الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام سيرة وتاريخ

الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام سيرة وتاريخ0%

الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام سيرة وتاريخ مؤلف:
تصنيف: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام
الصفحات: 318

الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام سيرة وتاريخ

مؤلف: علي موسى الكعبي
تصنيف:

الصفحات: 318
المشاهدات: 174249
تحميل: 6599

توضيحات:

الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام سيرة وتاريخ
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 318 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 174249 / تحميل: 6599
الحجم الحجم الحجم
الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام سيرة وتاريخ

الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام سيرة وتاريخ

مؤلف:
العربية

الموفّقون المسدّدون ، بهم يرزق اللّه عباده ، وبهم تعمر بلاده ، وبهم ينزل القطر من السماء ، وبهم يخرج بركات الأرض ، وبهم يمهل أهل المعاصي ، ولا يعجل عليهم بالعقوبة والعذاب ، لا يفارقهم روح القدس ولا يفارقونه ، ولا يفارقون القرآن ولا يفارقهم ، صلوات اللّه عليهم أجمعين »(١) . وقد شخصعليه‌السلام في هذا الحديث أيضاً هوية الأئمة مفترضي الطاعة من قبل اللّه عزّوجلّ.

وجوب معرفة الإمام :

تحدّث الإمام الباقرعليه‌السلام عن وجوب معرفة إمام العصر ، لارتباط هذه المعرفة بمعرفة اللّه ، قالعليه‌السلام : «إنّما كلّف الناس ثلاثة : معرفة الأئمة ، والتسليم لهم فيما ورد عليهم ، والرد إليهم فيما اختلفوا فيه »(٢) .

وعن جابر ، قال : سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول : «إنّما يعرف اللّه عزّوجلّ ويعبده من عرف اللّه وعرف إمامه منا أهل البيت ، ومن لا يعرف اللّه عزّوجلّ ولا يعرف الإمام منا أهل البيت ، فإنّما يعرف ويعبد غير اللّه ، هكذا واللّه ضلالاً »(٣) .

وأكّد حديث آبائه: «أنّ من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية » ، من هنا فإن الحجة لا تقوم للّه عزّوجلّ على عباده إلاّ بإمام حي معروف.

عن فضيل بن يسار ، قال : سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول : «من مات وليس له

__________________

(١) علل الشرائع ١ : ١٢٣ / باب ١٠٣.

(٢) الكافي ١ : ٣٩٠ / ١.

(٣) الكافي ١ : ١٨١ / ٤.

٢٠١

إمام فميتته ميتة جاهلية ، ومن مات وهو عارف لإمامه لم يضره تقدم هذا الأمر أو تأخر ، ومن مات وهو عارف لإمامه ، كان كمن هو مع القائم في فسطاطه »(١) .

وعن أبي عبيدة الحذاء ، قال : سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول : «من مات لا يعرف إمامه ، مات ميتة جاهلية كفر ونفاق وضلال »(٢) .

وفي لفظ آخر عنه وعن سالم بن أبي حفصة ، أنهما سمعا أبا جعفرعليه‌السلام يقول : «من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية »(٣) .

وقال أبو جعفرعليه‌السلام : «إن الحجّة لا تقوم للّه عزّوجلّ على خلقه إلاّ بإمام حي يعرفونه »(٤) .

الآثار المترتبة على عدم المعرفة :

وشرح الإمامعليه‌السلام الآثار المترتبة على عدم معرفة الإمام ، وعلى رأسها عدم قبول الأعمال إلاّ بتلك المعرفة ، ضارباً أروع الأمثلة في هذا السياق.

عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول : «كل من دان اللّه عزّوجلّ بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من اللّه ، فسعيه غير مقبول ، وهو ضال متحير ، واللّه شانئ لأعماله ، ومثله كمثل شاة ضلت عن راعيها وقطيعها ، فهجمت ذاهبة وجائية يومها ، فلما جنّها الليل بصرت بقطيع غنم مع راعيها ، فحنت إليها واغترت بها ، فباتت معها في مربضها ، فلما أن

__________________

(١) الكافي ١ : ٣٧١ / ٥.

(٢) الإمامة والتبصرة : ٨٢.

(٣) الكافي ١ : ٣٩٧ / ١ ، بصائر الدرجات : ٢٧٩ و ٥٢٩ و ٥٣٠.

(٤) قرب الاسناد : ٣٥١.

٢٠٢

ساق الراعي قطيعه ، أنكرت راعيها وقطيعها ، فهجمت متحيرة تطلب راعيها وقطيعها ، فبصرت بغنم مع راعيها فحنت إليها واغترت بهافصاح بها الراعي : ألحقي براعيك ، وقطيعك فأنت تائهة متحيرة عن راعيك وقطيعك ، فهجمت ذعرة متحيرة تائهة لا راعي لها يرشدها إلى مرعاها أو يردها ، فبينا هي كذلك إذ اغتنم الذئب ضيعتها ، فأكلها.

وكذلك واللّه يا محمد من أصبح من هذه الأُمّة لا إمام له من اللّه عزّوجلّ ظاهر عادل ، أصبح ضالاً تائهاً ، وإن مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق.

واعلم يا محمد أن أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين اللّه ، قد ضلّوا وأضلّوا ، فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف ، لا يقدرون مما كسبوا على شيء ، ذلك هو الضّلال البعيد»(١) .

كيف يُعْرَف الإمام؟

تحدث الإمام الباقرعليه‌السلام عن الوسائل التي يتمكّن المرء من التعرّف على الإمام ، أو الخصال التي يجب توافرها في الإمام ، لكي يسحب البساط عن كل من يدعي هذا المنصب الخطير.

عن أبي الجارود ، قال : سألت أبا جعفر الباقرعليه‌السلام : «بم يعرف الإمام؟ قال :بخصال أولها : نص من اللّه تبارك وتعالى عليه ، ونصبه علماً للناس حتى يكون عليهم حجة ، لأن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصب علياً عليه‌السلام وعرفه الناس باسمه وعيّنه ، وكذلك الأئمة : ينصب الأول الثاني ، وأن يُسأل فيجيب ، وأن يسكت عنه فيبتدئ ، ويخبر الناس بما يكون في غد ، ويكلم الناس بكل

__________________

(١) الكافي ١ : ١٨٣ / ٨ و : ٣٧٤ / ٢ ، المحاسن ١ : ٩٢ / ٤٧.

٢٠٣

لسان ولغة »(١) .

أئمة أهل البيت: :

عمل الإمام الباقرعليه‌السلام على تشخيص المراد من أئمة أهل البيت: بعد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فذكر أنّ اللّه تبارك وتعالى أرسل محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الجن والإنس ، وجعل من بعده اثني عشر وصياً ، منهم من مضى ، ومنهم من بقي(٢) ، وذكر أنهم اثنا عشر إماماً من أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكلهم محدثون ، ومنهم علي بن أبي طالب وهو أولهم(٣) ، وبقية الأئمة من ولد علي وفاطمة إلى أن تقوم الساعة(٤) ، وهم الحسن والحسين ، ثم الأئمة من ولد الحسينعليه‌السلام (٥) ، وهم تسعة من صلبه(٦) ، وتاسعهم قائمهم(٧) .

وروى الإمام الباقرعليه‌السلام عن الصحابي الجليل جابر عبد اللّه الأنصاري حديث اللوح الذي هبط به جبرئيل على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الجنّة ، فأعطاه فاطمة3 ، وفيه أسماء الأئمة من بعده ، وفيه اثنا عشر اسماً هي أسماء الأوصياء أولهم عليعليه‌السلام وبعده أحد عشر من ولده ، وآخرهم القائمعليه‌السلام (٨) .

__________________

(١) معاني الأخبار : ١٠١ / ٣.

(٢) اكمال الدين : ٣٢٥ / ٤.

(٣) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢ : ٦٠ / ٢٤.

(٤) اكمال الدين ١ : ٢٢٢ / ٨.

(٥) الكافي ١ : ٥٣٣ / ١٦ ، عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢ : ٥٩ / ٢٢ ، الخصال : ٤٧٨ / ٤٤.

(٦) كفاية الأثر : ٢٤٥.

(٧) الخصال : ٤١٩ / ١٢.

(٨) اكمال الدين : ٣١١ / ٢ و ٣ ، الارشاد ٢ : ١٥٩ ، اعلام الورى ١ : ٥٠١.

٢٠٤

الوصية :

وذكر الإمام الباقرعليه‌السلام الوصية باعتبارها أهم ما يعهد به النبي إلى القائد الرسالي الذي يخلفه في قيادة الأمة في مسيرتها الرسالية ، ويكون حجةً للّه على العباد ، ووريثاً للنبوة ، ومحافظاً على ديمومة حركة الرسالة ، ولم يتخلف أحد من الأنبياء عن هذه القاعدة الإلهية منذ أبينا آدمعليه‌السلام حتى رسولنا المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتماشياً مع هذه السنن الإلهية خلّف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياًعليه‌السلام وصياً له من بعده ، في أحاديث كثيرة منها قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لكلّ نبي وصيّ ووارث ، وأنّ علياً وصيي ووارثي »(١) ، وبيّن أن أولاده المعصومين هم الأوصياء من بعده.

وجاء في حديث الإمام الباقرعليه‌السلام ما يؤكّد هذه المضامين ، ففي حديث عنهعليه‌السلام ذكر فيه اتصال الوصية منذ هبة اللّه وصيّ آدمعليهما‌السلام إلى سام بن نوحعليه‌السلام (٢) .

وفي حديث آخر عنهعليه‌السلام جاء فيه : «فلمّا انقضت نبوة آدم عليه‌السلام واستكمل أيامه ، أوصى اللّه تعالى إليه ، أن يا آدم قد قضيت نبوتك ، واستكملت أيامك ، فاجعل العلم الذي عندك والايمان والاسم الأعظم وميراث العلم وآثار علم النبوة في العقب من ذريتك ، عند هبة اللّه ابنك ، فإني لم أقطع العلم والإيمان والاسم الأعظم وآثار علم النبوة في العقب من ذريتك إلى يوم القيامة ، ولن أدع الأرض إلاّ وفيها عالم يُعرَف به ديني ، وتُعرَف به طاعتي ، ويكون نجاةً لمن يولد بينك وبين نوح »(٣) .

__________________

(١) الرياض النضرة ٣ : ١١٩ ، ذخائر العقبى : ٧١ ، فتح الباري ٨ : ١٥٠.

(٢) تفسير العياشي ٢ : ٢٨ / ١٢٣٧ ، قصص الأنبياء / الراوندي : ٦٢ / ٤٣.

(٣) تفسير العياشي ٢ : ٣٢ / ١٢٣٨ ، روضة الكافي ٨ : ١١٣ / ٩٢ ، اكمال الدين : ٢١٣ / ٢.

٢٠٥

وفي حديث آخر عنهعليه‌السلام ذكر فيه وصية موسىعليه‌السلام إلى فتاه يوشع بن نون(٢) .

وأخرج العلامة ابراهيم بن محمّد الصنعاني في كتابه (إشراق الأصباح) عن محمد بن علي الباقرعليه‌السلام ، عن آبائه: : عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حديث طويل ، وفيه : «وهو ـ يعني علياً ـوصيي ووليي »(٣) .

وعن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : «إن أقرب الناس إلى اللّه عزوجل وأعلمهم به وأرأفهم بالناس محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة : ، فادخلوا أين دخلوا ، وفارقوا من فارقوا ، فإن الحقّ فيهم ، وهم الأوصياء ، ومنهم الأئمة »(٤) .

التمسك بالأئمة وطاعتهم: :

تحدّث الإمام أبو جعفرعليه‌السلام عن حقوق أهل البيت الواجبة على الأُمّة ، والتي تسالم الحكام على الاعتداء عليها وتجاوزها ، ومن ذلك فرض طاعتهم ومولاتهم والتمسّك بهديهم ومودّتهم.

عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : «ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه ، وباب الأشياء ورضا الرحمن تبارك وتعالى ، الطاعة للإمام بعد معرفته ، ثم قال : إن اللّه تبارك وتعالى يقول : «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً » »(٥) .

__________________

(٢) تفسير العياشي ٣ : ٩٨ / ٢٦٦٦ ، اكمال الدين : ٢١٧ / ٢.

(٣) العقد الثمين / الشوكاني : ٤١.

(٤) اكمال الدين : ٣٢٨ / ٨.

(٥) الكافي ١ : ١٨٥ / ١ ، والآية من سورة النساء : ٤ / ٨٠.

٢٠٦

وعن أبي بصير أنه سأل الإمام الباقرعليه‌السلام عن قول اللّه تعالى : «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاْءَمْرِ مِنْكُمْ »(١) ، فقال : «نزلت في علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

قلت : إنّ الناس يقولون : فما منعه أن يسمّي علياً وأهل بيته في كتابه؟ فقال أبو جعفرعليه‌السلام :قولوا لهم : إنّ اللّه أنزل على رسوله الصلاة ولم يسمّ ثلاثاً ولا أربعاً حتى كان رسول اللّه هو الذي فسّر ذلك ، وأنزل الحجّ فلم ينزل طوفوا سبعاً حتى فسّر ذلك لهم رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنزل : «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاْءَمْرِ مِنْكُمْ »فنزلت في علي والحسن والحسين ، وقال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أوصيكم بكتاب اللّه وأهل بيتي ، اني سألت اللّه أن لا يفرّق بينهما حتى يوردهما عليّ الحوض ، فأعطاني ذلك »(٢) .

وجاء في حديث جابر الجعفي ، عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام : «وطاعتنا فريضة»(٣) .

وقالعليه‌السلام موضحاً أن التمسك بهم هو سبيل النجاة ، والتخلف عنهم هو سبيل الغواية والضلال : «نحن صراط اللّه المستقيم ، نحن رحمة اللّه للمؤمنين ، بنا يفتح اللّه ، وبنا يختم اللّه ، من تمسّك بنا نجا ، ومن تخلّف عنا غوى »(١) .

ومثلما ذكر حقوق الإمام على الرعية ، تحدث عن حق الرعية على الإمام.

عن أبي حمزة الثمالي ، قال : «سألت أبا جعفرعليه‌السلام ما حق الإمام على الناس؟

__________________

(١) سورة النساء : ٤ / ٥٩.

(٢) الكافي ١ : ٢٨٦ / ١ ، شواهد التنزيل / الحسكاني ١ : ١٨٩ / ٢٠٣.

(٣) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٣٦.

٢٠٧

 قال :حقه عليهم أن يسمعوا له ويطيعوا. قلت : فما حقهم عليهم؟ قال : يقسم بينهم بالسوية ، ويعدل في الرعية ، فإذا كان ذلك في الناس ، فلا يبالي من أخذ هاهنا وهاهنا »(٢) .

إخلاص الموالاة لهم: :

وحيث أن الإمامة منصب خطير ، به تقام الفرائض وتنتظم الأمور ، صارت الولاية أحد أركان الإسلام ، عن فضيل بن يسار ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : «بني الإسلام على خمس : على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية ، فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه »(٣) .

وعن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : «بني الإسلام على خمسة أشياء : على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية. قال زرارة : فقلت : وأي شيء من ذلك أفضل؟ فقال :الولاية أفضل ، لأنها مفتاحهن والوالي هو الدليل عليهن »(٤) .

وقال أبو جعفرعليه‌السلام : «من سره أن لا يكون بينه وبين اللّه حجاب حتى ينظر الى اللّه وينظر اللّه إليه ، فليتول آل محمد ويبرأ من عدوهم ، ويأتم بالإمام منهم »(٥) .

وعن الفضيل ، قال : نظر أبو جعفرعليه‌السلام إلى الناس يطوفون حول الكعبة ، فقال : «هكذا كانوا يطوفون في الجاهلية ، إنما أمروا أن يطوفوا بها ، ثم ينفروا

__________________

(١) عيون المعجزات : ٦٧.

(٢) الكافي ١ : ٤٠٥ / ١.

(٣) الكافي ٢ : ١٨ / ٣.

(٤) الكافي ٢ : ١٨ / ٥.

(٥) قرب الاسناد : ٣٥١.

٢٠٨

الينا فيعلمونا ولايتهم ومودتهم ، ويعرضوا علينا نصرتهم ، ثم قرأ هذه الآية «فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ » »(١) .

وفي قوله تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ »(٢) .

جاء عن الإمام الباقرعليه‌السلام في هذه الآية قوله : «كونوا مع آل محمد : »(٣) .

وقالعليه‌السلام : «من سرّه أن لا يكون بينه وبين اللّه حجاب حتى ينظر إلى اللّه وينظر اللّه إليه ، فليتول آل محمد ويبرأ من عدوهم ، ويأتم بالإمام منهم ، فإنه إذا كان كذلك نظر اللّه إليه ونظر إلى اللّه »(٤) .

مودتهم: :

لا يختلف اثنان أن مودة أهل البيت: عقيدة مستمدة من كتاب اللّه تعالى وسنة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومبدأ رسالي ينطوي على آثار مهمة في حياة الفرد والمجتمع ، من هنا حرص الإمام الباقرعليه‌السلام على نفض غبار التناسي والنسيان عن ذاكرة الأُمّة ، وإزالة تراكمات الحكام الذين عملوا على تبديل ذلك الودّ المفروض بالقتل والقمع والإرهاب والترويع والبغض والنصب ، فذكّرهم بضرورة من ضرورات الدين ، وحق من حقوق أهل البيت الثابتة لهم لطهارتهم وعصمتهم وقربهم من ربهم ، مبيناً أن حبهم من الإيمان ، بل هو أصل الإيمان.

__________________

(١) أصول الكافي ١ : ٣٩٢ / ١ ، والآية من سورة إبراهيم : ١٤ / ٣٧.

(٢) سورة التوبة : ٩ / ١١٩.

(٣) ترجمة الإمام عليعليه‌السلام من تاريخ مدينة دمشق ٢ : ٤٢١ / ٩٣٠.

(٤) قرب الاسناد : ٣٥١.

٢٠٩

قالعليه‌السلام : «حبنا إيمان ، وبغضنا كفر »(١) .

وقالعليه‌السلام : «إنّما حبنا أهل البيت شيء يكتبه اللّه في قلب العبد ، فمن كتبه اللّه في قلبه لم يستطع أحد أن يمحوه ، أما سمعت اللّه يقول : «أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِْيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ» (٢) فحبنا أهل البيت من أصل الإيمان »(٣) .

آثار مودّتهم: :

بيّن الإمام الباقرعليه‌السلام عمق الآثار المترتبة على حب آل البيت ، ومنها أنه دليل على طهارة القلب وطيب المولد ، ويؤدي بالمرء إلى غفران الذنوب والخلاص من شديد الحساب والأمن من فزع يوم القيامة.

قال الإمام الباقرعليه‌السلام : «لا يحبّنا عبد ويتولانا حتى يطهّر اللّه قلبه ، ولا يطهّر اللّه قلب عبد حتى يسلّم لنا ويكون سلما لنا ، فإذا كان سلما لنا سلّمه اللّه من شديد الحساب ، وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر »(٤) .

وعنهعليه‌السلام ، قال : «من أصبح يجد برد حبنا على قلبه فليحمد اللّه على بادئ النعم . قيل : وما بادئ النعم؟ قال :طيب المولد »(٥) .

وقالعليه‌السلام : «محبنا في الجنة ، ومبغضنا في النار »(٦) .

__________________

(١) الكافي ١ : ١٨٨ / ١٢ ، المحاسن ١ : ٢٤٧ / ٤٦٣.

(٢) المجادلة : ٥٨ / ٢٢.

(٣) شواهد التنزيل ٢ : ٣٣٠ / ٩٧١.

(٤) الكافي ١ : ١٩٤ / ١.

(٥) معاني الأخبار : ١٦١ / ٢.

(٦) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٣٦.

٢١٠

وقالعليه‌السلام : «بحبّنا تغفر لكم الذنوب »(١) .

وإخلاص حبهم هو دليل على بلوغ حقيقة الإيمان ، روى فضيل بن يسار ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : «لا يبلغ أحدكم حقيقة الإيمان حتى يكون فيه ثلاث خصال : حتى يكون الموت أحب إليه من الحياة ، والفقر أحب إليه من الغنى ، والمرض أحب إليه من الصحة . قلنا : ومن يكون كذلك؟ قال :كلكم . ثم قال :أيما أحب إلى أحدكم؛ يموت في حبنا ، أو يعيش في بغضنا؟ فقلت : نموت واللّه في حبكم أحب إلينا. قال :وكذلك الفقر والغنى والمرض والصحة . قلت : إي واللّه»(٣) .

ونقل الإمام الباقرعليه‌السلام عن جده رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنينعليه‌السلام كثيراً من الأحاديث في هذا الاتجاه(٤) .

الصلاة عليهم :

الصلاة على النبي وآله من الحقوق التي جاءت صريحة لأهل البيت: في محكم الكتاب الكريم في قوله تعالى : «إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً »(٤) ، وثبت في السنن المنقولة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه حينما سئل عن كيفية الصلاة قال : «قولوا اللهم صل على محمد

__________________

(١) أمالي الطوسي : ٤٥٢ / ١٠١٠.

(٢) معاني الأخبار : ١٨٩.

(٣) راجع : أمالي الطوسي : ٤٢٣ / ٩٤٧ ، تفسير البرهان / البحراني ٣ : ٢١٢ في تفسير قوله تعالى : «من جاء بالحسنة فله خير منها» ، مناقب ابن المغازلي : ١٣٨ ، بحار الأنوار ٢٦ : ٢٢٧ / ١ و ٢٧ : ٧٧ / ٨.

(٤) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٥٦.

٢١١

وآل محمد ».

ونقل عن الإمام الباقرعليه‌السلام ما يؤكد هذا الحق الثابت والمضيع ، أو المنقول بصور مشوهة ومبتورة تزلفاً للحكام الذين استخدموا شتى الوسائل في حرب مفتوحة على أهل هذا البيت الطاهر.

وقد صرّح الإمام الباقرعليه‌السلام بوجوب الصلاة عليهم في التشهّد(٢) .

ورويت أحد صور الصلاة على النبي والآل: عن الإمام الباقرعليه‌السلام ، وبين فضلها ، بالاسناد عن ناجية ، قال : «قال أبو جعفر الباقرعليه‌السلام :إذا صلّيت العصر يوم الجمعة فقل : اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد الأوصياء المرضيّين بأفضل صلواتك ، وبارك عليهم بأفضل بركاتك ، والسلام عليه وعليهم وعلى أرواحهم وأجسادهم ورحمة اللّه وبركاته. فإنّه من قالها بعد العصر ، كتب اللّه له مائة ألف حسنة ، ومحا عنه مائة ألف سيئة ، وقضى له بها مائة ألف حاجة ، ورفع له بها مائة ألف درجة »(٣) .

فضل أهل البيت: ومنزلتهم :

واستغرق الإمام أبو جعفرعليه‌السلام في الحديث عن عظمة منصب الإمامة وسمو منزلتها عند اللّه تعالى في جملة أحاديث بين فيها أن الإمامة عهد من اللّه لشخص محدّد متميّز بخصال وصفات تؤهله لهذا المنصب العظيم ، منها أنه معصوم متنزّه من الظلم بجميع صوره. روى جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : «إن اللّه اتّخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتّخذه نبياً ، واتّخذه نبياً قبل أن يتّخذه رسولاً ، واتّخذه رسولاً قبل أن يتّخذه خليلاً ، واتّخذه خليلاً قبل أن يتّخذه

__________________

(١) جلاء الأفهام / ابن قيم الجوزية : ٢٥٣.

(٢) أمالي الصدوق : ٤٨٣ / ٦٥٦ ، أمالي الطوسي : ٤٤٠ / ٩٨٦.

٢١٢

 إماماً ، فلمّا جمع له هذه الأشياء ـ وقبض يده ـ قال له : يا إبراهيم إني جاعلك للناس إماماً فمن عظمها في عين إبراهيم عليه‌السلام قال : يا رب ، ومن ذريتي؟ قال : لا ينال عهدي الظالمين »(١) .

وتحدث عن خصوص منزلة أهل بيت النبي: المعصومين الذين فرض اللّه طاعتهم ، وعن فضائلهم التي حباهم اللّه بها في أحاديث عدّة ، منها حديث خيثمة الجعفي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : « سمعته يقول :نحن جنب اللّه ، ونحن صفوته ، ونحن خيرته ، ونحن مستودع مواريث الأنبياء ، ونحن أمناء اللّه عزوجل ، ونحن حجج اللّه ، ونحن أركان الإيمان ، ونحن دعائم الإسلام ، ونحن من رحمة اللّه على خلقه ، ونحن الذين بنا يفتح وبنا يختم ، ونحن أئمة الهدى ، ونحن مصابيح الدجى ، ونحن منار الهدى ، ونحن السابقون ، ونحن الأخرون ، ونحن العلم المرفوع للخلق ، من تمسك بنا لحق ، ومن تخلف عنا غرق ، ونحن قادة الغر المحجلين ، ونحن خيرة اللّه ، ونحن الطريق الواضح والصراط المستقيم إلى اللّه عزوجل ، ونحن من نعمة اللّه عزوجل على خلقه ، ونحن المنهاج ، ونحن معدن النبوة ، ونحن موضع الرسالة ، ونحن الذين إلينا تختلف الملائكة ، ونحن السراج لمن استضاء بنا ، ونحن السبيل لمن اقتدى بنا ، ونحن الهداة إلى الجنة »(٢) .

وعنه عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : «نحن شجرة النبوة ، وبيت الرحمة ، ومفاتيح الحكمة ، ومعدن العلم ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، وموضع

__________________

(١) الكافي ١ : ١٧٥ / ٤.

(٢) اكمال الدين : ٢٠٥ / ٢٠ ، بصائرالدرجات : ٨٢ / ١٠ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٣٦.

٢١٣

سر اللّه ، ونحن وديعة اللّه في عباده ، ونحن حرم اللّه الأكبر ، ونحن عهد اللّه ، فمن وفى بذمتنا فقد وفى بذمة اللّه ، ومن وفى بعهدنا فقد وفى بعهد اللّه ، ومن خفرنا فقد خفر ذمة اللّه وعهده »(١) .

وعن سدير ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : «قلت له : جعلت فداك ، ما أنتم؟ قال :نحن خزان علم اللّه ، ونحن تراجمة وحي اللّه ، ونحن الحجة البالغة على من دون السماء ومن فوق الأرض »(٢) .

وعن جابر الجعفي ، قال : قال الباقرعليه‌السلام : «نحن ولاة أمر اللّه ، وخزان علم اللّه ، وورثة وحي اللّه ، وحملة كتاب اللّه» (٣) .

وعن الفضيل بن يسار ، قال أبو جعفرعليه‌السلام : «يا فضيل ، ما ينقم الناس منا ، فواللّه إنّا لشجرة النبوة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، وبيت الرحمة ، ومعدن العلم »(٤) .

وعنهعليه‌السلام : «نحن الأُمّة الوسطى ، ونحن شهداء اللّه على خلقه ، وحججه في أرضه »(٥) .

فضل الحسينعليه‌السلام وزيارته :

الحسينعليه‌السلام مفجّر ثورة تصحيح المسار في الزمن العصيب ، كان له نصيب وافر من حديث الإمام الباقرعليه‌السلام الذي شهد الثورة وهو غلام رباعي ، وحمل

__________________

(١) بصائر الدرجات : ٧٧ / ٣.

(٢) الكافي ١ : ١٩٢ / ٣.

(٣) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٣٦.

(٤) بصائر الدرجات : ٧٧ / ٥.

(٥) الكافي ١ : ١٤٦ / ٢ و ١٤٧ / ٤ ، بصائر الدرجات : ١٨٣ / ١١ و ١٠٢ / ٣.

٢١٤

منارها طوال حياته لاستثمار النصر الذي حققه جده الحسينعليه‌السلام بدمه الزكي ، واستكمال الخطوات التي حمل السجادعليه‌السلام أعباءها في الدفاع عن أهداف نهضة الحسينعليه‌السلام وتأصيل مبادئها في أذهان الأمة ، عن طريق التحديث بفضائل قائد النهضة وفضل التواصل مع دلالات ثورته وتعهده بالزيارة تصديقاً لما رغب فيه.

روى محمد بن مسلم عن الباقر والصادقعليهما‌السلام : «أن للحسين عليه‌السلام ثلاث فضائل يتميز بها عن سواه من الخلق ، فضلاً عن سائر فضائله الأخرى ، وهي : أن جعل اللّه الإمامة في ذريته ، والشفاء في تربته ، واجابة الدعاء عند قبره »(١) .

وعنه ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : «مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه‌السلام ، فإنّ إتيانه يزيد في الرزق ، ويمدّ في العمر ، ويدفع مدافع السوء ، وإتيانه مفترض على كل مؤمن يقرّ له بالإمامة من اللّه» (٢) .

وعن داود الرقي ، قال : «قال الباقر محمد بن علي بن الحسين : : من زار الحسين عليه‌السلام في ليلة النصف من شعبان غفرت له ذنوبه ، ولم تكتب عليه سيئة في سنته حتى تحول عليه السنة ، فإن زاره في السنة المستقبلة غفرت له ذنوبه »(٣) .

الغيبة :

__________________

(١) اعلام الورى ١ : ٤٣١.

(٢) تهذيب الأحكام ٦ : ٤٢ / ١ ، كامل الزيارات : ٢٨٤.

(٣) الإمالي / الطوسي : ٤٧ / ٥٩.

٢١٥

 

استغرق موضوع الغيبة كثيراً من حديث الإمام الباقرعليه‌السلام وجهوده ، ويبدو أن واحدة من دواعي ذلك هو اعتقاد بعض الناس بمهدويته هوعليه‌السلام ، وما أرجف به الأمويون من ادعاء مهدوية عمر بن عبد العزيز ، وصنع الوضاعون روايات عن الباقرعليه‌السلام وفاطمة بنت عليعليه‌السلام تؤيد مهدوية عمر بن عبد العزيز ، ومنها الحديث المزعوم عن الباقرعليه‌السلام : النبي منّا ، والمهدي من بني عبد شمس ، ولا نعلمه إلاّ عمر بن عبد العزيز ، ونحو ذلك(١) . لأجل الطعن بهذه العقيدة وإضعافها في نفوس معتقديها.

وعلى ضوء ذلك عمل الإمام الباقرعليه‌السلام في اتجاهين ، الأول : نفي مهدويته ومهدوية غيره من المدعين. الثاني : تشخيص هوية مهدي أهل البيت الذي بشّر به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة الميامين من قبل ، وبيان خصاله التي لا تنطبق إلاّ عليه.

١ ـ نفي ادعاء مهدويتهعليه‌السلام :

كان ردّ الإمام الباقرعليه‌السلام على من ادعى المهدوية له أو لغيره ، يبتني على جملة أمور ، هي :

أ ـ تأكيد أن كل واحد من أئمة أهل البيت: قائم بأمر اللّه ، ويهدي إلى اللّه عزّوجلّ ، لكنه ليس القائم أو المهدي الموعود صاحب السيف الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.

ب ـ تأكيد أن المهديعليه‌السلام يظهر في صورة شاب أقل عمراً منهعليه‌السلام ، وأنى يكون هو المهدي وقد دنى أجله؟!

روي أن الحكم بن أبي نعيم كان يعتقد مهدوية الإمام الباقرعليه‌السلام ، قال : «أتيت أبا جعفرعليه‌السلام بالمدينة فقلت له : جعلت فداك ، إني جعلت عليّ نذر صيام

__________________

(١) راجع : الطبقات الكبرى ٥ : ٣٣٣ ، تاريخ دمشق ٤٥ : ١٨٧.

٢١٦

وصدقة إن أنا لقيتك لم أخرج من المدينة حتى أعلم أنك قائم آل محمدعليه‌السلام أو لا ، فإن كنت أنت رابطتك ، وإن لم تكن انتشرت في الأرض وطلبت المعاش؟

فقالعليه‌السلام :يا حكم ، كلنا قائم بأمر اللّه عزّوجلّ . فقلت : وأنت المهدي؟ قال :كلنا نهدي إلى اللّه عزّوجلّ . قلت : فأنت صاحب السيف ووارث السيف ، وأنت الذي تقتل أعداء اللّه وتعزّ أولياءه ، ويظهر بك دين اللّه؟ قال :يا حكم ، أكون أنا هو وقد بلغت هذا! أليس صاحب الأمر أقرب عهداً باللين مني؟! ثم قال بعد كلام طويل :سر في حفظ اللّه والتمس معاشاً »(١) .

وعن الأعمش عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : «يزعمون أني أنا المهدي ، وإني إلى أجلي أدنى مني إلى ما يدعون ، ولو أن الناس اجتمعوا على أن يأتيهم العدل من باب ، لخالفهم القدر حتى يأتي به من باب آخر »(٢) .

ج ـ تأكيد أن المهدي الموعودعليه‌السلام يتميز بصفات لا تنطبق على أحد ممن أدّعي له هذا الأمر ، سواء كان من أهل البيت: أو من غيرهم ، منها :

أولاً : خفاء ولادته :

قال الشيخ المفيد : روي عن الباقرعليه‌السلام : أن الشيعة قالت له يوماً : «أنت صاحبنا الذي يقوم بالسيف؟ قال :لست بصاحبكم ، انظروا من خفيت ولادته ، فيقول قوم ولد ، ويقول قوم ما ولد ، فهو صاحبكم »(٣) .

وعن أبي الجارود ، عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام ، قال : «لا تزالون تمدون أعناقكم إلى الرجل منا تقولون : هو هذا ، فيذهب اللّه به ، حتى يبعث اللّه لهذا

__________________

(١) الهداية الكبرى : ٢٤٢.

(٢) تاريخ دمشق ٤٥ : ٢٩١.

(٣) رسائل في الغيبة ٢ : ١٣.

٢١٧

الأمر من لا تدرون ولد أم لم يولد ، خلق أم لم يخلق »(١) .

وعن عبد اللّه بن عطاء ، قال : قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : «إن شيعتك بالعراق كثيرون ، فواللّه ما في أهل بيتك مثلك ، فكيف لا تخرج؟! فقال :يا عبد اللّه بن عطاء ، قد أمكنت الحشو من أذنيك! واللّه ما أنا بصاحبكم. قلت : فمن صاحبنا؟ قال : انظروا من تخفى على الناس ولادته ، فهو صاحبكم »(٢) .

ثانياً : الفتنة والتمحيص :

ذكرعليه‌السلام في أحاديث كثيرة مرور شيعته خلال غيبة الإمام المهديعليه‌السلام بمرحلة طويلة من التمحيص والابتلاء ، ومنه عن محمد بن منصور الصيقل ، عن أبيه ، قال : «دخلت على أبي جعفر الباقرعليه‌السلام وعنده جماعة ، فبينا نحن نتحدث وهو على بعض أصحابه مقبل ، إذ التفت إلينا وقال :في أي شيء أنتم؟ هيهات هيهات ، لا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم حتى تمحّصوا ، هيهات ولا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم حتى تميّزوا ، ولا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم حتى تغربلوا ، ولا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم إلاّ بعد إياس »(٣) .

٢ ـ تشخيص هوية المهديعليه‌السلام وبيان خصاله :

وأخبر أبو جعفر الباقرعليه‌السلام أن الإمام الحجةعليه‌السلام هو الثاني عشر من الأئمةعليه‌السلام ، وشخص بعض صفاته التي لا تنطبق إلاّ عليه ، كما ذكر الملاحم والفتن وعلامات الظهور ، وقيام دولة الحق على يديه.

__________________

(١) الغيبة / النعماني : ١٨٨.

(٢) اكمال الدين : ٣٢٥ / ٢.

(٣) الغيبة / النعماني : ٢١٦.

٢١٨

ولكي لا يطول بنا المقام هنا ، اقتصر على ذكر بعض مضامين حديث الإمام الباقرعليه‌السلام في هذا الاتجاه ، فقد ورد عنه أن الإمام المهديعليه‌السلام من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) ، وهو رجل من ولد الحسينعليه‌السلام (٢) ، وهو الإمام التاسع من بعد الحسين بن عليعليهما‌السلام (٣) ، والسابع من بعد الباقرعليه‌السلام (٤) ، وهو ابن أمة(٥) ، وله غيبتان(٦) ، وأن قيامهعليه‌السلام من المحتوم الذي لا تبديل له عند اللّه(٧) .

وفيه شبه بالأنبياء: وسنن من سننهم ، منهم يونس بن متىعليه‌السلام في غيبته وعودته ، ويوسفعليه‌السلام في حبسه وغيبته ، وموسىعليه‌السلام بكونه خائفاً يترقب ، وعيسىعليه‌السلام في اختلافهم به ، بين قائل : انه مات ، وقائل : انه لم يمت ، ومحمد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خروجه بالسيف ، وقتله أعداء اللّه وأعداء رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الجبارين والطواغيت ، وأنه ينصر بالسيف والرعب ، وأنه لا ترد له راية(٨) .

وروي عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنه يصلح اللّه له أمره في ليلة واحدة(٩) ، ويخرج في آخر الزمان فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً

__________________

(١) الغيبة / النعماني : ٢٣٤ ، الارشاد ٢ : ٣٧١.

(٢) عقد الدرر : ١٢٦ ، الارشاد ٢ : ٣٤٧.

(٣) الغيبة / النعماني : ٩٤ ، كفاية الأثر : ٢٥١.

(٤) الغيبة / النعماني : ٩٦ ، كفاية الأثر : ٢٥١.

(٥) الغيبة / النعماني : ١٦٦ و ٢٣٣ و ٣٢٩.

(٦) الغيبة / النعماني : ١٧١ و ١٧٨ ، دلائل الإمامة : ٥٣٥.

(٧) الغيبة / النعماني : ٨٨.

(٨) اكمال الدين : ٣٢٦ / ٦ و ٧ و ١١ ، الغيبة / النعماني : ١٦٧.

(٩) الغيبة / النعماني : ١٦٦ و ٢٣٣ و ٣٢٩.

٢١٩

وظلماً(١) ، وأنه منصور بالرعب ، مؤيد بالنصر ، تطوي له الأرض وتظهر له الكنوز ، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب ، ويظهر اللّه عزّوجلّ به دينه على الدين كله ولو كره المشركون ، فلا يبقى في الأرض خراب إلاّ قد عمّر ، وينزل روح اللّه عيسى بن مريمعليه‌السلام فيصلّي خلفه(٢) ، ويهدم ما قبله كما صنع رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويستأنف الإسلام جديداً(٣) ، وإذا قام قسم بالسوية ، وعدل في الرعية(٤) ، وذكر علامات ظهوره المقدس وأخبار أصحابه ودولته في أخبار طويلة(٥) .

٣ ـ كلماتهعليه‌السلام في الموت والجنّة والنار :

معنى الموت :

قيل لمحمد بن علي الباقرعليه‌السلام : «ما الموت؟ قالعليهما‌السلام :هو النوم الذي يأتيكم في كل ليلة ، إلاّ أنه طويل مدته ، لا ينتبه منه إلاّ يوم القيامة »(٦) .

عظمة الجنة والنار :

عن المنهال بن عمرو ، عنهعليه‌السلام ، قال : «اذكروا من النار ما شئتم ، ولا تذكرون منها شيئاً إلاّ وهي أشد منه ، واذكروا من الجنّة ما شئتم ، ولا تذكرون منها شيئاً إلاّ وهي أفضل »(٧) .

__________________

(١) كفاية الأثر : ٢٥١.

(٢) اكمال الدين : ٣٣٠ / ١٦.

(٣) الغيبة / النعماني : ٢٣٧.

(٤) الغيبة / النعماني : ٢٤٢.

(٥) الغيبة / النعماني : ٢٨٨ و ٣١٥ ، عقد الدرر ١ : ٤٩ و ٦٤.

(٦) الاعتقادات / الشيخ الصدوق : ٣١.

(٧) تاريخ دمشق ٤٥ : ٢٨٢ ، سير أعلام النبلاء ٤ : ٤٠٥.

٢٢٠