مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء ٧

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل10%

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 594

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧
  • البداية
  • السابق
  • 594 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 329468 / تحميل: 5380
الحجم الحجم الحجم
مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء ٧

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

بين يدي محاوراته مع عثمان

لقد قرأنا في الجزء الثاني من الحلقة الأولى من هذه الموسوعة كثيراً من أخبار ابن عباس في أيام عثمان ، ولمّا كان حال عثمان غير خفيّ في التاريخ ، بالرغم من موضوعات زادت في تشويهه بأكاذيب أموية ، لكنها لم تصنع شيئاً ، فبقيت حال عثمان كما هي معلومة نسباً وحسباً وصحبةً ومصاهرةً وحكومةً وممارسةً وضلوعاً وإنصياعاً لبني أمية ، ما سببّت نقمة الناس عليه ، لأمور صدرت منه ومنهم ما كان ينبغى لمثله في سنّه وشأنه أن تنسب إليه فيؤاخذ عليها حتى أودت بحياته ، فكان كما قال عنه الدكتور طه حسين في كتابه ( الفتنة الكبرى ) :

( فأمّا عثمان فمهما يكن إعتذار أهل السنة والمعتزلة عنه ، فإنّه قد أسرف وترك عمّاله يسرفون في العُنف بالرعية ، ضرباً ونفياً وحبساً ، وهو نفسه قد ضرب أو أمر بضرب رجلين من أعلام أصحاب النبيّ ، فضرب عمار بن ياسر حتى أصابه الفتق ، وأمر من أخرج عبد الله بن مسعود من مسجد النبيّ إخراجاً عنيفاً ، حتى كسر بعض أضلاعه ).

وقال أيضاً : ( فهذه السياسة العنيفة التي تسلط الخليفة وعماله على أبشار الناس وأشعارهم وعلى أمنهم وحريتهم ليست من سيرة النبيّ ولا من سيرة الشيخين في شيء ).

١٤١

وقال أيضاً : ( والسياسة المالية التي أصطنعها عثمان منذ نهض بالخلافة كلّها موضوع النقمة والإنكار من أكثر الذين عاصروا عثمان ، ومن أكثر الرواة والمؤرخين ).

وقال أيضاً : ( ولو سار عثمان في الأموال العامّة سيرة عمر فلم ينفق المال إلاّ بحقه ، لجنّب نفسه وجنّب المسلمين شراً عظيماً ، ولكان من الممكن أن ينشئ الإسلام للإنسانية نظاماً سياسياً وإجتماعياً صالحاً يجنبّها كثيراً من الإضطراب الذي اضطرت إليه ، والفساد الذي تورطت فيه )(1) .

أقول : وعلى نحو ما مرّ من أقوال طه حسين نجد أقوال آخرين من الباحثين المحدثين ، ولا بدع لو التقت أراؤهم في نقد أفعاله وأختلفت أقوالهم في توجيه سياسته والتي رأوها جميعاً سياسية أموية رعناء جلبت له وللأمة كثيراً من الشر ، وكثرّت عليه أسباب النقمة ، بداية من المسلمين الصحابة في المدينة ، وسرعان ما أستطار شررها إلى بقية الأمصار ، فكثرت وفود الساخطين من العراق ومصر وغيرهما والتقوا بالصحابة فتفاقم الخطب.

وكانت شدّة المحنة والمعاناة عندما فزع الثوار إلى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يشكون حالهم ، فيسارع هو إلى عثمان ناصحاً في محاولات إصلاح بين الطرفين ، لكن عثمان لم يستجب للنصح ، بل وزاد في تعقيد الأمور إتهامه الإمام عليه السلام ما دام كثير من الثوار اتخذوه لجأً ، يرجون إغاثتهم

____________________

(1) الفتنة الكبرى 1 / 190 ـ 198.

١٤٢

من سوء أفعال عثمان وبطانته ، وكلّما دافع الإمام عليه السلام عن عثمان بالحسنى إزداد تصلّب الساخطين ، فآثر الإعتزال ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ، غير أنّ عثمان وبتحريض من بني أمية كان يزداد غضباً وحنقاً عليه ، ممّا أضطر العباس بن عبد المطلب ومن بعده ابنه عبد الله حبر الأمة القيام بمحاولات إصلاحية أيضاً ولتهدئة الخواطر ، عسى أن تهدأ الفورة وتسكن الثورة ، ولم تنجح تلك المساعي ، لأنّ عثمان كان إذن شرّ يسمع لما يقوله له مروان وبني أمية.

ومع كثرة الشواهد على المساعي الإصلاحية التي بذلها الإمام عليه السلام وعمه العباس وابنه عبد الله ، كان عثمان يتهمهم في النصح ، مع أنّه لو أنصفهم لوجدهم أحرص الناس عليه وأرعى ذماماً له للقرابة النسبية منه ، وهذا ما سنقرأ بعضاً منه في مواقف العباس وابنه عبد الله بن عباس في إصلاح ذات البين ، لكن عثمان ـ كما قلناـ كان مغلوباً على أمره من قبل بني أمية ، وفي قلوبهم جميعاً من الحقد والشنآن على بني هاشم عموماً وعلى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام خصوصاً ، ممّا طغى على لسان عثمان ، فأظهرته فلتات اللسان عن بعض ما يضمره الجنان من الحقد والشنآن ، فيقول للإمام عليه السلام مغاضباً وعاتباً : ( ما ذنبي إليك إذا لم تحبّك قريش وقد قتلت منهم سبعين ترد آنافهم الماء قبل شفاهم ) ، وفي لفظ آخر : ( كأن أعناقهم أباريق فضة ) ، ونحو هذا. ولقد همّ مرّة ـ وربما أكثر ـ بأن ينفي الإمام عليه السلام من المدينة كما صنع مع أبي ذر ، كما ستأتي الإشارة إليه في مواقف العباس الإصلاحية والإستصلاحية.

١٤٣

وإلآن إلى قراءة بعضها ، ولنبدأ بما رواه الطبري في تاريخه :

( بسند عن حمران بن أبان ، قال : أرسلني عثمان إلى العباس بعدما بويع فدعوته له ، فقال : مالك تعبدتني ـ ( تبعّدتني ظ )؟ قال : لم أكن قط أحوج إليك مني اليوم. قال ـ العباس ـ : الزم خمساً لا تنازعك الأمة خزائمها ما لزمتها. قال : وما هي؟ قال : الصبر عن القتل ، والتحبب ، والصفح ، والمدارات ، وكتمان السر )(1) .

ولكن عثمان لم يلتزم بنصيحة العباس ، بل استمر على حاله ، فاتسع الخرق على الراقع ، حتى عجز العباس من رأب الصدع ، مع ما كان فيه من حنكة رأي وجودة تدبير ، حتى قيل له داهية قريش ، ولمّا رأى تسافل الحال ونذر الشر بدت تلوح في الأفق ، فصار يدعو ربّه أن يسبق به أجله قبل وقوع الكارثة التي بدت بوادرها تنذر بشر مستطير فإستجاب له ربّه ، فما كانت إلاّ جمعة حتى لقي ربّه.

أمّا عن مواقفه في نصيحة عثمان في كفّ أذاه عن الإمام عليه السلام وعن الأمّة فهي متعددة ، أذكر بعضها :

فمنها ما ذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج ، قال :

( روى الزبير بن بكار في كتابه الموفقيات ، عن عبد الله بن عباس ، قال : ما سمعت من أبي شيئاً قط في أمر عثمان يلومه فيه ولا يعذره ، ولا سألته عن شيء من ذلك مخافة أن أهجم منه على ما لا يوافقه ، فأنا عنده

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 400 ط دار المعارف بمصر.

١٤٤

ليلة ونحن نتعشى إذ قيل هذا أمير المؤمنين عثمان بالباب ، فقال : أئذنوا له ، فدخل فأوسع له على فراشه وأصاب من العشاء معه ، فلمّا رفع قام من كان هناك وثبتّ أنا.

فحمد الله عثمان وأثنى عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد يا خال فإنّي قد جئتك أستعذرك من ابن أخيك عليّ سبّني ، وشهر أمري ، وقطع رحمي ، وطعن في ديني ، وإنّي أعوذ بالله منكم يا بني عبد المطلب ، إن كان لكم حقّ تزعمون أنّكم غُلبتم عليه فقد تركتموه في يدي مَن فعل ذلك بكم ، وأنا أقرب إليكم رحماً منه ، وما لمت منكم أحداً إلاّ عليّاً ، ولقد دعيت أن أبسط عليه فتركته لله والرحم وأنا أخاف أن لا يتركني فلا أتركه.

قال ابن عباس : فحمد أبي الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد يا بن أختي فإن كنت لا تحمد عليّاً لنفسك فإنّي لا أحمدك لعليّ ، وما عليّ وحده قال فيك ، بل غيره ، فلو أنّك اتهمت نفسك للناس أتهم الناس أنفسهم لك ، ولو أنّك نزلت ممّا رقيت وأرتقوا ممّا نزلوا فأخذت منهم وأخذوا منك ما كان بذلك بأس.

قال عثمان : فذلك إليك يا خال وأنت بيني وبينهم.

قال : أفأذكر لهم ذلك عنك؟

قال : نعم ، وأنصرف.

فما لبثنا أن قيل : هذا أمير المؤمنين قد رجع بالباب ، قال أبي : أئذنوا له ، فدخل فقام قائماً ولم يجلس وقال : لا تعجل يا خال حتى أوذنك. فنظرنا فإذا مروان بن الحكم كان جالساً بالباب ينتظره حتى خرج فهو

١٤٥

الذي ثناه عن رأيه الأوّل.

فأقبل عليَّ أبي وقال : يا بني ما إلى هذا من أمره شيء. ثمّ قال : يا بني أملك عليك لسانك حتى ترى ما لابدّ منه. ثمّ رفع يديه فقال : اللّهمّ اسبق بي ما لا خير لي في إدراكه ، فما مرّت جمعة حتى مات رحمه الله )(1) .

ومنها ما رواه البلاذري في ( أنساب الأشراف ) ، بإسناده عن صهيب مولى العباس ، قال :

( إنّ العباس قال لعثمان : أذكرّك الله في أمر ابن عمك وابن خالك وصهرك ، وصاحبك مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد بلغني أنّك تريد أن تقوم به وبأصحابه.

فقال : أوّل ما أجيبك به أنّي قد شفعتك ، إنّ عليّاً لو شاء لم يكن أحد عندي إلاّ دونه ، ولكن أبى إلاّ رأيه. ثم قال لعليّ مثل قوله لعثمان.

فقال عليّ : لو أمرني عثمان أن أخرج من داري لخرجت )(2) .

وهذا رواه ابن عساكر أيضاً في ( تاريخ مدينة دمشق ) ، بسنده عن صهيب مولى العباس ، وجاء في آخر قول الإمام عليه السلام : ( فأمّا أداهن أن لا

____________________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 2 / 397.

وهذه الواقعة غير التي سبقتها وان عاصرتها زماناً ففي الاُولى كانت الشكوى في دار عثمان والعباس حاضر عنده. أمّا هذه فهي في دار العباس وعثمان حاضر عنده ، ولا مانع من تعدّدهما إذا عرفنا تخبّط السياسة يومئذ في معالجة مشاكل الناس وأستحواذ مروان على عثمان في تدبير أُموره.

(2) أنساب الأشراف 1 / 498 ـ 499.

١٤٦

يقام بكتاب الله فلم أكن لأفعل )(1) .

وجاء الخبر في ( التعديل والتجريح ) مسنداً عن سهيل مولى العباس يقول : ( أرسلني العباس إلى عثمان أدعوه ، فأتاه فقال : أفلح الوجه أبا الفضل ، قال : ووجهك يا أمير المؤمنين. قال : عليّ ابن عمك وابن عمتك وصهرك وأخوك في دينك وصاحبك مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبلغني أنّك تريد أن تقوم به وبأصحابه. فقال : لو شاء عليّ ما كان دونه أحد ، ثم أرسلني إلى عليّ ، فقال : إنّ عثمان ابن عمك وابن عمتك وأخوك في دينك وصاحبك مع رسول صلى الله عليه وآله وسلم وولي بيعتك ، فقال : لو أمرتني أن أخرج من داري لفعلت )(2) .

ومنها ما رواه البلاذري وغيره ، واللفظ له قال :

( حدثني عباس بن هشام ، عن أبيه ، عمّن حدثه ، عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عباس : إنّ عثمان شكا عليّاً إلى العباس فقال له : يا خال إنّ عليّاً قد قطع رحمي ، وألّب الناس عليَّ ، والله لئن كنتم يا بني عبد المطلب أقررتم هذا الأمر في أيدي بني تيمّ وعدي ، فبنو عبد مناف أحق أن لا تنازعوهم فيه ولا تحسدوهم عليه.

قال عبد الله بن العباس : فأطرق أبي طويلاً ، ثم قال : يا بن أخت لئن كنت لا تحمد عليّاً فما نحمدك له ، وأن حقك في القرابة والإمامة للحق الذي لا يُدفع ولا يجحد ، فلو رقيت فيما تطأطأ ، أو تطأطأت فيما رقي ،

____________________

(1) تاريخ مدينة دمشق 39 / 264 ط دار الفكر بيروت.

(2) التعديل والتجريح 3 / 1007.

١٤٧

تقاربتهما ، وكان ذلك أوصل وأجمل.

قال : قد صيّرت الأمر عن ذلك إليك ، فقرّب الأمر بيننا.

قال : فلمّا خرجنا من عنده دخل عليه مروان فأزاله عن رأيه ، فما لبثنا أن جاء أبي رسول عثمان بالرجوع إليه ، فلمّا رجع ، قال : يا خال أحبّ أن تؤخر النظر في الأمر الذي ألقيت إليك حتى أرى من رأي.

فخرج أبي من عنده ثم التفت إلى فقال : يا بني ليس إلى هذا الرجل من أمره شيء ، ثم قال : اللهم أسبق بي الفتن ، ولا تبقني إلى ما لا خير لي في البقاء إليه ، فما كانت جمعة حتى هلك )(1) .

ويبدو لي تعدّد الوقائع مع تقارب الزمان بينهما ، ففي الرواية الأولى كانت الشكاة في دار العباس وقد أتاه عثمان بنفسه ليلة وأصاب معه من عشائه ثم نفث شكاته ، وفي الرواية الثانية التي رواها البلاذري بسنده عن ابن عباس أنّ التشاكي كان في دار عثمان ، وفي خبر التعديل والتجريح أنّ العباس أرسل مولاه سهيل فاستدعى عثمان إلى بيته ونصحه باستعمال الرفق واللين مع عليّ عليه السلام ، وفي كلّ الروايات قرأنا طرحاً إستصلاحياً يكاد النجاح حليفه ، لكن صراحة استحواذ مروان على عثمان في تخبطه السياسي فلم يدع مجالاً للعباس ولا لغيره أن يصلح بينه وبين الناس لمعالجة المشاكل العالقة يومئذ.

ويبدو لي أنّ العباس يأس من إصلاح ما أفسده بنو أمية من أمر

____________________

(1) أنساب الأشراف 1 / ق4 / 498 ـ 499.

١٤٨

عثمان ، وتوقع المزيد من طوارق الحدثان تجتاح المجتمع الإسلامي في المدينة وغيرها ، ولذلك دعا أن يسبقها أجله ، فمرض فكان العوّاد يعودونه ، فكان آخر نصائحه لعثمان حين دخل عليه في مرضه الذي مات فيه :

( فقال ـ عثمان ـ : أوصني بما ينفعني ( الله ) به.

فقال : إلزم ثلاث خصال خواص تصيب بها ثلاث عوام ، فالخواص : ترك مصانعة الناس في الحق ، وسلامة القلب ، وحفظ اللسان ، تُصب بها سُرور الرعية ، وسلامة الدين ، ورضا الربّ )(1) .

ولشدّة اهتمامه بوحدة كلمة المسلمين وصلاح ذات البين كانت وصاياه لعثمان ، وكذلك كانت وصيته للإمام أمير المؤمنين عليه السلام أيضاً ، وهي آخر وصية صدرت منه ، تكشف عن بُعد نظر في قراءة المستقبل المظلم الذي ستنتصر فيه قوى الشر على وحدة الخير ، ويكون عليّ عليه السلام ضحيتها ، لذلك كانت نظرة العباس تفيض بالألم على ما أصاب بني هاشم من تحديات وإحباطات سابقاً ، مضافاً إلى ما سيلاقونه لاحقاً من عقبات ومعادات من أعدائهم مع خذلان من أنصارهم ، إلاّ من رحم الله فحفظ فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقليلٌ ما هم.

كلّ هذا كان عند العباس بثاقب نظره رؤيا العين ، فهو إذ يوصي الإمام عليه السلام بتجنب المواجهة مع عثمان خشية عليه من أن يعصب به كلّ

____________________

(1) أخبار الدولة العباسية / 21.

١٤٩

الإضطغان القرشي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للدماء التي أُريقت في سبيل الإسلام ، من قريش وغيرهم ، والعباس كان يعرف كراهية قريش لبني هاشم منذ عهد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد مرّت بنا شواهد على ذلك.

والآن إلى قراءة وصيته لابن أخيه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام :

وصية العباس للإمام عليه السلام :

لقد سبق ذكر الوصية عند ذكر وفاة العباس ، إلاّ أنّ ثمة تفاوت وتعقيب وتذنيب اقتضى ذكرها ثانياً.

قال ابن أبي الحديد : ( قرأت في كتاب صنفه أبو حيان التوحيدي في تقريظ الجاحظ ، قال : نقلت من خط الصولي : قال الجاحظ : إنّ العباس بن عبد المطلب أوصى عليّ بن أبي طالب عليه السلام في علته التي مات فيها ، فقال : أي بُنيّ إنّي مشفٍ على الظعن عن الدنيا إلى الله الذي فاقتي إلى عفوه وتجاوزه أكثر من حاجتي إلى ما أنصحك فيه وأشير عليك به ، ولكن العِرق نبوض ، والرحم عروض ، وإذا قضيت حق العمومة فلا أبالي بعد ، إنّ هذا الرجل ـ يعني عثمان ـ قد جاءني مراراً بحديثك ، وناظرني ملايناً ومخاشناً في أمرك ، ولم أجد عليك إلاّ مثل ما أجد منك عليه ، ولا رأيت منه لك إلاّ مثل ما أجد منك له ، ولست تؤتى من قلّة علم ولكن من قلّة قبول ، ومع هذا كلّه فالرأي الذي أودّعك به أن تمسك عنه لسانك ويدك ، وهمزك وغمزك ، فإنّه لا يبدؤك ما لم تبدؤه ، ولا يجيبك عما لم يبلغه ،

١٥٠

وأنت المتجني وهو المتأني ، وأنت العائب وهو الصامت ، فإن قلت : كيف هذا وقد جلس مجلساً أنا به أحق ، فقد قاربت ولكن ذاك بما كسبت يداك ، ونكص عنه عقباك ، لأنّك بالأمس الأدنى هرولتَ إليهم ، تظن أنّهم يُحلّون جيدك ويُختمّون أصبعك ، ويطأون عقبك ، ويرون الرشد بك ، ويقولون لا بد لنا منك ، ولا معدل لنا عنك ، وكان هذا من هفواتك الكُبر ، وهناتك التي ليس لك منها عذر ، والآن بعد ما ثللت عرشك بيدك ، ونبذت رأي عمك في البيداء ، يتدهده(1) في السافياء(2) ، خذ بأحزم ممّا يتوضح به وجه الأمر ، لا تشارّ هذا الرجل ولا تماره ، ولا يبلغه عنك ما يحنقه عليك ، فإنّه إن كاشفك أصاب أنصاراً ، وإن كاشفته لم تر إلا ضِراراً ، ولم تستلج إلاّ عثاراً ، واعرف مَن هو بالشام له ، وَمَن ههنا حوله ، ومن يطيع أمره ويمتثل قوله ، ولا تغترر بناس يطيفون بك ، ويدّعون الحنوّ عليك والحبّ لك ، فإنّهم بين مولى جاهل ، وصاحب متمنّ ، وجليس يرعى العين ويبتدر المحضر ، ولو ظن الناس بك ما تظن بنفسك لكان الأمر لك والزمام في يدك ، ولكن هذا حديث يوم مرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فات ، ثم حرم الكلام فيه حين مات ، فعليك الآن بالعزوف عن شيء عرضك له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يتم ، وتصدّيت له مرّة بعد مرّة فلم يستقم ، ومن ساور الدهر غُلِب ، ومن حرص على ممنوع تعب ، فعلى ذلك فقد أوصيت عبد الله بطاعتك ، وبعثته على متابعتك ، وأوجرته محبتك ، ووجدت عنده من ذلك ظني به لك ، لا

____________________

(1) يتدهده : يتدحرج.

(2) السافياء : الريح التي تحمل التراب.

١٥١

توتر قوسك إلاّ بعد الثقة بها ، وإذا أعجبتك فأنظر إلى سيتها ، ثم لا تفوّق إلاّ بعد العلم ، ولا تغرق في النزع إلاّ لتصيب ، وأنظر لا تطرف يمينك عينَك ، ولا تجنِ شمالك شينك ، ودّعني بآيات من آخر سورة الكهف(1) ، وقم إذا بدا لك )(2) .

تعقيب ابن أبي الحديد على الوصية :

قال ابن أبي الحديد بعد ذكره الوصية المتقدمة : ( قلت : الناس يستحسنون رأي العباس لعليّ عليه السلام في أن لا يدخل في أصحاب الشورى ، وأمّا أنّا فانّي أستحسنه إن قصد به معنى ، ولا أستحسنه إن قصد به معنى آخر ، وذلك لأنّه إن أجري بهذا الرأي إلى ترفّعه عليهم وعلوّ قدره عن أن يكون مماثلاً لهم ، أو أجري به إلى زهده في الإمارة ورغبته عن الولاية ، فكلّ هذا رأي حسن وصوابه ، وإن كان منزعه في ذلك إلى أنّك إن تركت الدخول معهم وانفردت بنفسك في دارك أو خرجت عن المدينة إلى بعض أموالك فإنّهم يطلبونك ويضربون إليك آباط الإبل حتى يولّوك الخلافة ، وهذا هو الظاهر من كلامه ، فليس هذا الرأي عندي بمستحسن ،

____________________

(1) هي قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً _ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً _ قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً _ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدا ً) الكهف / 107 ـ 110.

(2) شرح النهج لابن أبي الحديد 3 / 282 ط مصر الاُولى.

١٥٢

لأنّه لو فعل لولّوا عثمان أو واحداً منهم غيره ، ولم يكن عندهم من الرغبة إليه عليه السلام ما يبعثهم على طلبه ، بل كان تأخره عنهم قرّة أعينهم ، وواقعاً بإيثارهم ، فإنّ قريشاً كلّها كانت تبغضه أشد البغض ، ولو عمّر عمر نوح وتوصل إلى الخلافة بجميع أنواع التوصل كالزهد فيها تارة ، والمناشدة بفضائله تارة ، وبما فعله في ابتداء الأمر من إخراج زوجته وأطفاله ليلاً إلى بيوت الأنصار ، وبما اعتمده إذ ذاك من تخلّفه في بيته واظهار أنّه قد عكف على جمع القرآن ، وبسائر أنواع الحيل فيها لم تحصل له إلاّ بتجريد السيف كما فعله في آخر الأمر.

ولست ألوم العرب لا سيما قريشاً في بغضها له وانحرافها عنه ، فإنّه وترها وسفك دماءها ، وكشف القناع في منابذتها ، ونفوس العرب وأكبادها كما تعلم ، وليس الإسلام بمانع من بقاء الأحقاد في النفوس ، كما نشاهد اليوم عياناً ، والناس كالناس الأول ، والطبائع واحدة ، فأحسب أنّك كنت من سنتين أو ثلاث جاهلياً أو من بعض الروم وقد قتل واحد من المسلمين ابنك أو أخاك ثم أسلمت ، أكان اسلامك يُذهب عنك ما تجده من بغض ذلك القاتل وشنآنه ، كلا إنّ ذلك لغير ذاهب ، هذا إذا كان الإسلام صحيحاً والعقيدة محققة لا كإسلام كثير من العرب ، فبعضهم تقليداً ، وبعضهم للطمع والكسب ، وبعضهم خوفاً من السيف ، وبعضهم على طريق الحمية والإنتصار ، أو لعداوة قوم آخرين من أضداد الإسلام وأعدائه.

١٥٣

واعلم أنّ كلّ دم أراقه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسيف عليّ عليه السلام وبسيف غيره ، فإنّ العرب بعد وفاته عليه السلام عصبت تلك الدماء بعليّ بن أبي طالب عليه السلام وحده ، لأنّه لم يكن في رهطه مَن يستحق في شرعهم وسنتهم وعادتهم أن يعصب به تلك الدماء إلاّ بعليّ وحده ، وهذه عادة العرب إذا قتل منها قتلى طالبت بتلك الدماء القاتل ، فإن مات أو تعذرت عليها مطالبته طالبت بها أمثل الناس من أهله. لمّا قتل قوم من بني تميم أخاً لعمرو بن هند ، قال بعض أعدائه يحرض عمراً عليهم :

من مبلغ عمراً بأن المرء لم يخلق صُباره

وحوادث الأيام لايبقى لها إلاّ لحجاره

ها إنّ عجزة أمه بالسفح أسفل من أواره

تسفي الرياح خلال كشيحه وقد سلبوا أزاره

فاقتل زرارة لا أرى في القوم أمثل من زرارة

أن يقتل زرارة بن عدس رئيس بني تميم ، ولم يكن قاتلاً أخا الملك ولا حاضراً قتله. ومن نظر في أيام العرب ووقائعها ومقاتلها عرف ما ذكرناه )(1) .

____________________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 3 / 283 ط الأولى بمصر.

١٥٤

محاورات ابن عباس مع عثمان

بين يدي المحاورة الأولى :

نذكر ما روى الواقدي في كتاب ( الشورى ) عن ابن عباس رحمه الله قال :

( شهدت عتاب عثمان لعليّ عليه السلام يوماً فقال له في بعض ما قاله : نشدتك الله أن تفتح للفرقة باباً ، فلعهدي بك وأنت تطيع عتيقاً وابن الخطاب طاعتك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولستُ بدون واحد منهما ، وأنا أمسّ بك رحماً وأقرب إليك صهراً ، فإن كنت تزعم أنّ هذا الأمر جعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لك ، فقد رأيناك حين توفي نازعت ثمّ أقررت ، فإن كانا لم يركبا من الأمر جَداً فكيف أذعنت لهما بالبيعة وبخعت بالطاعة ، وإن كانا أحسنا فيما وليّا ولم أقصر عنهما في ديني وحسبي وقرابتي فكن لي كما كنت لهما.

فقال عليّ عليه السلام : أمّا الفرقة ، فمعاذ الله أن أفتح لها باباً وأسهّل إليها سبيلاً ، ولكني أنهاك عمّا ينهاك الله ورسوله عنه ، وأهديك إلى رشدك.

وأمّا عتيق وابن الخطاب ، فإن كانا أخذا ما جعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لي فأنت أعلم بذلك والمسلمون ، وما لي ولهذا الأمر وقد تركته منذ حين. فأمّا أن لا يكون حقي بل المسلمون فيه شرع ، فقد أصاب السهم الثغرة ،

١٥٥

وأمّا أن يكون حقي دونهم ، فقد تركته لهم طبت به نفساً ، ونفضت يدي عنه استصلاحاً.

وأمّا التسوية بينك وبينهما ، فلست كأحدهما ، إنّهما وليا هذا الأمر فطلقا أنفسهما وأهلهما عنه ، وعُمتَ فيه وقومك عوم السابح في اللجة ، فارجع إلى الله أبا عمرو وأنظر هل بقي من عمرك إلاّ كظمء الحمار ، فحتى متى وإلى متى؟ ألا تنهى سفهاء بني أمية عن أعراض المسلمين وأبشارهم وأموالهم؟ والله لو ظلم عامل من عمالك حيث تغرب الشمس لكان أثمه مشتركاً بينه وبينك.

قال ابن عباس : فقال عثمان : لك العتبى ، وافعل وأعزل من عمالي كلّ من تكرهه ويكرهه المسلمون.

ثمّ أفترقا ، فصدّه مروان بن الحكم عن ذلك ، وقال : يجتريء عليك الناس فلا تعزل أحداً منهم )(1) .

المحاورة الثانية :

روى الزبير بن بكار في كتاب ( الموفقيات ) بسنده عن ابن عباس S قال : ( صليت العصر يوماً ثمّ خرجت ، فإذا أنا بعثمان في أيام خلافته في بعض أزقة المدينة وحده ، فأتيته إجلالاً وتوقيراً لمكانه ، فقال لي : هل رأيت عليّاً؟

____________________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 2 / 398 ط مصر الأولى.

١٥٦

قلت : خلّفته في المسجد ، فإن لم يكن الآن فيه فهو في منزله.

قال : أمّا منزله فليس فيه ، فابغه لنا في المسجد ، فتوجهنا إلى المسجد ، وإذا عليّ عليه السلام يخرج منه.

ـ قال ابن عباس : وقد كنت أمس ذلك اليوم عند عليّ فذكر عثمان وتجرّمه عليه ، وقال : أما والله يا بن عباس إنّ من دوائه لقطع كلامه وترك لقائه. فقلت له : يرحمك الله كيف لك بهذا ، فإن تركته ثمّ أرسل إليك فما أنت صانع؟ قال : أعتلّ وأعتلّ فمن يضرّني؟ قال : لا أحدـ

قال ابن عباس : فلمّا تراءينا له وهو خارج من المسجد ظهر منه من الالتفات والطلب للإنصراف ما أستبان لعثمان ، فنظر إليّ عثمان ، وقال : يا ابن عباس أما ترى ابن خالنا يكره لقاءنا؟

فقلت : ولِمَ وحقك ألزم وهو بالفضل أعلم.

فلمّا تقاربا رماه عثمان بالسلام فردّ عليه. فقال عثمان : إن تدخل فإياك أردنا ، وإن تمض فإياك طلبنا. فقال عليّ : أيّ ذلك أحببت. قال : تدخل ، فدخلا وأخذ عثمان بيده فأهوى به إلى القبلة فقصر عنها وجلس قبالتها ، فجلس عثمان إلى جانبه ، فنكصت عنهما ، فدعواني جميعاً فأتيتهما.

فحمد الله عثمان وأثنى عليه وصلّى على رسوله ، ثمّ قال : أمّا بعد يا ابنّي خاليّ وابنيّ عمّي فإذ جمعتكما في النداء فأستجمعكما في الشكاية على رضائي عن أحدكما ووجدي على الآخر ، إنّي أستعذركما من أنفسكما وأسألكما فياتكما وأستوهبكما رجعتكما ، فوالله لو غالبني الناس

١٥٧

ما أنتصرت إلاّ بكما ، ولو تهضّموني ما تعززت إلاّ بعزّكما ، ولقد طال هذا الأمر بيننا حتى تخوّفت أن يجوز قدره ويعظم الخطر فيه. ولقد هاجني العدو عليكما وأغراني بكما ، فمنعني الله والرحم ممّا أراد ، وقد خلونا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى جانب قبره ، وقد أحببت أن تظهرا لي رأيكما وما تنطويان لي عليه وتصدقا ، فإنّ الصدق أنجى وأسلم ، وأستغفر الله لي ولكما.

قال ابن عباس : فأطرق عليّ عليه السلام وأطرقت معه طويلاً. أمّا أنا فأجللته أن أتكلّم قبله ، وأمّا هو فأراد أن أجيب عنّي وعنه ؛ ثمّ قلت له : أتتكلم أم أتكلم أنا عنك؟ قال : بل تكلم عني وعنك.

فحمدت الله وأثنيت عليه ، وصلّيت على رسوله ، ثمّ قلت : أمّا بعد يا ابن عمنا وعمتنا ، فقد سمعنا كلامك لنا وخلطك في الشكاية بيننا على رضاك ـ زعمت ـ عن أحدنا ووجدك على الآخر ، وسنفعل في ذلك فنذمّك ونحمدك ، اقتداء منك بفعلك فينا ، فإنا نذمّ مثل تهمتك إيانا على ما اتهمتنا عليه بلا ثقة إلاّ ظنّاً ، ونحمد منك غير ذلك من مخالفتك عشيرتك ، ثمّ نستعذرك من نفسك استعذارك إيانا من أنفسنا ، ونستوهبك فياتك استيهابك إيانا فيأتنا ، ونسألك رجعتك مسألتك إيانا رجعتنا ، فإنّا معاً أيّما حمدت وذممت منّا كمثلك في أمر نفسك ، ليس بيننا فرق ولا إختلاف ، بل كلانا شريك صاحبه في رأيه وقوله ، فوالله ما تعلمنا غير معذّرين فيما بيننا وبينك ، ولا تعرفنا غير قانتين عليك ولا تجدنا غير راجعين إليك ،

١٥٨

فنحن نسألك من نفسك مثل ما سألتنا من أنفسنا.

وأمّا قولك : لو غالبني الناس ما أنتصرت إلاّ بكما ، أو تهضّموني ما تعزّزت إلاّ بعزّكما ، فأين بنا وبك عن ذلك ونحن وأنت كما قال أخو كنانة :

بدا بحتر ما رام نال وإن يرم

نخض دونه غمرا من الغر رائمه

لنا ولهم منا ومنهم على العدى

مراتب عزّ مصعدات سلالمه

وأمّا قولك في هيج العدو إياك وإغرائه لك بنا ، فوالله ما أتاك العدو من ذلك شيئاً إلاّ وقد أتانا بأعظم منه ، فمنعناه ما أراد ما منعك من مراقبة الله والرحم ، وما أبقيت أنت ونحن إلاّ على أدياننا وأعراضنا ومروآتنا ، ولقد لعمري طال بنا وبك هذا الأمر حتى تخوّفنا منه على أنفسنا وراقبنا منه ما راقبت.

وأمّا مساءلتك إيانا عن رأينا فيك وما ننطوي عليه لك ، فإنّا نخبرك أنّ ذلك إلى ما تحبّ لا يعلم واحد منّا من صاحبه إلاّ ذلك ، ولا يقبل منه غيره ، وكلانا ضامن على صاحبه ذلك وكفيل به ، وقد برّأت أحدنا وزكّيته وأنطقت الآخر وأسكته ، وليس السقيم منّا ممّا كرهت بأنطق من البري فيما ذكرت ، ولا البري منّا ممّا سخطت بأظهر من السقيم فيما وصفت ، فإمّا جمعتنا في الرضا وإمّا جمعتنا في السخط ، لنجازيك بمثل ما تفعل بنا في ذلك مكايلة الصاع بالصاع ، فقد أعلمناك رأينا وأظهرنا لك ذات أنفسنا

١٥٩

وصدقناك ، والصدق ـ كما ذكرت ـ أنجى وأسلم ، فأجب إلى ما دعوت إليه ، وأجلل عن النقص والغدر مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وموضع قبره ، وأصدق تنج وتسلم ، ونستغفر الله لنا ولك.

قال ابن عباس : فنظر إليّ عليّ عليه السلام نظر هيبة ، وقال : دعه حتى يبلغ رضاه فيما هو فيه. فوالله لو ظهرت له قلوبنا وبدت له سرائرنا حتى رآها بعينه كما يسمع الخبر عنها بإذنه ما زال متجرّماً منتقماً ، والله ما أنا ملقى على وضمة ، وإنّي لمانع ما وراء ظهري ، وانّ هذا الكلام لمخالفة منه وسوء عشرة.

فقال عثمان : مهلاً أبا حسن فوالله إنّك لتعلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصفني بغير ذلك يوم يقول وأنت عنده : إنّ من أصحابي لقوماً سالمين لهم وانّ عثمان لمنهم ، إنّه لأحسنهم بهم ظنّاً ، وأنصحهم لهم حبّاً.

فقال عليّ عليه السلام : فصدّق قوله صلى الله عليه وآله وسلم بفعلك ، وخالف ما أنت الآن عليه ، فقد قيل لك ما سمعت وهو كاف إن قبلت.

قال عثمان : تثق يا أبا الحسن؟

قال : نعم أثق ولا أظنك فاعلاً.

قال عثمان : قد وثقت وأنت ممن لا يخفر صاحبه ولا يكذّب لقيله.

قال ابن عباس : فأخذت بأيديهما حتى تصافحا وتصالحا وتمازحا ، ونهضت عنهما فتشاورا وتآمرا وتذاكرا ، ثمّ افترقا ، فوالله ما مرّت ثالثة حتى

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

ممّا تعطف عليّ إخواني، لا شئ لي غيره، فمرني بأمرك، فقال لي: « إنصرف إلى بلادك، وأنت من حجّك وتزويجك وكسبك في حلّ » فلمّا كانت سنة ثلاث عشرة ومائتين أتيتهعليه‌السلام ، وذكرته العبوديّة الّتي التزمتها، فقال: « أنت حرّ لوجه الله » قلت له: جعلت فداك أكتب لي (به عهدة)(١) ، فقال: « تخرج إليك غداً » فخرج إليّ مع كتبي كتاب فيه: « بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمّد بن علي الهاشمي العلوي، لعبدالله بن المبارك فتاه، إنّي أعتقك لوجه الله والدّار الآخرة، لا ربّ لك إلّا الله، وليس عليك سبيل، وأنت مولاي ومولى عقبي من بعدي، وكتب في المحرّم سنة ثلاث عشرة ومائتين ». ووقع فيه محمّد بن علي بخط يده، وختم بخاتمه صلوات الله عليهما.

٣ -( باب وجوب إيصال حصّة الإمامعليه‌السلام من الخمس إليه مع الإمكان، وإلى بقيّة الأصناف مع التّعذّر، وعدم جواز التّصرف فيها بغير إذنهعليه‌السلام )

[ ٨٢٦٨ ] ١ - الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، قال: كنت عند أبي جعفر الثّانيعليه‌السلام ، إذ أدخل إليه صالح بن محمّد بن سهل الهمداني، وكان يتولّى له، فقال له: جعلت فداك، اجعلني من عشرة آلاف درهم في حلّ فإنّي أنفقتها، فقال له أبو جعفرعليه‌السلام : « أنت في حلّ » فلمّا خرج صالح من عنده، قال أبو جعفرعليه‌السلام : « أحدهم يثب على مال(١) آل محمّد

____________________________

(١) في المصدر: عهدك.

الباب - ٣

١ - الغيبة ص ٢١٣.

(١) في المصدر: أموال حقّ.

٣٠١

عليهم‌السلام ، وفقرائهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم، فيأخذه ثمّ يقول: اجعلني في حلّ، أتراه ظنّ بي أن(٢) أقول له: لا(٣) ، والله ليسألنّهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثاً ».

[ ٨٢٦٩ ] ٢ - محمّد بن مسعود العيّاشي: عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : اصلحك الله، ما أيسر ما يدخل به العبد النّار؟ قال: « من أكل من مال اليتيم درهماً، ونحن اليتيم ».

قلت: في اختصاص سهمهعليه‌السلام مع تعذّر إيصاله إليه، بشركائه مع احتياجهم كلام طويل، وهذه من المسائل العويصة الّتي اختلفت فيها الأقوال وتشتّت فيها الآراء، وهي مع ذلك محلّ للابتلاء، وتمام الكلام يطلب من محلّه، وما اختاره أحوط في بعض الموارد، والله العالم.

٤ -( باب إباحة حصّة الإمامعليه‌السلام من الخمس للشّيعة مع تعذّر إيصالها إليه، وعدم احتياج السّادات، وجواز تصرّف الشّيعة في الأنفال والفئ وسائر حقول الإمامعليه‌السلام ، مع الحاجة وتعذّر الإيصال)

[ ٨٢٧٠ ] ١ - فرات بن إبراهيم الكوفي في تفسيره: عن جعفر بن محمّد الفزاري، عن محمّد بن مروان، عن محمّد بن علي، عن علي بن عبدالله، عن الثّمالي، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: « قال الله

____________________________

(٢) وفيه: أنّي.

(٣) وفيه زيادة: أفعل.

٢ - تفسير العيّاشي ج ١ ص ٢٢٥ ح ٤٨.

الباب - ٤

١ - تفسير فرات الكوفي ص ١٥٨.

٣٠٢

تبارك وتعالى:( مَّا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّـهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ ) (١) فما كان للرّسول فهو لنا، وشيعتنا حللّناه لهم وطبنا(٢) لهم، يا أبا حمزة والله لا يضرب على شئ من (الأشياء فهو)(٣) في شرق الأرض ولا غربها إلّا كان حراماً سحتاً، على من نال منه شيئاً، ما خلانا وشيعتا، وأنّا (طيبناه لكم وجعلناه)(٤) لكم، [ والله ](٥) يا أبا حمزة، لقد (غصبونا ومنعونا)(٦) حقّنا ».

[ ٨٢٧١ ] ٢ - علي بن إبراهيم في تفسيره: في قوله تعالى:( إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ ) (١) أي طاب مواليدكم، لأنّه لا يدخل الجنّة إلّا طيّب المولد( فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ) (٢) قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « إنّ فلاناً وفلاناً غصبونا حقّنا، واشتروا به الأماء وتزوّجوا به النّساء، ألا وانا قد جعلنا شيعتنا من ذلك في حلّ، لتطيب مواليدهم ».

[ ٨٢٧٢ ] ٣ - عوالي اللآلي: سئل الصّادقعليه‌السلام ، فقيل له: يا ابن رسول الله، ما حال شيعتكم فيما خصكم الله به، إذا غاب غائبكم واستتر قائمكم؟ فقالعليه‌السلام : « ما انصفناهم إن

____________________________

(١) الحشر ٥٩: ٧.

(٢) في المصدر: وطيبناه.

(٣) في المصدر: السهام.

(٤) في الطبعة الحجرية: « طبناه فاماه » وما أثبتناه من المصدر.

(٥) أثبتناه من المصدر.

(٦) في المصدر: عصينا وشيعتنا.

٢ - تفسير القمي ج ٢ ص ٢٥٤.

(١ و ٢) الزمر ٣٩: ٧٣.

٣ - عوالي اللآلي ج ٢ ص ٢٤٦ ح ١٤.

٣٠٣

واخذناهم(١) ، ولا أحببناهم إن عاقبناهم، بل نبيح لهم المساكن لتصح عبادتهم، ونبيح لهم المناكح لتطيب ولادتهم، ونبيح لهم المتاجر ليزكوا اموالهم ».

٥ -( باب نوادر ما يتعلّق بأبواب كتاب الخمس)

[ ٨٢٧٣ ] ١ - الشيخ شرف الدّين في تأويل الآيات الباهرة: عن تفسير الجليل محمّد بن العبّاس بن الماهيار، عن محمّد بن أبي بكر، عن محمّد بن إسماعيل، عن عيسى بن داود، عن أبي الحسن موسى، عن أبيه: « أنّ رجلاً سأل أباه محمّد بن عليعليهم‌السلام ، عن قول الله عزّوجلّ:( وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ ، لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) (١) فقال أبي: احفظ يا هذا وانظر كيف تروي عنّي، إنّ السائل والمحروم شأنهما عظيم، أمّا السّائل فهو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مسألته الله حقّه، والمحروم هو من حرم الخمس أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وذرّيته الأئمّةعليهم‌السلام ، هل سمعت وفهمت؟ ليس هو كما يقول النّاس ».

[ ٨٢٧٤ ] ٢ - ثقة الإسلام في الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن السّندي(١) بن الرّبيع، قال: لم يكن ابن أبي عمير يعدل بهشام بن الحكم شيئاً، وكان

____________________________

(١) الموجود في المصدر هذه العبارة فقط وقال الصادقعليه‌السلام : ما انصفناهم إن واخذناهم.

الباب - ٥

١ - تأويل الآيات الباهرة: لم نجده في مظانه، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٨٨.

(١) المعارج ٧٠: ٢٤ و ٢٥.

٢ - الكافي ج ١ ص ٣٣٨.

(١) في المصدر: السري، والظاهر هو الصواب راجع معجم رجال الحديث ٨: ٤١ و ٣١٦.

٣٠٤

لا يغبّ إتيانه، ثمّ انقطع عنه وخالفه، وكان سبب ذلك أنّ أبا مالك الحضرمي، كان أحد رجال هشام، وقع بينه وبين ابن أبي عمير ملاحاة في شئ من الإمامة، قال ابن أبي عمير: الدّنيا كلها للإمام على جهة الملك، وأنّه أولى بها من الّذين هي في أيديهم، وقال أبو مالك: ليس كذلك أموال(٢) النّاس لهم، إلّا ما حكم الله به للإمام من الفئ والخمس والمغنم فذلك له، وذلك أيضاً قد بيّن الله للإمام أين يضعه؟ وكيف يصنع به؟ فتراضيا بهشام بن الحكم وصارا إليه، فحكم هشام لأبي مالك على ابن عمير، فغضب ابن أبي عمير وهجر هشاماً بعد ذلك.

[ ٨٢٧٥ ] ٣ - الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة في كتاب تحف العقول: رسالة الصادقعليه‌السلام في الغنائم ووجوب الخمس لأهله، قالعليه‌السلام : « فهمت ما ذكرت إنّك اهتممت به، من العلم بوجوه مواضع ما لله فيه رضى، وكيف أمسك سهم ذي القربى منه، وما سألتني من اعلامك ذلك كلّه، فاسمع بقلبك وانظر بعقلك، ثمّ اعط في جنبك النّصف من نفسك، فإنّه أسلم لك غداً عند ربّك، المتقدّم أمره ونهيه إليك، وفّقنا الله وإيّاك، اعلم أنّ الله ربّي وربّك، ما غاب عن شئ وما كان ربّك نسيّا، وما فرّط في الكتاب من شئ، وكلّ شئ فصّله تفصيلاً، وأنّه ليس ما وضح الله تبارك وتعالى من أخذ ماله، بأوضح ممـّا أوضح الله من قسمته إيّاه في سبله، لأنّه لم يفترض من ذلك شيئاً في شئ من القرآن، إلّا وقد اتبعه بسبله إيّاه غير مفرق بينه وبينه، يوجبه لمن فرض له ما لا يزول عنه من القسم، كما يزول ما بقي سواه عمّن سمّي له، لأنّه يزول عن الشّيخ بكبره، والمسكين

____________________________

(٢) في المصدر: أملاك.

٣ - تحف العقول ص ٢٥٣.

٣٠٥

بغناه، وابن السّبيل بلحوقه ببلده، ومع توكيد الحجّ مع ذلك بالأمر به تعليماً، وبالنّهي عمّا ركب ممّن منعه تحرّجاً، فقال الله عزّوجلّ في الصّدقات، وكانت أوّل ما افترض الله سبله:( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (١) فالله اعلم نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله موضع الصّدقات، وأنّها ليست لغير هؤلاء، يضعها حيث يشاء منهم على ما يشاء، ويكفّ الله جلّ جلاله نبيّه وأقرباءه عن صدقات النّاس وأوساخهم، فهذا سبيل الصّدقات، وأمّا المغانم فإنّه لمـّا كان يوم بدر، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من قتل قتيلاً فله كذا وكذا، ومن أسر أسيراً فله من غنائم القوم كذا وكذا، فإنّ الله قد وعدني أن يفتح عليّ وأنعمني عسكرهم، فلمّا هزم الله المشركين وجمعت غنائمهم، قام رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله، إنّك أمرتنا بقتال المشركين وحثثتنا عليه، وقلت: من أسر أسيراً فله كذا وكذا من غنائم القوم، ومن قتل قتيلاً فله كذا وكذا، وإنّي قتلت قتيلين لي بذلك البيّنة، وأسرت أسيراً، فاعطنا ما أوجبت على نفسك يا رسول الله، ثمّ جلس فقام سعد بن عبادة فقال: يا رسول الله، ما منعنا أن نصيب مثل ما أصابوا جبن من العدوّ، ولا زهادة في الآخرة والمغنم، ولكنّا تخوفنا إن بعد مكاننا منك فيميل إليك من جند المشركين، أو يصيبوا منك ضيعة فيميلوا إليك فيصيبوك بمصيبة، وإنّك إن تعط هؤلاء القوم ما طلبوا، يرجع سائر المسلمين ليس لهم من الغنيمة شئ، ثمّ جلس فقام الأنصاري فقال مثل مقالته الأولى ثمّ جلس، يقول ذلك كلّ واحد منهما ثلاث مرّات، فصد النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بوجهه، فأنزل الله عزّ

____________________________

(١) التوبة ٩: ٦٠.

٣٠٦

وجلّ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ ) (٢) والأنفال اسم جامع لمـّا أصابوا يومئذ، مثل قوله:( مَّا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ ) (٣) ومثل قوله:( أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ ) (٤) ثمّ قال:( قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّـهِ وَالرَّسُولِ ) (٥) فاختلجها الله من أيديهم فجعلها لله ولرسوله، ثمّ قال( فَاتَّقُوا اللَّـهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) (٦) فلمّا قدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للمدينة، أنزل الله عليه:( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّـهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّـهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ) (٧) فأما قوله:( لِلَّـهِ ) فكما يقول الإنسان: هو لله ولك، ولا يقسم لله منه شئ، فخمّس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الغنيمة الّتي قبض بخمسة أسهم، فقبض سهم الله لنفسه يحيي به ذكره ويورث بعده، وسهماً لقرابته من بني عبد المطلب، فأنفذ سهماً لأيتام المسلمين، وسهماً لمساكينهم، وسهماً لابن السّبيل من المسلمين في غير تجارة، فهذا يوم بدر، وهذا سبيل الغنائم التي اخذت بالسّيف، وأمّا ما لم يوجف عليه بخيل ولاركاب، فإنه كان المهاجرون حين قدموا المدينة، اعطتهم الأنصار نصف دورهم ونصف اموالهم، والمهاجرون يومئذ نحو مائة رجل، فلمّا ظهر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على بني قريظة والنّضير وقبض أموالهم، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله للأنصار: إن شئتم أخرجتم المهاجرين من دوركم وأموالكم، وقسمت

____________________________

(٢) الأنفال ٨: ١.

(٣) الحشر ٥٩: ٧.

(٤) الأنفال ٨: ٤١.

(٥ و ٦) الأنفال ٨: ١.

(٧) الأنفال ٨: ٤١.

٣٠٧

لهم هذه الأموال دونكم، وإن شئتم تركتم اموالكم ودوركم، وقسمت لكم معهم، قالت الأنصار: بل اقسم لهم دوننا واتركهم معنا في دورنا واموالنا، فأنزل الله تبارك وتعالى( وَمَا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ - يعني يهود قريظة -فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ ) (٨) لأنّهم كانوا معهم بالمدينة أقرب من أن يوجف عليه(٩) بخيل ولا ركاب ثمّ قال تعالى:( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الّذين أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ أُولَـٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) (١٠) فجعلها الله لمن هاجر من قريش مع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، [ وصدق ](١١) وأخرج أيضاً عنهم المهاجرين مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من العرب، لقوله:( الّذين أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ) لأن قريشاً كانت تأخذ ديار من هاجر منها وأموالهم، ولم يكن العرب تفعل ذلك بمن هاجر منها، ثمّ أثنى على المهاجرين الّذين جعل لهم الخمس، وبرأهم من النّفاق بتصديقهم إيّاه، حين قال: أولئك هم الصّادقون لا الكاذبون، ثمّ أثنى على الأنصار وذكر ما صنعوا، وحبهم للمهاجرين وإيثارهم إيّاهم، وأنّهم لم يجدوا في أنفسهم حاجة، يقول: حزازة(١٢) ممـّا أُوتوا، يعني المهاجرين دونهم، فأحسن الثّناء عليهم فقال:( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ

____________________________

(٨) الحشر ٥٩: ٦.

(٩) في المصدر: عليهم.

(١٠) الحشر ٥٩: ٨.

(١١) أثبتناه من المصدر.

(١٢) الحزازة: وجع في القلب من غيظ ونحوه والجمع حزازات. (مجمع البحرين - حزز - ج ٤ ص ١٥).

٣٠٨

وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (١٣) وقد كان رجال اتبعوا النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قد وترهم المسلمون فيما أخذوا من أموالهم، فكانت قلوبهم قد امتلأت عليهم، فلمّا حسن إسلامهم استغفروا لأنفسهم ممـّا كانوا عليه من الشّرك، وسألوا الله أن يذهب بما في قلوبهم من الغلّ لمن سبقهم إلى الإيمان، واستغفروا لهم حتّى يحلل ما في قلوبهم، وصاروا إخواناً لهم، فأثنى الله على الّذين قالوا ذلك خاصّة، فقال:( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الّذين سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) (١٤) فأعطى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، المهاجرين عامة من قريش، على قدر حاجتهم فيما يرى، لأنّها لم يخمس فتقسم بالسّوية، ولم يعط أحداً منهم شيئاً، إلّا المهاجرين من قريش، غير رجلين من الأنصار يقال لأحدهما: سهل بن حنيف، وللآخر: سماك بن خرشة أبودجّانة، فإنّه أعطاهما لشدّة حاجة كانت بهما من حقّه، و أمسك النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من أموال بني قريظة والنّضير، ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، سبع حوائط لنفسه، لأنّه لم يوجف على فدك خيل أيضاً ولا ركاب، وأمّا خيبر فإنّها كانت مسيرة ثلاثة أيّام من المدينة، وهي أموال اليهود، ولكنّه أوجف عليه خيل وركاب وكانت فيها حرب، فقسّمها على قسمة بدر، فقال الله:( مَّا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّـهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (١٥) فهذا سبيل ما أفاء

____________________________

(١٣) الحشر ٥٩: ٩.

(١٤) الحشر ٥٩: ١٠.

(١٥) الحشر ٥٩: ٧.

٣٠٩

الله على رسوله ممـّا أوجف عليه خيل وركاب، وقد قال علي بن أبي طالبعليه‌السلام : ما زلنا نقبض سهمنا بهذه الآية الّتي أوّلها تعليم وآخرها تحرّج، حتّى جاء خمس السّوس وجند يسابور(١٦) إلى عمر، وأنا والمسلمون والعباس عنده، فقال عمر لنا: إنّه قد تتابعت لكم من الخمس أموال فقبضتموها، حتّى لا حاجة بكم اليوم، وبالمسلمين حاجة وخلل، فأسلفونا حقّكم من هذا المال، حتّى يأتي الله بقضائه من أوّل شئ يأتي المسلمين، فكففت عنه لأنّي لم آمن حين جعله سلفاً، لو الححنا عليه فيه، أن يقول في خمسنا مثل قوله في أعظم منه، أعني ميراث نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله ، [ حين الححنا عليه فيه ](١٧) فقال له العبّاس: لا تغمز في الّذي لنا يا عمر، فإنّ الله قد أثبته لنا [ بأثبت ](١٨) ممـّا أثبت به المواريث، [ بيننا ](١٩) فقال عمر: وأنتم أحقّ من أرفق المسلمين وشفعني، فقبضه عمر، ثمّ قال: لا والله ما آتيهم ما يقبضنا حتّى لحق بالله، ثمّ ما قدرنا عليه بعده، ثمّ قال عليعليه‌السلام : إنّ الله حرّم على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله الصّدقة، فعوّضه منها سهماً من الخمس، وحرّمها على أهل بيته خاصّة دون قومهم، وأسهم لصغيرهم وكبيرهم وذكرهم وأنثاهم وفقيرهم وشاهدهم وغائبهم، لأنهم إنّما أعطوا سهمهم لأنّهم قرابة نبيّهم والّتي لا تزول عنهم، الحمد الله الّذي جعله منّا وجعلنا منه، فلم يعط

____________________________

(١٦) السوس: بلدة بخوزستان فيها قبر دانيال النبيعليه‌السلام ، تعريب الشوش ومعناه: الحُسن والنزه والطيب (معجم البلدان ج ٣ ص ٢٨٠).

وجند يسابور: مدينة بخوزستان خصبة واسعة الخير بها النخل والزروع والمياه (معجم البلدان ج ٢ ص ١٧٠).

(١٧ - ١٩) أثبتناه من المصدر.

٣١٠

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحداً من الخمس غيرنا وغير خلفائنا(٢٠) وموالينا، لأنّهم منّا، وأعطى من سهمه ناساً لحرم كانت بينه وبينهم، معونة في الّذي كان بينهم، فقد أعلمتك ما أوضح الله من سبيل هذه الأنفال الأربعة، وما وعد من أمره فيهم، ونوّره بشفاء من البيان وضياء من البرهان، جاء به الوحي المنزل، وعمل به النّبي المرسل، فمن حرّف كلام الله أو بدّله بعد ما سمعه وعقله، فإنّما إثمه عليه، والله حجيجه فيه، والسّلام عليك ورحمة الله وبركاته ».

____________________________

(٢٠) في المصدر: حلفائنا.

٣١١

٣١٢

كتاب الصيام

٣١٣

فهرست أنواع الأبواب إجمالاً

أبواب وجوب الصوم ونيّته.

أبواب ما يمسك عنه الصّائم ووقت الإمساك.

أبواب آداب الصّائم.

أبواب من يصحّ منه الصّوم.

أبواب أحكام شهر رمضان.

أبواب بقيّة الصّوم الواجب.

أبواب الصّوم المندوب.

أبواب الصّوم المحرّم والمكروه.

٣١٤

أبواب وجوب الصوم ونيّته

١ -( باب وجوبه، وثبوت الكفر والارتداد باستحلال تركه)

[ ٨٢٧٦ ] ١ - علي بن عيسى الاربلي في كشف الغمّة: عن عبد العزيز الجنابذي، عن رجاله قال: قال القاضي أبو عبدالله الحسين بن علي بن هارون الضّبي، إملاء قال: وجدت في كتاب والدي، حدّثنا جعفر بن محمّد بن حمزة العلوي قال: كتبت إلى أبي محمّد الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن الرضاعليهم‌السلام ، اسأله: لمـّا فرض الله تعالى الصّوم؟ فكتب إليّ: « فرض الله تعالى الصوم، ليجد الغني مسّ الجوع، ليحنو على الفقير ».

[ ٨٢٧٧ ] ٢ - دعائم الإسلام: روينا عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، أنّه قال: « صوم شهر رمضان، فرض في كلّ عام ».

____________________________

أبواب وجوب الصوم ونيته

الباب - ١

١ - كشف الغمة ج ٢ ص ٤٠٣.

٢ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦٨.

٣١٥

٢ -( باب وجوب النيّة للصّوم الواجب ليلاً، فمن تركها فله تجديدها في الفرض، ما بينه وبين الزّوال، ما لم يفطر)

[ ٨٢٧٨ ] ١ - ابن أبي جمهور في عوالي اللآلي: عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « لا صيام لمن لا يبيت الصّيام من اللّيل ».

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « من لم يبيت الصّيام من الليل، فلا صيام له »(١) .

[ ٨٢٧٩ ] ٢ - دعائم الإسلام: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « لا تصام الفريضة، إلّا باعتقاد [ و ](١) نيّة ».

[ ٨٢٨٠ ] ٣ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام : « أنّ رجلاً من الأنصار، أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فصلّى معه صلاة العصر، ثمّ قام فقال: يا رسول الله، إنّي كنت اليوم في ضيعة لي، وإنّي لم أُطعم شيئاً، أفاصوم؟ قال: نعم، قال: إن عليّ يوماً من رمضان، فاجعله مكانه؟ قال: نعم ».

____________________________

الباب - ٢

١ - عوالي اللآلي ج ٣ ص ١٣٢ ح ٥.

(١) نفس المصدر ج ٣ ص ١٣٣ ح ٦.

٢ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٧٢.

(١) أثبتناه من المصدر.

٣ - الجعفريات ص ٦١.

٣١٦

[ ٨٢٨١ ] ٤ - فقه الرضاعليه‌السلام : « وأدنى ما يتم به فرض الصوم العزيمة، وهي النيّة ».

٣ -( باب جواز تجديد النيّة، في الصّوم المندوب، إلى قرب الغروب)

[ ٨٢٨٢ ] ١ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه: « أنّ عليّاًعليهم‌السلام ، كان يقول: إذا لم يفرض الرّجل على نفسه الصّيام - ثمّ ذكر الصّيام قبل أن يأكل أو يشرب - فهو بالخيار، إن شاء صام، وإن شاء أفطر ».

[ ٨٢٨٣ ] ٢ - دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، أنّه قال: « من أصبح لا ينوي الصوم، ثمّ بدا له أن يتطوّع، فله ذلك ما لم تزل الشّمس، وكذلك إن أصبح صائما متطوعاً، فله أن يفطر، ما لم تزل الشّمس ».

____________________________

٤ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٣.

الباب - ٣

١ - الجعفريات ص ٦١.

٢ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٨٥.

٣١٧

٤ -( باب أنّ من نوى قضاء شهر رمضان، جاز له الإفطار قبل الزّوال مع سعة الوقت لا بعده، ومن نوى صوماً مندوباً، جاز له الإفطار متى شاء، ويكره بعد الزّوال، وحكم النّذر)

[ ٨٢٨٤ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « إذا قضيت صوم شهراً، والنذر، كنت بالخيار في الإفطار إلى زوال الشمس، فإن أفطرت بعد الزّوال، فعليك كفّارة مثل من أفطر يوماً من شهر رمضان ».

[ ٨٢٨٥ ] ٢ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين، عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أفضل ما على الرّجل، إذا تكلّف [ له ](١) أخوه المسلم طعاما، فدعاه وهو صائم، فأمره أن يفطر، ما لم يكن صيامه ذلك اليوم فريضة، أو قضاء، أو نذراً سماه، وما لم يمل النّهار ».

٥ -( باب استحاب صوم يوم الشّك، بنيّة النّدب على أنّه من شعبان، إذا كان علّة أو شبهة، ولو بان من شهر رمضان أجزأه، وكذا لو صام الشّهر كلّه أو بعضه، وهو لا يعلم أنّه من شهر رمضان)

[ ٨٢٨٦ ] ١ - علي بن ابراهيم في تفسيره: عن أبيه، عن القاسم بن محمّد،

____________________________

الباب - ٤

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٦.

٢ - الجعفريات ص ٦٠.

(١) أثبتناه من المصدر.

الباب - ٥

١ - تفسير القمي ج ١ ص ١٨٦.

٣١٨

عن سليمان بن داود، عن سفيان بن عيينة، عن الزّهري، عن علي ابن الحسينعليهما‌السلام ، أنّه قال في حديث طويل في أنواع الصّوم: « وصوم يوم الشّك، أمرنا به ونهينا عنه، أمرنا به (أن نصوم مع شعبان)(١) ، نهينا عنه أن ينفرد(٢) الرّجل بصيامه، في اليوم الّذي يشك فيه النّاس » قلت: فإن لم يكن صام من شعبان(٣) ، فكيف يصنع؟ قال: « ينوي ليلة الشك أنّه صائم من شعبان، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه، وإن كان من شعبان لم يضرّه » قلت: وكيف يجزئ صوم التطوّع عن(٤) فريضة؟ فقال: « لو أنّ رجلاً صام شهر رمضان تطوّعا [ وهو ](٥) لا يعلم أنّه شهر رمضان، ثمّ علم بعد ذلك أجزأه عنه، لأنّ الفرض إنّما وقع على الشّهر بعينه » الخبر.

فقه الرضاعليه‌السلام : مثله(٦) ، وفي آخره: « ولو أنّ رجلاً صام شهراً تطوّعا في بلد الكفر، فلمّا أن عرف، كان شهر رمضان، وهو لا يدري ولا يعلم أنّه من شهر رمضان » الخ.

وقالعليه‌السلام في موضع آخر(٧) : « إذا شككت في يوم، لا تعلم أنّه من شهر رمضان أو من شعبان، فصم من شعبان، فإن كان منه لم يضرّك، وإن كان من شهر رمضان، جاز لك في رمضان » الخ.

____________________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) في المصدر: يتفرّد.

(٣) في المصدر زيادة: شيئاً.

(٤) وفيه: من.

(٥) أثبتناه من المصدر.

(٦) فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٣.

(٧) فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٥.

٣١٩

٦ -( باب عدم جواز صوم يوم الشّك بنية الفرض، فإن فعل وبان من شهر رمضان، وجب قضاؤه)

[ ٨٢٨٧ ] ١ - درست بن أبي منصور في كتابه: قال: حدّثني بعض أصحابنا، عن محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : اليوم الّذي يشك فيه من رمضان أو من شعبان، يصومه الرّجل فيتبيّن له أنّه من رمضان، قال: « عليه قضاء ذلك اليوم، إنّ الفرائض لا تؤدّى على الشّك ».

[ ٨٢٨٨ ] ٢ - دعائم الإسلام: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « ومن صام على شكّ فقد عصى ».

[ ٨٢٨٩ ] ٣ - وعن أبي جعفر محمّد بن عليعليهما‌السلام ، أنّه قال: « لأن أفطر يوماً من [ شهر ](١) رمضان، أحبّ اليّ من أن أصوم يوماً من شعبان، (أُريده من)(٢) رمضان ».

____________________________

الباب - ٦

١ - كتاب درست بن أبي منصور ص ١٦٩.

٢ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٧٢.

٣ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٧٢.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) في المصدر: أزيده في شهر.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594