الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام سيرة وتاريخ

الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام سيرة وتاريخ25%

الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام سيرة وتاريخ مؤلف:
تصنيف: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام
الصفحات: 318

الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام سيرة وتاريخ
  • البداية
  • السابق
  • 318 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 183037 / تحميل: 7616
الحجم الحجم الحجم
الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام سيرة وتاريخ

الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام سيرة وتاريخ

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

٦٦ - عن عليّ مرفوعاً: أوَّل من يحاسب يوم القيمة أبو بكر. يأتي بطوله.

هذه غياهب الإفك والإحن، وأغشية التمويه والدجل، ظلماتٌ بعضها فوق بعض، أو قل: هي أساطير الأوَّلين التي اكتتبوها، أحاديث الغلوِّ وقصص الخرافة لفَّقتها يد الأمانة الخائنة على السنَّة النبويَّة تقوُّلاً على مولانا أمير المؤمنين، لقد فصَّلنا القول فيها في طيّات أجزاء(١) كتابنا هذا، وإنَّهم ليقولون منكراً من القول وزورا.

- ٦٧ -

ليلة الغار والخليفة فيها

أخرجها أبو نعيم الإصبهاني في حلية الأولياء ١: ٢٢ عن عبد الله بن محمّد بن جعفر عن محمّد بن العباس بن أيوب عن أحمد بن محمّد بن حبيب المؤدب عن أبي معاوية عن هلال بن عبد الرحمن عن عطاء بن أبي ميمونة أبي معاذ عن أنس بن مالك قال: لما كان ليلة الغار قال: أبو بكر يا رسول الله! دعني فلأدخل قبلك فإن كانت حيّة أو شيء كانت لي قبلك. قال: ادخل، فدخل أبو بكر فجعل يلتمس بيديه، فكلما رأى جحراً جاء بثوبه فشقَّه ثمَّ ألقمه الجحر حتّى فعل ذلك بثوبه أجمع، قال: فبقي جحر فوضع عقبه عليه، ثمَّ أدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فلمّا أصبح قال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: فأين ثوبك يا أبا بكر؟ فأخبره بالذي صنع، فرفع النبيُّ صلى الله عليه وسلم يده فقال: اللهمَّ اجعل أبا بكر معي في درجتي يوم القيامة. فأوحى الله تعالى إليه: إنَّ الله قد استجاب لك.

وقال ابن هشام في السيرة ٢: ٩٨: حدَّثني بعض أهل العلم إنَّ الحسن البصري قال: إنتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى الغار ليلاً فدخل أبو بكر رضي الله عنه قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمس الغار لينظر أفيه سبعٌ أو حيّةٌ يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه.

وذكره ابن كثير في تاريخه ٣: ١٧٩ فقال: فيه إنقطاعٌ من طرفيه.

وفي مرسل المحبِّ الطبري في الرياض ١: ٦٥: دخل أبو بكر الغار فلم يرَ فيه جحراً إلّا أدخل إصبعه فيه حتّى أتى على جحر كبير فأدخل رجله فيه إلى فخذه ثمَّ قال: اُدخل يا رسول الله! فقد مهَّدت لك الموضع تمهيداً.

وبات أبو بكر بليلة منكرة من الأفعى فلمّا أصبح قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما

____________________

١ - تجد بسط المقال حول جلها في الجزء الخامس ص ٢٩٧ ٣٧٥ ط ٢.

٤١

هذا يا أبا بكر؟ وقد تورَّم جسده فقال: يا رسول الله! الأفعى، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلّا أعلمتني؟ فقال أبو بكر: كرهت أن أفسد عليك، فأمرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على أبي بكر فاضمحلَّ ما كان بجسده من الألم وكأنّه أُنشط من عقال.

وقال في مرسل آخر عن عمر في ص ٦٨: كان في الغار خروقٌ فيها حيّات وأفاعي فخشي أبو بكر أن يخرج منها شيءٌ يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقمه قدمه فجعلن يضربنه ويلسعنه الحيّات والأفاعي، وجعلت دموعه تتحادر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: يا أبا بكر! لا تحزن إنَّ الله معنا فأنزل الله سكينته وهي الطمأنينة لأبي بكر.

والذي صحّحه الحاكم في المستدرك من طريق عمر من الحديث قوله: فلمّا انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: مكانك يا رسول الله! حتّى استبرئ الحجرة فدخل واستبرأ ثمَّ قال: أنزل يا رسول الله! فنزل فقال عمر: والذي نفسي بيده لتلك الليلة خيرٌ من آل عمر. فقال الحاكم: صحيحٌ لولا إرسالٌ فيه.

وفي حديث زيَّفه ابن كثير بالإرسال أيضاً: قال أبو بكر: كما أنت حتّى أدخل يدي فأحسَّه وأقصه فإن كانت فيه دابَّة أصابتني قبلك. قال نافع: فبلغني إنَّه كان في الغار جحرٌ فألقم أبو بكر رجله ذلك الجحر تخوّفاً أن يخرج منه دابَّةٌ أو شيءٌ يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي لفظ: لما دخل الغار سدَّد تلك الأجحر كلّها وبقي منها جحرٌ واحدٌ، فألقمه كعبه فجعلت الأفاعي تنهشه ودموعه تسيل «تاريخ ابن كثير ٣: ١٨٠» فقال: في هذا السياق غرابة ونكارة.

وزاد عليه الحلبي في السيرة: قد كان صلى الله عليه وسلم وضع رأسه في حجر أبي بكر رضي الله تعالى عنه ونام فسقطت دموع أبي بكر رضي الله تعالى عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مالك يا أبا بكر؟ قال لدغت فداك أبي وأُمِّي، فتفل رسول الله على محلِّ اللدغة فذهب ما يجده.

وقال: زاد في رواية: وإنَّه رأى على أبي بكر أثر الورم فسأل عنه فقال: من لدغة الحية فقال: هلّا أخبرتني؟ قال: كرهت أن أوقظك فمسحه النبيُّ صلى الله عليه وسلم فذهب ما به من الورم والألم.

٤٢

وقال: قال بعضهم: والسرُّ في اتخاذ رافضة العجم اللباد المقصص على رؤوسهم تعظيماً للحيَّة التي لدغت أبا بكر في الغار، لأنَّهم يزعمون أنَّ ذلك على صورة تلك الحيَّة.

السيرة الحلبيّة ٢: ٣٩، ٤٠، السيرة النبويَّة لزيني دحلان هامش الحلبيَّة ١: ٣٤٢.

قال الأميني: للباحث حقُّ النظر في هذه الرواية من عدَّة نواحي، أوّلاً من حيث رجال السند ولا إسناد لها منذ يوم وضعت، ولا تروى في كتب السلف والخلف إلّا مرسلة إمّا من الطرفين كرواية ابن هشام، وإمّا من طرف واحد كإسناد الحاكم وأبي نعيم، ومن الغريب جدّاً أنَّ القضيَّة مشتركةٌ بين اثنين ليس إلّا، وهما: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وروايتها بطبع الحال تنحصر بهما غير أنَّها لم تنقل عنهما ولم يوجد لهما ذكرٌ في أيِّ سند، والدواعي في مثلها متوفّرةٌ لأن يذكر مع الأبد، وتتداولها الألسن، إذ فيها من أعلام النبوَّة، وكرامة مع ذلك لأبي بكر.

وإسناد أبي نعيم المذكور لا يعوَّل عليه لمكان عبد الله بن محمّد بن جعفر، قال ابن يونس: خلط في الآخر، ووضع أحاديث على متون معروفة، وزاد في نسخ مشهورة فافتضح وحرقت الكتب في وجهه.

وقال الحاكم عن الدار قطني: كذّابٌ ألَّف كتاب سنن الشافعي وفيها نحو مائتي حديث لم يحدِّث بها الشافعي.

وقال الدارقطني: وضع في نسخة عمرو بن الحارث أكثر من مائة حديث.

وقال عليُّ بن رزيق: كان إذا حدَّث يقول: لأبي جعفر ابن البرقي في حديث بعد حديث: كتبت هذا عن أحد. فكان يقول نعم عن فلان وفلان. فاتّهمه الناس بأنَّه يفتعل الأحاديث، ويدَّعيها ابن البرقي كعادته في الكذب. قال: وكان يصحِّف أسماء الشيوخ(١) .

على أنَّ عبد الله بن محمّد توفي سنة ٣١٥ كما في لسان الميزان فلا تتمُّ رواية أبي نعيم عنه وهو من مواليد ٣٣٦.

____________________

١ - لسان الميزان ٣: ٣٤٥.

٤٣

وفيه: محمّد بن العباس بن أيّوب الحافظ الشهير بابن الأخزم، قال أبو نعيم نفسه: اختلط قبل موته بسنة كما في لسان الميزان ٥: ٢١٦ ولما لم يُعلم تاريخ صدور الرواية منه أهو قبل الاختلاط أم بعده؟ - إن لم تعدّ الرواية من بيِّنات الاختلاطه - سقطت عن الاعتبار كما هو الشأن في رواية كلِّ من اختلط. عن:

أحمد بن محمّد بن حبيب المؤدّب، أحسبه السرخسي، أخرج الخطيب في تاريخه ٥: ١٤٠ حديثاً من طريقه فقال: رجاله كلهم ثقات معروفون بالثقة إلّا المؤدّب. عن:

أبي معاوية محمّد بن خازم، مرجئٌ مدلِّسٌ رئيس المرجئة بالكوفة كما في تهذيب التهذيب ٩: ١٣٩. عن:

هلال بن عبد الرحمن قال العقيلي: منكر الحديث، وقال بعد ما ذكر له أحاديث: كلّ هذه مناكير لا أُصول لها ولا يتابع عليها. وقال الذهبي: الضعف على أحاديثه لائحٌ فليترك. «لسان الميزان ٦: ٢٠٢» عن:

عطاء بن أبي ميمون. ثقةٌ صالحٌ قدريٌّ لا يحتجُّ بحديثه، راجع تهذيب التهذيب ٧: ٢١٥.

ولَمَّا لم يصحّ شيءٌ من أسانيد الرواية ومتونها لم يوعز إليها السيوطي في الخصايص الكبرى في باب ما وقع في الهجرة النبويَّة من الآيات والمعجزات، وقد ذكر فيه أحاديث ضعيفة مع النصِّ على ضعفها، فكأنَّه عرف بأنَّ ذكر هذه الرواية تمسُّ كرامة المؤلِّف وتحطّ مكانة تأليفه عن الأنظار، وهكذا لم يذكرها أحدٌ ممَّن ألَّف في أعلام النبوَّة ومعاجز النبيِّ الأعظم.

ثانياً: إنَّ الأُصول القديمة في القرون الأُولى لا يوجد فيها إلّا أنَّ أبا بكر دخل الغار قبل النبيِّ صلى الله عليه وآله لينظر أفيه سبعُ أو حيَّة كما في سيرة ابن هشام، ولم يصحّ عند الحاكم من القصّة إلّا هذا المقدار كما سمعت ولو صحَّ شيء زايدٌ على هذا لما فاتته روايته ولو مرسلة.

وزيدت في القرن الرابع قصّة الثوب وبقاء جحر وإتّكاء أبي بكر عليه بعقبه ودعاء النبيِّ صلى الله عليه وآله له لاتّقائه عنه صلى الله عليه وآله بثوبه عن لدغ الحشرات المزعومة.

٤٤

وجدِّدت النغمات في قرن المحبِّ الطبري المتخصّص الفنّان في رواية الموضوعات وجمع شتاتها، فجاء في روايته ما سمعت غير أنَّ ألفاظه مع وجازته مضطربةٌ جدًّا لا يلتئم شيءٌ منها مع الآخر.

ثمَّ جاء الحلبي فنوَّم رسول الله صلى الله عليه وآله ورأسه في حجر أبي بكر، وسقى وجه رسوله الكريم بدموع أبي بكر المتساقطة من الألم، كلُّ هذه لم يبرّد كبد الحلبي وما شافي غليله، فوجه قوارصه على الرافضة وألبس رؤوسهم لباداً مقصّصاً على صورة تلك الحيّة الموهومة التي لم يزعن رافضيّ قطُّ بوجوده.

ثمَّ لما أدخل أبو بكر رجله في الجحر ونزل النبيُّ صلى الله عليه وآله ووجده قاعداً لا يتحرَّك، ورام أن ينام، ووضع رأسه الشريف في حجره، هلّا سأل صلى الله عليه وآله صاحبه عن حالته العجيبة وجلوسه المستغرب الذي لا يقوم عنه؟ وهل يمكن له أن يستر على صاحبه كلّما فعل وهو معه ينظر إليه من كَثب؟.

وأيّ لديغ هذا؟ وأيّ تصبّر وتجلّد؟ وأيّ منظر مهول؟ رِجل الرجل في الجحر إلى فخذه ولا ثوب عليه، ورأس النبيِّ العظيم في حجره، والأفاعي والحيّات تلدغه وتلسعه من هنا وهنا، لا اللديغ يتململ السليم، حتّى يحرِّك رِجله أو عقبه فتجد تلكم الحشرات مسرحاً فتبعد عنه، ولا يأنُّ ولا يحنُّ ولا تُسمع له زفرةٌ وإن الدموع تتحادر حتّى يستيقظ النبيّ الذي تنام عينه ولا ينام قلبه(١) فينجي صاحبه الذي اختاره لصحبته من لسعة الحيّات والأفاعي.

وهل من العدل والعقل والمنطق أن يحفظ الله نبيَّه عن كلِّ هاتيك النوازل؟ ويري له في الدرأ عنه آيةً بعد آيةً في سويعات؟ مِن ستره عن أعين مشركي قريش لما مرَّ بهم من بين أيديهم، وإنباته شجرةً في وجهه تستره بها، وإيقاعه حمامتين وحشيَّتين بفم الغار، ونسج العناكيب باب الغار بأمر منه تعالى شأنه(٢) ، ويدع صاحبه الذي اتَّخذه بأمره، وتفانى في حبِّ النبيِّ صلى الله عليه وآله، وعرَّض نفسه للمهالك دونه بدخوله الغار قبله، فلم يدفع عنه لدغ الحيّات والأفاعي، ولا يرحمه في تلك الحالة التي تكسر

____________________

١ - أخرج الشيخان في الصحيحين مرفوعاً: إن عينيّ تنامان ولا ينام قلبي، وأخرجا أيضاً مرفوعاً: إن الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم.

٢ - طبقات ابن سعد ١: ٢١٣، الخصايص الكبرى ١: ١٨٥: ١٨٦.

٤٥

القلوب، وتشجي الأفؤدة، وينظر إليه رسول الله صلى الله عليه وآله، ويقول له: لا تحزن إنَّ الله معنا. والمسكين يبكي وتسيل دموعه.

م- وهلّا كان يعلم أبو بكر أنَّ الله الذي أمر نبيَّه بالهجرة وأدخله الغار يكلأه عن لدغ الحيات والأفاعي بقدرته كما أعمى عنه عيون البشر الضاري، وقصَّر عن النيل منه مخالب تلك الفئة الجاهلة؟.

وهلّا كان يؤمن بأنَّ صاحبه المفدّى لو اطّلع على حاله لينجيه بمسحة مسيحيَّة أو بدعوة مستجابة؟ فكلّ ما حُكي عنه لماذا؟]

نعم: أعمى الحبُّ مختلق الرواية وأصمَّه فجاء بالتافهات غلوّاً في الفضائل.

- ٦٨ -

الشيطان لا يتمثّل بأبي بكرِ

أخرج الخطيب البغدادي في تاريخه ٨: ٣٣٤ عن محمّد بن الحسين قطيط أبي الفتح شيباني الذي ترجمه في تاريخه ولم يذكره بثقة. عن:

٢ - خلف بن عامر الضرير، قال الذهبي في ميزانه ١: فيه جهالةٌ، قال ابن الجوزي: روى حديثاً منكراً «يعني هذا الحديث»(١) . عن:

٣ - محمّد بن إسحاق بن مهران أبي بكر الشافعي قال الخطيب في تاريخه ١: ٢٥٨: حديثه كثير المناكير. وحسبك في عرفان حاله حديثه الذي أخرجه الخطيب في ترجمته مرفوعاً: إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقبلوه فإنَّه أمينٌ مأمونٌ. فراوٍ يكون هذا حديثه لا يرتاب من كذبه ووضعه. عن:

٤ - أحمد بن عبيد بن ناصح النحوي ذكره ياقوت في المعجم ٣: ٢٢٨ وقال: قالوا: كان ضعيفاً فيما يرويه. قال ابن عدي الحافظ: يحدِّث عن الأصمعي والقرقساني بمناكير

وقال أبو أحمد الحافظ: لا يتابع على جلِّ حديثه.

وحكى ابن حجر في تهذيب التهذيب ١: ٦٠ كلمة ابن عدي وأبي أحمد وزاد عليها: قال الحاكم أبو عبد الله: سكت مشايخنا عن الرواية عنه، وقال ابن حبّان: ربّما خالف، قال الذهبي: ليس بعمدة.

____________________

١ - لسان الميزان ٢: ٤٠٣.

٤٦

وقال السيوطي في بغية الوعاة ٥: ١٤٤: قال ابن عيسى: يحدِّث بمناكير. عن رجال ثقات عن حذيفة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رآني في المنام فقد رآني فإنَّ الشيطان لا يتمثّل بي، ومن رأى أبا بكر الصدِّيق في المنام فقد رآه فإنّ الشيطان لا يتمثل به.

قال الأميني: لم يدع القوم خاصَّة للأنبياء أماثل البشر إلّا وقد أشركوا بهم فيها أناساً ليسوا أمثالهم في العصمة والقداسة والنفسيات الكريمة والملكات الفاضلة، أخرج الشيخان حديث من رآني في المنام فقد رآني فإنَّ الشيطان لا يتمثَّل بي. ورواه الحفّاظ من طرق صحيحة لا مغمز لها، ونصَّ السيوطي كما في شرح المناوي على تواتره، ورآه أئمة الفنِّ من خاصَّة رسول الله صلى الله عليه وآله ومن فضائله التي تخصُّ به، وفصَّلوا القول في بيان أسراره، وعدَّه السيوطي من خصائصه صلى الله عليه وآله في الخصايص الكبرى ٢: ٢٥٨ تحت عنوان «باب ومن خصائصه إنَّ رويته في المنام حقّ» ولم أجد أحداً من شرّاح الحديث سلفاً وخلفاً يوعز إلى هذه الموضوعة التي جاء بها الخطيب في القرن الخامس، فكأنَّ الكلَّ ضربوا عنها صفحاً وعرفوا إنَّها مكذوبةٌ مختلقةٌ، غير انَّ الخطيب راقه أن يرويها ويسكت عمّا في إسنادها من العلل شأنه في فضائل غير العترة الطاهرة، وأعجب منه إن ابن حجر ذكرها في لسان الميزان ٢: ٤٠٣ في ترجمة خلف بن عامر فقال: روى عن محمّد بن إسحاق بن مهران بسند صحيح. وهو الذي ترجم ثلاثةً من رجال السند بما سمعت، هكذا تخطُّ يد الغلوِّ في الفضائل الجانبية على ودايع العلم والدين،( فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا يَكْسِبُونَ ) (١) .

- ٦٩ -

أبو بكر لم يسؤ النبيَّ قطُّ

أخرج الخلعي وابن مندة وغيرهما من طريق سهل بن مالك قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجَّة الوداع صعد المنبر فقال: أيّها الناس إنَّ أبا بكر لم يسؤني قطُّ فاعرفوا له ذلك(٢) .

____________________

١ - سورة البقرة: ٧٩.

٢ - الرياض النضرة ١: ١٢٧، الإصابة ٢: ٩٠.

٤٧

قال ابن منده: غريبٌ لا نعرفه إلّا من وجه خالد بن عمرو الأموي. وقال ابن حجر بعد نقله: قلت: خالد بن عمرو متروكٌ واهي الحديث إلى أن قال نقلاً عن أبي عمر: ومدار حديثه(١) على خالد بن عمرو وهو متروكٌ وإسناد حديثه مجهولون ضعفاء يدور على سهل بن يوسف أو مالك بن يوسف(٢) .

وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب ٣: ١٠٩ في ترجمة خالد بن عمرو: قال أحمد منكر الحديث، ليس بثقة يروي أحاديث بواطيل، وعن يحيى بن معين قال: ليس حديثه بشيء، كان كذّاباً يكذب، حدَّث عن شعبة أحاديث موضوعة، وقال البخاري والساجي وأبو زرعة: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: متروك الحديث ضعيفٌ. وقال أبو داود: ليس بشيء وقال النسائي: ليس بثقة. وقال صالح بن محمّد البغدادي: كانَ يضع الحديث. وقال ابن حبّان: كان يتفرَّد عن الثقات بالموضوعات لا يحلُّ الاحتجاج بخبره. وقال ابن عدي: روى عن الليث وغيره أحاديث مناكير وأورد له أحاديث من روايته عن الليث عن يزيد ثمَّ قال: وهذه الأحاديث كلّها باطلةٌ، وعندي إنّه وضعها على الليث ونسخة الليث عن يزيد عندنا ليس فيها من هذا شيءٌ وله غير ما ذكرت وعامّتها أو كلّها موضوعةٌ، وهو بيّن الأمر من الضعفاء، وعن أحمد بن حنبل أنّه قال: أحاديثه موضوعةٌ. الخ.

قال الأميني: إقرأ ثمَّ انظر إلى أمانة الحافظ المحبّ الطبري يروي هذه الأُكذوبة محذوف الاسناد مرسِلاً إيّاها إرسال المسلّم ويعدّها من فضائل أبي بكر، وتبعه في جنايته هذه غير واحد من المؤلِّفين، وهم يحسبون إنّهم يحسنون صنعاً، ويحسبون إنّهم على شيء ألا إنّهم هم الكاذبون.

- ٧٠ -

الآيات النازلة في أبي بكر

قال العبيدي المالكي في عمدة التحقيق ص ١٣٤: عن الشيخ زين العابدين البكري إنّه لما قرأت عليه قصيدة جدِّه محمّد البكري ومنها:

____________________

١ - يعني حديث سهل.

٢ - الإصابة ٢: ٩٠.

٤٨

لإن كان مدح الأوَّلين صحائفاً

فإنّا لِآيات الكتاب فواتحُ

قال المراد: بأوَّل الكتاب: ألم ذلك الكتاب. فالألف أبو بكر، واللام لله، والميم محمّد.

وذكر البغوي: إنَّ المراد من قوله تعالى:( وَاتّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيّ ) (١) هو أبو بكر

وذكر أهل التفسير في قوله تعالى:( وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ ) : إنّه الصدّيق. قال الشيخ محمّد زين العابدين: كان للصدِّيق ثلثمائة كرسي وستون كرسيّاً على كلِّ كرسي حلّة بألف دينار.

قال الأميني: هاهنا نُنهي البحث عن فضائل أبي بكر، ولا يسعنا الولوج في الكلام حول الآيات التي تقوَّل القوم نزولها فيه، وقد حرَّفوا آياً كثيرة، وقالوا في كتاب الله ما سوَّلت لهم الميول والشهوات، وراقهم الغلوُّ في الفضائل لدة ما سمعت من المخازي، كما لا نفيض القول في الغلوِّ الفاحش فيه بالقريض مثل قول الشاعر العلّامة الملّا حسن أفندي البزّاز الموصلي في ديوانه ص ٤٢:

إنَّ قدر الصدِّيق جلَّ فأضحى

كلُّ مدحٍ مقصَّراً عن عُلاهُ

ليت شعري ما قيمة الشعر فيمن

جاء في محكم الكتاب ثناهُ؟

كلُّ من في الوجود يبغي رضا

الله تعالى والله يبغي رضاهُ

وقوله في مدحه أيضا:

إنَّ ذكر الصدِّيق ما دار إلّا

ملأ الكون هيبةً ووقارا

صاحب الغار كان للسيِّد

المختار والله صاحباً مختارا

تاهَ في ذكره الوجود فلولا

هيبة منه أو قرته لطارا

نعم لنا حقّ النظر في ثروة أبي بكر التي منحوه بها، فكانت من جرّائها له المنن على رسول الله وعلى الدين والمسلمين، تلك الثروة الطائلة التي هيئت له ألف ألف أوقية - كما جاء فيما أخرجه النسائي(٢) عن عائشة قالت: فخرت بمال أبي في الجاهليَّة وكان ألف ألف

____________________

١ - سورة لقمان: ١٥.

٢ - ميزان الاعتدال ٢: ٣٤١، تهذيب التهذيب ٨: ٣٢٥.

٤٩

أوقية(١) - ونضَّدت له ثلثماة وستّين كرسيّاً في داره، وأسدلت على كلِّ كرسي حلّة بألف دينار، كما سمعته عن الشيخ محمّد زين العابدين البكري، وأنت تعلم ما يستتبع هذا التجمّل من لوازم وآثار، وأثاث ورياش، ومناضد وأواني وفرش، لا تقصر عنها في القيمة، وما يلزم من خَدم وحشم، وقصور شاهقة، وغرف مشيَّدة، وما يلازم هذه البسطة في المال من خيل وركاب وأغنام ومواشي وضيعة وعقار، إلى غيرها من توابع الجاه والمال.

أنا لا أدري أيّ باحة كانت تقلّ ذلك كلّه؟ ولم يفز بمثلها يومئذ أحدٌ من ملوك الدنيا، وهل كانت الكراسي المذكورة منضَّدة في غرفة واحدة؟ فما أكبرها من غرفة؟ تضاهي ميادين القتال، ومفازات البراري، وما أكبر الدار التي هي إحدى غرفها؟ وأيّ يوم كان يوم قبول أبي بكر؟ تزدلف إليه فيه الرجال فتجلس على تلكم الكراسي، ولِمَ لا نسمع من السير والتواريخ عن ذلك اليوم ركزا؟ أكان في أفواه الجالسين عليها أوكية عن نقل شيء من حديثه؟ وطبع الحال يقضي أن يكون في ذلك المحتشد العظيم المتكرّر في كلِّ أسبوع، وعلى الأقلِّ في كلِّ شهر. وأقلّ منه في كلِّ سنة، ولا أقلّ من إنعقاده في العمر مرَّة، من الأنباء ما لا يلهو التاريخ عن ذكره، ولا يستسهل المؤرّخ تركه، لكنك بالرغم من ذلك كلّه لا تجد عنه إلّا همساً يتخافت به العبيدي بعد لأي من عمر الدهر.

ومن أيِّ حرفة أو مهنة أو صنعة أو ضياع حصل على الرجل مليون أوقية من النقود؟ وكان يومئذ يوم فاقة لقريش، وكانوا كما وصفتهم الصديقة الطاهرة في خطبتها مخاطبة أبا بكر والقوم معه: كنتم تشربون الطرق(٢) وتقتالون الورق، أذلَّة خاشعين تخافون أن يتخطَّفكم الناس من حولكم فأنقذكم الله برسوله(٣) .

ولعلَّ في ذلك اليوم كان ما رواه الماوردي في أعلام النبوَّة ص ١٤٦ من طريق مالك بن أنس إنَّه بلغه إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فوجد أبا بكر وعمر رضي الله

____________________

١ - الأوقية: أربعون درهماً.

٢ - الطرق بفتح المهملة: الماء المجتمع الذي خيض فيه وبيل وبعر فكدر. لسان العرب.

٣ - بلاغات النساء ص ١٣، أعلام النساء ٣: ١٢٠٨.

٥٠

عنهما فسألهما فقال: ما أخرجكما؟ فقالا: أخرجنا الجوع. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنا أخرجني الجوع فذهبوا إلى أبي الهيثم بن التيها فأمر له بحنطة أو شعير عنده يعمل. الحديث.

ثمَّ متى أدركت عائشة العهد الجاهلي؟ وقد ولدت بعد المبعث بأربع أو خمس سنين(١) وهل كانت تفخر في دور الاسلام بثروة بائدة في الجاهليَّة وصاحبها جائعٌ في الحال الحاضر؟.

ولست أدري ما الذي قضى على تلكم الآلاف المؤلَّفة؟ وما الذي أفناها وأبادها وأفقر صاحبها؟ حتّى أصبح ولا يملك شيئاً، أو كان لا يملك يوم هجرته إلّا أربعة أو خمسة أو ستة آلاف من الدراهم - إن كان ملكها - ولو كان أنفق أيّ أحدُ عشر معشار ذلك المال لدوَّخ العالم صيته، وكان يومئذ يُعدُّ في الرعيل الأوَّل من أجواد الدنيا ولم يوجد في صحيفة التاريخ ذكر من تلكم الآلاف والكراسي والحلل، هب أنّ الذهبي قال في حديث عائشة: ألف الثانية باطلة قطعاً فإنَّ ذلك لا يهيَّأ لسلطان العصر. وأقرَّ ابن حجر تعقيبه في تهذيب التهذيب(٢) فأين قصَّة ألف أوقية الصحيحة في صحائف التاريخ؟.

وإن صحَّت الأحلام، وصُدِّقت هذه القصص الوهميَّة، وكان لأبي بكر ذلك المال الطائل الخيالي لَما افتقر أبو قحافة والده لأن يكون أجير عبد الله بن جذعان للنداء على طعامه، ولم يكن يقتني بتلك الخسَّة لماظةً من العيش كما قاله الكلبي في المثالب وأشار إليه أُميَّة بن الصلت في قصيدة يمدح بها ابن جذعان بقوله:

له داعٍ بمكّة مشمعلّ

وآخر فوق دارته ينادي

إلى ردحٍ من الشيزى عليها

لباب البرّ يلبك بالشهادِ(٣)

قال الكلبي: المشمعل هو: سفيان بن عبد الأسد. وآخر: أبو قحافة، وفي تعليق مسامرة الأوائل ص ٨٨: يقال: إنَّ الداعي هو أبو قحافة والد الصدِّيق.

____________________

١ - الإصابة ٤: ٣٥٩، ويستفاد ذلك من صحيح البخاري في باب زواج عائشة، وتاريخ ابن عساكر ١: ٣٠٤، والاستيعاب.

٢ - ميزان الاعتدال للذهبي ٢: ٣٤١، تهذيب التهذيب ٨: ٣٢٥.

٣ - مثالب الكلبي، الأغاني لأبي الفرج الاصبهاني ٨: ٤، مسامرة الأوائل ص ٨٨.

٥١

بل يحقُّ على صاحب ألف ألف أوقية، وثلثمائة وستين كرسيّاً محلّىً بالديباج أن ينادي على الطعام في دور ضيافته عشرة مثل أبي قحافة فضلاً عن أن يكون أجير أناس آخرين بدراهم زهيدة، أو بشبع من الطوى.

وإن كان لأبي بكر عندئذ ما حسبوه من الثروة أو شطرٌ منها لما احتاج إلى أن يبتاع للهجرة مع صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم راحلتين بثمانمائة درهم(١) ثمَّ قدَّم إحديهما لرسول الله صلى الله عليه وآله فلم يقبلها إلّا بالثمن، وقال صلى الله عليه وآله: إنِّي لا أركب بعيراً ليس لي، قال أبو بكر: فهو لك يا رسول الله! بأبي أنت وأُمِّي قال: لا، ولكن ما الثمن الذي إبتعتها به؟ قال: كذا وكذا قال: قد أخذتها بذلك(٢) .

ولم يكن ردَّ رسول الله صلى الله عليه وآله إيّاها إلّا لضعف حال أبي بكر من ناحية المال، أو إنَّه لم يرقه أن يكون لأحد عليه منّة حتّى لا يُفتعل عليه بعد ملاوة من الدهر بقول مَن افتعل عليه: إنَّ أمنَّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر. كما مرَّ في ص ٣٣ من هذا الجزء.

على إنَّ للنظر في رواية الراحلتين مجالاً واسعاً بما رواه ابن الصباغ في الفصول المهمَّة والحلبي في السيرة ٢: ٤٤ من أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله أمر أسماء بنت أبي بكر أن تأتي عليّاً وتخبر بموضعهما وتقول له: يستأجر لهما دليلاً ويأتي معه بثلاث من الإبل بعد مضيِّ ساعة من الليلة الآتية وهي الليلة الرابعة، فجاءت أسماء إلى عليّ كرّم الله وجهه فأخبرته بذلك، فاستأجر لهما رجلاً يقال له: الأُريقط بن عبد الله الليثي، وأرسل معه بثلاث من الإبل، فجاء بهنَّ إلى أسفل الجبل ليلاً فلمّا سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم رغاء الإبل نزل من الغار هو وأبو بكر فعرفاه.

وفيه صراحة بأنَّه لم تكن هناك راحلتين لأبي بكر معبَّأتين بركوبهما، وإنَّما جئ بالرواحل مستأجرة، وقد جمع الحلبي بين هذا وبين حديث الراحلتين بأنَّ المراد باستيجار عليّ رضي الله عنه إعطاؤه الأجرة. وهذا الجمع يأباه لفظ الحديثين كما ترى.

____________________

١ - طبقات ابن سعد ١: ٢١٢ تاريخ ابن كثير ٣: ١٧٧، ١٧٨.

٢ - صحيح البخاري ٦: ٤٧ تاريخ الطبري ٢: ٢٤٥، سيرة ابن هشام ٣: ٩٨، ١٠٠، طبقات ابن سعد ١: ٢١٣، تاريخ ابن كثير ٣: ١٨٤ ١٨٨.

٥٢

ولقد روي كما يأتي إنَّ الذي استصحبه أبو بكر من المال - يوم هاجر من المدينة - وهو كلُّ ما يملكه أربعة أو خمسة أو ستة آلاف درهم، فأين هذا من الألف ألف أُوقية؟ والكراسي المذكورة وحللها المقوَّمة بثلاثمائة وستين ألف دينار وما يتبعها؟ وأيّ نسبة بين صاحب تلك الثروة وبين ما لا يملك إلّا هذه الدراهم المعدودة؟

وأيّ نسبة بينها وبين أيَّامه وأيَّام أبيه بمكّة وبين ما كان يحترف به في المدينة من بيع الابراد والأقمشة على عنقه وعلى صاعده وحرفةً ضئيلة يدور بها في الأزقَّة و الأسواق من دون أن يستقرَّ في متجر أو حانوت.

أخرج ابن سعد من طريق عطاء قال: لما استخلف أبو بكر أصبح غادياً إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتَّجر بها فلقيه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة الجراح فقالا له: أين تريد يا خليفة رسول الله؟ قال: السوق. قالا: تصنع ماذا؟ وقد وليت أمر المسلمين. قال: فمن أين أطعم عيالي؟ قالا له: انطلق حتّى نفرض لك شيئاً. فانطلق معهما ففرضوا له كلَّ يوم شطر شاة وما كسوه في الرأس والبطن.

وروى من طريق عمير بن إسحاق: إنَّ رجلاً رأى على عنق أبي بكر الصديق عباءة فقال: ما هذا؟ هاتها أكفيكها. فقال: إليك عنّي لا تغرَّني أنت وابن الخطاب من عيالي.

وفي لفظ آخر لابن سعد أيضاً: إنَّ أبا بكر لما استخلف راح إلى السوق يحمل أبراداً له وقال: لا تغرّوني من عيالي.

وفي لفظ الحلبي. لَمّا بويع أبو بكر بالخلافة أصبح رضي الله عنه على ساعده قماشٌ وهو ذاهبٌ إلى السوق فقال له عمر: أين تريد؟. الخ(١) .

ثمَّ متى كان إنفاقه لثروته الطائلة على النبيِّ صلى الله عليه وآله وفي مناجحه ومصالحه، حتّى كان به أمنَّ الناس عليه بماله؟ وكيف أنفق ولم يره أحد ولا رواه أيّ ابن أُنثى؟ ولِمَ لم يذكر التاريخ مورداً من موارد نفقاته؟ وقد حفظ له تقديم راحلة واحدة للنبيِّ صلى الله عليه وآله مع ردِّه إيّاها وأخذه ثمنها، كما حفظ لكلِّ مَن أنفق شيئاً في مهمّات الرسول

____________________

١ - راجع طبقات ابن سعد ط ليدن ٣: ١٣٠: ١٣١، صفة الصفوة لابن الجوزي ١: ٩٧، السيرة الحلبية ٢: ٣٨٨.

٥٣

صلى الله عليه وآله وسلم وغزواته ومصالح الاسلام والمسلمين.

ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحتاجه في شخصيّاته وما يتعلّق بها بمكّة قبل الهجرة فإنَّ عمَّه أبا طالب سلام الله عليه كان متكفِّلاً لذلك كلّه قبل زواجه بخديجة، وبعده كان مال خديجة تحت يده وهي في طوعه، وإنَّما وقعت الحاجة بعد الهجرة لتوسّع نطاق الاسلام، وتمطُّط أمره فكان يحتاج إلى تجهيز الجيوش وقيادة العساكر، وهؤلاء رجال بني سالم بن عوف، ورجال بني بياضة، ورجال بني ساعدة وفي مقدّمهم سعيد بن عبادة، ورجال بني الحرث بن الخزرج، ورجال بني عديّ أخوال رسول الله الأكرمين كلٌّ منهم رفع عقيرته يوم دخوله صلى الله عليه وآله المدينة بقوله هلّم إلينا إلى العَدَد والعُدّة والمنعة(١) .

ولم يكن عند أبي بكر يومئذ من المال غير ما جاء به من مكة أربعة أو خمسة أو ستة آلاف درهماً - إن كان جاء به وأنّى لك بإثباته؟ - وما عساها أن تجدي نفعاً وما هي وما قيمتها تجاه ذلك السلطان العظيم؟ لكنّا مع غضّ النظر عن ذلك نسائل أيضاً مدَّعي الانفاق إنَّه متى أنفقها؟ وفي أيِّ مصرف أدرَّها؟ وفي أيِّ أمر بذلها؟ ولأيِّ حاجة سمح بها؟ ولِمَ خفي ذلك على خلق الله من أولئك الصحابة؟ ولماذا عزب عن المؤرِّخين؟ فلم يسطروها في صحائف التاريخ ولا ذكروها في فضائل الخليفة، وهل قام عمود الاسلام وتمَّ أمره بهذه الدريهمات المجهول مصرفها؟ وعاد أبو بكر أمنَّ الناس على رسول الله بماله؟.

والعجب كلّ العجب إنَّ أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام كانت له أربعة دراهم فتصدّق بدرهم ليلاً، وبدرهم نهاراً، وبدرهم سرّاً، وبدرهم جهراً، فأنزل الله فيه القرآن فقال:( الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (٢) سورة البقرة ٢٧٤.

____________________

١ - أسلفنا حديثه في الجزء السابع ص ٢٦٩.

٢ - أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن عساكر وابن جرير. راجع تفسير القرطبي ٣: ٣٤٧، تفسير البيضاوي ١: ١٨٥، تفسير الزمخشري ١: ٢٨٦، تفسير الرازي ٢: ٣٦٩، تفسير ابن كثير ١: ٣٢٦، تفسير الدر المنثور ١: ٣٦٣، تفسير الخازن ١: ٢٠٨، تفسير الشوكاني ١: ٢٦٥، تفسير الآلوسي ٣: ٤٨.

٥٤

وهو سلام الله عليه تصدَّق بخاتمه للسائل فذكره تعالى في كتابه العزيز بقوله:( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١) سورة المائدة: ٥٥.

وأطعم هو وأهله مسكيناً ويتيماً وأسيراً فأنزل الله فيهم قوله:( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ) «سورة هل أتى» وقد أسلفنا تفصيل أمرهم هذا في الجزء الثالث ص ١٠٦ - ١١١ ط ٢.

وأمّا أبو بكر فينفق جميع ماله في سبيل الله ويراه النبيُّ الأعظم أمنَّ الناس عليه في صحبته وماله، ولم يوجد له مع ذلك كلّه ذكرٌ في الكتاب العزيز، هذا لماذا؟ أنت تدري.

والأعجب: أنَّ أبا بكر غدا أمنَّ الناس على رسول الله صلى الله عليه وآله بإنفاق أربعة أو خمسة أو ستة آلاف درهماً - إن كانت له - ولم يكن عثمان كذلك وقد أنفق أضعاف ما أنفقه أبو بكر، وبعث إلى رسول الله في غزوة بعشرة آلاف دينار كما جاء في مكذوبة أبي يعلى(٢) فوضعها بين يديه فجعل صلى الله عليه وآله وسلم يقلّبها ويدعو له بقوله: غفر الله لك يا عثمان! ما أسررت وما أعلنت وما أخفيت وما هو كائنٌ إلى يوم القيامة(٣) ، ما يبالي عثمان ما فعل بعدها.

وإنِّي أرى الأنجح للمدَّعي أن يسحب كلامه ويقول: لا أعلم بشيء من ذلك، ولا أُثبت شيئاً منه، وإنّما اختلقه الغلوُّ في الفضائل.

ولعلَّ الباحث يقف على ما أخرجه الحافظان: الحاكم وأبو نعيم أو على ما جاء به البيضاوي والزمخشري، فيقع ذلك منه موقعاً حسناً ويطالبني المخرج منه، فإليك البيان:

أمّا الأخيران فقد ذكر البيضاوي في تفسيره ١: ١٨٥، والزمخشري في الكشاف ١: ٢٨٦: إنَّ قوله تعالى:( الّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللّيلِ وَالنّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ

____________________

١ - راجع ما مرَّ في الجزء الثاني ص ٤٧ و ج ٣: ١٥٥ - ١٦٣ ط ٢.

٢ - أخرجه بإسناد واه وذكره ابن كثير في تاريخه ٧: ٦١٢.

٣ - هذه الجملة توهن متن الرواية، وتعرب عن إنها مكذوبة على رسول الله:

٥٥

عِندَ رَبّهِمْ ) . الآية. نزلت في أبي بكر حين تصدّق بأربعين ألف دينار، عشرة بالليل، وعشرة بالنهار، وعشرة بالسرِّ، وعشرة بالعلانية.

هذه المرسلة التي لم أعرف قائلها ومن الصحابة والتابعين ولم أقف على عزوها إلى أحد من السلف في كتب القوم إلّا سعيد بن المسيّب المعروف بانحرافه عن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، اختلقتها يد الوضع تجاه ما أخرجه الحفّاظ من نزولها في عليّ أمير المؤمنين ومنحت فيها لأبي بكر أربعين ألف دينار لتقريب نزول الآية فيمن أنفق كميَّة كبيرة كهذه إلى فهم بسطاء الأُمَّة دون مُنفق أربعة دراهم، ذاهلاً عمّا هو المتسالم عليه عند القوم من أخذ أبي بكر يوم هجرته إلى المدينة أربعة أو خمسة أو ستة آلاف درهم، وهي جميع ما كان يملكه. والآية المذكورة في سورة البقرة، وقد أصفقت أئمَّة الحديث والتفسير على نزولها بالمدينة في أُوليات الهجرة(١) . قال ابن كثير في تفسيره: هكذا قال غير واحد من الأئمَّة والعلماء والمفسِّرين، ولا خلاف فيه. فأنّى لأبي بكر عند نزول الآية الأربعون ألف ديناراً؟ تصدَّق بها أم لم يتصدَّق، ولم يكن يملك إلّا دريهمات إن صحَّ حديثها أيضاً، وستعرف إنَّه لا يصحُّ.

تعقّب السيوطي هذه المرسلة بقوله: خبر إنَّ الآية نزلت فيه لم أقف عليه، وكأنَّ من ادَّعى ذلك فهمه ممّا أخرجه ابن المنذر عن ابن إسحاق قال: لما قُبض أبو بكر رضي الله تعالى عنه واستخلف عمر خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثمَّ قال: أيّها الناس إنَّ بعض الطمع فقرٌ، وإنَّ بعض اليأس غنى، وإنَّكم تجمعون ما لا تأكلون، وتؤملون ما لا تدركون، واعلموا أنَّ بعضاً من الشحِّ شعبةٌ من النفاق، فأنفقوا خيراً لأنفسكم، فأين أصحاب هذه الآية؟ وقرأ الآية الكريمة، وأنت تعلم أنَّها لا دلالة فيها على المدَّعى.اهـ(٢)

وجاء مختلقٌ آخر(٣) فروى عن سعيد بن المسيِّب مرسلاً من الطرفين: إنَّ الآية

____________________

١ - تفسير القرطبي ١، ١٣٢، تفسير ابن كثير ١: ٣٥، تفسير الخازن ١: ٩١، تفسير الشوكاني ١: ٦١.

٢ - راجع تفسير الآلوسي ٣: ٤٨.

٣ - راجع تفسير الشوكاني ١: ٢٦٥، تفسير الآلوسي ٣: ٤٨.

٥٦

المذكورة نزلت في عثمان بن عفان وعبد الرَّحمن بن عوف في نفقتهم في جيش العسرة يوم غزوة تبوك.

وذكر الرازي في تفسيره ٢: ٣٤٧ فقال: إنَّ اللتي نزلت في عثمان لإنفاقه جيش العسرة هي قوله تعالى:( الّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلاَ أَذىً ) . الآية.

وقد أعمى الحبُّ بصائر القوم، فحرَّفوا الكلم عن مواضعه، وقالوا في كتاب الله ما زيَّن لهم الشيطان، خفي على المغفَّلين إنَّ الآيتين من سورة البقرة آية ٢٦٢ و٢٧٤ وهي أوَّل سورة نزلت بالمدينة المشرَّفة كما قاله المفسِّرون(١) وقد نزلت قبل غزوة تبوك وجيشها - جيش العسرة الواقعة في شهر رجب سنة تسع - بعدَّة سنين، فلا يصحُّ نزول أيّ من الآيتين في عثمان.

*(وأمّا ما أخرجه الحافظان)*

١ - فأخرج أبو نعيم في الحلية ١: ٣٣ عن محمّد بن أحمد بن محمّد الورّاق عن إبراهيم بن عبد الله بن أيوب المخرمي عن سلمة بن حفص السعدي عن يونس بن بكير عن محمّد بن إسحق عن هشام بن عروة عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت: كانت يد النبيِّ صلى الله عليه وسلم في مال أبي بكر ويد أبي بكر واحدة حين حجّا.

*(رجال السند)*:

١ - محمّد بن أحمد الورّاق. كذَّبه أبو بكر بن إسحاق قاله الحاكم. لسان الميزان ٥: ٥١.

٢ - إبراهيم بن عبد الله المخرمي قال الدار قطني: ليس بثقة حدَّث عن الثقات بأحاديث باطلة. لسان الميزان ١: ٧٢.

٣ - سلمة بن حفص السعدي، شيخٌ كوفيٌّ قال ابن حبان: كان يضع الحديث فذكر له حديثاً منكراً. وقال: لا يحلُّ الاحتجاج به ولا الرواية عنه. وروى عنه حديثاً فقال: لا أصل له. لسان الميزان ٣: ٦٧.

____________________

١ - راجع تفسير القرطبي ١: ١٣٢، تفسير الخازن ١: ١٩، تفسير الشوكاني ١: ١٦.

٥٧

٢ - أخرج الحاكم في المستدرك ٣: من طريق أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن محمّد بن إسحاق عن يحيى بن عباد عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: لما توجَّه رسول الله صلى الله عليه وآله من مكة إلى المدينة ومعه أبو بكر حمل أبو بكر معه جميع ماله خمسة ألف أو ستة ألف(١) درهم فأتاني جدّي أبو قحافة وقد ذهب بصره فقال: إنَّ هذا والله قد فجعكم بماله مع نفسه، فقلت: كلّا يا أبت! قد ترك لنا خيراً كثيراً، فعمدت إلى أحجار فجعلتهنَّ في كوَّة البيت، وكان أبو بكر يجعل أمواله فيها وغطَّيت على الأحجار بثوب ثمَّ جئت فأخذت بيده فوضعتها على الثوب فقال: أمّا إذا ترك هذا فنعم قالت: ووالله ما ترك قليلاً ولا كثيراً.

*(رجال السند)*:

١ - أحمد بن عبد الجبار أبو عمر الكوفي. قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه وأمسكت عن الرواية عنه لكثرة كلام الناس فيه، وقال مطين: كان يكذب. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقويِّ عندهم تركه ابن عقدة. وقال ابن عدي: رأيت أهل العراق مجمعين على ضعفه، وكان ابن عقدة لا يحدِّث عنه. وكان أحمد يلعب بالحمام الهدّى(٢) .

٢ - محمّد بن إسحاق. أسلفنا في الجزء السابع صفحة ٣١٩ ط ٢ كلمات الحفّاظ فيه وإنَّه كذّابٌ دجّالٌ مدلّسٌ لا يحتجُّ به.

٣ - أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء ١: ٣٢: من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أرقم عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدَّق ووافق ذلك مال عندي فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً قال: فجئت بنصف مالي قال: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: ما أبقيت لأهلك؟ قال: فقلت: مثله وأتى أبو بكر بكلِّ ما عنده. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قال أبقيت لهم الله ورسوله. قلت: لا أُسابقك إلى شيء أبداً.

ورواه من طريق عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر عن عمر.

كفى الاسناد ضعفاً هشام بن سعد أبو عباد المدني. كان يحيى بن سعد لا يروي عنه

____________________

١ - كذا في الموضعين والصحيح: آلاف. كما في جميع المصادر.

٢ - تاريخ الخطيب ٤: ٢٦٣، تهذيب التهذيب ١: ٥١.

٥٨

وعن أحمد قال: ليس هو محكم الحديث. وقال حرب: لم يرضه أحمد، وقال ابن معين: ضعيفٌ، ليس بذلك القوي. ليس بشيء حديثه مختلط، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتجُّ به. وقال النسائي: ضعيفٌ. وقال مرّة: ليس بالقويِّ. وقال ابن سعد: كثير الحديث يستضعف وكان متشيِّعاً. وقال ابن المديني: صالحٌ وليس بالقويِّ. وقال الخليلي: أنكر الحفّاظ حديثه في المواقع. وذكره ابن سفيان في الضعفاء(١) .

وأمّا عبد الله بن عمر العمري فقال أبو زرعة الدمشقي عن أحمد: كان يزيد في الأسانيد ويخالف وكان رجلاً صالحاً. وقال ابن المديني: ضعيفٌ. وعن يحيى بن سعيد: لا يحدَّث عنه. وقال صالح جزرة: لين مختلط الحديث. وقال النسائي: ضعيف الحديث. وقال ابن سعد. كثير الحديث يستضعف. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتجُّ به. وقال ابن حبان: كان ممَّن غلب عليه الصَّلاح حتّى غفل عن الضبط فاستحق الترك. وقال البخاري: كان يحيى بن سعيد يضعفه. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم. وقال ابن شيبة: يزيد في الأسانيد كثيراً(٢)

وأمّا زيد بن أرقم فالصحيح: زيد بن أسلم مولى عمر ففي النسخة تصحيفٌ.

( لَقَدْ وَصّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ

ـ وَإِذَا سَمِعُوا اللّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ

سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ )

«القصص: ٥١، ١٥٥»

____________________

١ - تهذيب التهذيب ١١: ٤٠.

٢ - تهذيب التهذيب ٥: ٣٢٧.

٥٩

الغلو في فضايل عمر

قدَّمنا في الجزء السّادس من نفسيّات الخليفة الثاني وملكاته من فقهه وعلمه وعمله وخطواته الواسعة في شتَّى النواحي ما يوقفك على أنَّ كلّ ما نسرد هاهنا من ولائد الغلوّ في الفضائل، وقد إلتمط بحياته الروحيَّة من أوَّل يومه إلى أن تسنَّم عرش الخلافة بإدلاء من الخليفة الأوَّل إليه حصوله على لماظة من العيش يقتاب بها.

كان ردحاً من الزمن يرعى الإبل في وادي ضجنان(١) يُرعب ويُتعب إذا عمل. ويُضرب إذا قصر(٢) .

وآونةً كان يحتطب ويحمل فوق رأسه حزمة من الحطب مع أبيه الخطاب وما منهما إلّا في نمرة(٣) لا يبلغ(٤) رسغيه(٥) .

وكان مدّةً يقف في سوق عكاظ وبيده عصا ترع الصبيان به، وكان يوم ذاك يُسمّى عميراً(٦) .

وكان برهةً من أيّام إسلامه يمتهن بالبرطشة، وكان مبرطشاً يلهيه عن أخذ الكتاب والسَّنة الصفق بالأسواق(٧) .

____________________

١ - جبل بناحية مكة.

٢ - الاستيعاب ٢: ٤٢٨، الرياض النضرة ٢: ٥٠، تاريخ أبي الفدا ج ١: ١٦٥، الخلفاء للنجار ص ١١٣، وأوعز إلى حديثه ابن منظور في لسان العرب ١٧: ١١٢، والزبيدي في تاج العروس ٩: ٢٦٢.

٣ - النمرة في القاموس: بردة من صوف تلبسها الأعراب. وفي الفائق للزمخشري: بردة تلبسها الإماء فيها تخطيط.

٤ - الرسغ: مفصل ما بين الساعد والكتف، والساق والقدم.

٥ - العقد الفريد ١: ٩١، شرح ابن أبي الحديد ١: ٥٨، فائق الزمخشري ٢: ٢٨.

٦ - الاستيعاب هامش الإصابة ٤: ٢٩١، الإصابة ٤: ٢٩، الفتوحات الإسلامية ٢: ٤٢٣، وفيه تحريف نلفت إليه الأنظار.

٧ - مرَّ تفصيله في الجزء السادس ص ١٤٦، ٢٨٧، ٣٠٢ ط ١.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

٢٤ ـ الحكم بن عبد الرحمن بن أبي نعيم . روى ابن عقدة ، عن الفضل بن يوسف ، قال : الحكم بن عبد الرحمن ، خيار ، ثقة ثقة(١) .

٢٥ ـ الحكم بن المختار بن أبي عبيدة . ثقة(٢) .

٢٦ ـ خالد بن طهمان . أبو العلاء الخفاف السلولي ، له نسخة أحاديث رواها عن أبي جعفرعليه‌السلام ، وكان من العامة(٣) .

٢٧ ـ رافع بن سلمة بن زياد الأشجعي . كوفي ، ثقة من بيت الثقات وعيونهم ، له كتاب(٤) .

٢٨ ـ زحر بن عبد اللّه الأسدي . ثقة ، له كتاب(٥) .

٢٩ ـ زرارة بن أعين . شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدمهم ، كان قارئاً فقيهاً متكلماً شاعراً أديباً ، قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين ، مات سنة ١٥٠ هـ ، كان ثقة صادقاً فيما يرويه ، وله مصنفات منها كتاب في الاستطاعة والجبر(٦) .

٣٠ ـ زياد بن أبي الحلال . كوفي ثقة ، عده الشيخ من أصحاب الباقرعليه‌السلام ، له كتاب(٧) .

٣١ ـ زياد بن سوقة البجلي . كوفي ، ثقة ، عده الشيخ من أصحاب

__________________

(١) نقد الرجال ٢ : ١٤١.

(٢) رجال الطوسي : ١٣١.

(٣) رجال النجاشي : ١٥١.

(٤) رجال النجاشي : ١٦٩ ، الذريعة ٦ : ٣٣١ ، خلاصة الأقوال : ١٤٧.

(٥) رجال النجاشي : ١٧٦ ، الذريعة ٦ : ٣٣٢.

(٦) نقد الرجال ٢ : ٢٥٤.

(٧) رجال النجاشي : ١٧١ ، رجال الطوسي : ١٣٦.

١٨١

الباقرعليه‌السلام (١) .

٣٢ ـ زياد بن عيسى الحذاء . كوفي ، ثقة صحيح ، له كتاب ، قال العقيقي العلوي : أبو عبيدة ، زياد الحذاء ، كان حسن المنزلة عند آل محمد: ، وكان زامل أبا جعفرعليه‌السلام إلى مكة(٢) .

٣٣ ـ زياد بن المنذر . أبو الجارود الهمداني الخارقي ، زيدي المذهب ، واليه تنسب الزيدية الجارودية ، له أصل ، وكتاب تفسير القرآن ، رواه عن أبي جعفرعليه‌السلام أيام استقامته ، وكأنه كان يكتبه عن إملائهعليه‌السلام ، ولذا نسبه ابن النديم إلى الباقرعليه‌السلام (٣) .

٣٤ ـ زيد بن محمد بن يونس . أبو أسامة الشحام ، كوفي ، ثقة عين ، له كتاب(٤) .

٣٥ ـ سعد بن طريف الحنظلي الاسكاف . كان قاضياً ، وله رسالة الإمام الباقرعليه‌السلام إليه(٥) .

٣٦ ـ سلام بن أبي عمرة الخراساني . ثقة ، له كتاب(٦) .

٣٧ ـ سليمان بن خالد بن دهقان . أبو الربيع الأقطع ، كان قارئاً فقيهاً وجهاً ، خرج مع زيدعليه‌السلام فقطعت يده ، وكان الذي قطعها يوسف بن عمر بنفسه ، ومات في حياة أبي عبد اللّهعليه‌السلام ، فتوجع لفقده ، ودعا لولده ، وأوصى بهم أصحابه ، له

__________________

(١) رجال الطوسي : ١٣٥ ، خلاصة الأقوال : ١٤٩.

(٢) رجال النجاشي : ١٧٠ ، نقد الرجال ٢ : ٢٧٥.

(٣) رجال النجاشي : ١٧٠ ، الفهرست : ١٣١ ، الذريعة ٢ : ١٥٠ و ٤ : ٢٥١.

(٤) رجال ابن داود : ١٠٠ ، نقد الرجال ٢ : ٢٩٠.

(٥) رجال النجاشي : ١٧٨ ، نقد الرجال ٢ : ٣٠٩.

(٦) رجال النجاشي : ١٨٩ ، الذريعة ٦ : ٣٣٦.

١٨٢

كتاب(١) .

٣٨ ـ شجرة بن ميمون . أبو أراكة النبال الوابشي ، كوفي ، هو وابنه علي بن شجرة ، والحسن بن شجرة ، كلهم ثقات وجوه أعيان أجلة ، وله كتاب(٢) .

٣٩ ـ شهاب بن عبد ربه الأسدي الصيرفي الكوفي . ثقة له كتاب يعد من الأصول(٣) .

٤٠ ـ صباح بن يحيى . أبو محمد المزني الكوفي ، ثقة ، له كتاب(٤) .

٤١ ـ عامر بن عبد اللّه بن جذاعة . من حواري الباقر والصادقعليهما‌السلام (٥) .

٤٢ ـ عباد بن صهيب . أبو بكر التميمي ، بصري ، ثقة ، روى عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام كتاباً ، وعده الشيخ من أصحاب الباقرعليه‌السلام (٦) .

٤٣ ـ عبد الرحمن بن أعين بن سنسن الشيباني . له كتاب ، روى الكشي عن الحسن بن علي بن يقطين عن مشايخه أنه كان مستقيماً(٧) .

٤٤ ـ عبد الغفار بن القاسم بن قيس . أبو مريم الأنصاري ، ثقة ، له كتاب(٨) .

٤٥ ـ عبد اللّه بن ابراهيم بن محمد الجعفري . ثقة ، صدوق ، له كتب ، منها :

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٨٣ ، الذريعة ٦ : ٣٣٦.

(٢) رجال النجاشي : ٢٧٥ ، رجال الطوسي : ١٣٨ ، خلاصة الأقوال : ١٦٩ و ١٨٩.

(٣) خلاصة الأقوال : ٥٦ ، في ترجمة اسماعيل بن عبد الخالق بن عبد ربه ، الذريعة ٢ : ١٥٩.

(٤) رجال النجاشي : ٢٠١ ، الذريعة ٦ : ٣٣٩.

(٥) رجال ابن داود : ١١٣.

(٦) رجال النجاشي : ٢٩٣ ، رجال الطوسي : ١٤٢ ، الفهرست : ١٩٢.

(٧) رجال النجاشي : ٢٣٧ ، نقد الرجال ٣ : ٤٣.

(٨) رجال النجاشي : ٢٤٦ ، الذريعة ٦ : ٣٤٣.

١٨٣

كتاب خروج محمد بن عبد اللّه ومقتله ، وكتاب خروج صاحب فخ ومقتله(١) .

٤٦ ـ عبد اللّه بن سنان بن طريف . ثقة جليل ، له كتاب الصلاة الكبير(٢) .

٤٧ ـ عبد اللّه بن غالب الأسدي . شاعر فقيه ، ثقة ثقة ، له كتاب تكثر الرواة عنه ، قال له أبو عبد اللّه الصادقعليه‌السلام : «إن ملكاً يلقي الشعر عليك ، وإني لأعرف ذلك الملك»(٣) .

٤٨ ـ عبد المؤمن بن القاسم بن قيس الأنصاري . كوفي ، ثقة ، هو وأخوه أبو مريم عبد الغفار بن القاسم ، توفي سنة ١٤٧ هـ ، له كتاب(٤) .

٤٩ ـ عبيد بن محمد بن قيس البجلي . له كتاب يرويه عن أبيه ، عرضه على أبي جعفر محمد بن علي الباقرعليه‌السلام ، فقال : «هذا قول أمير المؤمنين عليه‌السلام »(٥) .

٥٠ ـ عبيد اللّه بن الوليد الوصافي . ثقة ، له كتاب(٦) .

٥١ ـ علي بن أبي المغيرة الزبيدي . ثقة ، وله كتاب مفرد(٧) .

٥٢ ـ عنبسة بن بجاد العابد . عده الشيخ من أصحاب الباقرعليه‌السلام ، وكان قاضياً ، ثقةً خيراً فاضلاً ، له كتاب(٨) .

٥٣ ـ غياث بن ابراهيم التميمي . بصري وسكن الكوفة ، عده الشيخ من

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢١٦.

(٢) الذريعة ١٥ : ٥٧.

(٣) رجال النجاشي : ٢٢٢ ، الذريعة ٦ : ٣٤٥.

(٤) رجال النجاشي : ٢٤٩.

(٥) الفهرست : ١٧٦.

(٦) رجال النجاشي : ٢٣١.

(٧) نقد الرجال ٣ : ٢٢٥.

(٨) رجال النجاشي : ٣٢٠ ، رجال الطوسي : ١٤١.

١٨٤

أصحاب الباقرعليه‌السلام ، ثقة ، له كتاب في الحديث ، وكتاب مقتل أمير المؤمنينعليه‌السلام (١) .

٥٤ ـ فضيل بن يسار النهدي البصري . ثقة عين ، جليل القدر ، له كتاب(٢) .

٥٥ ـ الفيض بن المختار الجعفي الكوفي . ثقة عين ، له كتاب(٣) .

٥٦ ـ كثير بن كلثم . كوفي ، ثقة(٤) .

٥٧ ـ الكميت بن زيد الأسدي . شاعر الإمام الباقرعليه‌السلام ، وقد قدمنا ترجمته في الفصل الثاني ، وقيل : في الكميت عشر خصال لم تكن في شاعر : كان خطيب بني أسد ، وفقيه الشيعة ، وحافظ القرآن ، وكاتباً حسن الخط ، ونسابة ، وكان جدلياً ، وهو أول من ناظر في التشيع مجاهراً بذلك ، وكان رامياً لم يكن في بني أسد أرمى منه ، وكان فارساً شجاعاً ، وكان سخياً ديناً(٥) .

٥٨ ـ ليث بن البختري المرادي . ثقة عظيم الشأن ، وله كتاب(٦) .

٥٩ ـ مالك بن عطية الأحمسي . عده الشيخ من أصحاب الباقرعليه‌السلام ، ثقة ، وله كتاب(٧) .

٦٠ ـ محمد بن الحسن بن أبي سارة الرواسي . أصله كوفي ، وسكن هو وأبوه قبله النيل ، روى هو وأبوه عن أبي جعفر وأبي عبد اللّهعليهما‌السلام ، وابن عمه معاذ بن

__________________

(١) الفهرست : ١٩٦ ، خلاصة الأقوال : ٣٨٥.

(٢) رجال النجاشي : ٣٠٩ ، رجال الطوسي : ١٤٣ ، خلاصة الأقوال : ٢٢٨.

(٣) رجال النجاشي : ٣١١.

(٤) رجال النجاشي : ٣١٩.

(٥) الغدير ٢ : ١٦٩ عن خزانة الأدب ٢ : ٦٩ وشرح الشواهد : ١٣.

(٦) رجال النجاشي : ٣٢١ ، معالم العلماء : ١٢٩ ، رجال ابن داود : ٢١٤.

(٧) رجال النجاشي : ٤٢٢ ، رجال الطوسي : ١٤٥ ، الفهرست : ٢٥٠.

١٨٥

مسلم بن أبي سارة ، وهم أهل بيت فضل وأدب ، وعلى معاذ ومحمد تفقّه الكسائي علم العرب ، والكسائي والفراء يحكون عنهما في كتبهم كثيراً ، وهم ثقات لا يطعن عليهم بشيء. ولمحمد هذا كتاب الوقف والابتداء ، وكتاب الهمز ، وكتاب إعراب القرآن(١) .

٦١ ـ محمد بن السائب الكلبي . له كتاب أحكام القرآن ، والتفسير ، وقيل : هو أول من صنف في هذا الفن ، توفي سنة ١٤٦ هـ(٢) .

٦٢ ـ محمد بن شريح الحضرمي . ثقة ، عده الشيخ من أصحاب الباقرعليه‌السلام ، وله كتاب(٣) .

٦٣ ـ محمد بن قيس البجلي . ثقة ، وجه من وجوه العرب بالكوفة ، له كتاب قضايا أمير المؤمنينعليه‌السلام رواه عن الباقرعليه‌السلام ، وكتاب آخر نوادر(٤) .

٦٤ ـ محمد بن مرازم الساباطي . ثقة ، له كتاب(٥) .

٦٥ ـ محمد بن مسلم بن رباح الطحان . وجه أصحابنا بالكوفة ، فقيه ، صحب أبا جعفر وأبا عبد اللّهعليهما‌السلام ، وروى عنهما ، وكان من أوثق الناس. له كتاب يسمى الأربع مئة مسألة في أبواب الحلال والحرام(٦) .

٦٦ ـ مسكين . ثقة ، عده الشيخ من أصحاب الباقرعليه‌السلام (٧) .

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٢٤.

(٢) الذريعة ١ : ٤٠ و ٤ : ٣١١.

(٣) رجال النجاشي : ٣٦٦ ، رجال الطوسي : ١٤٥ ، الفهرست : ٢٣٠.

(٤) رجال النجاشي : ٣٢٢ ، الفهرست : ٢٠٦ ، خلاصة الأقوال : ٢٥٢.

(٥) الذريعة ٦ : ٣٦٤.

(٦) رجال النجاشي : ٣٢٣ ، الذريعة ١ : ٤٠٧.

(٧) رجال الطوسي : ١٤٥.

١٨٦

٦٧ ـ مسمع بن عبد الملك . أبو سيار ، الملقب كردين ، شيخ بكر بن وائل بالبصرة ووجهها ، وسيد المسامعة ، وكان أوجه من أخيه عامر بن عبد الملك وأبيه ، له كتاب نوادر كبير ، وروى أيام البسوس. وقال له أبو عبد اللّهعليه‌السلام : «إنّي لأعدك لأمر عظيم ، يا أبا السيار»(١) .

٦٨ ـ معاذ بن مسلم بن أبي سارة النحوي . نحوي مشهور ، وثقه النجاشي عند ترجمة محمد بن الحسن بن أبي سارة(٢) .

٦٩ ـ منصور بن حازم أبو أيوب البجلي . كوفي ، ثقة ، عين ، صدوق ، من أجلة أصحابنا وفقهائهم. عده الشيخ من أصحاب الباقرعليه‌السلام ، له كتب منها : أصول الشرائع ، وكتاب الحج(٣) .

٧٠ ـ معمر بن يحيى بن سام العجلي . ثقة ، متقدم ، له كتاب(٤) .

٧١ ـ موسى بن الحسن بن عامر الأشعري القمي . أبو الحسن ، ثقة ، عين ، جليل. صنف ثلاثين كتاباً ، منها : كتاب الطلاق ، كتاب الوصايا ، كتاب الفرائض ، كتاب الفضائل ، كتاب الحج ، كتاب الرحمة ، كتاب الوضوء ، كتاب الصلاة ، كتاب الزكاة ، كتاب الحج ، كتاب الصيام ، كتاب يوم وليلة ، كتاب الطب. روى عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام ، وعده الشيخ من أصحاب الباقرعليه‌السلام (٥) .

٧٢ ـ نصر بن مزاحم المنقري . مستقيم الطريقة ، صالح الأمر ، له مصنفات

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤٢٠ ، نقد الرجال ٤ : ٣٧٥.

(٢) نقد الرجال ٤ : ٣٨٤.

(٣) رجال النجاشي : ٤١٣ ، معالم العلماء : ١٥٦ ، رجال الطوسي : ١٤٧.

(٤) رجال النجاشي : ٤٢٥ ، نقد الرجال ٤ : ٤٠٢.

(٥) رجال النجاشي : ٤٠٦ ، رجال الطوسي : ١٤٧ ، خلاصة الأقوال : ٢٧٢.

١٨٧

حسان(١) .

٧٣ ـ هارون بن حمزة الغنوي . ثقة ، عين ، له كتاب ، عده الشيخ من أصحاب الباقرعليه‌السلام (٢) .

٧٤ ـ هيثم بن أبي مسروق النهدي . قريب الأمر ، له كتاب نوادر(٣) .

٧٥ ـ وهب بن عبد ربه الأسدي . ثقة ، له كتاب(٤) .

٧٦ ـ يحيى بن أبي العلاء الرازي . له كتاب(٥) ، وهو ثقة مشهور.

٧٧ ـ يحيى بن القاسم الأسدي . أبو بصير ، ثقة وجيه ، له كتاب يوم وليلة ، كتاب مناسك الحج ، وتفسير أبي بصير(٦) .

٧٨ ـ أبو خالد القماط . كوفي ، ثقة ، له كتاب(٧) .

وكان كل هؤلاء وغيرهم من الرجال الأفذاذ يشكلون حجر الزاوية في مدرسة أهل البيت: التي اكتمل بناؤها على يد الإمام الصادقعليه‌السلام ، الذي كان حلقة الوصل في نقل علوم الشريعة بشكل لم يسبق له مثيل ، قال الحسن بن علي الوشاء يصف مسجد الكوفة : اني أدركت في هذا المسجد تسع مئة شيخ كلٌّ يقول حدثني جعفر بن محمد(٨) .

__________________

(١) نقد الرجال ٥ : ١١.

(٢) رجال النجاشي : ٤٣٧ ، رجال الطوسي : ١٤٨ ، الفهرست : ٢٦٠.

(٣) رجال النجاشي : ١٦١ ، نقد الرجال ٥ : ٤٥.

(٤) رجال النجاشي : ٤٣٠.

(٥) نقد الرجال ٥ : ٦٠.

(٦) رجال النجاشي : ٤٤١ ، الذريعة ٤ : ٢٥١.

(٧) نقد الرجال ٥ : ٨٦.

(٨) رجال النجاشي : ٤٠ / ٨٠.

١٨٨

الفصل السادس

دوره عليه السلام في تأصيل عقائد الإسلام

في أصول الاعتقاد :

تعرض الإمام الباقرعليه‌السلام لمسائل كلامية دقيقة ذات صلة بالتوحيد وصفات الذات الإلهية والإمامة والمعاد وغيرها من المسائل التي كانت مثار جدل في عصره ، وهي تكتسب أهمية قصوى في ذلك العصر إذا لوحظ حجم التحديات

التي تواجه الإسلام من قبل الحكام الذين استباحوا كل وسائل القمع والإرهاب ضد القائلين بإمامة أهل البيت: ، وكان الإمامعليه‌السلام بصدد إعادة المسار إلى نصابه في سبيل إعلاء كلمة الدين ، وتنمية الأفكار والمفاهيم الإسلامية الصحيحة في وعي المسلم ووجدانه.

قال الشاعر :

وشيد الدين الحنيف السامي

حتى علت دعائم الإسلام

قامت به قواعد التوحيد

واستحكمت برأيه السديد

فرّقَ جمعَ الغيِّ والضلالِ

بجمع شمل العلم والكمال(١)

 وقد ورد في حديث الإمام الباقرعليه‌السلام تبيين أصول العقيدة لبعض أصحابه ، حيث سأله أبو الجارود عن دينه الذي يدين اللّه به هو وأهل بيته.

١٨٩

قال أبو الجارود : «قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : يا بن رسول اللّه ، هل تعرف مودتي لكم وانقطاعي إليكم وموالاتي إيّاكم؟ قال : فقال :نعم . قال : فقلت : فإني أسألك مسألة تجيبني فيها ، فإني مكفوف البصر ، قليل المشي ، ولا استطيع زيارتكم كل حين. قال : هات حاجتك. قلت : أخبرني بدينك الذي تدين اللّه عزّوجلّ به أنت وأهل بيتك ، لأدين اللّه عزّوجلّ به. قال :إن كنت أقصرت الخطبة ، فقد أعظمت المسألة ، واللّه لأعطينك ديني ودين آبائي الذي ندين اللّه عزّوجلّ به ، شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، وأن محمداً رسول اللّه ، والإقرار بما جاء به من عند اللّه ، والولاية لولينا ، والبراءة من عدونا ، والتسليم لأمرنا ، وانتظار قائمنا ، والاجتهاد والورع »(٢) .

١ ـ كلماته في التوحيد ومعرفة الخالق :

يشكل التوحيد الحجر الأساس في البناء الفكري والعقيدي والأخلاقي ، وهو المحور الذي تدور عليه العقائد والشرائع الإلهية ، من هنا كان للإمام الباقرعليه‌السلام كلمات كثيرة في بيان معنى التوحيد الخالص من شوائب الشرك ومقولات التشبيه والتجسيم ، وتأكيد أن المعبود سبحانه لم يزل ولا يزال واحداً صمداً قدوساً تفرّد بالعبودية ، وتعالى عن صفات الخلق.

إخلاص التوحيد :

قال أبو جعفر الباقرعليه‌السلام : «الأحد الفرد المتفرد ، والأحد والواحد بمعنى واحد ، وهو المتفرد الذي لا نظير له ، والتوحيد الإقرار بالوحدة ، وهو الانفراد ، والواحد المتباين الذي لا ينبعث من شيء ولا يتحد بشيء ، ومن ثم قالوا : ان بناء العدد من الواحد ، وليس الواحد من العدد ، لأن العدد

__________________

(١) الأنوار القدسية : ٧٢.

(٢) الكافي ٢ : ٢١ / ١٠.

١٩٠

لا يقع على الواحد ، بل يقع على الإثنين ، فمعنى قوله : اللّه أحد ، المعبود الذي يأله الخلق عن إدراكه والإحاطة بكيفيته ، فرد بالهيته ، متعال عن صفات خلقه »(١) .

وقال محمد بن مسلم : سأل نافع بن الأزرق أبا جعفرعليه‌السلام قال : «أخبرني عن اللّه عزّوجلّ متى كان؟ قال :متى لم يكن حتى أخبرك متى كان؟! سبحان من لم يزل ولا يزال فرداً صمداً ، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً »(٢) .

وأكد الإمامعليه‌السلام على إخلاص التوحيد للّه وما يترتب عليه من حسن الثواب ، روى جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : «جاء جبرئيل إلى رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : يا محمد ، طوبى لمن قال من أمتك : لا إله إلاّ اللّه ، وحده وحده وحده »(٣) .

وعن أبي حمزة ، قال : سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول : «ما من شيء أعظم ثواباً من شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، إنّ اللّه عزّوجلّ لا يعدله شيء ، ولا يشركه في الأمور أحد »(٤) .

وحذّرعليه‌السلام من الشرك لأنه من الظلم الذي لا يغفره اللّه ، قالعليه‌السلام : «الظلم ثلاثة : ظلم لا يغفره اللّه ، وظلم يغفره اللّه ، وظلم لا يدعه اللّه ، فأما الظلم الذي لا يغفره اللّه فالشرك باللّه »(٥) .

__________________

(١) التوحيد : ٩٠.

(٢) الكافي ٨ : ١٢٠ / ٩٣ ، الاحتجاج ٢ : ٥٤.

(٣) التوحيد : ٢١ / ١٠.

(٤) الكافي ٢ : ٥١٦ / ١ ، التوحيد : ١٩ / ٣.

(٥) تحف العقول : ٢٩٣ ، الخصال : ١١٨ / ١٠٥.

١٩١

وحاولعليه‌السلام غرس هذه المفاهيم عن طريق الدعاء الذي جعل منه ميداناً لتعليم العقائد وعلى رأسها التوحيد ، ومن ذلك الدعاء وقت الزوال الذي علمه الباقرعليه‌السلام محمد بن مسلم : «لا إله إلاّ اللّه ، واللّه أكبر ، وسبحان اللّه ، والحمد للّه الذي لم يتخذ ولداً ، ولم يكن له شريك في الملك ، ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيراً.

قال محمد بن مسلم : فقلت : جعلت فداك ، أحافظ على هذا الكلام عند الزوال؟ قال :نعم ، حافظ عليه كما تحافظ على عينيك »(١) .

العقول لا تدرك كنه الذات :

يؤكد الإمام الباقرعليه‌السلام امتناع عقول المخلوقين وحواسهم عن إدراك حقيقة الذات الالهية ، أو توهمه بالمحسوسات ، لأنه سبحانه فوق ما يدركه العقل ، وفوق ما تتصوره الأوهام والحواس ، عن المنهال بن عمرو ، عنهعليه‌السلام قال : «اذكروا من عظمة اللّه ما شئتم ، ولا تذكرون منه شيئاً إلاّ وهو أعظم منه »(٢) .

وقالعليه‌السلام : «اللّه معناه المعبود الذي أَلْهَ الخلق عن درك ماهيته والإحاطة بكيفيته »(٣) .

وعن عبد الرحمن بن أبي نجران ، قال : «سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن التوحيد ، فقلت : أتوهم شيئاً. فقال :نعم ، غير معقول ولا محدود ، فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه ، لا يشبهه شيء ولا تدركه الأوهام ، كيف تدركه الأوهام وهو خلاف ما يعقل ، وخلاف ما يتصور في الأوهام؟! إنّما يتوهم

__________________

(١) فلاح السائل : ٩٦ ، بحار الأنوار ٨٧ : ٥٤ ، مستدرك الوسائل ٣ : ١٢٦ / ٣١٧٤.

(٢) تاريخ دمشق ٤٥ : ٢٨٢ ، سير أعلام النبلاء ٤ : ٤٠٥.

(٣) التتوحيد : ٨٩.

١٩٢

شيء غير معقول ولا محدود »(١) .

وعن المدائني ، قال : «بينما محمد بن علي بن الحسين: في فناء الكعبة أتاه أعرابي فقال له : هل رأيت اللّه حيث عبدته؟ فأطرق وأطرق من كان حوله ، ثم رفع رأسه إليه ، فقال :ما كنت لأعبد شيئاً لم أره . فقال : وكيف رأيته؟ قال :لم تره الأبصار بمشاهدة العيان ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان ، لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس ، معروف بالآيات ، منعوت بالعلامات ، لا يجور في قضية ، بان من الأشياء وبانت الأشياء منه ، ليس كمثله شيء ، ذلك اللّه لا إله إلاّ هو . فقال الأعرابي : اللّه أعلم حيث يجعل رسالاته»(٢) .

ونهىعليه‌السلام عن الكلام في كنه الذات لأنه يؤدي إلى الخوض في التشبيه والتجسيم ، وإنزال ذات الإله وكأنها شيء من الأشياء التي تخضع لوصف الحواس وسائر المدركات العقلية ، الأمر الذي يتبعه الضُلاَّل والتِّيه.

عن محمد بن مسلم ، قال : قال أبو جعفرعليه‌السلام : «يا محمد ، إن الناس لا يزال لهم المنطق حتى يتكلموا في اللّه ، فإذا سمعتم ذلك فقولوا : لا إله إلاّ اللّه »(٣) .

وعنه ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : «تكلموا فيما دون العرش ، ولا تكلموا فيما فوق العرش ، فإنَّ قوماً تكلموا في اللّه فتاهوا ، حتى كان الرجل ينادى من بين يديه فيجيب من خلفه »(٤) .

__________________

(١) التوحيد : ٨٩.

(٢) الكافي ١ : ٨٢ / ١ ، التوحيد : ١٠٦ / ٦.

(٣) تاريخ دمشق ٤٥ : ٢٨٢ ، البدء والتاريخ ١ : ٧٤ ، ونحوه في التوحيد : ١٠٨ / ٥ ، الاحتجاج ١ : ٥٤ ، أمالي المرتضى ١ : ١٠٤.

(٤) المحاسن ١ : ٢٣٧ / ٢٠٩.

١٩٣

وعن أبي بصير ، قال : قال أبو جعفرعليه‌السلام : «تكلموا في خلق اللّه ، ولا تتكلموا في اللّه ، فإن الكلام في اللّه لا يزداد صاحبه إلاّ تحيرا ً».

وفي رواية أخرى عن حريز : «تكلموا في كل شيء ، ولا تتكلموا في ذات اللّه »(٢) .

وعنهعليه‌السلام : «كلّما ميزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه ، مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم »(٣) .

صفات الذات :

نفى الإمام الباقرعليه‌السلام ما قاله بعض متكلمي العراق من تعدد صفات الذات ، وأنّه تعالى يسمع بغير ما يبصر ، ويبصر بغير ما يسمع ، شأنه في ذلك شأن مخلوقاته ، وقد عمل الإمامعليه‌السلام على وضع هذه المسألة في إطارها الصحيح ، مؤكّداً وحدة الصفات ، وكونها عين الذات الإلهية المقدّسة.

روى محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، ـ في صفة القديم ـ إنّه واحد صمد ، أحدي المعنى ، ليس بمعان كثيرة مختلفة. قال : «قلت : جعلت فداك ، إنّه يزعم قوم من أهل الع راق أنّه يسمع بغير الذي يبصر ، ويبصر بغير الذي يسمع. قال : فقال :كذبوا وألحدوا ، وشبهوا اللّه تعالى ، إنّه سميع بصير ، يسمع بما به يبصر ، ويبصر بما به يسمع . قال : فقلت : يزعمون أنّه بصير على ما يعقله. قال : فقال :تعالى اللّه ، إنما يعقل من كان بصفة المخلوق ، وليس اللّه

__________________

(١) المحاسن ١ : ٢٣٨ / ٢١١.

(٢) الكافي ١ : ٩٢ / ١.

(٣) بحار الأنوار ٦٦ : ٢٩٢.

١٩٤

كذلك »(١) .

أزلية الذات :

ورد في كلام الإمام الباقرعليه‌السلام ما يؤكد أزلية واجب الوجود وتوحيده ، وتنزيهه عن المشابهة لمخلوقاته المفتقرة إلى الزمان والمكان والعلّة.

قال الإمام محمد بن علي الباقرعليه‌السلام : «إن اللّه تبارك وتعالى كان ولا شيء غيره ، نوراً لا ظلام فيه ، وصادقاً لا كذب فيه ، وعالماً لا جهل فيه ، وحياً لا موت فيه ، وكذلك هو اليوم ، وكذلك لا يزال أبداً »(٢) .

وعن أبي بصير ، قال : «جاء رجل إلى أبي جعفرعليه‌السلام ، فقال له : أخبرني عن ربك متى كان؟ فقال: ويلك إنما يقال لشيء لم يكن متى كان ، إنّ ربي تبارك وتعالى كان ولم يزل حياً بلا كيف ، ولم يكن له كان ، ولا كان لكونه كيف ، ولا كان له أين ، ولا كان في شيء ، ولا كان على شيء ، ولا ابتدع لمكانه مكاناً ، ولا قوي بعد ما كون الأشياء ، ولا كان ضعيفاً قبل أن يكون شيئاً ، ولا كان مستوحشاً قبل أن يبتدع شيئاً ، ولا يشبه شيئاً مذكوراً ، ولا كان خلواً من الملك قبل إنشائه ، ولا يكون منه خلواً بعد ذهابه ، لم يزل حياً بلا حياة ، وملكاً قادراً قبل أن ينشئ شيئاً ، وملكاً جباراً بعد إنشائه للكون ، فليس لكونه كيف ، ولا له أين ، ولا له حدّ ، ولا يعرف بشيء يشبهه ، ولا يهرم لطول البقاء ، ولا يصعق لشيء ، بل لخوفه تصعق الأشياء كلّها ، كان حياً بلا حياة حادثة ، ولا كون موصوف ، ولا كيف محدود ، ولا أين

__________________

(١) الاحتجاج ٢ : ٥٤.

(٢) التوحيد : ١٤١.

١٩٥

موقوف(١) عليه ، ولا مكان جاور شيئاً ، بل حي يعرف ، وملك لم يزل له القدرة والملك ، أنشأ ما شاء حين شاء بمشيئته ، لا يحدّ ولا يبعّض ولا يفنى ، كان أولاً بلا كيف ، ويكون آخراً بلا أين ، وكل شيء هالك إلاّ وجهه ، له الخلق والأمر ، تبارك اللّه ربّ العالمين.

ويلك أيّها السائل ، إنّ ربّي لا تغشاه الأوهام ، ولا تنزل به الشبهات ، ولا يحار ولا يجاوزه شيء(٢) ، ولا تنزل به الأحداث ، ولا يسأل عن شيء يفعله ، ولا يندم على شيء ، ولا تأخذه سنة ولا نوم ، له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى » (٣) .

معنى الصمد :

ذهب المشبهة إلى أن معنى الصمد هو المصمت الذي لا جوف له ، وذلك لا يكون إلاّ من صفة الأجسام المصمتة التي لا أجواف لها ، واللّه جلّ ذكره متعال عن ذلك ، ليس كمثله شيء ، وهو أعظم وأجلّ من أن تقع الأوهام على صفته ، أو تدرك كنه عظمته.

من هنا أكّد الإمام أبو جعفر الباقرعليه‌السلام على أن معنى الصمد هو أن اللّه سبحانه يعبده كل شيء ، ويصمد إليه كل شيء(٤) . وقالعليه‌السلام : «الصمد السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر وناهٍ »(٥) . أي هو السيد الصمد الذي جميع الخلق

__________________

(١) في التوحيد : ولا أثر مقفو.

(٢) في التوحيد : ولا يجار من شيء ، ولا يجاوره شيء.

(٣) الكافي ١ : ٨٨ / ٣ ، التوحيد : ١٧٣ / ٢.

(٤) الكافي ١ : ١٢٣ / ٢.

(٥) التوحيد : ٩٠ ، معاني الأخبار : ٧.

١٩٦

من الجن والإنس إليه يصمدون في الحوائج ، وإليه يلجأون عند الشدائد ، ومنه يرجون الرخاء ودوام النعماء ، ليدفع عنهم الشدائد(١) .

وورد عنهعليه‌السلام تفسير لحروف كلمة الصمد ، ينسجم مع المعنى الذي يؤكده في وحدانية الخالق ، وأزلية ملكه ودوامه ، وعجز حواس وأوهام الخلق عن درك ماهيته وكيفيته.

قال وهب بن وهب القرشي : سمعت الصادقعليه‌السلام يقول : «قدم وفد من أهل فلسطين على الباقرعليه‌السلام فسألوه عن مسائل فأجابهم ، ثم سألوه عن الصمد ، فقال : تفسيره فيه ، الصمد خمسة أحرف : فالألف دليل على إنّيته ، وهو قوله عزّوجلّ : «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ »(٢) وذلك تنبيه وإشارة إلى الغائب عن درك الحواس ، واللام دليل على إلهيته بأنه هو اللّه.

والألف واللام مدغمان لا يظهران على اللسان ، ولا يقعان في السمع ، ويظهران في الكتابة ، دليل على أن إلهيته بلطفه خافية لا تدرك بالحواس ، ولا تقع في لسان واصف ، ولا أذن سامع ، لأن تفسير الإله هو الذي ألْهَ الخلق عن درك ماهيته وكيفيته بحسّ أو بوهم ، لا بل هو مبدع الأوهام وخالق الحواس ، وإنما يظهر ذلك عند الكتابة ، دليل على أن اللّه سبحانه أظهر ربوبيته في إبداع الخلق وتركيب أرواحهم اللطيفة في أجسادهم الكثيفة ، فإذا نظر عبد إلى نفسه لم ير روحه ، كما أن لام الصمد لا تتبين ولا تدخل في حاسة من الحواس الخمس ، فإذا نظر إلى الكتابة ظهر له ما خفي ولطف ، فمتى تفكر العبد في ماهية الباري وكيفيته ، ألْهَ فيه وتحيّر ، ولم تحط فكرته بشيء يتصور له ، لأنه

__________________

(١) راجع : الكافي ١ : ١٢٤.

(٢) سورة آل عمران : ٣ / ١٨.

١٩٧

عزّوجلّ خالق الصور ، فإذا نظر إلى خلقه ثبت له أنه عز وجل خالقهم ومركب أرواحهم في أجسادهم.

وأما الصاد فدليل على أنه عز وجل صادق وقوله صدق وكلامه صدق ، ودعا عباده إلى إتباع الصدق بالصدق ، ووعد بالصدق دار الصدق.

وأما الميم فدليل على ملكه ، وأنه الملك الحق لم يزل ولا يزال ولا يزول ملكه.

وأما الدال فدليل على دوام ملكه ، وأنه عزّوجلّ دائم ، تعالى عن الكون والزوال ، بل هو عزّوجلّ يكوّن الكائنات ، الذي كان بتكوينه كل كائن»(١) .

العلم الإلهي :

جاء في حديث الباقرعليه‌السلام ما يؤكد أزلية علمه تعالى ، وأنه محيط بكل شيء ، وليس في علمه تفاوت ولا اختلاف وليس له حدود ، فهو عالم بالأشياء قبل وبعد كونها على حد سواء ، لأنه الخالق والمكوّن له.

عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : «سمعته يقول :كان اللّه عزّوجلّ ولا شيء غيره ، ولم يزل عالماً بما يكون ، فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد كونه »(٢) .

وعن فضيل ، قال : قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : «جعلت فداك ، إن رأيت أن تعلمني هل كان اللّه جل ذكره يعلم قبل أن يخلق الخلق أنه وحده؟ فقد اختلف مواليك. فقال بعضهم : قد كان يعلم تبارك وتعالى أنه وحده قبل أن يخلق شيئاً من خلقه ، وقال بعضهم : إنما معنى يعلم يفعل ، فهو اليوم يعلم أنه لا غيره قبل

__________________

(١) التوحيد : ٩٢ ، معاني الأخبار : ٧.

(٢) الكافي ١ : ١٠٧ / ٢ ، التوحيد : ١٤٥ / ١٢.

١٩٨

 فعل الأشياء ، وقالوا : إن أثبتنا أنه لم يزل عالماً بأنه لاغيره ، فقد أثبتنا معه غيره في أزليته ، فإن رأيت يا سيدي أن تعلمني ما لا أعدوه إلى غيره ، فكتبعليه‌السلام :ما زال اللّه تعالى عالماً تبارك وتعالى ذكره »(١) .

٢ ـ كلماته في الإمامة :

تحدث الإمام أبو جعفر الباقرعليه‌السلام عن كثير من جوانب الإمامة ، باعتبارها من أصول الدين وأركان الإسلام في مدرسة أهل البيت: ، وهي القاعدة الصلبة التي ترتكز عليها بنى الإسلام ، وكان ذلك في وقت عصيب عملت فيه السلطة بكل ما أوتيت من قوة على طمس معالم الإمامة ، وإقصاء أهلها.

وكان من مضامين حديثه في هذا الاتجاه بيان ضرورة ووجوب الإمامة ، ووجه الحاجة إلى الإمام ، وكون معرفته من ضرورات الدين ، التي بدونها يموت المرء ميتة جاهلية ، وتحدث عن منزلة الإمام وعظمته وكرامته عند اللّه ، وأكد على أن الأئمة الذين فرض اللّه طاعتهم هم المعصومون الإثنا عشر من أهل البيت: حصراً ، وهم الأوصياء ، الذين أوجب اللّه سبحانه التمسك بهم وطاعتهم وإخلاص الولاية لهم ، وفرض حبهم ومودتهم والصلوات عليهم.

ضرورة ووجوب الإمامة :

أكّد الإمام الباقرعليه‌السلام على ضرورة الإمامة ووجوبها من اللّه تعالى ، ذلك لأن الإمام حجته على عباده ، وهو الذي يهتدى به إليه سبحانه ، من هنا لا تخلو الأرض من إمام حي معروف ظاهر أو غائب منذ بدء الخليقة إلى آخر الدهر.

عن أبي هراسة ، عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام أنه قال : «لو أن الإمام رُفِعَ من

__________________

(١) التوحيد : ١٤٥ / ١١.

١٩٩

الأرض ساعة لساخت بأهلها وماجت ، كما يموج البحر بأهله »(١) .

عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام أنه قال : «واللّه ما ترك اللّه أرضه منذ قبض اللّه آدم إلاّ وفيها إمام يهتدى به إلى اللّه ، وهو حجته على عباده ، ولا تبقى الأرض بغير إمام حجة للّه على عباده »(٢) .

وجه الحاجة إلى الإمام :

لتأكيد ضرورة النبوة والإمامة ، ذكر الإمام الباقرعليه‌السلام العلّة التي من أجلها يحتاج إلى النبي والإمام ، وهي تحقيق صلاح العالم وأمان أهل الأرض.

عن جابر بن يزيد الجعفي ، قال : «قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقرعليه‌السلام : لأي شيء يحتاج إلى النبي والإمام؟ فقال :لبقاء العالم على صلاحه ، وذلك أن اللّه عزوجل يرفع العذاب عن أهل الأرض إذا كان فيها نبي أو إمام ، قال اللّه عزّوجلّ : «وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ »(٣) وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يكرهون ، وإذا ذهب أهل بيتي أتى أهل الأرض ما يكرهون. يعني بأهل بيته الأئمة الذين قرن اللّه عزوجل طاعتهم بطاعته ، فقال : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاْءَمْرِ مِنْكُمْ »(٤) وهم المعصومون المطهرون الذين لا يذنبون ولا يعصون ، وهم المؤيدون

__________________

(١) الغيبة / النعماني : ١٣٩ ، بصائر الدرجات : ٥٠٨ / ٣ ، الإمامة والتبصرة : ٣٤ ، الكافي ١ : ١٧٩ / ١٢ ، اكمال الدين : ٢٠٢ / ٣ و ٩.

(٢) الغيبة / النعماني : ١٣٨.

(٣) سورة الأنفال : ٨ / ٣٣.

(٤) سورة النساء : ٤ / ٥٩.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318