابن السّبيل، في بلد الأخذ لا في بلده)

[ ٨٢٤٨ ] ١ - الشّيخ فرات بن إبراهيم الكوفي في تفسيره: قال: حدّثني الحسين بن سعيد، معنعنا عن زيد بن الحسن الأنماطي، قال: سمعت أبان بن تغلب يسأل جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، عن قول الله:( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّـهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّـهَ ) (١) فيمن نزلت؟ قال: « والله فينا نزلت خاصّة(٢) » قلت: فإنّ أبا الجارود روى عن زيد بن عليعليه‌السلام ، أنّه قال: الخمس لنا ما احتجنا إليه، فإذا إستغنينا عنه فليس لنا أن نبني الدّور والقصور، قال: « فهو كما قال زيد، إنّما سألت عن الأنفال، فهي لنا خاصّة ».

____________________________

الباب - ٢

١ - تفسير فرات الكوفي ص ٤٩.

(١) الأنفال ٨: ١.

(٢) في المصدر زيادة: ما أشركنا فيها أحد.

٢٩٣

٢٩٤

أبواب الأنفال وما يختص بالإمام

١ -( باب أنّ الأنفال كلّما يصطفيه من الغنيمة، وكلّ أرض ملكت بغير قتال، وكلّ أرض موات، ورؤوس الجبال، وبطون الأودية، والأجام، وصفايا الملوك وقطائعهم غير المغصوبة، وميراث من لا وراث له، وما غنمه المقاتلون بغير إذنه)

[ ٨٢٤٩ ] ١ - كتاب عاصم بن حميد الحنّاط: عن أبي بصير، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، أنّه قال: « ولنا الصّفي » قال قلت له: وما الصّفي؟ قال: « الصّفي من كلّ رقيق وابل يبتغي(١) أفضله ثمّ يضرب بسهم، ولنا الأنفال » قال: قلت له: وما الأنفال؟ قال: « المعادن منها والأجام، وكلّ أرض لا ربّ لها، ولنا ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وكانت فدك من ذلك ».

[ ٨٢٥٠ ] ٢ - فقه الرضاعليه‌السلام : « أروي عن العالمعليه‌السلام ، أنّه قال: ركز جبرئيلعليه‌السلام برجله حتّى جرت خمسة أنهار، ولسان الماء يتبعه، الفرات ودجلة والنّيل ونهر

____________________________

أبواب الأنفال وما يختص بالإمامعليه‌السلام

الباب - ١

١ - كتاب عاصم بن حميد الحنّاط ص ٣٦.

(١) في المصدر: ينتفي.

٢ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٤٠.

٢٩٥

مهربان ونهر بلخ، فما سقت وسقى منها فللإمام، والبحر المطيف بالدّنيا، وروى أنّ الله عزّوجلّ جعل مهر فاطمةعليها‌السلام خمس الدّنيا، فما كان لها صار لولدهاعليهم‌السلام ».

[ ٨٢٥١ ] ٣ - محمّد بن مسعود العيّاشي في تفسيره: عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: سمعته يقول: « إنّ الفئ والأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة(١) دم، أو قوم صالحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم، وما كان من أرض خربة أو بطون الأودية فهذا كلّه من الفئ، فهذا لله وللرسول، فما كان لله فهو لرسوله يضعه حيث شاء، وهو للإمام من بعد الرّسول ».

[ ٨٢٥٢ ] ٤ - وفي رواية أخرى، عن أحدهما، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: « كلّ من مات لا مولى له ولا ورثة له، فهو من أهل هذه الآية( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّـهِ وَالرَّسُولِ ) (١) ».

[ ٨٢٥٣ ] ٥ - وفي رواية أبي سنان: « هي القرية(١) التي قد جلا أهلها وهلكوا فخربت، فهي لله وللرّسول ».

[ ٨٢٥٤ ] ٦ - وفي رواية محمّد بن سنان ومحمّد الحلبي، عنه

____________________________

٣ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٤٧ ح ٧.

(١) هراق الماء هِراقة: أي صَبَّه. (لسان العرب - هرق - ج ١٠ ص ٣٦٦).

٤ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٤٨ ح ٦.

(١) الأنفال ٨: ١.

٥ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٤٧ ح ٦.

(١) في المصدر: القرى.

٦ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٤٨ ح ١٤.

٢٩٦

عليه‌السلام ، قال: « من مات وليس له مولى، فما له من الأنفال ».

[ ٨٢٥٥ ] ٧ - وفي رواية زرارة عنهعليه‌السلام ، قال: « هي كلّ أرض جلا أهلها، من غير أن يحمل عليهم(١) خيل(٢) ولا ركاب، فهي نفل لله وللرّسول ».

[ ٨٢٥٦ ] ٨ - وعن سماعة بن مهران قال: سألتهعليه‌السلام عن الأنفال، قال: « كلّ أرض خربة، وأشياء تكون للملوك، فذلك خاص للإمامعليه‌السلام ، ليس للنّاس فيه سهم، قال: ومنها البحرين، لم يوجف بخيل ولا ركاب ».

[ ٨٢٥٧ ] ٩ - دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمّدعليهم‌السلام ، أنّه قال: « ما كان من أرض لم يوجف عليها المسلمون ولم يكن فيها قتال، أو قوم صالحوا أو اعطوا بأيديهم، أو ما كان من أرض خراب أو بطون أودية، فذلك كلّه لرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يضعه حيث أحبّ، وهو بعده للإمام، وقوله:( لِلَّـهِ ) تعظيماً له، والأرض وما فيها لله جلّ ذكره، ولنا في الفئ سهم ذوي القربى، ثمّ نحن شركاء النّاس فيما بقي ».

[ ٨٢٥٨ ] ١٠ - وعن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه قال في قول الله عزّوجلّ:( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّـهِ وَالرَّسُولِ ) (١) قال: « هي

____________________________

٧ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٤٨ ح ١٥.

(١) في المصدر: عليها.

(٢) في المصدر زيادة: ولا رجال.

٨ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٤٨ ح ١٨.

٩ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٣٨٥ عن أبي جعفر محمّد بن عليعليهما‌السلام .

١٠ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٣٨٦.

(١) الأنفال ٨: ١.

٢٩٧

كلّ قرية أو أرض لم يوجف عليها المسلمون، وما لم يقاتل عليها المسلمون فهو للإمام يضعه حيث أحبّ ».

[ ٨٢٥٩ ] ١١ - وعن أبي جعفرعليه‌السلام ، في قول الله عزّوجلّ:( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ ) (١) الآية، قال: « من مات وليس له قريب يرثه ولا مولى، فما له من الأنفال ».

٢ -( باب أنّ الأنفال كلّها للإمامعليه‌السلام خاصّة، لا يجوز التّصرف في شئ منها إلّا بإذنه)

[ ٨٢٦٠ ] ١ - محمّد بن مسعود العيّاشي في تفسيره: عن بشير الدّهان، قال: سمعت أباعبداللهعليه‌السلام ، يقول: « إنّ الله فرض طاعتنا في كتابه فلا يسع النّاس جهلنا، لنا صفو المال، ولنا الأنفال، ولنا كرائم القرآن ».

[ ٨٢٦١ ] ٢ - وعنه قال: كنّا عند أبي عبداللهعليه‌السلام ، والبيت غاصّ بأهله، فقال لنا: « احببتم وأبغضنا النّاس، ووصلتم وقطعنا النّاس، وعرفتم وأنكرنا النّاس، وهو الحقّ وأنّ الله اتّخذ محمّداً عبداً قبل أن يتّخذه رسولاً، وأنّ عليّاً عبد نصح لله فنصحه، وأحبّ الله فأحبّه، وحبّنا بين في كتاب الله، لنا صفو المال، ولنا الأنفال » الخبر.

[ ٨٢٦٢ ] ٣ - وعن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفرعليه‌السلام :

____________________________

١١ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٩٢.

(١) الأنفال ٨: ١.

الباب - ٢

١ - تفسير العيّاشي ج ٢ ص ٤٧ ح ٨.

٢ - تفسير العيّاشي ج ٢ ص ٤٨ ح ١٩.

٣ - تفسير العيّاشي ج ٢ ص ٤٩ ح ٢٠.

٢٩٨

( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ ) (١) قال: « ما كان للملوك فهو للإمام » قلت: فإنّهم يقطعون(٢) ما في أيديهم أولادهم ونساءهم وذوي قرابتهم وأشرافهم، حتّى بلغ ذكر من الخصيان، فجعلت لا أقول في ذلك شيئاً، إلّا قال: « وذلك » حتّى قال: « يعطى منه ما بين الدّرهم إلى المائة والألف - ثمّ قال - هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب ».

[ ٨٢٦٣ ] ٤ - وعن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام ، يقول: « في سورة الأنفال جدع الأنوف ».

[ ٨٢٦٤ ] ٥ - وعن أبي الصباح الكناني، قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : « يا أبا الصّباح، نحن قوم فرض الله طاعتنا، لنا الأنفال، ولنا صفو المال، ونحن الرّاسخون في العلم، ونحن المحسودون ».

[ ٨٢٦٥ ] ٦ - وعن أبي مريم الأنصاري، قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام ، عن قوله تعالى:( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ ) (١) الآية، قال: « سهم لله، وسهم للرّسول ». قال قلت: فلمن سهم الله؟ فقال: « للمسلمين ».

قلت: الخبر معارض للأخبار المتضافرة من جهتين، غير مقاوم لها من جهات، فلا يجوز الاعتماد علهيا.

[ ٨٢٦٦ ] ٧ - أبو عبدالله محمّد بن إبراهيم النّعماني في تفسيره: عن أحمد بن

____________________________

(١) الأنفال ٨: ١.

(٢) في المصدر: يعطون.

٤ - تفسير العيّاشي ج ٢ ص ٤٦ ح ٣.

٥ - تفسير العيّاشي ج ١ ص ٢٤٧ ح ١٥٥.

٦ - تفسير العيّاشي ج ٢ ص ٤٩ ح ٢٢.

(١) الأنفال ٨: ١.

٧ - تفسير النعماني ص ٧٠.

٢٩٩

محمّد بن عقدة، عن جعفر بن أحمد بن يوسف، عن إسماعيل بن مهران، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال - بعد كلام له في الخمس -: « ثمّ أنّ للقائم بأمور المسلمين بعد ذلك، الأنفال الّتي كانت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال الله تعالى: يسئلونك الأنفال قل الأنفال لله والرسول فحرّفوها وقالوا: يسئلونك عن الأنفال وإنّما سألوا الأنفال ليأخذوها لأنفسهم، فأجابهم الله تعالى بما تقدّم ذكره، والدّليل على ذلك قوله تعالى:( فَاتَّقُوا اللَّـهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) (١) أي الزموا طاعة الله في أن لا تطلبوا ما لا تستحقّونه، وما كان لله ولرسوله فهو للإمام، وله نصيب آخر من الفئ » الخبر.

[ ٨٢٦٧ ] ٨ - أبو عمرو الكشي في رجاله: عن أبي صالح خالد بن حامد، قال: حدّثني أبو سعيد الآدمي، قال: حدّثني بكر بن صالح، عن عبد الجبّار بن مبارك النّهاوندي، قال: أتيت سيّدي سنة تسع ومائتين فقلت: جعلت فداك، إني رويت عن آبائكعليهم‌السلام : أنّ كلّ فتح فتح بضلالة فهو للامامعليه‌السلام ، فقال: « نعم » قلت: جعلت فداك، فإنّه أتوا بي من بعض الفتوح التي فتحت على الضّلالة، وقد تخلّصت من الّذين ملكوني بسبب من الأسباب، وقد أتيتك مسترقاً مستعبداً، فقال: « قد قبلت » قال: فلمّا حضر خروجي إلى مكّة، قلت له: جعلت فداك إنّي قد حججت وتزوّجت، ومكسبي

____________________________

(١) الأنفال ٨: ١.

٨ - رجال الكشي ج ٢ ص ٨٣٩ ح ١٠٧٦.

٣٠٠

الموقف التاسع:

شروطهعليه‌السلام على المأمون لقبول ولاية العهد، وهي:

((أن لا يولي أحداً، ولا يعزل أحداً، ولا ينقض رسماً، ولا يغير شيئاً مما هو قائم، ويكون في الأمر مشيراً من بعيد)) (١) ، فأجابه المأمون إلى ذلك كله!!!.

وفي ذلك تضييع لجملة من أهداف المأمون.. إذ إن:

١ ـ السلبية تعني الاتهام:

فإن من الطبيعي أن تثير سلبيته هذه الكثير من التساؤلات لدى الناس، ولسوف تكون سبباً في وضع علامات استفهام كبيرة، حول الحكم، والحكام. وكل أعمالهم وتصرفاتهم، إذ إن السلبية إنما تعني: أن نظام الحكم لا يصلح حتى للتعاون معه، بأي نحو من أنحاء التعاون، وإلا فلماذا يرفض ـ حتى ولي العهد ـ التعاون مع نظام هو ولي العهد فيه، ويأبى التأييد لأي من تصرفاته وأعماله؟!.

____________

(١) الفصول المهمة، لابن الصباغ المالكي ص ٢٤١، ونور الأبصار من ص ١٤٣، وعيون أخبار الرضا ج ١ ص ٢٠، و ج ٢ ص ١٨٣، ومواضع أخرى، ومناقب آل أبي طالب ج ٤ ص ٣٦٣، وعلل الشرايع ج ١، ص ٢٣٨، وإعلام الورى ص ٣٢٠، والبحار ج ٤٩ ص ٣٤ و ٣٥، وغيرها، وكشف الغمة ج ٣ ص ٦٩، وإرشاد المفيد ص ٣١٠، وأمالي الصدوق ص ٤٣، وأصول الكافي ص ٤٨٩، وروضة الواعظين ج ١ ص ٢٦٨، ٢٦٩، ومعادن الحكمة ص ١٨٠، وشرح ميمية أبي فراس ص ١٦٥.

٣٠١

٢ ـ رفض الاعتراف بشرعية ذلك النظام:

ولقد قدمنا: أن من جملة أهداف المأمون هو أن يحصل من الإمامعليه‌السلام على اعتراف ضمني بشرعية حكمه وخلافته، كما صرح هو نفسه بذلك (وليعترف بالملك، والخلافة لنا).

والإمام.. بشروطه تلك يكون قد رفض الاعتراف بشرعية النظام القائم. بأي نحو من أنحاء الاعتراف، ولم يعد قبوله بولاية العهد يمثل اعترافا بذلك، ولا يدل على أن ذلك الحكم يمثل الحكم الإسلامي الأصيل.

هذا.. وقد عضد شروطه هذه، بسلوكه السلبي مع المأمون، والهيئة الحاكمة، طيلة فترة ولاية العهد، يضاف إلى ذلك تصريحاته المتكررة، التي تحدثنا عنها فيما سبق.

٣ ـ النظام القائم لا يمثل وجهة نظره في الحكم:

والأهم من كل ذلك: أن شروطه هذه كانت بمثابة الرفض القاطع لتحمل المسؤولية عن أي تصرف يصدر من الهيئة الحاكمة. وليس للناس ـ بعد هذا ـ أن ينظروا إلى تصرفات وأعمال المأمون وحزبه، على أنها تحظى برضى الإمامعليه‌السلام وموافقته. ولا يمكن لها ـ من ثم ـ أن تعكس وجهة نظرهعليه‌السلام في الحكم ورأيه في أساليبه، التي هي في الحقيقة وجهة نظر الإسلام الصحيح فيه. الإسلام.. الذي يعتبر الأئمةعليه‌السلام الممثلين الحقيقيين له، في سائر الظروف، ومختلف المجالات..

وانطلاقاً مما تقدم: نراهعليه‌السلام يرفض ما كان يعرضه عليه المأمون، من: كتابة بتولية أو عزل إلى أي إنسان.. ويرفض أيضاً: أن يؤم الناس في الصلاة مرتين.. إلى آخر ما سيأتي بيانه.

وفي كل مرة كان يرفض فيها مطالب المأمون هذه نراه يحتج عليه بشروطه تلك، فلا يجد المأمون الحيلة لما يريده، وتضيع الفرصة من يده، ولا بد من ملاحظة: أنه عندما أصر عليه المأمون بأن يؤم الناس في الصلاة، ورأىعليه‌السلام : أنه لا بد له من قبول ذلك ـ نلاحظ ـ: أنه اشترط عليه أن يخرج كما كان يخرج جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا كما يخرج الآخرون..

٣٠٢

ولم يكن المأمون يدرك مدى أهمية هذا الشرط، ولا عرف أهداف الإمام من وراء اشتراطه هذا، فقال له ولعله بدون اكتراث: أخرج كيف شئت.. وكانت نتيجة ذلك.. أنهعليه‌السلام قد أفهم الناس جميعاً:

أن سلوكه وأسلوبه، وحتى مفاهيمه، تختلف عن كل أساليب ومفاهيم وسلوك الآخرين. وأن خطه هو خط محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنهاجه هو منهاج عليعليه‌السلام ، ربيب الوحي، وغذي النبوة، وليس هو خط المأمون وسواه من الحكام، الذين اعتاد الناس عليهم، وعلى تصرفاتهم وأعمالهم.

ولم يعد يستطيع المأمون، أن يفهم الناس: أن الحاكم: من كان، ومهما كان، هذا هو سلوكه، وهذه هي تصرفاته. وأن كل شخصية: من ومهما كانت، وإن كانت قبل أن تصل إلى الحكم تتخذ العدل، والحرية: والمساواة، وغير ذلك شعارات لها، إلا أنها عندما تصل إلى الحكم، لا يمكن إلا أن تكون قاسية ظالمة، مستأثرة بكل شيء، ومستهترة بكل شيء، ولذا فليس من مصلحة الناس أن يتطلعوا إلى حكم أفضل مما هو قائم، حتى ولو كان ذلك هو حكم الإمامعليه‌السلام المعروف بعلمه وتقواه وفضله الخ.. فضلاً عن غيره من العلويين أو من غيرهم ـ لم يعد يستطيع أن يقول ذلك ـ لأن الواقع الخارجي قد أثبت عكس ذلك تماماً، إذ قد رأينا: كيف أن الإمامعليه‌السلام بشروطه تلك، وبسائر مواقفه من المأمون ونظام حكمه.. يضيع على المأمون هذه الفرصة، ولم تجده محاولاته فيما بعد شيئاً، بل إن كثيراً منها كان سوءا ووبالاً عليه، كما سيأتي.

٤ ـ لا مجال بعد للمأمون لتنفيذ مخططاته:

ولعل من الواضح: أن شروطه تلك قد مكنته من أن يقطع الطريق على المأمون، ولا يمكنه من استغلال الظروف لتنفيذ بقية حلقات مؤامرته، إذ لم يعد بإمكانه أن يصر على الإمام أن يقوم بأعمال تنافي وتضر بقضيته هو، وقضية العلويين، ومن ثم تؤثر على الأمة بأسرها.. وعدا عن ذلك فإن هذه الشروط، قد حفظت لهعليه‌السلام حياته في حمام سرخس، حيث كان المأمون قد حاك مؤامرته للتخلص من وزيره وولي عهده مرة واحدة، كما سيأتي بيانه.. مما يعني أن سلبيتهعليه‌السلام مع النظام كانت أمراً لابد منه، إذا أراد أن لا يعرض نفسه إلى مشاكل، وأخطار هو في غنى عنها.. والذي أمن له هذه السلبية ليس إلا شروطه تلك، التي جعلت من لعبة ولاية العهد لعبة باهتة مملة لا حياة فيها، ولا رجاء..

٣٠٣

ولعل الأهم من كل ذلك.. أنها ضيعت على المأمون الكثير من أهدافه من البيعة، التي صرح الإمامعليه‌السلام أنه كان عارفاً بها، ولم يكن له خيار في تحملها، والصبر عليها، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

وعدا عن ذلك كله أن تعاونه مع النظام إنما يعني أن يحاول تصحيح السلوك، وتلافي الأخطاء، التي كان يقع فيها الحكم، والهيئة الحاكمة. وذلك معناه أن ينقلب جهاز الحكم كله ضد الإمام، ويجد المأمون ـ من ثم ـ العذر، والفرصة لتصفيتهعليه‌السلام من أهون سبيل، فشروطه تلك أبعدت عنه الخطر ـ إلى حد ما ـ الذي كان يتهدده من قبل المأمون وأشياعه، وجعلته ـ كما قلنا ـ في منأى ومأمن من كل مؤامراتهم ومخططاتهم.

٥ ـ الإمام.. لا ينفذ إرادات الحكم:

ولعل من الأهمية بمكان.. أن نشير إلى أنهعليه‌السلام كان يريد بشروطه تلك أن يفهم المأمون: أنه ليس على استعداد لتنفيذ إرادات الحكم، والحاكم، ولا على استعداد لأن يقتنع بالتشريفات، والأمور الشكلية، فإنه.. بصفته القائد والمنقذ الحقيقي للأمة، لا يمكن أن يرضى بديلاً عن أن ينقذ الأمة، ويرتفع بها من مستواها الذي أوصلها إليه الطواغيت والظلمة، الذين جلسوا في مكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأوصيائهعليهم‌السلام ، وحكموا بغير ما أنزل الله.

إنه يريد أن يخدم الأمة، ويحقق لها مكاسب تضمن لها الحياة الفضلى، والعيش الكريم، ولا يريد أن يخدم نفسه، ويحقق مكاسب شخصيته على حساب الآخرين، ولذلك فهو لا يستطيع أن يقتنع بالسطحيات والشكليات التي لا تسمن، ولا تغني من جوع..

٦ ـ لا زهد أكثر من هذا:

إنه مضافاً إلى أن مجرد رفض الإمام كلا عرضي المأمون: الخلافة، وولاية العهد، دليل قاطع على زهده فيه. فإن هذه الشروط كان لها عظيم الفائدة، وجليل الأثر في الإظهار لكل أحد أن الإمام ليس رجل دنيا، ولا طالب جاه ومقام. وما أراده المأمون من إظهار الإمام على أنه لم يزهد بالدنيا، وإنما الدنيا هي التي زهدت فيه.. لم يكن إلا هباء اشتدت به الريح في يوم عاصف.. ولم تفلح بعد محاولات المأمون وعمله الدائب، من أجل تشويه الإمام والنيل من كرامته.

٣٠٤

ولقد قدمنا: أن الإمامعليه‌السلام قد واجه نفس المأمون بحقيقة نواياه، وأفهمه أن خداعه لن ينطلي عليه، ولن تخفى عليه مقاصده، ولذا فإن من الأفضل والأسلم له أن يكف عن كل مؤامراته ومخططاته.. وإلا فإنه إذا ما أراد إجبار الإمام على التعاون معه، فلسوف يجد أنهعليه‌السلام على استعداد لفضحه، وكشف حقيقته وواقعه أمام الملأ، وإفهام الناس السبب الذي من أجله يجهد المأمون ليزج بالإمامعليه‌السلام في مجالات لا يرغب، بل واشترط عليه أن لا يزج فيها ـ كما فعل في مناسبات عديدة ـ الأمر الذي لن يكون أبداً في صالح المأمون، ونظام حكمه..

ومن هنا رأيناهعليه‌السلام يجيب الريان عندما سأله عن سر قبوله بولاية العهد، وإظهاره الزهد بالدنيا ـ يجيبه ـ: ببيان أنه مجبر على هذا الأمر، ويذكره بالشروط هذه، التي يعني أنه قد دخل فيه دخول خارج منه، كما تقدم..

وهكذا.. وبعد أن كانعليه‌السلام سلبياً مع النظام، وبعد رفضه لكلا عرضي المأمون، وبعد أن اشترط هذه الشروط للدخول في ولاية العهد، فليس من السهل على المأمون، ولا على أي إنسان آخر أن ينسب إليهعليه‌السلام : أنه رجل دنيا فقط، وأنه ليس زاهدا في الدنيا، وإنما هي التي زهدت فيه.

وعلى كل حال: ورغم كل محاولات المأمون تلك.. فقد استطاع الإمامعليه‌السلام ، بفضل وعيه، ويقظته، وإحكام خطته: أن يبقى القمة الشامخة للزهد، والورع، والنزاهة، والطهر، وكل الفضائل الإنسانية، وإلى الأبد.

الموقف العاشر:

موقفهعليه‌السلام في صلاتي العيد.. ففي إحداهما:

(بعث المأمون له يسأله: أن يصلي بالناس صلاة العيد، ويخطب، لتطمئن قلوب الناس، ويعرفوا فضله، وتقر قلوبهم على هذه الدولة المباركة، فبعث إليه الرضاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال:((قد علمت ما كان بيني وبينك من الشرط في دخولي في هذا الأمر، فأعفني من الصلاة بالناس، فقال المأمون: إنما أريد بهذا أن يرسخ في قلوب العامة، والجند، والشاكرية هذا الأمر، فتطمئن قلوبهم، ويقروا بما فضلك الله تعالى به..

٣٠٥

ولم يزل يراده الكلام في ذلك. فلما ألح عليه قال:يا أمير المؤمنين، إن أعفيتني من ذلك، فهو أحب إلي، وإن لم تعفني خرجت كما كان يخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكما خرج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام )) قال المأمون: أخرج كيف شئت..

وأمر المأمون القواد، والحجاب، والناس: أن يبكروا إلى باب أبي الحسنعليه‌السلام ، فقعد الناس لأبي الحسن في الطرقات، والسطوح: من الرجال، والنساء، والصبيان، وصار جميع القواد، والجند إلى بابهعليه‌السلام ، فوقفوا على دوابهم حتى طلعت الشمس.

فلما طلعت الشمس قام الرضاعليه‌السلام فاغتسل، وتعمم بعمامة بيضاء من قطن، وألقى طرفاً منها على صدره، وطرفاً بين كتفيه، ومس شيئاً من الطيب، وتشمر. ثم قال لجميع مواليه:((افعلوا مثل ما فعلت)) .

ثم أخذ بيده عكازة، وخرج، ونحن بين يديه، وهو حاف قد شمر سراويله إلى نصف الساق، وعليه ثياب مشمرة..

فلما قام، ومشينا بين يديه، رفع رأسه إلى السماء، وكبر أربع تكبيرات، فخيل إلينا: أن الهواء والحيطان تجاوبه، والقواد والناس على الباب، قد تزينوا، ولبسوا السلاح، وتهيئوا بأحسن هيئة..

فلما طلعنا عليهم بهذه الصورة: حفاة، قد تشمرنا. وطلع الرضا وقف وقفة على الباب، وقال:((.. الله أكبر، الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام، والحمد لله على ما أبلانا)) . ورفع بذلك صوته، ورفعنا أصواتنا.

فتزعزعت مرو بالبكاء، فقالها: ثلاث مرات، فلما رآه القواد والجند على تلك الصورة، وسمعوا تكبيره سقطوا كلهم من الدواب إلى الأرض، ورموا بخفافهم، وكان أحسنهم حالاً من كان معه سكين قطع بها شرابة جاجيلته ونزعها، وتحفى.. وصارت مرو ضجة واحدة، ولم يتمالك الناس من البكاء والضجة.

فكان أبو الحسن يمشي، ويقف في كل عشر خطوات وقفة يكبر الله أربع مرات: فيتخيل إلينا: أن السماء، والأرض، والحيطان تجاوبه.

وبلغ المأمون ذلك، فقال له الفضل بن سهل ذو الرئاستين: يا أمير المؤمنين: إن بلغ الرضا المصلى على هذا السبيل افتتن به الناس، وخفنا كلنا على دمائنا، فالرأي أن تسأله أن يرجع..

٣٠٦

فبعث المأمون إلى الإمام يقول له: إنه قد كلفه شططا، وأنه ما كان يحب أن يتعبه، ويطلب منه: أن يصلي بالناس من كان يصلي بهم..

فدعا أبو الحسن بخفه، فلبسه، ورجع.

واختلف أمر الناس في ذلك اليوم، ولم ينتظم في صلاتهم إلخ..)(١) .

ولقد قال البحري يصف هذه الحادثة والظاهر أنه يمين بن معاوية العائشي الشاعر على ما في تاج العروس:

ذكـروا بطلعتك النبي، فهللوا

لما طلعت من الصفوف وكبروا

حتى انتهيت إلى المصلى لابساً

نـور الهدى يبدو عليك فيظهر

ومـشيت مشية خاشع متواضع

لـله، ولا يـزهى، ولا يـتكبر

ولـوان مـشتاقا تكلف غير ما

في وسعه لمشى إليك المنبر(٢)

ومما يلاحظ هنا: أنه في هذه المرة أرسل إليه من يطلب منه أن يرجع. ولكننا في مرة أخرى نراه يسارع بنفسه، ويصلي بالناس، رغم تظاهره بالمرض..

وعلى كل حال.. فإننا وإن كنا قد تحدثنا في هذا الفصل، وفي فصل: ظروف البيعة وسنتحدث فيما يأتي عن بعض ما يتعلق بهذه الرواية، إلا أننا سوف نشير هنا إلى نقطتين فقط.. وهما:

١ ـ الأثر العاطفي، والقاعدة الشعبية:

فنلاحظ: أننا حتى بعد مرور اثني عشر قرنا على هذه الواقعة، لا نملك أنفسنا ونحن نقرأ وقائعها، من الانفعال والتأثر بها، فكيف إذن كانت حال أولئك الذين قدر لهم أن يشهدوا ذلك الموقف العظيم؟!.

____________

(١) قد ذكرنا بعض مصادر هذه الرواية في فصل: ظروف البيعة.. فراجع..

(٢) مناقب آل أبي طالب. لابن شهر آشوب ج ٤ ص ٣٧٢، ولكن هذا الشعر ينسب أيضاً للبحتري في المتوكل عندما خرج لصلاة العيد.. وانتحال الشعر، وكذلك الاستشهاد بشعر الآخرين، في المواضع المناسبة ظاهرة شائعة في تلك الفترة ومن يدري فلعل الشعر للبحتري ونسب للبحري أو لعله للبحري وانتحله أو نسب للبحتري، ولعل البحتري قد صحف وصار: البحري.. ولعل العكس.

٣٠٧

وغني عن البيان هنا: أن شأن هذه الواقعة هو شأن واقعة نيشابور، من حيث دلالتها دلالة قاطعة على كل ما كان للرضا من عظمة وتقدير في نفوس الناس وقلوبهم، وعلى مدى اتساع القاعدة الشعبية لهعليه‌السلام ..

٢ ـ لماذا يجازف المأمون بإرجاعهعليه‌السلام :

وإذا كان هدف المأمون من الإصرار على الإمام بأن يصلي بالناس هو أن يخدع الخراسانيين والجند والشاكرية، ويجعلهم يطمئنون على دولته المباركة فإنه من الواضح أيضاً أن إرجاع المأمون للإمامعليه‌السلام في مثل تلك الحالة، وذلك التجمع الهائل، وتلك الثورة العاطفية في النفوس، كان ينطوي على مجازفة ومخاطرة لم تكن لتخفى على المأمون، وأشياعه، حيث لا بد وأن يثير تصرفه هذا حنق تلك الجماهير التي كانت في قمة الهيجان العاطفي، ويؤكد كراهيتها له.. وعلى الأقل لن تكون مرتاحة لتصرفه هذا على كل حال.

وبعد هذا.. فإنه إذا كان المأمون يخشى من مجرد إقامة الإمام للصلاة.. فلا معنى لأن يلح عليه هو بقبولها.. وكذلك لا معنى لأن يخشى ذلك الهيجان العاطفي، وتلك الحالة الروحية، التي أثارها فعل الإمامعليه‌السلام وتصرفه في هذا الموقف.. فذلك إذن ما لم يكن يخافه ويخشاه.. فمن أي شيء خاف المأمون إذن؟! إنه كان يخشى ما هو أعظم وأبعد أثراً، وأشد خطراً.. إنه خشي من أن الرضا إذا ما صعد المنبر، وخطب الناس، بعد أن هيأهم نفسيا، وأثارهم عاطفيا إلى هذا الحد ـ خشي ـ أن يأتي بمتمم لكلامه الذي أورده في نيشابور:((وأنا من شروطها..)) وأنه ظهر إليهم على الهيئة التي كان يخرج عليها النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ووصيه عليعليه‌السلام وهو أمر جديد عليهم.. ما من شأنه أن يجعل المأمون وأشياعه لا يأمنون بعد على أنفسهم، كما ذكر الفضل بن سهل.. ولسوف يحول الإمام مرواً من معقل للعباسيين والمأمون، وعاصمة، وحصن قوي لهم ضد أعدائهم ـ من العرب وغيرهم ـ سوف يحولها إلى حصن لأعداء العباسيين والمأمون، حصن لأئمة أهل البيت. ففضل المأمون: أن يختار إرجاعهعليه‌السلام عن الصلاة، لأنه رأى أن ذلك هو أهون الشرين، وأقل الضررين..

ولقد جرب المأمون الرضا أكثر من مرة، وأصبح يعرف أنه مستعد لأن يعلن رأيه صراحة في أي موقف تؤاتيه فيه الفرصة، ويقتضي الأمر فيه ذلك. ولم ينس بعد موقفه في نيشابور، ولا ما كتبه في وثيقة العهد، ولا غير ذلك من مواقفهعليه‌السلام وتصريحاته في مختلف الأحوال والظروف..

٣٠٨

الموقف الحادي عشر:

وأخيراً.. فقد كان سلوك الإمامعليه‌السلام العام، سواء بعد عقد ولاية العهد له، أو قبلها. يمثل ضربة لكل خطط المأمون ومؤامراته، ذلك السلوك المثالي، الذي لم يتأثر بزبارج الحكم وبهارجه.. ويكفي أن نذكر هنا ما وضعه به إبراهيم بن العباس، كاتب القوم وعاملهم، حيث قال: (ما رأيت أبا الحسن جفا أحداً بكلامه قط، وما رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه. وما رد أحداً عن حاجة يقدر عليها، ولا مد رجليه بين يدي جليس له قط. ولا اتكأ بن يدي جليس له قط، ولا شتم أحداً من مواليه ومماليكه قط، ولا رأيته تفل قط، ولا رأيته يقهقه في ضحكه قط، بل كان ضحكه التبسم. وكان إذا خلا، ونصبت مائدته أجلس معه على مائدته مماليكه، حتى البواب والسائس.

وكان قليل النوم بالليل، يحيى أكثر لياليه من أولها إلى الصبح. وكان كثير الصيام، فلا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر، ويقول:((ذلك صوم الدهر)) . وكان كثير المعروف والصدقة في السر، وأكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة، فمن زعم أنه رأى مثله في فضله، فلا تصدقوه..)(١) .

وهذه الصفات بلا شك قد أسهمت إسهاماً كبيراً في أن يكون الإمامعليه‌السلام هو الأرضى في الخاصة والعامة، وأن تنفذ كتبه في المشرق والمغرب، إلى غير ذلك مما تقدم..

الحكم ليس امتيازاً وإنما هو مسؤولية:

وقد اعترض عليه بعض أصحابه، عندما رآه يأكل مع خدمه وغلمانه، حتى البواب والسائس، فأجابهعليه‌السلام :((مه، إن الرب تبارك وتعالى واحد، والأم واحدة، والأب واحد، والجزاء بالأعمال..)) (٢) .

وقال له أحدهم: أنت والله خير الناس، فقال له الإمام:((لا تحلف يا هذا، خير مني من كان أتقى لله تعالى. وأطوع له، والله ما

____________

(١) كلام إبراهيم بن العباس هذا معروف ومشهور، تجده في كثير من كتب التاريخ والرواية، ولذا فلا نرى أننا بحاجة إلى تعداد مصادره.

(٢) البحار ج ٤٩ ص ١٠١، والكافي الكليني، ومسند الإمام الرضا ج ١ قسم ١ ص ٤٦.

٣٠٩

نسخت هذه الآية: ( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ.. ) )) (١) .

وقال لإبراهيم العباسي إنه لا يرى أن قرابته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تجعله خيراً من عبد أسود، إلا أن يكون له عمل صالح فيفضله به(٢) .

وقال رجل له: ما على وجه الأرض أشرف منك إباء. فقال:((التقوى شرفتهم، وطاعة الله أحظتهم))( ٣) .

وما نريد أن نشير إليه ونؤكد عليه هنا، هو أنهعليه‌السلام يريد بذلك أن يفهم الملأ: أن الحكم لا يعطي للشخص ـ من كان، ومهما كان ـ امتيازاً، ولا يجعل له من الحقوق ما ليس لغيره، وإنما الامتياز ـ فقط ـ بالتقوى والفضائل الأخلاقية.. وكل شخص حتى الحاكم سوف يلقى جزاء أعماله: إن خيراً فخير، وإن شرا فشر، وعليه فما يراه الناس من سلوك الحكام، ليس هو السلوك الذي يريده الله، وتحكم به النواميس الأخلاقية، والإنسانية. والامتيازات التي يجعلونها لأنفسهم، ويستبيحون بها ما ليس من حقهم لا يقرها شرع، ولا يحكم بها قانون..

وبكلمة مختصرة: إن الإمامعليه‌السلام يرى: أن الحكم ليس امتيازاً، وإنما هو مسؤولية.

وعلى كل حال.. فإن سلوك الإمامعليه‌السلام ، لخير دليل على ما كان يتمتع به من المزايا الأخلاقية، والفضائل النفسية.. ويكفي أنه لم يظهر منهعليه‌السلام طيلة الفترة التي عاشها في الحكم إلا ما ازداد به فضلاً بينهم، ومحلاً في نفوسهم، على حد تعبير أبي الصلت. وعلى حد تعبير شخص آخر: أقام بينهم لا يشركهم في مأثم من مآثم الحكم.. بل لقد كان لوجوده أثر كبير في تصحيح جملة من الأخطاء والانحرافات التي اعتادها الحكام آنئذٍ.. حتى لقد استطاع أن يؤثر على نفس المأمون، ويمنعه من الشراب والغناء، طيلة الفترة التي عاشها معه، إلى آخر ما هنالك، مما لسنا هنا في صدد تتبعه واستقصائه.

____________

(١) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٣٦، ومسند الإمام الرضا ج ١ قسم ١ ص ٤٦.

(٢) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٣٧.

(٣) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٣٦. ومسند الإمام الرضا ج ١ قسم ١ ص ٤٦.

٣١٠

وفي نهاية المطاف نقول:

وحسبنا هنا ما ذكرنا من الأمثلة، التي نحسب أنها تكفي لأن تلقي ضوءاً كاشفاً على الخطة التي اتبعها الإمامعليه‌السلام في مواجهة خطط المأمون ومؤامراته.. تلك الخطة التي كانت تكفي لأن لا تبقى الصورة التي أرادها المأمون في أذهان الناس، ولا مبرر للشكوك لأن تبقى تراود نفوسهم.

ولقد نجحت تلك الخطة نجاحا أذهل المأمون، وأعوانه، وجعلهم يتصرفون بلا روية، ويقعون بالمتناقضات.. حتى لقد أشرف المأمون منه على الهلاك. حسبما صرح به المأمون نفسه. وكانت النتيجة أن دبر فيه المأمون بما يحسم عنه مواد بلائه، كما وعد حميد بن مهران، وجماعة من العباسيين.

القسم الرابع

من خلال الأحداث

١ ـ مع بعض خطط المأمون..

٢ ـ كاد المريب أن يقول خذوني.

٣ ـ ما يقال حول وفاة الإمام..

٤ ـ دعبل والمأمون.

٥ ـ كلمة ختامية.

مع بعض خطط المأمون

التوجيهات الراضية غير مقبولة:

كل ما تقدم يلقي لنا ضوءاً على بعض نوايا المأمون مع الإمامعليه‌السلام ، وعلى كثير من الأحداث التي اكتنفت ذلك الحدث التاريخي الهام.

وإننا حتى لو سلمنا جدلاً، وغضضنا النظر عن كل تلك الأسئلة، وعلامات الاستفهام التي يمكن استخلاصها مما تقدم.. فإننا لا نستطيع ـ مع ذلك ـ أن نعتبر البيعة صادرة عن حسن نية، وسلامة طوية.

٣١١

ولا أن نقبل بالتوجيهات الراضية عن تصرفاته، طيلة فترة ولاية العهد، وبعدها تجاه الإمام، الذي كان يكبر المأمون بـ (٢٢‍) سنة، والذي كان مجبراً على قبول هذا الأمر، ومهددا بالقتل إن لم يقبل. ولم يتركه وشأنه ما دام أنه لا يريد أن يتقلد هذا الشرف الذي تتهافت النفوس عليه، وتزهق الأرواح من أجله.

نعم.. إننا لا نستطيع أن نسلم بذلك، ونحن نرى منه تلك التصرفات والمواقف المشبوهة، بل والمفضوحة تجاه الإمامعليه‌السلام ، والتي لا تبقي مجالاً للشك في حقيقة نواياه وأهدافه من كل ما أقدم وما كان عاقداً العزم على الإقدام عليه..

وهذا الفصل معقود للحديث عن بعض تلك التصرفات، ومن أجل بيان تلك الخطط.

المأمون يفضح نفسه:

وقد تعجب إذا قلنا لك: إن المأمون نفسه يصرح ببعض خططه، التي كانت تصرفاته تدور في فلكها، ويعلن بعض الدوافع، ويبوح ببعض النوايا تجاه الإمام، وبالنسبة لقضية ولاية العهد فإليك ما أجاب به حميد بن مهران، وجمعاً من العباسيين، عندما عاتبوه ولاموه على ما أقدم عليه، من البيعة للرضاعليه‌السلام يقول المأمون:

(.. قد كان هذا الرجل مستتراً عنا، يدعو إلى نفسه، فأردنا أن نجعله ولي عهدنا، ليكون دعاؤه لنا، وليعترف بالملك والخلافة لنا، وليعتقد فيه المفتونون به بأنه ليس مما ادعى في قليل ولا كثير، وأن هذا الأمر لنا دونه.

وقد خشينا إن تركناه على تلك الحال: أن ينفتق علينا منه ما لا نسده، ويأتي علينا ما لا نطيقه..

والآن.. فإذ قد فعلنا به ما فعلنا، وأخطأنا في أمره بما أخطأنا. وأشرفنا من الهلاك بالتنويه باسمه على ما أشرفنا، فليس يجوز التهاون في أمره. ولكننا نحتاج إلى أن نضع منه قليلاً، قليلاً، حتى نصوره عند الرعية بصورة من لا يستحق هذا الأمر، ثم ندبر فيه بما يحسم عنا مواد بلائه..).

ثم طلب منه حميد بن مهران: أن يسمح له بمجادلة الإمامعليه‌السلام ، ليفحمه، وينزله منزلته، ويبين للناس قصوره، وعجزه، فقال المأمون: (لا شيء أحب إلي من هذا).

٣١٢

ثم كانت النتيجة عكس ما كان يتوقعه المأمون والعباسيون، وأشياعهم وباءوا كلهم بالفشل الذريع، والخيبة القاتلة(١) .

والذي يعنينا الحديث عنه هنا:

هو قوله: وقد خشينا إن تركناه على تلك الحال.. إلى آخر ما نقلناه عنه آنفاً، فإنها أوضحت أن المأمون الذي كان يخشى الإمام خشية شديدة، كان يخطط أولاً إلى أخذ زمام المبادرة من الإمام، وتحاشي الاصطدام معه ثم كان يخطط بعد ذلك إلى الوضع منهعليه‌السلام قليلاً قليلاً إلى آخر ما تقدم..

ولا يرد: أن كلام المأمون مع حميد بن مهران ظاهره: أنه لم يكن يريد في بادئ الأمر الحط من الإمامعليه‌السلام ، وإنما بدا له ذلك حين قوي مركز الإمامعليه‌السلام ، واستحكم أمره.. لا يرد ذلك..

لأن كلامه هذا لا ينفي أنه كان يريد من أول الأمر ذلك. بل هو يؤكد ذلك. لأنه يصرح فيه: أنه إنما قدم على ما أقدم عليه، عندما رأى افتتان الناس بهعليه‌السلام ، فأراد أن يعمل عملا يفقد الإمامعليه‌السلام مركزه، ويقضي على كل نشاطاته، ويذهب بماله من القدرة والنفوذ نهائياً، وإلى الأبد.

ولقد تحدثنا فيما سبق عن بعض تصرفاته التي تدور في فلك خطط تلك مثل: فرضه للرقابة على الإمامعليه‌السلام ، والتضييق عليه، فلا يصل إليه إلا من أحب، وعزله عن شيعته ومواليه، وأيضاً تفريقه الناس عنه، عندما أخبر أنه يقوم بمهمة التدريس، وكذلك قضية صلاة العيد، وغير ذلك ما تقدم.

____________

(١) راجع: شرح ميمية أبي فراس ص ١٩٦، وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٧٠، والبحار ج ٤٩ ص ١٨٣، ومسند الإمام الرضا ج ٢ ص ٩٦.

٣١٣

نزيد هنا بعض الأمور الأخرى، التي وإن كان قد سبق الحديث عن بعضها، ولكنه كان حديثا من زاوية أخرى، ومن أجل استفادة أمور غير الأمور التي نحاول استفادتها منها هنا. وذلك أمر طبيعي، ولا يكون تكراراً ما دام أن الواقعة الواحدة قد يكون لها دلالات متعددة، وإفادات مختلفة.. ولذا فإننا نقول:

لماذا على البصرة فالأهواز:

إن من جملة الأمور التي كانت من جملة خطط المأمون للتأثير على مكانة الإمامعليه‌السلام وحتى على معنوياته النفسية.. الطريق الذي أمر رجاء ابن أبي الضحاك(١) قرابة الفضل بن سهل، والذي كان من قواد المأمون، وولاته ـ أمره ـ بسلوكه، عندما أرسله ليأتي بالإمامعليه‌السلام من المدينة إلى مرو مهما كلفه الأمر..

فقد أمره: أن يجعل طريقه بالإمام (على البصرة، والأهواز، ففارس. وحذره كثيراً من المرور على طريق الكوفة، والجبل، وقم)(٢) .

____________

(١) وذكر أبو الفرج، والمفيد: أن المرسل هو الجلودي، ولكن الصحيح هو الذي ذكرناه.. إذ من الخطأ أن يرسله المأمون لإحضار الرضاعليه‌السلام ، لأن ذلك يضر بقضيته، ويفسد عليه ما كان دبره، لأنه موجب لسوء ظن الرضاعليه‌السلام ، والعلويين، وسائر الناس، وتنبههم مبكرا لحقيقة الأمر، وواقع القضية.

وذلك لأن الجلودي هو الذي أمره الرشيد: أن يغير على دور آل أبي طالب، ويسلب نساءهم إلخ ما تقدم.. كما أنه كان عدواً متجاهراً للإمامعليه‌السلام ، وقد سجنه المأمون بسبب معارضته للبيعة للرضاعليه‌السلام بولاية العهد! ولعل سر خطأهم هو أن الجلودي كان والياً على المدينة من قبل المأمون، حين استقدام المأمون للإمام إلى مرو، حسبما جاء في كتاب: الإمام الرضا ولي عهد المأمون ص ٣٥.

(٢) تهذيب التهذيب ج ٧ ص ٣٨٧، وتاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ١٧٦، وينابيع المودة ص ٣٨٤، والخرائج والجرائح طبعة حجرية ص ٢٣٦. وإثبات الوصية ص ٢٠٥.

وإعلام الورى ص ٣٢٠، وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٤٩، ١٨٠، والكافي ج ١ ص ٤٨٦، ومسند الإمام الرضا ج ١ ص ٤٠ والبحار ج ٤٩ ص ٩١، ٩٢ ١١٨ و ١٣٤، وكشف الغمة ج ٣ ص ٦٥، وغير ذلك كثير.

٣١٤

بل لقد ورد: أن المأمون قد كتب إلى الرضا نفسه، يقول له: (لا تأخذ على طريق الجبل وقم. وخذ على طريق البصرة، فالأهواز، ففارس..)(١) .

وسر ذلك واضح، فإن أهل الكوفة، وقم، كانوا معروفين بالتشيع للعلويين(٢) وأهل البيت، ومرور الإمام عليه‌السلام من هذين البلدين، وخصوصاً الكوفة، التي كانت تعتبر من المراكز الحساسة جداً في الدولة.. سوف يكون من نتيجته: أن يستقبله أهلها بما يليق بشأنه: من الإجلال، والإعزاز والتكريم.

____________

(١) أصول الكافي ج ١ ص ٤٨٩، وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٤٩ و ١٨٠، وشرح ميمية أبي فراس ص ١٦٥، ومعادن الحكمة ص ١٨٠، وإثبات الوصية للمسعودي ص ٢٠٤، ومسند الإمام الرضا ج ١ ص ٧٣، والبحار ج ٤٩ ص ١٣٤.

(٢) تشيع أهل الكوفة وقم أشهر من أن يحتاج إلى بيان، أو إقامة برهان.. لكننا نورد ـ مع ذلك ـ بعض الشواهد، تبصرة للقارئ، فنقول: أما الكوفة: فقد تقدم قول محمد بن علي العباسي أنها وسوادها شيعة علي وولده.. وفي الطبري، وابن الأثير، وغيرهما تجد قول عبد الله بن علي للمنصور، عندما استشاره في أمر محمد بن عبد الله بن الحسن: (.. ارتحل الساعة حتى تأتي الكوفة، فاجثم على أكتافهم، فإنهم شيعة أهل هذا البيت، وأنصاره الخ)، وفي قضية وفاة السيد الحميري، التي ذكرها المرزباني في كتابه أخبار السيد الحميري دلالة واضحة على تشيع الكوفيين، وانحراف البصريين..

ولأجل ذلك نرى المأمون يستقبل وفدا من أهل الكوفة في منتهى الغلظة والجفاء، فراجع مروج الذهب ج ٣ ص ٤٢١. وفي البداية والنهاية ج ١٠ ص ٩٣: أن المنصور قد اعترف بأن لإبراهيم بن عبد الله بن الحسن في الكوفة مئة ألف سيف مغمدة، وأعرب عن مخاوفه من تشيع أهل الكوفة للعلويين، وولائهم لهم.. بل إننا لا نستبعد أن يكون بناء المنصور لبغداد هو من أجل أن يبتعد عن الكوفة، وأهلها، ويأمن على نفسه، قال البلاذري في فتوح البلدان ص ٤٠٥: (أخذ المنصور أهل الكوفة بحفر خندقها. وألزم كل امرئ للنفقة عليه أربعين درهما. وكان ذاما لهم. لميلهم إلى الطالبيين، وإرجافهم بالسلطان..) وقد تقدم أنه عندما ذهب إليهم العباس بن موسى، أخو الإمام الرضاعليه‌السلام يدعوهم للبيعة، لم يجبه إلا البعض منهم، وقال له آخرون: (إن كنت تدعو للمأمون، ثم من بعده لأخيك، فلا حاجة لنا في دعوتك. وإن كنت تدعو إلى أخيك، أو بعض أهل بيتك، أو إلى نفسك أجبناك..).

وعلى كل حال.. فقد كانت الكوفة مصدرا لثورات كثيرة على الأمويين والعباسيين على حد سواء، تلك الثورات التي كانت كلها تقريباً بقيادة علوي، أو داعية إلى علوي..

ولم ينس المأمون بعد ثورة أبي السرايا التي كادت تغير الموازين، وتقلب مجريات الأحداث.. إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه. =

٣١٥

= وأما تشيع القميين، فذلك أعرف وأشهر. وقضيتهم مع جبة دعبل التي أهداه إياه الإمام لا يكاد يجهلها أحد. وعندما طلب المأمون من الريان أن يحدث بفضائل عليعليه‌السلام ، وأجاب بأنه لا يحسن شيئاً، قال المأمون: (سبحان الله! ما أجد أحداً يعينني على هذا الأمر لقد هممت أن أجعل أهل قم شعاري ودثاري).

ولعل تشيع أهل قم هذا هو الذي دفع بالمأمون لأن يوجه إليهم عامله علي بن هشام، لينكل بهم، ويحاربهم حتى يهزمهم، ويدخل البلد، ويهدم سورها، ويجعل على أهلها مبلغ سبعة ملايين درهم، بدلا من مليونين، وهو ما لم يكن يدفعه أي بلد آخر يضاهي بلدهم في عدد السكان وغير ذلك من المميزات، فكيف بالسبعة.. ومع أنه كان قد خفض الخراج عن السواد، وبعد البلدان الأخرى، فلما سمعوا بذلك طالبوا بتخفيض الخراج عنهم أيضاً، ففعل ذلك.. وكان تخفيضه عنهم بزيادة المليونين إلى سبعة، كما قلنا.. راجع في تفصيل ذلك: الطبري ج ١١ ص ١٠٩٣، والكامل لابن الأثير ج ٥ ص ٢١٢، وتاريخ ابن خلدون ج ٣ ص ٢٥٥، والنجوم الزاهرة ج ٢ ص، ١٩٠ وتاريخ التمدن الإسلامي مجلد ١ جزء ٢ ص ٣٣٧، وفتوح البلدان للبلاذري ص ٤٤٠، وتجارب الأمم ج ٦ ص ٤٦٠.

٣١٦

ولا شك أن الإمامعليه‌السلام سوف يستطيع أن يستقطب المزيد من الناس، ويؤثر عليهم بما حباه الله من الفضائل والكمالات الأخلاقية، وبما آتاه الله من العلم والحكمة، والورع والتقوى، الذي سار ذكره في الآفاق، حتى لا يكاد يجهله أحد.. وإذا كان أهل نيشابور، بل وحتى أهل مرو، معقل العباسيين والمأمون، قد كان منهم تجاه الإمام ما لا يجهله أحد. حتى إنهم كانوا بين صارخ، وباك ومتمرغ في التراب إلخ.. وحتى لقد خاف المأمون وأشياعه على دمائهم ـ إذا كان هؤلاء هكذا ـ فكيف ترى سوف تكون حالة أهل الكوفة وقم، معقلي العلويين، والمحبين لأهل البيت، والمتفانين فيهم، لو أنهم رأوا الإمامعليه‌السلام بينهم، وبالقرب منهم..

يقول الراوندي في ذلك: (إن المأمون أمر رجاء بن أبي الضحاك: أن لا يمر بالإمام عن طريق الكوفة، لئلا يفتتن به أهلها..)(١) !.

والمأمون لا يريد أن يفتتن الناس بالإمام، وإنما الذي يريده هو عكس ذلك تماماً.. إنه يريد أن يضع من الإمام لا أن يرفع.

أما أهل البصرة: فعثمانية، يدينون بالكف، ويقولون: كن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل.. بل لقد كانت البصرة معقلاً مهما للعباسيين، الذين حرق دورهم زيد النار، ابن الإمام الكاظمعليه‌السلام ، كما قدمنا، ولهذا نلاحظ: أن دور البصريين في التشيع لم يكن يضارع دور غيرهم، لا روائياً، ولا كلامياً..

وأما ما ربما يحتمله البعض: من أن المأمون كان يأمل أن يخرج من البصرة، أو غيرها من يخلصه من الإمامعليه‌السلام نهائياً.. فلا أرى أنه يتفق مع أهداف وأغراض المأمون، التي كان يرمي إليها من وراء لعبته تلك..

____________

(١) الخرائج والجرائح، طبعة حجرية ص ٢٣٦.

٣١٧

الإمام يرفض كل مشاركة تعرض عليه:

إنه برغم شروط الإمام على المأمون، والتي أشرنا إليها فيما سبق، فإننا نرى المأمون كل مدة يحاول أن يجري اختبارا للإمام، ليعرف حقيقة نواياه، وأنه هل أصبح له طمع بالخلافة، وطموح لها(١) ، ليعجل عليه بما يحسم عنه مواد بلائه.. أم لا. فكان يأتي كل مدة إليه، يطلب منه أن يولي فلانا، أو أن يعزل فلاناً، أو أن يصلي بالناس.. بل لقد طلب منه بعد مقتل الفضل أن يساعده في إدارة شؤون الخلافة(٢) بحجة أنه يعجز وحده أن يقوم بأعباء الحكم. ويدير دفة السلطان!

هذا.. إن لم نقل: أنه كان يريد من وراء ذلك: أن يجعل ذلك ذريعة للقضاء على الإمام، بحجة أنه نقض الشرط، وليكون بذلك قد قضى على العلويين جميعاً، وإلى الأبد.

أو على الأقل كان يريد بذلك: أن يوجد للإمام أعداء في الأوساط ذات القوة والنفوذ..

وأياً ما كانت نوايا المأمون وأهدافه، فإن الإمامعليه‌السلام كان يرفض ذلك كله بكل عزم وإصرار، ويذكره بالشروط تلك، ويقول له:((إن وفيت لي وفيت لك)) . وهذا تهديد صريح له من الإمامعليه‌السلام . ولا نعجب كثيراً ـ بعد أن اتضحت لنا نوايا المأمون وأهدافه ـ إذا رأينا المأمون يتحمل هذا التهديد، بل ويخضع له، ويقول: (بل أفي لك)!.

وهكذا.. فقد كان الإمامعليه‌السلام يضيع على المأمون ما كان يحسب أنه فرصة مؤاتية له، ولا يمكنه من معرفة ما يريد معرفته، ولا من تنفيذ ما يريد تنفيذه.

____________

(١) وما أشبه الليلة بالبارحة، فقد رأينا الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، يسأل ابن عباس عن عليعليه‌السلام : إن كان لا يزال يطمح إلى الخلافة، ويأمل فيها.. أم لا!.

(٢) الكافي ج ٨ ص ١٥١، وكشف الغمة ج ٣ ص ٦٨ و ٨٧، وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٦٤ و ١٦٦ و ١٦٧ والبحار ج ٤٩ ص ١٤٤ و ١٥٥ و ١٧١، وغير ذلك.

٣١٨

الاختبار لشعبية الإمامعليه‌السلام :

كما أنه كان كل مدة يقوم بعملية اختبار لشعبية الإمامعليه‌السلام ، ولمدى ما يتمتع به من تأييد في الأوساط الشعبية، ليعرف إن كان أصبحعليه‌السلام يشكل خطراً حقيقياً، ليعجل بالقضاء عليه أم لا.. فكان كل مدة يكلفه بأن يؤم الناس بالصلاة للعيد. أو ما شاكل.. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على مدى ما يعتمر قلب المأمون من الخوف والخشية منهعليه‌السلام . (راجع: السبب الثالث من فصل البيعة، والموقف العاشر في فصل: خطة الإمامعليه‌السلام ).

سؤال.. وجوابه:

ولعلك تقول: إذا كان المأمون يخشى الإمامعليه‌السلام إلى هذا الحد، لما يعلمه من نفوذه ومكانته، فلماذا لا يتخلص منه بذلك الأسلوب التقليدي الذي انتهجه أسلافه من الأمويين، والعباسيين، وتبعهم عليه هو فيما بعد، وكذلك من أتى بعده.. وذلك بأن يدس إليه شربة من السم، وهو في المدينة، من دون أن يحتاج إلى اشخاصه إلى مرو، والبيعة له بولاية العهد، وتزويجه ابنته، إلى غير ذلك من الأمور التي من شأنها أن تعزز من مركز الإمام، وترفع من شأنه، وتوجه إليه الأنظار والقلوب، حتى يضطر في نهاية الأمر لأن يعود إلى ما جرت عليه عادة أسلافه، وأتباعه..

ولكن الجواب على هذا قد اتضح مما قدمناه، فإن المأمون لم يكن يريد في بادئ الأمر موت الإمام، ولا كان يستطيع أن يفعل ذلك.

ولو أن ذلك كان قد حدث لوقع المأمون في ورطة، لها أول وليس لها آخر، حيث إنه كان بأمس الحاجة إلى حياة الإمامعليه‌السلام ، وذلك لما قدمناه من الأسباب والظروف التي كانت تحتم على المأمون أن يلعب لعبته تلك، التي وإن كانت تنطوي على مخاطرة جريئة، إلا أنه كان ـ كما قدمنا ـ قد رسم الخطة، وأحكم التدبير للتخلص من الإمامعليه‌السلام بمجرد أن يحقق مآربه، وأهدافه، بالطريقة التي لا تثير شك أحد، ولا توجب تهمة أحد، وقد حدث ذلك بالفعل، كما سيمر علينا..

وأما كتمه لفضائل الإمامعليه‌السلام :

ومن جملة الأمور التي كانت تدور في فلك خطة المأمون، التي لخصها بأنه يريد الوضع من الإمام قليلاً قليلا، حتى يصوره أمام الرعية بصورة من لا يستحق لهذا الأمر ـ محاولاته كتم فضائل الإمامعليه‌السلام ومزاياه عن الناس ما استطاع إلى ذلك سبيلاً..

٣١٩

وقد تقدم: أنه عندما سأل رجاء بن أبي الضحاك، الذي تولى إشخاص الرضاعليه‌السلام من المدينة إلى مرو، عن حال الرضاعليه‌السلام في الطريق، فأخبره عما شاهده من عبادتهعليه‌السلام ، وزهده وتقواه، وما ظهر له من الدلائل والبراهين، قال له المأمون: (.. بلى يا ابن أبي الضحاك، هذا خير أهل الأرض، وأعلمهم، وأعبدهم، فلا تخبر أحداً بما شهدت منه، لئلا يظهر فضله إلا على لساني..)!.

وهكذا: فإن المأمون وإن استطاع أن يمرر الكثير، إلا أنه لم يكن يجد بداً في كثير من الأحيان من أن يظهر على حقيقته وواقعه. وهذا هو أحد تلك المواقف التي مرت وسيمر معنا بعضها، والتي اضطر فيها المأمون لأن يكشف عن وجهه الحقيقي،.. وإن كان قد حاول ـ مع ذلك ـ أن يتستر بما لا يسمن ولا يغني من جوع.

ولا أعتقد أن المأمون كان يجهل: أن ما يأتي به لم يكن لينطلي كله على أعين الناس، بل كان يعلم ذلك حق العلم، ولكن كما يقولون: (الغريق يتشبث بالطحلب).

ولكن.. بالرغم من محاولات المأمون تلك.. فإننا نرى أن فضائل الإمام ومزاياه كانت كالعرف الطيب، لم تزل تظهر، وتنتشر وتذاع.. بل ولعل محاولات المأمون تلك التي كانت ترمي للحط من الإمام وإسقاطه، قد أسهمت كثيراً وساعدت على إظهار فضائله، وشيوعها، كما سيتضح.

الشائعات الكاذبة!

وكان بالإضافة إلى ما تقدم يحاول ترويج شائعات كاذبة، من شأنها أن تنفر الناس من العلويين عامة، ومن الإمامعليه‌السلام ، وسائر الأئمةعليهم‌السلام خاصة.

فهذا أبو الصلت يسأل الإمامعليه‌السلام فيقول: (يا ابن رسول الله، ما شيء يحكيه الناس عنكم؟!.

قالعليه‌السلام :((ما هو؟!.

قال: يقولون: إنكم تدعون: أن الناس لكم عبيد!.

قالعليه‌السلام :يا عبد السلام، إذا كان الناس كلهم عبيدنا ـ على ما حكوه ـ فممن نبيعهم)) ؟! إلخ(١) .

____________

(١) مسند الإمام الرضا ج ١ قسم ١ ص ٤٥، والبحار ج ٤٩ ص ١٧٠، وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٨٤.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594